تمهيد:-
إنّ اللغة قناة الاتصال بين القارئ والقصصي، وأفضل الأساليب للتعبير عن هذه اللغة هو الأسلوب الطبيعي السهل المفعم بالحيوية، ونعني بالأسلوب الطبيعي ” القاص- الإنسان-الكاتب…”، فالكاتب الذي يتمتع بالدعابة والروح المرحة تكون خصاله الهامة مندسة مبعثرة في أنحاء قصته، بينما تثقل قلوبنا وصدورنا من انعكاسات صاحب القلم المعتم الأحاسيس.
وقد يلجأ الكاتب إلى اختيار بعض الزحاف، ولكن دونما كد أو تعب وبعفوية، وإلاّ أصبح القص مصطنعاً بعيداً عن الطبع. وبإمكان الأديب أنْ يجمع في القصة الواحدة أكثر من أسلوب من هذه الأساليب ( طريقة السرد المباشر) و (الترجمة الذاتية) و (الرسائل أو الوثائق). وما يهمنا في هذا المقام من هذه الأساليب هو طريقة السرد المباشر.
• تعريف السرد:-
عرّف رولان بارن السرد بقوله:-
” إنّه مثل الحياة نفسها عالم متطور من التاريخ والثقافة”
ويعلق الباحث على هذا التعريف بقوله ” إنّ هذا التعريف نجده عاماً، فالحياة نفسها عصية على الإنسان ” الكائن المتمرد على كل تعريف أو قانون”. ونحن بحاجة ماسة إلى فهم السرد بوصفه أداة من أدوات التعبير الإنساني، وليس بوصفه حقيقة موضوعية تقف في مواجهة الحقيقة الإنسانية.
تنبه الناقد هايدن وايت إلى هذه الأداة وذلك عندما رأى أنّ القضية الجوهرية في السرد تكمن في فكرة ( كيف تترجم المعرفة إلى أخبار) و( كيف نحول المعلومات إلى حكي، كيف نحول التجربة الإنسانية إلى بنى من المعاني التي تتخذ شكل الخصائص الثقافية المرتبطة بالزمان والمكان والناس والأحداث. ويعمل السرد على صياغة ما نريده بصورة تتجاوز حدود اللغة التي نتكلم بها- وإنّ كان السرد القصصي يتخذ من اللغة وسيلة له- فهو يحكي عن طريق اللغة السلوك الإنساني والحركات والأفعال والأماكن وهي أدوات عالمية الدلالة بخلاف اللغة ذات الصبغة المحلية، ومن ثمّ فإنّ تحويل التجربة إلى حكي معناه إخراج لها حيز اللغة الإنسانية الشاملة بخلاف ما لو صيغت على هيئة تأملات أو تقارير.
وقد أصبح السرد نفسه- عندما يتجلى في عمل ما،مثل ( القصة- المسرحية- الرواية) عوضاً أو بديلاً عن المعاني أو عن التجربة. وبخلاف التعبير اللغوي المباشر الذي يشير على التجربة ، ويترجم لها أو يعرف بها، لكنّه لا يكون بديلاً عنها، إلاّ إذا كان فناً يقدم بدائل موسيقية أو تصويرية أو سردية. وليس هناك حاجة في داخل السرد إلى شرح فكرة أو تلخيص مغزى أو توجيه نصيحة أو موعظة، لأنّ التركيب السردي نفسه يقول، والصياغة نفسها هي التي تكشف عن المعنى أو عن التجربة، وأي تدخل مباشر من هذا القبيل داخل النسيج السردي يعدّ شيئاً زائداً عن السرد ومفسداً لبنائه.
ويشير السرد عموماً إلى كل ما يمكن أنْ يؤدي قصّاً، سواء كانت الأداة المستخدمة لتمثيله لفظية أم غير لفظية، إنّه نوع من السلوك الإنساني توصل بواسطته الكائنات البشرية ضروباً معينة من الرسائل. وقد تتنوع صيغ السرد على نحو غير عادي، إذ يمكن أن يروى شفاهاً أو مكتوباً، أو دون أداة لفظية، وذلك عبر الإيماء والصور وغيرها. ويشير السرد أيضاً إلى مجمل التقنيات و الأدوات التي تشكل مجتمعه بنية النص السردي.
وكثيرة هي أشكال السرد، إذ كل عمل سردي له الشكل الخاص به، و إذا كان هذا التنوع في استعمال أشكال السرد يفضي إلى صعوبة بالغة فيما يتعلق بالدراسات النظرية. وقد حاول المنظرون حصر جميع الأشكال في نطاق ضيق يمكن من دراستها مجتمعة. ومن أشكال السرد ” السرد المفصل للأحداث” وهو أن يتم سرد الأحداث بالتفصيل دون اقتضاب وعلى العكس من الحذف أو المجمل يكون المشهد تركيزاً على بعض الأحداث التي من البديهي ستكون هادفة.
إنّ السرد قائم في الأسطورة والحكاية، كما هو قائم في الكوميديا والتراجيديا، وقائم أيضاً في الرواية والقصة والقصة القصيرة. والسرد هو نقل الحدث أو مجموعة من الأحداث صورتها الواقعية أو المتخيلة إلى صورة لغوية، ويختار كاتب القصة عادة واحد من ثلاث طرق للسرد وهي:- الطريقة المباشرة، وطريقة السرد الذاتي، والوثائق (المذكرات والاعترافات).
وقد عقد مؤتمر في جامعة اليرموك بعنوان ” فن السرد في الأدب العربي”، حيث قال الدكتور محمد الزعبي:- ” إنّ فن السرد في مختلف الأجناس الأدبية يكتسب أهمية خاصة، فقد فتحت نظرية السرد آفاقاً جديدة من الكشف وتقنيات الكشف عن السردية أشكالها ووظائفها ودلالاتها”.
أمّا الدكتور عادل فريحات من جامعة دمشق فقد قال:- ” إنّ فن السرد ينضج تدريجياً مع الزمن في عالمنا العربي، ويتميز بأنّه مرن ومطوع من خلال تكاثر التجارب الإبداعية فيه وتعدد أشكاله”.
و يرجة اختيار عنوان مناسب مستقبلا