للكاتب أبو الحسين الحسيني
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما .
أما بعد
فلا يخفى عليكم أهمية اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وتحدث به نبينا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي اله عنهم، وإليها تهفو نفس كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، فهي لغة العبادة للمسلمين كافة، وهي لغة التواصل والتخاطب بين أهلها؛ وأن الله سبحانه وتعالى قد شرّف اللغة العربية وخصها بأمرين عظيمين حيث أنزل كتابه بها واصطفى رسوله من أهلها والناطقين بها، فكانت بذلك وعاء لأصْلَي الإسلام العظيمين: القرآن والسنة. وقد أدرك سلف هذه الأمة الصالح هذه الحقيقة العظيمة فاحتفوا باللغة العربية وأنزلوها المكان اللائق بها وبقدسيتها، وأوجبوا تعلّمها وتعليمها على أنفسهم وأبنائهم، ولم يسمحوا لأنفسهم بالتساهل فيها لأنهم رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم يندب أصحابه بقوله: «أرشدوا أخاكم فقد ضل» عندما لحن رجل في حضرته. ورأوا الفاروق رضي الله عنه تتوالى عه التوجيهات في ذلك، فيكتب إلى أبي موسى الأشعري بقوله: «تعلّموا العربية فإنها من دينكم.. وأعربوا القرآن فإنه عربيّ». ويكتب له في مناسبة أخرى عندما ورده منه كتاب أخطأ فيه كاتبه: «قنّع كاتبَك سوطاً». ويشتد غضبه ويعظم نكيره عندما سمع أعرابياً يقرأ آية سورة براءة: «أن اللهَ بريءٌ من المشركين ورسولُه..» بجر اللام في (رسوله) ويقول: وأنا بريء مما برئ اللهُ منه. فقال له عمر: ويحك يا أعرابي، كيف تبرأ من رسول الله؟ فقال الأعرابي: ذاك ما علمنيه أصحابُك. فقد قدمتُ إلى المدينة ولا علمَ لي بالقرآن، فأقرأني بعضُ أصحابك هذه الآية كما سمعتَها مني. فقال له عمر: إنها ليست كذلك، وإنما هي (ورسولُه) بضمة على اللام. فقال الأعرابي: وأنا بريء مما برئ اللهُ ورسولُه منه. فأمر عمرُ بعد ذلك بأن لا يقريء القرآن إلا من له إلمام بالعربية. وكل الذي تصدّوا للتفسير من العلماء صدّروا تفاسيرهم بمقدمات أبانوا فيها عن أهمية اللغة العربية لمن يريد أن يتصدى لتفسير القرآن. وذكر السيوطي في «الإتقان» أن على المفسر أن يكون -قبل البدء في التفسير- على إلمام بخمسة عشر علماً، أولها: علم اللغة العربية، وثانيها: علم النحو، ثالثها: علم الصرف.. إلى آخرها.
وما قيل بصدد المشتغلين بالقرآن وتفسيره، يقال مثله للمشتغلين بالسنة وبيانها وشرحها، ذلك أن القرآن والسنة نصّان عربيان يتسنّمان الذروة في البلاغة والفصاحة، ويشتركان في احتياج المشتغل بهما إلى فقه اللغة التي جاءا بها، والإحاطة بأسرارها ودقائقها وشورادها. وقد مر على ذلك مثال من القرآن. ومن أمثلة ذلك من الحديث اختلاف الفقهاء في حكم جنين بهيمة الأنعام الذي تذبح أمه وهو في بطنها، بسبب اختلاف الرواية في ضبط هذا الحديث: «ذكاة الجنين ذكاة أمه»، فقد رُويت كلمة «ذكاة» الأخيرة بروايتين: الرفع والنصب. ويختلف الحكم الشرعي في كل واحدة منهما عن الأخرى، فرواية الرفع تجعل تذكية أمه مجزية عنها وعنه، أما رواية النصب فتوجب له تذكية كتذكية أمه.
هذا طرف مما يخص المفسر والمحدث.