تاريخ الكربون
تم اكتشاف الكربون في عصور ما قبل التاريخ وكان معروف عند القدماء الذين حصلوا عليه بحرق المواد العضوية بمعزل عن الأكسجين لتصنيع الفحم …. و كلمة كربون (“كربو” تعني باللغة اللاتينية “فحم”)
يوجد عنصر الكربون في الشمس والنجوم والمذنبات وفى غلاف معظم الكواكب …كما يوجد في الغلاف الجوي للأرض وذلك باتحاده مع الأكسجين ليكوّن ثاني أكسيد الكربون وهو مركب له أهميته الحيوية في عملية البناء الضوئي التي يقوم بها النبات … وعند إتحاده مع الهيدروجين, فإنه ينتج العديد من المركبات المعروفة بالهيدروكربونات وهذه المركبات لها أهميتها في الصناعة وكذا أهميتها كوقود عضوي ….
كما يوجد أيضا كمادة مذابة في الأجسام المائية… وبكميات قليلة من الكالسيوم والماغنسيوم والحديد فإنه المكوِّن الأساسي للكربونات, و بعض الصخور (كالحجر الجيري, والدولميت, والرخام ).
لم يصنف الكربون كعنصر حتى عام 1789م عندما أعلن أنتوين لافويسر Antoine Lavoisier في باريس بأن الكربون هو عنصر لافلزي قابل للتأكسد و تكوين الأحماض .
و يعتبر الكربون عنصر مميز لأسباب عديدة…. إذ أنه يتضمن صور مختلفة ؛ فمادة (الجرافيت) من أنعم المواد في حين أقسى المواد و أكثرها صلادة (الماس). كما أن لذرة الكربون قابلية كبيرة للترابط مع الذرات الأخرى الصغيرة, بما فيها ذرات الكربون نفسه, وحجمه الصغير يجعله يستطيع تكوين روابط عديدة. ونظرا لذلك فإن الكربون يكون ما يقرب من 10 ملايين مركب, أي معظم المركبات الكيميائية تقريبا.
و قد عُرف الكربون في صوره النقية على هيئة جرافيت و ماس بالإضافة إلى الفوليرينات و التي تعد إحدى صور الكربون المكتشفة حديثاً هذا بالإضافة إلى أنابيب النانو و النانوفوم…
نظائر الكربون :
للكربون نظيرين طبيعيين مستقرين هما كربون 12ويشكل 98.89% من مجموع الكربون في الطبيعة والنظير كربون13 والذي يشكل 1.11% ….
كما أن للكربون نظير غير مستقر يظهر في الطبيعة هو الكربون14 . كما و يوجد نظير آخر هو كربون 15 نظير …. أما كربون 8 أقلهم عمراً إذ يبلغ نصف عمره 1.98739× 10 -21 ثانية .
و في عام 1961 أعلن الاتحاد الدولي للكيمياء المجردة والتطبيقية (IUPAC) ، باعتبار النظير كربون12 كأساس لقياس الكتل الذرية.
نظير كربون14 له عمر نصف مقداره 5715 عام، وهو يستخدم بشكل كبير لقياس تحديد الزمن إشعاعيا للحفريات.
ظاهـرة التآصـل
وجود العنصر في عدة صور مختلفة في الخواص الفيزيائية و متشابهة في الخواص الكيميائية يعرف بظاهرة التآصل .
و يتميز الكربون بهذه الظاهرة … إذ يوجد منفرداً في الطبيعة في عدة صور منها ما هو بلّوري مثل الجرافيت و الماس و منها ما هو غير بلّوري مثل الفحم النباتي و الفحم الحجري و فحم الكوك .
الصـور التـآصليـة للكـربـون
الصور التآصلية غير البلّورية :
توجد أنواع عديدة من الكربون غير النقي تنتج عن تفاعلات كيميائية مصحوبة بالحرارة ، تتجمع على هيئة كتل سوداء تُعرف بالفحم … و هناك أنواع مختلفة من الفحم تتمثل بـ :
- فحم الكوك : و يحضر بتقطير الفحم تقطيراً إئتلافياً .
- فحم الخشب : و يحضر بتسخين الخشب في معزل عن الهواء كدفنه في حفرة و من ثم طمرها …
- فحم العظام ( الفحم الحيواني ) : و يحضر بتسخين العظام بعد تنظيفها و تنقيتها من المواد الدهنية ، و يمتاز هذا الفحم بقدرته على إزالة الألوان من المحاليل ؛ لذا فإنه يستخدم في صناعة الطلاء الأسود المستخدم في صناعة الجلود .
- السناج : و يتكون عند التحليل الحراري لكثير من الهيدروكربونات الغازية … و يستخدم هذا الفحم في صناعة حبر الطابعات .
- فحم المعوجات : و يتكون كمادة متخلفة من عمليات تفحيم المواد المختلفة و كذلك فإنه ينتج عن التقطير الائتلافي للفحم الحجري .
- الفحم الحجري : و يتكون نتيجة للضغط و درجة الحرارة الشديدين ، و اللذان يؤثران على بقايا النباتات المطمورة في باطن الأرض … حيث تحدث هذه التغيرات بالتدريج و بمعزل عن الهواء ، و يستخدم الفحم الحجري كوقود حيث يتميز بأنه لا يولد دخاناً .
هي جزيئات كبيرة تتكون من ذرات كربون مترابطة ثلاثيا تعطى شكل كريات لها بناء يماثل الجرافيت, ولكن بدلا من الشكل السداسي النقي, فإنها تحتوى على أشكال خماسية (و احتمال سباعية) من ذرات الكربون, مما يؤدى لإنثناء الطبقات إلى كريات أو أسطوانات ….
بدأ اكتشاف الفوليرين والأنابيب فائقة الدقة بالصدفة عام 1944 عندما لاحظ أوتوهان وجود سلاسل من الكربون أثناء إجرائه لتجارب كانت تستهدف تكوين ذرات ثقيلة من ذرات أخف عن طريق امتصاصها للنيوترونات . إذ أن بحثه كان منصباً في الكشف عن الفروق الصغيرة في الوزن بين بعض ذرات العناصر الثقيلة التي يقوم بتبخيرها في قوس كربوني .
وأثناء مشاهدته لتلك النتائج ، لاحظ أن القوس أنتج أيضا سلاسل من الكربون كان لها – بالصدفة البحتة – نفس الوزن الجزيئي للمعدن …. وحيث أنه لم يكن مهتما بسلاسل الكربون فقد دوَّن ملحوظة بشأنها في نهاية تقريره ثم انطلق وراء الهدف الرئيسي من بحثه ( وقد اكتشف هان الانشطار النووي بالصدفة أيضا أثناء تلك التجارب ).
ولم تتم متابعة النتائج التي توصل إليها بشأن سلاسل الكربون بعده مباشرة ، ولذا فقد تأخر اكتشاف C60 لسنوات عديدة.
وفي الثمانينات من القرن العشرين جاء من يهتم بتلك الجزيئات الكربونية
إنه هارولد كروتوHarold Kroto و معه كل من روبرت كيرل Robert Curl و ريتشارد سمالي Richard Smalley
الذين توصلوا إلى أن سلاسل الكربون تلك … ما هي إلاّ صورة جديدة من صور الكربون …
التجربة وصولاً إلى الاكتشاف :
تم بتبخير قطعة صغيرة من الجرافيت بواسطة جهاز ليزر قوي لتتحول إلى سحابة ساخنة من الجسيمات التي يتم تبريدها باستخدام تيار من غاز الهيليوم ، مما يسمح للذرات بالتكثف على شكل عناقيد . وتم تحليل الخليط باستخدام جهاز مقياس طيف الكتلة ، وقد أوضح هذا الجهاز وجود عدد كبير من الجزيئات كتلتها 720 وكانت العناصر الوحيدة الموجودة هي الهليوم والكربون . وحيث أن الهليوم هو عنصر خامل تماماً ، فقد كان الاستنتاج أن تلك الجزيئات الكبيرة يجب أن تكون مصنوعة من 60 ذرة من الكربون …
و قد أوضح الرسم الناتج من مقياس طيف الكتلة أن لتلك الجزيئات قمة أكبر من القمم الأخرى المجاورة ، مما يعني أن جزئ C60 يمكن أن يتكوَّن وأن يظل باقيا في ذلك الوسط ذي الطاقة العالية لمقياس طيف الكتلة ، حيث تتكسر العديد من الجزيئات الأخرى (تنشظي) بطرق مميزة لكل منها ، مما يسمح بالتعرف عليها . وتعني تلك السحابة شيئا واحداً فقط ، وهو أن تجمُّع 60 ذرة كربون كان تجمُّعاً ثابتاً بدرجة غير عادية .
أطلق على جزيء الـ 60 ذرة كربون اسم بكمنستر فوليرين buckministerfullerene و ذلك لكونها تبدو مثل هيكل البناء الذي ابتكره المهندس الأميركي بكمنستر فولير Buckminister Fuller
و تسمى تلك الجزيئات اختصاراً باسم كرة بكي Buckyballs
مدرج فاتكو في كندا الذي صممه المهندس بكمنستر فولير
و بهدف الحصول على كميات أكبر من C60 تم استخدام قوس الكربون في وعاء على شكل جرس مملوء بالهيليوم إلى الحصول على السناج المحتوي على C60 بكميات اكبر …. مما يعني إمكانية إجراء التحاليل التركيبية للجزيء ….
و يعد أكثر الفوليرينات شهرة هو الجزئ C60 ، حيث تترتب الـ 60 ذرة كربون بداخلها على رؤوس مجسم عشريني ناقص … وشكل المجسم العشريني الناقص وهو نفس شكل كرة القدم … و يتميز بأنه جزيء ممغنط و غير قابل للاحتكاك.
أصغر جزيء فوليرينC20
أنتج العلماء في الولايات المتحدة وألمانيا أصغر جزيء فوليرين ممكن وهو C20 … و هذا الجزيء ليس فيه أشكال سداسية بل يحتوي فقط على 12 شكلا خماسياً .
وقد كان من المعروف منذ فترة أن جزيئات C20 يمكن وجودها من الناحية النظرية ؛ ولكن كان من الصعب إنتاج إحداها …. ويرجع أحد الأسباب إلى أنه أصغر من جزيئات الفوليرين الأخرى ، ولذا فإن انحناء سطحه سيكون أكبر ، وسوف يكون أكثر ميلا للتفسخ ، كما سيكون نشاطه التفاعلي عاليا أيضا ولذا سيميل إلى الاتحاد بعناصر أخرى لتكوين جزيئات جديدة .
وقد تم إنتاج C20 بالبدء بالدوديكاهيدران ، C20 H20 ، وهو مركب هيدروكربوني ثابت يتكون من 20 ذرة كربون و 20 ذرة هيدروجين . وفي عملية من خطوتين تم إحلال ذرات البروم محل ذرات الهيدروجين ثم تمت إزالة البروم ليتبقى C20
وكانت جزيئات C20 الناتجة غير ثابتة إلى حد ما ولكن وجودها تم تأكيده باستخدام الفحص الطيفي .
وبالإضافة إلى أصغر “بيكي بول” قام الباحثون أيضا بتحضير صورتين أخرتين هما بمثابة أيزوميرات لـ C20 أولاهما في صورة حلقية والثانية على شكل تجويف ….
إستخدامات الفوليرين
من المرجح أن يكون للفوليرينات دوراً في إنتاج الأجيال القادمة من زيوت التشحيم المخففة للاحتكاك ، و كذلك في إنتاج المواد الحفازة و الصناعات الدوائية .
كما يتوقع أن تلعب هذه الجزيئات دوراً في تصميم آلات رقائق النانو، و هي ما تمثل تكنولوجيا المستقبل ….!
* القوس الكربوني : انتقال الكهرباء من الجهد العالي إلى الجهد المنخفض على شكل قوس .
4- أنابيب الكربون الدقيقة (أنابيب النانو ) :
أنابيب الكربون الدقيقة Nanotubes تترابط فيها الذرات ثلاثيا في رقائق منحنية تشكل أسطوانات مفرغة .
تم الحصول على الأنابيب النانومترية بطريقة قوس الكربون مع تغيير طاقة القوس الكربوني لكي يصبح التيار مستمرا بدلا من التيار المتردد ، و بالتالي أممكن الحصول على هياكل أنبوبية غريبة الشكل في أحد الرواسب على القطب. وهذه الأنابيب مكوَّنه بالكامل من الكربون، وتمَّت تسميتها الأنابيب النانومترية وذلك نظرا لقطرها الذي يبلغ عدة نانومترات ….
و قد اقترحت عدة طرق أخرى لإنتاج جزيئات الكربون المكونة من الأنابيب النانومترية، وهي تشتمل:
- عمل تحليل كهربي باستخدام أقطاب من الجرافيت في أملاح منصهرة .
- تحليل حراري مُحفِّز للهيدروكربونات .
- تبخير للجرافيت باستخدام الليزر.
و اتضح أن تلك الأنابيب النانومتريَّه قويَّة بدرجة لا تُصدَّق – فهي أقوى بمئات المرات من الصلب، ويرجع ذلك جزئيا إلى شكلها الهندسي السداسي، والذي يمكنه توزيع القوى والتشوهات بسبب قوة رابطة الكربون – كربون ، و بالتالي فإن لها خواص إلكترونية غير عاديَّة … وقد تم التوصل إلى الأجهزة الإلكترونية البسيطة مثل الأقطاب الثنائية والمفاتيح و الترنزستورات باستخدام الأنابيب النانومتريه التي كانت أصغر بكثير من مكافئاتها من السيليكون المستخدم في تصنيع شرائح الحاسب الآلي .
وليس من المعروف حتى الآن إلي أي مدى سيؤثر اكتشاف الفوليرين والأنابيب النانومترية في حياتنا ، ولكن مع قوتها التي تبلغ 500 مرة قدر قوة الصلب ، و مع إمكانية استخدامها في الدوائر الإلكترونية، تصبح الاحتمالات هائلة .
5- فقاعات الكربون الدقيقة Carbon nanofoam :
الصورة الخامسة للكربون أُكتشفت في1997م من قبل ثلاثة علماء أحدهم أسترالي هو أندريه رود Andrei V. Rode ، و عالم يوناني هو جون جيابنتزاكيس John Giapintzakis ، و آخر روسي ( إذا حد عارف أسمه ياريت يقول لنا عليه )
تم الحصول على فقاعات الكربون الدقيقة بحرق كمية من الجرافيت بواسطة جهاز ليزري في جو من غاز الأرجون …. و فقاعات الكربون هذه مادة مسامية سوداء تبدو كشبكة مغناطيسية بالغة الدقة قليلة الكثافة شبيهة بالجرافيت .
و بحسب أندريه رود فإن النانوفوم يتكون من حوالي 10000ذرة كربون … يصل قطر كل منها 6- 9 نانومتر ، وأنه على الرغم من عدم وجود تطبيقات حالية للنانوفوم إلاّ أنه يتوقع أن يكون له استخداماته الطبية.
من خواص فقاعات الكربون :
مادة سوداء مسامية
هشة سهل الكسر
تظهر خواص مغناطيسية
لا تنحل بسهولة ؛ فيمكن أن تتعرض لألآلف من الدرجات الفهرنهايتية قبل أن تنحل
يمكن حفظ النانوفوم في درجات حرارة منخفضة جداً تصل إلى -297فهرنهايت
إن الكربون عنصر ضروري لكل الكائنات الحية المعروفة، و ذلك لوجوده في أجسام الكائنات ، بالإضافة إلى مركب ثاني أكسيد الكربون الذي يشترك مع الماء و في وجود ضوء الشمس في إتمام عملية البناء الضوئي التي تحدث في النبات …. و هذه العملية هي مصدر الغذاء على الأرض …
أما الاستخدام الاقتصادي الرئيسي للكربون هو عندما يكون على شكل مركبات هيدروكربونية ، كغاز الميثان والنفط الخام الذي يستخدم في صناعة البتروكيماويات وإنتاج الجازولين ،و زيت الديزل والكيروسين ، وذلك عن طريق عملية تقطير مرحلية .
كما يشكل النفط المادة الخام التي تصنع منها العديد من المواد الصناعية والتي تشكل اللدائن (البلاستيك) جزءاً كبيرا منها .
هذا بالإضافة إلى الأهمية المتوقعة للكربون و التي من شأنها أن تحدث ذلك التغيير النوعي في الصناعة من خلال تنكولوجيا النانو … و ربما يساهم الكربون في صوره المكتشَفة إسهاماً إيجابياً في علاج الأمراض الخبيثة ….!