ثامنا : وظائف الإعلام العولمة :
تشير الدكتورة عواطف عبد الرحمن في مؤلفها ” الإعلام العربي وقضايا العولمة ” إلى أهم وظائف الإعلام العولمى وهى ” “:
أولا : في ظل صعود الإعلام السمعي البصرى أصبح هو المؤسسة التربوية والتعليمية الجديدة التي حلت مكان الأسرة والمدرسة والتي تقوم بدور أساسي في تلقين النشء والأجيال الجديدة المنظومة المعرفية المنزوعة من سياقها التاريخي للقيم السلوكية ذات النزعة الاستهلاكية ومن خلال هذه الوظيفة يمارس الإعلام أخطر أدوره الاجتماعية التي تتمثل في إحداث ثورة إدراكية ونفسية تستهدف إعادة تأهيل البشر للتكيف مع متطلبات العولمة وشروطها .
ثانيا : تقوم وسائل الإعلام باختراق منظومة القيم الثقافية لدول الجنوب من خلال المسلسلات والأفلام وقد نجحت أمريكا في اختراق الأنظمة الثقافية لدول الجنوب وقدمت لشعوبها النموذج الأمريكي كغاية مثلى .
ثالثا : تقوم وسائل الإعلام باستقطاب النخب المثقفة للترويج لفكر العولمة وأيديولوجيتها عبر الحوارات التلفزيونية والمقالات والمؤتمرات محاولة منها تهميش الثقافات والسياسات الأخرى ويتم أيضا تكثيف الجهود لمساندة السياسات الاقتصادية الثلاثة الذي يقوم بإدارة اقتصاد العالم ” البنك الدولي وصندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية .
رابعا : تشير الدراسات إلى استفادة العولمة من استمرار النظام الإعلامي العالمي الراهن الذي يتسم بالخلل وأوجه التفاوت الخطيرة سواء على المستويات المحلية والعالمية والتي تتمثل في الإنسياب غير المتوازن للمعلومات مع رسوخ الاتجاه الرأسي الأحادي الجانب من الشمال إلى الجنوب من المراكز إلى الأطراف ومن الحكومات إلى الأفراد ومن الثقافة المسيطرة إلى الثقافة التابعة و الدول الغنية تكنولوجيا في الشمال إلى الدول الأفقر في الجنوب .
خامسا : تشير الدراسات إلى تزايد أهمية الأدوار التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسيات في الأنشطة الإعلامية والثقافية ويتجلى ذلك في توظيف وسائل الإعلام الدولية والمحلية كأحزمة ناقلة يتم من خلالها ترويج القيم الاجتماعية والثقافية الغربية ونشرها في دول الجنوب .مما يتسبب في إحداث بلبلة واضطراب شديد في منظومة القيم المميزة لثقافات الشعوب .
سادسا : يقوم الإعلام بدور أساسي في ترويج السلع والخدمات التي تقدمها السوق العالمية من خلال الإعلانات التي تتضمن محتوياتها قيما وأنماط للسلوك الإستهلاكى تستهدف الدعاية للسلع الأجنبية مما يلحق الضرر بالاقتصاديات المحلية علاوة على التأثير السلبي للإعلانات على حرية الإعلام والصحافة في دول الجنوب .
سابعا : تروج وسائل الإعلام العولمية حول مايسمى بالقرية الاتصالية العالمية باعتبارها أبرز ثمار التكنولوجيا المعاصرة والذي يعنى في جوهره إحاطة الجماهير في كافة إنحاء المعمورة بكل مايدور في العالم من أحدث وأفكار وصراعات وانجازات بشرية وان يتم ذلك بشكل يتسم بالموضوعية والتكامل والمصداقية بحيث يخلق معرفة شاملة وحقيقية بما يدور في الكون .
تاسعا : نفوذ إعلام العولمة ” “
– استطاع إعلام العولمة أن يكفل محيطا ثقافيا واسعا ونظرة أشمل إلى العالم وعمقا في الاتصال الإنساني وبذلك استقطب الملايين عبر رسائله المبسطة في عالم مليء بالتعقيدات .
– استطاع الإعلام في عصر العولمة أيضا أن يعيد تشكيل العالم في صورة محسوسة بعد أن سيطرت وسائله على الزمان والمكان وصار المشاهد يجد نفسه في اى نقطة في العالم وهكذا استطاع إعلام العولمة عبر وسائله علاقة جديدة مع العالم والزمن ليكتشف الإنسان أن العالم المترمى الأطراف يمكن أن يختصر فيه المسافات والفروق الزمنية ليصير كرة معلوماتية بعد أن كان في مرحلة سابقة قرية الكترونية صغيرة .
– استطاع في عصر العولمة أن يوفر لوكالات الإعلان الدولية المناخ الملائم لنشر قيم المجتمع الإستهلاكى التي تعارض لثقافة جديدة على شعوب تحاول أن تحتفظ بذاتيتها وخصوصيتها الثقافية .
– استطاع إعلام العولمة بقدراته التكنولوجية الهائلة أن يضعف من نظم الإعلام الوطنية ويزيد من تبعيتها له لتنقل منه مايجود به عليه من صور ومعلومات واعلانات .
– استطاع الإعلام في عصر العولمة أن يحل العلاقات الدولية إلى بحر من الأمواج المتلاطمة فأحدث تأثيرات من الصعب تقييمها في الوقت الحاضر فالواقع يؤكد أن عمليات التوظيف والتعتيم والتضليل والتحريف والتشهير لخدمة أغراض قوى عظمة أصبحت مسائل واضحة للعيان وأترث بدورها في العلاقات بين الدول .
– استطاع الإعلام في عصر العولمة إن يدفع بالإنسان خطوات واسعة في طريق السلوك الإستهلاكى ذلك أن الاستخدام الواسع الإعلان الدولي عبر وسائله فى مجال تسويق السلعي والخدمات أدى إلى خلق طلب واسع على هذه السلع حتى في بلاد لا تسمح الدخل فيها بتبنى أنماط الثقافة الاستهلاكية والنتيجة الطبيعية انخفض معدلات الادخار في مثل هذه الدول وبالتالي امتصاص جزء كبير من فضائلها الاقتصادية على الرغم الحاجة الماسة إليها .
عاشرا : عولمة الرسالة الإعلامية
كثيراً ما نسمع اليوم عن ظاهرة «العولمة» ونتائجها وآثارها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولا يمكننا أن نغض النظر عما يجري تحت مظلة هذه الظاهرة العالمية حتى وان كنا ممن يخالفون أو ممن لا يؤمنون بالعولمة كظاهرة أخذت تضع بصماتها حتى على ما يمارسه الأفراد يومياَ ناهيك عن المجتمعات التي انجرّت وراء هذه الظاهرة العالمية.
أما عن الاعلام، فما هي العلاقة بين العولمة والإعلام؟ هل أن الاعلام العالمي تأثر بالعولمة؟ أم أن العولمة هو انعكاس لظاهرة الاعلام العالمي الذي حمل الرسالة السياسية والاقتصادية والثقافية عبر وسائلها لتقنية ؟
الحقيقة هي أن كلا الظاهرتين متلازمتان لا يمكن أن ينفكّ احدهما عن الأخر على الأقل في عالمنا المعاصر الذي طوي شوطا من الزمن توسعت فيه دائرة العولمة من ناحية وكثرت وتشعّبت وسائل الاعلام فيه من ناحية أخرى.
وقد أثّرت العولمة وبحد كبير على الأنشطة الإعلامية في عالمنا المعاصر ولا تخلو اليوم أية ظاهرة من ظواهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا ولعبت فيها وسائل الاعلام دوراً يكاد أن يكون الأهم حتى بالنسبة لما تحتويه هذه الظواهر من معنا في المجتمعات المختلفة.
في مقدمة كتابه أكّد البروفيسور أبو العينين أن الكثير من الباحثين يعتقد بأن عولمة الأنشطة الإعلامية «تمثل أهم تطور أعلامي في العقدين الأخيرين من القرن الماضي ، وأن هذا التطور سوف يحدد مسار هذه الأنشطة طوال سنوات القرن الحالي، فضلاً عما يمثله ذلك من أهمية وتأثير في أنظمة الاعلام الوطنية في دول العالم» ولكن هناك أيضا ملاحظات مهمة في هذا المجال لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار وهي:
اولاً: أن عولمة النشاط الإعلامي لم تتحقق بعد بالصيغة التي ربما تكون قد استقرت لدى الكثيرين.
ثانياً: إن ما تحقق عينياً هو عولمة الرسالة الإعلامية بفضل سقوط الحواجز وهي ظاهرة «تقنية» أكثر من كونها ظاهرة سياسية أو ثقافية على الرغم من تأثيراتها السياسية والثقافية.
ثالثاً: أن درجات استجابة الأنظمة الإعلامية الوطنية للتغييرات التي تفرضها عولمة صناعة الاعلام متفاوتة إلى حدود بعيدة، الأمر الذي ينفي بشدة حقيقة أن تكون العولمة سمة أساسية لأنشطة وسائل الاعلام عبر مناطق العالم المختلفة في الوقت الراهن.
رابعاً: إن عولمة النشاط الإعلامي، حيث توجد الآن ليست ظاهرة حديثة تنتمي للعقدين الأخيرين من القرن الماضي، ولكنها تعبير عن تطور تاريخي تمتدّ جذوره إلى القرن التاسع عشر، وان كانت خطاها قد تسارعت في الربع الأخير من القرن العشرين.
وقد كشفت الممارسات المختلفة في سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين عن دورين أساسيين قامت بهما وسائل الاعلام في المنظومة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العالمية، وهو الدور الاقتصادي حيث تلعب فيه وسائل الاعلام دوراً مهماً ، فقد أصبحت العولمة الإعلامية تمثل قيمة اقتصادية هائلة ومتنامية وبخاصة في ظل اقتصاد المعلومات الذي أصبح السمة الأساسية للاقتصاد العالمي، حيث بلغت استثمارات صناعة المعلومات تريليوني دولار عام 1995، وفي نهاية القرن (عام 2000) بلغت 3 تريليونات دولار سنوياً بعد إن كانت هذه الاستثمارات لا تتجاوز 350 مليار دولار عام 1980، وثانياً الدور الإيديولوجي الذي يوفر بيئة معلوماتية وإيديولوجية لدعم الأسس السياسية والاقتصادية والمعنوية لتسويق السلع والخدمات وتطوير نظام اجتماعي قائم على تحقيق الربح عبر الثقافات الوطنية المختلفة. وبصورة عامة فان دراسات العولمة في العلوم الاجتماعية تتسم بالتركيز على ظاهرتين أساسيتين، تحتل وسائل الاعلام وخاصة التلفزيون فيهما مكانة متميزة:
اولاً: الوسائل التي يسّرت بها الشركات متعددة الجنسيات عولمة رأس المال والإنتاج.
ثانياً: الثقافة العالمية الناتجة عن ظهور نمط من الشركات متعددة الجنسيات يمتلك ويهيمن على وسائل الاعلام الجماهيرية مما سبب ظهور نمط من الثقافات والإيديولوجيات ذات التوجه الاستهلاكي.
وتخضع أدبيات البحث في ظاهرة العولمة أيضا للعديد من التصنيفات تؤكد بعضها على أنها أحادية السبب mono-causual والأخرى متعددة الأسباب multi-causual ويرى هناك تصنيفاً آخر أكثر ملائمة لتقديم شروح أفضل لظاهرة شديدة التعقيد مثل العولمة وهو تصنيف رباعي يرتكز على تمايز الاتجاهات التالية:
اولاً: مدخل النظم العالمية The World System Approach وهو يبنى على التمييز بين دول المركز وشبه المحيط والمحيط من حيث طبيعة دور هذه الدول في تقسيم العمل الدولي الخاضع لسيطرة النظام الرأسمالي العالمي.
ثانيا: النموذج الثقافي العالمي Global Culture Model ونشأ هذا النموذج من البحوث التي تناولت عولمة الثقافة، ويهتم هذا المدخل بالمشكلات التي تسببها ثقافة متجانسة مرتكزة على وسائل الاعلام، وبخاصة التلفزيون .
ثالثا: نماذج المجتمع الدولي: Global Society Models ويعتقد أصحاب هذه النماذج بأن المجتمع العالمي تاريخيا قد أصبح حقيقة في العصر الحديث فقط، وأن العلم والتقنية والصناعة والقيم العالمية المتنامية أوجدت عالما مختلفاً عن أي عصر من عصور الإنسان السابقة.
رابعاً: مدخل الاقتصاد السياسي: Political Economy ويرتكز هذا المدخل على افتراض أن ديناميكيات الصناعات المنتجة للثقافة يمكن فهمها في ضوء الحتمية الاقتصادية ، وينتمي هذا التوجه إلى الغلاة من الماركسيين اللذين يعتقدون بأن ظاهرة العولمة هي نتاج هيمنة القوى الرأسمالية على التطور الاجتماعي والثقافي السائد عالمياً، وفي هذا المجال تمثل وسائل الاعلام ركناً أساسيا في تفسير هذا المدخل لظاهرة العولمة.
وهناك من يشير إلى «ثمة علاقة وثيقة ربطت بين عولمة النشاط الإعلامي وتصدير الرأسمالية التجارية عبر تطورهما التاريخي، وأن تلك العلاقة هي التي تحكم التطورات الراهنة والمستقبلية في صناعة الاعلام من دون أن ينفي ذلك تدخل عوامل أخرى». ويدعم هذا الافتراض العوامل التالية:
1) التزامن بين ظهور النشاط الإعلامي خارج الأسواق الوطنية الرأسمالية وتصدير الرأسمالية الصناعية والتمدد التجاري في الأسواق الخارجية.
2) الاختلاف الموجود في عولمة الأنشطة الإعلامية التي تطرح على الصعيد العالمي وتنعكس في الأنظمة الإعلامية الوطنية الغربية.
3) خضوع اكبر نسبة من الأنشطة الإعلامية الدولية لعدد من الشركات العالمية العملاقة ونمو الشركات الإعلامية العالمية تبعاً لنمو تلك الشركات.
4) وحدة العمل والمنشأ للشركات العالمية العملاقة مما يشير على انسجامها في الأصعدة المختلفة.
5) تماثل التوزيع الجغرافي للمستوى الذي تحقق من عولمة الأنشطة الإعلامية مع توزيع الاستثمارات التجارية والصناعية للشركات العالمية متعددة الجنسيات مما يدل على إنهما حقيقة واحدة.
6) الاختلاف في تأثير النشاط الإعلامي عبر الوسائل الإعلامية المختلفة. فصناعة التلفزيون مثلاً هي الأكثر تأثراً بسياسات العولمة.
ويستخلص من هذا الافتراض نتيجة مهمة وهي «إن الطابع التاريخي لظاهرة العولمة ينفي عنها صفة الاستمرار باعتبارها مرحلة تاريخية مرتبطة بالقوى الداعمة لها مما يفسح المجال أمام العوامل الوطنية سياسية كانت أم اقتصادية أم ثقافية، للتعامل مع هذه الظاهرة» وهذا يعني من جهة أخرى أن عولمة النشاط الإعلامي ستزول أو ستتغير إذا تغيرت معالم التجارة العالمية وان تكامل الاقتصاد الوطني سيلعب دوره في تعديل الأنشطة الإعلامية لصالح الشعوب خلافاً لما تريده الشركات العالمية المتعددة الجنسيات.
وهناك حقيقة مهمة يجب الإشارة إليها في تجارب الثمانينيات والتسعينيات حول الاعتبارات الجيوبوليتيكية المؤثرة على عولمة النشاط الإعلامي، حيث أن قوى السوق قد أصبحت الوسيلة العالمية الأساس لتنظيم الأنشطة الاتصالية، وأن المبادئ والقيم غير المرتبطة بقوى السوق يتناقض دورها في تنظيم صناعة الاتصال وبالرغم من أهمية هذه الحقيقة في تنظيم العلاقة بين السوق العالمية وعولمة الاعلام فان الاعتبارات الجيوبوليتيكية تؤثر تأثيراً جاداً في تنظيم هذه العلاقة فهذه العلاقة لا تعمل بدرجة واحدة عبر مناطق العالم المختلفة متأثرة بالاعتبارات الجيوبوليتيكية وآثارها في المراحل المختلفة. ولأهمية هذه الحقيقة فان الإستراتيجية الجديدة للشركات العالمية هي أن تصل إلى قطاعات معينة من السكان داخل الأسواق الوطنية، أن الوصول إلى هذه القطاعات تبدو وكأنها المسؤولية الحقيقية لوسائل الاعلام العالمية.
ففي الأقطار العربية على سبيل المثال، يعتقد بأن العوامل السياسية هي المحدد الرئيسي لمدى استجابة الاعلام العربي للتحديات التي تفرضها عولمة الأنشطة الإعلامية. فلا يخلو أي قطر من هذه الأقطار من هيمنة الدولة على واقع الاعلام ومستقبله مما تحدّ كثيراً من خطى الاعلام العربي للتفاعل مع الأنشطة الإعلامية العالمية.
أما بالنسبة إلى تأثير العولمة على اتجاهات البحث الإعلامي ثم تصنّيف بحوث الإعلام المرتبطة بقضايا العولمة إلى تيارين أساسيين:
أ) تيار يحاول رصد التغييرات التي جاءت بها الأنشطة الهادفة إلى عولمة صناعة الاعلام وتأثيراتها.
ب) تيار يحاول رصد تأثيرات تقنية الاتصال الحديثة على صناعة الاعلام.
فعلى الرغم من اهتمام بحوث الاعلام برصد الخطوات التي قطعتها صناعة الاعلام في سبيل تحقيق سوق عالمية للأنشطة الإعلامية المختلفة، ولكنه يمكن رصد العديد من الدراسات خلال سنوات التسعينيات التي تمثل تياراً مناهضاً لظاهرة عولمة الأنشطة الإعلامية وتقسيم هذه الدراسات إلى اتجاهين:
* الاتجاه الأول: وهو اتجاه يبدي الكثير من التحفظات على عولمة الأنشطة الإعلامية التي يتم من خلالها تجاهل المصالح الوطنية، وإنهاك اقتصاديات الطبقات الوسطى في المجتمع، وإضعاف قدرات المجتمعات المحلية على الإبداع والابتكار في ظل المنتجات الثقافية الجاهزة التي تقدمها وسائل الاعلام إلى الجمهور، ولكن يجب أن نؤكد هنا على أن تأثير هذا الاتجاه ضعيف في مواجهة قوى العولمة وما تحققه يوماً بعد يوم على أرض الواقع.
* الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه الذي يقبل بوجود عولمة الأنشطة الإعلامية مدفوعة بدوافع الربح المادي ، وهذا الاتجاه هو أقوى الاتجاهات المناهضة لعولمة الأنشطة الإعلامية سواء في مجال البحوث أم في مجال التحركات الاجتماعية الفعلية .
الحادي عشر : المخاطر السلبية للعولمة
الواقع أن هناك أثار سلبية مختلفة للعولمة سواء على المستوى السياسي والإقتصادى والثقافي ، خاصة في ظل التقدم الهائل لوسائل الاتصال لم يعد من المبالغة القول بأن العالم أضحى قرية صغيرة يمكن للقاطن في أي من أطرافها معرفة ما يحدث في الطرف الآخر ، وهناك دولة واحدة كبرى تنفرد بقيادة العالم وتمتلك موارد اقتصادية هائلة وتعيش نشوة انتصار فلسفتها وإيديولوجيتها بعد انهزام الإيديولوجية المقابلة مع انهيار الإتحاد السوفيتي ومنظومته الاشتراكية وعقيدته الشيوعية مع الاعتقاد بسمو تلك الثقافة .
وامتنا العربية أدهمتها ظروف العولمة وهى في اضعف حالها بحاجة إلى إدراك مخاطر العولمة وجوانبها السلبية والتنبه إلى مخاطرها المتعددة وأهم هذه المخاطر :
1) المخاطر السلبية للعولمة الإعلامية
أ- انهيار السيادة القومية للإعلام في ظل انهيار المفاهيم التقليدية حول القومية الحديثة مثل السيادة على الفضاء والحدود وصنع السياسات الإعلامية وظهر تقسيمات جديدة للعالم
ب- اعتماد دول الجنوب بشكل اساسى على البرامج الإخبارية والإعلانات والحوارات والمسلسلات والأفلام خاصة الأمريكية وقد ترتب على ذلك زيادة الهيمنة الاتصالية لدول المركز المتحكمة في العولمة على دول الأطراف .
ج- تدفق الثقافة والمفاهيم والأفكار وعادات وسلوكيات ومعلومات غربية جديدة إلى دول العالم بلا حواجز ولا ضوابط وفى إطار تنافسي تجارى بين الشركات المتعددة الجنسيات .
د- زيادة الفجوة الاتصالية بين الشمال الغنى والجنوب الفقير على مستوى العالم بين الريف والحضر داخل دول الجنوب مما أدى إلى تزايد الخلل في التدفق الإعلامي والمعلوماتى من طرف الشمال الغنى إلى الجنوب الفقير وترسيخ الأنماط التقليدية السلبية والمتحيزة في سريان وتدفق الأنباء المبتورة المشوهه عن دول الجنوب والتي تعتمد إغفال كافة الإنجازات التنموية التي تحققت في تلك الدول .
ه- تحويل دول الجنوب إلى سوق للاستهلاك الإعلامي والإعلاني نتيجة لتركز تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في دول الشمال .
2) المخاطر السلبية للعولمة الثقافية ” ”
أ- هيمنة الثقافة الغربية :
معظم الإنتاج الإعلامي والثقافي ومعظم محتوى شبكات الإنترنت هو نتاج غربي امريكى فهي القادرة على استثمار التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصال والإعلام ، وهذه المنتجات الإعلامية تحمل فكرا محدد وتعبر عن ثقافة معينة من ثقافتهم الخاصة بكل ما تحمله من قيم وعادات وتقاليد وأنماط سلوك ، والغرب هو الذي يسيطر على أغلب القنوات البث الفضائي وعلى محتوى شبكات الإنترنت وعلى أكبر دور الصحف والمجلات ودور النشر ووكالات الأنباء ، فالعولمة تبدو في المجال الثقافي اتجاه إلى إعادة صياغة العالم وفق ثقافة معينة هي الثقافة الغربية الأمريكية بوجه خاص أي أن العولمة الإعلامية لها تأثير ثقافة هام وهو تسويق ثقافة جديدة مغايرة لثقافتنا الغربية .
ب- زعزعة منظومة القيم الاجتماعية :
ومنظومة القيم الاجتماعية تتمثل في العقائد والقواعد العامة التي وتحرص كل أمة على حماية هذه القيم ووسائل الإعلام العالمية تبث أفكار وآراء وتصورات منافية ومختلفة مع عقائدنا وقيمنا وتترك آثار سلبية في إدراك ووعى ووجدان المتلقيين وبالتالي تشكل خطر على إدراك الشباب ومعتقداتهم الأصلية ووعيهم بقيمهم نتيجة لبث قيم بديلة تشغل عقولهم وفكرهم .
ج- تهديد لغتنا العربية :
وتمثل ملامح هذه الأزمة في الإقصاء المستمر للغة العربية بمظاهر شتى منها : انسحاب اللغة العربية من حياتنا اليومية وفى أجهزتنا الإعلامية الرسمية والغير الرسمية
وفى ظل ظروف العولمة ستتعمق الأزمة التي تعيشها لغتنا يتم التبشير بالفلسفة الليبرالية الغربية باعتبارها النموذج الأرقى لأسلوب الحياة الإنسانية . ومعظم شبكات الإنترنت تبث بالغة الإنجليزية وبالتالي يؤدى هذا إلى إعلاء شأن اللغات الغربية على حساب لغتنا العربية .
3) المخاطر السلبية للعولمة في المجال السياسي
* إضعاف سلطة الدولة الوطنية :
حيث أن التقدم الهائل في الاتصالات والمعلومات فرض واقعا جديدا أصبحت فيه قدرة الدولة على فرض سياج حول نفسها ومجتمعها أمرا مستحيل
* محاولة فرض نظام سياسي معين على العالم :
حيث لابد من الإشارة هنا أن النظام السياسي الغربي حقق لمجتمعاته الخير والفائدة الكبيرة ولكن هذا النظام لايمكن أن يكون مناسبا لكل المجتمعات فكل مجتمع له ظروفه وثقافته الخاصة به والتي لاتتناسب مع النظام الغربي والذي هو ليس هدفه تحقيق الخير والتقدم لباقي المجتمعات بقدر السعي إلى تخلفها وإضعاف نظامها فهو لاينطلق من دوافع أخلاقية .
* محولة إملاء سياسة معينة على العالم :
فمن خلال ترويج وسائل الإعلام لأفكار ومفاهيم ومبادئ حق تقرير المصير والشرعية الدولية واحترام حقوق الإنسان يتم السيطرة والهيمنة على الدول الفقيرة حيث يتم تطبيق هذه المبادئ وفقا للمصلحة الغربية محاولة منها السيطرة والهيمنة على دول العالم فمن خلال الشرعية الدولية ثم حصار العراق وليبيا والسودان وباسم الشرعية تم احتلال العراق وغزو أفغانستان .حيث يتم استغلال ظروف العولمة الإعلامية لإملاء سياسات معينة يتم فرضها على العالم لتحقيق مصالح دول كبرى .
4) الآثار السلبية للعولمة في الحياة الاجتماعية ” “
أ- الترويج للنمط الغربي من أساليب الحياة والسلوك :
حيث أن لكل مجتمع أسلوب حياته الخاصة ونمط مميز للسلوك وله عادته وتقاليده ولابد من حصول التأثير والتأثر بين المجتمعات وتلك سنة الحياة ، ويبرز هنا عامل مهم من عوامل التأثير وهو ناتج عن سطوة الأجهزة الإعلامية وتأثيرها البالغ على سلوك الأفراد بما تملكه من وسائل الجدب والإبهار المغرية خاصة القدرات التي تملكها الشركات الغربية العملاقة و الأمريكية خصوصا حيث تبث مواد إعلامية هي نتاج للواقع الإجتماعى الغربي وتمثل قيمة وتعبر عن سلوك ذلك المجتمع وأنمط حياته وهذه المواد الإعلامية تحمل مضامين هدامة منافية لقيمنا وأحلامنا وتكرس قيما سلبية متناقضة مع قيمنا وسلوكياتنا
ب- تعميق التفاوت الإجتماعى :
حيث زادت معدلات الفقر والبطالة في كثير من دول العالم نتيجة لظروف العولمة الإعلامية التي تسوق مفاهيم الحرية الاقتصادية وعدم تدخل الدولة في الشئون الاقتصادية وحتى لو سمحت ظروف العولمة للشركات الأجنبية بالاستثمار للدول الفقيرة لتحسين ظروف العمل والعمال فتلك الشركات لايتوقع منها تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية ولن تنمح العمال إلا الحد الأدنى من الأجور .
ج- إيقاف الانتماءات الأولية :
حيث أن الظروف التي جاءت مصاحبة للعولمة من إشاعة الديمقراطية الليبرالية والدعوة إلى حق تقرير المصير واحترام حقوق الإنسان ، قد فتحت المجال أمام دعوات إيقاف الانتماءات الأولية للظهور وأزلت الحواجز التي كانت تحول دون بروزها أو أن إضعاف سلطة الدولة في ظل ظروف العولمة يفتح المجال لاستيقاظ الدعوات لتلك الانتماءات التي ربما تكون مكبوتة ” “.
***انتهى***