الوسم: الإعلام
قاموس الإعلام و الاتصال
اللغة والإعلام:
يتفق اللغويون المحدثون ومتتبعو الدراسات الألسنية، على أن التحديد الدقيق لمفهوم اللغة لم يزل غير محسوم نهائياً. إنما هناك ما يشبه الإجماع عند الألسنيين على أن اللغة تنظيم معين من الإشارات، أحد أهدافه الأساسية تأمين الاتصال والتواصل.
الإعلام:
الإعلام عملية اتصال. وهو قبل كل شيء إقامة اتصال بين فرد او جماعة، لديه رسالة Message يريد ايصالها الى فرد او جماعة آخرين. ولكي يقوم هذا الاتصال لابد من توافر أربعة عناصر: مرسل، مستقبل، قناة اتصال ورسالة.
الإنشاء الإعلامي:
لا ضير من تسمية اللغة المستخدمة في الإعلام “انشاءً اعلامياً” أو “كتابة اعلامية”. وليس للانشاء الاعلامي وجود مستقل عن اللغة في معناها الواسع. فهو جزء مميز منها. مميز في طريقة الصياغة، وفي التعامل مع الاشارات والرموز والمرسلة والملتقطة. جزء مميز له قواعده واصوله وعناصره وسماته.
الصحافة:
يصعب الاتفاق على تعريف واحد للصحافة. ففي حين يعتبرها البعض “إنتاجاً صناعياً وخلقاً فكرياً في آن واحد” (بيار البير)، يعتبرها آخرون “مهنة مكرسة للصالح العام، ولفضح الألاعيب والشرور وعدم الكفاءة في الشؤون العامة. مهنة لا تؤثر الحزبية في ممارستها، بل تكون عادلة ومنصفة لأصحاب الآراء المعارضة” (أدولف أوخس).
اتجاهات الصحف:
يمكن تقسيم اتجاهات الصحف الى ثلاثة: الصحف الملتزمة، والصحف المستقلة، والصحف الرسمية.
الصحيفة الملتزمة:
هي التي تنطق باسم حزب او جماعة او دين او مذهب، فتدعو – مباشرة وغير مباشرة- الى عقيدة او فكرة، وتسم موادها الاعلامية بسمتها الخاصة، وتدافع عن افكارها.
الصحيفة المستقلة:
هي التي لا تنتمي الى حزب او جماعة، بل ترى في نقل الحقيقة كما هي ومن جميع مصادرها هدفاً اساسياً، بالاضافة الى اهداف ثانوية تتعلق باشباع رغبات القارئ والاستجابة الى رغباته المشروعة والترفيه عنه او مده بالثقافة.
الصحيفة الرسمية:
هي التي تشرف عليها الدولة لتشرح سياساتها ومواقفها في شتى الميادين ولتخدم مصالح ادارتها.
مقالات الأخبار:
يمكن تقسيم مقالات الأخبار ا لى الأنواع التالية:
1- النبأ الموجز 2- المقال الإخباري القصير 3- المقال المصهور 4- التقرير الإخباري 5- ريبورتاج 6- مقابلة صحفية 7- وصف لشخصية ما عبر مقال صحفي 8- التحقيق الصحفي
أ- النبأ الموجز- المقال الإخباري لقصير- المقال المصهور: هي وحدات تحليلية يكتبها ويحررها صحفيون يعملون داخل الجريدة. وهي تعتبر المواد الأساسية التي يحررها الصحفيون داخل الجريدة إعتماداً على الأنباء التي تصل اليها عبر وكالات الأنباء والصحفيون.
ب- التقرير الإخباري- الريبورتاج- المقابلة الصحفية: من أجل كتابتها يذهب الصحفي عادة الى مكان الحدث لجلب المصادر الإخبارية التي يمكنها مساعدته عن طريق إعطائه المعلومات اللازمة.
خصائص الأنواع الصحفية:
1- النبأ الصحفي الموجز: إن النبأ الصحفي الموجز يجيب على الأسئلة التالية: من- ماذا- متى- أين. وعادة لا يتجاوز طول نص النبأ الصحفي الموجز فقرة واحدة التي تكون متألفة من 5-6 أسطر.
2- المقال الإخباري: يجيب المقال الإخباري القصير بشكل متصل على الأسئلة التالية: من- ماذا- متى- أين. ويتألف المقال الإخباري القصير من ثلاث أو أربع فقرات ويكون عادة برقية وكالة أنباء ُتنشر في الصحيفة بدون أي تغيير يُذكر.
3- المقال المصهور: هو إعادة كتابة مجموعة أخبار متفرقة في مقال واحد. أما مصادر هذه الأخبار فهي وكالات الأنباء- المراسلين الصحفيين- قسم التوثيق في الجريدة.
4- التقرير الإخباري: يعطي القارئ المعلومات الأساسية حول حدث ما، ويتضمن إختيار المعلومات المرتبطة بالحدث ويتطلب أيضاً وجود الصحفي في مكان الحدث لينقل الوقائع التي شاهدها ويترك للقارئ حرية الحكم عليها.
5- الريبورتاج: توجد تقنية لكتابة الريبورتاج وهي تشمل تجميع المعلومات اللازمة حول المواضيع التالية:
أسماء أبطال الحدث، أعمارهم، طريقة تعبيرهم، طرائق ومشاهدات حول الموضوع، الجو العام الذي جرى فيه الحدث. وقبل كتابة الريبورتاج يسأل الصحفي نفسه: ما هي الرسالة التي أنوي إيصالها؟
6- المقابلة الصحفية: هو حديث يجريه الصحفي مع شخصية أدبية- سياسية أو شخص ما كان شاهداً على حدث ما. وهو حديث ثنائي إجمالاً بين صحفيّ ومحاوره.
7- وصف شخصية عبر مقال صحفي: هذا النوع الصحفي يساعد القارئ على معرفة بعض المعلومات عن الشخصية التي يكتب عنها من خلال الحديث عن مزايا الشخص، شكله الخارجي، طريقة تعبيره، عاداته، ماذا كان يعمل، ما هي مشاريعه.
8- التحقيق الصحفي: يبحث ويفضح إشكالاً ما سياسياً أو إجتماعياً. وهو يشبه البحث العلمي لكنه يختلف في الاسلوب.
9- مقالات الرأي: وهي:
1- الإفتتاحية: مقال صحفي تكتبه شخصية مهمة في الجريدة. من المؤكد أنه يعبّر عن رأي الجريدة.
2- مقال نقدي: وهو مقال مخصص لنقد المواقف والأعمال والكتّاب وسواهم.
3- الحديث: مقال موقّع من قبل صحفي مهم يتناول بأسلوب مشوّق موضوعاً ثقافياً أو إجتماعياً.
مأخوذة من كتاب ” المصطلحات السياسية الشائعة ” للأستاذ فهد بن عبدالله الربيعة
أرستقراطية :
تعني باللغة اليونانية سُلطة خواص الناس، وسياسياً تعني طبقة اجتماعية ذات منـزلة عليا تتميز بكونها موضع اعتبار المجتمع ، وتتكون من الأعيان الذين وصلوا إلى مراتبهم ودورهم في المجتمع عن طريق الوراثة ،واستقرت هذه المراتب على أدوار الطبقات الاجتماعية الأخرى، وكانت طبقة الارستقراطية تتمثل في الأشراف الذين كانوا ضد الملكية في القرون الوسطى ،وعندما ثبتت سلطة الملوك بإقامة الدولة الحديثة تقلصت صلاحية هذه الطبقة السياسية واحتفظت بالامتيازات المنفعية، وتتعارض الارستقراطية مع الديمقراطية.
أنثروبولوجيا :
تعني باللغة اليونانية علم الإنسان ، وتدرس الأنثروبولوجيا نشأة الإنسان وتطوره وتميزه عن المجموعات الحيوانية ،كما أنها تقسم الجماعات الإنسانية إلى سلالات وفق أسس بيولوجية، وتدرس ثقافته ونشاطه.
أيديولوجية:
هي ناتج عملية تكوين نسق فكري عام يفسر الطبيعة والمجتمع والفرد، ويحدد موقف فكري معين يربط الأفكار في مختلف الميادين الفكرية والسياسية والأخلاقية والفلسفية.
أنثروبولوجيا :
تعني باللغة اليونانية علم الإنسان ، وتدرس الأنثروبولوجيا نشأة الإنسان وتطوره وتميزه عن المجموعات الحيوانية ،كما أنها تقسم الجماعات الإنسانية إلى سلالات وفق أسس بيولوجية، وتدرس ثقافته ونشاطه.
أيديولوجية:
هي ناتج عملية تكوين نسق فكري عام يفسر الطبيعة والمجتمع والفرد، ويحدد موقف فكري معين يربط الأفكار في مختلف الميادين الفكرية والسياسية والأخلاقية والفلسفية.
أوتوقراطية :
مصطلح يطلق على الحكومة التي يرأسها شخص واحد، أو جماعة، أو حزب، لا يتقيد بدستور أو قانون، ويتمثل هذا الحكم في الاستبداد في إطلاق سلطات الفرد أو الحزب، وتوجد الأوتوقراطية في الأحزاب الفاشية أو الشبيهة بها، وتعني الكلمة باللاتينية الحكم الإلهي، أي أن وصول الشخص للحكم تم بموافقة إلهية، والاوتوقراطي هو الذي يحكم حكمًا مطلقًا ويقرر السياسة دون أية مساهمة من الجماعة، وتختلف الاوتوقراطية عن الديكتاتورية من حيث أن السلطة في الأوتوقراطية تخضع لولاء الرعية، بينما في الدكتاتورية فإن المحكومين يخضعون للسلطة بدافع الخوف وحده.
براغماتية (ذرائعية) :
براغماتية اسم مشتق من اللفظ اليوناني ” براغما ” ومعناه العمل، وهي مذهب فلسفي – سياسي يعتبر نجاح العمل المعيار الوحيد للحقيقة؛ فالسياسي البراغماتي يدعّي دائماً بأنه يتصرف ويعمل من خلال النظر إلى النتائج العملية المثمرة التي قد يؤدي إليها قراره، وهو لا يتخذ قراره بوحي من فكرة مسبقة أو أيديولوجية سياسية محددة ، وإنما من خلال النتيجة المتوقعة لعمل . والبراغماتيون لا يعترفون بوجود أنظمة ديمقراطية مثالية إلا أنهم في الواقع ينادون بأيديولوجية مثالية مستترة قائمة على الحرية المطلقة ، ومعاداة كل النظريات الشمولية وأولها الماركسية.
بروسترايكا :
هي عملية إعادة البناء في الاتحاد السوفيتي التي تولاها ميخائيل جورباتشوف وتشمل جميع النواحي في الاتحاد السوفيتي ، وقد سخر الحزب الشيوعي الحاكم لتحقيقها ، وهي تفكير وسياسة جديدة للاتحاد السوفيتي ونظرته للعالم ، وقد أدت تلك السياسة إلى اتخاذ مواقف غير متشددة تجاه بعض القضايا الدولية ، كما أنها اتسمت بالليونة والتخلي عن السياسات المتشددة للحزب الشيوعي السوفيتي .
5/نظـريـة سـامنـر وليـام:
تقوم هذه النظرية على أنها مبنية على الطرق الشعبية أو العادات الإجتماعية بل هي المحتوى الأساسي للثقافة وهذه الطرق والعادات والتقاليد والآداب تشتق وجودها من التجربة الإجتماعية ومن خلال تفاعل الأفراد وتعاملهم مع بعضهم البعض.
يشير سامنر أن التصارع من أجل البقاء هو ضروري أي بقاء تلك الثقافة عنده أيضا تكون تلقائية وتتكون لدى الجماعة بصورة واعية ودون تأمل لأنها تبدأ بصورة عشوائية في تلبية حاجات الإنسان الطبيعية فينشأ الفرد وهو يجد نفسه أمام رصيد مدخر من العادات التي اتفقت عليها الجماعة فالعادات إذا سابقة على الفرد وتتموضع وتنمو مع التجربة دون تفكير منطقي في إيجادها ثم يكمل الفرد بناءها لأنه سوف يكون ملزما بمراعاتها حتى يحدث الإنسجام بينه وبين جماعته.
يقول سامنر:”إن الطرق الشعبية ليست من تكوين الذكاء البشري وليست من اتكار التأمل العقلي الهادف إن مثلها كنتائج القوى الطبيعية التي يستخدمها الناس ويسخرونها لتحقيق أغراضهم دون وعي منهم والتي تنمو مع التجربة…”خصــوصيــات الثقــافــة:
خصـائـص الثقـافـة:
1/الثقافة نتاج إجتماعي إنساني:
إذ لا وجود لثقافة دون مجتمع ودون إنسان ولا يمكن أن نجد مجتمعا بدون ثقافة بل هناك من يصف الثقافة بأنها بشرية المجتمعات الإنسانية وهي تشمل جميع نواحي التراث الإجتماعي فكل ما يميز الحياة الإجتماعية عند الإنسان ومعنى إجتماعية الثقافة أن الأفراد يعيشون في جماعات منظمة ويشتركون في آدات أفعاله وسلوكاتهم كما إشتراكهم في قيمهم الثقافية.الثقافة نتاج يشترك فيه الأفراد من خلال الناحية المادية.
2/الثقافة ظاهرة تكيفية:
الثقافة تتغير وعملية تغير الثقافة هي تكيفية إذ تميل الثقافات إلى فترات زمنية معينة إلى التكيف مع البيئة الجغرافية وتكيف كذلك عن طريق الإستعارة والتنظيم (جسر فرانسيسكو) وذلك بنسبة البيئة الإجتماعية للشعوب المجاورة.
ملاحظة:يشير الباحثون الأنتروبولوجيون إلى وجود فرق بين مفهوم التغير الثقافي بصفة تكيفية وبين التغير الثقافي كعملية تاريخية.مثال: الفياضانات كعملية تاريخية تغير من ظروف المجتمع ومن ثقافته وكذلك الصلات التاريخية ما بين الشعوب.
3/الثقافة مكتسبة:
إن الثقافة لا تورث بيولوجيا عبر الجينات الوراثية بل تتكون من العادات التي يكتسبها كل فرد خلال خبرات حياته تتضمن الثقافة السلوك الذي يرتبط بتوقعات الجماعة التي يتعلمها الفرد خلال عملية التنشئة الإج ويكتسب الأفراد الثقافة من خلال صلاتهم وعلاقاتهم ببعض وتلعب اللغة دورا كبيرا في ذلك.
4/الثقافة إنتقالية تراكمية:
الثقافة تنتقل من جيل لآخر وذلك على شكل عادات وتقاليد ونظم وأفكار ومعارف وذلك عن طريق المخلفات المادية(الأهرام،سور الصين موسم جني الزيتون والرموز اللغوية كذلك) فهي تنتقل من وسط إجتماعي إلى وسط إجتماعي آخر (مطاعم ماكدونالد) وهذا معنى أنها تراكمية أي أن الفرد يستطيع أن يبني على أساس منجزات الأجيال السابقة فيضيف ويعدل بحسب السياق أيضا تلعب اللغة الأداة التي تتراكم بها الثقافة .
بأخذ نموذج عالم الأخبار والصور تفهم على سبيل المثال عملية تراكم وانتقال المفاهيم بالنسبة للممارسات الإعلامية.
5/الثقافة مثالية:
ينظر إلى العادات الإجتماعية التي تكون الثقافة على أنها نماذج مثالية ينبغي على أفراد الجماعة أو المجتمع أن يمتثلوا لها ويتكيفوا معها فالأفراد دائما يظهرون وعيا بمعاييرهم الثقافية الخاصة بهم ويبنون سلوكاتهم وفقها.
مثلا:ظاهرة الإستعراضات في بعض دول أمريكا الجنوبية الكارنفالات تمثل هذه الظاهرة سياق مثالي لدى المحتمع الصيني فالتنكر ثقافيا يمثل حلقة اتصالية ثقافية واستمرت من جيل لآخر فأصبحت متراكمة.
دور وسائل الإعلام في تشكيل المجتمع
تعدّ وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة مصدرًا مهمًا من مصادر التوجيه والتثقيف في أي مجتمع، وهي ذات تأثير كبير في جماهير المتلقين المختلفين، المتباينين في اهتماماتهم وتوجهاتهم ومستوياتهم الفكرية والأكاديمية والاجتماعية.
وهذا ما يكسبها أهميتها في عملية بناء المجتمعات، ويمكن الزعم بأنها احد العناصر الأساسية في المساهِمة في تشكيل ملامح المجتمعات. وإذا كان دور وسائل الإعلام في أي بيئة مجتمعية يتحدد بالأثر الذي تستطيع أن تحدثه فيها، فمن الممكن أن نقسّم وسائل الإعلام باعتبار تأثيرها في المجتمعات قسمين: قسم مؤثر وفاعل، وقسم غير مؤثر وغير فاعل.
كما يمكن تفريع القسم الأول منهما إلى اتجاهين: سلبي وإيجابي، وذلك باعتبار الهدف الذي يسعى إليه القائمون على كل اتجاه، ولأن الإيجابية والسلبية من الأحكام النسبية، ليست ثابتة أو محددة.
فإن الضابط الذي يُستخدم هذين الحكمين على أساسه هنا هو ضابط الانسجام مع متطلبات الهوية العربية الإسلامية في ما يُقدَّم إعلاميًا عبر القنوات المختلفة، من حيث طبيعة المادة المقدمة، وما ترسخه من قيم فكرية وثقافية واجتماعية.
ويختلف القسم الثاني، وهو قسم وسائل الإعلام غير المؤثرة عن الاتجاه السلبي من القسم الأول في الجوهر الأساسي للموضوع، وهو حقيقة الدور الذي يؤديه كل منهما في تشكيل المجتمع وبنائه؛ فوسائل الإعلام غير المؤثرة أو الفاعلة لا تؤدي أي دور في المجتمع، وبالتالي لا تقوده إلى أي اتجاه.
وهي غير معنية بما تقدمه للمجتمع وأفراده، ولا تقوم بأكثر من التوصيل لكن دون أسس واضحة، ودون معرفة حقيقية بما يجب أن يقدم، وما يجب أن تكون له الأولوية من بين ما يقدم.
والقائمون على مثل هذا النوع من وسائل الإعلام هم الذين دخلوا السلك الإعلامي إما مصادفة، أو دون رغبة أصيلة في الممارسة الإعلامية، أو دون هدف أو وعي حقيقي بالدور الذي تتحمل المؤسسة الإعلامية عبئه، لتكون ذات فائدة ونفع للمجتمع.
أما الاتجاه السلبي من القسم ذي التأثير في المجتمع فيختلف من حيث وجود الهدف، ووضوح الرؤية والوسيلة أو الأداة التي تساعد على تحقيق الهدف، والقائمون عليه لا يتحركون خبط عشواء.
إنما وفق خطط ومنهجيات مدروسة بعناية، وهم يملكون تصورًا واضحًا لما يريدون الوصول إليه، ويسعون جاهدين إلى تحقيقه -أو هكذا يبدو- وكأنهم يريدون أن ينشروا ثقافة أو فكرًا أو نمطًا حياتيًا وسلوكيًا بين أفراد المجتمع.
وإذا كان ضابط الإيجابية والسلبية -كما تحدد في هذا المقال- هو الانسجام مع متطلبات الهوية العربية والإسلامية فإن الكثيرين يمكن أن يتفقوا على أن ما يُقدم إعلاميًا عبر الوسائل المختلفة المتوافرة في الدولة، والمتكاثرة -أو المتوالدة- يومًا بعد يوم يتوزع ما بين قطبي السلب والإيجاب.
ولأن سطور مقالة واحدة لا تكفي للكلام بشمولية عن الواقع الإعلامي في الدولة، فإنني سأكتفي بمثال واحد وهو الإعلام المسموع، أو الراديو، الذي لم يخبُ أثره، ولم يقل عدد المستمعين إليه، والمتأثرين به، والمتفاعلين معه.
ومع ما يقدم عبر أثيره من برامج رغم ظهور بدائل أخرى كثيرة، ربما تفوقه في كثير من المميزات، إلا أنه ظل محتفظًا بسحره مثبتًا قدرته على الاحتفاظ بجمهور عريض حريص على التواصل، بل والتنافس في ذلك، مع ما يكلفه هذا التواصل الحثيث من بذل وقت ومال لتحقيقه.
إن مثل هذه الصفات التي توافرت للإعلام المسموع جديرة بأن تجعله قبلة لأصحاب الفكر الهادف، الواعي بما يحدق بالأمة العربية والإسلامية من مخاطر، وما تعانيه من ضغوطات على جميع المستويات، وما تمرّ به الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج من حروب ومآس وحصار واحتلال.
لقد كان من الأولى أن يُستغَل الإعلام المسموع لتوعية الأجيال الشابة بقضايا أمتها وبواقعها المعاصر، لتنشأ نشأة مختلفة عما نراه اليوم بين شبابنا، الذين يتعرضون لتسطيح إعلامي يأخذهم نحو الانشغال بالأمور التافهة والشكلية، ويلهيهم عن القضايا المهمة والمصيرية، فنتج لدينا جيل جميل الشكل لكنه مجوّف.
ومفرّغ من الداخل، يتداعى مع أول هبة ريح، ولا تجدي محاولاتنا بعد ذلك في جبر الكسور الكثيرة المترتبة على سقوطه السهل لأنه هش وأضعف من أن يخضع لأي عملية إصلاح.
إن حالة الخواء الثقافي والفكري التي نلاحظها في كثير من شبابنا هذه الأيام لم تأتِ من فراغ، ولكنها نتيجة ما يتعرض له هؤلاء الشباب من قِبَل وسائل إعلام إما لا تعرف حقيقة دورها وأثرها في المجتمع، أو انها تعرف ذلك وتدركه جيدًا وتوظف تلك المعرفة وذلك الإدراك لإنشاء جيل من الشباب الأجوف، اللاهي بملذات الحياة وشكلياتها.
وكأن الدنيا أصبحت محصورة فيها، فأصبحنا نكرسها ونرسخ الاهتمام بها عبر وسائل إعلامنا الموقرة في كل لحظة، وبكل وسيلة، لا نوفر جهدًا ولا وقتًا، مغفلين القضايا الحقيقية والأمور المصيرية التي يجب أن نوجه إليها شبابنا كي يكونوا عدّة لنا في المستقبل وسط عالم يمور بالمتغيرات.
إن الإعلام أمانة ومسؤولية، والمؤسسة الإعلامية كالمؤسسة التربوية من حيث أثرها في تشكيل بنية المجتمعات ورسم ملامحها، وقد يتفوق أثر المؤسسة الإعلامية على التربوية نتيجة عوامل مختلفة، منها طبيعة المادة التي تقدمها كل منهما ومدى مناسبتها لأهواء المتلقين.
وتنوع أشكال المؤسسات الإعلامية، ومرافقتها لأفراد المجتمع في مختلف الأوقات والأماكن بعكس المؤسسة التربوية، وغير ذلك من عوامل، مما يستوجب استثمار الإعلام في توجيه شبابنا نحو ما يعود بالخير والنفع على مجتمعنا على الأمد البعيد؛ فالأجيال التي تنشأ على متابعة سباقات الأغاني، وتوزيع التحيات الصباحية شرقًا وغربًا.
وإرسال إهداءات الأغاني صباحًا ومساء، لن تستطيع أن تقدم شيئًا مفيدًا لمجتمعها ولوطنها، ولن تستطيع أن تنقل معرفة حقيقية للأجيال اللاحقة، وقد تكون حلقة في سلسلة لا يستطيع أحد أن يتوقع طولها.د. فاطمة البريكي, جامعة الإمارات, المصدر: البيان الإماراتية-7-4-2006
الإعلام الثقافي والهوية
الإعلام الثقافي والهوية
الإعلام الثقافي والهوية
:
يصعب على غير المشتغلين أو المهتمين بالثقافة والإعلام أن يقوموا بدور فاعل وحيوي في الإعلام الثقافي ، سواء أكان ذلك في الإذاعة أو التليفزيون أو الصحافة أو أية وسيلة من الوسائل الإعلامية أو التثقيفية المقروءة أو المسموعة أو المشاهدة ، فإن لم يتوفر قدر مناسب من الثقافة والمعرفة فلن يتمكن هؤلاء من القيام بهذه المهمة الصعبة ، التي لها آثار ونتائج بعيدة المدى في إنجاح خطط التنمية ، وزيادة وعي ومشاركة وتفاعل الأفراد في المجتمع . ومن هذه الرؤية يتضح أهمية أن يكون الإعلامي الذي يود أن يضع أو يصيغ أو يخطط أو ينفذ برامج وسياسات الإعلام الثقافي على دراية بالثقافة والتثقيف وأهمية المثقف ، وأثر الواقع عليه ، وأهمية الهوية والحفاظ عليها ، وطبيعة الهوية الثقافية للمجتمع العربي ، والهوية وأزمات المثقف العربي ، ودور المثقف في الحفاظ على الهوية ، وما يطرح من قضايا العولمة وسعي بعض أصحاب الثقافات للهيمنة ، إن مدى وعي وإدراك الإعلامي الراغب في العمل في مجال الإعلام الثقافي لهذه القضايا يجعله على المستوى اللائق للعمل الجاد في هذا المجال
.المثقف وتحديات الواقـع
على المشتغل في وسائل الإعلام عامة والإعلام الثقافي خاصة أن يدرك أن المثقف العربي يواجه تحديات راهنة عميقة ، داخلية وخارجية ، وقد اعتدنا أن نستمرئ إحالة الانكسارات إلى المفاعيل الخارجية في هروب واضح من تحميل أنفسنا المسؤولية إزاء الكثير من أوضاعنا المحلية ، التي تراكمت سلبياتها داخل حياتنا عبر قرون عديدة ساهمت فيها منظومات الاستعمار والاحتلال والتخلف والاستغلال الاقتصادي والأفكار الجامدة ، والتي مجتمعة عطلت التفكير ، وأدت هذه المنظومات إلى أن يكون التخلف العلمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي من نصيب شعوب كثيرة ومنها منطقتنا العربية ، وعليه ازداد العبء الذي يواجه المثقف العربي والدور المناط به ، فعليه الآن أن يدخل إلى جوهر الصراع بين التقدم والتخلف ليكون له دورٌ مؤثرٌ وإيجابي في تخليص النظم الاجتماعية والفكرية من جمودها
.
ليس من اللائق بالمثقف العربي أن يربأ بنفسه عن حاجات مجتمعه وقضاياه الكبيرة ليدخل إلى التنظير والتجريد ، ويضع نفسه في صف النخبة متجاهلاً رسالته الثقافية والاجتماعية ، وعليه أن يتصدى بشكل واضح ضد النظم التربوية والتعليمية التي تجعل من العقل العربي مقلداً وناقلاً ومستظهراً، وكأن هناك مخططا لإماتة ملكة الإبداع والبحث والتفكير العلمي.
فالمثقف الذي يلتزم بقضايا أمته هو الذي يتفاعل إيجابياً مع مشاكلها ويستغرق في همومها ، ولا بد أنه سيصدم حين يعاين النسبة المرتفعة للأمية، أمية القراءة والكتابة ، ويرى تَعَطُّل التفكير المنهجي ، وكيف يزدحم التفكير العربي بالخرافة والإشاعة والاستسلام مما يقعده عن العمل للمستقبل ، المثقف العربي يكتشف يومياً عمق الرداءة الثقافية التي تبثها الفضائيات إلى جمهور عريض يظن نفسه قد أصبح مثقفاً ، لذا عليه أن يتصدى لهذه الرداءة وأن يتفاعل مع الوسائل المختلفة للإعلام ليقدم رؤيته وآرائه .
إن الإنسان بشكل عام يكون مغلوباً على أمره إزاء القهر الذي يمارس عليه ، وعلى حقوقه السياسية والأساسية ، لدرجة قد يظن البعض أنه لا يعي ذلك ، وإذا وعاه لا يملك أدوات مقاومته ، والدفاع عن المقهورين هو الدور الطليعي للمثقف . ولنا أن نتساءل عن تحديات عديدة تواجه المثقف العربي ، تحتاج منه إلى موقف وجرأة النقد والتناول ، حيث يشيع لدى المواطن العربي الإحباط السياسي ، والثقافي ، وجلد الذات ، والانكسارات المتوالية ، والبيروقراطيـة ، في حيـن أن رغبته هي في حيـاة ديمقراطية حقيقية في مجتمع يحترم مواطنيه ويعمل على رفاهيتهم … الخ
.
ويلاحظ ظهور العديد من الهيئات الثقافية التي تتجاوز القطرية والقومية إلى الإقليمية أو الدولية بهدف التأثير ثقافياً في الشرائح الاجتماعية المختلفة ، خاصة في البلدان المتخلفة والفقيرة لتغيير نظم وأنماط الحياة السائدة لمصلحة القوى المتحكمة في الاقتصاد والاستهلاك .. فأين يقف المثقف والإعلام الثقافي أمام هذا الواقع وهذه التحديات ؟!
إن انصباب جهود بعض المثقفين العرب على النقل النظري لأفكار الغرب بحجة الإطلاع إن لم يصاحبها إعمال لطاقة العقل العربي في الخلق والإبداع والمقارنة ، ستحيلنا إلى هيمنة أعمق تحوّل المثقف إلى مجرد ناقل ، ونحن نريده قادراً على تنوير وقيادة فكر وثقافة الأمة للنهوض والمستقبل. يقول الكاتب محمد سعيد مضية : أنه” في ظروف العزلة والاغتراب اقتصرت جهود المثقفين العرب على مهمة نقل أنساق فكرية من الغرب إلى الوطن العربي أفلحت في تعميق التبعية وإطالة أمدها وأوهنت طاقة الإبداع وإنتاج المعرفة بالواقع العربي ومشكلاته وبقضاياه العيانية وأوهنت من قدرة المثقف على قيادة الأمة على دروب النهوض الحضاري وتحرير الإنسان العربي” (1) .
فالمثقف العربي أمامه تحدي خلق الاستجابة المجتمعية للتفكير العلمي ، وأن يكون في طليعة الرافضين للاحتواء والقطرية والمحلية ، فالانفتاح على العالم لا يعني الهيمنة . إن التحدي الحقيقي للمثقف العربي هو في قدرته على تخليص المجتمع العربي من إحباط وفشل التجارب السابقة التي تسعى ثقافة الهيمنة إلى ترسيخها ، ليصبح العجز والفشل جزءاً من مكونات العقل العربي، لذا فهو من خلال مثابرته بنشر أفكاره من خلال الوسائل الإعلامية ووسائل الإعلام الثقافي يمكن أن يشكل مع غيره التغيير المطلوب
.الهويـــة
:” إن معرفة القائمين على برامج الإعلام الثقافي بمدلولات هويتنا التي ترتكز على مجمل تراثنا الحضاري يساعد في وضع برامج ثقافية ذات خصوصية للحفاظ على جوهر الانتماء ، وتبقى هويتنا في ثقافتنا العربية الإسلامية هي ” الامتياز عن الغير من كافة النواحي ” ، والجرجاني عرّف الهوية بأنها ” الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق ” ، وفي الكتابات الأدبية والنقدية والفكرية تعريفات عديدة منها أن الهوية تعبر عن ” خاصية المطابقة ، مطابقة الشيء لنفسه أو مطابقته لمثيله”، والهوية هي حقيقة الشيء .. التي تميزه عن غيره ” .
يقول يوسف مكي عن الهوية ” هي مجموع السمات الروحية والفكرية والعاطفية الخاصة التي تميز مجتمعا بعينه وطرائق الحياة ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات وطرائق الإنتاج الاقتصادي والحقوق ، وهي الوعي المتطور للفكر الإنساني والإنجاز الرائع “
(2) .
وعليه فالهوية في معناها العام رغم اختلاف التوصيفات هي خصوصية الفرد أو المجتمع عن أفراد أو مجتمعات أخرى ، من حيث القيم والمعتقدات والموروثات والتراث ، بحيث يصبح للمجتمع أو الأمة ما يميزها عن غيرها ويطبعها بطابع حضاري خاص تُعرف به .
ويمكن أن نلاحظ أن أي جزء من الهوية الفردية أو الجماعية يشكلها النقاش والحوار والصراع مع الآخر ، فليس هناك هوية تكون منقطعة الوشائج مع غيرها نهائياً ، أو تشكلت من ذاتها دون أن يكون لعوامل كثيرة أثراً في تشكلها
.
لذا فيمكن ملاحظة تعدد الهويات في مجتمعنا الإنساني الذي حتما تصاحبها تعدد في الخصوصيات ، لذا نشأت العلاقات الثقافية والحضارية والإنسانية بين الشعوب في شكل من التأثر والتأثير دون تنازل عن الخصوصية أو ذوبان الأنساق الخاصة المكونة لكل هوية من الهويات . وهذه الأنساق التي تشكل الهويات للمجموعات الإنسانية المختلفة وعلى مر الصراع الإنساني في البيئات البشرية المتعددة لم تؤدِ ـ ولن تؤدي ـ إلى وجود هوية واحدة للجميع مهما اشتد الصراع والرغبة في الهيمنة ، ذلك لأن الهوية مُكوِّن يدخل في صلب وجود الجماعات وتمايزها .
إن انطلاق الإعلامي والمثقف من وعيه لطبيعة مكونات هوية أمته التي ينتمي إليها ، وقناعته بهذه المكونات ، هو الذي يشكل له خطة وخطاب الدفاع عن الهوية ، وبرنامج العمل والفكر والإبداع والانطلاق ، ليعمل من خلال الإعلام وغيره على تحصين ثقافة أمته ضد التيارات الثقافية الغازية ، ويدعوه لمنطلقات تجديدية مدروسة تفتح آفاق المستقبل والفكر والوعي ، والأخذ من الثقافات ما يناسب هوية الأمة للتحسين والتطوير دون انغلاق على الذات أو استسلام إلى الآخر .
جاء في إعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي ” تتشكل جميع الثقافات بما فيها من تنوع خصب وما بينها من تباين وتأثير متبادل كجزء من التراث الذي يشترك في ملكيته البشر جميعاً ” . وهنا حض على التنوع والتباين والتبادل وليس على هيمنة هوية ثقافية على أخرى ، فالمثقف العربي أمامه تحد كبير في هذا الجانب ، وعليه مسؤولية جسيمة في التصدي ، وفي فتح فضاءات جديدة عصرية مفيدة وضرورية يسانده في ذلك إعلام قويالمصدر :
اسم الكتاب :الاعلام الثقافي في الاذاعة والتليفزيون
اسم المؤلف: د.عبدالله تايه
[
رد مع اقتباس
- 08-09-2009 17:50
#2
الملاك
l عضو مميز l <a href="http://javascript://” target=”_blank” rel=”nofollow”> <a href="http://javascript://” target=”_blank” rel=”nofollow”> <a href="http://javascript://” target=”_blank” rel=”nofollow”>حـالـة التـواجـد :
تاريخ التسجيل : Feb 2022
مكان الإقــامــة : الجزائر – سطيف – العلمة
الـجـــــنـــــس : ذكر
الــــعـــــمـــــر : 21
المشـاركــــات : 255
معدل تقييم المستوى:466
قــوة الترشيح :رقمية، الإعلام والثقافة بالمغرب
محمد أسليـمتتيح ورقة عمل هذه الندوة التقاط ثلاثة مفاهيم تقع في صلب الراهنية، وهي: الرقمية، الإعلام والثقافة، وستشكل محور هذه المداخلة التي تتمحور حول الفكرة البسيطة التالية: نحن في مجتمع يباشر، كسائرمجتمعات دول العالم الثالث والجنوب عموما، الخطوات الأولى في عملية التحديث، مما يعني عدم اكتمال عصرنة جميع قطاعاته ومؤسساته بعد، بل إن مجموعة من هذه المؤسسات لا زالت قيد التشكل لا غير، لكنه يشهد الآن مداهمة تحولات قسرية كبرى تفد إليه من المكان نفسه الذي داهمتنا منه الحداثة، وهو الغرب الذي يطالب سائر المجموعات البشرية اليوم الانخراط في عملية ما يسمى بـ « ما بعد الحداثة». فهل يكون هذا مناسبة لحرق المراحل عبر إجراء طفرة تتيح تدارك ما فات الوصول إليه على نحو ما يتحدث البعض عندما يعتبر الرقمية فرصة جديدة أمام دول الجنوب للحاق بالغرب أم سنخطئ هذا الدخول مثل سابقه؟ للاستجابة لهذا النداء، أيجب التخلي عن الورشات المفتوحة أم يتعين إغلاقها لفتح أخرى جديدة أم يجب العمل على واجهتين: واجهة مواصلة التحديث مع الدخول في ما بعد الحداثة في آن؟ لا تزعم هذه الورقة الإجابة عن هذه الأسئلة ولا تقديم وصفة سحرية للخروج من مأزقنا الجديد، وفي المقابل ستكتفي بمحاولة وصف بعض مما يجري الآن في القطاعات الثلاثة موضوع التأمل.
1. الرقمية:
بتعريف بسيط هي الثورة الصناعية الثالثة، ومثلما كان للثورتين السابقتين عناوين بارزة للحالية أيضا سماتها الجلية؛– الثورة الأولى انطلقت باكتشاف الفحم الحجري والآلة البخارية، مما أدى إلى تغيير في إدراك مقولة المكان وفتح الباب أمام التوسعات الاستعمارية الكبرى؛
– في الثانية تم اكتشاف الكهرباء والبترول، ما أدى إلى تغيير في مقولة الزمان عبر البث المباشر بواسطة المذياع والتلفزة، وظهور وسائل نقل جديدة، مما سيؤدي إلى كثافة الاتصال والتواصل وإعادة هيكلة المدن، الخ.
– أبرز ما يميز الثورة الرقمية التي انطلقت منذ سبعينيات القرن الماضي ظهور ما يسمى بـ «الآلات المفكرة» التي يتوقع أن ينجح بعضها في أداء مهام وعمليات ذهنية تفوق نظيرها لدى الإنسان متوسط الذكاء[1]. هذه الآلات تتيح مضاعفة الإنتاج وخفظ كلفته، مما يغرق الأسواق بالمنتوجات الصناعية بشكل غير مسبوق، من جهة، ويخفظ تدخل الإنسان في عمل أهم قطاعات الشغل في الأزمنة الحديثة، وهي الفلاحة والصناعة والخدمات، من جهة ثانية، وبالتالي انتشار البطالة بشكل غير مسبوق أيضا في الأزمنة الحديثة. ثمة من يرى أن الثورة الرقمية ستضع نهاية للعمل البشري المأجور نفسه، مما يحتم على المجتمعات الحالية إعادة التفكير في توزيع الترواث، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى ظهور ثقافة جديدة[2]. وبما أن الرقمية تدشن حضارة جديدة، فحديث النهايات صار يتردد اليوم في كل مكان: «نهاية التاريخ»، «نهاية العمل المأجور»، «نهاية السياسة»، «نهاية الأدب»، الخ.
الحاسوب الذي بدأ انتشاره منذ أوساط السبعينيات ويتوقع أن يتزايد انتشاره بشكل كبير بالنظر إلى أن أحد أهداف ما يسمى بـ «الأهداف الألفية للتمنية» OMD التي صاغتها الأمم المتحدة عام 2000 وضعُ التكنولوجيات الجدية، بالخصوص تكنولوجيات الإعلام والتواصل في متناول الجميع»[3]، نقول: الحاسوب هو أحد هذه الآلات المفكرة. وهو يتجاوز مجرد وسيط إلى كونه جهازا يختزل مجموعة من الأجهزة، ويتيح القفز على مؤسسات عريقة النشأة والرسوخ في المجتمعات البشرية. إليكم بعض الأمثلة:
– ثمة برامج في مجال تعدد الوسائط تتيح للمستخدم الفرد إذا ما تعلمها وأجاد استعمالها أن يمتلك بمفرده ما يعادل استدويو إذاعيا بكامله؛
– ثمة برامج معلوماتية تتيح للمستخدم بمفرده إنشاء محطة بث إذاعي، عبر شبكة الأنترنت، انطلاقا من منزله، تغطي مجموع أنحاء الأرض، مستغنيا ليس عن سائر آليات وطواقم محطات البث التقليدية فحسب، بل وكذلك عن الإجراءات الإدارية والقانونية الضرورية لإنشاء محطة مماثلة في العالم الواقعي ؛
– المراسلة بالبريد الإلكتروني تتيح التواصل السريع بين المرسل والمرسل إليه في وقت قياسي، وبتكلفة تكاد تبلغ الصفر، مما يجعل مقارنته بنظيره التقليدي غير واردة؛ لإرسال رسالة بالبريد العادي يجب: تحرير الصفحة، طيها، إدخالها في ظرف بريدي، تحرير العنوان في واجهة الظرف، إلصاق طابع البريدي في الظرف، إيداع الرسالة في صندوق رسائل البريد لتدخل في دورة من التدخلات: الفرز، الشحن برا أو جوا، الإيداع في مؤسسة بريد الاستقبال، الفرز، التسليم لساعي البريد، لتصل أخيرا، وبعد هذا كله، إلى المتلقي. مقابل ذلك، لدى استخدام البريد الإلكتروني، لا يتطلب وصول الرسالة إلى متلقيها سوى تحريرها والضغط على زر الإرسال، وها هو يستلمها في بضع ثوان أنى كان مسكنه في أرجاء الكوكب الأربعة.
وما قيل في الأمثلة السابقة يصدق أيضا على النشر الإلكتروني عبر الحاسوب والشبكة؛ امتلاك جهاز حاسوب ومساحة استضافة صار اليوم معادلا لامتلاك دار نشر بكاملها لبث سائر أنواع الملفات التي ظلت مهمة إيصالها إلى القراء حتى اليوم مقصورة على – بل ومن اختصاص – المطابع ودور النشر الورقية: كتب، مجلات، صحف. أكثر من ذلك، كلفة النشر الإلكتروني هي من القلة بحيث لا فائدة في المقارنة بينها وبين نظيرتها المادية، مما جعل المسألة نظريا في يد الجميع. وكون الشبكة قارة جديدة مفتوحة لكل الناس، لا تعود ملكيتها لأية جهة، فمن الطبيعي ألا تشهد عملية النشر كثافة غير مسبوقة فحسب، بل وتشهد أيضا ما يمكن أن يوصف بـ «الفوضى» و«التسيب» من منظور مصافي النشر التقليدي متمثلة في لجان القراءة بدور النشر وهيآت تحرير الصحف والمجلات. لم يعد إنتاج الخطاب اليوم مقصورا على أهله؛ صار بإمكان أي كان أن يلتقط أحداثا بجهازه الخلوي ويبثها في أحد مواقع مشاركة الأشرطة، مثل اليوطوب والـ myspace والـ dailymotion وغيرها، وها هو يستولي على قسم من عمل الصحافة وهو تقديم الروبورتاج الحي لحدث ما. والأمر نفسه ينطبق على قطاعات الأدب ونشر الخبر سياسيا كان أم ثقافيا؛ بالمثل، صار بإمكان أي كان أن يكتب ما شاء، ويودعه في الشبكة، مقدما إياه بالصفة التي يشاء، ناعتا نفسه بـ «الشاعر» أو «الكاتب» أو «الناقد»، بل وحتى بالصحفي، الخ.
2. الإعـلام
أ) لمحة تاريخية موجزة جدا:
الإعلام بتعريفه البسيط هو تدوين معلومة وإشاعتها في المكان. يرتبط تاريخه بتاريخ الكتابة نفسها، ولكن نشأته الحقيقية ترتبط بظهور المطبعة عام 1448؛ فلكي يكون إعلام لابد من توفر عناصر: الطباعة، انتظام الظهور، وجود جمهور من القراء الفضوليين.أول منشور منتظم الظهور صدر في فرنسا عام 1631، هو La gazette، ولكن يجب انتظار حوالي قرنين عن ظهور المطبعة لتصدر أول يومية في فرنسا وهي صحيفة لوفيغارو، ومن ثمة يشهد الحقل الصحفي بداية تشكل حقيقية له، حيث ستظهر وكالات للأنباء، وستظهر مهنة «الصحفي» بعد كانت الحدود بين الصحافة والأدب غير واضحة تماما في البداية.
في عام 1917، بلغ مجموع سحب اليوميات الباريزية وحدها 6.5 مليون نسخة.
بيد أن ظهور الراديو سنة 1930 والتلفزة عام 1950 سيعرض هذا القطاع لمنافسة حقيقية، ستشهد ذروتها في الثورة الرقمية التي نعيش بدايتها الآن، وذلك بظهور منافس جديد يدعى بـ «الصحافة الإلكترونية المجانية». هكذا، ففي فرنسا وحها فقدت الصحف الباريزية 12% من قرائها، أي ما يعادل 000 800 قارئ يومي[4]، وفي أمريكا، في عام 2022، سيفقد 000 18 صحفي وظائفهم بسبب التمدد المتزايد للصحافة الإلكترونية في شبكة الأنترنت[5].
ب) المشهد الإعلامي المغربي في الشبكة:
يشكل قطاع الإعلام بالمغرب، وضمنه الإعلام الثقافي، مثالا حيا لما تحدثنا عنه في مستهل هذا العرض، وهو: في غمرة انغماس مجموعة من الحقول في عملية التحديث، بل وحتى قبل اكتمال تشكل مجموعة منها، بحكم جدتها الكاملة، ومنها قطاع الإعلام، يُداهمها إكراه وجوب اللحاق بتحولات ما بعد الحداثة؛في سياق تتجاوز نسبة الأمية بمعناها التقليدي (عدم معرفة القراءة والكتابة) نسبة 50% من مجموع السكان، مما يعني غياب قاعدة واسعة من القراء تتيح الحديث عن وجود صحافة حقيقية احترافية، وهو ما يعاين واقعيا، حيث لا يتجاوز سحب أول يومية مقروءة في المغرب اليوم 000 186 نسخة (صحيفة المساء). في هذا السياق، يفاجأ قطاع الصحافة قيد التشكل بميلاد الصحافة الإلكترونية المجانية ومنافستها الشرسة للإعلام المكتوب. وبقدر ما يصعب التكهن بما ستؤدي إليه هذه المنافسة يصعب اقتراح حل سحري للخروج من هذا الوضع، ومن ثمة، وقوف هذا التأمل عند حدود وصف ما يجري لا غير:
مجموع مواقع البث الإعلامي المغربية بالشبكة 33 يومية، وهو ما يجعله يحتل المرتبة الثانية على صعيد شمال إفريقيا بعد مصر التي تتوفر على 42 موقعا، ويحتل الرتبة الرابعة عربيا بعد لبنان التي تتوفر على 59 موقعا والعراق التي تملك 50 موقعا، ثم مصر التي لها 42 موقعا[6]. تقتضي هذه الإشارة الإحصائية وقفة لمقارنة حجم الإصدارات الإلكترونية مقارنة مع نظيرتها الورقية، من جهة، ثم مقارنة عدد الإصدارات الإلكترونية بالعدد الإجمالي لسكان كل بلد على حدة أيضا، من جهة ثاية، وهو ما لا نزعم القيام به في هذا السياق. في المقابل نود إبداء ملاحظاتين:
– معظم ما ينشره الإعلام المغربي الرقمي هو إعادة نشر لما يصدر في الورق، ولكن بخصم، إن جاز هذا التعبير؛ باستثناء صحيفة الصباح التي تتطابق نسختاها الرقمية والورقية كل الصحف تحذف العديد من مواد إصداراتها الورقية كما لا توظف تقنيتي الصوت والصورة. الاستثناءات في هذا الباب تتجسد في المواقع الإسلامية وبوابات، مثل منارة، ومواقع صحفية غير مهنية مثل هسبريس.
– جل المواقع لا تجدد أخبارها على مدار الساعة. وسبب ذلك يعود دون شك إلى اعتماد هذه الصحف في بناء مواقعها وتحيينها على معلوماتيين وليس على صحفيين، وهو ما يعكس غياب التكوين المعلوماتي لدى الصحفيين، من جهة، ويولد تبعية معلوماتية تبلغ حد انقطاع تحيين بعض المواقع لمدة طويلة كما في حالة موقع صحيفة «العلم» الذي يوجد منذ عدة أسابيع ظاهريا تحت الصيانة والتطوير وباطنيا ربما في مشاكل أو صعوبات تقنية، وتعذر تصفح مواقع أخرى مثل «الأحداث المغربية» و«المساء» و«بيان اليوم» وملازمة مواقع أخرى مرحلة البناء منذ عدة شهور، كموقع «نيشان»؛
يستنتج مما سبق وجود ما يمكن تسميته بـ «مكان فارغ» في حقل الإعلام الرقمي. هذا المكان الفارغ الذي له نظيره في الفن ويستغله في المغرب شباب ضعيف التكوين فنيا وثقافيا، استحوذ عليه على صعيد الإعلام الثقافي أيضا شباب لا يبدو أنهم ذوي تكون صحفي أو فني. مكنهم من هذا الاستيلاء امتلاك المعرفة والتقنية المعلومياتيين، فأسسوا بذلك منابر نجحت في استقطاب رقميا ما لم تنجح في تحقيقيه معظم الصحف الورقية. باستثناء موقع صحيفة هسبريس الإلكترونية، المحتويات التي تروجها هذه المواقع هي: الغناء والأفلام والبرامج المعلوماتية والدردشة والشات وكرة القدم والفكاهة؛ الموقع المغربي الأول الذي لا منازع له في الوقت الراهن هو موقع «الحيوح» No title المتخصص في الغناء والفيديوكليبات: أقل عدد زيارات شهدها في الشهر الأخير كان 867 642 زائر يوم 25 شتنبر 2022 وأكبر عدد: 774.158 يوم 13 من الشهر نفسه متجاوزا ثاين موقع في الترتيب، وهو «هسبريس» بحوالي 7 مرات.
3. الثقافـة:
تتيح الثورة الرقمية وإحدى أبرز مُلازمتيها في الوقت الراهن، وهما العولمة والشوملة، إجراء مراجعة جذرية لمفهوم الثقافة على نحو ما صاغه الحقل الأنثروبولوجي سابقا. من هذه المراجعات التعريف الذي يحددهها باعتبارها حقلا لتوترات ثلاثة تُضفي عليها (أي الثقافة) صبغة الدينامية: توتر (فرد – جماعة)، توتر (داخل – خارج)، ثم توتر (ماضي – حاضر).– في الأول يُحدد الفرد باعتباره عنصرا داخل جماعة، ولكن لا يمكن اختزاله إلى حاصل مجموع سمات ثقافة أفراد الجماعة مقسوما على عددهم. على هذا النحو يتم الحديث عن فرد أكثر ثقافة من الآخر داخل الثقافة الواحدة (الروسي الذي يقرأ شكسبير والمغربي الذي يقرأ فوكو، الخ)؛
– في الثاني يتم الحديث عن مجالات ثقافية محددة جغرافيا، ولكن هذا الانغلاق لا يكون كاملا كما يبدو لأول وهلة؛ فالثقافة كانت على الدوام – ولا زالت – حصيلة اتصالات وتفاعلات مع الخارج (حروب، علاقات اقتصادية، تبادل الديانات، النساء، الخ.)؛
– في التوتر الثالث: الثقافة تراكم ماض، ولكن لا حياة لها إذا لم تتطور ولم تنفتح على المستقبل[7].
هذه التجاذبات تشهد اليوم، في سياق الرقمية، حركة قوية بسبب كثرة التنقلات (شمال – جنوب عبر السياحة والاستثمار ثم جنوب – شمال عبر الهجرة)، واجتياح الصورة ووسائل الإعلام السمعية – البصرية لحياتنا. صار اليوم بإمكان الفرد، داخل بيته ومن وراء شاشته، أن ينظم إلى أية جماعة بشرية في أي نقطة من الكوكب، بمعنى أنه صار بإمكانه أن يتواصل مباشرة مع المجموعة البشرية الكونية، وهو ما يرى فيه بعض الباحثين أحد مظاهر تحول عميق تشهده كافة الثقافات البشرية اليوم، يتميز بظهور تقنيات جديدة لتخزين المعارف وإيصالها، من جهة، وبتحول المرجعيات التقليدية للهوية[8]. والأمر نفسه يقال عن التوتر الثاني (داخل – خارج)، حيث زحف العولمة والفرضنة virtualisation يُزيحان بشكل منهجي حدود ما يُسمى بالدولة القطرية المؤطرة بحدود جغرافية مادية كانت إلى وقت قريب هي ما يتيح الحديث عن جهات أو مناخات ثقافية. في هذا المستوى، يمكن طرح السؤال: أين تقف حدود ما هو مغربي عن غيره عندما نكون إزاء منبر ليس له من المغربية إلا جنسية صاحبه في حين يتكون قراؤه وكتابه من خليط من الأفراد متعددي الجنسيات على نحو ما نجد في العديد من المنابر الرقمية وفي مقدمتها المنتديات التفاعلية والمجلات الثقافية الرقمية؟ تتضح هذه النقطة أكثر بالنظر إلى إمكانيات النشر والانتماء الثقافيين المتاحين لرواد الشبكة المغاربة.
ب ) فضاءات وأشكال رواج الثقافة في شبكة الأنترنت:
– قوائم الاتصالات الفردية: تتيح جميع الحسابات البريدية الرقمية للمستخدم إنشاء قائمة عناوين للاتصال، وبذلك يمكنه أن ينشر، وبضغة زر واحدة، أية معلومة ثقافية أو إبداع شخصي إلى مجموع أعضاء قائمة اتصاله ولو عُدَوا بالمئات. هذه الإمكانية مستغلة بكثرة من لدن المغاربة؛– المجموعات البريدية: خدمة مجانية تقدمها العديد من الشركات، مثل قوقل والياهو ومكتوب. وعبر إنشاء مجموعة أو الانضمام إليها يُتاحُ للعضو الحصول على نُسخة من كل رسالة يبثعها باقي أعضاء المجموعة الذين يمكن أن يبلغوا الآلاف، كما يتاح للمستخدم نفسه أن يُبلغ أي معلومة ثقافية إلى مجموع زملائه برسالة واحدة تصل نسخة منها للجميع؛
– المدونات: خدمة مجانية تقدمها العديد من الشركات، مثل مكتوب وموقع www.blogger.com وغيرهما، تمكن كل فرد من الحصول في بضع دقائق على ما يشبه موقعا جاهزا يمكنه أن ينشر فيه ما شاء (أخبار، شعر، حكي، خواطر، فيديوهات، صور، أغاني، الخ.)، عمليا خارج أية رقابة. هذه الخدمة يستفيد منها المغاربة بكثرة، بل وينتضمون في هيأة لهم تسمى «تجمع المدونين المغاربة».
– مواقع نشر أشرطة الفيديو: تقدمها شركات عديدة، مثل غوغل وMyspace وDailymotion، على أن أشهرها هو موقع اليوتوب الذي يعرفه جل المغاربة للتداعيات المترتبة عن نشر أشرطة فيه استقطبت الرأي العام المغربي (قناص تارجيست، حفل الشواذ بالقصر الكبير؛
– المنتديات الثقافية: تعد بالمئات، وتتيح لكل منخرط أن ينشر أعماله الإبداعية والفكرية والفنية بغاية القراءة والمناقشة بقدر ما تتيح له مناقشة أعمال باقي الأعضاء. هنا أيضا ينتشر عدد كبير من الكتاب والمبدعين المغاربة؛
– الصحف الإلكترونية: هي الأخرى عديدة، والنشر فيها متيسر جدا لمن شاء.
– المجلات الرقمية: عديدة أيضا، وينتشر فيها المغاربة بكثرة، لا سيما في المنابر التي تعرف احتشادا كبيرا مثل دروب وكيكا.
– تجمعات ثقافية عبارة عن خليط من هيئات ومؤسسات ومنتديات، كاتحاد كتاب الأنترنت العرب والجمعية الدولية للمترجمين العرب والمركز الاستراتيجي العربي ومنتدى من المحيط إلى الخليج…
ترتب عن تعدد هذه الفضاءات الناتجة عن هذا المنعطف الكبير المتمثل في ظهور تقنيات جديدة لتسجيل المعلومات وتخرينها وإيصالها نتيجتان أساسيتان على الأقل:
الأول: وجود الخبر في جميع الأمكنة دون أن يكون في مكان بعينه؛ صار من المتعذر مواكبة كل ما يُنشر بقدر ما صار عمليا من المستحيل حصر جميع أماكن تنقل المثقفين والمبدعين مغاربة كانوا أو غيرهم والإحاطة بكل ما ينشرونه. والسبب في ذلك أنه مع حادث الشبكات دخل العالم إلى مرحلة لم يعد يوجد فيها أي مركز سمته الأساسية تدفق المعلومات بما يتيح الحديث عن «الطوفان الثاني»[9].
الثاني: دمقرطة بث المعلومة والخبر الثقافيين والوصول إليهما. بيد أن هذه الدمقرطة وإن كانت إيجابية من حيث إنهائها احتكار مؤسسات ومنابر الإعلام التقليدية الكتابية والسمعية البصرية امتلاك المعلومة ونشرها، فإنها (الدمقرطة) في إتاحتها لأي كان أن ينشر ما شاء، بمنتهى السهولة وخارج أي رقابة، تعيد حقل الإعلام بمعنى ما إلى مرحلة بداية تشكله، حيث كانت تسود النميمية والمشافهة، مما يجعل سؤال المصداقية يُطرح بحدة.
خلاصة:
الثورة الرقمية التي نعيش بداياتها الآن هي بصدد التأثير جديا على عدد كبير من مؤسسات العالم القديم، عالم ما قبل الرقمية. وقطاع الإعلام عموما، وضمنه الإعلام الثقافي، لا يسلم من هذا التأثر الذي تتجلى أبرز مظاهره في ما يُشبه عودة إلى حقبة ما قبل تشكل قطاع الإعلام. هل هو مؤشر نهاية لهذه المؤسسة أم هو بداية إعادة تشكل لهذا الحقل؟في السياق المغربي، التغيير على صعيد الإنتاج الثقافي عموما، وضمنه الإعلام الثقافي، هو من السرعة والمداهمة بحيث يُدخل تغييرات عميقة على ما لم يكتمل تشكله بعد. نشأة الصحافة المغربية حديثة جدا، وشريحة القراء لازالت ضعيفة جدا، ومع ذلك نجحت بعض الصحف الرقمية في استقطاب من القراء ما لم تنجح في استقطابه معظم الصحف الورقية.
لاستمرار منابر النشر الحالية يجب عليها استغلال جميع الإمكانيات التي تمنحها الرقمية، من تكوين معلوماتي للصحفيين، وتجديد الخبر على مدار الساعة، والتكيف مع البيئة الجديدة لرواج المعلومات، هذه البيئة التي توفر وثائق من الكثرة والمجانية بما يجعل القراءة تأخذ شكل ترحال متزايد من لدن مبحري الشبكة.
الآثار السلبية لعولمة الإعلام :
في تحقيق أجرته جريدة عكاظ مع بعض مدمني مشاهدة الأفلام اعترف عدد منهم بخطورة هذه الأفلام “وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا” (يوسف: من الآية 36) وكان مما قالوه:
ا- قال شاب: إن هذه الأفلام عديمة الفائدة، والتي تعتبر مضيعة للوقت بالإضافة إلى كونها الطريق إلى اكتساب عادات وأفكار سيئة تؤدي إلى انحراف بعض الشباب، خاصة في مرحلة المراهقة.
2- واعترف آخر بأن بعض هذه الأفلام قد تتسبب في انحراف الشباب الذين ليس لديهم وعي كامل بخطورة ما تحتويه.
3- وثالث يقول: لهذه الأفلام سلبيات، منها ضياع الوقت، واكتساب أفكار قد تكون سيئة(1).
أما المجتمعات الأخرى “فقد عزا الغربيون مثل (ريجيس دوبريه) في كتابه الموسوم بـ “الميديولوجيا: علم الإعلام العام” عزا هزيمة الشيوعية إلى انتصار ما أسماه (بالفيديولوجيا) على (الأيديولوجيا)، أي انتصار الاستهلاك الفوري الذي يروج له التليفزيون المرئي (الفيديو) على حساب الأفكار والقناعات (الأيديولوجيات).
وفي دراسة (لبنيامين باربر) تحت عنوان “ثقافة الماك وورلد في مواجهة الديمقراطية”، يقرر محرر الدراسة أن الثقافة العالمية الأمريكية هي الترجمة الحرفية (للفيديولوجيا)، التي تتعارض مع الثقافات القديمة، ولكنها تلجأ إلى أسلوب آخر، فـ”ماك وورلد” يتزين قليلا بطابع الثقافات التي يلتهمها، فإذا بالإيقاعات الأمريكية اللاتينية تتداخل مع “البوب” في الأحياء المكسيكية الفقيرة في لوس أنجلوس، ولنا أن نقول: ربما تغير النمط قليلاً في بعض الدول العربية بإخراج وجبة (بينية) “ماك عربي”،على نمط القبعة الأمريكية والثوب العربي.. ثم يقول باربر: وإذا بـ (ميكي) يتكلم الفرنسية في ديزني لاند باريس. ووفقاً لوجهة نظر باربر فإن قناة الموسيقى الأمريكية، والماكدونالدز، وديزني لاند، هي في نهاية المطاف، وقبل كل شيء، أيقونات الثقافة الأمريكية، وهي أحصنة طروادة التي تتسلل من الولايات المتحدة إلى ثقافة سائر الأمم.
ويقول: إن أيقونات الثقافة الأمريكية الجديدة يتم تسريبها إلى الثقافات العالمية التي تبدو عاجزة عن مقاومتها، عن طريق أشباه المنتجات الثقافية، كالأفلام أو الدعايات، وتتفرع منها مجموعة من السلع المادية ولوازم الموضة والتسلية، وهكذا لا تبقى أفلام “الملك الأسد” و”جوراسيك بارك” و”تايتانيك” مجرد أفلام، وإنما تصبح وسائل حقيقية لتسويق الأغذية والموسيقى والألبسة والألعاب والأنماط الاجتماعية والأفكار الثقافية.
إن أيقونات الثقافة الأمريكية الجديدة تنتج التماثل والتشابه وهذا بدوره كما يرى علماء النفس يسهل عملية التحكم والسيطرة، وأبعد من ذلك إنتاجها لنفس أنماط السلوك، فمن وجهة نظر (ريجيس دوبريه) أن كل دقيقة عنف ينتجها فيلم كفيلم “الحديقة الجوراسية” ينقل مستهلكا من الشرق إلى الغرب. فالأسواق تحتاج إلى عملة واحدة هي الدولار، وإلى لغة واحدة هي الإنجليزية وإلى سلوك متشابه في كل مكان يجد تعبيره في سلوك أبطال الثقافة الجديدة.
ومن وجهة نظر (ريجيس دوبريه) كذلك: أنهم أول حضارة أقامت مذبحا منزليا للتبذير، هو “جهاز اللاقط” وأوبريه لا يتوقف عند مستوى الاستهلاك الذي ينحته التلفزيون في حياة البشر، من خلال الدعاية التي تقولب ومن خلال أفلام الجنس والعنف، فهو يرى أن هذا “المذبح المنزلي” ستتحطم عليه قناعاتنا وخياراتنا وعاداتنا، لأنه ينشر اللامبالاة والاستهلاك والقبول السطحي وبالأخص الإشاعة الاجتماعية، يقول (دوبريه): إن التلفاز بالتأكيد يذهب إلى أبعد من الكتاب المطبوع ولكنه أقل عمقا. فدرجات التأثير ربما تكون بعكس مساحات التغطية. وصلابة قناعاتنا تنقص عندما تزيد سرعة المعلومات ومرور العلامة.
إن (باربر) يرى أن الترويج أو الدعاية للمنتجات الأمريكية يعني الترويج لأمريكا وثقافة السوق والمخازن التجارية التي تفرض علينا القيام بفك ارتباط بهويتنا الثقافية، ما عدا صفة المستهلك، والتنكر لمواطنيتنا لنتذوق أكثر هذه المتعة الوحيدة الناتجة من التسوق.
أثر آخر من آثار العولمة الإعلامية يتحدث عنها فيريليو، فمن وجهة نظر فيريليو أن هناك فارقا جوهريا بين القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، فإذا كانت “جنية الكهرباء” على حد تعبيره قد أضاءت المدن إضاءة مباشرة في القرن العشرين، فإن القرن الواحد والعشرين سيشهد “الإضاءة غير المباشرة للعالم ” بحيث يصبح في الإمكان بفضل التكنولوجيات التليفزيونية التي تتطلب منهجاً بصرياً شمولياً جديداً، يقوم بمراقبة كل شيء، النظر إلى كل شيء، والانشغال بكل شيء.
فإذا كانت بعض كبريات الصحف في ديسمبر 1997 خصصت صفحتها الأولى للكلب الجديد الذي كان قد حصل عليه زعيم دولة عظمى، وتولت صفحة في الداخل إكمال الملف، محللة -على حد تعبير بعض محرري لوموند ديبلوماتيك- موقع الحيوان في تاريخ ذلك البيت الرئاسي الأبيض، ومستعيدة قائمة الكلاب السابقين الذين حلوا ضيوفا على ذلك البيت. فما بالك بما يمكن أن ينشر ويقرأ وينظر عبر وسائل الإعلام العالمية المختلفة، وبماذا يمكن أن يشغل الناس!”(2).
هذا نذر مما ذكره بعض الغربيين، ولاشك أنها أثار سالبة وأخطار فعلية، ولكن ليت الإعلام العالمي اكتفى بهذا، إن كثيراً مما سبقت إشارة إليه من مفاسد مترتبة على العولمة عامة والثقافية منها خاصة، تتحمل الوسائل الإعلامية وزرها، ولكن بالإضافة إلى ما ذكر من آثار سلبية، في العولمة الثقافية، على العقيدة خصوصاً وعلى الثقافة عموماً هناك أمور مهمة جداً، نعرض لها في حلقة أخرى بمشيئة الله تعالى.
______________
(1) جريدة عكاظ العدد (9186) الملحق.
(2) مستفاد في مجمله من مقال بعنوان: الخواء الثقافي وظاهرة انتشار المسوخ، تأملات من عصر العولمة، لتركي الربيعو، وقد نشر في صحيفة نزوى العمانية العدد الثاني والعشرون، وقد أحال النقول إلى مصادرها
العولمة مصطلح حديث النشأة والعهد. لكنه تمكن، على الرغم من ذلك، من غزو أكثر من خطاب واختراق أكثر من ممارسة.
فعلى مستوى الخطاب الاقتصادي أسس المصطلح، من بين ما أسس له، لما اعتيد على تسميته بالعولمة الاقتصادية، بينما أسس بالنسبة لخبراء التكنولوجيا لما سمي بالعولمة التكنولوجية في الوقت الذي تبناه “أهل الثقافة” فيما أسموه بالعولمة الثقافية أو رجال الأعمال فيما اصطلحوا على نعته بعولمة المال والأعمال ورأس المال.
على مستوى الممارسة وظف المصطلح، من بين ما وظف فيه، لتبرير وبالتالي تمرير برامج ومخططات لم ينجح الخطاب السائد إلا جزئيا في تبريرها وتمريرها. فنجد من هنا من يفسر طبيعة الأزمة بظاهرة العولمة، وينادي بضرورة مسايرتها أو على الأقل التكيف معها. ونجد من يرى فيها إحدى فرص الخلاص على اعتبار ما توفره من حوافز وما يمنحه تبنيها من امتيازات.
ما نعيبه على الخطاب السائد في العالم الثالث حول العولمة (وخصوصا الخطاب الأكاديمي منه) عدم تحديده للمفهوم وتركيزه الجلي على أبعاده وتجلياته. فتأتي الإسقاطات إما مؤد لجة (من الإيديولوجيا) أو عديمة الموضوعية أو مجانبة للسياق العام. وهو ما يفرغها في كل الأحوال من طابعها العلمي وفرضية تجردها.
وما نعيبه على الممارسة تبنيها للمصطلح من باب الترويج الديماغوجي المحض وعلى خلفية من “تحيزها” الصارخ إذ باسمه تفسر الأوضاع وتحت مسوغته تبرر السياسات.
ليس من الوارد في هذا المقام الوقوف عند أوجه قصور الخطاب الأكاديمي السائد حول ظاهرة العولمة، أو تفكيك إشكالية المصطلح الإبستمولوجية، ولا مساءلة الممارسة (السياسية بالأساس) حول “استغلالها” له بغية تجديد خطابها، بقدر ما نهدف إلى مقاربة ظاهرة ومصطلح العولمة بحثا في مضمونها ومحاولة لتحديد فضائها على ضوء التحولات التكنولوجية الكبرى التي ميزت العقود الثلاثة الأخيرة لهذا القرن سيما في ميدان الإعلام والاتصال.
ا- حول مفهوم وظاهرة العولمة
دأبت الأدبيات الاقتصادية، منذ عهود بعيدة، على الحديث عن اقتصاد أو علاقات اقتصادية بين الدول والشعوب للتدليل على وجود علاقات تبادل للسلع والخدمات وتنقل للأفراد والرساميل بين هذه الدول والشعوب. وقد نظر لذلك بعمق ومؤسس له بجدية كبيرة على الأقل منذ الثورة الصناعية وانتصار الرأسمالية وتقدم القيم اللليبيرالية.
لم يكن الجدل دائرا حول الاعتراف بوجود هذه العلاقات أو عدم وجودها، قدر ما تأتى من المجادلة التي دارت حول طبيعتها ودرجة عدالة معادلة تبادل فائض القيمة الناتج عنها وبداخلها، سيما مع ظهور نمط الإنتاج والتوزيع والتبادل الرأسمالي… وهو النمط الذي ساد وهيمن على العلاقات الدولية بلا منازع وأبان عن مناعة كبرى وتجدد مستمر على الرغم من الحروب والأزمات والنكسات.
بالتالي ، فالمصطلح، مصطلح الاقتصاد الدولي، إنما جاء لتكريس وجود علاقات اقتصادية دولية يتم من خلالها تبادل السلع والخدمات بين الدول وفي إطارها تتنقل الرساميل و في سياقها يتحرك الأفراد وتنتقل المجموعات.
هذه العلاقات الدولية لم يكن لها، مع مرور الزمن، إلا أن تتطور أكثر وتتعقد بتطور الاقتصاديات الوطنية وتعقدها، وظهور شركات إنتاجية ضخمة ومؤسسات مالية عملاقة تتواجد بكل أنحاء العالم عبر فروعها أو استثماراتها أو تمويلاتها. فأصبحت العلاقات “أكثر تدويلا” وأصبحت الشركات الكبرى متعددة الجنسيات.
ظهور الشركات المتعددة الجنسيات هاته عبر فروعها الموزعة في كل مناطق العالم وانتشار المؤسسات المالية عبر وكلائها لم يزد الاقتصاد الدولي إلا اتساعا و تدويلا ناهيك عن تعقيد طبيعة العلاقات بين الأمم و الدول سيما بين دول الشمال ودول الجنوب أو لنقل بين الدول الصناعية الكبرى ودول العالم الثالث.
هناك إذن في مرحلة أولى علاقات اقتصادية دولية من طراز تقليدي نظر لها بامتياز الكلاسيكيون والكلاسيكيون الجدد. وهناك في مرحلة ثانية تدويل للاقتصاديات الوطنية من خلال ظاهرة تعدد الجنسيات التي طالت المؤسسات الإنتاجية وميزت نشاطها لسنين عديدة ولا سيما خلال فترة ما اعتاد علماء الاقتصاد على تسميتها بمرحلة “الثلاثين الخوالد”(1).
من الوارد القول إذن، بناء على ذلك، إن العولمة إنما هي ظاهرة انبثقت من بطن ظاهرتين(2) سابقتين لها تاريخا وطبيعة سيرورة، هما ظاهرتي التدويل و تعدد الجنسية(3).
يحدد ريكاردو بتريلا ظاهرة العولمة(4) في كونها “مجموعة المراحل التي تمكن من إنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات:
+ من أجل أسواق عالمية منظمة (أو في طريقها إلى التنظيم) وفق مقاييس ومعايير عالمية.
+ من طرف منظمات ولدت أو تعمل على أساس قواعد عالمية، بثقافة تنظيم منفتحة على المحيط العالمي، وتخضع لاستراتيجية عالمية من الصعب تحديد فضائها (القانوني والاقتصادي والتكنولوجي) بحكم تعدد ترابطات وتداخلات عناصرها في مختلف العمليات ‘الإنتاجية’ قبل عملية الإنتاج و…حتى بعده”(5).
ويعتبر بتريلا، فضلا عن ذلك، أن عولمة الاقتصاد تخضع (من بين ما تخضع له) لانبعاث تداخلات كثيفة بين الدول لا على المستوى الاقتصادي الخالص فحسب، ولكن أيضا على مستوى تسيير المشاكل الكبرى كمشاكل البيئة والمخدرات وغيرها. وهو ما يتطلب البحث عن أشكال جديدة بهدف إقامة تنظيم ” سياسي” جديد للاقتصاد والمجتمع عوض المنظمات العالمية “التقليدية” التي عجزت عن مواكبة الطبيعة المتجددة لهذه المشاكل.
هذا التحديد المتميز لظاهرة العولمة (على دقته وعمق تصوره) يطرح، على الرغم من ذلك، بعض الملاحظات المنهجية، ثلاث منها تتراءى لنا أساسية:
– الملاحظة الأولى وتتجلى في الصعوبة الموضوعية التي يطرحها أمر ترسيم حدود فضاء العولمة لا على اعتبار الطابع العالمي للظاهرة فحسب، ولكن أيضا بالاحتكام إلى ضعف الأدوات الإحصائية الكفيلة بتحديد ذات الفضاء، وهو ما لم يكن مطروحا (و لا واردا حتى) بالنسبة لمقاربي ظاهرتي التدويل وتعدد الجنسية.
– الملاحظة الثانية وتتعلق بعدم قارية مصطلح العولمة وتطوره المستمر، بالتالي انفتاح طرحه وتفتحه على ظواهر جديدة له، مواكبة لظهوره كتزايد دور العلم والتكنولوجيا في الأنشطة الإنسانية وتطور انتشار تكنولوجيا الإعلام والاتصال على نطاق عالمي واسع متجاوز للحدود والتنظيمات والقوانين.
– الملاحظة الثالثة وتحيل إلى خاصية التناقض التي تتسم بها ظاهرة العولمة في إحدى جوانبها سيما ظاهرة علمية(6) التكنولوجيا وتكنولوجية(7) العلم، وهي الظواهر التي تنبئ بما سيكون عليه النشاط الإنساني طيلة القرن الحادي والعشرين اقتصادا واجتماعا وطبيعة معرفة.
ما يميز ظاهرة العولمة، فضلا عن كل هذا، أنها لم تمأسس فقط لقطيعة في التوجهات السابقة لها (انفتاح وتداخل الاقتصاديات عبر تطور المبادلات وظهور أقطاب اقتصادية جديدة كالدول الآسيوية، وكذلك زيادة وتيرة الاستثمارات الدولية وما إلى ذلك)، بقدر ما ساهمت في تعميقها وإثراء محتوياتها.
وهذا الإثراء تمثل أساسا لا في كون ظاهرة العولمة قد مست جميع مراحل العملية الإنتاجية بما في ذلك عملية البحث والتطوير(8)، وتزامنت وظهور أشكال جديدة لتنظيم الأسواق (التحالفات بين المؤسسات قصد امتلاك التكنولوجيا الجديدة والتقسيم السريع والممنهج للمعرفة وكذا تنظيم قطاعات صناعية جديدة…الخ)، ولكن بالخصوص في تأثيرها على مكانة ودور بعض المؤسسات الرسمية كمؤسسة الدولة/الأمة(9)، حيث تزايد نسبية السياسات الاقتصادية الوطنية، وكذا مؤسسة البحث العلمي حيث مكنت العولمة من تعميق العلاقات بين المؤسسات الإنتاجية الوطنية والدولية وبين مؤسسات إنتاج المعرفة ومحيطها الاقتصادي وما إلى ذلك.
لو كان لنا أن ننبش في المحددات الكامنة وراء بروز ظاهرة العولمة وتكريسها التدريجي كواقع حال قائم لكان لنا أن نقف بداية عند مستويين:
+ المستوى الأول ويتعلق بالعوامل المرتبطة جوهريا بالطلب. ومعنى هذا أن الطلب لم يعد محصورا في الزمان والمكان بقدر ما بدأ يخضع هو الآخر لظاهرة العولمة. فالأسواق، يقول بتريلا، بدورها ” تتعولم، بمعنى أنها تتسم بميزات متشابهة كيف ما كان البلد. لكن تدويل الأسواق لا يعني توحيد الطلب سيما وأن عدم الاستقرار النقدي والمالي وكذا الحواجز الجمركية يحول دون الحديث عن سوق عالمي موحد”.
والمعنى من ذلك أن عولمة الأسواق إنما تنتج على المدى الطويل وفق مجموعة من التوجهات أهمها الميل النسبي باتجاه توحيد الطلب والعلاقة المتزايدة بين بيع السلعة وتوفير الخدمة وكذا الأهمية القصوى للمعايير والمقاييس.
وعلى الرغم من ذلك فإن ظاهرة عولمة الأسواق (أو عولمة الطلب) تجد جزءا من محدوديتها في أمرين اثنين على الأقل:
°- الأمر الأول ويرتبط أساسا بصمود مفهوم الأسواق الوطنية والطلب الوطني على الرغم من “طغيان” العالمي.
°- والأمر الثاني ويتمثل في واقع التجزئة الذي ما زال يعيشه الاقتصاد الدولي بحكم عدم الاستقرار القطري واستمرار الحواجز الجمركية وتزايد النعرات الحمائية وما إلى ذلك.
وهما أمران لا تنفيهما العولمة ولا تعمل على نفيهما مادام أن هذه الأخيرة ليست مرادفا لنهاية الأسواق الوطنية ولكن أخذ هذه الأسواق بعين الاعتبار من طرف مؤسسات تعمل انطلاقا من قواعد عالمية ولأسواق تتعولم تدريجيا.
+ المستوى الثاني ويحيل مبدئيا على مستوى العرض وبالتحديد على مسألتين: مسألة البحث والتطوير ومسألة تنظيم المؤسسات الإنتاجية.
فالعولمة لم تزد المؤسسات الإنتاجية إلا تشبتا بالبحث والتطوير سيما وأن الابتكار أضحى إحدى سبل تنافسية هذه المؤسسات وإحدى أسرار تميزها وإشعاعها.
ليس من المفارقة في شيء إذن إذا كانت ميزانيات البحث والتطوير غالبا ما لا تتأثر بظروف وملابسات الأزمة، إذ تثبت الإحصائيات أن وجود الأزمة أو غيابها لا يؤثر كثيرا (ولربما يؤثر بطريقة إيجابية) على مجهودات البحث والتطوير.
ثم أن مد العولمة أثر وبجدية على أساليب وطرق تنظيم المؤسسات، بمعنى أن التنافسية والربحية أصبحتا تكمنان تدريجيا في طرق التنظيم الداخلي وكذا في التحالفات والاندماجات والانصهارات التي تتم بين هذه المؤسسات. وهما أمران ساهما وبعمق في ظاهرة عولمة المؤسسات الإنتاجية وعولمة سلعها وخدماتها.
هذه المعطيات و”الملابسات” هي التي كانت، فيما نتصور، وراء بروز ومأسسة مفهوم وظاهرة العولمة، عولمة الاقتصاد الدولي. وقد مكنها من ذلك توفر أرضية لم تكن متوفرة زمن التدويل وتعدد الجنسية سيما انفراج العلاقات الدولية وتعدد قطبية الاقتصاد الدولي وكذا التطور المطرد لظاهرة “الاقتصاد اللامادي” بفضل التحولات التكنولوجية الضخمة التي عرفها العالم على امتداد السنوات العشرين الماضية (أنظر الجدول البياني التالي) سيما في ميدان الإعلام والاتصال وكذلك النقل والمواصلات.
ظاهرة العولمة
ظاهرة تعدد الجنسية
ظاهرة التدويل
مقاولات الثلاثي (الولايات المتحدة، اليابان، السوق الأوروبية).
دعم الدول لهذه المقاولات ومراكز إنتاج المعرفة كشركاء لهذه المقاولات.
مقاولات أمريكية وإنجليزية بالأساس
مقاولات الدول الغربية، الدول المتخلفة كدول مصدرة للمواد الأولية
الفاعلون
التقدم باتجاه عالم متعدد الأقطاب على مستوى الإنتاج وكذا الطلب.
الأهمية المتزايدة ل “اللامادة” من بحث وتطوير وتنظيم ومال.
وسائل اتصال متقدمة.
أهمية المنافسة على أساس الأسعار: تكلفة اليد العاملة واقتصاد السلم، تحرير المبادلات
أهمية توافر العوامل سيما بالنسبة لاستراتيجيات التصدير
العوامل المفسرة
كل مراحل الإنتاج. السلع والخدمات والتكنولوجيا
تبادل المواد الأولية، تبادل وإنتاج السلع بالخارج
تبادل المواد الأولية والسلع
الهدف
التصدير، تأسيس الفروع، اتفاقات بين المؤسسات وبينها وبين لجامعات.
تصدير، تأسيس الفروع
التصدير
الأشكال
أشكال جديدة لتنظيم السوق. الاحتكار هو القاعدة، المنافسة الحرة ليست هي المرجعية.
أشكال جديدة لتنظيم المؤسسات وعلاقات جديدة مع الدولة في مرحلة التوسع الجغرافي.
تداخل ماكرو-اقتصادي، محتكرون محددون في بعض القطاعات
تداخل ماكرو-اقتصادي
النتائج
اا- عن دور تكنولوجيا الإعلام والاتصال في عولمة الاقتصاد
أن نتحدث عن عولمة الاقتصاديات الوطنية (المتقدمة منها على وجه التحديد) أمر، وأن نتحدث عن عولمة قطاعات محددة من هذه الاقتصاديات أمر ثان. والمقصود هو أن ربط تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال بظاهرة العولمة إنما يجب أن يتم عبر مسألتين نعتبرهما متلازمتين:
+ المسألة الأولى وتتعلق بكون تكنولوجيا الإعلام والاتصال (من معلوماتية واتصالات وسمعي- بصري) لم تحدد لمسار العولمة بقدر ما مهدت لها الطريق ويسرت لها السبل.
+ والمسألة الثانية وترتبط بكون هذه التكنولوجيا لم تسلم هي نفسها من ظاهرة العولمة، كما لم تسلم من ذي قبل وإن بمستويات أخف، من ظاهرتي التدويل وتعدد الجنسية.
من الثابت إذن، على الأقل من الناحية الكرونولوجية لتتابع الأحداث، أن مرحلة عولمة الاقتصاديات والمؤسسات الإنتاجية قد تزامنت ومرحلة عولمة الإعلام والاتصال والرموز وكذا للمؤسسات المنتجة والمروجة لها، سيما مؤسسات الإعلاميات والاتصالات وتقنيات ومحتويات السمعي-البصري. إذ أن ” تراسل المعطيات بسرعة الضوء (300000 كيلومتر في الساعة) ورقمنة النصوص والصوت والصورة، والالتجاء لأقمار الاتصالات وثورة الهاتف وتعميم المعلوميات في قطاعات إنتاج السلع والخدمات وتصغير الحواسيب وربطها داخل شبكة كوكبية، قد مكنت من خلق انقلاب ضخم وشامل في نظام العالم”(10).
وعلى أساس كل هذا لم يتردد البعض في وصف اقتصاد نهاية هذا القرن واقتصاد القرن المقبل باقتصاد الرموز على اعتبار أن المعطى التكنولوجي المركزي الذي مكنته وسائل الإعلام والاتصال يتمحور حول اللامادية والسرعة والآنية والشمولية وما إلى ذلك.
فالمؤسسات المالية الكبرى مثلا تتناقل وتتبادل، على مدى أربعة وعشرين ساعة متصلة، معطيات من كل نقطة من نقط الأرض، في الوقت الذي تعمل فيه كبريات بورصات العالم عبر شبكات تربط بعضها البعض… مؤسسة بذلك لما بدأ يصطلح عليه بالشمولية أو بالشوملة(11).
ما يصدق على المؤسسات المالية حيث تنتقل، عبر الكوابل والأقمار الصناعية، مئات ملايير الدولارات في هنيهات من الزمن، يصدق بالتأكيد أيضا على مؤسسات أخرى غيرها كشركات النقل الجوي مثلا، إذ نلاحظ أن شركة طيران كبرى كالخطوط الجوية السويسرية قد نقلت نظام محاسبتها ومصالح حجوزاتها إلى الهند.
نفس الشيء بالنسبة لشركة سيمنس الألمانية التي نقلت إلى الفليبين نظامها للمحافظة المعلوماتية(12)، فيما يعمل المجلس الوطني الفرنسي للأعيان على طبع نصوصه وترقينها بدولة ساحل العاج وهكذا.
وقصد القول هو أن السلطة (في ظل العولمة) لم تعد تكمن في امتلاك الأدوات المادية من أرض وموارد طبيعية وآلات وغيرها، بقدر ما أصبحت تتمحور تدريجيا حول التحكم في الأدوات اللامادية من بحث علمي وتحكم في التكنولوجيا العالية، في الإعلام والاتصال والمال لدرجة بدأ الحديث يتركز على مجتمع الإعلام والاتصال والمعرفة أكثر ما يتركز على المجتمع الإنتاجي المادي المقدم في كونه تقليديا.
ولعل إحدى أبرز العلامات على الميل المضطرد باتجاه الاقتصاد اللامادي بروز شركات كبرى للإعلام والاتصال وتوسع نشاطها على المستوى الكوني. إذ من بين 20 مؤسسة صناعية كبرى نجد ستة منها متخصصة في الإلكترونيات الدقيقة وفي المعلوماتية في حين لم يكن لمثل هذه الشركات أثر يذكر قبل عشرين سنة مضت.
يقول ريكاردو بتريلا في هذا السياق، إن “عولمة رأس المال قد سرعت من وتيرة الاستثمارات والقطاع الإنتاجي موازاة وتداخل التيارات التجارية عبر الجهات العالمية الكبرى. وقد مكن هذا التداخل بدوره، عبر التنمية الخارجية، من تحفيز عولمة المؤسسات والاستراتيجيات والأسواق: استثمارات مباشرة بالخارج، نقل الصناعات، تحالفات، امتصاصات …الخ. وهكذا فكل مجموعة صناعية ومالية مهمة تتبع استراتيجية في كل جهات العالم وخصوصا بأمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وشرق وكذا جنوب شرق آسيا”(13).
ف “90 بالمائة من ال 37000 شركة متعددة الجنسيات وال 206000 فرع خارجي تابع لها هي ملك هذا العالم الأول”، والمائة القوية منها تمارس نفوذا ضخما داخل دولها: قدرات استثمارية، هيمنة تكنولوجية وامتلاك البراءات في القطاعات العالية الدقة…الخ.
من الطبيعي إذن أن نقاسم ريكاردو بتريلا الرأي بأن الغزاة الجدد (وهم صانعو العولمة دون منازع) هم أشخاص معنويون (أو عاديون حتى) ذوو قدرات مالية هائلة يتصرفون بفضلها في تخصيص وتوزيع الموارد العالمية، يحددون القيم والرهانات والأولويات و” يفبركوا” على مزاجهم قواعد اللعبة على المستوى العالمي: “أسياد العالم هم اليوم قلة تتمثل في بضعة مئات أشخاص، رؤساء وأعضاء لجن تسيير لمؤسسات قليلة العدد تعمل في ميادين الإلكترونيات والمعلوماتية والاتصالات والبرامج والسمعي-البصري والصحافة والنشر والتوزيع. ربعهم متمركز في أوروبا، ومثيل له في آسيا والباقي في أمريكا…الخ”.
وعلى اعتبار التحالفات الاستراتيجية التي يبرمونها فيما بينهم والاندغامات التي يخضعون لها فإن عشرة شبكات عالمية متداخلة وضخمة فقط هي التي تسير الاقتصاد وترسم معالمه المستقبلية على خلفية أنه قليلة اليوم هي الشركات التي تستطيع لوحدها فرض منطقها وسلطانها على السوق العالمي، بالتالي فمفهوم القطب ذاته لم يعد ذو قوة تفسيرية ذات بال إذ انصرف عنه لصالح مصطلح شبكات التحالفات المتعددة الأقطاب(14).
لم يعد السوق العالمي إذن في ظل ظاهرة العولمة مجرد فضاء مادي تتم من خلاله العمليات التجارية والمالية كما عهدناه في مرحلتي التدويل وتعدد الجنسية، بل أضحى ملتقى إعلاميا كوكبيا يتم في إطاره تبادل المعطيات والتحكيمات المالية على حساب الاقتصاد الواقعي أو المادي(15)، وخرجت من صلبه مافيات نشيطة ذات خبرة واسعة في مجال المضاربات المالية والعقارية واندحرت داخله مفاهيم المنافسة الحرة وقيم الشفافية لصالح الممارسات الاحتكارية وثقافة الارتشاء والتهرب من الضرائب وتبييض مال المخدرات…الخ.
هذه العولمة، التي صنعتها وكرستها وسايرتها تكنولوجيا الإعلام والاتصال (من بين عوامل أخرى)، لم تسحب السجاد من تحت أقدام مفاهيم القومية (بمعنى القطرية) والسوق الوطني والحدود الجغرافية فحسب، بل سحبته أيضا من تحت أقدام الدولة (أو الدولة/ الأمة) بتشريعاتها ومعاييرها ونظم تسييرها، فتحولت الدولة إلى مجرد متفرج على قرارات تتخذ داخلها من طرف شبكات المال والأعمال العالمية النشاط، فأفرغت بذلك من دورها كفاعل رئيسي في عملية تحديد السياسة الاقتصادية وحتى من سلطتها الجبائية على الموارد “العابرة” لكيانها الجغرافي.
وقد زادت من تعميق أزمة الدولة سياسات الخوصصة واللاتقنين ومناهضة التشريعات التي من شأنها أن تحول دون التنقل الحر للموارد ودون “احترام” المبادئ “المقدسة” لليبرالية الجديدة.
هذه العولمة خلقت إذن “مجتمع شبكات عالمي”(16) لا ” قرية كوكبية”(17) كما تنبأ بذلك ماك لوهان، إذ لا يعدو الأمر كونه “نقلا للسلطات القطرية لا لصالح مؤسسات فوق- قطرية ولكن لقوى خاصة ذات مصالح عالمية آنية ستدخل لا محالة في صراع مع ضرورات تنمية مستديمة، موزعة توزيعا عادلا، مقررة ديموقراطيا ومقبولة إيكولوجيا…”.
فعوض أن تخلق قرية كوكبية ” تعمل الشركات العملاقة على نسج شبكات للإنتاج والاستهلاك والترويج المالي لا يستفيد منها إلا أقلية من سكان المعمور في حين تهمش الأغلبية وتقصى وقد تتضرر من هذه الشبكات…”(18).
إمتحان الإعلام الثقافي.
جامعة دالي إبراهيم.
كلية العلوم السياسية و الإعلام.
قسم علوم الإعلام و الإتصال.
السنة الثالثة.
تخصص:سمعي -بصري+صحافة مكتوبة.
السنة الجامعية:2009/2010.الأستاذة :ص.بودفة
إمتحان السداسي الأول في مقياس الإعلام الثقافي.
الأسئلة
أجب على سؤالين اثنين فقط:س1/ ناقس السياقات التي سمحت بالحديث عن فكرة الإعلام الثقافي ، مركزا على دور المؤسسة الإعلامية خذ بيئة -ما- نموذجا ؟
س2/ يصر التيار المعرفي في المدرسة الفرنسية (Edgar Morin نموذجا) _ على دعم فكرة “الثقافة” _ناقش لماذا يحدث ذلك خصوصا الآن ؟
س3/ و فكرة “الزمن” أيضا ظهرت الآن – على الواجهة المعرفية مرتبطة بأبعاد ثقافية واضحة – ناقش ذلك ؟
بالتوفيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــق