و ارجو ان ترضيك
و شكرااا
مقالة حول السلام
يستقبل المسلمون فصلاً جديداً من تاريخهم الطويل حافلاً بالأسرار والتكهنات محتقنناً بالشكوك والتحفظات ملوناً بالآمال والتمنيات… ذلك لأنهم للمرة الأولى يأخذون بعين الاعتبار احتمال التعايش مع خصمهم و يقابلهم عدوهم وجهاً لوجه طوعاً أو كرهاً لا في ميدان حرب , بل في معركة سلام ولا أحد يدري كيف ستنتهي فالكفتات غير متعادلتين في عدد من الوجوه والعوامل التي يمكن أن ترجح كفة على أخرى ومن الصعب أن تقدر وتحصى… وهي معركة مفروضة علينا وهي معركة مصير أمتنا كما لو كانت حرب
عسكرية… وسوف نخرج منها بعدد مجهول من السنين إما ظافرين بالحفاظ على ثقافتنا مهذبة من الصدأ والرواسب أم خاسرين هويتنا ذائبين في ثقافة الاعداء للأبد… أما وسائل هذه الحرب غير المعلنة ليست المعدات التي ستستخدم في إرضاخنا وتغيير هويتنا , فليست البارود ولا المدافع ليست القنبلة أو الصوارخ , إنما وسائل المعرفة… إن مصيرنا ومصير أجيالنا القادمة يعتمد على تفهمنا هذا الواقع وقبولنا ذاك التحدي وتصدينا لمجابهة الخطر الجامح…
و شكراا
مقالة حول السلام
الدعوة مقام عظيم، قد يشعر الإنسان بمنزلتها وقد لا يشعر، أما من لم يشعر فليس له حظ من هذه التوجيهات التي سنوردها، إنما هي حظ من اهتم لأمته وأحس بعظمة الدعوة وجلالتها، هذا هو العظيم حقا.. العظيم هو الذي يهتم للأمور العظام، وهو الذي يتعب نفسه في تحصيل المراتب الكبيرة، كما قال الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارا * تعبت في مرادها الأجسام
وإذا كان الإنسان يعلو عند الناس لكفاحه وجده في أسباب الحياة، فإن الذي يعلو عند الله تعالى هو الذي يكافح من أجل أن يقيم صرح الدين في الأرض، ويعلم الناس الخير، ويحذرهم من سبل الشر، قال تعالى : {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}…
قال الحسن: " هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خير الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله".
الله ما خلق الخلق إلا لعبادته، وأرسل الرسل لأجل ذلك، والداعي إلى الله تعالى يحقق مراد الله من الخلق، ويتبع الأنبياء ويقتدي بهم، ومن هنا شرف وكان أحب الخلق إلى الله تعالى ..
لكن الدعاة هم أكثر الخلق عناء وتعبا، وأكثرهم ألما وحزنا، لا نقول هذا تنفيرا من طريقهم، فإن كل إنسان يناله في الدنيا من التعب والحزن و القدر المكتوب، لكن الذي يتميز به الدعاة بالرغم من كونهم أكثر الناس تعبا وحزنا، أنهم كذلك أكثر الناس تلذذا بالذكر والطاعة، تمر بهم لحظات من حلاوة الإيمان تنسيهم كل تلك الآلام، وهذا ما لا يجده غيرهم إلا في النادر.
إن مصدر آلام الدعاة أنهم يرون انتفاش الباطل وكثرة المعرضين، وهم يعلمون علم اليقين حقيقة الدنيا والآخرة، وهم في محاولة جادة لاستنقاذ الغارقين من غرقهم، لكن محاولاتهم تبوء بالفشل في بعض المرات أمام إصرار الغارقين على الغرق، وأمام ترصد الظلمة وقعودهم بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن يبغونه عوجا..
وأمام هذه المعوقات يجد الدعاة أنفسهم في عائق آخر لا يقل خطرا من المعوقات السابقة، وهو عائق نفسي، وعلمي، وعملي:
– فأما عائق النفس فمللها ويأسها..
– وأما العائق العلمي والعملي فهو الحيرة التي ترد عليهم إزاء أزمات دعوية تمر بهم فلا يهتدون إلى حلها، فتضيق بهم السبل، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية..
لأجل كل هذه الأمور كتبت هذه التوجيهات الدعوية، لعلي أساهم في حل شيء من تلك المعوقات، فأقول:
هذه توجيهات وزاد يتزود بها الدعاة:
أولا:الإخلاص في طلب العلم وتعليمه.
ـ لابد للداعية من أن يتعلم العلم الشرعي، ولابد له من الإخلاص في طلبه وتعليمه: فالإخلاص هو سبب القبول عند الله تعالى ، وهو كذلك سبب الإتقان، فما أخلص إنسان في شيء إلا وأتقنه. والإخلاص يتطلب اتهام النفس بالتقصير دائما، والخشية من عدم الإحسان، وذلك يدفع إلى التطور الدائم إلى الأحسن، فإن الذي يتهم نفسه بالتقصير يعمل على الدوام على الارتقاء إلى الأفضل كي يسلم من ذلك. الإخلاص يكون قبل العمل وأثناءه وبعده، قبله باستحضار النية لله تعالى، وأثناءه باستصحابها، وبعده بسؤال الله القبول، وتذكر سلبيات وإيجابيات العمل، لإصلاح ما يكون من خلل. الإخلاص يبعث على الصبر والأمل الدائم، لأن المخلص عمله لله فهو يرجو ثوابه، وثوابه مكتوب سواء قبل الناس دعوته أم ردودها، لذا فإنه إذا جعل الإخلاص نصب عينيه لم يبال بقبولهم أو إعراضهم، لعلمه أن الله يكتب ثوابه في كلا الحالتين، بخلاف الذي لا يخلص فإنه يجعل همه الأول قبول الناس، فإذا لم يقبلوا مل وترك دعوتهم. وينصح في هذا المقام النظر في منـزلة الإخلاص في مدارج السالكين لابن القيم.
ثانيا:
– كثرة التضرع إلى المولى جل وعلا أن يلهم بالحق ويوفق للعمل به. كثرة الدعاء والإلحاح في السؤال سمة راسخة من سمات الدعاة لا ينفكون عنها لحظة، وهذا سر نجاحهم، ومن لم يلح في دعائه فليس على السبيل والسنة. كثرة الدعاء في كل وقت وآن، يرزق النفس الثبات وحسن التصرف والتدبير، لأن المتضرع إلى ربه متبرء من حوله وقوته، متوكل على الله مفوض أمره إليه، وإذا تولاه الله رزقه حسن التصرف، وفي ذلك نجاح دعوته. كثرة الدعاء يفتح على الداعي لذيذ مناجاة الله تعالى وحلاوة الإيمان، ويسليه في المحن، ويخفف عنه المشاق. للوقوف على الأدعية النبوية ينظر في كتب الدعوات من الصحاح والسنن، كالبخاري ومسلم.
ثالثا: ملازمة قراءة القرآن الكريم الذي هو زاد الدعاة الأول.
ـ القرآن يشرح الصدور، ويبدد الغموم، ويزيد في الإيمان: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}. الدعاة من أخشع الناس في قراءة القرآن، لأنه يقص عليهم حقيقة الصراع الذي هم فيه، بين الحق والباطل، فهو يبشرهم بالنصر القريب على أعدائهم، ويثبتهم في المحن، ويعدهم الخير والمثوبة: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}.. فإذا قرءوه تمثلوه في أنفسهم وعاشوا آياته لحظة بلحظة، يجدون أنفسهم فيه، ويستشعرون معانيه، ويوجهون خطابه إلى أنفسهم. ينظر في كتاب الفوائد لابن القيم في الفصول المتعلقة بالقرآن.
رابعا: الحرص على تدارس شمائل النبي – صلى الله عليه وسلم – والسلف.
ـ يجب الرجوع في تعلم أسلوب الدعوة إلى سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومن الخطأ الاعتماد على كتب المحدَثين فحسب، فسيرته مكتوبة صحيحة بين أيدينا، فيها الهدى والنور، وأي دعوة لا تكون من خلالها فهي فاشلة. من المهم تدارس سير الصحابة والسلف والأئمة الأعلام كذلك، فذلك يوقف الدعاة على الطرق الصحيحة للدعوة الناجحة، فمن كان مقتديا فليقتد بمن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. من المراجع المهمة في هذا الباب: شمائل النبي – صلى الله عليه وسلم – للترمذي وابن كثير، والسيرة النبوية الصحيحة لأكرم ضياء العمري، وفقه السيرة لمحمد الغزالي، وصفة الصفوة لابن الجوزي، وسير أعلام النبلاء للذهبي.
خامسا: (لابد من زاد إيماني).
ـ قال تعالى : {واستعينوا بالصبر والصلاة}، فلا بد للداعية من زاد إيماني من الصلاة والذكر. أعظم أوقات اليوم ثلاثة: بعد الفجر، وقبل الغروب، والثلث الآخر من الليل، فهذه الأوقات زاد الدعاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري في الإيمان، باب: الدين يسر.. فالغدوة أول النهار، والروحة آخرها.. والدلجة آخر الليل.. فاغتنام آخر الليل يكون بقيامه وقراءة القرآن فيه، فالليل موطن المناجاة ورفع الحوائج حين ينزل الله تعالى ليقول: (من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟) رواه مسلم في الصلاة، باب: الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل.. وقيامه شرف المؤمن، والفجر والعصر وقت الصلاة والذكر، هذه الأوقات هي أحسن أوقات السفر، وهي أحسن السفر إلى الآخرة بالذكر والمناجاة، فمن تعاهدها تزود من الإيمان والصبر.
سادسا: ذكر الله عند الخروج من البيت، وسؤال الله التوفيق في العمل.
ـ لابد على الداعية أن يكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فإنها تحمل عنه كأمثال الجبال، وليعلم أنه لا يعمل بقوته وحيلته، فلولا إعانة الله له لما حرك حجرا من مكانه، ولا خطا خطوة، ولا دعا إنسانا.
حين الخروج يجب استحضار التوكل على الله وإخلاص النية لله – تعالى -وذكر الدعاء المأثور: (بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله).. (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي)، هما حديثان عن أم سلمة وعن أنس عند أبي داود في الأدب: باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول، صحيح أبي داود 3/959. يقول أنس: كنت أسمع رسول الله يكثر أن يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن ضلع الدين وقهر الرجال)، البخاري في الدعوات، باب: التعوذ من غلبة الرجال.
فهو ذكر الدعاة، لأن الداعي يحزنه إعراض الناس، ويهمه مستقبل الدعوة، ويشكو من العجز والكسل، ويخاف أن يجبن في موطن يجب أن يقول فيه، أو أن يبخل بشيء فيه نصرة الحق، ويخاف قهر الرجال، فالدعاء بهذه الكلمات تكفيه كل تلك الهموم.
سابعا: الأمل وعدم اليأس.
ـ الداعية يدعو الناس إلى أمر قد لا يستجيبون له لأول مرة، لذا يجب عليه أن يوطن نفسه على هذا حتى لا ييأس. ينبغي على الداعية أن لا يعتقد بمقولة: "الطبع يغلب التطبع"، لأن دعوته قائمة على عكس ذلك تماما، إنها تقوم على الإيمان بالقدرة على قلب الطباع من الشر إلى الخير، كما صنع الأنبياء من قبل، فلم تكن مهمة الدعاة إلا قلب طباع الناس الشريرة، ولو أنهم أخذوا بتلك المقولة لما دعوا أحدا. كذلك يجب عليه أن لا يعتقد قول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه * إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فمهمت الداعية أن يبني ولو كان غيره يهدم، ومهمته أن يسبح ضد تيار الباطل ولو كان عظيما، وقد كان النبي يبعث وحده في بحر من الباطل، ثم لا يزال يدعو حتى ينشر الله على يديه الخير والنور، فيهدم الباطل ويبني الحق.
ثامنا: الدعوة في كل وقت بالكلمة، بالإشارة، بالفعل.
ـ رب كلمة اهتدى بها إنسان والداعية لا يدري، فالكلمة كالبذرة، قد لا تنبت اليوم أو الغد، لكنها ستنبت يوما ما، لذا على الداعية أن يدعو إلى الحق بكل وسيلة، ولا يشترط أن يرى ثمرة عمله، فقد لا يراها أبدا، لكن ذلك لا يعني أنها لن تنمو. من أسس الدعوة البلاغ، فالمطلوب البلاغ، وأما الهداية فمن الله تعالى ، فإذا استقر هذا في نفس الداعية استراح من الشكوى من إعراض الناس.
تاسعا: هذه الأجيال أمانة في الأعناق.
ـ فيجب على الداعية أن يكون قدوة لهم في سلوكه وأفعاله، فإن الناس ينظرون إلى سلوك الداعية أكثر من نظرهم إلى كلامه، فمهمته كبيرة، لذا يجب عليه أن يحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة، فما كان مباحا في حق الناس قد يكون مكروها في حقه لمنزلته. الأعداء يجتهدون في هدم الأجيال، والدعاة على اختلاف مراكزهم لابد وأن يستشعروا هذا الخطر، وأن يفهموا عظم الأمانة التي بين أيديهم، وليعلموا أنهم هم الحصن الحصين لهذه الأجيال من كيد الأعداء، فالله الله فيهم. ليعلم الداعية أن الحق هو الباقي، وأن ما يقذف به من كلمات تحمل الهدى هي الباقية، أما ما يدعو به أهل الباطل فإنه سيذهب جفاء في يوما ما وإن طال.
عاشرا: عماد الداعية في دعوته الناس: رفقه وبشاشته، وحسن كلامه، ونجدته لكل ملهوف.
ـ ليس المطلوب أن يلقي الداعية كلماته ثم يمضي لا يشارك الناس أحزانهم وأفراحهم، إنما المطلوب أن يخالطهم وينفذ إلى قلوبهم بحسن الكلام والبشاشة والنجدة لكل ملهوف، فذلك يقبل بقلوبهم إليه، فيمكن تغيير أحوالهم. الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم..
من خالط الناس ونزل منازلهم ثم ارتقى بهم إلى الإيمان والتقوى والعمل الصالح
و شكراا