تعلمنا جميعا أن تقسيم أية مادة إلى أجزاء أصغر ينتهي بنا إلى الذرة، وهي أصغر جزء من المادة يحمل صفاتها. فإذا قسمنا الذرة لم يعد ما نحصل عليه يحمل صفات المادة التي بدأنا بها. وهذه الذرة تتكون كما نعلم من نواة تحيط بها إلكترونات، وتتألف النواة من تكتل من البروتونات والنيوترونات. وهكذا فقد انتهى بنا التفتيت والتقسيم إلى هذه الجسيمات الثلاثة. ونعلم أن البروتون والنيوترون يكادان يتماثلان في كل شيء سوى أن البروتون يحمل شحنة بينما النيوترون متعادل. أما الإلكترون فهو القاسم المشترك في كل المواد حيث أنه يتواجد في كل الذرات ابتداء من الهيدروجين الذي تتكون نواته من بروتون فقط إلى اللورانسيوم الذي تتكون نواته من 103 بروتونات و 154 نيوترونا. ويمكن للذرات أن تتبادل الإلكترونات بل ويمكن للإلكترونات أن تتجول بحرية بين الذرات في بعض المواد.
لكن هذه ليست نهاية المطاف، وليست هذه الجسيمات الثلاثة هي اللبنات الأساسية للمادة. فمع التقدم التكنولوجي، ومع بناء مسارعات أكثر تقدما وأعلى طاقة، أمكن تسريع البروتونات إلى طاقات عالية، وعندما وضعت حزمتان بروتونيتان عاليتا الطاقة في وضع تصادمي رأينا جسيمات تتناثر من هذا التصادم ، وهي بالتأكيد ليست تكسر الكرة البوتونية إلى شظايا عشوائية كما لو كسرنا كرة زجاجية. بل إن هذه الجسيمات لها خواصها وشخصيتها و”لونها” بل و”نكهتها” !!. . . . إذن ما هي القصة؟. وما هي اللبنات الجديدة للمادة؟. هذا ما سنحاول الإجابة عليه الآن ، ولعل من المفيد أن نأخذ نظرة عامة وشاملة للوجود المادي ككل.
بادئ ذي بدء تشكل الجسيمات الأولية بما تبنيه من مادة في كل مكان، جزءا من موجودات الكون، بينما يوجد الجزء الآخر على شكل طاقة. وكثيرا ما تتم التحولات بين المادة والطاقة إذا توفرت شروط هذا التحول. وكما جعل الله سبحانه وتعالى الكثير من مخلوقات الكون أزواجا لغاية ما، فقد جعل سبحانه كذلك الجسيمات الأولية أزواجا. فكل جسيم له زوج يسمى ضديد ( أو اختصارا ضد) هذا الجسيم. والضد يماثل ضده في كل شيء ما عدا الشحنة حيث يمتلك الضدان شحنتان متعاكستان. فالسالب ضده موجب والمتعادل ضده متعادل . وإذا التقى الضديدان (بالتصادم مثلا) تحولا فورا إلى طاقة. وإذا نظرنا إلى الطاقة على أنها شكل “منفوش” من أشكال المادة وإلى المادة على أنها شكل مركز ومكثف من أشكال الطاقة، فسوف نعلم أن لا ضياع أو إفناء لهذا أو لذاك. وأن كمية المادة المتحولة لطاقة يمكن أن تعود بالتمام والكمال إلى مادة بنفس الكمية إذا ما تسنى لها ذلك. كما يمكن لجزء من مادة الجسيم أن تتحول إلى طاقة كما هو الحال عندما يفرمل الإلكترون فيطلق حبيبة من الطاقة على شكل أشعة سينية. ويمكن لجسيم أن يمتص جزءا من الطاقة فتزيد كتلته كما يحدث للإلكترون في تصادم أو تأثير كومبتون فكأنما أخذ الإلكترون هذه الطاقة ليضمها إلى كيانه فتصبح جزءا منه.
نعود إلى الجسيمات الأولية التي تبني الوجود المادي لهذا الكون. فكما أن البيت الكبير يشيد من قطع طوب صغيرة، فكذلك تبنى المادة من لبنات أولية . وكما أن بناء البيت لا يكون بالطوب وحده ، بل نحتاج إلى المادة الإسمنتية البينية التي تمسك الطوب بعضه ببعض وتجعل البناء كلا متماسكا، فكذلك تكون الجسيمات؛ منها ما هو هيكل البناء ومنها ما هو الرابط واللاحم للأجزاء الهيكلية بعضها ببعض. وإذن فالجسيمات الأولية ككل تتكون من نوعين وتصنف تبعا لذلك في عائلتين : الخفائف ( اللبتونات ) والثقائل ( الهادرونات ).
الخفائف (اللبتونات):
من أشهر أعضاء هذه العائلة الإلكترون وضديده االبوزيترون . وتملأ الإلكترونات المسافات بين النوى في ذرات المادة كما تسبح بحرية في المعادن لتوصل الكهرباء والحرارة وتحدد الكثير من الصفات الفيزيائية والكيميائية للمواد. تتدرج الخفائف من الخفيف جدا إلى الخفيف إلى الأقل خفة، ويبين الجدول التالي أسماء وبعض صفات عائلة الخفائف :
نيوترينو التاوون
التاوون
نيوترينو الميون
الميون
نيوترينو الإلكترون
الإلكترون
الجســـــيم
e –
– 1
0
– 1
0
– 1
e +
+ 1
0
+ 1
0
+ 1
178
> 0
106
> 0
0,511
الثقائل ( الهادرونات) :
وأشهرها البروتون والنيوترون اللذان يكونان نوى الذرات لكنهما نادرا ما يوجدان بشكل حر في الظروف العادية ( التي تلائم الإنسان) . على أنهما والثقائل كلها لا تعد جسيمات أولية لأنه أمكن تجزأتها إلى جسيمات أصغر . والأحرى بنا إذن في بحثنا عن الجسيمات الأولية أن نبحث أولا عن اللبنات الأساسية للمادة ، تلك التي تبني أعضاء عائلة الثقائل . فعائلة الثقائل ليست هي لبنات المادة بل هي قطع تبنى من اللبنات وتستخدم ككل في البناء ، ومثال ذلك الجدران التي تستخدم في بناء البيوت الجاهزة . فالجدار يبنى من لبنات ثم يجمع مع جدران أخرى لبناء البيت. وباختلاف حاجتنا للجدار يختلف عدد ونوع الطوب الذي نستخدمه . ولكن كيف نربط هذا بما نحن بصدده من لبنات المادة ؟! دعنا نستجلي حقيقة الأمر. توجد في الطبيعة ستة لبنات أساسية فقط تستخدم في بناء كل أشكال الوجود المادي ، وتسمى كل لبنة من هذه اللبنات كوارك. ويبين الجدول التالي مجموعة الكواركات الموجودة في الطبيعة:
أسفل
أعلى
غريب
فاتن
تحت
فوق
الكوارك
الرمــــــز
–
+
–
+
–
+
–
+
–
+
–
180000
160
1500
8
5
الكتلــة (ملكف)
الميزونات:
يتكون الميزون من كوارك وضديد كوارك ، ويحكم هذا التكوين شرط أن تكون الشحنة الكلية هي من مضاعفات شحنة الإلكترون (لك) موجبة أو سالبة أو صفر . وبذلك فإن ضم أي كوارك وأي ضديد سيحقق هذا الشرط . ويبين الجدول التالي بعضا من أسماء وخصائص هذه الميزونات :
إيتـا
صفر
دي
زائد
كاوون
صفر
كاوون
زائد
كاوون
ناقص
بيون
صفر
بيون
صفر
بيون
زائد
بيون
ناقص
الميزون
الرمــــــز
0
+ 1
0
+ 1
– 1
0
0
+ 1
– 1