التصنيفات
العلوم الكيميائية

عنصـــــــر اليورانيوم

اليورانيوم عنصر ذو نشاط إشعاعي أصبح في القرن الأخير محوراً للنزاعات والحروب بين الدول، ما قصة اكتشافه وما هو المقصود بتخصيب اليورانيوم وكيف يؤئر على الحياة؟
اكتشاف اليورانيوم
يوجد اليورانيوم الخام في الطبيعة على هيئة صمغ مائل إلى الصفرة، وقد اُكتشف عام 1789 وسمي باسم الكوكب أورانوس الذي اكتشف قبله بثماني سنوات ، وقد بقي فترة طويلة عنصراً شاذاً يرد في آخر الجدول الدوري لكونه أثقل العناصر الطبيعية المعروفة وزناً ذرياً وكان يعرف بـ “المعدن غير المفيد” إذ بدا وكأنه ليس بذي قيمة علمية ،في عام 1896 أجرى العالم هنري بيكريل بحثاً حول المواد التي تصدر إشعاعات بعد تعرضها لضوء الشمس وفي إحدى تجاربه اكتشف أن عنصر اليورانيوم يصدر إشعاعات شديدة النفاذية تؤثر في أفلام التصوير دونما الحاجة للتعرض لأي ضوء أو لأي مصدر آخر من أجل تنشيطه، وبقي اكتشافه مجرد فضول علمي لمدة سنتين إلى أن جاءت ماريا سكودوفسكا الفتاة البولونية لتختار دراسة أشعة اليورانيوم لإعداد رسالتها للدكتوراه ، وقد ساعدها زوجها عالم الفيزياء بيير كوري .اكتشف الزوجان أن الإشعاع الصادر ناتج عن تفكك ذرة اليورانيوم تلقائياً معطية ذرات أخرى وجسيمات وحرارة وأشعة، وفي فحصهما لـ عشرة كغ من مخلفات أكسيد اليورانيوم استطاعا التعرف على مادتين مشعتين إشعاعاً عالياً أطلقا عليهما اسمي بولونيوم (مقدرته الإشعاعية 300 ضعف مقدرة اليورانيوم) والراديوم مقدرته الإشعاعية (مليوني ضعف مقدرة اليورانيوم)
نظائر اليورانيوم
تتألف نوى الذرات من بروتونات ونيترونات (نيكليونات) ترتبط ببعضها في داخل النواة بقوة تسمى ( طاقة الارتباط النووي) ، وهي التي تمنع البروتونات أو النيترونات ذات الشحنة الواحدة من التنافر والتحلل. عند تشكل النواة تكون كتلتها أقل بقليل من كتلة النيوكلونات المكونة لها وهذا النقص هو الطاقة التي تنتشر أثناء تركيب النواة. وقد ميز العاملون في الكيمياء النووية داخل النواة قوتين هما قوة تجاذب وقوة تنافر. لذلك كلما ازداد العدد الذري للعنصر وازداد الفرق بين عدد البروتونات والنيترونات وكان عدد البروتونات فردياً كلما ازداد نشاطه وقل استقراره، والعناصر التي يزيد عددها الذري فوق 90 تعاني عدم استقرار في نواها لذلك تقع في عدة نظائر، نظير العنصر الواحد له نفس عدد االبروتونات (أي عدد ذري واحد) ويختلف في عدد النيوكلونات أي (العدد الكتلي) لذلك النظائر لها نفس الخواص الكيميائية وتختلف في الخواص الفيزيائية. والجدول التالي يبين توزع البروتونات والنيترونات لعنصر اليورانيوم مع نسبته في الطبيعة
النظير
عدد البروتونات
عدد النيترونات
الكتلة الذرية
نسبته في الطبيعة
يورانيوم 234

92
142
234
0.01%

يورانيوم 235

92
143
235
0.7%

يورانيوم 238

92
146
238
99.3%

يستخدم يورانيوم 238 في البحوث والدراسات والتشخيص والعلاج الكيمياوي وتحسين الزراعة ولا يمكن شطره إلا بواسطة نترونات سريعة تحمل طاقة عالية جداً. أما يورانيوم 235 فيستخدم في المفاعلات النووية وتصنيع القنبلة الذرية والهدروجينية (اندماجية وانشطارية) ووقود نووي في المفاعلات النووية حيث محطات الطاقة ، وفي تشغيل حاملات الطائرات…الخ وهو سريع الانشطار يمكن شطره بواسطة نترونات بطيئة .
يتفكك العنصر الثقيل في نواته تفككاً تلقائياً يرافق هذا التفكك دوماً إصدار طاقة بشكل إشعاع نافذ ينطلق بسرعة عالية، إن صدور الإشعاع من عنصر يؤدي بالضرورة إلى تكوين عنصر آخر وهكذا فسلسلة الإشعاع الطبيعي هو مجموعة من العناصر تتكون بدءاً من عنصر مشع وحيد وذلك بإصداره للطاقة إلى تكوين عنصر آخر عندها السلسلة تبدأ بالنضوب الإشعاعي للعنصر الأول متابعةً النضوب من عنصر لآخر منتهية بتكوين عنصر غير مشع. وفي اليورانيوم تنتهي سلسلة الإشعاع الطبيعي له بعنصر الرصاص ، حيث يوجد في كل غرام واحد يورانيوم تقريباً 2.5×10 21 ذرة وسرعة التحلل الذري حوالي 12 ألف ذرة في كل ثانية ، يؤدي تحلل 1 غ من اليورانيوم إلى ظهور 0.000137 غرام من الرصاص بعد مضي مليون سنة.
تخصيب اليورانيوم
عملية تخصيب اليورانيوم هي عبارة عن زيادة نسبة اليورنيوم 235 في اليورانيوم الطبيعي فكلما زادت نسبته عن 0.7% يكون ذلك تخصيباً ، أما عندما تكون النسبة دون 0.7% يعتبر اليورانيوم مستنفذ أي منضب . يستخدم اليورانيوم 235 مخصباً بنسبة 4% فأكثر في المفاعلات النووية وفي توليد الطاقة وتصل نسبة تخصيبه وتركيزه إلى 90% فأكثر في صنع القنابل الذرية.
لكي نحصل على اليورانيوم 235 من اليورانيوم الطبيعي فإننا نعتمد على عملية فصل النظائر وهي عملية معقدة لأن اليورانيوم 235 واليورانيوم 238 لا يختلفان في المواصفات الكيميائية وكذلك في المواصفات الفيزيائية إلا من حيث الكتلة الذرية ونسبة الاختلاف 1% فقط.
يستخدم لهذه الغاية عملية الطرد المركزي، حيث يوضع اليورانيوم الطبيعي بشكله الغازي في أجهزة الطرد المركزي التي تدور بسرعة 50ـــ 70 ألف دورة في الثانية ، يتجمع اليورنيوم 235 على الجدران لأنه أخف كتلة. تحتاج القنبلة الذرية إلى عمل 1500 جهاز طرد مركزي على الأقل للحصول على اليورانيوم 235 المطلوب، وهناك طرق أخرى لفصل أنواع اليورانيوم عن بعضها بواسطة الأشعة الكهرومغناطيسية أو أشعة الليزر.
يتم السيطرة على إشعاعه بعد تخصيبه بواسطة أجهزة من أجل الحصول على الحد المناسب من الطاقة النووية وفق نظام المفاعل النووي المعمول به. حيث أن العنصر المشع يحتاج إلى فترة خاصة به لتتحول نصف كتلته إلى العنصر التالي يسميها العلماء (نصف عمر المادة المشعة) تختلف في اليورنيوم نصف عمر مادته حسب النظير فاليورانيوم 238 مدة نصف عمره 4.56 مليار سنة أما اليورانيوم235 فمدة نصف عمره 710 مليون سنة ، أما إذا نضب واستنزف إشعاعه إلى الحد المجدي وجب التخلص منه كنفايات التي تحتاج كمرحلة وسطية إلى فترة نصف عمر حوالي 1700 سنة وعادة تترك في حوض ماء مدة سنة قبل أن يتقرر مصيرها. إذ ما يعاد استخدامها في أغراض صناعية وطبية وعلمية أخرى أو تدفن بطرق فنية وعلى أعماق كبيرة لمدة 500 سنة قبل الامكان توزيعها على التربة بشكل آمن.
تأثير اليورانيوم على الحياة
تتكون نواة الخلية الحية الحامض النووي الـ dna الذي يحمل كل مورثات الحياة فهو المسؤول عن بناء الجينات المورثة للصفات أو تصنيع البروتينات التي تقوم بإنجاز المهمات في مواقعها. فإذا تم تعرض الـ dna بإشعاع يؤدي إلى تعطيل وظائفها الحيوية وبالتالي إلى تعطيل وظائف الجسم، تقدر كمية الأشعة التي تسبب ضرراً في جسم الكائن الحي بالراد وهو عبارة عن 100 أرغ لكل 1 غرام من الكتلة الحية ، يجب أن لا يتعرض الإنسان طيلة حياته لأكثر من 250 راد أي عبارة عن 5 راد في السنة الواحدة .
وهناك ثلاث حالات لآثار التعرض للإشعاع هي:
الحالة الأولى: يكون فيها للإشعاع بسيط تبدو على أصحابها حالات مرضية غير معتادة ولا يمكن تشخيصها، كما تحدث اضطرا بات أخرى كالتهبات في المفاصل وتعفن الأسنان ووقوع الشعر وبعض أمراض الكلى وأمراض في الجهاز العصبي.
الحالة الثانية: تكون كمية الإشعاع أكبر من الحالة الأولى فيخترق الإشعاع التركيب الجزئي للحامض النووي ويدمره مما يؤدي إلى زيادة في تكاثر الخلايا المعرضة للإشعاع لتعويض التالف ويسبب ذلك مرض السرطان بكل أنواعه وحسب مكان التعرض للإصابة.
الحالة الثالثة: يتأثر تصميم الحمض النووي في مواقع المورثات الجينية على الضفيرة أو في مكان منها فتغير واحدة أو أكثر مكانها في السلسلة مما يؤثر على الصفات الو راثية المسئولة عن تلك المواقع ويحصل بنتيجة ذلك مواليد مشوهة أو ممسوخة. وتبقى هذه الأثار لأجيال كثيرة قادمة ، وكذلك يؤثر على النباتات الموجودة في المنطقة حيث تظهر نباتات غريبة غير معروفة وذلك نتيجة الخلل الحاصل في المورثات .
ظهرت الأعراض المرضية السابقة كلها بعد حرب البلقان ودعيت بأعراض حرب البلقان كما ظهرت في اليابان وفي العراق والخليج من بعد حرب الخليج الثانية .
عند استعمال اليورانيوم المنضب في سلاح يكتسب ذلك السلاح قدرة هائلة على اختراق المدرعات فيخترق الجسم ثم ينفجر على هيئة سحابة بخارية محترقة. يستقر البخار على شكل أتربة أكسيد اليورانيوم التي تحمل خواص السموم الكيماوية بالإضافة إلى أنها مشعة . هذه الأتربة تعتبر سامة للغاية . وهذا يعني أن اليورانيوم الناضب ينتشر في الهواء والتراب والماء بعد استخدامه كسلاح كذلك ينطلق اليورانيوم عند أي خلل في المفاعلات النووية وينتشر الإشعاع في الهواء ليصل إلى مسافات طويلة حول ذلك المفاعل.
إن استخدام اليورانيوم كسلاح يسبب خسارة للبشرية كلها، لأنه يسهم في تلويث البيئة وازدياد الاحتباس الحراري الذي تعاني منه الأرض مما يزيد الفيضانات في مناطق والتصحر في مناطق أخرى ،وسيبقى تأثيره السيئ على الجينات البشرية لأجيال كثيرة قادمة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.