البيـان : هو العلم الذي يبحث في الأساليب المختلفة التي تعبّر عن المعنى الواحد بطرائق متعدّدة * من تشبيه أو استعارة أو كناية أو غيرها . و علم البيان بما يوضّح من الفروق بين الأساليب * ميزان صحيح لتعرف أنواعها و دراسة أدبية للفحص عن كلّ أسلوب * و تبيين سرّ البلاغة * و الجمال فيه .
– التشبيـه : هو لون من ألوان التصوير الأدبيّ * يبيّن أنّ شيئا شارك غيره في صفة أو أكثر * و تعقد هذه المشاركة بينهما بأداة هي " الكاف " أو " كأنّ " و غيرهما من أفعال مثل : يشبه * يماثل * يضارع * يحاكي * أو أسماء مثل : مثل * شبه .
* أركان التشبيه : أربعة و هي : – المشبّه – المشبّه به – أداة التشبيه – وجه الشبه . و يجب في وجه الشبه أن يكون في المشبّه به أقوى و أوضح منه في المشبّه .
* كلّ تشبيه لا بدّ فيه من ذكر المشبّه و المشبّه به * أمّا أداة التشبيه و وجه الشبه فيجوز حذفه أحدهما دون أن يخلّ ذلك بالتشبيه * بل على العكس فإنّ حذف أيّ واحد منهما يعطي صورة التشبيه قوّة أكثر من وجوده .
– أمثلـة :
قال الشاعر : كأنّما الماءُ في صفاء ÷ و قد جرى ذائبُ اللّجين[/right]
و قال امرؤ القيس : فعنّ لنا سِربٌ كأنّ نِعاجه ÷ عَذَارى دوارٍ في مُلاءٍ مُذيّلِ
و قال عنترة : أفمن بكـاء حمامـة في أيكـة ÷ ذرفتْ دموعكَ فوق ظهر المِحمل
كالدرّ أو فِضضِ الجمان تقطّعت ÷ منه عقــائدُ سلكِــه لم يوصلِ
و قال الشاعر : أنت نجم في رفعةٍ و ضياءٍ ÷ تجتليك العيون شرقاً و غرباً
* التشبيه البليغ : هو ما ذكر في المشبّه و المشبّه به فقط * و حذفت منه أداة التشبيه و وجه الشبه . و هو أقوى و أجمل أنواع و صور التشبيه * و فيه يظهر المشبّه و المشبّه به و كأنّهما شيء واحد لا شيئان متماثلان * و ذلك غاية ما يقصد إليه المتكلّم من التصوير و استعماله التشبيه . مثل :
قال النابغة : فإنّك شمس و الملوك كواكب ÷ إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب
* التشبيه التمثيلي( صورة بصورة) : التشبيه من حيث وجه الشبه ينقسم إلى قسمين ؛ تشبيه غير تمثيل * و هو ما يكون فيه وجه الشبه صفة مفردة . و تشبيه تمثيل * و هو ما يكون فيه وجه الشبه صورة منتزعة من متعدّد . مثل :
– الصورة المفردة : قال رسول الله ( صلّى الله عليه و سلّم ) : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم »
– الصورة المنتزعة من متعدّد : قال المتنبّي : يهزّ الجيشُ حولكَ جانبيه (صورة)
÷ كما هزّتْ جناحيها العقاب (صورة)
* بلاغة التشبيه : تأتي بلاغة التشبيه و جماله من أنّه يزيد المعنى وضوحا و قوّة تأثير بالصورة التي يأتي بها * كقولك : إنّ حصاني سريع * تعبير لا يبلغ من وضوح المعنى و قوّة التأثير في النفس ما يبلغه قول امرئ القيس عن سرعة حصانه
مكرّ مفرّ مقبل مدبر معــا ÷ كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
2 – الاستعــــارة : هي تشبيه بليغ حذف منه أحد طرفيه * و هي تأتي على نوعين
أ = تصريحية : و هي ما يصرّح فيها بلفظ المشبّه به و يراد منه المشبّه . مثل :
– قال حسّان : لساني صارمٌ لا عيب فيه ÷ و بحري لا تكدّره الدّلاء
– قال جرير : أعددت للشعراء سمّا ناقعا ÷ فسقيت آخرهم بكأس الأوّل
ب = مكنية : و هي ما يحذف فيها المشبّه به و يرمز إليه بشيء من لوازمه يذكر مع المشبّه . مثل :
– قال تعالى : { ربّنا أفرغ علينا صبرا * و توفّنا مسلمين }
– و قال تعالى على لسان نبيّه زكرياء ( عليه السلام ) : { ربّ إنّي وهن العظم منّي * و اشتعل الرأس شيبا } .]
* تأتي بلاغة الاستعارة و جمالها من أنّها تتضمّن إحساسا و إثارة أقوى من التشبيه * يقوم على ادّعاء أنّ المشبّه و المشبّه به شيء واحد * و لذا يصلح أن يعبّر بالمشبّه به مكان المشبّه أو أن تذكر صفة من صفاته مع النشبّه * كما أنّ في الاستعارة تشخيصا للمعنى و رسم صورة محسوسة له تزيده قوّة و تأثيرا .
– الكنايــــــة : هي لفظ أطلق و أريد به لازم معناه * مع جواز إرادة المعنى الحقيقي منه . :
مثال= قال تعالى : { فأصبح يقلّب كفّيه على ما انفق فيها و هي خاوية على عروشها } يقلّب كفّيه كناية عن صفة الندم .
– = قال المتنبّي في وصف أعداء سيف الدولة المهزومين :
و منْ في كفّه منهم قنـــاةٌ ÷ كمنْ في كفّه منهم خضــابُ . ففي الشطر الأوّل كناية عن الرجال و في الشطر الثاني كناية عن النساء .
البديـــــــع : و يتمثّل في المحسّنات البديعية * و هي وسائل تعبيريّة توضّح المعنى و تثبته و تقوّيه و تزيّن الكلام و تجمّل الأسلوب * و يعمد إليها الأديب تلقائيا * و بدون تكلّف أو اصطناع * تلبية لدعوة فطريّة شعوريّة * و تنقسم المحسّنات البديعيّة إلى قسمين هما :
1 – المحسّنات اللّفظية : و يندرج تحتها كلّ من السّجع و الجناس * و يرجع التحسين فيها إلى اللّفظ أصالة * و إن أدّى ذلك إلى تحسين المعنى * و يظهر أثرها في ألفاظ الأسلوب الأدبيّ * و أكثر ما تعتمد على تنظيم النغم * و ترتيب الإيقاع المتولّد عن تزيين اللّفظ و تجميله .
* السجــع : و هو توافق الكلمة الأخيرة من جملة * مع الكلمة الأخيرة من جملة أخرى في الحرف الأخير منهما * و هو لون من التوازن الصوتيّ الذي يكسب الكلام جرسا موسيقيا يلفت النظر و يؤكّد المعنى . و يكون السّجع لونا أدبيا مقبولا إذا اتخذ وسيلة لتقوية المعنى * بعيدا عن التكلّف و غير ملتزم في الأسلوب . و يشيع أسلوب السّجع في البيئة الفطريّة الطبيعيّة * و يقلّ كلّما تقدّم فكر الإنسان و اتجّه إلى السرعة في إنجاز الأعمال . مثل :
– من وصية ذي الأصبع لابنه : " ألنْ جانبك لقومك يحبّوك * و تواضع لهم يرفعوك * و ابسُط لهم وجهك يطيعوك * و لا تستأثر عليهم بشيء يسوّدوك " .- و من وصية سيّدنا أبي بكر الصدّيق ( رضي الله عنه ) لقائده : " و اسمرْ باللّيل في أصحابك تأتك الأخبار * و تنكشف عندك الأستار " .
* الجنــاس : و هو اتّفاق كلمتين في الهيئة * و اختلافهما في المعنى * و يأتي على نوعين ؛ تام و ناقص .
– الجناس التام : و هو ما اتفق فيه اللّفظان في نوع الحروف و عددها و شكلها و ترتيبها * و اختلفا في المعنى . مثل
قال أبو تمام : ما مات من كرم الزمان فإنّه ÷ يحيا لدى يحي بن عبد الله
و مثل قولنا : " شهدت صلاة المغرب في بعض مساجد المغرب "
– الجناس الناقص : و هو ما اختلف فيه اللّفظان في أحد الأمور الأربعة السابقة إلى جانب اختلافهما في المعنى . مثل
قال الحطيئة : و باتوا كراما قد قضوا حقّ ضيفهم ÷ و ما غرموا غُرما و قد غنموا غُنما
و مثل قول الحجّاج : " منْ أعياه داؤه فعندي دواؤه * إنّ للشيطان طيفا و للسلطان سيفا * إنّي أنذر ثمّ لا أنظر * إنّ الحزم و العزم سلباني سوطي " .
* و يكون الجناس لونا أدبيا إذا بعد عن التكلّف * و جاء عفوا تلبية لمتطلّبات المعنى . و الجناس يكسو الكلام جمالا * و يكسبه جرسا موسيقيا و يحسّنه * و يعبّر عن إحساس الأديب * و يعين على نقل هذا الإحساس .
– المحسّنات المعنويّة : و يندرج تحتها كلّ من المقابلة و المطابقة و التورية * و يرجع التحسين فيها إلى المعنى أصالة و إن أدّى ذلك إلى تحسين اللّفظ * و تجعل الأسلوب الأدبيّ أكثر جمالا و تأثيرا في النفس ممّا ترسمه من صور المقابلات و المطابقات .
* المطابقة : هي أن يؤتى في الكلام بمعنى و ما يقابله * و يسمّى " طباق الإيجاب " * أو يؤتى بالمعنى و ضدّه * و يسمّى " طباق السّلب " . مثل :
– طباق الإيجاب : قال امرؤ القيس : مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا ÷ كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
و جاء في الحكمة : " ربّ عجلة تهب ريثاً " . ( التضادّ بين مثبتين )
– طباق السّلب : قال تعالى : { يستخفون من الناس و لا يستخفون من الله و هو معهم } و قال تعالى : { و لا تخشوا الناس و اخشونِ } وقال الإمام عليّ ( كرّم الله وجهه ) : " يغار عليكم و لا تغيرون * تغزون و لا تغزون ! " و هذا النوع من الطباق هو ( التضاد بين مثبت و منفيّ ) .
* المقابلة : هي أن يؤتى في الكلام بمعنيين غير متقابلين * أو أكثر من معنيين * ثمّ يذكر ما يقابل هذه المعاني . مثل
– قال لقيط بن يعمر : ما ذا يردّ عليكم عزُّ أوّلكم ÷ إنْ ضاع آخرُه أو ذلّ و أتّضعا ؟
– قال حسّان : قومٌ إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ÷ أو حاولوا النّفع في أشياعهم نفعوا
* و لكلّ من المطابقة و المقابلة أثر في المعنى و الأسلوب * فالمعنى يزداد وضوحا و بروزا و قوّة بوضع الشيء و ضدّه أو ما يقابله * و الكلام يكتسب جرسا موسيقيا و نغما جميلا يؤثّر في النفس * و ينقل الشعور * و بذلك يخاطب أسلوب المطابقة و المقابلة العقل و العاطفة في وقت واحد .
* و يكون هذا الأسلوب لونا أدبيا مقبولا إذا ابتعد عن التكلّف * و جاء
عفوا بحسب متطلّبات الموقف