من الكواركات إلى الكوازارات
م. محمد العصيري
من الكواركات إلى الكوازارات رحلة ننطلق بها من باطن المادة لنصل إلى الكون الشاسع ونجومه ومجراته .
لنبدأ رحلتنا من تركيب المادة :
تتألف جميع المواد من مجموعة جزيئات تتركب بدورها من ذرات متماسكة مع بعضها البعض بروابط كهرطيسية أما الذرات فهي كالنظام الشمسي تتألف من نواة يدور حولها إلكترون والنواة عبارة عن بروتونات ونترونات متماسكة مع بعضها البعض هذه البروتونات والنترونات تتألف من ثلاثة كواركات وهنا وصلنا لمحطتنا الأولى الكواركات فالنتحدث قليلاً عن الكواركات :
كان أحد الإلكترونات يسير بسرعة عالية متجهاً لصدم بروتون نتيجة توفر طاقة عالية جداً وذلك في أحد المسرعات والمسمى SLAC وكان يتوقع هذا الإلكترون أن يصطدم بشحنة كروية طرية ولكن للأسف كان توقعه هذه المرة خاطئ فلقد فاجئه البروتون ببنية نقطية صغيرة وقاسية داخله فتبعثر الإلكترون وكان درساً قاسياً له وكان ذلك في أواخر الستينات .
هذه التجربة كانت الدليل الأول على الاقتراح الذي قدمه الفيزيائي موري جيل مان وجورج زويغ عام 1963 ولم يكن هذا الاقتراح سوى أن البروتونات عبارة عن اجتماع جسيمات نقطية هي الكواركات مع العلم أن أصل هذه الكلمة هي جملة غامضة وردت في أحد كتب جيمس جويس ” ثلاثة كواركات للسيد مارك” .
في قصته وليمة تأبين فينغانية .
إن للكواركات حتى الآن ثمانية عشر نوعاً أهمها :
العلوي والسفلي والغريب والفاتن والقعري والذروي ولكل نوع ثلاثة ألوان هي :
احمر وأخضر وأزرق ولكل منها شحنة كهربائية كسرية (1/3or2/3-) .
أما عن الأسماء فهي لا تتعدى عن كونها أسماء مثلية أقترحها فيزيائيو هذا العصر وأما عن الشحنة الكسرية فهي قسرية تفرضها التجربة ويفرضها كون الكوارك جسيم أولي وأما عن اللون فهي خاصة جديدة من خواص الكوارك ولا نقصد باللون أي اللون كم مفهوم طبعاً لا لأن الكواركات أصغر بكثير جداً من طول موجة الضوء المرئي والكوارك عديم اللون بالمعنى العادي لكلمة لون لكن خيال العلماء أصبح أكثر رحابة وأكثر استعانة بالأمور السهلة والمتعامل بها بشكل أكبر ولأن مجموع الثلاثة منها يؤدي إلى الشحنة صفر مثلما تؤدي مجموع الألوان الأساسية إلى اللون الأبيض .إن ارتباط الكوارك سفلي وكواركين علويين بالألوان الثلاثة معاً يشكلون جسيم أبيض هو البروتون ذو الشحنة +1 وذلك حسب الآلية (2/3+2/3-1/3) أما النترون عديم الشحنة فيتألف من كواركين سفليين وأخر علوي (-1/3-1/3+2/3) وهكذا يمكن تشكيل أياً من المركبات ثلاثية الكوارك والمسماة الباريونات (وهناك الباريونات المضادة والمؤلفة من كواركات مضادة ).أما عن ألوان الكوارك المضاد فهي تملك الشحنات اللونية المضادة (أي أحمر مضاد أو أزرق مضاد أو أخضر مضاد ويرمز لذلك بناقص اللون المضاد مثل ناقص أحمر)
إن الشحنات اللونية المتعاكسة ذات الإشارات المتعاكسة تتجاذب فالكوارك الأحمر مثلاً يرتبط بكوارك مضاد لونه ناقص أحمر ليشكلان جسيم يسمى الميزون و أكثر الميزونات شيوعاً هو البيون وهو الذي يرصد عادة في التفاعلات النووية .
ذا بتشكيل مجموعة من ثلاث كواركات نحصل على جسيمات تدعى الباريونات وبتشكيل مجموعة من كواركين نحصل على جسيمات تدعى الميزونات وهاتين المجموعتين تشكل الجسيمات الهادرونية (الهادرونات أي الثقيلة ) ولا توجد مجموعات تتألف من كوارك واحد أي لا يمكن أن نحصل على كوارك حر وسنرى تعليل ذلك بعد قليل .
يتألف الكون ككل من مادة وطاقة تتشكل المادة من حوامل المادة و القوى الرابطة لها أما القوى وحواملها فهي بالترتيب من الأضعف إلى الأقوى :
القوة الثقالية :
القوة الثقالية هي قوة عالمية أي أن كل الجسيمات تشعر بها بما يتناسب مع كتلتها وطاقتها والثقالة هي أضعف القوى عن بعد ولولا أنها تتميز بطول مداها الكبير وكونها تجاذبية دوماً لما شعرنا بها ولكن نتيجة تضافر قيمة هذه القوة في الجسيمات الأفرادية تبلغ قيماً محسوسة كالتجاذب بين الشمس والأرض أما عن القوى الثلاث الباقية فهي إما ذات مدى قصير وإما تجاذبية تارة وتنافرية تارة أخرى مما يؤدي إلى انعدام حصيلتها .
تحمل القوة الثقالية على جسيم نسميه غرافيتون يتميز بأنه لايملك كتلة ولا شحنة وهذا ما يجعل القوة التي يحملها ذات مدى كبير وهذا الجسيم وهمي (نقصد بالجسيم الوهمي ذلك الجسيم الذي يظهر بأثره في وسائل القياس دون أن يظهر في كواشف الجسيمات أي أننا لا نعرف عنه سوى مفعوله الفيزيائي).
القوة النووية الضعيفة :
وهي المسؤولة عن النشاط الإشعاعي الصادر عن بعض النوى (كأشعة ألفا وبيتا وغاما ). لم تفهم القوة النووية الضعيفة جيداً إلا عام 1967حين اقترح محمد عبد السلام و ستيفن واينبرغ النظرية التي توحد الضعيفة مع الكهرجطيسية فيما يعرف بالقوة الكهرضعيفة .
القوة النووية الضعيفة محمولة على جسيمات وهمية هي Z&w لهما كتلة كبيرة نسبياً وبالتالي هذه القوة ذات مدى قصير جداً ولا تتفاعل مع المادة إلا بشكل ضعيف
القوة الكهرطيسية :
والتي هي اجتماع للقوتين الكهربائية والمغناطيسية . أما المعادلات الحاكمة لها فهي معادلات مكسويل .
إن القوة الكهرطيسية حالياً هي من أكثر القوة المدروسة والتي استفدنا من دراستها في توليد الطاقة الكهربائية التي تعد المصدر الأكثر استخداماً وانتشاراً في العالم
تعمل القوة الكهرطيسية بين الجسيمات المشحونة بالكهرباء كالإلكترونات والبروتونات لكنها عديمة الأثر بين الجسيمات اللامشحونة وهي اكبر بكثير من القوة الثقالية .
وهنا يبدأ التمايز داخل القوة الواحدة ففي هذه القوة تقسم الجسيمات والأجسام إلى ثلاثة أنواع حسب شحنتها إلى موجبة وسالبة ومتعادلة والقوة بين شحنتين متشابهتين تنافرية وبين شحنتين مختلفتين تجاذبية ومحصلة التجاذب والتنافر ضمن مجموعة جسيمات أفرادية تتعادلان وتتفانيان تقريباً وتبقى للجسم الكبير (كالأرض مثلاً ) قوة كهرطيسية ضعيفة جداً . أما في سلم الذرات والجزيئات فالقوة الكهرطيسية هي الطاغية وهي المسؤولة عن جذب النواة للإلكترونات وبالتالي خلق الذرات .
القوة الكهرطيسية محمولة على جسيم وهمي هو الفوتون العديم الكتلة والشحنة .
القوة النووية الشديدة
وهي أشد القوى جميعها قدرة على التأثير وهي القوة الأكبر بين جميع القوة وهي والتي تمسك بين الكواركات التي تشكل البروتونات والنترونات وتربط البروتونات والنترونات معاً داخل نواة الذرة .
تحمل هذه القوة على جسيم وهمي يدعى غلوون لا يتفاعل إلا مع نفسه ومع الكوارك
تتميز القوة النووية الشديدة بأنها متناسبة طرداً مع البعد أي قوة الغلوون تزداد مع البعد بعكس جميع القوى وهذا ما يمنع حصولنا على كوارك حر لأننا بحاجة إلى طاقة لا نهائية لكسر غلوون والحصول على الكوارك الحر .
أما حوامل المادة فهي الهادرونات والتي تكلمنا عنها سابقاً والتي تتميز بأنها تتأثر بالقوة النووية الشديدة إضافة لباقي القوى والذي يشكل الكوارك الحجر الأساسي لبنائها أي هو جسيم أولي نعني بمصطلح الأولية في هذا السياق أن أياً من هذه الجسيمات لا يتكون من جسيمات أدنى منه ولكن الأولية كلما نسبية فما معنى أن جسيم أولي ؟
والليبتونات والتي تتميز بتأثرها بالقوة النووية الضعيفة ولا تتأثر بالقوة النووية الشديدة وهذه الليبتونات تضم الإلكترون والنيترينو كجسيمات أولية إضافة لجسيم تاو وميون .
ما النيترينو فتبدأ قصته عام 1931م حين كان العالم باولي يدرس إشعاع بيتا فوجد من خلال طاقة الجسيمات الناتجة طاقة مفقودة لم يستطع تحديدها حتى عام 1933م حين أعاد اكتشاف سر هذه الطاقة العالم أنريكو فيرمي ليطلق عليها اسم النيوترينو
النيوترينو واحد من الجسيمات الأساسية و الأولية التي تشكل الكون ينتمي لمجموعة الليبتونات كما أسلفنا له كتلة سكونية تساوي الصفر ولا يملك أي شحنة كهربائية وهذا ما يجعل النيوترينو لا يتأثر بالقوة الكهرطيسية (بعكس الإلكترون الذي يتأثر بهذه القوة) ينتج النيترينو عندانحلال(انحطاط) بعض الجسيمات مثل النترون والبروتون والميزون وتصدره أيضاً النجوم بغزارة وكثافة عالية وبما أنها لا تأبه إلا نادراً لوجود الجسيمات الأخرى فهي بذلك صعبة الالتقاط وهنا ظهرت أهمية هذه الجسيمات .
إن هذه الكثافة العالية لجسيمات النيوترينو في الكون تجعل منها مرشحاً لأن تكون المادة المظلمة التي تشكل الجزء الأعظم من الكون (المادة المظلمة تشكل 95%من كتلة الكون أي أننا لا نتكلم إلا عن ال5% فقط من الكون وكل هذه النظريات تشرح هذه ال5% فكيف حال الـ95%؟) وتظهر بتأثيرها الثقالي على المجرات والنجوم ولا يمكن أن نعرف عنها سوى مفعولها الثقالي هذا .ولكنها تمسك الكون بكتلتها الهائلة وبالتالي تمتلك سر تحديد نهاية الكون ومصيره سواء كانت هذه النهاية بتمدد الكون واستمرار تمدده حتى تفلت زمام الأمور من القوة الثقالية (في هذه الحالة كتلة المادة المظلمة كاملة لا تكفي لتماسك الكون وضبط توسعه) أو كانت بتمدد الكون لحد معين ثم تقلصه من جديد ليعود كما كانت لحظة ولادته (المادة المظلمة في هذه الحالة كافية لكبح جماح التوسع وقوة الجاذبية تعمل عملها) .
كما يمكن أن تشارك جسيمات النيوترينو بشكل كبير في الحلقة التي توحد القوى الكونية الأربعة (النووية الشديدة والكهرطيسية والنووية الضعيفة والثقالة) في قوة واحدة وفي قالب نظرية موحدة للكون هذه النظرية التي كان يعمل العالم أينشتاين على إيجادها في أواخر حياته لينتقل هذا العمل إلى هدف لكل عالم فيزيائي يبحث عن معادلة تفسر الكون من الانفجار العظيم (Big Bang) حتى نهاية الكون .
لقد أثبتت إحدى التجارب وجود كتلة للنيوترينو هذه الكتلة بالغة الضآلة لا تتجاوز واحد من عشرة ملايين جزء من كتلة البروتون ولعل ضآلة هذه الكتلة أخر اكتشافها لكن هذا لا يؤكد امتلاك النيوترينو للكتلة لوجود تجارب أخرى تثبت أن النيوترينو لا كتلة له فما زال الموضوع مفتوحاً ولم يعطي العلم الجواب النهائي بعد لأن إمكانية تفسير هذا السؤال تجريبياً في هذا الوقت اعتمادا على المسرعات الموجودة غاية في الصعوبة بسبب عدم توفر التكنولوجيا المناسبة و الطاقة العالية.
إذا تكلمنا عن حوامل المادة من ليبتونات وهادرونات بقي علينا أن نتكلم عن الشق الثاني من المادة ألا وهي المادة المضادة :
إن لكل جسيم جسيم مضاد له يتفانى معه ولنبدأ بشرح الجسيمات المضادة .
كما نعلم في القوة الكهرطيسية هناك الشحنة الموجبة ويأتي ضدها الشحنة السالبة ومن هنا بدأ المشوار :
في عام 1928 تنبأ العالم الفيزيائي البريطاني ديراك بوجود المادة المضادة وأن لكل جسيم جسيم مضاد ذا كتلة مساوية لكتلة الجسيم ولكنه يحمل شحنة كهربائية مختلفة الإشارة ويمكن أن تتجمع هذه الجسيمات المضادة لتشكيل ذرات مضادة فأكوان مضادة .
وعندما يصطدم جسيم بجسيمه المضاد يفني كل منهما الآخر وتنطلق أشعة غاما عالية الطاقة (وهذا مبدأ غير مطلق كما سنرى ) فلو تصافح إنسان مع قرينه المضاد فإن الانفجار الحاصل سيكافئ ألف انفجار نووي قوته ميغاطن يكفي الواحد منها لتدمير مدينة ولنتوقف قليلاً عند هذه الأرقام فلو استطعنا الحصول على المادة المضادة وتذليلها لحصلنا على مصدر طاقة رهيب جداً ولكن السؤال أين هي هذه المادة المضادة ؟
بعد أربع سنوات من تنبؤ ديراك أكتشف العالم الأمريكي أندرسون أول جسيم مضاد وهو البوزيترون وهو مضاد الإلكترون أي له كتلة الإلكترون وبشحنة موجبة وبعد ذلك توالت سلسلة اكتشافات الجسيمات المضادة كالبروتون المضاد ثم استطاعت البشرية ولأول مرة الحصول على ذرة مضادة (ذرة الهيدروجين المضاد ) وذلك من خلال تجربة دمج البروتون المضاد مع البوزيترون ولكن العلماء يحاولون البحث عن المادة المضادة في الكون المحيط بنا وللأسف لا يمكن أن توجد نجوم وذرات مضادة قريبة منا (قريبة بمعنى الأبعاد الفلكية) لأنها لو وجدت لكانت تفانت مباشرة مع أي ذرة عادية وهي موجودة بكثافة من حولنا ولانطلقت طاقة وأشعة غاما دلت على هذا التفاعل وحتى الآن لم نرصد مثل هذه الطاقة رغم تطور الأجهزة العاملة على ذلك ولكن على بعد أكبر من مدى أفضل التلسكوبات في العالم لا نعرف إن كانت هنالك مجرات ونجوم مضادة كما لا يوجد ما يثبت ذلك ومن جهة أخرى فإن علم الكون الحديث يزودنا بحجج تؤيد تكون الكون بكامله تقريباً من المادة العادية وذلك نتيجة أن الانفجار الأعظم (الفرضية التي تشرح نشأة الكون وتطوره ) أنتج فائضاً من المادة على المادة المضادة في لحظة الخلق الأولى وذلك نتيجة عدم تناظر صغير في قوانين الفيزياء (يسمى انتهاك قاعدة بقاء الندية ) وهذه الزيادة الصغيرة هي التي بقت بعد أن أفنت المادة المادة المضادة أما ما نقيسه من خلال الأشعة الكونية فهي مادة مضادة اصطناعية أي أنها تولدت بعد الانفجار الأعظم .ولكن يبقى هذا الكلام فرضي لم نستطيع إثبات خطأه حتى الآن .
ولنقف قليلاً عند معنى المضاد فمعنى مضاد هنا ليس فقط الأختلاف بالشحنة ولكن الأختلاف فيما يسمى العدد الكمومي ولكن لا سبيل للتحدث عنه هنا .
لنعود ونرتب أوراقنا :
تقسم جميع الجسيمات في الكون إلى بوزونات ذات السبين الصحيح (0,1,2) وتشكل حوامل القوى مثل الفوتون والغرافيتون والكليون وwوz .
والفرميونات ذات السبين الكسري (1/2) والتي تشكل مادة الكون (الهادرونات والليبتونات )والتي تخضع لمبدأ الاستبعاد لباولي (لا يمكن لجسيمين متماثلين أن يوجدا في حالة واحدة أي لا يمكن أن يكونا في الموضع نفسه والسرعة ذاتها مع احترام مبدأ الارتياب لهايزنبرغ (لا يمكن تحديد سرعة وموضع جسيم معاً) .
أما السبين فهو يعبر عن مظهر الجسيم عندما ننظر إليه من مناحي مختلفة يمكن تخيل السبين بأنه طريقة دوران الجسيم حول محوره وهذا افتراض تخيلي وغير واقعي فالجسيم الذي سبينه صفر يشبه نقطة من أية زاوية نظرنا إليه والجسيم الذي سبينه واحد يشبه السهم يختلف مظهره باختلاف منحى النظر ولا يعود إلى مظهره الأول إلا إذا دار دورة كاملة (360درجة) أما الجسيم الذي سبينه 2 فيشبه سهماً ذا رأسين ينطبق على نفسه بعد نصف دورة (180درجة) وهكذا . أما الجسيمات ذات السبين 1/2 فهي تحتاج لاسترداد مظهرها لدورتين كاملتين .
لقد أتت حوامل المادة والطاقة مع ولادة الكون أما للحديث عن ولادة الكون سنستخدم النظرية الأكثر شيوعاً وهي نظرية الأنفجار العظيم دون الدخول بتفصيلاتها :
تعود أصول نظرية الأنفجار العظيم إلى خطأ ارتكبه أينشتاين عام 1917 ووصفه فيما بعد بأنه كان أكبر مطب في حياته حيث ونتيجة للنسبية العامة حصل أينشتاين على حلول لمعادلاته تؤدي إلى أن الكون يتوسع مما دفعه تفادياً للوقوع في مشاكل بسبب نتيجته المعارضة لما هو سائد إلى إضافة حد لموازنة جنوح الكون إلى التوسع لكن عام 1929 أكتشف العالم إدوين هبل أن مجرتنا ليست وحيدة في الفضاء بل يوجد هناك ملايين المجرات وتلك المجرات تندفع مبتعدة عنا بسرعات خيالية مما دفع بأينشتاين إلى إسقاط حده الإضافي وهنا ولدت نظرية الأنفجار العظيم والتي تقول أن الكون كان متجمعاً في موضع واحد يدعى متفرداً كثافته لانهائية وقوانين العلم جميعها متوقفة هنا وكذلك الزمان والمكان .
هذا الحدث الكارثي حصل مابين العشرة حتى العشرين مليار سنة والرقم الأقرب هو 14.5مليار سنة والعلماء يستطيعون التحدث عن الأجزاء الأولى من الثانية الأولى من هذا الأنفجار عند الأنفجار العظيم كانت جميع القوى واحدة وبدأت بالتمايز بعد الأنفجار وبعد مرور واحد من ألف مليون من الثانية الأولى ولدت الكواركات والليبتونات والفوتونات وبعد ثلاث دقائق أخذت النوى بالظهور وبعد ثلاثمئة ألف سنة من حدوث الأنفجار ولدت الذرات وانخفضت درجات الحرارة إلى 3000كلفن مما سمح لذرات الهيدروجين بالظهور وتكونت النجوم والمجرات وأخذ الكون بالتوسع .
تشكل ذرات الهيدروجين باجتماعها مع بعضها ومع غبار كوني ما يعرف بالسديم الذي هو عبارة عن سحابة من الغاز والغبارو بتأثير من قوة الثقالة تتقلص السحابة وتزداد درجة الحرارة والضغط حتى تقترب الذرات من بعضها لمسافات معينة تظهر عندها أثر القوة النووية الشديدة حيث يندمج الهيدروجين مع بعضه ليكون الهليوم ويشع باقي الكتلة طاقة حسب معادلة أينشتاين وتعد هذه اللحظة لحظة توازن القوة الثقالية التي تدفع بذرات الهيدروجين للداخل والحرارة العالية والضغط المعاكس (القوة النووية الداخلية ) التي تدفع بالطاقة للخارج لحظة ولادة النجم وينتقل بعدها النجم لحياته الطبيعية والتي يستهلك خلالها غذائه النووي ويقدر عمر النجوم من خلال مدى إشعاعها أي اللون التي تظهر فيه فنجم مثل شمسنا يقترب لونها من البرتقالي يقدر عمرها بعمر الشباب أما العمر فيحدد بكتلة الهيدروجين وكلما كبرت هذه الكتلة كان عمر النجم أصغر وبانتهاء التفاعلات النووية في باطن النجم تبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة موت النجوم حيث تتحول النجوم إلى عمالقة حمراء نتيجة القوى الشديدة داخل النجوم وبعد ذلك تظهر المفارقة فأمامنا عدة حالات بعد العملاق الأحمر لموت النجوم :
الحالة الأولى نجم كشمسنا أو أصغر أوأكبر بـ1.4 كتلة النجم تضغط الذرات بحيث تتلاشى مدارات الإلكترونات منها ليتحول النجم إلى قزم أبيض صغير هادئ مهمل في مكان ما في الكون أما مادته النجمية فهي عبارة عن نوى تسبح في بحر من الإلكترونات من دون مدارات وتقدر كثافة هذا النجم بحوالي 5000.000غ/سم المكعب (ملعقة شاي من القزم الأبيض كتلتها حوالي 5طن) لا يشع القزم الأبيض فشمسنا مثلاً ستبتلع كوكب الزهرة والأرض وعطارد والمريخ وتصل لحدود كوكب المشتري وذلك في مرحلة العملاق الأحمر وتعود بعد فترة كونية للتقلص متحولة لقزم أبيض أما تسمية قزم أبيض فهي بسبب صغر حجم النجم ودرجة حرارته السطحية التي تتراوح بين 50.000و100.000درجة سلسيوس .
الحالة الثانية فهي النجوم أكبر من نجمنا الشمس بـ1.4 وأصغر بـ3مرات كتلة شمسنا هذه الكتلة لا تكتفي بضغط الذرات لتتلاشى مداراتها وإنما تستمر بالضغط حتى تندمج البروتونات مع الإلكترونات لتكوين النيترونات وهكذا تصبح مكونات النجم نيترونات فقط ونحصل على النجم النيتروني العالي الإشعاع وذو جاذبية عالية جداً و الكثافة العالية جداً التي تصل حتى (10قوة14)غ/سم المكعب كما يمتاز هذا النجم النيتروني بنصف قطر يصل حتى ثلاثين كيلو مترات فقط لكن له لف ذاتي كبير مما يسبب أشعاعات عالية يطلق عليها (النباضات ) وللمقارنة تزن ملعقة شاي من النجم النتروني ملايين الأطنان تم أول رصد لأول نجم نيتروني عام 1967 بعد أن اكتشفت جوسلين بل مع هيويش أجساماً أطلقوا عليهل النباضات تشع نبضات منتظمة من الأمواج الراديوية اعتقدوا في البداية أنها رسائل من سكان مجرات أخرى لكن أحلامهم وأمنياتهم توقفت عندما ألقى العلم كلمته فكانت هذه النباضات نجوم نيترونية وكانت أول أثبات لصحة التنبؤات .
بازدياد كثافة النجم النتروني لأكثر من 10 قوة 14 ينهار النجم النتروني داخلياً و ينقص نصف قطره ونحصل على ما يسمى النجم الكواركي
كانت هذه مفاجأة جديدة للعلماء قلبت مفاهيم العلم وجاء أول دليل رصدي ليؤكد صحة التوقعات (أول نجم كواركي هو Rxj1856) هذه التوقعات أعتمدت على معادلات تشندرا سيخار ويتميز النجم الكواركي عن النجم النتروني بسرعة دوران عالية جداً وتنبض بشدة أكبر وذات نصف قطر أصغر .
الحالة الثالثة والتي هي الحالة التي نحن بصدد دراستها مرحلة الثقوب السوداء فالنجوم الأكبر من ثلاثة أضعاف كتلة الشمس تتحول بعد مرحلة العملاق الأحمر لثقوب سوداء ولكن قبل الحديث عن الثقوب السوداء لابد أن نشير أن بعض النجوم التي تفوق كتلتها 12 مرة كتلة الشمس تنفجر متحولة لمستعرات أعظميه (سوبر نوفا تطلق الطاقة بكميات هائلة في الكون كما تطلق مع طاقتها الهائلة المواد الثقيلة والتي جاء الحديد في الأرض عن طريقها وبعد ذلك يتحول النجم المتبقي من السوبر نوفا إلى نجم نيتروني (إذا كانت كتلة النجم بين 15 و30 كتلة شمس ) أو ثقب أسود (30 فما فوق مرة كتلة شمس ).
نعود للثقب الأسود فالثقب الأسود هو حيز من الفضاء يحيط بجسم تداعى وانكمش إلى أبعاد صغيرة لدرجة أصبح معها الجذب الثقالي كبيراً لدرجة أن الضوء نفسه لا يستطيع أن يهرب من قبضته .
إن مصطلح الثقب الأسود مصطلح جديد قال به العالم ويلر عام 1969 لكن فكرة الثقب الأسود فكرة قديمة جداً بدأت منذ الصراع العنيف الذي شهدته ساحة الفيزياء بين كون الضوء موجة أو جسيم ونحن نعلم الآن أن الضوء له الوجهين كليهما فهو موجة وبنفس الوقت جسيم ؟ وفي عام 1783نشر العام ميتشل مقالة تتعلق بنجم كبير وله كثافة عالية ويتمتع بحقل جاذبية شديد لدرجة أن الضوء نفسه لا يستطيع الإفلات سيكون هذا النجم غير مرئي لكنه يؤثر ثقالياً بالأجسام القريبة منه وبقيت هذه الفكرة منسية حتى جاء العالم العظيم أينشتاين بنسبيته العامة التي أوضحت مفهوم الثقالة وفتحت المجال للبرهان على الوجود الرياضي لمثل هذه الأجسام وهنا جاء دور العالم الهندي تشندرا سيخار الذي برهن اعتمادا على النسبية العامة وجود الثقوب السوداء وآلية عملها وكيف ولدت( جميع حدود موت النجوم أصبحت تدعى حد تشندرا سيخار) وأثبت أن النجم يستطيع أن يحافظ على نصف قطر ثابت اعتماداً على مبدأ الارتياب والثقالة وبالحساب وجد أن النجم الأثقل من الشمس بمرة ونصف (حد تشندرا سيخار) يعجز عندما يبرد (بعد مرحلة العملاق الأحمر ) عن تحمل ثقالته الذاتية وبالتالي يتحول لنوع جديد ولم يستطع تشندرا متابعة أفكاره بسبب استنكار رجال العلم في ذلك الوقت حول هذه الأفكار فتوقفت أعمال تشندرا حتى عام 1939 حيث عاد العالم أوبنهايمر لطرح هذه الفكرة من جديد وامتد بها ليقول أن الحقل الثقالي للنجم يغير مسارات الأشعة الضوئية في الزمكان وبالتالي فالضوء يتأثر بجاذبية النجم فالنجم ذو الجاذبية الكبيرة جداً ممكن أن يقيد حركة الضوء ويمنعه من متابعة رحلته وجاءت الحرب العالمية الثانية لتوقف أعمال أوبنهايمر وفي نهاية القرن العشرين وبسبب القفزة الفضائية الكبيرة عاد العلماء لطرح هذه الأفكار ودراستها وهنا ولدت فكرة الثقوب السوداء هذه الثقوب التي تملك حقلاً ثقالياً كبيراً ضمن حجم صغير نسبياً .
وجاءت أعمال العالم الكبير ستيفن هوكنغ لتكشف الستار عن الثقوب السوداء ودعمت هذه الأفكار الأرصاد الحديثة والمتطورة وخاصة ما أتى به مقراب هابل الفضائي الذي سبب قفزة علمية في دراسة علم الفلك وبين أمور كثيرة كانت خافية علينا .يتميز الثقب الأسود بوجد إطار به يسمى أفق الحدث وهو الحيز المكاني الذي لا يسمح للضوء من الإفلات بعد اختراقه ولأفق الحدث دور هام ورئيسي في دراسة الثقب الأسود وتحديد هويته والكشف عنه فالثقب الأسود لا يصدر أية أشعة أو أية جسيمات بل يمتصها بداخله ولكن أفق الحدث هو الذي يصدر الإشعاعات التي تدل على وجود الثقب الأسود فهو يحتوي على حقل جاذبية ذي قوة هائلة تؤثر على مسافات بعيدة عن الثقب الأسود وبالتالي يمكن لهذا الحقل الضخم حسب نظرية الكم الحديثة أن تولد جسيمات مادية وتبث إشعاعات حرارية وهي ما ترصدها المراصد وتعد أهم دليل على وجود الثقوب السوداء وأهم هذه الأشعة هي الأشعة السينية الهائلة المنطلقة بجوار الثقب الأسود نتيجة تعرض الغازات لقوى المد الثقالي الهائل فتنضغط تلك الغازات مطلقة هذه الأشعة لكن ما كشف عملياً عن وجود الثقوب السوداء هو في استمرار الثقب في تسليط قوة ثقالية هائلة على الأجرام القريبة منه وهذا ما شاهده الفلكيين حيث كشفوا أنه في المجموعة النجمية التي تدعىالدجاجة (سيغنوس) هناك نجم واحد يدور حول رفيق غير مرئي يصدر أشعة سينية غزيرة والمادة تمتص من النجم المرئي باتجاه نجم غير مرئي ومن خلال الرصد تمت حساب كتلة النجم غير المرئي ووجد أنها تساوي ستة أضعاف كتلة الشمس وبالتالي فالاحتمال الأكبر أن النجم الغير المرئي هو ثقب أسود وهذا مثال واحد من عدة أمثلة فالنسبية العامة تأكد وجود العديد من الثقوب السوداء في الكون للحفاظ على التوازن الكوني من الانهيار .
يتميز الثقب الأسود بثلاث محددات هي كتلته وشحنته وسبينه أما كيف اكتسبت هذا اللف (السبين) فيقول علماء من ناسا أن المواد التي أفنيت داخل الثقب هي التي تزود الثقب بحركته .
لقد طرح العالم هوكنغ فكرة تبخر الثقب الأسود وتحولها إلى ثقوب سوداء مصغرة أول أختفاءها تماماً حيث اعتمد هوكنغ على مبدأ هايزنبرغ في الريبة الذي ينص أن هناك احتمالاً ضئيلاً لكنه غير معدوم بأن يعاكس شعاع ضوئي قوة الجذب الثقالي الهائلة وأن يهرب من قبضة هذه القوة مما يخلق هذا الضياع المستمر للطاقة ثقباً أسود مصغر قد يكون البروتون وحتى الألكترون أو قد تصل كتلته للصفر ويختفي كلياً .
ماذا يحدث في داخل الثقب ؟
إن هذا السؤال يحمل خلفه آلاف الافتراضات والنظريات ومنها والتي تعتمد على نظرية أينشتاين النسبية والتي تقول بأن في داخل الثقوب السوداء وخلال زمن غاية في الصغر تفتح مجالات كالأنفاق تصل الثقب الأسود مع كون ثاني فهو طريق يصل بين كونين تسمى هذه الأنفاق بالأنفاق الدودية فإذا استطاع أي إنسان أن ينفذ منها ولن يستطيع لأن أفق الحدث يكون بانتظاره يمر من كوننا لكون ثاني وما الثقب الأسود هنا إلا نافذة بين كونين تأخذ المادة من كون لتضعه في كون ثاني!؟ .تبقى هذه فرضية ولكنها فرضية جميلة تطلق العنان لكتاب الخيال العلمي ليبحروا بخيالهم لأكوان وحضارات أخرى .
عن قوانين الفيزياء متناظرة زمنياً فإذا كانت هناك أجسام تدعى ثقوب سوداء يمكن للأشياء السقوط فيها بلا عودة فإنه يجب أن تكون هناك أجسام تخرج منها الأشياء لكن لا يسقط فيها شئ تدعى مثل هذه الأجسام الثقوب البيضاء حيث تشع الطاقة و المادة في الفضاء دون أن تأخذ شيء ولكن هذه الفرضية مازالت موضع بحث فهي لم تبرهن رياضياً بشكل كامل ولم ترتقي لمستوى الثقوب السوداء من البراهين
وهناك أفكار تلوح في الأفق تؤكد على أن في قلب كل كوازر ثقب أسود أما الكوازارات فتبدأ قصتها عام 1963 على يد العالم الفلكي شمدت وكان أول كوازار هو (3C273والتي تعني المنبع رقم 273 في الكراس الثالث من تصنيف كمبردج للمنابع الراديوية ) حيث لاحظ شميدت الانزياح الكبير نحو الأحمر( انزياح لخطوط طيف الأجرام السماوية ناجم عن مفعول دوبلر بسبب حركة ابتعاد الجرم عنا ) يترافق بأمواج راديوية غزيرة يطلقها هذا المنبع فأطلق عليه مصدر راديوي شبه نجمي (Quasi Stellar Radio Sources) وأختصاراًQUASAR تتحرك الكوازارات بسرع عالياً جداً مبتعدتاً عنا بمسافات كبيرة ولكن بعد أطلاق مرصد هابل وجد أن هناك كوازارات كبيرة جداً دفعت للقول عنها بأنها نواة مجرات فتية ونشطة وتحول الكوازار من مصادر راديوية شبه نجمية إلى أشياء شبه نجمية (Quasi Stellar Objects) تصل سرع الكوازارات حتى 80% من سرعة الضوء وهي تقع على حدود الكون أي تبعد عنا حتى 14 مليار سنة ضوئية أما كيف يمكن للكوازار أن يطلق هذه الكميات من الطاقة فتقول أحد الفرضيات أن ثقب أسود هائل الكتلة (بحدود 100 مليون شمس ) يجذب المادة من حوله التي تتهاوى بمسارات حلزونية تدفع الثقب بالتدويم باتجاهها مما يتيح توليد حقل مغناطيسي ويدفع بالجسيمات العالية الطاقة جداً أن تصدر الأشعة السينية الغزيرة إضافة لذلك يشكل هذا الثقب و بسبب امتصاصه للنجوم والغبار الكوني قرص يسخن بالأحتكاك ويتوهج معطياً كوازار .
كما يمكن أن تكون الكوازارات نهاية ثقوب سوداء تبخرت وأعادت ما ابتلعته كما يمكن أيضاً أن تكون الكوازارات ثقوب بيضاء فما زالت الأسئلة التي تطرحها الكوازارات أكبر مما أجاب عنه العلم .
وقد وصلنا إلى محطتنا الأخيرة وصلنا إلى أبعد شيء في الكون وهي الكوازارات لكن مازال هناك العديد من الأسئلة التي تنتظر الإجابة وحتى في رحلتنا هذه وجدنا من إشارات الأستفهام وإشارات التعجب أكثر بكثير مما وجدنا من إجابات فكلما إزدادت معرفتنا يزداد جهلنا وتزداد الأسئلة المطروحة لأن العلم لا نهاية له …
قائد الرحلة
محمد العصيري
المصدر
http://www.hazemsakeek.com/vb/showthread.php?320/page2