الآثار السلبية لعولمة الإعلام :
في تحقيق أجرته جريدة عكاظ مع بعض مدمني مشاهدة الأفلام اعترف عدد منهم بخطورة هذه الأفلام “وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا” (يوسف: من الآية 36) وكان مما قالوه:
ا- قال شاب: إن هذه الأفلام عديمة الفائدة، والتي تعتبر مضيعة للوقت بالإضافة إلى كونها الطريق إلى اكتساب عادات وأفكار سيئة تؤدي إلى انحراف بعض الشباب، خاصة في مرحلة المراهقة.
2- واعترف آخر بأن بعض هذه الأفلام قد تتسبب في انحراف الشباب الذين ليس لديهم وعي كامل بخطورة ما تحتويه.
3- وثالث يقول: لهذه الأفلام سلبيات، منها ضياع الوقت، واكتساب أفكار قد تكون سيئة(1).
أما المجتمعات الأخرى “فقد عزا الغربيون مثل (ريجيس دوبريه) في كتابه الموسوم بـ “الميديولوجيا: علم الإعلام العام” عزا هزيمة الشيوعية إلى انتصار ما أسماه (بالفيديولوجيا) على (الأيديولوجيا)، أي انتصار الاستهلاك الفوري الذي يروج له التليفزيون المرئي (الفيديو) على حساب الأفكار والقناعات (الأيديولوجيات).
وفي دراسة (لبنيامين باربر) تحت عنوان “ثقافة الماك وورلد في مواجهة الديمقراطية”، يقرر محرر الدراسة أن الثقافة العالمية الأمريكية هي الترجمة الحرفية (للفيديولوجيا)، التي تتعارض مع الثقافات القديمة، ولكنها تلجأ إلى أسلوب آخر، فـ”ماك وورلد” يتزين قليلا بطابع الثقافات التي يلتهمها، فإذا بالإيقاعات الأمريكية اللاتينية تتداخل مع “البوب” في الأحياء المكسيكية الفقيرة في لوس أنجلوس، ولنا أن نقول: ربما تغير النمط قليلاً في بعض الدول العربية بإخراج وجبة (بينية) “ماك عربي”،على نمط القبعة الأمريكية والثوب العربي.. ثم يقول باربر: وإذا بـ (ميكي) يتكلم الفرنسية في ديزني لاند باريس. ووفقاً لوجهة نظر باربر فإن قناة الموسيقى الأمريكية، والماكدونالدز، وديزني لاند، هي في نهاية المطاف، وقبل كل شيء، أيقونات الثقافة الأمريكية، وهي أحصنة طروادة التي تتسلل من الولايات المتحدة إلى ثقافة سائر الأمم.
ويقول: إن أيقونات الثقافة الأمريكية الجديدة يتم تسريبها إلى الثقافات العالمية التي تبدو عاجزة عن مقاومتها، عن طريق أشباه المنتجات الثقافية، كالأفلام أو الدعايات، وتتفرع منها مجموعة من السلع المادية ولوازم الموضة والتسلية، وهكذا لا تبقى أفلام “الملك الأسد” و”جوراسيك بارك” و”تايتانيك” مجرد أفلام، وإنما تصبح وسائل حقيقية لتسويق الأغذية والموسيقى والألبسة والألعاب والأنماط الاجتماعية والأفكار الثقافية.
إن أيقونات الثقافة الأمريكية الجديدة تنتج التماثل والتشابه وهذا بدوره كما يرى علماء النفس يسهل عملية التحكم والسيطرة، وأبعد من ذلك إنتاجها لنفس أنماط السلوك، فمن وجهة نظر (ريجيس دوبريه) أن كل دقيقة عنف ينتجها فيلم كفيلم “الحديقة الجوراسية” ينقل مستهلكا من الشرق إلى الغرب. فالأسواق تحتاج إلى عملة واحدة هي الدولار، وإلى لغة واحدة هي الإنجليزية وإلى سلوك متشابه في كل مكان يجد تعبيره في سلوك أبطال الثقافة الجديدة.
ومن وجهة نظر (ريجيس دوبريه) كذلك: أنهم أول حضارة أقامت مذبحا منزليا للتبذير، هو “جهاز اللاقط” وأوبريه لا يتوقف عند مستوى الاستهلاك الذي ينحته التلفزيون في حياة البشر، من خلال الدعاية التي تقولب ومن خلال أفلام الجنس والعنف، فهو يرى أن هذا “المذبح المنزلي” ستتحطم عليه قناعاتنا وخياراتنا وعاداتنا، لأنه ينشر اللامبالاة والاستهلاك والقبول السطحي وبالأخص الإشاعة الاجتماعية، يقول (دوبريه): إن التلفاز بالتأكيد يذهب إلى أبعد من الكتاب المطبوع ولكنه أقل عمقا. فدرجات التأثير ربما تكون بعكس مساحات التغطية. وصلابة قناعاتنا تنقص عندما تزيد سرعة المعلومات ومرور العلامة.
إن (باربر) يرى أن الترويج أو الدعاية للمنتجات الأمريكية يعني الترويج لأمريكا وثقافة السوق والمخازن التجارية التي تفرض علينا القيام بفك ارتباط بهويتنا الثقافية، ما عدا صفة المستهلك، والتنكر لمواطنيتنا لنتذوق أكثر هذه المتعة الوحيدة الناتجة من التسوق.
أثر آخر من آثار العولمة الإعلامية يتحدث عنها فيريليو، فمن وجهة نظر فيريليو أن هناك فارقا جوهريا بين القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، فإذا كانت “جنية الكهرباء” على حد تعبيره قد أضاءت المدن إضاءة مباشرة في القرن العشرين، فإن القرن الواحد والعشرين سيشهد “الإضاءة غير المباشرة للعالم ” بحيث يصبح في الإمكان بفضل التكنولوجيات التليفزيونية التي تتطلب منهجاً بصرياً شمولياً جديداً، يقوم بمراقبة كل شيء، النظر إلى كل شيء، والانشغال بكل شيء.
فإذا كانت بعض كبريات الصحف في ديسمبر 1997 خصصت صفحتها الأولى للكلب الجديد الذي كان قد حصل عليه زعيم دولة عظمى، وتولت صفحة في الداخل إكمال الملف، محللة -على حد تعبير بعض محرري لوموند ديبلوماتيك- موقع الحيوان في تاريخ ذلك البيت الرئاسي الأبيض، ومستعيدة قائمة الكلاب السابقين الذين حلوا ضيوفا على ذلك البيت. فما بالك بما يمكن أن ينشر ويقرأ وينظر عبر وسائل الإعلام العالمية المختلفة، وبماذا يمكن أن يشغل الناس!”(2).
هذا نذر مما ذكره بعض الغربيين، ولاشك أنها أثار سالبة وأخطار فعلية، ولكن ليت الإعلام العالمي اكتفى بهذا، إن كثيراً مما سبقت إشارة إليه من مفاسد مترتبة على العولمة عامة والثقافية منها خاصة، تتحمل الوسائل الإعلامية وزرها، ولكن بالإضافة إلى ما ذكر من آثار سلبية، في العولمة الثقافية، على العقيدة خصوصاً وعلى الثقافة عموماً هناك أمور مهمة جداً، نعرض لها في حلقة أخرى بمشيئة الله تعالى.
______________
(1) جريدة عكاظ العدد (9186) الملحق.
(2) مستفاد في مجمله من مقال بعنوان: الخواء الثقافي وظاهرة انتشار المسوخ، تأملات من عصر العولمة، لتركي الربيعو، وقد نشر في صحيفة نزوى العمانية العدد الثاني والعشرون، وقد أحال النقول إلى مصادرها