Conscience et Inconscience
الشعور Conscience هو حدس نفسي يطلعنا على أحوالنا النفسية من دون واسطة خارجية ، أو هو وعي الذات بما يجري داخلها من أفعال و انفعالات
ا- النظرية الكلاسيكية / يمثلها الفيلسوف الفرنسي ديكـارت . R.Descartes (1596-1650) صاحب الاتجاه العقلي الذي جعل من الشعور أساسا للحياة النفسية و ما لا نشعر به كما يرى فهو ليس منا و الدليل على ذلك :
أن الانسان ثنائية جسم و نفس ، وأن النفس لا تنقطع عن التفكير إلا إذا تلاشى وجودها فهي تشعر بكل ما يجري داخلها أحوال و انفعالات ما عدى أفعال الجسم الآلية كالدورة الدموية و انقسام الخلايا و نبضات القلب و حركة الرئتين … يقول لا يوجد حياة نفسية خارج الروح الا الحياة الفيزيولوجية ، و ما دام الإنسان ذات مفكرة فهو ذات شاعرة تعي وجودها يقول ” أنا أفكر فأنا إذن موجود” Je pense donc je suis »
إن اللاشعور مرفوض من الناحية المنطقية على اساس اننا لا نستطيع أن نجمع بين متناقضين ، عقل لا يعقل ، و نفس لا تشعر، إضافة الى ذلك أننا لا يمكن البرهنة على اللاشعور بالحواس لأنه نفسي و لا بالعقل لأنه لا شعوري ، فليس من المعقول أن نبرهن على شيئ و نحن لا نشعر به ، و ذهب البعض الى القول (كل ما هو فكري واقعي و كل ما هو واقعي فكري )، و هذا يعني أن اللاشعور ما دام غير فكري فهو غير واقعي .
النقد/ لو كنا نشعر بكل ما يجري داخلنا و نعي أسباب جميع أفعالنا فلما نغفل عن أخطاء تافهة لا ندري كيف وقعنا فيها ،و لا ندري أحيانا لما نحب فلان و نبغض فلان ففي نفوسنا نزوات خفية لا نعرف مصدرها و كم من ظاهرة تحدث أمامنا تفلت عن مجال شعورنا كهدير البحر الذي نشعربه ككل و لا نشعر به كأمواج جزئية ، و كذلك الفعل تحت تأثير العادة كما قال لايبنتز Leibnitz يصبح لاشعوريا و الاصح أن نقول كل ما هو فكري واقعي ، و بعض ما هو واقعي فكري لأن الكلية الموجبة تعكس الى جزئية إذن التسليم بفرضية اللاشعور له ما يبرره.
لقد ازدهرت الدراسات التجريبية في اثبات اللاشعور على يد أطباء نفسانيين مثل ليبول و برنهايم إثر معالجتهم لمرض الهيستريا Hysterie عن طريق التنويم المغناطيسي Hypnose، فعلموا ان الهيستريا مرض نفسي و ليس عضوي و هو عبارة عن اضطرابات عقلية و بدنية تعود في أصلها الى دوافع لاشعورية لا يدركها المريض ، و اذا أخرجت الرغبة المكبوتة من ساحة اللاشعور الى ساحة الشعور زالت الأعراض المرضية ، وة أحسن مثال على ذلك مريضة الدكتور جوزيف بروير J.Broyer كانت فتاة ذكية في سن 21 ظهرت عليها سلسلة من الاضطرابات الجسمية و الذهنية متراوحة في الخطورة ، فتشنجت يدها و رجلها اليمنيان مع فقدان الإحساس ، و سعال عصبي شديد ، و عيف لكل طعام ، و عدم القدرة على الشرب عدة أسابيع رغم العطش الشديد ، و كانت تصاب أحيانا بحالات غيبوبة و هذيان ، تتلفظ فيهما ببعض الكلمات التي ترجع الى انشغالات قديمة ، فنومها برويرBroyer J. تنويما مغناطيسيا ، و طلب منها إعادة تلك الكلمات ، فبدأت تشتكي من مربيتها التي لم تكن تحبها ، ففلما طلبت منها ذات يوم كأس ماء ، أعطتها الكأس الذي شرب منه *** هذه الأخيرة ، و هو حيوان مقيت ، و لم تقل شيئا بمقتضى اللياقة ، فخيل إليها أنها شربت لعاب ال*** ، و بعد الانتهاء من السرد أضهرت غضبها بعنف بعدما بقي مكظوما أنذاك ، ثم طلبت الشراب فشربت كمية كبيرة من الماء ، و أفاقت من التنويم و الكأس بين شفتيها ، فكان الاضطراب قد زال إلى الأبد
سيجموند فرويد S.Freud و أدلته في إثبات اللاشعور (1856-1939) هو عالم نفساني نمساوي مختص في الأمراض العقلية من اهم مؤلفاته – مقدمة في التحليل النفسي – تفسير الاحلام- لقد علم فرويد من تجارب برويرBroyer و السابقين ان أن سلوك المنوم واقعي لكنه لاشعوري ، الا أنه قلل من اهمية التنويم المغناطيسي لعدة اسباب منها ان المرض يعود للمريض من جديد بعد فترة ، و أن بعض الاشخاص يبدون مقاومة شديدة يصعب تنويمهم ، فوضع طريقة جديدة تدعى التحليل النفسي Psychanalyse ، التي تقوم على الحوار و التداعي الحر للافكار بعد الاسئلة التي تطرح على المريض و المتعلقة باحلامه و ميوله و رغباته و ذكرياته ..بهدف إخراج الرغبات المكبوتة في اللاشعور فيصارعها من جديد الى غاية أن تزول الاعراض المرضية ، أما أدلة وجود اللاشعور تتمثل في
االأحـــــلام Les Rêves :ان الرغبات التي لم تجد النور في الواقع ، تجد مخرج في الحلم نظرا لزوال مراقبة الأنا الأعلى ، ان الرغبة اللاشعورية التي تبعث الحلم يسميها بالمحتوى الكامن الذي يتحول الى محتوى ظاهر كما يراه الحالم ، ثم يتذكره فيما بعد عن طريق مفعول الحلم ، كما يكشف الحلم عن عن المتاعب النفسية التي يعاني منها النائم في حياته اليومية و الناجمة عن تأثير الميول و الرغبات ، و من ثمة الأمثلة أن امرأة ترى نفسها في الحلم ترتدي لباسا اسودا لأنها ترغب في وفاة زوجها المسن ؛تى تعيد الزواج بشاب يسعدها ، وأخرى ترى في الحلم أنها ترتدي فستان أبيض مما يعكس رغبتها في الزواج ، و اخرى ترغب في إنجاب ولد فترى نفسها في الحلم تدخن..الخ النسيان L’Oublie : وراءه رغبات مكبوتة ، فنحن نميل الى نسيان الأمور التي لا نرغب فيها ، و تجرح كبرياءنا ، حيث يروي فرويد عن نفسه أنه نسي ذات يوم اسم مريضته لأنه عجز عن تشخيص مرضها ، و عندما ننسى إحضار شيئ وعدنا به زميلنا فهذا كراهيتنا لانجاز الوعد /فلتات اللسان و زلات القلم و خطا الادراك ،مرتبطة كلها بالدوافع اللاشعورية ،فالخطأ يدل على ميلنا الحقيقي ، فعندما ننادي شخصا بغير اسمه فهذا دليل على عدم رغبتنا فيه ، و يروى عن رئيس برلمان النمسا أنه لما دخل القاعة قال – يشرفني أن أعلن عن رفع الجلسة- بدل افتتاح الجلسة وهكذا يكون قد عبر لاشعوريا عن عدم ارتياحه لنتائج الجلسة/ الإعــــــلاء : هو بروز الطاقة اللاشعورية في ميادين سامية كالفن و المعرفة ، فما لم يتحقق في الواقع يتحقق في الرسم و الموسيقى و الشعر و الاكتشاف العلمي ، و نحن أيضا قد نصل الى نتائج و حلول بطريقة حدسية لا يمكن ردها الى الشعور/ التقمص ،عندما يرى الشخص ذاته غير مهمة في نظر الغير يلجأ لا شعوريا الى تقمص شخصية ذات اثر أيقلدها في طريقة الكلام و الحركات ، و الملامح الخارجية حتى يجلب الاهتمام النكت Les Blagues : الإنسان و هو يسخر و ينكت يكون قد تحلل من قيود آداب الحديث ، لذا تجد الرغبات المكبوتة منفذا للخروج ، كما تجعل النكتة الواقع الذي اعترض رغباتنا محل ضحك و سخرية الإسقــــاط / فنحن نميل الى تبرير أفعالنا بانها مشروعة لأنها متواجدة عند الجميع ، فالغشاش يرى جميع الناس غشاشين ، والأناني يرى جميع الناس أنانيين ، و يتحول المحظور الى مباح ،بطريقة لاشعورية
يقول فرويد ( إن اللاشعور فرضية لازمة و مشروعة لتفسير الكثير من الأفعال الي لا تتمتع بشهادة الشعور ، سواء عند الأسوياء أو المرضى على حد سواء)
و يقسم فرويد الجهــــاز النفسي الى قوى ثلاثة ينتج عن العلاقة بينهما إما التوازن أو الاختلال في الحياة النفسية ، و ما يترتب عنها من أفعال و ردود أفعال القوى هي 1- الهو Le Soi مستودع الطاقة الغريزية ، يسير وفق مبدأ اللذة ، لذا فهو غير أخلاقي و غير منطقي 2- الانا الأعلىMoi Superieure و هو الجانب الأخلاقي الذي يتكون بالتربية منة خلال سلطة الوالدين و ما تقتضيه القوانين الاجتماعية و المعتقدات السائدة ، انه قوة قمعية تقف أمام متطلبات الهو اللامحدودة 3– الأناLe Moi هو الساحة التي يحتدم فيها الصراع بين الهو و الانا الأعلى ، فيستمد الأنا طاقته من الهو لكن يستقل عنه لأنه يراعي الواقع في اشباع رغباته ، فينشأ ما يسمى بالكبت Le Refoulement ، و الرغبة المكبوتة تستقر في اللاشعور و تبقى حية محتفظة بكل طاقتها تؤثر باستمرار على الحياة النفسية و على السلوك ، و كلما وجدت منفذا للخروج لا تتردد في ذلك فتتجلى احيانا في أحلام اليقظة أو احلام النوم ، أو في خطأ الادراك أو في الاعراض المرضية
و يرد فرويد جميع دوافع الانسان و رغباته الى غريزتين هما غريزة الحياة أو الغريزة الجنسية الليبيدو تجعل الانسان يقوم بسلوكات ايجابية فهي مصدر كل لذة و محبة و حنان و صداقة و وفاء ، و لا تقتصر فقط على التناسل و التكاثر ، و هناك غريزة الموت التي تظهر في السلوك التخريبي و الهدم كما نجده عند الطفل الذي يكسر لعبه ، أ و العدوان على الغير و حتى على النفس كما في انتحار ، و دور المجتمع هو تغليب وظيفة الباء في الإنسان على وظيفة التخريب .
نقد و تقييم / لا ينكر أحد النتائج الايجابية التي حققها فرويد بواسطة التحليل النفسي ، فكشف لنا عن غرفة مظلمة في أعماق النفس البشرية ، و فك أسرارها ، و تمكن من تفسير الكثير من الأفعال الغامضة و معالجة المصابين بالعقد السيكولوجية و الامراض النفسية ، لكن ما يعاب عليه أنه بالغ في جعل من اللاشعور مفتاحا لكل لغز ، و ان الغريزة الجنسية – Libido ، علة العلل لجميع مشكلات النفس البشرية ، و الصحيح أن الغريزة الجنسية دافع يضاف الى بقية الدوافع التي تؤثر في السلوك كدافع السيطرة و الاجتماع و حب الحقيقة و غيرهــــــــــا لذلك لم يرجع آدلر Adler أساس اللاشعور الى الليبيدو ، بل رده الى الشعور بالنقص و الرغبة في التعويض ، أما كارل يونغ K.Young فقد عارض هو الاخر أستاذه فرويد ، و راى أن الليبيدو يؤثر على الطبع المنطوي و لا يقوى على المنبسط لاهتمامه بالعالم الخارجي فالحاجة الى السيطرة يجب أن تضاف أيضا الى النظرية الجنسية . و هناك من رفض فرضية اللاشعور اطلاقا مثل الطبيب العقلي النمساوي ستيكال Stekel يقول ( لا أومن باللاشعور ، لقد آمنت به في مرحلتي الأولى ، و لكن بعد تجاربي التي دامت ثلاثين سنة وجدت أن كل الافكار المكبوتة انما هي تحت شعورية ، و أن المرضى يخافون دائما من رؤية الحقيقـــــــــــــة ) (ج-ف)
بالتوفيق ان شاء الله