فالإنسان هو الذي صنع المدن كامتداد لحاجاته الاجتماعية والاقتصادية ولكن المدن لن تحيا بدون تفعيل دور الإنسان في خلق الحياة الاجتماعية وجعلها تتألق وتسمو إلى تحقيق رغباته في أعلى المستويات .
وبنظرة سريعة إلى وضع إنساننا الحالي في هذه البيئة نجد أننا نفتقد لكثير من الحاجات الاجتماعية حتى أننا لا نتيح الفرصة لأنفسنا في التعرف على أخواننا المحيطين بنا سواء في المساكن التي نقطنها أو في الساحات والحدائق وذلك لإنماء وتفعيل الحس الاجتماعي والذي هو جل أساس تطور المدن .
يهدف البحث إلى تفعيل دور التصميم العمراني في خلق التوعية الاجتماعية وتقوية أواصر المحبة بين الناس كتنفيذ مراكز حضرية وساحات عامة وربط حجم الإنسان بالكثافات السكانية والمساحات العامة والاهتمام بالتوعية الاجتماعية الحضرية التي تجعل الإنسان يتقرب من أخيه الإنسان للتآخي والتعايش في نسيج اجتماعي حضري وأهمها دراسة أنظمة البناء والارتفاعات والارتدادات وممرات المشاة وخلق بيئة مناسبة تتوافق مع المقاييس الإنسانية والاهتمام بالفراغ البصري بتأسيس الشوارع ودراسة العناصر المحيطة والتي تبدأ من المسجد إلى الحديقة إلى روضة الأطفال إلى المسطحات الخضراء .. الخ .
وبناء على ذلك لابد من الاهتمام في دور التصميم العمراني لتوفير بيئة عمرانية حضارية متناسبة وملبية لحاجات الإنسان ووضع الأسس التصميمة التي تراعي وتلبي الحاجات .
2-مقدمة :
” الحي والجيران الطيبون ” من منا لم يتلفظ بهذه العبارة وذلك الحنين الجارف إلى ما فيها من بساطة وعفوية وإلفه بين أهل الحي في السنين الخوالي حتى داهمتهم عواصف التغيير على حين غره قوية هوجاء اقتلعت من جهة وبينهم وبين الحي من جهة أخرى , ولعل أول عاصفة شهدتها في طريقها تلك البساطة والعفوية في طرق حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية , وهي الطفرة التي شهدتها المملكة العربية السعودية , وهي الطفرة الاقتصادية والعمرانية فلم تأتي عملية في التطوير العمراني ولم تأخذ المعايير النفسية والاجتماعية والثقافية للسكان . فتخطيط الأحياء السكنية والتي فيها تتشكل المدينة لم تأخذ طابعاً وهوية فقد جاء تشكيل تلك الأحياء خطوطاً متقاطعة لمنازل عمرانية لها صلة بحضارة المجتمع الشرقية والإسلامية بحيث أصبحت الأولوية للسيارات تمر من خلال تلك التجمعات السكنية من جميع الجهات .
لم نعد نرى الحي بالمعنى الاجتماعي المعروف بحيث يكون هناك مدخل ومخرج للحي ومعظم ممراته الداخلية إلى جانب المركز الخدمي والاجتماعي للمشاة دون السيارات مع مراعاة المساحات الخضراء والإنارة الهادئة , فتعود تلك الحميمة إلى الإحياء وإلى أهل الحي حتى يشعروا بالأمان النفسي والاجتماعي ولا أقول أن التخطيط العمراني هو المسؤول إذ أن النفوس أصابها ما أصابها من التغيير , وأيضاً من الظلم تحميل الجهات الحكومية مسؤولية ذلك وحدها فالمسئولية أيضاً على أصحاب المشاريع العقارية الذين تحلوا بالحس التجاري قبل الحس الاجتماعي ولا أقول إلا أن الحي كلمة تشير إلى الحياة وعلينا إحياؤها .
3- منهجية البحث :
تعتمد الدراسة على رصد واقع التشكيل العمراني الحالي بهدف حصر السلبيات ثم تتابع الدراسة لوضع الأسس الرئيسة للتخطيط العمراني للأحياء السكنية والتي تشجيع الساكنين على استخدام الفراغات المعمارية وتفعيل الحس الاجتماعي للسكان وتقوية أواصر المحبة بينهم والعودة إلى الحي الذي طالما تقنا إلى ذكرياته و أماسيه .
4-هدف البحث :
يهدف البحث إلى وضع تصور مسبق عند تصميم أي منطقة سكنية أو خلافها تتكامل فيه عناصره ومكوناته بطريقة يتم فيها التعرف على كيف يمكن أن تبدو المنطقة بتفاصيلها بعد تنفيذ المخطط ومعرفة الأثر البيئي والاجتماعي والجمالي والحسي والنفسي الذي يمكن أن يحدثه هذا التصميم على سكانه وزائريه وجعلهم يتحركون بحرية مطلقة مناسبين بين الفراغات العمرانية لهذه المنطقة وهذا من أهم اهتمامات التصميم الحضري .
5-تفعيل الحس الاجتماعي واحتياجات الاجتماعية والاقتصادية:
إن الإنسان هو الذي صنع المدينة كامتداد لحاجاته الاجتماعية والاقتصادية ولكن المدن لن تحيا بدون الإنسان وبدون تفعيل دوره في خلق الحياة الاجتماعية , فالإنسان كائن يبحث عن الدفء والراحة والأمن والأمان هذا ما يجعله دائم البحث عن سبل تحقيق ذلك بدءاً من منزله وجيرانه وهذا ما يُحمل المخططين لكافة المتطلبات الإنسانية الوظيفية والنفسية والمؤثرات البيئية المبنية من منشآت ومحاور مروري وأفنية وفراغات .
6-حالة المخططات السائدة :
إن ا لمخططات الشبكية المنتشرة والتي تمثل معظم الأحياء السكنية الحديثة القائمة . وهي مخططات ليس لها أي ميزة سواء سهولة رسمها بالمسطرة ولذلك فهي الشكل المفضل لدى العقاريين غير المتخصصين في تخطيط المدن . وبالمقابل فإن العالم يعاني من مشاكلها بشكل متزايد , حيث أن الكثير من مشاكلها لا يظهر إلا بعد اكتمال التنمية في المدينة ومنها :
1-6 النظام الشبكي خطر على حياة السكان من حوادث السيارات خاصة على الأطفال الصغار والعجزة , لأنه يسمح بحركة السيارات السريعة في جميع الاتجاهات .شكل(1)
الشكل ( 1 )
2-6 نتيجة لهذا الخطر فإن سكان الحي ينسحبون إلى داخل مساكنهم وتقتصر حركتهم داخل الحي على السيارات وبالتالي تختفي الروابط الاجتماعية ويضطر السكان إلى تزويد مساكنهم بجميع المتطلبات الترفيهية التي يحتاجونها خاصة ملاعب الأطفال .
3-6 نظراً لانخفاض الروابط الاجتماعية في الحي وسهولة حركة السيارات والمشاة في جميع الاتجاهات فإن معدل الجريمة يرتفع في هذه الأحياء وخاصة السرقة والاعتداء على المشاة خاصة الأطفال والنساء حيث أن المجرمون يستطيعون الهرب من أي اتجاه وكذلك يستطيع المجرم دراسة المنطقة دون أن ينتبه إليه أحد من السكان .شكل(2)
الشكل ( 2 )
4-6 نظراً لأن الحي يحتوي على عدد غير محدود من المداخل والمخارج فإنه يصعب مراقبة الحي .
5-6 النظام الشبكي مرتفع التكلفة حيث أن أطوال الشوارع فيه غالباً ما تزيد على ضعف ما هو في المخطط المنشور وبالتالي هدر للمقدرات الوطنية في الإنشاء والصيانة دون مبرر .
6-6 ارتبط النظام الشبكي في تخطيط الأحياء السكنية بنظام الارتدادات , وهو يسمح بهتك حرمة الجوار لمجرد الارتداد مترين من حدود ملكيته فارتفعت الأسوار واستخدم الزجاج المكبح في النوافذ وتحولت البيوت إلى قلاع من الصفيح .شكل(3)
الشكل ( 3 )
7- مميزات التخطيط الحديث للأحياء :
جاءت المخططات الحديثة للاستجابة لتلك المشاكل الأمنية والاجتماعية والبيئية التي ذكرت سابقاً والتي تتميز بـ :
1-7 يعطي تخطيط الأحياء الحديثة الأولوية في الحي للمشاة مما يسهل حركتهم إلى المسجد والمدرسة والمنتزهات والأسواق في أمان ويسر دون التعرض للتقاطعات الخطرة .شكل(4)
الشكل ( 4)
2-7 يوفر التخطيط الحديث لكل مجموعة من الأسر لاتزيد عن (15) ملعباً للأطفال على شكل برحه جوار منازلهم وبعيداً عن حركة السيارات والفضوليين مما يشجع على الترابط بين سكانه .
3-7 تجتمع كل ستة من المجموعات السابقة ( تزيد أو تنقص قليلاً حسب المخطط ) أي حوالي سبعين وحدة سكنية على طريق واحد يقع عليه المسجد ويؤدي إلى المدرسة والمنتزه والأسواق مما يزيد من مستوى الترابط الاجتماعي بين السكان ويسهل حمايته عند الضرورة , ويصعب على اللصوص والمجرمين الدخول والتحرك بحرية في الحي .
4-7 يجب أن يوفر المخطط ملاعب مركزية للسكان بمساحات كبيرة وسط الحي وبعيداً عن الفضوليين .
5-7 إضافة إلى مميزات الحي الأمنية والبيئية فإنه يمكن تنفيذه بنصف تكلفة الأحياء القائمة .
6-7 بالتناغم بين الكتل ومعاكسة بعضها البعض تمنع الضرر عن الجار وتحافظ على القيم الدينية وتشجع العلاقات الاجتماعية , من خلال توفير الفراغات والحدائق شبه الخاصة بين المساكن .
7-7 التشجير والمساحات الخضراء تشكل محوراً هاماً للسكان يمكن الوصول لها مشياً وبسهولة من أي مكان بالحي وهذا ذو أثر مشجع للسكان على المشي والتعارف فيما بينهم في بيئة آمنة وصحية .شكل(5)
الشكل ( 5 )
8- أهم العناصر التي يجب فرشها بالفراغات العمرانية حتى تكون هدف للسكان :
1-8 مركز تسويق رئيسي يخدم المنطقة والمناطق المجاورة .
2-8 مركز تسوق صغير داخل الحي لخدمة سكان الحي فقط .
3-8 مناطق تجارية مصغرة توفر الخدمات الأساسية للحارات الداخلية
4-8 مناطق تنزه وتسلية .
5-8 حديقة رئيسية متصلة بخطوط المشاة يمكن الوصول إليها بسهولة وأمان من كافة الأحياء .
6-8 حدائق صغيرة وملاعب أطفال موزعة لخدمة الأحياء
7-8 المسجد والخدمات التعليمية والأمنية . شكل (6)الشكل ( 6 )
9- أهم التوصيات التي يجب أن يراعيها التصميم لتقوية العلاقات الاجتماعية :
1-9 الناحية الاجتماعية والعمران
1- 1-9 استحداث مباني سكنية مناسبة لعادات وطباع العائلات العربية وخاصة السعودية .
2-1-9 التأكيد على إحياء الروح الاجتماعية للوحدة والمجموعة السكنية وللمجتمع ككل داخل المنطقة .
3-1-9 تكوين تشـكيلات جذابة للمجموعة السكنية بحيث تلبي المتطلبات الحياتية اليومية للساكن.
4-1-9 الاحترام والتجاوب بحس مع العلاقات الاجتماعية الموروثة والقيم الثقافية للأسر السعودية.
2-9 الناحية البيئية
1-2-9 أن يمثل المسجد الرئيسي نقطة إشعاع روحية وبصرية للمنطقة بحيث تنطلق منها معظم الخدمات الأخرى .
2-2-9 أن تشكل لمجموعة السكنية الموديول التخطيطي الأصغر مع ملاحظة تجانس أبعاده الأفقية والرأسية لتحقيق المتطلبات الوظيفية والجمالية للسكان والأرض
3-2-9 مراعاة فصل الحركة الآلية عن ممرات المشاة Foot path
4-2-9 أن تكون شبكة الطرق وممرات المشاة ذات اتجاهات وظيفية واضحة مع توظيف المنحنيات والمناطق المفتوحة المحيطة كعلامات مميزة Land mark ونقاط جذب بصري واجتماعي للسكان شكل(7)الشكل ( 7 )
5-2-9 مراعاة تأثير العوامل المناخية والبيئية القاسية على توجيه الطرق والشوارع والبيوت للحصول على أكبر كمية ممكنة من الظلال وتفادي الرياح المحملة بالأتربة .
6-2-9 مراعاة ظروف الموقع عند توجيه الطرق والبيوت لاستحداث بعض التيارات الهوائية عن طريق توظيف الفراغات والمناطق الخضراء كفلاتر طبيعية لتنقية الأجواء الحارة .شكل(8)الشكل ( 8 )
7-2-9 مراعاة التقاليد والعادات السائدة في المجتمع السعودي .
8-2-9 تجسيد الإحساس المادي ( كتلة ) والروحي ( عناصر خدمية وبصريه ) بالمكان .
9-2-9 الحفاظ على المقاس الإنساني بحيث لا يحس السكان بالضياع عن طريق توزيع العناصر الوظيفية للتخطيط ( سكنية – مباني عامة – حدائق ) بشكل متجانس وأن تكون في مواقع سهلة الوصول وآمنة .شكل (9)الشكل ( 9 )
الخلاصة :
تعد جودة البيئة السكنية مؤشراً على مستوى جودة الحياة , وتتطلب تنمية البيئة السكنية وتحسين مستواها ودعم الإحساس بروح المجموعة بين السكان , وتمكينهم من المشاركة في إدارة الحي والعناية به , وتحث السكان على الإفادة من جودة حيهم كالبيئة التنظيمية والإدارية للحي وبالتالي المدينة وكذلك الشعور بالمسئولية واندفاعهم إلى التكامل والتعاون والتآخي والتواصل بين أفراد المجتمع عموماً والجيران خصوصاً , كما أن نقص الحدائق والساحات العامة يقلل من حركة المشاة ويجعل تواجد السكان في الفراغات العامة والمشتركة نادراً , فتزداد بذلك العزلة بين القاطنين ويقل التعارف فيما بينهم مما يؤدي إلى ضعف العلاقات الاجتماعية .
عن بيلدكس اون لاين
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .