وسائل تستخدم لرفع الماء من المستويات المنخفضة إلى المستويات الأعلى باستخدام تقنيات متعددة.
آلات رفع الماء في العصور القديمة
إن أقدم آلة استخدمها الإنسان للري وللتزود بالماء هي الشادوف. فقد وجدت رسوم عنها في نقوش بلاد الأكاديين منذ 2500 سنة قبل الميلاد، وفي مصر منذ ما يقارب 2000 سنة قبل الميلاد. وقد ظل استخدامها شائعا حتى أيامنا هذه، وعلى امتداد العالم كله.
وكان الشادوف يتألف من عصا خشبية طويلة، معلقة على محور ارتكاز دوراني مثبت على عارضة مرتكزة على عمودين من خشب أو حجر أو آجر، وفي طرف ذراع الرافعة القصير توجد ثقالة من حجر، أو من صلصال في المناطق المغطاة بالطمي، حيث يتعذر وجود الأحجار، ويعلق الدلو في الطرف الآخر من العصا بواسطة حبل. وينزل مستخدم الآلة الدلو في الماء بهدف تعبئته، ثم يتم رفعه بفعل الثقالة، وأخيرا يفرغ في قناة الري أو في الخزان.
وقد كان من الضروري استخدام مجموعة أسطوانات، الأولى منها معدة لرفع الماء إلى خزان موجود على سطح، أما الثانية فتقود الماء إلى خزان ثان وهكذا دواليك، حتى يتم إفراغه كليا في قناة صرف عند مدخل الجب.
ثم حلت الساقية كآلة لرفع الماء هي النموذج التقليدي للمزارع البسيط ، فهي تتكون من سلسلة قواديس يتم تحريكها بمساعدة عجلتين مسننتين وذلك بواسطة حي وان أو حيوانين مدربين لهذا العمل مربوطين بساعد الجر، ويدوران حول منبسط دائري. وقد تم اختراع هذه الآلة في مصر، على الأرجح حوالي عام 2000 قبل الميلاد، ولم يطرأ عليها أي تطور مهم قبل القرنين الرابع والخامس بعد الميلاد، وقد تمثل هذا التطور فيما بعد بإدخال آلية سقاطة التوقيف وأوعية الخزف.
وفي أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، تم اختراع الترس الحلزوني على يد أرخميدس (287ـ212 ق.م) عندما كان يعيش في مصر، وهي تتضمن صفيحة خشبية محكمة لولبيا على امتداد دوار أسطواني خشبي، كما تحتوي على صندوق خشبي محكم حول هذا الدوار، وهو شبيه ببرميل مؤلف من ألواح مطلية بالقطران ومطوقة بأحزمة حديدية، والدوار مجهز بغلافات معدنية تدور في علب معدنية، ويوضع الترس بشكل مائل بحيث يكون أحد طرفيه غائصا في الماء، ومن خلال دوران الآلة، يصعد الماء على امتداد الترس الدودي ليصب في الطرف الآخر، وكلما صغرت الزاوية المحددة بين محور الدوار وسطح الماء، ازدادت كمية الماء المرفوعة.
كما استخدمت أيضا السدود الدائمة حيث يمكن رفع المياه للمستوى المطلوب، ثم بعد ذلك يسمح للمياه بأن تتدفق بفعل الجاذبية من خلال قنوات إلى المناطق الأكثر انخفاضا حيث يترك لري الحقول المنحدرة. وفي الحضارات القديمة، مورست هذه الطريقة على نطاق كبير باستخدام سدود ترابية بسيطة. وتشبه هذه النظرية أسلوب الري الحديث باستخدام سدود حجرية أو تركيبات خرسانية ضخمة.
آلات رفع الماء في العصور الإسلامية
عرف المسلمون تقنيات مختلفة لرفع الماء، فقد كانت أنظمة الري المتطورة لديهم تتطلب بالضرورة تقنية عالية من آلات رفع الماء بجانب السدود لتخزين الماء، والقنوات الاصطناعية التي انتشرت عبر الديار الإسلامية.
وكانت الساقية القديمة هي أكثر الوسائل استخداما في العالم الإسلامي لتكلفتها البسيطة حيث يتم ربط الحيوان إلى ساعد الجر الذي يمر عبر ثقب في عمود الإدارة، وعلى هذا العمود تثبت العجلة المسننة أفقيا بواسطة قضبان شعاعية (برامق). ويدور العمود داخل عارضة خشبية مدعمة بواسطة قواعد، مع الحفاظ عليه على مستوى الأرض وفوق العجلة المسننة، والعجلة هذه هي ترس فناري مؤلف من قرصين خشبيين كبيرين متباعدين بواسطة قضبان متساوية البعد فيما بينها. أما العجلة المسننة العمودية التي تحمل سلسلة القواديس، فهي مرتكزة محوريا فوق البئر أو مصدر مياه آخر بواسطة محور خشبي. وعلى أحد جانبي العجلة توجد قضبان تدخل في الفراغات بين قضبان الترس، كما تخترق العجلة إلى الجانب الآخر لكي تستند وتحمل سلسلة القواديس. وتتألف هذه السلسلة من حبلين يتم بينهما ربط أوعية الخزف. وتستخدم أحيانا سلاسل وأوعية معدنية.
ويتم منع العجلة من الدوران في الاتجاه المعاكس باستخدام سقاطة التوقيف التي تضغط على أسنان العجلة العمودية، وهذه الآلية ضرورية، لأن الحيوان الذي يدفع الساعد يخضع لقوة جر ثابتة عندما يتحرك، وكذلك عندما يقف ، وتعمل الآلية في حالتين، عندما يتخلص الحيوان من عدته، أو عند وقوع كسر أو ما شابه في العدة، ومن دون هذه الآلية، فإن الآلة تدور في الاتجاه المعاكس بسرعة كبيرة، وبعد دورة يضرب ساعد الجر الحيوان على رأسه، وفي الوقت نفسه يتحطم العديد من قضبان الترس وتنكسر الأوعية.
وقد يكون حيوان الجر حمارا أو بغلا أو ثورا. وأحيانا يستخدم حيوانان من الصنف نفسه. وعندما يتقدم الحيوان على المنبسط الدائري، يدور الترس ويحرك عجلة القواديس التي تغوص في الماء في حركة متواصلة وتفرغ عندما تكون في رأس العجلة في قناة متصلة بخزان، وعلى الرغم من أن الوظيفة الأساسية لـ “الساقية” تتعلق بأعمال الري، إلا أن استخدامها ممكن للتزود بالماء عندما تكون الأبنية على مسافة قريبة من المنبع الطبيعي، وكلما طالت سلسلة القواديس، أي كلما ازدادت مسافة الرفع، انخفض مردود التغذية بالماء، ولا يشكل هذا الانخفاض عاملا سلبيا بالنسبة إلى التزود البيتي بالماء، إلا أن نقل كميات كبيرة من المياه بواسطة أنظمة رافعة صغيرة يشكل في الواقع إحدى المشكلات التقنية في رفع الماء، ويمكن حل هذه المشكلة باستخدام عجلة قواديس حلزونية الشكل وهي تصعد حتى مستوى الأرض بفعالية كبيرة، إن هذه الآلة واسعة الانتشار في مصر في أيامنا هذه.
وكانت هذه الطريقة مستخدمة بشكل واسع في العالم الإسلامي منذ العصور القديمة وحتى أيامنا هذه، وقد أدخلها المسلمون إلى الأندلس حيث تم استغلالها بشكل واسع، ثم انتقلت هذه الوسيلة إلى البلدا ن الأوروبية بفضل تقنيين أسبان، وهي تملك ميزة بالنسبة إلى المضخة العاملة بمحرك ديزل، لأن صناعتها وصيانتها ممكنتان على يد حرفيين محليين، كما أنها لا تتطلب وقودا.
وقد وصف الجزري من علماء القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي، في كتابه الحيل خمسة أنظمة لرفع الماء، وأحد هذه الأنظمة يمثل ساقية تعمل بالماء، وهو طراز اشتهر باستخدامه اليومي في العالم الإسلامي في القرون الوسطى، وذلك بهدف واضح يتمثل في زيادة مردود الآلة التقليدية. ويقدم هذا الوصف معلومات قيمة عن تطور التقنيات الميكاية. فعلى سبيل المثال، نرى في أحد من هذه الأنظمة إشارة إلى تخفيض العمل المتقطع. وفي ثان منها يتم استخدام مقبض الإدارة، وهذا أول نموذج لمقبض مستخدم كجزء مكمل للآلة. أما الآلة الخامسة فهي الأكثر دلالة، إنها مضخة مائية مؤلفة من أسطوانتين تعملان بواسطة عجلة تجديف مركبتين على محور أفقي فوق مجرى الماء، ومن عجلة مسننة مثبتة على الطرف الآخر من المحور. وينشبك هذا المحور مع عجلة مسننة أفقية موضوعة في تركيب خشبي مثلث الشكل، والتركيب هذا مثبت فوق حوض يغذيه جدول.
وعلى الجانب العلوي من العجلة المسننة الأفقية توجد عصا تقود ذراعا مثبتة في زاوية من التركيب. أما محورا الأسطوانتين (المضخة) فهما مرتبطان من كل جانب من الذراع بمشابك وحلقات. وفي طرف كل محور يوجد مكبس يتضمن قرصين نحاسيين متباعدين بمسافة قيمتها حوالي (6) سم، والفراغ بين القرصين مملوء بحبل من قنب مفتول. والأسطوانتان النحاسيتان مزودتان كل منهما بأنبوبين أحدهما للإدخال والآخر للصرف، وكل أنبوب مجهز بصمام لا رجعي. ويتصل أنبوبا الصرف معا ليشكلا أنبوبا واحدا يدفع الماء إلى ارتفاع يبلغ حوالي (14) مترا فوق الجدول. ويتم العمل على الشكل التالي: عندما تدور عجلة التجديف، فإنها تجبر العجلة المسننة العمودية على الدوران حول محورها، والمحور بدوره يدير العجلة المسننة الأفقية الموجودة في التركيب، وتفرض العصا على الذراع حركة تذبذبية من جهة إلى أخرى (من أسطوانة إلى أخرى). وعندما يقوم أحد المكبسين بالصرف، فإن الآخر يقوم بالإدخال.
والركن الأساسي في هذه الآلة هو مبدأ الفعل المزدوج، وتحويل الحركة الدورانية إلى حركة متناوبة، واستخدام أنابيب إدخال حقيقية. وقد تم صنع نموذج بقياس يساوي ربع قياس الآلة الأصلية بمناسبة المهرجان العالمي للإسلام في العام 1396هـ / 1976 م. وهو مخصص لمتحف العلوم في لندن. ولديه التركيبة نفسها للآلة التي وصفها الجزري، باستثناء أن تشغيلها يتم بالطاقة الكهربائية. وقد سارت هذه المضخة النموذج على الوجه الأكمل، مع نقل للحركة بليونة، ومع صرف منتظم للماء في أنابيب الخروج.
أما التقنية الأكثر تكلفة والأقل انتشارا فهي الناعورة. وهي آلة تتألف من عجلة خشبية كبيرة مجهزة بمجاديف. وتملك هذه العجلة إطارا يقع داخل المجاديف، وهو مقسم إلى حجيرات. وتوجد نماذج مختلفة من الناعورة، يتضمن بعضها أوعية خزفية شبيهة بأوعية “الساقية” مثبتة على الإطار. وتركب العجلة على محور يقع فوق مجرى الماء، بحيث تغوص الحجيرات والمجاديف في الماء في النقطة السفلى من دورانها. وتضغط قوة التيار على المجاديف، فتجبر العجلة على الدوران، وتمتلئ الحجيرات بالماء ثم تفرغ عندما تصل إلى قمة العجلة. وبشكل عام يغذي الماء خزانا، ثم يتم توجيهه عبر قناة نقل وصولا إلى نظام الري أو نظام التزود بالماء في المدن. وهكذا، فإن الناعورة تعمل تلقائيا ولا تتطلب وجود إنسان أو حيوان من أجل استخدامها.
وقد شاع استخدام الناعورة كثيرا في العالم الإسلامي في تلك المناطق الجبلية. أما أكثرها شهرة فهي نواعير حماة على نهر العاصي في سوريا، التي تشكل منظرا مؤثرا ومدهشا. ويبلغ قطر الناعورة الكبرى حوالي 20 مترا. وتصب هذه النواعير الماء في قناة تحمله إلى المدينة والريف المجاور. وقد صنع هذه الناعورة المهندس قيصر تعاسيف في القرن السادس الهجري / الحادي عشر الميلادي، عندما أراد أن يظهر براعته الهندسية لحاكم حماة المظفر الثاني تقي الدين (626هـ- 541هـ). وقد انتقلت هذه التقنية إلى أسبانيا، إذ يوجد ناعورة شبيهه بنواعير حماة كانت مستخدمة في طليطلة تعود إلى نفس القرن. وقد شاع استعمالها بعد ذلك في أسبانيا الإسلامية. كما انتشرت في أجزاء أخرى من أوروبا، وهي كالساقية ما زالت مستخدمة حتى أيامنا هذه.
وفي القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي وصف تقي الدين الناعورة في كتابه الطرق السنية في الآلات الروحانية عددا من الآلات بما فيها مضخة مماثلة لمضخة الجزري. إلا أن النظام الأكثر إثارة للاهتمام هو مضخة أحادية الكتلة بست أسطوانات. والأسطوانات الست هذه محفورة على خط واحد في كتلة خشبية مغمورة في الماء. وكل أسطوانة منها مجهزة بصمام لا رجعي لاستقبال الماء فيها عند طور الإدخال. أما أنابيب الصرف فهي أيضا مزودة بصمامات لا رجعية، وكل واحد منها يمتد خارج الأسطوانة، وتلتقي جميعها في أنبوب صرف واحد رئيسي. وعند طرف كل مكبس توجد ثقالة ورافعة موصولة تحت الثقالة تماما بواسطة مسمار وصلة. وعلى محور العجلة المسننة توجد كامات تعمل على إنزال الرافعات الواحدة تلو الأخرى، مما يؤدي إلى رفع المكابس من أجل الإدخال. وعندما تتحرر الرافعة من الكامة، تنزل الثقالة المكبس من أجل الصرف.
وعلى الرغم من مضي قرون عديدة على التوصل إلى هذه الآلات المستخدمة في رفع الماء، إلا أنها ما زالت مستخدمة حتى الآن في بعض المناطق الريفية إما لعدم دخول الطاقة الكهربائية إليها أو لتعود الفلاحين والمزارعين على هذه الآلات العتيقة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.
ومع التقدم الحضاري المذهل في مجال الصناعة التي أضحت جزءا ضروريا للحياة اليومية، بدأت مضخات رفع المياه الحديثة التي تعمل بالطاقة الميكاية أو الطاقة الكهربائية تحل محل آلات رفع المياه القديمة. وإن كانت الفكرة الأساسية لهذه المضخات تعتمد اعتمادا كليا على نفس الطريقة التي طرحها تقي الدين منذ حوالي أربعة قرون إذ تستخدم تقنية رفع الماء حاليا المضخات وذلك عن طريق أسطوانة دفع لتشغل الماكينات أو آلات الضغط أو المولدات الكهربية أو المراوح.
صورة متعلقة بالمفهوم: