المقدمة :
عرف النقد الحديث و المعاصر مجموعة من المناهج النقدية و ذلك بفضل الثقافة والترجمة والاحتكاك بالغرب ومن بين هذه المناهج : المنهج البنيوي والمنهج التفكيكي والمنهج السيميولوجي الذي ظهر في أواخر الستينيات (1) علي وجه التقريب ويري البعض ان هذا المنهج هو بمثابة تطور للمنهج البنيوي ولكن هذا الرأي غير مقنع لان ما بعد البنيوية هم بنيويون اكتشفوا أخطاء طرائقهم علي نحو مفاجئ وبذلك أصبح هذا العلم منهج وتصور ونظرية لا يمكن الاستغناء عنها لذلك سنتعرف في هذا البحث علي :
ما هي السيميولوجيا ؟ وما منابعها ؟ وما مرتكزاتها المنهجية ؟ وما هي اتجاهاتها ومدارسها ومجالات تطبيقاتها سواء في الغرب أم عند العرب ؟ والي أي مدي حقق البحث السيميائي نجاحته وفعاليته في مقاربة النصوص وتحليلها ولا سيما الأدبية منها .
________________________________________
1- رامان سلدن .- النظرية الأدبية المعاصرة .- ترجمة جابر عصفور ؛ دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع سنة 1998 , ص 117
أهداف الدراسة :
تسعي هذه الدراسة إلي :
1- معرفة العلاقة بين السيميولوجيا كعلم للعلامات والنقد الأدبي من خلال انه علم تحليل النصوص الأدبية
2- معرفة مدي تأثيرها في النصوص الشعرية(2 ) من خلال مراعاتها للمستوي الأدبي والبلاغي والصرفي
3- معرفة مدي تأثيرها في النصوص المسرحية من خلال التركيز علي العلامات اللغوية وغير اللغوية
4- دراسة العلاقة بينها وبين الدراسات الثقافية و مدي تأثيرها علي النص الثقافي
منهج الدراسة :
اعتمدت الدراسة علي المنهج الوصفي التحليلي لان هذا المنهج يعتمد علي وصف المنهج السيميولوجي وتحديد وتحليل أنواعه واتجاهاته فوجدت الباحثة أن المنهج السيميولوجي يهتم بشكل النص ( 3) ومن هنا السيميوطيقا تعتمد علي التفكيك والتركيب قصد إعادة بناء النص من جديد وتحديد ثوابته البنيوية وترتكز السيميوطيقا علي ثلاث مبادئ هي :
1- تحليل المحايث : بقصد بها البحث عن الشروط الداخلية المتحكمة في تكوين الدلالة وإقصاء المحيل الخارجي لذلك ينظر إلي المعني علي انه ناتج عن شبكة العلاقات الرابطة بين العناصر .
2- تحليل بنيوي : يكتسي المعني وجوده بالاختلاف وفي الاختلاف ومن ثم فان إدراك معني الأقوال والنصوص يفترض وجود نظام من العلاقات بدوره يؤدي إلي تسليم عناصر
________________________________________
2- جميل حمداوي .- سيميولوجيا التواصل وسيميولوجيا الدلالة ؛ ديوان العرب فبراير 2022
3- المرجع السابق نفسه
النص لذلك يجب الاهتمام بالعناصر وذلك عن طريق التحليل البنيوي لأنه لا يهدف إلي وصف المعني نفسه وإنما شكله ومعماره .
3- تحليل الخطاب : يهتم السيميوطيقي بتحليل الخطاب أي يهتم ببناء نظام لإنتاج الأقوال والنصوص وهو ما يسمي بالقدرة الخطابية وهذا ما يميزه عن اللسانيات البنيوية التي تهتم بالجملة .
مصطلحات الدراسة :
– السيميولوجيا : هي علم العلامات أو الإشارات أو الدوال اللغوية أو الرمزية سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية .
– العلامة اللغوية : هي كيان ثنائي المبني مكون من الدال و المدلول .
– الايقون : علامة تدل علي شئ تجمعه إلي شئ أخر علاقة مماثلة إذا يتعرف في الايقون علي الأنموذج الذي جعل الايقون مقابلا له .
– الرمز : علامة العلامة التي تنتج قصد النيابة عن علامة أخري مرادفة لها ومن هنا يصبح الرمز دالا علي شئ ليس له وجه ايقوني كالخوف والفرح ومن بين أنواع الرمز الحمامة رمز البراءة والثور رمز القوة .
تساؤلات الدراسة :
تثير الباحثة عدد من التساؤلات وتحاول الإجابة عنها من خلال الدراسة هي :
1- ما هي السيميولوجيا ؟ وما هي أهم منابعها ؟
2-ما هي مرتكزاتها المنهجية ؟
3- ما هي اتجاهاتها ومدارسها ؟
4- ما هي مجالات تطبيقاتها سواء في الغرب أم عند العرب ؟
5- إلي أي مدي حقق البحث السيميائي نجاحته وفعاليته في مقاربة النصوص وتحلياها ولا سيما الأدبية منه ؟
الفصل الأول ( إشكالية المصطلح )
1- تعريف المصطلح لغة :
يدل مصطلح السيميوطيقا السيميولوجيا علي علم الطب وموضوع دراسته العلامات الدالة علي المرض وكذلك في التراث الإغريقي تعد السيميوطيقا جزء لا يتجزأ من علم الطب .
2-تعريف المصطلح عند الباحثين الغربيين :
يعتبر كلا من بيرس ودي سوسير مؤسس لعلم نقدي شامل هو علم السيميائيات وكلاهما أسس ذلك العلم من خلال الحديث عن علم العلامة وتصنيفاتها وميادين تنظيرها وكلاهما أسهم في إنعاش الحركة النقدية والمعرفية
أ – دي سوسير :
أطلق عليه اسم السيميولوجيا (4) وهو علم موضوعه أنواع الدلالات والمعاني ويدرس حياة الرموز والدلالات المتداولة في الوسط المجتمعي ويوضح في كتابه ( دورس في اللغة العام ) أن اللغة نظام من العلامات التي تعبر عن الأفكار والعلامة اللغوية عنده هي كيان ثنائي المبني مكون من الدال والمدلول فالدال هو الصورة الحسية الصوتية والمدلول هو المفهوم او فكرة الصورة الصوتية الحسية والعلامة اللغوية ذات طبيعة اعتباطية أي لا ترتبط بدافع ولكنه ميز بين ثلاث علامات هي العلامة الرمزية والعلامة السمعية والعلامة البصرية
ب- بيرس :
أطلق علي هذا العلم السيميوطيقا (5) وهي تعني نظرية عامة للعلامات في الفكر الإنساني فهي صفة لنظرية عامة للعلامات والأنساق الدلالية في كافة أشكالها فهي بذلك تطابق علم المنطق لأنها نظرية جمعية تقوم خارج علم اللغة وهي كيان ثلاثي المبني ( المصورة ويقابلها الدال والمفسرة هي المدلول أم الموضوع فلا يوجد له مقابل ووضح أن هناك أنواع للعلامات هي العلامة الايقونية أو الصورية والعلامة المؤشرية أو الاشارية والعلامة الرمزية .
________________________________________
4- عواد علي .- معرفة الأخر ( مدخل إلي المناهج النقدية الحديثة ) ؛ المركز الثقافي العربي ط1 1990 ص 73
* الفرق بين معطيات دي سوسير السيمائية ومعطيات بيرس :
1-سيميولوجية سوسير لغوية لسانية أما سيميولوجية بيرس منطقية فلسفية
2- العلامة عند سوسير ثنائية المبني أما عند بيرس ثلاثية المبني
3- العلامة عند سوسير لغوية تمتاز بكونها اعتباطية أما عند بيرس لغوية وغير لغوية
4- تتحدد العلامة عند سوسير بعلاقة الدال والمدلول ولا تحتوي العلامة علي الرمز أما عند بيرس فهي تتحدد من خلال علاقة المصورة بالموضوع وبذلك يكون الرمز جزء منها
5- علاقة سوسير هي أساس السيميولوجيا وجزء من علم النفس أما عند بيرس فهي أساس السيميوطيقا وجزء من علم المنطق
6- تشكل اللسانيات جزء من سيميائية سوسير لان اللغة فعل سيميائي أما عند بيرس فالمقولات الفلسفية عن الوجود والعالم صورة التحليل السيميائي
ج- بارت
السيميولوجيا (6) ما هي إلا نسخة من المعرفة اللسانية وهو بذلك فسح المجال دراسة الأساطير واهتم بدراسة أنظمة من العلامات التي سقطت من سيميولوجية سوسير كالاطمعة والأزياء والخطابات …………….الخ
3- تعريف المصطلح عند العرب :
يبحث في التراث العربي (7) دالة علي الكلمات المناظرة التي يمكن ان تؤدي بشكل تقريبي الدلالة اللغوية ويقع مصطلح السيميائية في الأدب العربي القديم وعلي الكهانة والسحر والسيمياء بالمفهوم القرسطي واقتفاء والأثر وغير ذلك من الإيماءات التي تبعده عن الإطار المعرفي الحديث
ومن هذا يتضح أن :
مفهوم السيميولوجيا :علم العلامات أو الإشارات أو الدوال اللغوية والرمزية سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية وهذا يعني أنها تدرس كل ماهو لغوي وغير لغوي
________________________________________
6- رولان بارت 0- مبادئ في علم الدلالة 0- ترجمة محمد البكري ؛ بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ص 160
7- صلاح فضل 0- مناهج النقد المعاصر ؛ دار أفريقيا الشرق ط1 ص 96
الفصل الثاني ( المرجعيات والمنابع )
نجد أن السيميولوجيا (8) مرتبطة ارتباط وثيق بالنموذج اللساني البنيوي الذي أسسه سوسير فهي استقت منه مفاهيم تحليلية هي بمثابة مرتكزات أساسية يقوم عليها المبحث السيميائي الحديث ولا سيما السيميوطيقا الدلالة وعليه فان المرجعيات التي تسند إليها السيميوطيقا و السيميولوجيا هي :
1- الفكر اليوناني مع أرسطو وأفلاطون
2- التراث العربي الإسلامي الوسيط ( المتصوفة – نفاد البلاغة – الأدب كالجاحظ ……)
3- الفكر الفلسفي والمنطقي والتداولي ( بيرس – فريج – راسل ……..)
4- اللسانيات البنيوية والتداولية والتحويلية بكل مدارسها واتجاهاتها
5- الشكلانية الروسية ولاسيما فلاديمير بروب صاحب المتن الخرافي الذي انطلق منه كريماس لخلق تصورهما النظري و التطبيقي إلي جانب أعلام أخري في مجال الشعر والأدب
6- فلسفة الأشكال الرمزية مع ارنست كاسيرر الذي درس الأنظمة التواصلية ( الدين – الأسطورة – الفن – التاريخ –العلم )
• علاقة السيميائيات بالمجالات الاخري :
ارتبطت السيميولوجيا بعلوم كثيرة منها اللسانيات والفلسفة والمنطق وعلم النفس والأدب والفنون اللفظية والبصرية كالموسيقي والمسرح والسينما والشعر والبلاغة والهرمونيطقيا أي دراسة الكتب المقدسة والسوسيولوجيا و الأنتروبولوجيا كتحليل الأساطير والأنساق الثقافية غير اللفظية .
________________________________________
8 – جميل حمدواي 0- سيميولوجيا التواصل وسيميولوجيا الدلالة ؛ ديوان العرب فبراير 2022
• مجالات التطبيق السيميولوجي :
لقد صار التحليل السيميوطيقي تصورا نظريا ومنهجا تطبيقيا في شتى المعارف والدراسات الإنسانية والفكرية والعلمية وأداة في مقاربة الأنساق اللغوية وغير اللغوية من هذه المعرف والمجالات :
1- الشعر 2- الرواية والقصة
3- الأسطورة والخرافة 4- المسرح
5- السينما 6- التشكيل وفن الرسم
7- الثقافة 8- التواصل
9- الأطعمة والأشربة 10- الموسيقي والفن والصور الفوتوغرافية
• السيميولوجيا في العالم العربي :
ظهرت في العالم العربي عن طريق الثقافة والترجمة والاطلاع علي الانتاجات المنشورة في أوربا وقد ظهرت في المغرب أولا وبعض الأقطار العربية ثانيا عبر محاضرات الأساتذة منذ الثمانيات عن طريق نشر كتب ودراسات ومقالات تعريفية بالسيمولوجيا ( حنون مبارك – محمد السرغيني – صلاح فضل –جميل حمداوي – ………………..)
أو عن طريق الترجمة علي شكل كتب تطبيقية ( محمد مفتاح – سامي سويدان – محمد السرغيني وغيرهم أو عن طريق مقالات في مجالات نقدية مثل مجلة فصول المصرية ومجلة علامات ودراسات أدبية وسيمائية بالمغرب وكذلك عن طريق أطروحات ورسائل جامعية
ولقد وقع النقد السيميولوجي العربي في عدة اضطرابات اصطلاحية ومفاهيمية في ترجمة المصطلح إذ نجد : السيمياء( محمد مفتاح في كتابه ” في سيمياء الشعر القديم”)- علم العلامات- علم الإشارات- السيميولوجيا- السيميوطيقا…
وما يلاحظ على هذه التطبيقات السميائية أنها عبارة عن تمارين شكلية تغفل الجوانب المرجعية والمضمونية والأبعاد الإيديولوجية ويلاحظ أيضا أن هذا المنهج السيميائي يقف عند حدود الملاحظة والوصف ولا يتعدى ذلك إلى التقويم والتوجيه الذين يعدان من أهم عناصر النقد الأدبي.
الفصل الثالث ( الاتجاهات السيميولوجية المعاصرة )
نجد أن داسكال استعرض الاتجاهات السيميولوجية وقد بناها علي وظيفة العلامات والاتجاهات هي :
أولا : سيمياء التواصل :
يذهب أنصار هذا الاتجاه (9) إلي أن العلامة تكون من الدال والمدلول والقصد وهم يركزون في أبحاثهم علي الوظيفة التواصلية أو الاتصالية ولا تختص بالرسالة اللسانية غير أن هذا الاتصال مشروط القصدية وإرادة المرسل التأثير علي الغير وهكذا يبعد أنصار سيمياء التواصل ذلك النوع من السيميائية الذي يدرس البنيات التي تؤدي وظائف غير وظيفة التواصل المعتمد علي القصدية لان هذا النوع سيلتبس بعلوم الإنسان وفي هذا السياق جاء تعريف العلامة بأنها حركة يقصد بها الاتصال بشخص ما أو إعلامه بشي ما ونجد أن هذا الاتجاه نما وتطور مع نشأة العلوم الخاصة بالاتصال وتقدمها وارتبط بصفة خاصة بتطور علم الدلالة .
ولسيمياء التواصل محوران هما التواصل والعلامة :
أ – محور التواصل :
ينقسم إلي تواصل لساني وتواصل غير لساني
1- التواصل اللساني :
ينحصر التواصل اللساني في عملية التواصل التي تجري بين البشر بوساطة الفعل الكلامي ولذلك سنعرض منظورات ثلاث هي لبلومفيلد – لشنون ويفر – سوسير
* التواصل لدي سوسير :
يعرف التوصل اللساني بأنه حدث اجتماعي يلاحظ الفعل الكلامي فلكي يتحقق لابد من جماعة أو شخصين علي الأقل .
* التواصل لدي بلومفيلد :
يطرح وجهة نظره من ناحية سلوكية فهو يصف ما يلاحظ من الخارج ويميز بين الأحداث
________________________________________
9 – عواد علي 0- معرفة الأخر ( مدخل إلي مناهج النقدية الحديثة ) ؛ المركز الثقافي العربي ط 1 1990 ص 84
والحركات في وضعية ما قبل الفعل مباشرة ثم يعمد إلي تحليل كل ذلك في لحظات ثلاث هي
أ- الوضعية التي سبقت فعل الكلام ب- الكلام ج- الوضعية التي تلت فعل الكلام
* التواصل لدي شينون وويفر :
بلور كلا منهم نظام عام للتواصل يؤكد ناحية أساسية هي الطريقة التي ينقل بها الخبر فعند نقل الخبر إلي المتلقي لابد أن تعالج الرسالة ثم تحول إلي علامات صالحة للنقل عبر قناة الإرسال ولكنها عند عملية الإرسال قد تعرض للتشويش الذي يفقدها قيمتها الابلاغية
2- التواصل غير اللساني :
ينحصر التواصل غير اللساني في لغات غير اللغات المعتادة ويصنف حسب معايير ثلاثة هي : أ- معيار الإشارة النسقية حيث تكون العلامات ثابتة ودائمة كدوائر ومستطيلات ومثلثات وعلامات السير .
ب- معيار الإشارة اللانسقية : حيث تكون العلامات غير ثابتة وغير دائمة علي عكس المعيار السابق فهي كالملصقات الدعائية التي تستعمل الشكل واللون قصد إثارة انتباه المستهلك إلي نوع خاص من البضائع .
ج- معيار الاشارية : التي لمعني مؤشرها علاقة جوهرية بشكلها الصغيرة التي ترسم علي المتاجر دليل علي ما يوجد بداخلها من بضائع وينتج عنها معيار أخر هو اللاشارية التي ليس لمعني مؤشرها إلا علاقة ظاهرية أو اعتباطية كالصليب الاخصر الذي يشير إلي الصيدلالية
ب- محور العلامة :
يري بريتتو أن الدال مع المدلول الموافق له يشكلان ما يسمي بالعلامة ولكي لا يكون هناك التباس فإنهما يسميان ( منعما ) والمنعم هو عبارة عن كيان ذو وجهين وتصنف العلامة إلي أربع أصناف هي :
1 – الإشارة : وهي أنواع تجمل في الكهانة والعرافة والمرض وأعراضه والإشارات التي تشير إليه والبصمات والرسوم وما تتميز به إنها حاضرة ومدركة للإنسان الذي يملك حق تعرفها .
2- المؤشر : هو العلامة التي هي بمثابة إشارة اصطناعية هذا المؤشر يفصح عن فعل معين لا يؤدي المهمة المنوطة به إلا حيث يوجد المتلقي له وباقي الأنواع الرمز والايقون سبق تعريفهم .
ثانيا : سيمياء الدلالة :
يختصر أنصار هذا الاتجاه ( 10) في مقدمتهم بارت العلامة إلي وحدة ثنائية المبني دال ومدلول علي غرار ما اقتراحه سوسير للعلامة اللغوية ولكن ما يميزه عن غيره من الاتجاهات انه قلب أطروحة سوسير القائلة بعمومية علم العلامة وخصوصية علم اللغة فجعل علم العلامة جزء من علم اللغة العام ولذلك أصبح النظام اللغوي المغلق نموذجا يجب أن يحتذي به في دراسة جميع الأنظمة الدالة وقد سلك بارت هذا الاتجاه فقد حدد منذ أن ألف كتاب الأساطير أن السيميائية تقوم علي العلاقة بين العلامة والدال والمدلول فالعلامة مكونة من دال ومدلول يشكل صعيد الدوال صعيد العبارة وصعيد المدلولات صعيد المحتوي وإذا أخذنا مثال للأدب نجد انه يتكون من مثلث العنصر الأول فيه الدال أو القول الأدبي والعنصر الثاني هو المدلول أو العلة الخارجية للعمل الأدبي والعنصر الثالث هو العلامة أو العمل الأدبي وهذا العمل ذو دلالة .
* عناصر سيمياء الدلالة :
تتوزع في ثنائيات كلها مستقاة من الألسنية البنيوية وهي : ( اللغة والكلام – الدال والمدلول – المركب والنظام – التقرير والإيحاء ) الدلالة الذاتية والدلالة الإيحائية
أ – اللغة والكلام :
نجد أن السيميائية لا تفرق بين اللغة والكلام وهذا بعكس الألسنية وذلك لان يستحيل أن توجد لغة دون أن يوجد كلام وأيضا لابد من تعاقب اللغة والكلام من غير أن ينطلقا من منطلق نفسه ويري بارت أن التوسع السيميائي لمفهوم اللغة والكلام لا يخلو من إثارة بعض المشاكل التي تصادف الجوانب التي لا يمكن فيها إتباع خطي النموذج اللغوي ومن هذه المشاكل : أصل النظام أي جدلية اللغة والكلام ذاتها ففي اللغة لا يمكن لأي شي أن يدخل فيها بدون أن يمر بالكلام إذا كانا في إطار الألسنية متناسبين حجما لان عبارة عن مجموعة من القواعد يستظل الثاني بظلها ولكنهم في السيميائية لا يتناسبان في الحجم فهناك مسافة كبيرة بين النموذج وبين انجازه حتى ليكاد أن يكون لغة من دون كلام .
________________________________________
10 – المرجع نفسه السابق ، ص 96 .
ب – الدال والمدلول :
نجد أن سوسير وبارت وضحوا أن العلامة وحدة ثنائية المبني ( الدال والمدلول ) ولذلك فهي علامة لسانية وأخري سيميائية لا تفهم طبيعة أحداهما بدون طبيعة الاخري ولكننا نجد أن السيميائية تتميز عن اللسانية بكون دلالتها تنحصر في وظيفتها الاجتماعية هذه الوظيفة مشروطة بالاستعمال في حين اللسانية توحد بين دالها ومدلولها أما بخصوص المدلول يتميز المدلول اللساني عن السيميائي بكونه يجد مصداقيته في علم الدلالة وفي هذه الحالة يعبر عنه لغويا أي بكلمة مفردة أما السيميائي يجد مصداقيته في علم غير علم الدلالة فيعبر عنه بمجموعة من المترادفات نجد أن الفرق الوحيد بين الدال والمدلول هو أن الدال واسطة بين الدلالة والمدلول في حين أن المدلول لا يمكن أن يكون واسطة لأنه احد طرفي هذه المقولة الثلاثية .
ج – المركب والنظام :
يري سوسير لن العلاقات التي توحد بين الألفاظ يمكن أن تنمو علي صعيدين يتلاءمان مع شكلين من أشكال النشاط الذهني أولهما صعيد المركبات ( السلسة الكلامية ) حيث تستمد كل لفظة قيمتها من تعارضها مع سابقاتها ولاحقاتها أما النشاط التحليلي الذي ينطبق علي المركب فهو التقطيع أما الصعيد الثاني هو صعيد تداعي الألفاظ وتجميعها خارج الخطاب أي انه صعيد النظام .
د – التقرير و الإيحاء :
يحتوي كل نظام سيميائي عل مخطط للتعبير وأخر للمضمون وعلي دلالة توضح العلاقة بينهما فإذا افترضانا أن هذا النظام المكون من العناصر السابقة ( تعبير ومضمون وعلاقة ) أصبح عنصر في نظام ثاني سنجد أنهما تداخلا كلا منهما في الأخر وعندما انفصلا كلا منهما انفصلا بطريقة مختلفة فأصبح المخطط الأول مخطط للتعبير والثاني للمضمون ويشكل النظام الأول صعيد التقرير والثاني صعيد الإيحاء .
ثالثا : سيمياء الثقافة :
يمثل أنصار الاتجاه (11) المستفيد من فلسفة الماركسية فهم يرون أن العلامة تتكون من وحدة
ثلاثية المبني : الدال والمدلول والمرجع فهم يؤكدون أيضا أن الإنسان والحيوان والآلات تلجا إلي العلامات أن العلامات التي يستخدمها الإنسان تتميز بغني وتعقيد تفتقر إليها العلامات الاخري ويذهب أنصار هذا الاتجاه إلي أن العلامة تكتسب دلالتها إلا من خلال وضعها في إطار الثقافة وهو لا ينظر إلي العلامة المفردة بل يتكلم عن أنظمة دالة أي مجموعات من العلامات ولا يؤمن باستقلال النظام الواحد عن الأنظمة الاخري بل يبحث عن العلاقات التي تربط بين بينها سواء داخل ثقافة واحدة أو يحاولون الكشف عن هذه العلاقات التي تربط بين تجليات الثقافة الواحدة عبر تطورها الزمني أو بين الثقافات المختلفة أو بين الثقافة واللاثقافة ولكننا نجد أن مدرسة موسكو قدمت مقالة بعنوان ( نظريات حول الدراسة السيميوطيقية للثقافات ومن أهم ما جاء بها :
1- لا تقوم الأنظمة السيميائية المنفصلة بأداء وظيفتها إلا علي أساس من الوحدة ومساندة كلا منهما للأخر ونجد أن هذه الأنظمة لا تكون قادرة علي القيام بوظيفتها الثقافية .
2- يمكن أن تشكل ثقافات عديدة وحدة بنائية أو وظيفية من منظور سياقي أوسع ويبرهن هذا التصور علي فاعليته في حل المشكلات الدراسية المقارنة للثقافة بصفة عامة .
3- يمكن من وجهة نظر السيميائية اعتبار الثقافة مجموعة من الأنظمة السيميائية الخاصة المتدرجة أو يمكن اعتبارها كما من النصوص ترتبط بسلسلة من الوظائف أو اعتبارها آلية خاصة تتولد عنها تلك النصوص .
* ومن ذلك نلاحظ أن هذا الاتجاه يلتفت إلي أهمية اللغة فانه لا يحصر الثقافة داخل حدودها فالنص الثقافي لا يكون بالضرورة رسالة تبث باللغة الطبيعية ولكن يجب أن تكون رسالة تحمل معني متكامل وقد تكون هذه الرسالة رسما أو عملا فنيا أو مؤلفا موسيقا .
* * سيميولوجيا الشعر هي تحليل النص من خلال مستويات بنيوية تراعي أدبية الجنس الأدبي كالمستوي الصرفي والدلالي والتركيبي في شقيه : النحوي والبلاغي والتناصي.
________________________________________
11 – المرجع السابق نفسه ، ص 106
الفصل الرابع ( النتائج والتوصيات )
نستخلص من هذه الدراسة بعض النتائج التي توضح مميزات وأهمية المنهج السيميولوجي وهي :
1 – أن المنهج السيميولوجي من أكثر مناهج الفكر النقدي الحديث قابلية لان تنشر في دوائر للأدب والفن والثقافة في إطارها الكلي لأننا سرعان ما ندرك أن هذه العلامات تختلف في دلالاتها من ثقافة إلي أخري .
2 – أيضا من النتائج التي قدمتها السيميولوجيا للنقد هو ذوبان الإنسان في سلسلة من الأنظمة ومعالجة الثقافات الإنسانية بوصفها علامات فضلا عن دراسة المشاريع المعرفية المستقبلية بوصفها علامات أيضا .
3 – اكتشاف طبيعة الأبحاث والحقول المختلفة التي تجعل الاتصال الأدبي ممكنا .
4 – تميز الاختلافات بين الخطابات الأدبية والخطابات اللادبية وإحالة الدلالة إلي أن الأشكال والمفاهيم لا توجد مستقلة بل أن دوالها ومدلولاتها هي كيانات علائقية ناتجة عن نظم الاختلافات وبهذا يمكن أن تقدم السيميائية فرع معرفي تحليلي يجمع في منظور شامل .
الخاتمة
يتبن لنا أن السيميولوجيا باعتبارها علم الأنظمة اللغوية وغير اللغوية قسمان سيميولوجيا تهدف إلي الإبلاغ والتواصل من خلال ربط الدليل بالمدلول والوظيفة القصدية أما سيميولوجيا الدلالة ثنائية العناصر تركز العلامة علي دليل ومدلول أو الدلالة وإذا كان السيميوطيقيون النصيون يبحثون عن الدلالة والمعني داخل النص الأدبي والفني فان علماء الثقافة يبحثون عن المقصديات والوظائف المباشرة وغير المباشرة
ومن ما سبق أن السيميوطيقا السيميولوجيا كلمتان مترادفتان مهما كان من اختلافات دلالية أي أن السيميولوجيا تصور نظري السيميوطيقا إجراء تحليلي وتطبيقي لذلك فالسيميولوجيا علم ونظرية عامة ومنهج نقدي تحليلي تطبيقي