الاكتشافات المبكرة. لاحظ الإغريق القدماء قبل بضعة آلاف سنة أن مادة تسمى الكهرمان تجذب إليها المواد الخفيفة مثل الريش والقش، بعد دلكها بقماش. والكهرمان مادة أحفورية ناتجة عن تصلب أشجار الصنوبر التي عاشت قبل ملايين السنين. وهو عازل جيد للكهرباء، ولذلك فهو يمسك الشحنة الكهربائية بسهولة. وبالرغم من أن الإغريق لم يعرفوا الشحنة الكهربائية فقد كانوا في الواقع يجرون تجارب على الكهرباء الساكنة عندما كانوا يدلكون الكهرمان بالقماش.
وعرف بعض القدماء، ومنهم الإغريق والصينيون القدماء، أيضًا مادة صلبة أخرى يمكنها جذب الأشياء، وهي المادة المسماة اللودستون أو الماجنتيت. وهو معروف اليوم بأنه مغنطيس طبيعي ميال إلى جذب الأجسام الحديدية الثقيلة، بينما يجذب الكهرمان الأشياء الخفيفة مثل القش. وفي عام 1551م أثبت عالم الرياضيات الإيطالي جيرولامو كاردانو، والمعروف أيضًا باسم جيروم كاروان، أن التأثيرات الجذبية لكل من الكهرمان والماجنتيت لابد أن تكون مختلفة. وكان كاردانو أول من لاحظ الفرق بين الكهرباء والمغنطيسية.
وفي عام 1600م، أوضح الفيزيائي البريطاني وليم جيلبرت أن بعض المواد، مثل الزجاج والكبريت والشمع، ذات خواص شبيهة بخواص الكهرمان. فعند دلكها بقماش تكتسب هذه المواد خاصية جذب الأشياء الخفيفة. وقد سمى جيلبرت هذه المواد الكهربيات، ودرس خواصها، وخلص إلى أن تأثيراتها ربما تُعزى إلى نوع من السوائل. ونحن نعرف اليوم أن ما سماها جيلبرت الكهربيات هي عوازل جيدة للكهرباء.
تجارب الشحنة الكهربائية. في ثلاثينيات القرن الثامن عشر وجد العالم الفرنسي تشارلز دوفاي أن القطع الزجاجية المشحونة تجذب المواد الشبيهة بالكهرمان، ولكنها تتنافر مع المواد الشبيهة بالزجاج، واستنتج من ذلك أن هناك نوعين من الكهرباء سماهما الكهرباء الزجاجية (للمواد الشبيهة بالزجاج)، والكهرباء الراتينجية (للمواد الشبيهة بالكهرمان). وبذلك استطاع دوفاي التوصل إلى نوعي الشحنات الكهربائية السالبة والموجبة، بالرغم من أنه اعتقد أنهما نوعان من “السوائل الكهربائية”.
بدأ العالم ورجل الدولة الأمريكي بنجامين فرانكلين تجاربه على الكهرباء في عام 1746م. وقد بنى هذه التجارب على اعتقاد مفاده أن هناك نوعًا واحدًا من السوائل الكهربائية. فالأجسام التي تحمل كمية كبيرة من السائل تتنافر، بينما تتجاذب الأجسام التي تحمل كمية قليلة من السائل. وإذا لامس جسم به فائض من السائل جسمًا آخر قليل السائل يتقاسم الجسمان السائل. وقد أوضحت فكرة فرانكلين كيف تلغي الشحنات المتضادة بعضها بعضًا عندما تتلامس.
استخدم فرانكلين مصطلح موجب للإشارة لما اعتقد أنه فائض من سائل، كما استخدم مصطلح سالب لنقصان السائل. ولم يعرف فرانكلين أن الكهرباء ليست سائلاً، بل يرتبط بشحنات الإلكترونات والبروتونات. ونحن نعرف اليوم أن الأجسام المشحونة بشحنة موجبة تحمل عددًا قليلاً من الإلكترونات، بينما تحمل الأجسام المشحونة بشحنة سالبة فائضًا من الإلكترونات.
وفي عام 1572م، أجرى فرانكلين تجربته الشهيرة التي أطلق فيها طائرة ورقية أثناء عاصفة برقية، حيث اكتسب كل من الطائرة والخيط شحنة كهربائية، فاعتقد فرانكلين أن السحب نفسها مشحونة أيضًا بالكهرباء، كما رسخ في اعتقاده أن البرق شرارة كهربائية هائلة. ومن حسن حظ فرانكلين أن البرق لم يمس الطائرة، إذ ربما أدى ذلك إلى قتله.
وفي عام 1767م، صاغ العالم الإنجليزي جوزيف بريستلي القانون الرياضي الذي يوضح كيف تضعف قوة الجذب بين الجسمين المشحونين بشحنات متضادة كلما زادت المسافة بين الجسمين. وفي عام 1785م، أكد العالم الفرنسي شارل أوغسطين دو كولمبو قانون بريستلي، بنفس الشحنة. ويطلق على هذا المبدأ اليوم اسم قانون كولمبو.
وفي عام 1771م، وجد عالم التشريح الإيطالي لويجي جالفاني أن رجل الضفدعة المقتولة حديثًا ترتعش إذا لُمست بفلزين مختلفين في الوقت نفسه، وحظيت هذه التجربة بانتباه شديد. وفي أواخر تسعينيات القرن الثامن عشر قدم الفيزيائي الإيطالي أليساندرو فولتا تفسيرًا لذلك، حيث أوضح أن تفاعلاً كيميائيًا يحدث في المادة الرطبة الملامسة لفلزين مختلفين، وينتج عن التفاعل الكيميائي تيار كهربائي. وهذا التيار هو الذي أدى إلى ارتعاش رجل الضفدعة في تجربة جالفاني. جمع فولتا أزواجًا من الأقراص يتكون كل منها من قرص من الفضة وقرص من الخارصين، وفصل بين الأزواج بورق أو قماش مبلل بالماء المالح. وبرص عدد من هذه الأقراص صمم فولتا أول بطارية، وأطلق عليها اسم عمود فولتا.
وتلا ذلك العديد من التجارب على عمود فولتا وعلى الدوائر الكهربائية. واستنبط الفيزيائي الألماني جورج أوم قانونًا رياضيًا يحدد العلاقة بين التيار والفولتية والمقاومة لمواد معينة. وحسب قانون أوم، الذي نشر في عام 1827، تدفع الفولتية الكبيرة تيارًا كبيرًا عبر مقاومة معينة. وبالإضافة إلى ذلك تدفع فولتية معلومة تيارًا كبيرًا عبر المقاومة الصغيرة.
الكهرباء والمغنطيسية. في عام 1820م، وجد الفيزيائي الدنماركي هانز أورستد أن التيار الكهربائي الذي يسري قرب إبرة بوصلة يجعل الإبرة تتحرك. وقد كان أورستد أول من أوضح وجود علاقة محددة بين الكهرباء والمغنطيسية. وخلال عشرينيات القرن التاسع عشر اكتشف أندريه ماري أمبير العلاقة الرياضية بين التيارات والمجالات المغنطيسية. وتعد هذه العلاقة، التي عرفت بقانون أمبير، أحد القوانين الأساسية في الكهرومغنطيسية.
وفي أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر اكتشف العالم الإنجليزي مايكل فارادي والفيزيائي الأمريكي جوزيف هنري، كل على انفراد، أن تحريك مغنطيس قرب ملف سلكي، يولد تيارًا كهربائيًا في السلك. وأوضحت تجارب تالية أن تأثيرات كهربائية تحدث في أي وقت يحدث فيه تغيير في مجال مغنطيسي. وتبنى التسجيلات السمعية والبصرية والأقراص الحاسوبية والمولدات الكهربائية على هذا المبدأ.
وقد جمع الفيزيائي الأسكتلندي جيمس كلارك ماكسويل كل القوانين المعروفة، ذات العلاقة بالكهرباء والمغنطيسية، في مجموعة واحدة من أربع معادلات. وتصف قوانين ماكسويل، التي نشرت في عام 1865م، بوضوح، كيف تنشأ المجالات الكهربائية والمغنطيسية وتتداخل. وقدم ماكسويل طرحًا جديدًا يقضي بأن المجال الكهربائي المتغير ينتج مجالاً مغنطيسيًا، وقاده ذلك إلى افتراض وجود الموجات الكهرومغنطيسية، المعروفة الآن بأنها تشمل الضوء والموجات الراديوية والأشعة السينية. وفي أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر أوضح الفيزيائي الألماني هينريتش هرتز كيفية توليد الموجات الراديوية، والكشف عنها، ودعم بذلك افتراض ماكسويل. وفي عام 1901م، استطاع المخترع الإيطالي جوليلمو ماركوني نقل الموجات الكهرومغنطيسية عبر المحيط الأطلسي، ممهدًا بذلك لمرحلة الإذاعة والتلفاز وأقمار الاتصالات والهواتف الخلوية.
إنجازات تاريخية في الكهرباء
العصر الإلكتروني. اعتقد الفيزيائي الأيرلندي ج. جونستون ستوني أن التيار الكهربائي ينتج عن حركة جسيمات صغيرة جدًا، مشحونة كهربائيًا. وفي عام 1891م، اقترح أن تسمى هذه الجسيمات الإلكترونات. وفي عام 1897م، أثبت الفيزيائي الإنجليزي جوزيف جون طومسون وجود الإلكترونات، وأوضح أنها تدخل في تركيب كل الذرات. وفي بحث نشر في عام 1913م، قاس الفيزيائي الأمريكي روبرت ميليكان بدقة شحنة الإلكترون.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، اكتشف العلماء أن الإلكترونات يمكن فصلها عن أسطح الفلزات وتفريغها في صمام مفرغ. والصمام المفرغ أنبوب زجاجي أزيل عنه معظم الهواء، ويحتوي على أقطاب متصلة بأسلاك تمتد عبر الزجاجة. ويؤدي ربط بطاريات إلى الأقطاب إلى سريان تيار من الإلكترونات داخل الصمام. ويمكن ضبط التيار بالتحكم في الفولتية. وتستطيع الصمامات المفرغة تضخيم التيارات الكهربائية الضعيفة ودمجها والفصل بينها. وقد مهد هذا الاختراع الطريق لصنع أجهزة المذياع والتلفاز وغيرها من التقنيات.
وفي عام 1947م، اخترع الفيزيائيون الأمريكيون جون باردين ووالتر براتين ووليم شوكلي الترانزستور. وتؤدي الترانزستورات نفس وظائف الصمامات المفرغة، ولكنها أصغر من الصمامات المفرغة، وأكثر تحملاً، وتستهلك طاقة أقل. وبحلول ستينيات القرن العشرين حلت الترانزستورات محل الصمامات المفرغة في معظم المعدات الإلكترونية. ومنذ ذلك التاريخ تمكنت شركات الإلكترونات من تصغير حجم الترانزستور إلى حد كبير. واليوم توضع ملايين الترانزستورات، المتصلة بعضها ببعض، في رقاقة واحدة تسمى الدائرة المتكاملة.
التطورات الأخيرة. يزداد الطلب العالمي على الطاقة الكهربائية عامًا بعد عام. وتأتي معظم الطاقة الكهربائية التي نستخدمها من محطات القدرة التي تحرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والزيت والغاز الطبيعي. ويأتي جزء من الطاقة الكهربائية من المحطات النووية والكهرمائية (محطات القدرة المائية)، بينما تأتي كميات صغيرة من الخلايا الشمسية وطواحين الهواء وغيرها من المصادر.
وتثير محدودية مخزون الأرض من الوقود الأحفوري، واحتمال نفاده، قلق الكثيرين. ومن المشاكل الأخرى أن طرق توليد الطاقة الكهربائية المستخدمة حاليًا قد تضر البيئة. ولذلك يحاول العلماء والمهندسون، كما تحاول شركات القدرة الكهرمائية، إيجاد مصادر بديلة للطاقة الكهربائية. ومن هذه البدائل الطاقة الشمسية والجيوحرارية وطاقة الرياح وطاقة المد والجزر. انظر: مخزون الطاقة (المشكلات؛ التحديات).
ويأمل العديد من العلماء أن يؤدي استخدام نبائط كهربائية جديدة إلى الحد من الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية. فالحواسيب على سبيل المثال، قد تتحكم في أنظمة الإنارة التي توفرها المصابيح الضوئية العادية، ولكنها تستهلك خمس الطاقة الكهربائية التي تستهلكها هذه المصابيح. وتمكن الحواسيب ونظم الاتصالات الحديثة الناس من العمل في المنازل، مما يوفر الطاقة المستهلكة في المواصلات
الموضوع منقول