سيتم التعامل في هذا المقال مع علمي العروض والقافية كعلم واحد هو العروض؛ لأن علم القافية يختص بآخر أجزاء التفعيلة العروضية.
لفت انتباهي انتماء علم العروض في بعض الكليات إلى قسم النحو والصرف، وانتماؤه في كليات أخرى إلى قسم البلاغة والأدب.
لفت هذا انتباهي فسألت نفسي: ما معيار هذا التصنيف؟ وما سر الاختلاف بين هذه وتلك؟
ودفعني هذا السؤال إلى إلى محاولة استجلاء خصائص هذا العلم لعلي أجد سر ما يحدد الانتماء الصحيح سواء كان إلى النحو والصرف أو إلى البلاغة والأدب أو إلى غير ذلك.
وأدت بي هذه المحاولة إلى مفاجأة تتمثل في أن هذا العلم يقتسم العربية مع بقية العلوم.
كيف؟
إنه يناظر بقية العلوم بدءا بالأصوات ومرورا بالإملاء والمعجم والصرف وانتهاء بالنحو والدلالة.
كيف؟
تمتلك العربية معجما يتكون من ثمانية وعشرين حرفا بها تصاغ بقية العلوم، لكن العروض لا يمتلك إلا عشرة أحرف تجمع في جملة “لمعت سيوفنا”.
وتتضام الحروف الثمانية والعشرين لتكون الكلمات التي تمثل المستوى الصرفي، وهنا تتضام هذه الحروف لتكون ما يناظر المستوى الصرفي.
كيف؟
إن كلمات اللغة غير متناهية، لكن الكلمات هنا متناهية، فهي عشر كلمات تسمى الأجزاء أو التفاعيل تحتوي على المقاطع العروضية التي تناظر المستوى الصوتي بمقاطعه.
وتنقسم هذه المقاطع إلى:
1- السبب الخفيف المكون من حركة وسكون، ورمزه: /0
2- السبب الثقيل المكون من حركتين، ورمزه: //
3- الوتد المجموع المكون من حركتين وسكون، ورمزه: //0
4- الوتد المفروق المكون من حركة ثم سكون ثم حركة، ورمزه: /0/
5- الفاصلة الصغرى المكونة من سبب ثقيل وسبب خفيف، ورمزها: ///0
6- الفاصلة الكبرى المكونة من سبب ثقيل ووتد مجموع، ورمزها: ////0
وتجمع هذه المقاطع العروضية في الجملة الآتية:
لَمْ: /0: سبب خفيف.
أرَ: //: سبب ثقيل.
على: //0: وتد مجموع.
ظهْر: /0/: وتد مفروق.
جبلٍ: ///0: فاصلة صغرى.
سمكةً: ////0: فاصلة كبرى.
من هذه المقاطع تتكون الكلمات العروضية العشرة التي تنقسم إلى:
1- ثنتين خماسيتين، هما:
أ- فعولن: //0/0
ب- ومقلوبها /0//0 فاعلن.
2- ثمانية سباعية، هي:
أ- //0///0 مفاعلتن.
ب- ومقلوبها ///0//0 متفاعلن.
ج- //0/0/0 مفاعيلن.
د- ومقلوبها ذو الوتد المجموع المتطرف /0/0//0 مستفعلن.
هـ ومقلوبها ذو الوتد المجموع المتوسط /0//0/0 فاعلاتن.
و- /0/0/0/ مفعولاتُ.
ز- ومقلوبها ذو الوتد المفروق المتوسط /0/0/ /0 مستفع لن.
ح- ومقلوبها ذو الوتد المفروق البادئ /0/ /0/0 فاع لاتن .
هذه هي كلمات العروض التي تمثل بنيته التي تناظر المستوى الصرفي، ويظهر فيها الرسم العروضي الذي يناظر الرسم الإملائي، ويختلف عنه في أن الضابط الحاكم هنا هو أن كل ما ينطق يكتب وكل ما لا ينطق لا يكتب.
وتتعرض هذه الكلمات العروضية إلى ما تتعرض له الكلمات الصرفية من تغييرات بأنواع الإعلال والإبدال وبقية التصريفات، فنجد:
1- الزحاف المفرد والمركب.
2- علل النقص وعلل الزيادة.
3- الزحاف الجاري مجرى العلة في اللزوم.
4- العلة الجارية مجرى الزحاف في عدم اللزوم.
5- تغييرات الأبيات من جزء وشطر ونهك وغير ذلك.
كل هذه التصريفات العروضية تعطينا احتمالات غير متناهية تتسع لبناء الجمل العروضية التي تقابل المستوى النحوي.
كيف؟
كما تلتئم الكلمات في المستوى الصرفي لتكون المستوى النحوي نجد الكلمات العروضية تلتئم لتكون الجمل العروضية المتمثلة في الأبيات بمصاريعها.
وكما نجد الجملة تنقسم إلى اسمية وفعلية حسب رأي، وإلى اسمية وفعلية وشرطية حسب رأي آخر- نجد ألقاب الأبيات الشعرية تأخذ أنواعا متعددة منها البيت التام والبيت الوافر والبيت المجزوء والبيت المشطور والبيت المنهوك و…
وكما تأتي علوم البلاغة والدلالة لتعالج النص المكون من جمل نجد اتجاها عروضيا يحاول فهم أسرار الأوزان وعلاقتها بالمعاني. وهذه قضية معروفة منذ القديم، وتتمحور حول السؤال: أتختص البحور بميزات ذاتية تجعلها ملائمة لأغراض معينة؟ أم يكون الأمر متمثلا في أن البحر يلائم كل المعاني؟
ونجد في جامعة الأزهر فرع منوف دراسة ثنائية تتمثل في مستويين:
المستوى الأول: يتناول العروض العام.
المستوى الآخر: يتناول الأوزان وخصائصها.
وقد هاتفت الدكتور عطايا أحد الأساتذة العاملين في هذا القسم ، فأخبرني أنه أجرى دراسة دلالية حول بحر الرمل وتتبع نماذجه عبر تطوره التاريخي ، وانتهى إلى أن هذا البحر يلائم التطور الحضاري.
وبالمستوى الدلالي نكون قد وصلنا إلى نهاية الرحلة وإن لم تنته الفكرة، لكن ما يجعلني أنهي هذه الرحلة أن الخصائص ظهرت جلية وحسمت قضية انتماء العروض.
ماذا أظهرت هذه الرحلة؟
أظهرت أن العروض علم منفرد مستقل لا يجب أن يلتحق بغيره، بل ينبغي أن يختص بقسم لعله ينمو وتزداد فروعه الدراسية!