حكم المنية في البرية جار
= ما هذه الدنيا بدار قرار
وتعتبر من أروع ما قيل في الرثاء ويقول فيها رحمه الله وأسكنه فسيح جناته :-
بينا يرى الإنسان فيهـا مخبـرا ** حتى يرى خبـرا مـن الأخبـار
طبعت على كدر وأنـت تريدهـا ** صفـوا مـن الأقـذار والأكـدار
ومكلف الأيـام ضـد طباعهـا ** متطلب في المـاء جـذوة نـار
وإذا رجوت المستحيـل فإنمـا ** تبني الرجاء على شفيـر هـار
فالعيش نـوم والمنيـة يقظـة ** والمـرء بينهمـا خيـال سـار
فاقضوا مآربكـم عجـالا إنمـا ** أعماركم سفـر مـن الأسفـار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا ** أن تستـرد فإنـهـن عــوار
فالدهر يزرع بالمنى ويغـص أن ** هنّا ويهـدم مـا بنـى ببـوار
ليس الزمان وإن حرصت مسالما ** خُلق الزمـان عـداوة الأحـرار
إني ُوترت بصـارم ذي رونـق ** أعـددتـه لطـلابـة الأوتــار
والنفس إن رضيت بذلك أو أبت ** منـقـادة بـأزمـة المـقـدار
أثنى عليـه بإثـره ولـو أنـه ** لـم يغتبـط أثنيـت بـالآثـار
يا كوكبا ما كان أقصـر عمـره ** وكذاك عمر كواكـب الأسحـار
وهلال أيام مضـى لـم يستـدر ** بدرا ولم يمهـل لوقـت سـرار
عجل الخسوف عليه قبل أوانـه ** فمحـاه قبـل مظنـة الإبــدار
واستـل مـن أترابـه ولداتـه ** كالمقلة استلـت مـن الأشفـار
فكـأن قلبـي قبـره وكـأنـه ** في طيـه سـر مـن الأسـرار
إن يعتبط صغـرا فـرب مقمـم ** يبدو ضئيل الشخـص للنظـار
إن الكواكب فـي علـو محلهـا ** لترى صغارا وهي غير صغـار
ولد المعزى بعضه فـإذا مضـى ** بعض الفتى فالكل فـي الأثـار
أبكيه ثـم أقـول معتـذرا لـه ** وفقـت حيـن تركـب الأمـدار
جاورت أعدائـي وجـاور ربـه ** شتان بيـن جـواره وجـواري
ثوب الرياء يشف عمـا تحتـه ** وإذا التحفـت بـه فإنـك عـار
قصرت جفوني أم تباعد بينهـا ** أم صُورت عينـي بـلا أشفـار
جفت الكرى حتى كـأن غـراره ** عند اغتماض العين وخز غـرار
ولو استزارت رقدة لطحـا بهـا ** ما بيـن أجفانـي مـن التيـار
أُحيي الليالي التم وهي تميتنـي ** ويميتهـن تبـلـج الأسـحـار
حتى رأيت الصبح تهتـك كفـه ** بالضوء رفرف خيمـة كالقـار
والصبح قد غمر النجـوم كأنـه ** سيـل طغـى فطفـا الـنـوار
والهون في ظل الهوينـا كامـن ** وجلالة الأخطار فـي الأخطـار
تنـدي أسـرة وجهـه ويمينـه ** في حالـة الإعصـار والإيسـار
ويمد نحـو المكرمـات أنامـلا ** لـلـرزق أثنائـهـن مـجـار
يحوي المعالي كاسبا أو غالبـا ** أبـدا يـداري دونهـا ويـداري
قد لاح في ليل الشباب كواكـب ** إن أمهلت آلـت إلـى الأسفـار
وتلهب الأحشاء شيـب مفرقـي ** هذا الضياء شواط تلـك النـار
شاب القذال وكل غصن صائـر ** فينانه الأحـوى إلـى الأزهـار
والشبه منجذب فلم بيض الدمى ** عن بيض مفرقـة ذوات نفـار
وتود لو جعلت سـواد قلوبهـا ** وسواد أعينها خضـاب عـذار
لا تنفر الظبيات عنه فقـد رأت ** كيف اختلاف النبت في الأطـوار
شيئـان ينقشعـان أول وهلـة ** ظل الشباب * وخلـة الأشـرار
لا حبذا الشيب الوفـي وحبـذا ** ظـل الشبـاب الخائـن الغـدار
وطرى من الدنيا الشباب وروقه ** فإذا انقضى فقد انقضت أوطاري
قصرت مسافته ومـا حسناتـه ** عـنـدي ولا آلاؤه بـقـصـار
نزداد همسا كلما ازددنـا غنـى ** والفقر كل الفقـر فـي الإكثـار
ما زاد فوق الزاد خُلِّف ضائعـا ** فـي حـادث أو وارث أو عـار
إني لأرحم حسـادي لحـر مـا ** ضمنت صدورهم مـن الأوغـار
نظروا صنيع الله بـي فعيونهـم ** في جنـة وقلوبهـم فـي نـار
لا ذنب لي قد رمت كتم فضائـل ** فكأنهـا برقعـت بوجـه نهـار
وسترتها بتواضعـي فتطلعـت ** أعناقها تعلـو علـى الأستـار
ومن الرجـال معالـم ومجاهـل ** ومن النجوم غوامـض ودراري
والناس مشتبهون في ايرادهـم ** وتفاضل الأقوام فـي الأصـدار
عمري لقد أوطاتهم طرق العـلا ** فعموا فلم يقفـوا علـى آثـاري
لو أبصروا بقلوبهم لاستبصروا ** وعمى البصائر من عمى الأبصار
هلا سعوا سعي الكرام فأدركـوا ** أو سلمـوا لمواقـع الأقــدار
ولربما اعتضد الحليـم بجاهـل ** لا خير في يمنـى بغيـر يسـار
جميل
بارك الله فيكما على المرور الطيّب