المحاضرة1:التصنيع كأسلوب للتنمية
أ /نبيل بويبية / جامعة جيجل/2008/2009يعتقد البعض أن التصنيع هو جوهر عملية التنمية، فهو يعرف بأنه عبارة عن أحد جوانب أو عمليات التنمية الاقتصادية، يخصص فيها نسب متزايدة من الموارد الوطنية من أجل إقامة هيكل اقتصادي محلي متنوع ومتطور تقنيا، قوامه قطاع تحويلي ديناميكي ينتج وسائل الإنتاج والسلع الاستهلاكية، ويؤمن معدلا عاليا من النمو الاقتصادي.
وفي هذه الحالة يجب أن يصبح قطاع الصناعة التحويلية بمثابة القطاع الرائد في الاقتصاد المحلي، وهذا ما حدث في الدول المتقدمة، حيث أقامت قطاعا صناعيا متنوعا أحدث تغييرا هيكليا في اقتصادياتها، فالثروة الصناعية التي حدثت في الدول الأوربية لم يقتصر دورها على إنتاج السلع الإنتاجية والوسيطة الاستهلاكية فقط وإنما أثرت تأثيرا واضحا على قطاعات الاقتصاد الأخرى (الزراعية، التعدينية، الخدمية…. ) وأحدثت تغييرا واضحا في هيكلها وبنيانها الاقتصادي.
ويمكن تحقيق ذلك بزيادة حجم الاستثمارات لتوسيع القاعدة الصناعية ومن ثم زيادة الدخل الصناعي الذي يسهم في نمو الدخل القومي، كما يترتب على ذلك امتصاص الصناعة لفائض العمالة الموجود في القطاع الزراعي، ويترتب على التصنيع تنويع الهيكل الإنتاجي وهيكل الصادرات، ويتميز الإنتاج الصناعي بارتفاع إنتاجية العمل واستخدام الأساليب والوسائل الإنتاجية المتطورة.
-i إستراتيجيات التصنيع.
أولا- إستراتيجية تصدير المواد الأولية:
لقد انتهج عدد كبير من الدول النامية هذه الإستراتيجية وذلك وفقا لمبدأ الميزة النسبية المتوفر لدى كل دولة، حيث على سبيل المثال نجد كلا من الجزائر والسعودية، تونس ومصر انتهجت هذه الإستراتيجية ولو بصفة جزئية وذلك بتخصص السعودية والجزائر في تصدير البترول وبعض الموارد المعدنية، أما تونس فقد تخصصت في تصدير الفوسفات والمواد الفلاحية البترول بدرجة أقل، أما مصر فقد اختصت في تصدير البترول والقطن مؤخرا .
أي أن هذه الإستراتيجية تتمثل في اعتماد الدول النامية على إنتاج وتصدير المنتجات والمواد الأولية الطبيعية، وهي أساسا المواد الخام، الوقود، المعادن، وبعض المنتجات الغذائية والزراعية ، وذلك سعيا منها للحصول على أسعار أعلى لصادراتها (أي جعلها أكثر قيمة) وجعل مداخليها من هذه الصادرات أكثر استقرارا .
ولكن رغم ما تحققه الدول النامية من مدا خيل هائلة بالعملة الصعبة نتيجة انتهاج هذه السياسة التصديرية للموارد الأولية (خاصة المصدرة للنفط)، إلا أنها لا تزال دون مستوى التنمية الاقتصادية، فنمو صادراتها من المواد الأولية والذي أدى بدوره إلى نمو ناتجها المحلي الإجمالي لم يؤد إلى أي دفعة في قطاعاتها الإنتاجية والتصنيعية .
1) مزايا وعيوب هذه الإستراتيجية:
1-1) مزاياها:
إن من المزايا الرئيسية الممكنة للنمو الذي يقوده تصدير المواد الأولية، أنه يؤدي إلى تحسين توظيف عوامل الإنتاج الموجودة وزيادة توفر عوامل الإنتاج، وانتقال الأثر إلى القطاعات الأخرى، فالإنتاج الذي يتبع طريق الميزة النسبية يؤدي إلى زيادة كثافة استخدام العناصر الأكثر وفرة نسبيا في العملية الإنتاجية، كما أن توسع الصادرات التقليدية قد يؤدي إلى توسع نطاق موارد الاستثمار الأجنبي والادخار المحلي والعمالة والقوة العاملة المدربة لتكميل عوامل الإنتاج الثابتة (الأرض والموارد الطبيعية) ، وذلك بطبيعة الحال في حالة ما إذا استغلت الإيرادات من العملة الصعبة الناتجة عن هذه الإستراتيجية التصديرية الاستغلال الأمثل.
1-2) عيوبها:
• ضعف معدل النمو الاقتصادي:
حيث أن اختيار السلع الرئيسية من المواد الأولية المصدرة لا يجب أن يكون فقط على أساس امتلاك ميزة نسبية في هذا المجال، بل يجب الأخذ في الحساب مقدار الحصيلة الإجمالية من العملة الصعبة الناتجة عن تصدير هذه السلع الرئيسية، وذلك لما لهذه الحصيلة من دور مهم في تمويل التنمية، وعلى سبيل المثال لو تواجه السلعة الرئيسية المصدرة منافسة قوية من جانب المنتجات الصناعية أو طلب ضعيف أو تدني في أسعارها، فإن الحصيلة الضعيفة من العملة الصعبة سوف تؤدي في النهاية إلى ضعف وانخفاض في معدل النمو الاقتصادي، ولهذا فإن الصادرات من المواد الأولية هذه يجب أن تضمن قدرا كافيا من العملة الصعبة لتمويل عملية تنمية باقي القطاعات .
• عدم استقرار الدخل من الصادرات:
ذلك أن البلد الذي لا يقوم بتنويع صادراته من المواد الأولية ويعتمد على تصدير سلعة واحدة أو عدد محدود من السلع، يتعرض لدرجة أكبر من عدم الاستقرار في الدخل الناتج عن الصادرات، إذا ما قورن بالبلد الذي يقوم بتنويع هيكل صادراته.
وحتى يمكن أن نقول أن الدخل من الصادرات يتمتع بالاستقرار يجب أن تكون هناك درجة من النمو في الدخل في المدى الطويل، وهذا كما تم ذكره لا يتحقق إلا بتنوع هيكل الصادرات وذلك بشرط أن يتجاوز هذا التنوع تصدير المواد الأولية إلى تصدير السلع نصف مصنعة أو كاملة الصنع الناتجة عن تحويل هذه المواد الأولية .
• عدم الاستقرار في أسعار المواد الأولية المصدرة:
حيث تتعرض المواد الأولية في المدى القصير لتقلبات شديدة في أسعارها وحجم صادراتها، والتي بدورها تؤدي إلى تقلبات في المداخيل بالعملة الصعبة، وما لذلك من أثر على التنمية الاقتصادية وذلك بسب قلة مرونة الطلب الدخلية والسعرية عليها، وقلة مرونة عرضها والتي ترجع من جانب إلى عدم الاستقرار في صناعات البلدان المشترية، ومن جانب آخر إلى اختلاف المواسم وبالتالي اختلاف كميات المنتجات (في حالة المنتجات الصناعية والغذائية) .
كما تتعرض المواد الأولية المصدرة في المدى البعيد إلى انخفاض أسعارها، ويعود سبب هذا الانخفاض في الطلب إلى عدة أسباب منها :
نمو دخل الدول المتقدمة ما يترتب عنه نمو في الطلب على السلع الغذائية للدول النامية.
توجه الدول الصناعية إلى الصناعات التي تنخفض فيها نسب استخدام المواد الأولية.
انتهاج الدول المتقدمة الصناعية لإستراتيجية الإنتاج الأولي خاصة الزراعي وذلك سعيا منها لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
• تراجع معدلات التبادل الدولي:
ويعتبر هذا عيبا آخر من عيوب هذه الإستراتيجية، ويكون هذا سبب في تناقص حجم الصادرات نتيجة انخفاض الطلب على المواد الأولية وانخفاض أسعارها، ويكون اتجاه معدلات التبادل الدولية في غير صالح الدول النامية، ونتيجة لذلك تجد نفسها عاجزة عن تدبير العملة الصعبة لمقابلة حاجاتها المتزايدة من واردات السلع الاستهلاكية والسلع الرأسمالية، وبما أن الصادرات تشكل نسبة مهمة من الدخل القومي فإن الخطورة تزيد على الاقتصاد الوطني ككل .
ثانيا- إستراتيجية الإحلال محل الواردات:
1) تعريفها:
تعني إقامة بعض الصناعات التحويلية من أجل سد حاجة السوق بدلا من السلع المصنوعة التي كانت تستورد من الخارج ولقد سعت الكثير من الدول النامية إلى اتباع هذه الإستراتيجية، والمقياس الأكثر شيوعا لقياس الإحلال هو الذي يعطي الإحلال على أنه النسبة بين الواردات والعرض الكلي من السلعة، فإذا ازداد الإنتاج المحلي(العرض) بمعدل أعلى من معدل زيادة الواردات فإن يعني أن إحلال الواردات قد تم، أما إذا زادت الواردات بمعدل أكبر من معدل زيادة الإنتاج المحلي فإن ما يتم هو عكس إحلال الواردات ويكون إحلال الواردات سالبا .
2) مراحلها:
تتكون هذه الإستراتيجية من مرحلتين أساسيتين هما :
2-1) المرحلة الأولى:
ويتم في هذه المرحلة إحلال الواردات محل السلع الاستهلاكية غير المعمرة ويكون الإحلال بواسطة إقامة صناعات خاصة لهذه السلع (مثل صناعة الملابس، الأحذية… )، بالإضافة إلى الصناعات التي تنتج المدخلات المطلوبة لإنتاجها (مثل الخامات الخاصة بصناعة النسيج والجلد والخشب)، وعادة ما توفر الدولة لهذه الصناعات الحماية الكافية وذلك لمنع منافسة المنتجات الأجنبية، ولضمان القدر اللازم من الأرباح للمستثمرين لتحفيزهم على إقامتها.
2-2) المرحلة الثانية:
وتبدأ هذه المرحلة عندما يصل الإحلال في المرحلة الأولى إلى الدرجة التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج المحلي للسلع الاستهلاكية بنسبة تفوق زيادة استهلاكها المحلي، أي أن السوق المحلية لم تعد قادرة على امتصاص المزيد من المنتجات الاستهلاكية لذلك يتم توجيهها نحو التصدير، وفي نفس الوقت يمكن البدء في إقامة بعض الصناعات الوسيطة والرأسمالية وذلك بمساعدة التقدم الصناعي الذي يكون قد تحقق في المرحلة الأولى.
3) سياساتها وشروط نجاحها:
من جهة أولى إن إتباع هذه الإستراتيجية مرتبط بتطبيق السياسات التالية .
• الإبقاء على أسعار صرف مرتفعة للعملة لكي تنخفض تكلفة الواردات الأخرى (باستثناء الأغذية) وذلك لحماية المنتجات المحلية، وفي عدة مرات تجدد أسعار الصرف لأغراض مختلفة توازي إلى حد ما التباينات في معدلات التعريفات.
• الإبقاء على مراقبة أدق للموجودات من العملة الصعبة، وإقامة نظام لترخيص الاستيراد بحيث يكون من الضروري الحصول على رخصة استيراد من هذا النظام.
• منح قروض حكومية بأسعار فائدة منخفضة جدا لأغراض تفضيلية كتأسيس مشاريع تصنيعية.
ومن جهة أخرى فإن نجاح هذه الإستراتيجية يتطلب عدة شروط يتقدمها وضع أسس لاختيار الصناعات التي يجب إحلالها محل الواردات، وهي تشمل الصناعات الاستهلاكية، ثم الوسيطة الإنتاجية، مع أهمية مراعاة عدم استمرار سياسة الحماية المتبعة وتخفيفها مع مرور الزمن، إلى جانب ضرورة الاعتماد على الموارد المحلية قدر الإمكان وتقليل التبعية للخارج، وذلك من خلال تعظيم استغلال الطاقات الإنتاجية المتوفرة، والاستخدام الأمثل للفائض الاقتصادي المتاح، مع الاهتمام بالتقنية المحلية والعمل على تطويرها بالطرق والأساليب العلمية الممكنة، ومحاولة تطوير التقنية المستوردة من الخارج في الاستفادة من التطور العلمي الحاصل في الدول الأخرى.4) عيوبها:
لقد أثبتت هذه الإستراتيجية فشلها في تحقيق التنمية في البلدان النامية، لأنها كانت تبدأ بالحد من الواردات وتنتهي باستيراد حتى الخامات والمواد الأولية ابتداء من وسائل الإنتاج من سلع تجهيز ومنتجات نصف مصنعة إلى سلع الاستهلاك، وانتهت هذه الإستراتيجية بزيادة الواردات والديون الخارجية، فظلت الدول المنتهجة لها تابعة للدول المتقدمة ومربوطة بتصدير المواد الأولية إليها .
ويرجع فشل هذه الإستراتيجية في تحقيق ما كان مرجوا منها لعدة أسباب نذكر منها :
• ارتفاع تكاليف الإنتاج والناتجة عن الحماية، يعيق عملية التصنيع ويحد من حجم السوق المحلي ويجعل الصناعات تعتمد في بقائها على استمرار الحماية.
• إن معظم السلع المنتجة في ظل هذه الإستراتيجية هي سلع استهلاكية كمالية أو شبه كمالية.
• إن الحماية ينتج عنها غالبا ارتفاع في أسعار السلع المنتجة وكذلك ارتفاع الأجور مما يعرقل عملية التصدير ويولد الضغوط التضخمية.
• إن التصنيع الاستهلاكي في غالب الأحيان يعتمد على المواد الخام المستوردة الأمر الذي يفاقم من مشكلة النقص في العملة الصعبة.
ومجمل القول أن هذه الإستراتيجية لا تعطي المنتجات المصنعة في ظلها قدرة تنافسية لمواجهة المنتجات الخاصة بالدول الصناعية .
ثالثا- إستراتيجية التصنيع من أجل التصدير:
1) مفهومها:
يقصد بإستراتيجية التصنيع من أجل التصدير التركيز عند اختيار ما يتم القيام به من صناعات على تلك الصناعات التي تتوفر لها فرصة تصدير منتجاتها، ويعني ذلك أنه في هذه الإستراتيجية يكون التركيز بشكل أساسي على التصدير للسوق الخارجية، أما التسويق في السوق المحلية فإنه أقل أهمية، وتعطي هذه الإستراتيجية للتصدير أهمية كبيرة، فهي تعتبره المسؤول الأول عن تمويل خطط التنمية في الدول النامية على أساس ذاتي، ذلك أن جانبا هاما من احتياجات التنمية في هذه الدول من السلع الوسطية والاستثمارية، وحتى من السلع الاستهلاكية لا يمكن إشباعه إلا بالاستيراد من الخارج، ولا بد من توفير حصيلة جيدة من الصادرات لتمويل هذه الواردات، ويزيد من أهمية هذه الحصيلة وضع صادراتها من المواد الأولية وما تعانيه من تدهور شروط التبادل التجاري لغير صالحها وانخفاض إيراداتها من هذه الصادرات، ولذلك يكون من صالح الدول النامية تصدير المزيد من منتجاتها الصناعية والتقليل ما أمكن من تصدير المواد الأولية بشكلها الخام .
2) دوافع وأسباب تطبيقها:
يمكن ذكر أهم الأسباب التي تجعل الدول النامية تأخذ بهذه الإستراتيجية فيما يلي :
• الاستفادة من المزايا النسبية المحلية فتتحول الدولة من مصدر للمنتجات الأولية إلى مصدر للمنتجات الصناعية التي تستخلصها من المنتجات الأولية، فتتحول مثلا الدولة المصدرة للنفط الخام إلى تصدير مشتقاته المتعددة.
• الاستفادة من وفرة حصيلة الصادرات من العملة الصعبة التي ستتحقق بفضل إتباع هذه الإستراتيجية لتمويل عمليات التنمية الاقتصادية، ومساعدة الدولة في عدم لجوئها إلى الاقتراض من الخارج إلا عند الضرورة القصوى.
• التغلب على مشكل ضيق السوق المحلية وما يعانيه من صغر حجم الوحدات الإنتاجية، وبالتالي ارتفاع تكاليف الإنتاج، فإذا استطاعت الصناعات البيع في الأسواق الأجنبية فإن هذا سيؤدي إلى كبر حجم الوحدات الإنتاجية وتخفيض نفقات الإنتاج، وتتمثل أشكال إقامة صناعات التصدير في :
إما تصنيع المواد الأولية وتصديرها.
أو انتقال صناعة إحلال الواردات إلى مرحلة التصدير.
أو إقامة الصناعات التصديرية على أساس الميزة البينية للدول النامية.
3) سياساتها وشروط نجاحها:
3-1) سياساتها:
وتتمثل سياسات هذه الإستراتيجية في الإصلاحات التي تم إدخالها على إستراتيجية إحلال الواردات بهدف الانتقال للتصدير وتتمثل فما يلي :
• منح معونات للسلع الصناعية المصدرة.
• تخفيض الحماية الجمركية على السلع المستوردة.
• تعديل أسعار الصرف.
• رفع أسعار الفائدة وجعلها تعطي أسعارا إيجابية حقيقية.
• إدخال تعديلات على أسعار الخدمات التي تقدمها المرافق العامة بهدف جعلها أسعارا معقولة.
3-2) شروط نجاحها :
من أهم شروط نجاح هذه الإستراتيجية ما يلي:
• الاستقرار السياسي والاقتصادي.
• توفير الحوافز للمصدر كالإعفاءات الضريبية للعمليات المدعمة والمكملة للنشاط التصديري.
• سياسة الخوصصة وتدعيم القطاع الخاص بما يؤدي إلى زيادة الكفاءة وفرص التصدير والقدرة على المنافسة.
• وجود نظام قوي وفعال للخدمات من شأنه تحفيز وتنشيط الصادرات.
• وجود درجة عالية من التكامل بين القطاع الصناعي والقطاعات الأخرى داخل الاقتصاد الوطني مثل القطاع الزراعي.
• الاستفادة من نظام المناطق الحرة.
• توفير المناخ المناسب لنمو الاستثمارات الأجنبية.
• تدعيم الصناعات الصغيرة والمتوسطة لأنها قادرة على توفير فرص عمل تساهم في حل مشكلة البطالة بصورها المختلفة داخل هذه الدول.
4) إيجابياتها :
• التشجيع على حسن استغلال مبدأ الميزة النسبية والذي من شأنه أن يمكن الدولة من الاستفادة من وفرات التخصص في إنتاج سلع معينة، وهذه السلع ليست بالضرورة سلعا أولية ولكن سلع مصنوعة تعتمد كما تم ذكره على الميزة النسبية.
• التغلب على مشكل صغر السوق المحلي مما يمكن الدول النامية من الاستفادة من وفرات الحجم.
• إن إنتاج السلع المصنوعة بغرض التصدير من شأنه أن يشجع على ارتفاع مستوى الكفاءة داخل الاقتصاد الوطني، وهذا العامل هام جدا وخاصة في حالة الصناعات التي تنتج سلعا أو تستخدم كمستلزمات إنتاج في صناعات محلية أخرى.
• إن معدل نمو السلع المصنوعة بغرض التصدير لا يتوقف على معدل نمو السوق المحلي (مثل السلع التي تنتج بهدف الإحلال محل الواردات) لكنه يتوقف على معدل نمو اقتصاديات الدول المستوردة.
5) عيوبها:
ويمكن ذكرها فيما يلي :
• قد يصعب على الدول النامية أن تقيم صناعات تصديرية بسبب شدة المنافسة من جانب الدول الصناعية ذات التجربة الطويلة في مجال التصنيع.
• إن الدول الصناعية قد تقيم جدارا عاليا من الحماية الجمركية فيما يتعلق بصناعاتها التي تتميز بالبساطة أو باستخدام قوة إنتاجية كثيفة اليد العاملة (مثل الملابس الجاهزة.. ) وهذه هي الصناعات التي يمكن أن تتمتع فيها الدول النامية بميزة نسبية في إنتاجها.
• إن الدولة التي تعتمد أساسا على تصدير منتجاتها المصنوعة إلى أسواق الدول الصناعية تعاني من وقت لآخر من أي أزمات اقتصادية تمر بها اقتصاديات هذه الدول الصناعية المستوردة.
رابعا- إمكانية الدمج بين إستراتيجيتي إحلال الواردات والتصنع من أجل التصدير:
بعد أن رأينا أن إستراتيجية تشجيع الصادرات الصناعية يمكن أن تكون فعالة في تحقيق الاستقلال الاقتصادي والتخلص من التبعية وإنهاء الاعتماد على إنتاج وتصدير المنتجات الأولية، إلا أن هذه الإستراتيجية انتقدت كما تم ذكره على أنها لا تمكن البلدان النامية من إيصال السلع الصناعية إلى الأسواق الدولية لأنها تحتاج إلى مستوى عال من الإنتاجية، وتوفير المستلزمات من آلات وتقنية كثيفة رأس المال، كما تحتاج إلى أسواق كبيرة لصادراتها والتي قد لا تتوفر للعديد من البلدان، وبخلافه يتعرض البلد المعني إلى مخاطر، ولهذا فإنه من المناسب للبلدان النامية الجمع بين إحلال الواردات والتصنيع للتصدير ، ويتم إتباع إمكانية الدمج هذه لضمان نجاح نتائج كلا الإستراتيجيتين في إحداث انتعاش في التنمية الاقتصادية، ويكون ذلك عن طريق إقامة واستحداث فروع تصديرية لبعض الصناعات التحويلية، وذلك لفك الخناق عن السوق المحلية وتوسيعها، وتطوير صناعات ذات طابع إحلالي لتصبح فيما بعد ذات طابع تصديري .
ويتم تطبيق الإستراتيجيتين معا عن طريق تقديم المساعدة والدعم للصناعات المنتجة للسلع الموجهة نحو التصدير من جهة، وإقامة العوائق في وجه استيراد بعض السلع المصنعة من جهة أخرى، ولكن ما يعاب على هذين الإجراءين أن هناك بعض الاقتصاديين ممن يرون أن الإعانات التي تقدم لأصحاب المصانع المنتجة للسلع الموجه للتصدير، قد لا تمكنهم من منافسة جميع أصحاب الصناعات الذين يتميزون بالخبرة الطويلة في البلدان الصناعية، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذه الإعانات قد ترهق الاقتصاد مما يؤدي إلى انخفاض الدخل وانخفاض القدرة الشرائية للأفراد .
-iiتجارب بعض الدول النامية حديثة التصنيع في مجال التصدير وأسس نجاحها.
لقد حققت مجموعة من دول جنوب شرق آسيا منذ منتصف القرن العشرين معدلات نمو اقتصادي سريعة ومرتفعة، وكان الجزء الكبير من هذا النمو راجعا لاعتماد هذه الدول على قطاع الصناعة، حيث استخدم كل اقتصاد من اقتصاديات هذه الدول مزيجا من السياسات والإجراءات لتنشيط وتفعيل هذا القطاع.
أولا- تجربة كوريا الجنوبية :
يتضح من تدرج تجربة التصنيع لكورية الجنوبية منذ استقلالها في عام 1948 وحتى عام 2022، أن خطوط التنمية بدأت في التحول من إستراتيجية الإحلال محل الواردات في الخمسينيات من القرن العشرين إلى التصنيع من اجل التصدير في الستينيات من نفس القرن، حيث أنه في أواخر الخمسينيات كانت أحد أفقر الدول الأسيوية على اعتبار أنها كانت تتلقى ما قيمته 10% من ناتجها المحلي الإجمالي في شكل مساعدات، بينما كانت مدّخراتها المحلية تمثل من 02% إلى 03% من الناتج القومي الإجمالي، كما كان لديها سعر صرف مقوم بأعلى من قيمته ومعدل تضخم عالي وسريع، وكان معدل النمو الاقتصادي فيها متواضعا.
وعلى الرغم من الفرص التي أتيحت لإعادة البناء بعد انتهاء الحرب الكورية والحجم الملحوظ من المساعدات الأمريكية، إلا أن حال ميزان المدفوعات كان سيئا للغاية فقد كانت الصادرات بها أقل من نصف الواردات، زد على ذلك أن ما يقارب 88% من هذه الصادرات كانت عبارة عن مواد خام، وتغيرت الصورة في سنة 1960 حيث قامت الحكومة الكورية الجنوبية بعمل خفض كبير في قيمة عملتها الوطنية، بالإضافة إلى توفير الائتمان التفضيلي للمصدرين مع منحهم إعفاءات أو استثناءات من الرسوم على الواردات من المواد الخام والسلع الرأسمالية، كما بدأت في وضع نظم لحوافز التصدير مع زيادتها تدريجيا عندما بدأت الصادرات في الانطلاق، وبمرور الوقت زادت أهمية سعر الصرف كأحد العوامل المحفزة لتدفقات الصادرات، وبدأت الصادرات في النمو من 03% من الناتج المحلي الإجمالي بين سنتي 1960-1962 إلى 23% في المتوسط بين سنتي 1973-1975، وجاوز المعدل السنوي لنمو الصادرات في المتوسط 40%، وكانت مكونات الصادرات آنذاك كثيفة العمل وهي المنسوجات والملابس والأحذية، ومع نهاية الستينيات من القرن العشرين بدأت مهارات العمالة في الظهور وبدأت معدلات التكوين الرأسمالي في الزيادة مشيرة إلى زيادة الرأسمال المتاح لكل عامل، وبدأت صادرات الالكترونيات تحتل مكانة متزايدة في مكونات الصادرات الصناعية، ومع بداية السبعينات من نفس القرن بدأت بعض المكونات الجديدة للصادرات مثل الماكينات وآلات النقل في الدخول إلى قائمة الصادرات، وبدأ التحول نحو الأنشطة الأقل كثافة في عنصر العمل، حيث زاد استخدام قوة العمل الموجودة (استخدمت بأكملها)، ومع نهاية سنة 1966 أصبح واضحا أن النمو الاقتصادي لكوريا الجنوبية سوف يكون أكثر مما هو متوقع إذا تم توظيف مدخرات جديدة في استثمارات جديدة، ومن ثم بدأت في الاقتراض من الخارج و بدأت في السماح للاستثمار الأجنبي الخاص بالدخول.
وقد أدت الحوافز السوقية و الدعم السياسي الذي قدمته الحكومة الكورية منذ سنة 1961 إلى نمو كبير في الصادرات وصل إلى 28% سنويا، ولفترة تزيد على 35 سنة منذ سنة 1960 وحتى سنة 1966، وفي نفس الفترة نما متوسط الدخل للفرد الكوري بحوالي 08% سنويا في المتوسط وهو أعلى معدلات النمو في العالم، وطبقا لبعض التقديرات يعزى حوالي 40% من النمو في الإنتاج القومي خلال الفترة 1955-1975 للصادرات، مع الأخذ بعين الاعتبار أثر الصناعات التصديرية المباشرة والآثار غير المباشرة للصناعات الأخرى التي انتعشت نتيجة زيادة طلب المصدرين على المدخلات، وبدأت الصادرات في النمو بمعدل يقدر 03% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 1960-1962 إلى معدل 28% خلال الفترة 1973-1975 ثم إلى أكثر من 30% خلال الفترة 1976-1995، إلى أن بلغ حجم التبادل التجاري الكوري الجنوبي في نهاية سنة 1995 حوالي 264 مليار دولار بزيادة مقدارها 31% عن السنة السابقة، ثم عاودت انتعاشها بعد سنة 2022 بعد أن تجاوزت أحداث الأزمة المالية الآسيوية في سنتي 1997-1998، واعتمدت كوريا الجنوبية لتحقيق هذه الطفرة كليا على قطاع الصناعة، حيث نمت حصته (القطاع الصناعي) في الصادرات من 17% إلى حوالي 80% في منتصف السبعينات من القرن العشرين، وإلى أكثر من ذلك في منتصف التسعينات من نفس القرن، واقترن النمو السريع بالتنويع والتغيير الهيكلي، ونمت جميع القطاعات الصناعية بسرعة، ونمت صناعات السلع الإنتاجية التي كانت حصتها من القيمة المضافة في بداية الستينات حوالي 15% إلى 39% في منتصف السبعينات وإلى أكثر من 40% في التسعينات من نفس القرن مشيرة إلى التنوع الصناعي، وعلى الرغم من أن معظم الصادرات في بداية النمو كانت صناعات كثيفة العمل وبخاصة صادرات الملابس والمنسوجات والأحذية، إلا أنها استطاعت مع حلول منتصف السبعينات تصدير ألواح الصلب والماكينات الكهربائية والسفن وخدمات البناء، ثم دخلت عالم الالكترونيات في الثمانينيات ثم ثورة الاتصال في التسعينيات من القرن الماضي.
ويمكن ذكر أهم الإجراءات والأسس الاقتصادية التي اعتمدت عليها كوريا الجنوبية لترقية صادراتها في الستينيات فيما يلي :
• إعادة هيكلة الإدارة الضريبية.
• رفع معدلات الفائدة على الودائع البنكية، ووضع تنظيمات ومقاييس تشريعية لتشجيع الاستثمار الأجنبي.
• إتباع شروط مرنة للقرض.
• منح تخفيضات ضريبية على واردات التجهيزات المستخدمة في صناعة المنتجات الموجهة للتصدير.
• خلق منطقة حرة، و تبسيط الإجراءات الجمركية.
هذا عن سنوات الستينيات حيث كانت الانطلاقة، فيما بعد تم إتباع المقاييس التالية في سياسة ترقية الصادرات :
• الإعفاء من الحقوق الجمركية على واردات المواد الأولية وسلع التجهيز.
• منح معدلات فائدة تفضيلية للمصدرين.
• تخفيض الضريبة على الأرباح الصناعية والتجارية الناتجة عن عملية التصدير.
• وضع مقاييس خاصة تسمح بإهتلاك متسارع لتشجيع عملية الإنتاج.
• تعويض بعض الاقتطاعات الضريبية للمصدرين.
• إعانات فيما يخص تمويل الصادرات.
ثانيا- تجربة تايوان :
إن نمط التصنيع في تايوان يتشابه تماما مع نظيره في كوريا الجنوبية، حيث اعتمدت صناعاتهما بصورة أكبر على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما عرف القطاع الحكومي نصيب أكبر من المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الصناعات التحويلية، ومنذ منتصف الستينيات توجهت تايوان من إستراتيجية إحلال محل الواردات إلى إستراتيجية التصنيع من أجل التصدير، وقد نمت الصناعات التايوانية وتطورت وأصبحت قادرة على المنافسة في الأسواق الدولية، إلى جانب تلبيتها للطلب المحلي، وعملت على تشجيع إقامة صناعات أكثر تعقيدا، مثل صناعات الصلب والبتروكيمياء وماكينات تصنيع الآلات والمعدات الإلكترونية، ولقد بدأت الحكومة التايوانية في تطبيق سياستها التنموية بإتباع سلسلة من الإصلاحات منها :
• خفض قيمة العملة.
• توحيد أسعار الصرف في سنة 1958.
• إلغاء القيود على الواردات.
• تعديل السياسة النقدية.
• إنشاء مناطق حرة للتصدير.
وكان من نتيجة هذه الإجراءات أن انخفض معدل التضخم إلى أقل من 02% سنويا خلال الخمسينيات من القرن العشرين، وقد تبع هذه الإصلاحات زيادة ملحوظة في الصادرات وفي معدل النمو الاقتصادي، حيث شكلت الصادرات 12.2% من الدخل القومي سنة 1958، بينما شكلت الواردات في نفس السنة 20% من الدخل القومي، وارتفعت الصادرات إلى 19.6% من الدخل القومي سنة 1965، وفي سنة 1969 تساوت الصادرات مع الواردات نتيجة للنمو السريع في الصادرات، وخلال عقد الستينيات من القرن العشرين أمكن مضاعفة الصادرات التايوانية خمسة أضعاف، بينما ارتفعت الواردات بأربعة أضعاف ونمت الصادرات لتحل محل المساعدات الأجنبية والسماح بزيادة كبيرة في الواردات، وكانت هذه الأخيرة ضرورية حيث كان الاقتصاد يحتاجها في العملية الإنتاجية بدرجة كبيرة، وقد تكونت قائمة الصادرات الأولية لتايوان من المواد الغذائية المصنعة والمواد المشابهة، وقد توسعت قائمة الصادرات لتشمل الملابس والمنسوجات والماكينات الكهربائية وغيرها من الصناعات، وكما حدث في حالة كوريا الجنوبية ارتبطت زيادة الصادرات والدخل الحقيقي بزيادة معدلات التوظيف والأجور الحقيقية.
وعلى العموم فقد ظهرت السياسات المنتهجة مشابهة في معظم أدواتها لسياسات كوريا الجنوبية، حيث استهدفت السياسات الحكومية تشجيع الصادرات عموما بالإضافة إلى التركيز على تشجيع تصدير مجموعة معينة من السلع، وقدمت الحوافز بأشكال عديدة ولصور عديدة من الأنشطة الاقتصادية، وعلى العكس من كوريا الجنوبية فقد بدأت تايوان مبكرا في تشجيع رأس المال والاستثمار الأجنبي، وحاولت خلق بيئة جذابة للمستثمرين الأجانب، حيث كانت تعتبر الاستثمار الأجنبي أحد المصادر الهامة للتنمية الاقتصادية.
ثالثا- تجربة هونغ كونغ :
بالرغم من قلة مساحتها وقلة مواردها الطبيعية والمائية، استطاعت هونغ كونغ أن تحقق تنمية كبيرة في النشاط الصناعي والتجاري والسياحي والمصرفي، وهذا بفضل توجهها نحو الخارج وإتباعها لسياسة التصدير، مما سمح لصادراتها أن تبلغ معدلات عالمية، وأن تجد لنفسا مكانة محترمة في التجارة العالمية وقد انعكس هذا الوضع على مستوى معيشة الأفراد، وهذا نتيجة الدور الذي لعبته الحكومة في توفير الظروف الملائمة للقطاع الخاص وتوفير البنية الأساسية التي تشجع على النمو الاقتصادي، واتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات لزيادة القدرات التكنولوجية في الصناعة، والتي من أهمها:
• حرية تداول السلع والخدمات.
• عدم وجود الرقابة على الصرف الأجنبي.
• تخفيض معدلات الضرائب.
• توفير الخدمات المالية والفنية بصورة كبيرة.
ونظرا للمضايقة التي واجهتها الصادرات التقليدية في الأسواق الأجنبية من جراء نظام الحصص واتجاه الزيادة في تكاليف العمل، مما أدى إلى التقليل من القدرة التنافسية للصادرات، أخذت الصناعة تتوجه نحو التركيز على المنتجات عالية الجودة والالكترونيات، وللحفاظ على مكانة المنتجات التقليدية في الأسواق الأجنبية تم اللجوء لليد العاملة الرخيصة من الصين، كما تم إقامة مراكز للتدريب، كما لعب الاستثمار الأجنبي دورا حيويا وخاصة في صناعة الإلكترونيك وتوفير رأس المال ونقل التكنولوجيا.
رابعا- تجربة سنغافورة :
يعتبر التوجه التصديري هو أساس النمو السريع لسنغافورة، وقد رحبت سنغافورة برأس المال الأجنبي وتعتبر معظم الصناعات بها من نوع الصناعات كثيفة رأس المال (مثل صناعة تكرير البترول)، وعلى الرغم من نجاح سنغافورة في تنمية سياسة التصنيع بها إلا أنها بدأت من سياسة الإحلال محل الواردات مع حلول منتصف الستينيات من القرن العشرين، وكان الاهتمام الرئيسي أن الشركة لا تنتج إلا للسوق المحلي حتى سنة 1965، نتيجة لذلك ظلت مشكلة البطالة في سنغافورة لعدة سنوات بعد الاستقلال، يضاف إلى ذلك الأثر السيئ لسياسة الإحلال محل الواردات على الصادرات والتي ساهمت في تفاقم العجز في ميزان المدفوعات، وفي سنة 1967 بدأت سنغافورة في تبني إستراتيجية التصنيع ذات التوجه التصديري، هذا ما انعكس في إحداث التغييرات الجذرية لمجموعة سياسات التنمية الاقتصادية، ولقد شجع الهيكل الجديد لسياسات التنمية الاقتصادية على إقامة مجموعة من التجهيزات الصناعية الجديدة والتي تهدف جميعها لترويج الصادرات، ونتيجة لانخفاض معدلات الأجور مع الموقع الاستراتيجي للدولة في آسيا وكفاءة وسائل النقل والتوجه التجاري الخارجي الجديد وهيكل الاستثمار، كانت كلها عوامل جعلت من سنغافورة مركزا لجذب الشركات متعددة الجنسيات والتي بدأت في التوسع ودخول هذه المنطقة، ولتحقيق هدف خلق الوظائف الجديدة تم تقديم عدد من الحوافز سنة 1967 في ظل قانون توسيع الحوافز الاقتصادية، منها على سبيل المثال خفض معدلات الضرائب على الدخول الناتجة عن الأنشطة الصناعية الموجهة للتصدير، هذه السياسات – بالإضافة إلى عدد آخر من العوامل المستقلة والتي يعتبر من أهمها التوسع السريع في النظام التجاري الدولي خلال تلك الفترة وإعادة تخصيص مصانع الغزل والنسيج من الدول الأسيوية الأخرى – يمكن النظر إليها على أنها أحد الأسباب التي أدت إلى زيادة الاستثمار الصناعي الكلي خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1968-1973 عن 2.3 مليار دولار، وقد استفادت قطاعات الخدمات الصناعية والمالية من الزيادة في الاستثمار الأجنبي، وداخل الأنشطة الصناعية كان هناك توسع في الالكترونيات، تكرير البترول، قطع غيار السفن، قطاعات المنسوجات، وهو الأمر الذي ساعد على استيعاب عدد كبير من القوى العاملة الموجودة.
وفيما يتعلق بالخدمات المالية فقد كان لإقامة البنك الأمريكي ـ الآسيوي دور كبير في إنشاء مجموعة من التسهيلات التمويلية الدولية للعمل في سوق الدولار الآسيوي، والذي يميز المرحلة الأولى من النمو السريع في هذا السوق هو ظهور سنغافورة كمركز مالي دولي رئيسي، أما النجاح الذي حققته سنغافورة في المرحلة الثانية للتنمية فيمكن أن يعزى ليس للزيادة السريعة في الاستثمار الأجنبي والصادرات فقط، ولكن أيضا للنمو الحاد في التوظيف الذي أدى إلى تحول سنغافورة من اقتصاد يتمتع بفائض عمالة منخفضة الأجر إلى اقتصاد يكتظ بالعمالة المرتفعة الأجر.
خامسا- تجربة أندونيسيا :
في سنة 1966 استطاعت الحكومة الأندونيسية أن تكفل استقرار السياسة الاقتصادية فعملت أولا على خفض معدل التضخم الذي بلغ 639%، واهتمت بإصلاح البنية الأساسية وزيادة معدلات الصادرات مع توفير ما يكفي للاستهلاك المحلي، وقد انتهجت أندونيسيا في تحقيق أهدافها سياسة اقتصادية تركز على التوجه الاقتصادي غير المباشر، حيث قامت الدولة بتوجيه اقتصادها من خلال مؤسساتها العامة مع إعطاء القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي غاية اهتمامها، وقد تضمنت خطط الحكومة إصلاح جميع القطاعات التي من شأنها تنمية الاقتصاد الأندونيسي، خاصة قطاع التعدين والزراعة، كما أولت القطاع المصرفي أهمية كبيرة حتى تمكِّنه من القيام بدوره على أكمل وجه، وقد زادت الصادرات الأندونيسية بمعدلات متضاعفة حيث ارتفعت بمعدل نمو سنوي بلغ 13.6% خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1987-1993، وقد حملت قائمة الصادرات الأندونيسية مجموعة متنوعة من المنتجات إذ تعتبر أندونيسيا المورد الرئيسي لبعض السلع مثل القصدير، المطاط، الغاز الطبيعي السائل، القهوة،………الخ، والسلع المصنعة مثل الالكترونيات، المنسوجات، الأغذية المصنعة، الاسمنت،………الخ، وتقوم أندونيسيا بالتصدير إلى مجموعة متنوعة من الدول تتصدرهم اليابان، الصين، ألمانيا، هولندا، الولايات المتحدة، وقد نجحت أندونيسيا في تنويع استراتيجياتها التصديرية في جزء كبير منها نتيجة نجاحها في جذب الاستثمار الأجنبي، كما كان للمشروعات دور كبير في جلب الآلات، التكنولوجيا، الاتصالات مع السوق الخارجي وتدريب العمالة في أندونيسيا.
كما كان للمساعدات التي قدمتها الحكومة الأندونيسية للمصدرين دور في إنجاح سياستها التصديرية، حيث كان صُنَّاع القرار في أندونيسيا يرون أن أفضل الطرق لتحقيق رغبة الشركات في زيادة صادراتهم ليس منح حوافز لقطاعات بعينها، بل فضلت خلق مستوى من الحوافز للجميع على نحو يشجع الاستثمارات، وبالنسبة لبيئة أعمال المصدرين فقد منحت الحكومة الأندونيسية الشركات المصدرة التي لا تقل صادراتها عن 65% من إنتاجها الحوافز التالية:
• عدم فرض قيود على الواردات.
• إعفاء جمركي من الرسوم على الواردات، وضريبة القيمة المضافة على الآلات والمواد الخام.
• السماح بحوالي 95% ملكية أجنبية.
• أنشأت الحكومة الأندونيسية نظاما لتمويل الصادرات يقدم ائتمانا قبل وبعد الشحن.
سادسا- تجربة ماليزيا :
لقد نجحت ماليزيا في ترقية صادراتها بنسبة 17% في المتوسط خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1987-1993 حيث وصلت إلى 47 مليار دولار أمريكي، وقد استمرت ماليزيا في انتهاجها لإستراتيجية التصنيع الأمر الذي انعكس بالإيجاب على صادراتها، حيث شكلت المنتجات الصناعية 71% من إجمالي هذه الصادرات سنة 1993، واستمرت في هذا الاتجاه إلى غاية منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، هذا بعد أن كان البترول الخام عمود الصادرات الماليزية، بالإضافة إلى المطاط، وزيت النخيل، خشب الأشجار.
ومن بين الصادرات الماليزية نجد الآلات الكهربائية حيث بلغت مساهمتها حوالي 60% في صادرات ماليزيا الصناعية، يليها من حيث الأهمية كل من المنسوجات والكيماويات والبترول والمعادن، وقد نجحت ماليزيا في تنويع أسواق صادراتها على مستوى العالم، حيث تصدر إلى اليابان 17% من صادراتها الإجمالية، كما تصدر للاتحاد الأوروبي حوالي 16% من صادراتها وتتلقى الولايات المتحدة منها ما يقارب 15%.
و قد مثل الاستثمار الأجنبي عجلة النمو الرئيسية لصادرات ماليزيا في العصر الحديث، وقد أفاد هذا الاستثمار الصادرات الماليزية من خلال قيام المستثمرين الأجانب بتوسيع خطوط منتجاتهم سواء الأمامية أو الخلفية، ومكَّن الاستثمار الأجنبي ماليزيا من تنويع قائمة صادراتها وإبعادها عن الصادرات النفطية والتقليدية التي تواجه أسعار عالمية غير مستقرة، وتعتبر صادرات الالكترونيات أهم أنواع صادرات ماليزيا منذ مطلع حقبة التسعينيات من القرن العشرين وحتى منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
بالإضافة إلى الاستثمار الأجنبي هناك عاملا أخر أدى إلى تفعيل الصادرات الماليزية، والمتمثل في نظام تزويد الشركات بالمساعدات والتمويل للإنتاج الموجه للصادرات، وقد أدى هذا النهج كذلك إلى زيادة في تسهيل نمو الصادرات الماليزية على نطاق واسع، حيث قدمت ماليزيا حوافز لكل من المنتجين والمصدرين في المناطق غير النامية، وللمستوردين للتكنولوجيا الجديدة أو المستثمرين في المنتجات غير التقليدية، وعلاوة على ذلك فقد قدمت الحكومة الماليزية دعما للصادرات عن طريق تقديم مجموعة كبيرة من الخدمات والحوافز، والتي من بينها ما يلي:
• 50% إعفاء من الضرائب المرتبطة بالأنشطة التصديرية.
• إعفاء ضريبي يمثل ما نسبته 05% من قيمة الصادرات.
• إعفاء مزدوج على التكاليف المرتبطة بالصادرات متضمنة تكاليف تسويق الصادرات، والتأمين على الصادرات وتأمين الحمولات المستوردة.
• استرداد قيمة الجمارك والرسوم على السلع الوسيطة المستخدمة في الصادرات.
سابعا- تجربة تايلاند :
تدلنا تجربة تايلاند في مجال تنمية الصادرات على أهمية وأثر السياسات الاقتصادية الكلية والتنظيمات الحكومية على التجارة الخارجية، فخلال الستينيات من القرن العشرين كانت تعرف تايلاند على أنها مصدر للسلع الزراعية التقليدية، وبخاصة الأرز والمطاط والخشب وخام القصدير، وخلال السبعينيات من نفس القرن قدمت الحكومة دعما كبيرا للمصدرين، وأدى ذلك أن تضمنت قائمة الصادرات التايلاندية إلى جانب الصادرات الزراعية الخام مجموعة من السلع الزراعية المصنعة والمنتجات المصنعة الأخرى، وبمقارنة هيكل التكلفة النسبية للدولة آنذاك مع غيرها من الشركاء التجاريين يمكن القول بأن معظم الصادرات التايلاندية هي عبارة عن صادرات كثيفة العمل، مثل الأغذية المعلبة والمنتجات الخشبية والمجوهرات.
ولأن الحكومة التايلاندية وجهت كل اهتمامها للأنشطة التصديرية والمصدرين فقد فتحت الباب للاستثمار الأجنبي، ووضعت مجموعة كبيرة من الحوافز لمجموعة محددة من الصناعات، وكان من أثر ذلك أن تنوعت الصادرات ونمت، وتتضمن قائمة الصادرات التايلاندية الآن الصادرات الالكترونية والأجزاء المتكاملة منها، والصادرات الكهربائية، والمنتجات الجلدية مثل الأحذية، والمنتجات البلاستيكية، وتشكل الصادرات الصناعية ما نسبته 54% من الصادرات التايلاندية، وقد نمت الصادرات التايلاندية بمعدل 23% سنويا خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1987-1993 حتى وصلت إلى 37 مليار دولار أمريكي، ويكمن سبب نجاح الصادرات التايلاندية للأدوات المنتهجة من قبل الحكومة والتي يتمثل بعضها فيما يلي:
• إعفاءات ضريبية.
• خفض تكاليف الطاقة.
• تقديم المساعدات التسويقية للشركات.
كما لعب الاستثمار الأجنبي دورا كبيرا في إنجاح الصادرات التايلاندية، وخاصة في مجال الالكترونيات والأحذية، ومن المهم أن نلاحظ أن الخبرة التايلاندية في تنمية الصادرات أشارت أن الاستثمار الأجنبي لا يعتبر لوحده الأرضية الرئيسية لتنمية الصادرات، فهناك أيضا بعض السياسات الأخرى والتي من أهمها قيام الشركات الموجودة في تايلاند بتعديل خطوط إنتاجها حيث ارتفع هيكل التكلفة بمرور الوقت مع ازدياد حده المنافسة، كما ساهمت السياسة الصناعية لتايلاند في إنجاح إستراتيجية تنمية الصادرات الصناعية.
وقد احتوت سياسة التصدير التايلاندية على مجموعة من الحوافز مقسمة على ثلاثة مناطق، ويمكن عرض أهمها على النحو التالي:
الشركات الموجودة في المنطقة الأولى تستفيد من:
• 50% تخفيض في الرسوم المفروضة على الواردات من الآلات.
• إعفاء لسنوات من الضرائب على الدخل (بالنسبة للشركات الموجودة في المناطق الصناعية فقط).
• إعفاء لمدة سنة من الضرائب على المواد الخام.
الشركات الموجودة في المنطقة الثانية تستفيد من:
• 50% تخفيض في الرسوم المفروضة على الواردات من الآلات.
• إعفاء لمدة ثلاثة سنوات من الضرائب على الدخل (تزداد إلى سبعة بالنسبة للشركات الموجودة في المناطق الصناعية).
• إعفاء لمدة سنة من الضرائب على المواد الخام.
الشركات الموجودة في المنطقة الثانية تستفيد من:
• 100% خفض في الرسوم المفروضة على الواردات من الآلات.
• إعفاء لمدة ثمانية سنوات من الضرائب على الدخل يتبعها خمسة سنوات خفض في الضرائب على الدخل بنسبة 50%.
• إعفاء مزدوج من الضرائب على الدخل من المياه، الكهرباء، تكاليف النقل للعشر سنوات الموالية.
التصنيفات