التصنيفات
لغــة وأدب عربي

من قضايا اللسانيات التداولية

من قضايا اللسانيات التداولية

1- الكلّيات اللغويّة

تدعى النظرية اللسانية الواصفة والمفسرة، للغة البشرية قاطبةً، بنظرية النحو الكلّيّ (Universal Grammar)
والقول بقواعد النحو الكلي هو قول بظاهرة التعميم أي تعميم مجموعة من المبادئ العامّة على سائر الأنحاء الخاصة، وهو قول بأن اللغات الخاصة التي توصف بتلك الأنحاء الخاصة، تحكمها قواعد عامة كلّيّة، هي قواعد النحو الكليّ، ولا بدّ من ظاهرة التّعميم (Generalisation) في جسم النظرية حتى يصحّ نعتُها بأنها نظرية لسانية عامّة أو كلّيّة تقوم على وجود ثوابت عميقة تحكم الظواهر اللغوية – أصواتها، وتراكيبها ، ومعجمها ، وصرفها ، ودلالاتها – وقواعد لغوية ترتد إليها الأجزاء والآحاد ،و لا بدّ لكي تتحقق صفة التعميم والكلّيّة في النظريّة من اطراح عوامل الاختلاف والتنوع في اللغات، التي هي عناصر محلية لا انتساب لها إلى المبادئ والقواعد الكلية، وإنما هي محكومة بقواعد أخرى تؤول المختلفات وتفسرها بمتغيرات القاعدة الكلية الواحدة وتنوع أوجهها، وتسمى هذه المتغيّرات التي تفسر الخصوصيات بالوسائط أو الباراميترات (Parametres)
قواعد النحو الكلّيّ قواعد كلية مستقرة في مخزون المتكلمين قاطبة ،الذين لا يفزعون إلى هذه القواعد إلا لانتقاء ما يناسب لغاتهم ، ويوسّطون في الانتقاء وسائط لتثبيت القيم المناسبة ، تنتهي بالمستعمل اللغوي إلى تنزيل مبادئ النحو الكلي ومقاييسه على لغته الخاصة، فيتم الانتقال من الكليات إلى الجزئيات والأنواع
أمّا وسائط الاختلافِ بين اللّغاتِ في تطبيق الكلّيّاتِ فتُفيدُ أنّ شومسكي في بنائه لنماذِجه “المبادئ والوسائط” و”الكلّيّات…” يحاولُ توسيعَ هامش المرونة الصّوريّة فيها، وتطويرَ قدرتِه على الارتقاء في مراتبِ الكفايةِ والمُناسبَة بِما يجعلُه صالحا لأن يُعتَمَدَ مرجعاً في تفسيرِ الفروق بين اللّغاتِ…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر:
– نظرية النحو الكلي والتراكيب اللغوية العربية دراسات تطبيقية، د. حسام البهنساوي، مكتبة الثقافة الدّينية، 1998
– من قضايا الأشباه والنّظائر بين اللغويات العربية والدّرس اللساني المعاصر، د. عبد الرحمن بودرع، نشر: حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، الرسالة:227، الحوليّة:25، مارس 2022
– قراءات في اللّسانيات التّوليديّة، من العامليّة والرّبط، إلى البرنامج الأدنى، اللّغة النَّظريّةالتّوليديّة من “بلاغة الإطناب” إلى “بلاغة الإيجاز”، ج:2، د.رشيد بوزيان، نشر: نادكوم، 1999.
– Formal Parameters of Generative Grammar, I: Yearbook 1985 by Ger de Haan, Wim Zonneveld, Author(s) of Review: Thomas F. Shannon
********, Vol. 62, No. 4 (Dec., 1986)

2- نَموذَج المَبادئ والوسائط

قام نموذَج المَبادئ والوَسائط (Principles and Parameters) على افتِراض وجود نحوٍ كلّيّ هو عبارةٌ عن مبادئ كلّيّة ثابتةٍ ومستقلَّةٍ عن اللّغاتِ الخاصّة، بل مشتركةٍ بينها، وافتِراضِ وجود وَسائطَ إلى جانبِ النّحو الكلّيّ ترتبِطُ بِما تَرسّبَ عن القواعِدِ الخاصَّةِ المميِّزةِ للغاتِ، ولكنّ إمكاناتِ التّنوّع بين اللّغاتِ مُقيَّدٌ، وكلُّ وسيطٍ يقترِنُ بسماتٍ صرفيّةٍ معيّنةٍ.
وقد بحثَ في موضوع التَّوسيطِ الباحث اللّسانيّ (Jespersen 1927) الذي ذهَبَ إلى أنّ التّركيبَ يُترجِمُ ما هو مُشتَرَك بين اللّعاتِ بِخلافِ الصّرفِ، وعليهِ يُنتَظَرُ أن يَكونَ هناك نظامٌ حسابيّ واحدٌ (Computational System) ونظامٌ معجميّ واحدٌ مشتَركانِ بين اللّغاتِ، وأن يكونَ التّنوّع والاختِلافُ محصورَيْنِ في بعضِ السِّماتِ الصّرفيّة المُوسَّطَةِ بين قواعدِ النّحوِ الكلّيّ والقواعِدِ الخاصّةِ. وهذا ما يُفسِّرُ الافْتراضَ النّظريّ للنّظريّةِ التَّوليديّةِ بأنّه لا توجدُ إلاّ لغةٌ واحدةٌ أساساً على الرّغم من عناصرِ التّباعدِ والتّنوُّعِ بين اللّغاتِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
انظر:
– البناء الموازي: نظرية في بناء الكلمة وبناء الجملة، د.عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنّشر، 1990
– المقارنة والتّخطيط في البحث اللّساني العربي، د.عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنّشر، 1998

3- البَرْمانَجُ الأدْنى:

البَرنامَجُ الأدْنى (Minimalist Program) برنامجٌ ذو توجّهٍ تفسيريّ، يرومُ بلوغَ التّفسيرِ عبرَ ما يُسمّى بـ”الأدنويّة” (Minimalization)، وهي نهجٌ نظريّ مفادُه أن يقومَ العلمُ بتغطيةِ أكبرِ عددٍ من الوقائعِ والتّجاربِ عبرَ استنتاجاتٍ منطقيّةٍ مرتبطةٍ بعددٍ قليل من الافتِراضات والمُسلَّمات. وهو مفهوم مرتبطٌ بالبساطةِ (Simplicity) والاختصارِ (Reduction) والاقتصار (Parcimony) .
وبِناء على مبدإ “الأدنويّة” ينبغي إعادةُ النّظرِ في النّسيجِ النّحويّ حتّى نتمكّنَ من التّبسيط والحذفِ وإعادة الهيكلة، وقد ركّز شومسكي (1995)
[The Minimalist Program for Linguistic Theory, Cambridge, Massachussets]
على التّقليص من مستوياتِ التّمثيل النّحويّة وكيفية بناء التّمثيلات أو معالجة المعلومات الصّوتيّة والدّلاليّة والمنطقية، فقد انحصرت مستويات التّمثيل النّحويّة في البرنامج الأدنى في مستويين اثنيْن (هما: التّمثيل الصّوتي أو الصّورة الصّوتية، والتّمثيل المنطقي أو الصّورة المنطقيّة) بدلاً من أربعة مستويات كان يتضمَّنُها نموذج الرّبط العامليّ (وهي المعجم والبنية العميقة والبنية السّطحيّة والصورتان الصوتيّة والمنطقيّة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
– انظر المرجع أعلاه: The Minimalist Program for Linguistic Theory
المقارنة والتّخطيط… د.عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنشر، 1998 –

4- ما مَكانُ البنيتيْنِ العميقةِ والسّطحيّةِ من البرنامجِ الأدنى؟

في سياقِ الحَديثِ عن دَوْرِ البرنامجِ الأدنى في تقليصِ مُستوياتِ التَّمْثيلِ النّحويّةِ، إلى تَمثيلٍ مجرَّدٍ للصّوتِ أو ما يُعرفُ بالصّورةؤ الصّوتيّة، وتمثيلٍ مجرّد للمعنى أو ما يُعرَفُ بالصّورةِ المنطقيّة، وهما مستوَيانِ لا يُمكن الاستغناءُ عنهُما أو تَجاوُزُهُما لأنّهما مستويانِ تمثيليّانِ في الواجهةِ (Interface levels)، ومتّصلانِ بنسقينِ خارجيّينِ بالنّسبةِ إلى النّحو: نسق يتّصلُ بالإدراكِ والنّطق، ونسق يتّصلُ بالتّصوّر والقصدِ.
أمّا المستويانِ الآخرانِ: البنية العميقةُ والبنيةُ السّطحيّة فهما مستويانِ داخليّان وليسا في الواجهةِ ولا يُزوِّدانِ أيّ نسقٍ خارجيّ، يعني ذلك أنّ المستوياتِ انقسَمَتْ إلى مستوياتٍ خارجيّةٍ رئيسةٍ، ومستويات داخليّة ثانوية، وأنّ الرّئيسةَ برزتْ إلى واجهةِ تمثيلِ الجُمْلة وأمّا الدّاخليّة فظلّتْ خلفَ الأولى. ولا ننسى أنّ المعجم مستوى في التّمثيلِ لأنّه يزوِّدُ المستويين الخارجييْنِ حيثُ يتضمّن مفرداتِ اللّغة، وكلّ مدخلٍ معجميّ يشتمل على ثلاثِ مجموعاتٍ من السِّماتِ: سماتٍ دلاليّة، وأخرى صوتيّة، وأخرى تركيبيّة، وأنّ الدّلاليّة والصوتيّةَ ينبغي أن تكونَ حاضرةً ومؤوَّلَةً في النّسقين الخارجييْنِ (نسق الإدراكِ والنّطق، ونسق التصوُّر والقصدِ، وأمّا السّماتِ التّركيبيّة في المعجمِ فإنّها تتضمّن المعلومات والمَقولات النّحويّة كالفعل والاسم والحرف… وتتضمّن أيضاً معلومات الإحالة والمُطابقة كالشّخص والعدد والجنس… ودورُ كلّ هذه السِّماتِ هو تعيين الوضعِ التّركيبيّ للكلماتِ
وهكذا فإنّ نموذَجَ النّحوِ في البرنامجِ الأدنى قد أخّر رتبة البنيتيْنِ العميقةِ والسّطحيّةِ إلى درجة الاستغناءِ عنهُما، لما يترتّبُ على افتِراض وجودِهِما من مشاكلَ تجريبيّةٍ، من ذلك أنّ العميقةَ مستوىً توجدُ فيه ممثَّلَةً كلّ المقولاتِ النّحويّة التّركيبيّة، وتُدرجُ فيها كلُّ المعلوماتِ في آنٍ واحدٍ، من دون تدرُّجٍ.
وفي المُقابِلِ اعتمدَ البرنامجُ الأدنى: التَّحْويلاتِ المُعمَّمَةَ (Generalized Transformations) بدلاً من البنيةِ العميقةِ، مثل عمليّة الضّمّ (Merge) والولوج المعجميّ (Lexical access). أمّا السّطحيّة فيُستغنى عنها وتُعوَّضُ بعمليةالقِراءةِ والتّأويل أو ما دَعاه د.عبد القادر الفاسي بالتّهجيّة
ــــــــــــــــــــــــــــ
انظر:
– تركيب اللغة العربية، مقاربة نظرية جديدة، محمد الرحالي، دار توبقال للنشر: 2022
– قراءات في اللسانيات التوليدية، من العامليّة والرّبط إلى البرنامج الأدنى، رشيد بوزيان، نشر شركة نادكوم 1999
– المقارنة والتّخطيط في البحث اللّساني العربي، د.عبد القادر الفاسي الفهري، 1998

5- لاتناظر التركيب (Antisymmetrical Syntax):

يُفيد أنّ بنيةَ المركَّب الحدّي [التي تجمع بين المُضاف والمُضاف إليه] موازية لبنية الجملة في كثيرٍ من الخصائص التّركيبية، وتخضع البنيتانِ لقيود واحدةٍ، وتشترِك البنيتانِ مَعاً في أنّ الإعرابَِ يُحدّد رتبةَ المكوِّناتِ
تركيب الجملة يُناظرُ التّركيب الإضافي، في عدد من الجوانب، كما مرَّ بنا، وفي عدد من القيود مما يسمح بدراستهما في إطار التّوازي
أزيدُ الأمرَ إيضاحاً:
هُناك مظاهِرُ من التَّوازي – في البناء – بين بنية الجملةِ وبنية المركَّب الحدّي المتمثِّلَة في تركيبِ الإضافَةِ؛ حيثُ إنّ بنيةَ المركَّبِ الحدّي تخضعُ للقُيودِ نفسِها التي هي موضوعَةٌ على الجملة؛ فالجملةُ والمركّب الحدّي الإضافيّ يخضعانِ للقيودِ نفسِها، كما أنّ للإعرابِ دوراً هامّاً في تحديدِ رتبة مكوِّناتِ الجملةِ، وفي تحديدِ رتبةِ مكوِّناتِ المركَّباتِ الحدِّيّة، على السَّواء…
فهذه كلُّها مظاهِرُ من التَّوازي بين البنيتنِ، بالرَّغْمِ من أنَّهُما بنيتانِ غيرُ مُتناظِرَتَيْنِ Asymmetrics؛
لأنّ بنيةَ الجُملةِ غيرُ بنيةِ المركّب الإضافيّ، والمكوِّناتُ غيرُ المكوِّنات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر:
– المقارنة والتّخطيط في البحث اللّساني العربي، د.عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنّشر، 1998
– تركيب اللغة العربية العربية، مقاربة نظرية جديدة، محمد الرّحّالي، دار توبقال للنشر، 2022


6- نظريّةُ الصَّرْفِ المُوَزَّع

يتعلَّقُ الأمر بتحليلٍ لتوزيع السِّماتِ واللّواصق في تصاريف الأفعال
ورد في اقتراحاتٍ كثيرةٍ، مِنها ما ورَدَ في اقتِراحِ هالي ومرنتز
M. Halle and A. Marantz: Distributed Morphology and the Pieces of Inflection (1993)
ومن هذِه الاقتِراحاتِ:
– أنّ السِّماتِ التّركيبيّةَ والسِّماتِ الصِّواتيَّةَ [انظر تعريف الصِّواتة في المستويات اللّسانية، ضمن موادّ هذا المنتدى] تمثِّلانِ مجموعتيْنِ مستقلّتَيْن (ولا تقترِنانِ إلاّ في مرحلة متأخّرة من مراحلِ الاشتقاق)،
– وأنّ اللَّواصق وحداتٌ معجميّة تأتلف من جذور معجميّة (Lexemes) أو لواصق أخرى لتكوين كلماتٍ مركّبة
– وأنّ المفرداتِ Vocabulary تتّجه إلى العُقَد التّركيبية .
– وأنّ البنيةَ الصّرفيّةَ مكوِّن مستقلٌّ من مكوِّناتِ النَّحو .
ويقترح هالي ومرنتز نموذجا للتمثيل النّحوي دُعيَ بنموذَج الصّرف الموزَّع، تُؤلَّفُ العمليّاتُ التّركيبيّة بين العُقَد النّهائيّة لتكوينِ الكلماتِ قبل أن يقع دمجُ المفرداتِ في شجرةِ التّمثيلِ، ويفترض نموذَج الصّرف الموزَّع أنّ التّنظيمَ التّراتبيّ أو الهرميّ للكلماتِ أو اللَّواصق يحددّه التَّركيبُ.
ويقترحُ هالي ومرنتز قاعدة انشطار Fission يتمّ بموجبِها شَطرُ عُقدةٍ تركيبيّة واحدةٍ(تضمّ كتلةً من الضّمائرِ المتّصلة) إلى عُقدتَيْن نهائيّتيْن إحداهُما مستقلّةٌ عن الأخرى، ممّا ينتج عنه إمكان دمج مفردتيْنِ مستقلَّتَينِ بدلاً من مفردةٍ واحدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وللنّظريّة تفاصيل كثيرة يمكن مراجعَتُها في :
M. Halle and A. Marantz: Distributed Morphology and the Pieces of Inflection (1993
المقارنة والتَّخطيط في البحث اللساني العربي، د.عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنشر، 1998م


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.