لعلنا نعرف الأدب على أنه نص انحرف فيه صاحبه عن طبيعة اللغة فصار له خصائصه ومميزاته، فكثرت بذلك النظريات والفوائد والمهارات بمقدار كثرة أذواق الأدباء وقرائحهم وتألقاتهم في الانزياح عن النص العادي إلا النص الذي قد يحمل في أصدق معانيه وصف الرائع، ولعلنا أصبحنا نعرف أيضا أن اللسانيات علم يهتم بدراسة اللغة دراسة علمية ممنهجة لها تقسيمات وأساليب معروفة لدة طلبة علوم اللسان، ويمكن للإشكالية أن تظهر ههنا: الأدب له علاقة بالذوق والعواطف والوجدان واللسانيات علم يعتبر كأداة لدراسة اللغة العادية بغية التعرف على القوانين التي تسيّر اللغات البشرية بأكملها، فهل يمكن لها أن تتساير مع الأدب أو تتقاطع معه أم أنها في صراع معه لا سيما إذا كان هناك نقد أدبي، فالنقد دراسة للنص الأدبي، وقد تغير منه -إن صح القول- اللسانيات فيحدث الصراع…
وعلى ما يبدو فإن علاقة اللسانيات بالأدب تظهر بعد النظر في مفهومنا للأدب، فقد كان الأدب حكرا على نقاده تحصل بينهم سجالات حوله لا تكاد تنتهي، فيحكم هذا على المقطع من النص بأنه إبداع، ويرد ذلك ناقد آخر ويقول ثالث هذا كذا فيكر عليه رابعهم بقوله لا هو كذا…، لكن في القرن الماضي تغير الوضع ، إذ بعدما جاءت الشكلية رأت أن الأدب هو لغة منحرفة عن اللغة العادية، ومن ثم فإن أنسب الأدوات للتعامل معه في علم اللغة ، اللسانيات، لانها أدق أداة يمكن من خلالها تحديد اللغة العادية واللغة المنحرفة، فأصبح الأدب واللسانيات صديقي عمل بحيث يمكن القول إن الأدب صار مادة موضوعة على مائدة اللسانيات تفككها وتنظر في مكوناتها الإبداعية ولم يعد ضروريا النظر في البيئات الاجتماعية ولا سيرة الأديب ولا عصره… المهم كل ما يتعلق بالنص هو بداخله، وها هي ذي اللسانيات تقطع شوطا آخر في داخل العمق اللغوي العربي لعلها تجد نفسها بديلا فعليا لكثير من العلوم العربية القديمة أظن أن على رأسها البلاغة والنقد الأدبي القديم… التوقيع: قابل للمناقشة