.. إنها تأوهات طفلة … ، وهتافات بُنَيَّه … ، وتوسلات محزونة … ، وتطلُّعات محرومة .. ، تتجسَّد في نداءاتٍ جيَّاشة .. تُطلقها فتاةٌ صغيرة لا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات .. ، تُدْعى عائشة مخاطبةً أبويها قبل أن يتفرَّقـا .. ، عبْر قصيدة كتبها الشاعر أبو رواحة عبد الله بن عيسى الموري على لسانها بعنوان :
… حتى لا أفـقـد الحــنـان !!
ذِكـرِيـاتٌ جَميلـةٌ رَيَّانـهْ * * * فـي فُؤادِي قَدْ هيَّجتْ أَشجانهْ
كَـم تَذَّكرتُ دَوحَةً كُنتُ فيها * * * عُـودَ بَـانٍ مُحَـرِّكاً أَغْصـانَهْ
كَـم تَذكَّرتُ مَنزلاً عِشتُ فيه * * * وبـِهِ السَّعـدُ مالِئـاً أَرْكـانَهْ
كَـم تَذكَّرتُ بَسْمَةَ الأُمِّ يوماً * * * وهـي تَبْـدُو كأنَّهـا رَيحَانَهْ
وإِذا وَالِـدِي أَتاهـا بِحُـزْنٍ * * * أَفْـرَحَتْهُ وبَـدَّدتْ أحْـزَانَهْ
وأَنـا فِيهِمـا كأنَّ حَـديثِي * * * نَظْـمُ دُرٍّ قَـدْ قَـدَّما أَثْمانَهْ
وأَنـا فيهِمـا كأنَّ حَيـاتِي * * * حَقْـلُ رَوْضٍ تَفَيَّئَـا بُـسْتـانَهْ
وأَنـا فيهِمـا بِقَلْبٍ سَعيـدٍ * * * مِـنْ حَنـانٍ جَـوانِحِي مَـلآنَهْ
فَإِذا اليـَومَ قَـدْ دَهَتْـهُ هُمومٌ * * * غَيَّـرَتْهُ وَقَـوَّضـتْ أرْكـانَهْ
دَمَّـرتْ فيـه كُلَّ ذِكْرٍ جَميلٍ * * * مِـنْ قَـديمٍ وأضـرَمَتْ نِـيرانَهْ
حِين دبَّ الخلافُ فـي عُقرِ دارٍ * * * بَعـدَ تَخبيـبِ أنفُـسٍ خَـوَّانَهْ
كانَ بالأمسِ دارُنا فـي وِفاقٍ * * * والشِّقاقاتُ ما لَها مِـنْ مَكـانَهْ
وبِهـا وَالِـدِيْ عَظيـمُ المحيَّا * * * فِـي رُبَى العِلـمِ فائِقـاً أَقْـرانَهْ
وَكـذا الأمُّ مِثلُ شَمسٍ أضاءَتْ * * * فـي رُبَى الخَـيرِ بالهُـدَى مُزدَانَهْ
يَغمُـرُ الأنْسُ كلَّ مَن عاش فيها * * * هـادِئَ البَـالِ تالِيـاً قُـرآنـَهْ
وغَدَا اليـومَ كلُّ مَن كان فيها * * * بِالخـلافاتِ ناشِـراً ديـوانَـهْ
فَإِذا الأمُّ تَتـرُكُ الـدَّارَ عَمْـداً * * * وتَناسَـتْ حياتَهـا الـرَّيَّانَـهْ
وكـذا الـوالدُ الحبيبُ تَناسَى * * * ذِكْـرَ أُمِّي مُحَطِّمـاً وجْـدانَهْ
وأنا بعـدهُـم بغـيرِ كَيـان ٍ* * * هـل تُراني مِـن غيرِهِم إِنسانَهْ
صِرتُ في وحشةٍ وحُزنٍ عَميقٍ * * * خِلْـتُ أنِّي مِـن دونِهِم شَيطانَهْ
كيفَ أنْسَى مَجيءَ جَدِّيَ يوماً * * * عِنـدَ أَخذِي فـي ليلةٍ وَسْنانَهْ
ودُموعي تُهراقُ مِن فَوقِ خَدِّي * * * وفُـؤادِي لا لم يَجِـدْ سُلـوانَهْ
أَصحيحٌ ما قَد جَرَى يا فُؤادي؟ * * * لم تَعُـدْ لي بين الوَرَى مِن مَكانَهْ
أنَسيـتِ أمَّاهُ ماكان منِّي * * * مِن حـديثٍ ونَـبْرةٍ رنَّانـهْ؟!
كيـف تَنْسَيْنَنِي وتمضِين عنِّي * * * وأنا لم أزَلْ هُنـا ظَمـآنَـهْ؟!
لسْـتُ أنْسَى حنانَ أُمِّيَ يوماً * * * وهي تُلقِي عنِّي الأَذَى جَذلانَهْ
فاسألوها أنْ كيفَ أصبحَ حالي * * * بعْـدَ تَـرْكي هُنا بغيرِحَضانَهْ
هل تُراها تُجيبُ أم أنَّ سُؤْلِي * * * قاتـلٌ قَلـبَ أُمِّـيَ الحَنَّانَـهْ
هل تُراها.تجيبُ ؟ لازلتُ أرجو * * * أنَّ أمـيْ فـي بنتها طمعانة
كُلُّ خَوفي مِن أنْ أُشاهِدَ أُخْرَى * * * فَأُقاسِي مِـن كيـدِها أَلـوانَهْ
فَلْتَعـودي أُمَّاهُ مِن أجْل بنْتٍ * * * شرِبَتْ بعدَكم كُؤوسَ المهانَهْ
ولْتُعِدْها أبـي إلَـى بيْتِ عِزٍ * * * تَجمعُ الكلَّ تحْتَ سَقْفِ الحَصَانهْ
إنَّما نحـنُ فـي البُيوت عَوانٌ * * * عندكُم فاحفَظُوا هناك الأمانهْ
علَّـني أنْ أنالَ فيـه حَنـاناً * * * كلُّ خَوفـي أنْ أفْقِدَنَّ حنانَهْ
وجَزَى اللهُ شاعراًخطَّ شِعراً * * * مِـن فُـؤادي مُوَشِّياً ديوانَهْ
بِجِنان الخُلـود في دارِ عَدْنٍ * * * عنـد ربِّـي ونائلاً إحسانَهْ
ثُمَّ صلَّى الإلهُ ماحلَّ خَطبٌ * * * أو تَـولَّى مُخَلِّفـاً أحـزانَهْ
عَ النَّبـيِّ الكريمِ خيرِ مِثالٍ * * * فـي إداراةِ أُسْـرةٍ مِعْوانَه
كان الفراغ منها
في صبيحة يوم الخميس الموافق للسادس عشر
من شهر ذي القعدة لعام 1443ﻫ
بحي الصواعد – جــدة .
بقلم الشاعر
أبي رواحة عبد الله بن عيسى بن أبكر الموري