التصنيفات
لغــة وأدب عربي

من لسانيات الجملةالى لسانيات النص


ـ الوظيفة التعبيرية f.expressive‏
ـ الوظيفة الانتباهية f.phatique‏
ـ الوظيفة الإفهامية f.conative‏
ـ الوظيفة ما وراء لغوية‏
f.****- linguistique‏
ـ الوظيفة الشعرية f.poetique‏
وتعد هذه الوظيفة (الشعرية) هي الوظيفة الأساسية في الخطاب الأدبي، ولذلك يمكننا القول بأن تعريف النص الأدبي عند جاكبسون لـه علاقة وثيقة بمفهوم الوظيفة الأساسية في النص؛ غير أن هذا لا يعني أن باقي الوظائف لا تؤدي دورها؟.. وإنما تتعالق وتتعاضد على أداء دورها بما يخدم الوظيفة الشعرية.‏
لقد ((ميز جاكبسون بين العناصر اللغوية التي لها مدلول ثابت والعناصر التي لا يمكن أن تدل إلا بالإحالة إلى حال الخطاب وذلك مثل الضمائر وأسماء الإشارة الموصولة والظروف….))(49).‏
أما رولان بارت r.barthes فقد عد النص نسيجاً وحجاباً جاهزاً يكمن وراءه المعنى/الحقيقة مختفياً يقول: ((فإننا سنشدد داخل النسيج على الفكرة التوليدية القائلة إن النص يتكون ويصنع نفسه من خلال تشابك مستمر، ولو أحببنا عمليات استحداث الألفاظ لا استطعنا أن نصف نظرية النص بكونها علم نسيج العنكبوت وشبكته))(50). فلما شبه بارت، النص بالنسيج الذي منه يحصل حجاب جاهز ولباس نلبسه ويسترنا ونتخفى فيه ويصبح جزء من شخصيتنا يكون في رأيي قد أصاب الحقيقة؛ لأن النص هو أيضاً منتوج لعملية التشابك المستمر والانسجام والتماسك التي يقيمها الناص/ الكاتب للمكلمات والجمل والمعاني التي تعطينا في النهاية ـ نصاً، كما تعطي العنكبوت شبكة من ذاتها فالناص يعادل أو يوازي العنكبوت في هذا التعريف ـ والشبكة توازي أو تعادل شبكة الكلمات والجمل والمعاني التي تؤلف النص، ولكأني “برولان بارت” يعد النص إنتاجية productivite شأنه شأن ما ذهبت إليه “جوليا كريستيفا” كما رأينا سابقاً يقول: ((النص نشاط وإنتاج… النص قوة متحولة، تتجاوز جميع الأجناس والمراتب المتعارف عليها، لتصبح واقعاً نقيضاً يقاوم الحدود وقواعد المعقول والمفهوم. إن النص ـ وهو يتكون من نقول منتظمة وإشارات وأصداء لغات وثقافات عديدة ـ تكتمل فيه خريطة التعدد الدلالي. إن النص مفتوح، ينتجه القارئ في عملية مشتركة لا مجرد استهلاك. هذه لمشاركة لا تتضمن قطيعة بين البنية والقراءة؛ وإنما تعني اندماجهما في عملية دلالية واحدة فممارسة القراءة إسهام في التأليف))(51).‏
لقد وسع بارت مفهوم النص؛ فهو عنده، نشاط وإنتاج وهو بهذا النشاط والإنتاج يصير قوة متحولة، ثم هو ملتقى للمعارف واللغات والثقافات أساسه النقول المختلفة، إنه يتناص مع غيره من النصوص السابقة ويؤسس لتناص آخر مع النصوص التالية لـه ثم إن النص يتعدى كتابته إلى القارئ الذي يشارك في عملية إنتاجه ويتجاوز القراءة الاستهلاكية إلى القراءة المنتجة التي تساهم في التأليف والبناء.‏
ويقدم لنا الدكتور محمد مفتاح مجموعة من التعريفات المتعلقة بالنص:‏
فهو: مدونة كلامية يتألف من الكلام لا من أشياء أخرى غير الكلام.‏
وهو: حدث: بمعنى أنه يقع في زمان ومكان محددين لا يعيد نفسه مثله مثل الحدث التاريخي.‏
وتواصلي: بمعنى أنه يهدف إلى إيصال معلومات ونقل خبرات وتجارب مختلفة إلى المتلقي.‏
وتفاعلي: أي أنه يؤدي وظيفة تفاعلية ويقيم علاقات بين أفراد المجتمع ويحافظ على ذلك.‏
ومغلق: أي أن لـه نقطة بداية ونقطة نهاية.‏
وتوالدي: أي أنه سلسل أحداث تاريخية ونفسانية ولغوية وتنبثق منه أحداث لغوية أخرى لاحقة له(52).‏
إن كل تعريف من هذه التعريفات يعكس وجهة نظر خاصة بمعرفة وبالمرجعيات الفكرية والتراكمات المعرفية التي ينطلق منها والخصوصيات الاجتماعية والنفسية والحضارية التي تميزه عن غيره؛ فهناك التعريف البنوي والتعريف الخاص باجتماعية الأدب والتعريف الذي يركز على الجانب النفساني في الأدب والتعريف الخاص باتجاه تحليل الخطاب. ومن هذا كله خلص الدكتور محمد مفتاح إلى تركيب التعريف الآتي: ((النص، إذاً، مدونة حدث كلامي ذي وظائف متعددة))(53) فالملاحظ أن هذا التعريف قد حاول الإحاطة بكل الجوانب المتعلقة بالنص: الاجتماعية والتاريخية والنفسانية واللسانية، ثم إنه أعد النص مدونة حدث كلامي؛ أي أنه يتعلق بالكتابة؛ فهو ما نكتبه. وقد اعتمد محمد مفتاح على: “جيليون براون g.braown” و”جورج يول g.yule” فلهما كتاب مهم هو: ((تحليل الخطاب)) الصادر سنة 1983 عن مطبوعات جامعة كمبريدج، وهو يعد نقلة نوعية في ميدان تحليل الخطاب بما احتواه من اقتراحات ومناقشات لوجهات نظر عديدة تنتمي إلى تخصصات متنوعة لها اهتمام هي ـ الأخرى ـ بتحليل الخطاب. فأهم ما ميز رأي “يول وبراون” هو اختزالهما لوظائف اللغة إلى وظيفتين اثنتين تحقيقاً للجدوى التحليلية وهما:‏
ـ الوظيفة النقلية أو التعاملية؛ وتقوم بنقل الأفكار والمعلومات مابين الأفراد والجماعات وهي بذلك تساهم في تطوير الثقافات ((إن تعليق قيمة الاستعمال اللغوي بمدى قدرته على نقل المعلومات مترسخ جيداً في إرثنا الثقافي. فكلنا يؤمن بأن تلك الوظيفة هي ميزة اللغة التي مكنت بني الإنسان من تطوير ثقافات متنوعة، لكل منها تقاليدها الاجتماعية وممارساتها وطقوسها الدينية وأعرافها وإبداعاتها الشفوية وقوانين معاملاتها المختلفة، وما إلى ذلك))(53).‏
ـ والوظيفة الثانية:هي الوظيفة التفاعلية(55)؛ أي قيام شكل من أشكال التفاعل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات؛ أي هناك هدف إلى تأسيس وتعزيز العلاقات الاجتماعية والحفاظ عليها، وهذا النقل والتفاعل لا يتم إلا من خلال الكتابة؛ كتابة النصوص وقراءتها؛ يقول براون ويول: ((…… بل إننا نؤمن أكثر من ذلك بأن اكتساب اللغة المكتوبة هو الذي مكن من ظهور الفلسفة والعلم والأدب في بعض من هذه الثقافات، كما أننا نؤمن جميعاً بأن هذا التطور الذي لم يكن ليتحقق لولا القدرة على نقل المعلومات بواسطة اللغة، تلك القدرة التي سنحت للإنسان بأن يستفيد من تجربة السابقين، ومن تجربة أناس آخرين ينتمون إلى ثقافات أخرى))(56). وعلى هذا فإن الكتابة هي الصفة الأساسية المميزة للنص عن الخطاب بالرغم من أن السرديين أمثال: “جينيت g.genette” و”تودوروف t.todorov” و”فاينريش weinrich” وغيرهم لا يفرقون بين الخطاب وبين النص ويستعملونها بالمعنى نفسه.‏
فـ”شلوميت shlomete”: ((تستعمل النص بمعنى، الخطاب الشفوي أو الكتابي أو بمعنى آخر هو ما نقرأ))(57).‏
فنلاحظها قد استعملت النص والخطاب بمعنى واحد وأعطت فضاء واسعاً للنص ليشمل الخطاب؛ بمعنى أن الخطاب نشاط تبليغي شفوي ولكنه يتحول إلى كتابة فيصير نصاً.‏
أما “فان ديك vandjik” فيفترض أن أي تحديد للنص يقتضي الانطلاق من نظرية أدبية محددة، ويقول في مادة نص في معجم الآداب: ((إن الخطاب هو في آن واحد فعل الإنتاج اللفظي ونتيجته الملموسة والمسموعة والمرئية بينما النص هو مجموعة البنيات النسقية التي تتضمن الخطاب وتستوعبه وبتعبير آخر، إن الخطاب هو الموضوع المجسد أمامنا كفعل أما النص فهو الموضوع المجرد والمفترض؛ إنه نتاج لغتنا العلمية))(58).‏
إن النظرية اللسانية ـ في نظر فان ديك ـ تعد الجملة وحدة لغوية قابلة للوصف ووصف الجملة يصدق هو بدوره على وصف الجملة المركبة وكذلك على متتاليات الجمل وعليه فإن الفرق بين الجملة والجملة المركبة ومتتاليات الجمل فرق نسقي، ولذلك دعا “فان ديك” إلى إعادة بناء الأقوال ليس على شكل جمل وإنما على شكل وحدة أكبر وهي النص ويعني به البناء النظري التحتي المجرد لما يسمى عادة خطاباً(59).‏
وعلى الرغم من الجهود التي بذلها “فان ديك” وغيره من الدارسين في هذا الميدان فإن “هاليداي halliday” قد اكتسب شهرة كبيرة فهو أحد تلامذة “فيرت firth” وتعد أعماله امتداداً لأعمال أستاذه حتى أطلق عليه اسم “الفيرثية الجديدة”؛ فقد وجه “فيرت firth” نقداً شديداً للذين اهتموا بدراسة التركيب الداخلي للغة مهملين الجانب الاستعمالي لها في إطار المجتمع ومايمكن أن يفرضه من ضوابط وأعراف وأوضاع على مستعملي اللغة تحكم استعمالاتهم وتوجههم إلى اختيار السياقات المناسبة لتلك الاستعمالات، وقد انتهى “فيرت firth” إلى أن تحدي المعنى يكون بـ:‏
1 ـ تحليل السياق صوتياً وصرفياً ونحوياً ومعجمياً.‏
2 ـ بيان شخصية المتكلم والمخاطب والظروف المحيطة بكلامهما.‏
3 ـ بيان نوع الوظيفة الكلامية لكل منهما.‏
4 ـ بيان الأثر الذي يتركه الكلام المتبادل بينهما فيهما معاً أو في أحدهما(60).‏
بدأ “هاليداي” بالتركيز على أن اللغة ظاهرة اجتماعية وبالتأكيد على وجود أنظمة متعددة للتعبير عن المعاني في مختلف الثقافات مثلاً: الموسيقى والرسم والنحت….الخ.‏
ولذلك يرى أن اتجاهه يتمثل في دراسة اللغة في علاقاتها بالبنيات الاجتماعية المختلفة، وهو العامل الذي كان مفقوداً في الدراسات السابقة، ولذلك فهو لا يلغيها بل يضيف إليها بعداً جديداً، وفي رأيه ((أن فهم اللغة كنظام يستوجب فهم الكيفية التي تعمل بها النصوص، ويعني ذلك ـ باختصار ـ انتقال “هاليداي ـ من الاهتمام بمستوى الجملة ـ كما كان شأنه في السابق ـ إلى الاهتمام بمستوى النص))(61).‏
كما أعد هاليداي “مصطلح السياق cotexte” ومصطلح النص وجهين متداخلين كوجهي العملة الواحدة؛ فالنص هو النص الظاهر المكتوب والسياق هو النص الخفي المصاحب للنص الظاهر ويتمثل ذلك في الأحوال والظروف المحيطة بإنتاج النص.‏
ثم يذهب إلى تعريف النص بأنه ((هو اللغة التي تخدم غرضاً وظيفياً؛ أي هو اللغة التي تخدم غرضاً في إطار سياق ما، وقد يكون النص منطوقاً أو مكتوباً))(62).‏
وبالرغم من كون النص نظاماً يبدو في شكل كلمات وجمل فإنه في حقيقة أمره نظاماً من المعاني، ينظر إلى النص على أنه عملية تفاعل وتبادل للمعاني بين المتعاملين باللغة في الواقع الاجتماعي(63). ومن خلال كل هذا يتحدث “هاليداي” عن الوظائف التالية:‏
ـ الوظيفة التجريبية: وتبرز في مستوى الاستعمال وتتألف من بعدين: بعد تجريبي يتعلق بتمثيل التجربة التي يعيشها المتكلم في سياق ثقافي واجتماعي، وبعد منطقي يتم من خلاله التعبير عن العلاقات المنطقية المجردة التي تشتق التجربة منها ضمنياً.‏
ـ الوظيفة التواصلية: وتتعلق بالبعد الاجتماعي للمتخاطبين وفيها يتم تحديد زاوية المتكلم ووضعه وأحكامه وتشفيره لدور علاقته في المقام وحوافز قوله لشيء ما في علاقته مع مخاطبه.‏
ـ الوظيفة النصية: وتتضمن الأصول التي تتركب منها اللغة لإبداع النص(64). ثم يذهب “هاليداي” في كتابه “اللغة كسيميوطيقا اجتماعية” إلى ((أن النص شكل لساني للتفاعل الاجتماعي)) (65).‏
وهو ـ هنا ـ يراعي السياق الذي أحدث فيه النص وكذا علاقته بالأبعاد الاجتماعية اللسانية والثقافية والمعرفية.‏
ويمكن القول: إن النص يأخذ معناه من خلال السياق الذي يحيط به والمعرفة التي يتواجد داخلها، أو كما قال الأستاذ عبد الفتاح كيليطيو في كتابه: ((الأدب والغرابة)):‏
((… ما يلاحظ أن كلاماً ما لا يصير نصاً إلى داخل ثقافة خاصة. لأن الكلام الذي تعتبره ثقافة ما نصاً قد لا يعتبر نصاً من طرف ثقافة أخرى. بل هذا ما يحدث في الغالب))(66).‏
معنى هذا أن الثقافة تلعب دوراً بالغ الأهمية في تمييز النصوص فقد تجعل كتابة ما نصاً وقد تجعل كتابة أخرى لا ترتقي إلى مرتبة النص.‏
وإذا كان “هاليداي” قد رأى النص هو اللغة التي تخدم غرضاً وظيفياً كما رأينا سابقاً فإن “دوبو غراند r.a.de beaugrand” قد رأى أن الفرق بين ماهو نص وماهو غير نص يكمن في البعد الاتصالي وحده(67). وهذا يعني أن كل وحدة لغوية أدت غرضاً تواصلياً فهي نص وكل ما عدا ذلك ليس نصاً، ولهذا اتجه “دوبوغراند” مباشرة إلى تحليل النصوص لأنها تشتمل على مستويات لغوية مختلفة فالنص ((استراتيجية اتصالية شاملة تمتد خارج المجال اللساني ولذلك فهي تقوم على نحو من نوع آخر يعرف بنحو التراكيب الكبرى ـ macro structures وهو يختلف على نحو التراكيب الصغرى micro structures)) (68).‏
قدم دوبوغراند عدة ملاحظات منها: أن اللسانيات الحديثة في نظره، اهتمت بمستوى الجملة وما دونها واعتبرت المستويات التي تتجاوز مستوى الجملة مجالاً من مجالات علم الأسلوب الذي اهتم فيه الأدباء بكيفية بناء النصوص وتأثير الأدباء على العصور، وأن الاهتمام الأساسي بدراسة النص بدأ في مرحلة لاحقة مع تطبيق المناهج اللسانية على الدراسات الأدبية كما كان الحال مع “سبيتزر” و”جاكسون” و”فنديك”.‏
وبناء على ذلك فإن علم النص ـ في نظره ـ قد تجاوز سائر تلك الدراسات التي اقتصرت على وصف التراكيب اللغوية وحدها ولم تهتم بكيفية بناء النصوص وأغراض استخدامها(69) وبذلك حدث تحول في الدراسات اللغوية المعاصرة بتجاوز دراسة الجمل المنعزلة إلى دراسة النصوص المعبرة عن اللغة في حالات استعمالها في مواقف تواصلية محددة مما أوجب دراسة العمليات التي يتم بواسطتها توظيف اللغة باعتبارها وسيلة تواصلية أساسية وتوسيع دائرة الاهتمام إلى علوم أخرى كعلم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس وحتى الحاسوب والسميولوجيا بل إنه ذهب إلى أن علم النص ـ من هذه الزاوية ـ يبدو أنه المجال القولي للسيميولوجيا(70).‏
إن أهم المفاهيم التي جاء بها “دوبوغراند وزميله دريسلار w.dresslar” هو مفهوم النصانية textualite(71)؛ فقد رأيا أن محاولات “هاريس” والتحويليين في إيجاد قواعد لإنشاء النصوص آلت جميعها إلى الفشل؛ لأنها لم تستطع أن تحدد موقفاً واضحاً من النصوص غير النحوية ومن اختلاف الأساليب في داخل النصوص. لذلك اقترحا بعض المبادئ العامة التي تصلح أساساً للنصانية دون أن تكتسب هذه المبادئ صفة القوانين الصارمة؛ أي هي مجرد مؤشرات مهمة في إنشاء النصوص، وهذه المبادئ هي:‏
1 ـ التناسق cohesion: والمقصود به الطريقة التي يتم بها ربط الأفكار في بنية النص الظاهرة، أو بصورة مبسطة يقصد به التشكيل النحوي للجمل والعبارات وما يتعلق بها من حذف وإضافة وغير ذلك…. ويتعلق كل هذا بالنص ذاته.‏
2 ـ الترابط الفكري coherence: ويعني الطريقة التي يتم بها ربط الأفكار داخل النص، ويعني ذلك وجود منطق للأفكار مبني على الخبرة وما يتوقعه الناس من النصوص في هذا المجال ويتعلق هذا العنصر أيضاً بالنص في حد ذاته.‏
3 ـ القصد intentionalite: ويعني أن النص ليس بنية عشوائية وإنما هو عمل مقصود به أن يكون متناسقاً ومترابطاً من أجل تحقيق هدف محدد، وبمعنى آخر هو عمل مخطط، لـه غاية يود بلوغها، وبالطبع فقد لا يستطيع منشئ النص أن يفي بتحقيق هذا العنصر النصاني…. ويتعلق هذا العنصر بمستعملي النص.‏
4 ـ المقامية situtionalite(72): يتعلق هذا العنصر بالسياق الثقافي والاجتماعي للنص ويعني أن يكون النص موجهاً للتلاؤم مع حالة أو مقام معين بغرض كشفه أو تغييره، وقد يكون الموقف الذي يحمله النص مباشراً يمكن إدراكه بسهولة أو غير مباشر ويمكن استنتاجه ويفترض هذا العنصر وجود مرسل ومرسل إليه.‏
5 ـ التناص intertextualite: يتعلق هذا العنصر كسابقة بالسياق الثقافي والاجتماعي فيرى “دوبوغران ودريسلار” أن عنصر التناص هو أهم العناصر المحققة للنصانية، فالنصوص في رأيهما، تكتب في إطار خبرة سابقة وبالرغم من أن مفهوم التناص يثير كثيراً من الإشكالات لأن بعض الدارسين المحدثين والمبدعين قد حرفوه عن معناه الصحيح، فإن المقصود به ليس أن تمثل النصوص إعادات لبعضها؛ وإنما المقصود به أن النصوص السابقة تشكل خبرة لتكوين النصوص اللاحقة والكشف عنها، وتؤسس النصوص اللاحقة ـ هي بدورها ـ لنصوص أخرى تأتي بعدها.‏
6 ـ الإخبارية informativite: يعد الجانب الإعلامي أو الإخباري عنصراً مهماً من عناصر النص، وتختلف درجة الإخبار بين النصوص بحسب نوعية كل نص، والمؤكد أن كل نص: يحمل قدراً من المعلومات الإخبارية.‏
7 ـ الاستحسان acceptabilite: (73) ويقصد به مدى استجابة القارئ للنص وقبوله له.‏
وبالرغم من أهمية هذه العناصر، يرى “دوبوغراند ودريسلار” أن طريقة تصميم النص إنما تعتمد على ظروف الواقع.‏
وبهذا فقد حاولا الإحاطة بالنص وبمستعمليه وبالسياق الاجتماعي ـ الثقافي الذي أنتج فيه النص، وعلى هذا فإن علم النص يعمل على إيجاد نوع من التوازن بين العناصر النحوية في اللغة والعناصر غير النحوية التي لها دخل بإنتاج النصوص من حيث هي وحدات تواصلية وهذا ماتم إبعاده من الدراسة في لسانيات الجملة.‏
إن هذه العناصر أو المبادئ التي أشار إليها كل من “دوبوغراند ودريسلار” في كتابهما: ((مقدمة للنصوص اللغوية)) تتقاطع بشكل أو بآخر مع ما ذهب إليه “جون ميشال آدام j.m.adam”(75) فقد بدأ بمحاولة تحديد مفهوم للنص مؤكداً على حتمية تجاوز الجملة التي لا تمثل ـ في رأيه ـ ا لوحدة الأساسية للتبادلات الكلامية والخطابية وإنما النص هو وحدة التبليغ والتبادل، ولذلك ينبغي الاهتمام بالنسيج النصي ومستوياته التي يحدثها المتكلمون أثناء ممارستهم اللغوية.‏
وما نلاحظه هنا أن “جون ميشال آدام” يسوي بين مستويين من اللغة هما: اللغة المنطوقة التي تتجلى في التواصل والممارسة الكلامية بين الأفراد واللغة المكتوبة التي تظهر في النصوص ويوسع “آدام” مجال اهتمامه إلى الاستعانة بعلوم أخرى مثل الأنثروبولوجيا والتاريخ وعلم النفس الإدراكي وأثنوغرافيا التبليغ والفلسفة… في دراسة السلوك الإنساني في المجال الرمزي وبخاصة الرمز اللغوي منه المتميز بطابع النصية، أو النصانية. ثم إن النصوص لكي يتم تداولها في المجتمع تحتاج أن يتوفر للمتكلمين ملكة نصية competence textuelle تمكنهم من فهم محتويات النص وإدراك أحداثه وتعينهم على إنتاجها.‏
لقد وسع “آدام” بهذا الطرح دائرة الملكة اللغوية competence linguistique لتشمل القدرات التبليغية les capacites communicatives التي تحقق التفاعل بين المتخاطبين وقد سبق أن لاحظنا هذا مع علماء اللسانيات الاجتماعية وبخاصة مع “ديل هايمس وفيرث وهاليداي”.‏
إن الملكة النصية عند “آدام” تنقسم إلى:‏
ـ ملكة نصية عامة: تمكن الفرد من إدراك نصوص متسقة ومترابطة وإنتاجها أيضاً.‏
ـ ملكة نصية خاصة: تمكن الفرد من إدراك مقاطع نصية معينة محددة: سردية أو وصفية أو برهانية حجاجية…. أو إنتاج مقاطع نصية أخرى على منوالها.‏
وقد خلص “جون ميشال آدام” انطلاقاً من كل هذا إلى أن ((النص منتوج مترابط وليس تتابعاً عشوائياً لألفاظ وجمل وقضايا وأفعال كلامية))(67).‏
4 ـ خلاصة:‏
نخلص من كل ما سبق إلى:‏
1 ـ الجملة وحدة لغوية قابلة للوصف النحوي تحلل من زاوية واحدة وهي كونها تركيباً نحوياً مجرداً.‏
2 ـ الملفوظ هو أيضاً وحدة لغوية قابلة للوصف اللساني وهو تمثيل جزئي للتلفظ الذي هو الفعل الحيوي في إنتاج اللغة. معنى ذلك أن الملفوظ مكتوب وأن التلفظ منطوق إن جاز هذا التعريف.‏
3 ـ الخطاب وحدة جملية كبرى قابلة للوصف اللساني ينتجها مخاطب واحد أو عدة مخاطبين بغرض التواصل.‏
4 ـ مهما كان التداخل بين الجملة والملفوظ فإن الملفوظ يختلف عن الجملة من حيث كونه وحدة لغوية أكبر منها.‏
5 ـ يعادل الملفوظ ـ في بعض الحالات ـ الخطاب ويعادل الخطاب التلفظ وعليه يتعلق الخطاب بالجانب الشفوي والكتابي وبخاصة عند بعض علماء السرد.‏
6 ـ توجد فروق محسوسة بين النص والخطاب تتمثل في:‏
ـ يفترض الخطاب وجود المتلقي لحظة إحداث الخطاب بينما يتوجه النص إلى متلق مؤجل يتلقاه عن طريق عينة قراءة؛ أي أن الخطاب نشاط تواصلي يتأسس ـ أولاً ـ على اللغة المنطوقة بينما النص مدونة مكتوبة.‏
ـ الخطاب لا يتجاوز سامعه إلى غيره؛ أي أنه مرتبط بلحظة إحداثه بينما النص لـه ديمومة الكتابة يقرأ في كل زمان ومكان.‏
ـ الخطاب تحدثه اللغة الشفوية بينما النص تنتجه الكتابة؛ أو كما قال “روبار اسكاربيت r.escarpit”: اللغة الشفوية تنتج خطابات بينما الكتابة تنتج نصوصاً، وكل منهما محدد بمرجعية القنوات التي يستعملها؛ الخطاب محدود بالقناة النطقية أي المشافهة بين المتكلم والمخاطب وعليه فديمومته مرتبطة بها لا تتجاوزها؛ أما النص فإنه يستعمل نظاماً خطياً فديمومته رئيسية في الزمان والمكان.‏
7 ـ يوجد من يجعل النص استراتيجية تواصلية عامة شاملة لكل هذه المصطلحات؛ من ملفوظ وتلفظ وخطاب إلا الجملة؛ لأنها وحدة لغوية خاصة بالبحث اللساني الخالص.‏
لكن عندما نتأمل الشروط المكونة للجملة نجدها تتعلق بالفائدة؛ فلكي تكون الجملة جملة لابد أن يكون لها معنى مفيداً يفهمه السامع وذلك ما يدخلها هي أيضاً في إطار التواصل فتصير وحدة لغوية قابلة للوصف هدفها التواصل، وتدخل ـ بذلك ـ ضمن النص كاستراتيجية تواصلية شاملة صالحة للدراسة والتحليل.‏
ويرى “هيلمسلاف l.hilmsleff” ((أن النص ملفوظ مهما كان منطوقاً أم مكتوباً طويلاً أم قصيراً قديماً أم جديداً، فكلمة “قف” هي نص مثلها مثل رواية طويلة،…))(77).‏
8 ـ نحو النص مصطلح يقابل المصطلح الأجنبي gramaire de texte استعمله الباحثون النحاة بهدف الوصف والدراسة اللغوية للأبنية النصية وتوضيح صور ترابطها النصي وهو لا يختلف ـ في نظري ـ عن لسانيات النص linguistique textuelle سوى أن المصطلح الأول استعمله النحاة على غرار نحو الجملة لأنهم رأوها هي وحدة التحليل النحوي، والمصطلح الثاني استعمله اللسانيون على غرار لسانيات الجملة لأنهم رأوها هي وحدة التحليل اللساني.‏
والأمر نفسه بالنسبة لعلم لغة النص فهذا أيضاً استعمال خصوصاً عند المشارقة الذين يترجمون linguistique بعلم اللغة بدل اللسانيات.‏
9 ـ إذا كان نحو النص أو لسانيات النص يتعلق بنوع محدد من النصوص ومن التحليل فإن علم النص textologie استعمال يوسع من نطاق التحليل ولا يقتصر على نوع واحد من النصوص بل يشمل أنواعاً عديدة مثل الرواية والإعلان الإشهاري والمقال الصحفي والعلمي والفلم السينمائي وكل ما يرتبط بالثقافة المعاصرة وما ينتج عنها من نصوص.‏
المراجع:‏
1 ـ د./سعيد حسين بحيري. علم لغة النص. المفاهيم والاتجاهات. الشركة المصرية العالمية للنشر ط1/1997ص2.‏
2 ـ انظر المرجع نفسه ـ ص 1.‏
3 ـ د/مهدي المخزومي ـ في

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.