التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

مدارس الاتصال الانساني

الفصل الرابع :
المدرسة الحديثة
(البنوية في اللسانيات)

توطئة
شهدت الثلاثينيات من عصرنـا هذا نشأة و نمو اللسانيات البنوية في آفاق متعددة كالصوتيات و القواعد و علم الدلالة و إذا قدٌر لنا أن نتساءل عن الشخصيـة التي تلقفـت هذا التيار فإننـا واجدون و لا شك اسم ”سوسير“ ، و الذي يعد أول من دعا إلى دراسة اللغة وفق المنهج البنوي الوصفي من حيث هو بديل منهجي عن المنهج التاريخي وطريقة القواعد المقارنة في رصد الظواهر اللسانية الجزئية ، بينما يضطلع المنهج الوصفي بالبحث في سمات النطام اللغوي في لحظة زمنية معينة قصد الكشف عن وظيفة عناصره الداخلية ، ثم تطور هذا المنهج على يد تلاميذ سوسير وشكل توجها مدرسيا عرف بالبنوية وأنصاره بالبنويين(le structuralism ) . والبنوية في أصلها اللغوي اشتقت من كلمته Struere ومعناها البناء ، و لهذه الكلمة في اللغة الفرنسية Structure دلالات مختلفة منها ، النظام Ordre ، التركيب Constitution و الهيكلة Organisation ، و الشكل Forme بالإضافة إلى هذا فإن علوما أخرى غير اللسانيات قد استعملـت هذا المصطلح كعلم الإجتماع و علم الإقتصاد و الكيمياء، و الجيولوجيا و الرياضيات و الفلسفـة . و الواقـع أن المعنى الدقيـق لكلمة Structure لم يتم تحديـده إلا في عام 1926 و على يد مدرسة ”براغ“ اللسانيـة ، و يفيد هذا المصطلح معنى الترتيب الداخلي للوحدات التي تكون النظام اللساني.و لقد تعـرض عدد من الباحثيـن اللسانيين لهذا المصطلــح ، و تمثل لهـم بـ ”جورج مونان George Monane “ هذا الأخير الذي يرى أن كلمة بنية ليست لها أيـة رواسب أو أعماق ميتافيزيقية فهي تدل عنده على البناء بمعناه العادي . هذا وترى النظرية البنوية التي بدأت عند ”سوسير“ وازدهرت عند بلومفيلد“ Bloom field ، ترى أن دراسة المادة اللغوية التي أمامنا باعتبارهـا الشيء الحقيقـي تم دراستهــا في إطار سلوكي يؤكد أن أي فعل لا يفهم إلا في ضوء المثير ” Stimilus “ و الإستجابـة ” Réponse “ وقد أفضـى ذلك بطبيعـة الحـال أن يكون المنهج البنوي منهجا استقرائيا يبدأ أولا بجمع المادة و يصل بعد ذلك إلى القاعدة أو إلى النظرية،يقول ميشال فوكو :”إننا نحدد بلفظة ‘بنيوية’مجموعة من الاختصاصات والشواغل وعددا معينا من التحاليل لها في الواقع موضوع واحد ! نعم إنني أحدد البنيوية والبنيويات المختلفة بوحدة الموضوع ، وإن يبدو ذلك مفارقة غريبة .
مدرسة جنيف

أصبح من التقليدي القول بأن فردينان دي سوسير هو أب اللسانيات الحديثة فبفضله أصبحت دراسة اللغة تتم وفق منهج علمي وصفي آني يتوخى الشمول والدقة وعدم التناقض وقبل الحديث عن هذه الشخصية وأثرها في حقل الدراسات اللسانية لابد أن نقف مع الجوالعام الذي ميز أواخر القرن 19م وبداية القرن العشرين.
ففي 1890 ظهرت اتجاهات جديدة في التحليل العلمي للظواهر الاجتماعية وبصفة خاصة الأحداث الاقتصادية ، وقد بني في أغلبها على فكرة تقدم المجتمع علىالفرد وأسبقية المؤسسة من حيث الوجود على الشخص الذي هو وليد الاجتماع والعمران يقول أوغست كونت زعيم هذه النظرية في كتابه “روح الإيجابية “إن الإنسان الحقيقي لا وجود له إنما الموجود هو الإنسانية “،ويقول “كارل ماركس : ” إن وجود الإنسان الاجتماعي هو الذي يسبب وعيه وليس العكس” وإن كان ليس مهما التوغل في هذه الآراء الفلسفية ونحن بصدد دراسة المدارس اللسانية إلا أننا ننبه إلى ذلك الأثر الكبير الذي تركته فكرة تبعية العنصر إلى المؤسسة والذي لا تثبت له قيمة إلا من خلال علاقته بها في العلوم الإنسانية وخاصة اللسانيات كما نبه “إميل دور كايم ” اللغوين إلى فكرة “العامل الاجتماعي ” بعد أن كانوا غافلين عنها يهتمون فقط باللغة في مستوى الأفراد فربطوا مثلا تطور اللغة عبر الزمان والمكان بتطور مخارج الأصوات عند الأفراد وتطور العقل البشري متناسين أن هؤلاء الأفراد يكونون وحدة شعورية أو وعيا جماعيا سابقا على وجود الفرد وباقيا بعده ، وهذا الوعي الجمعي له قوة يفرضها على الفرد، ويبدو أن التحول في الرؤية بدأ مع انطوان مايه الذي صرح لأول مرة بأنّ اللغة حدث اجتماعي بالدرجة الأولى فكان أن كرس هذه النزعة الاجتماعية وقد تابع سوسير بنفسه بكل عناية واهتمام هذه الآراء التي انعكست بجلاء في تعريفه للغة.ويبدو أن اللغويين تأثروا أيضا بمفهوم المجموعة عند الرياضين ،وكانت هذه النظرية قد ظهرت على يد الكلماني “كانتور” (1845/1918)، كما امتنع الكثير منهم بضرورة الانطلاق من الدراسة الآنية لأن المنهج التاريخي بات غير قادر على تحديد طبيعة الأشياء والظواهر فهو يقول لك: كيف كانت تلك الظاهرة وذلك العنصر في فترة ما، وكيف أصبح في فترة لاحقة ولكنه لا تبين حقيقتها ولا صفاتها وآلية حركتها (وظيفتها)، فأنطوان مايه تبنى أن تستبدل المفاهيم القديمة بمفاهيم علمية دقيقة قريبة من روح العلم يصطلح على تسميتها باللسانيات العامة والتي يجعلها –في زعمه- مقدمة تمهيدية لدراسة اللغات تاريخيا.
ونحن نتحدث عن الظروف الحافة بنظرية سوسور لاننسى تلك الفكرة التي نادى بها “وليام وتني “الأمريكي والتي تقول بوجود نظام باطني يمثل الصورة أو الصيغة الناتجة عن التركيب والذي يخالف مجموعة العناصر الجزئية ، وهذه الفكرة نفسها كانت منطلقا لسوسير ليعرض النظام (والبنية ) باعتباره كيانا على حدة مبدأه التناسق ويفرض على عناصر المجموعة الخضوع لعلاقاته.
إن أول من وضع وحدد معالم هذه الأفكار اللسانية الجديدة هو سوسير الذي أخرج للناس نظاما منسجم الأطراف جعلنا نعجب كل العجب لقدرته النفسية في توضيح المفاهيم المتداخلة والتمثيل لها والتوفيق بين المتنافضات ، ورغم قيمة ما خلفه هذا اللسانين إلا أن آراءه لم تشتهر إلا بعد 1929 وذلك للبس التالي:
1-المحاولات الأولى لقراءة سوسير كانت جد سطحية بسب هيمنة التفكير التاريخي على العقول وكتابات مايه ومارورو وجهبرسن من هذا القبيل.
وكان من حظ هذه النظرية أن قيّض لها القدر عالمين روسيين تفطنا لقيمتها في ترقية العلوم الإنسانية وهما “رومان جاكبسون” والأمير “نيكولاي تروتسكوى “بعد أن اطلعا على آراء سوسير بفضل تلميذه “كارسفسكي” الذي سافر إلى روسيا 1917، وعرضت هذه النظرية لأول مرة أمام أعضاء المؤثمر الدولي للسانيات المنعقد في لاهاي 1920 ، ومن ذلك الحين توالت ترجمات تلك المحاضرات إلى لغات شتى في العالم كاليابانية سنة 1928 والألمانية 1931 والروسية 1933 والإسبانية 1945 والانجليزية 1959 والايطالية 1967 والعربية 1985 .
نبذة عن حياة سوسير:
ولد سوسير في جنيف سنة1857 في أسرة لها حظ في العلم، ودرس في لايبزيش الألمانية 1876 ،وكتب له أن يحضرذلك النقاش العلمي الذي وقع بين كوريتوس ونخبة من النحاة الجدد على رأسهم كارل بروجمان، وكان قد أنهى عمله سنة1878 المسمى: “رسالة في نظام الصوتيات في الهند وأوروبية وتحصل بعدها وهو ابن 22سنة على درجة دكتوراه حول موضوع حالة البحر المطلق في السنكريتة ،ولم يعنى خلال فترة التدريس من 1880/1891 بفرنسا إلاّ بالنحو المقارن والتاريخي وكذلك كان حاله بعد عودته إلى جنيف إلى غاية 1896 وفي 1907 قرر العودة بعد انقطاع للتدريس لأسباب اجتماعية مر بها كان لها أثر في نفسه وخلال هذه الفترة قدم بكل دقة آراءه التي طالما حلم بأن تكون نظرية عامة لتفسير اللغة ودراستها .
ولسائل أن يسأل ماذا يمكن أن يضاف من قول عن دي سوسير ، فقد بات معروفا لدى العام والخاص من رواد المعرفة اللسانية ، إلا أنه يجب أن نعلم أن الصورة المثلى التي خص بها لم تكن تتصف بالصفاء التام ، ذلك أن نظرياته لم يحظ جميعها بالموافقة المطلقة بل قام بعض الدارسين بنقدها والتعديل منها أو يدحضها وتجاهلها ،وكذا العدول عن فكرة قرن نشأة اللسانيات بسوسيرفإن جاز لنا القول “بوجود أب للسانيات فإنه يجب أن نقر كذلك بأن لها أجدادا سابقين ” ويمكننا حصر الأعمال المهتمة بآثار سوسير فيما يلي:
أ- اتجاه لا يخلو من موقف دفاعي عن نظريات سوسور والصيفة التي نشرت عليها (ج .مونان).
ب-اتجاه يتمثل في نشر تقييدات سوسور ومنشورات دروسه وإعادة تحقيق كتابه (ر.قودال، رانقلار).
ج-اتجاه يحاول إعادة قراءة سوسير على ضوء من دروسه ومخطوطاته وسيرته (ر.أمكار، توليودي دي مورس و ج ستارونيسكي).
د- اتجاه يطعن صراحةفي قيمة النص والنظرية ذاتها (ج ل ، كالفي) . وما يمكن التذكير به ونحن بصدر وصف الاطار الثقافي الذي ظهرت خلاله نظرية سوسير اللسانية أنّ هذا الأخير أولى عناية بالغة بالشعر القديم في بعض ظواهره الفنية كالجناس وظاهرة الترجيع الصوتي فيما يربو عن 140 كراسا بالإضافة إلى إحجامه عن الكتابة في موضوع اللسانيات ردحا من الزمن معللا ذلك بعدم وجود كلمة واحدة في هذا الميدان يمكن اطلاقها على موضوع محدد وأن المرء لا يكاد يفرغ من الجملة التي بدأها حتىتخامره فكرة العدول عنها وإعادتها خمس مرات أوستا… ، لقد كان سوسير كسقراط واليسوع لم يكتب أبدا
سوسير واللسانيات الحديثة

يمكن بسط آراء سوسير التي تأسست عليها النظرية اللسانية المعاصرة في ضوء نصوص المحاضرات من خلال النقاط التالية :
أ-الثنائيات السّوسيرية
لم يكن ولوع سوسيربإبراز أوجه التناقض في اللسان بمجرد رغبة أولإشباع نزوة أو هوسا على حد تعبير فيكتور هنري بقدر ما كانت تلك الثنائيات نتاج تمحيص لبنى اللغة ، ويبدو أن هذه الثنائيات لا تمثل تطابقا ،واختلافا جذريا كما يتصورها البعض أن تكون فهي متداخلة ، ويبدو أن هذه الثنائيات لا تمثل تطابقا واختلافا جذريا كما يتصورها البعض أن تكون فهي متداخلة ، وتبدأ حين تنتهي سابقتها ، وليس لأحدهما قيمة إلا بالأخرى فالفصل الذي يقيمه الدارس بين الدراسة التاريخية والآنية لايحدث على مستوى الأشياء المدروسة لغويا ، وإنما في مستوى الذهن فهي كخطوط الطول والعرض تسهل على الدارس لجغرافيا الأرض فقط ، وإن لم يكن لها وجود فعلي وواقعي إلا أن كالفي يصر ّعلى وجودها المادي المتحقق ، إن ثنائيات سوسير تكشف عن مجمل تصوره اللساني ،وقد أضحت هذه الثنائيات مبادئ أساسية للسانيات العامة ،وربما كان مهما في التأسيس اللساني عرضها كما وردت في محاضرات سوسير و هي كالآتي :
1- اللّغة والكلام .
2- الشكل والمادة
3- الدّال و المدلول.
4- الآنية و الزّمانية.
5- العلاقة الجدولية و العلاقة الأفقية.
1- اللغـة و الكـلام :
فرق دي سوسير بدقة بين الثنائي الذي كان مترادفا عند علماء اللغة التقليديين و هو اللغةLanguage و الكلام Speech أو كما قال: Langue et Paroleعلى أسـاس أن اللغـة في حقيقتها نظام اجتماعي في حين يعدالكلام الأداء الفردي الذي يتحقق من خلال هذا النظام و أن الصلة بينهما هي عين الصلة بين الجوهري ”اللغة “ و العرضي وهو ”الكلام أي أنه ميز بين لغة مجموع الجماعة المتكلمة ( التي توجد في الوعي الكلامي لكل فرد ) و ظاهرة الكلام الفردي ( الذي يعكس نموذج اللغة الذي يمتلكه كل فرد متكلم مستمع ينتمي إلى مجتمع لغوي متجانس Langue ) .و إذا لم نحاول إقامة تفريق بين اللغة و الكلام ، و عددنا العلاقة بينهما علاقة تكامـل ، نكون قد انطلقنـا من تصور ،و هـو أن اللغـة ملك لمجموع الجماعة المتكلمة، و لكنها تتحقق فعلا عن طريق الكلام الفردي parole، و الكلمات المنطوقة بالفعل تنسجم من حيث المبدأ مع المعايير التي تفرضها لغة المجتمع المتكلم ، فالكلام تجسيد للغة في المجتمع .إن اللغة قوامها الشكل واللفظ قوامه المادة الصوتية والدلالية ،وهو الذي ندركه مباشرة يمكن اللغة التي لا تظهر للعيان ولا تخضع للتجربة إلا من خلال الآداء اللفظي ، وقد دعى سوسير إلى اقامة لسانيات اللغة تميزا لها عن لسانيات اللفظ مشيرا إلى أن الدراسة اللسانية خاصة بالنوع الأول غير أن هذا التمييز لم يظهر تطبيقا إلا على يد أندريه مارتييه فهو يرفض مبدئيا وجود ألسنية لفظية بإزاء ألسنية لغوية ،ونجد هذا التمييز في نظرية “تشومسكي” حين يميز بين القدرة والإنجاز اللغويين على ما في تشبيه ثنائية سوسيربثنائية تشومسكي من مبالغة. بصفحة الماء ،والتي هي أمر خارج متميز عن الماء والهواء وبالتالي فإن الشكل الذي يقع حسبه التقطيع والتجزئة في مستوى الفكر الصوت هو اللغة التي اعتبرها سوسور موضوعا للدراسة اللسانية بمقولته الشهيرة ” دراسة اللغة في ذاتها ” ويجب بهذا التصدد التعريف بين ثنائية (شكل /مادة) وبين (شكل /مضمون).والتجزئة في مستوى الفكر الصوت هو اللغة التي اعتبرها سوسور موضوعا للدراسة اللسانية بمقولته الشهيرة ” دراسة اللغة في ذاتها ” ويجب بهذا التصدد التعريف بين ثنائية (شكل /مادة) وبين (شكل /مضمون).والتجزئة في مستوى الفكر الصوت هو اللغة التي اعتبرها سوسور موضوعا للدراسة اللسانية بمقولته الشهيرة ” دراسة اللغة في ذاتها ” ويجب بهذا التصدد التعريف بين ثنائية (شكل /مادة) وبين (شكل /مضمون).وعليه يمكن عد اللغة المظهر الاجتماعي للسان بينما يعد الكلام المظهر الفردي له .
2-الشكل والمادة :
المادة الصوتية ليست أكثر ثبوتا وصلابة إذ ليس في المستوى الصوتي أيضا وحدات مضبوطة الحدود بينة المعالم محددة سلفا ومن الخطأ أن نعتبر سلسلة من الأصوات في حد ذاته قالبا بل هي مادة مهمة إبهام الأفكار مجردة والدليل على ذلك أن المادة الصوتية لا تقطع بنفس الطريقة في جميع اللغات ” وعن طريق اللغة تتشكل هاتان المادتان (الصوت الفكر) بطريقة يستحيل الفصل فيها بين هذين المادتين فمثلهما كمثل الموجات التي تحدث عن اتصال المواد
3-الدال و المدلول و طبيعـة العلامـة اللغويـة :
العلامة اللغوية ذات طبيعة مركبة، و هي توليفية من الشكل الصوتي الذي يشار إلى المعنى ( و هو الدال Signifiant ) و المعنى نفسه ( و هو المدلول ( Signifie .
أما عن موقف ”دوسوسير“ من طبيعـة العلاقـة بين الدال و المدلول فنجـده معارضا للاعتقـاد القديم الذي كان يرى أن اللغة ليست سوى قائمة أشياء مناسبة للأشياء الطبيعية، فالعلاقة بينهما ما هي إلا علاقة اعتباطية (Arbitraire) و على هذا الأساس فإن ”سوسير“ يخطئ هذه النظرية و يأتي بالحجج الآتية :
أولا: إنه لمـن الخطـأ أن نقول بأسبقية الفكر في إشكالية العلاقة القائمة بين الفكر و اللغة ، فهو يرى أن الفكر ليس سوى ” كثلة عديمة الشكل “ أو ” سديم غير واضح المعالم“ بحيث لا يمكن لأي كان أن يميز بين الأفكار دون الإستعانـة بالعلامات اللسانية، فلا شيء يوجد بدون لغة، فيصبح من غير اللائق إذا أن يتحدث عن أولوية أو أفضلية أحدهـما على الآخـر، بل يجب إشتراكهـا في عمليـة واحدة تكون شبيهـة بالورقة وجهها الفكر و ظهرها اللغة .
ثانيا: هي تفترض أن العلاقة القائمة بين الاسم والمسمى عملية سهلة للغايـة، وهذا غير حقيقي ، لكن تقترب هذه النظرية البسيطة من الحقيقة كون الوحدة اللسانية مزدوجة، أي قائمة على التقارب بين الأمرين. و ينجم عن هذا كله أن الدليل اللساني عملة ذات وجهين متحدين و متداعيين: أحدهمـا الدال والآخـر مدلول. ويرى في هذا المجال ، أن العلامة اللسانية لا تربط شيئا باسم بل تصورا بصورة سمعية، وهذه الأخيرة ليست الصوت المادي، الذي هو شيء فيزيائي صرف ، بل هي الدفع النفسي لهذا الصوت أو المتمثل الذي تهبنا إيـاه شهادة حواسنـا، إن الصورة السمعية حسيـة ، وإذا ما دعوناها ”مادية“ فإنـما تكون في هـذا المعنى فضـلا عن مقابلتها مع التصور الذي هو العبارة الأخرى للترابط الأكثر تجريدا بشكل عام ، و عندما نلاحظ لساننا الخاص، فإن الصفة النفسية لصورنا السمعية تبدو جيدا.
مبدأ الاعتباطية
إن القول بطبيعية اللغة يفضي بنا إلى اعتبارها قائمة من الكلمات توافق عددا من الأفكار والأشياء، وهذا التوافق إلزامي ناتج عن كون اللغة من هذا المنظور مرآة عاكسة للفكر وأداة تمثيل لمقولاته في الواقع، أما القول بأن اللغة اجتماعية تواضعية فإنه يفضي إلى مبدأ عدم تناسب نظام اللغة وانتظام الأفكار في العقل والأشياء في الواقع، وهذا ما شاع –فعلا- بين العلماء ودليلهم إمكانية تطور الدال والمدلول بمعزل عن بعضهما ،وكذا اختلاف اللغات في تسمية المسميات ، ويبدو أن ما ذهب إليه سوسير في هذه المسألة طريف إلى حد يخالف فيه هذه الفكرة التي نجدها عند السابقين من زمن أرسطو ، ومرورا بالعرب إلى مشارف القرن العشرين عند وتني الأمريكي..فمبدأ الاعتباطية –عنده- مبدأ جذري ذو أهمية قصوى لا يتم على مستوى العلاقة بين الصوت والمعنى وإنما على مستوى الشكل (النظام الذي يمثل اللغة ذاتها) .
4-الآنيـة و الزمانيـة : Synchronic et diachonic .
يمكن تحليل بنية اللغة بنوعين من المقاربـة :
أ-المقاربة الآنية أو التزامنيـة Synchronic :
هي التي تعالـج الموقـف اللسانـي في لحظـة بعينهـا من الزمان ، أي أنها تعني بوصف الحالة القائمة للغة ما ، و تتجلى اللغة في هذه الحالة في هيئة نظام منسوق يعيش في الوعي اللغوي لمجتمع بعينـه.
ب- المقاربة التعاقبية Diachronic :
تعنى هذه المقاربةذ بتاريخ اللغة أي أنها تعني بالظواهر اللغوية غير المختزنة في الوعي اللساني لهؤلاء المتكلمين أنفسهـم ، و هي التي يحتـل بعضها مكان بعض دون أن تتجاور بالضرورة في نظام واحد .و يطلق اللسانيون على الأول اسم المنهج الوصفي أو المنهج البنوي الذي يهدف إلى تحديد المبادئ الأساسية للنظام المتزامـن في حين يطلق على الثاني اسم المنهج التاريخي الذي يهدف بدوره إلى البحث في العناصر المتتابعة زمانيـا.و اللسانيات الحديثة تجعل البحث الوصفي أو التزامني مقدما على المنهج التاريـخي من حيث إجراءات البحث، و ذلك لأن وصف نظام لغوي في زمن ثان . ثم وصف نظام لغوي من اللغة نفسها في زمن ثالث يجعل من الممكن بعد ذلك عمل دراسة لغوية تاريخية توضح الأصل و النشأة و اتجاهات التغيإلا أن تقديم أحدهما على الآخر لايعني إلغاء الثاني ،وهذا ما أكده سوسير .
جدوى التمييز بين الدراسة التاريخية والآنية:
يمثل الفصل بين هذين المحورين ضرورة منهجية ففي المجال الآني مثلا نقصد بالتماثل الصور المختلفة لانجاز الوحدة اللغوية الواحدة (مثل الظاءقي ظلام ونظيف، وهو تماثل يدركه المتكلم في حين نقصد بالتماثل من وجهة نظر زمانية علاقة اتحاد الهوية بين الكلمة أو الصوت وصورته القديمة،، وهي علاقة يهتدي إليها الدارس، ولا توجد بالضرورة في ذهن المتكلم .
مثال: كلمة : قمّر /قمّر من وجهة نظر آنية…….. (نفي التماثل واتحاد الهوية )
فيسع ……في ساعة من وجهةنظر آنية……..// //
قمّر ….. قمّر من وجهة نظر تاريخية اثبات علاقة التماثل واثبات الهوية
وإذا كان ذكرنا لجزء من الثنائية يغطي بنا ويحيلنا ضرورة لذكر الجزء الثاني باعتبار العلاقة التخالفية (التوازي أو التناظر) التي تجمع بينهما ،فإن العلاقة بين الزمانية والآنية من نوع آخر يمكن أن نسمها بكونها تعاقبية : (زمانية = آنية ) والآتية تسبق الزمانية .
و في الأخير ينبغي على المحلل اللساني أن يميز بدقة بين الظاهرة الآنية أو الثابتة (Static) وبين التعاقبية والحركية (Dinamic).
5-العلاقـة الجدوليـة و العلاقـة الأفقيــة
اللغة تتابع من العلامات، و كل علامة تضيف شيئا إلى المعنى الكلـي و هذه العلامـات ترتبط بعضهـا ببعض بعلاقات يحددها النظام اللغوي في كل لغة ، و حين ينظر إلى العلاقات في تتابع خطي يطلق على العلاقة بينها اسم العلاقات الخطية أو الأفقية (Synta gmatique) مثل علاقات الكلمات الآتية في الجملة :
أنجــز الطالـب البحــث
حين ننظر إلى العلامة الموجودة بوصفها مقابلة لعلامات أخرى في اللغة تسمى العلاقة بينهما إستدعائية(Associative) أو جدولية (Paradigmatique) و في الجملة السابقـة يمكن أن نستبدل الكلمات على النحو الأتـي:
أنجـز/ أكـل / صحـا / لعـب / بـدأ …الخ.
الطالـب/ البنـت / الرجـل / الكلـب …الخ .
البحـث / العمـل / اللعـب / النــوم…الخ .
فالكلمات التي يمكن أن تتخذ الموقع نفسه تتنظم في عقل المتحدث ليختار منها المناسب،و يتخذ الرمـز اللغـوي مكانـه في نظام اللغة من حيث موقعه وكل نظام يحدد أدوارا واضحة لعناصره ، و يمثل ” دي سوسير“ لذلك بلعبة الشطرنج فسواء جعلنا الوزير من العاج أو الخشب أو الحجر فله حركته المحددة في إطار قواعد اللعبة .
ب-مفهوم الملكة:
لكل إنسان ملكة يمكن أن تطلق عليها اسم “ملكة الكلام” المقطع تقوم على أعضاء وعلى ما يمكن أن نحصل عليه من عملها ويتعذر استعمالها مباشرة إلا إذا توفر للمرء شيء آخر من الخارج هو اللغة، وهذه الملكة من جهة ثانية ليست كافية لوجود اللغة إذ لا يتصور وجودها على مستوى الفرد ،وقد ورد في بعض تفسيرات سوسير المخطوطة أن ” الطبيعة تمدنا بإنسان فيه ما يمكنه من الكلام المقطع لكنه إنسان بدون كلام مقطع، فاللغة ظاهرة اجتماعية والفرد المهيأ للكلام المقطع لن يتمكن من استعمال جهازه إلا بواسطة المجموعة المحيطة به .
ج-مراتب الظاهرة اللسانية:
تتنزل الظاهرة اللسانية ومن ثم اللسانيات ضمن سلمية معرفية ارتضاها سوسير تعبرعن البنى الاجتماعية وعلاقتها ببعض في بناء هرمي يمكن تشكيله كالآتي:

المؤسسات الاجتماعية علم الاجتماع
علم الدلائلية (السيميولوجيا )
اللسانيات العامة
اللسانيات الوصفية
اللسانيات اللفظية (الكلام ).
وتقدم بين كل مرتبتين متتاليتين علاقة ذات اتجاهين فيستمد اللاحق من السابق قوانينه كما أن السابق لا يتحقق وجوده إلا باللاحق وقد أفرز هذا التصنيف عد ّ اللغة نظاما ما قائما بذاته لا يخضع إلا لنظامه الخاص مما خلص اللغة من تلك المباحث غير اللغوية التي كانت تحول دون بلوغ جوهرها من جهة، ومن جهة أخرى اعتبار اللغة شكلا لا مادة ، فاللغة لا تجري على مستوى الأصوات وحدها ،ولا في مستوى المعاني منعزلة بل في مستوى اقترانها وتشكيلها، ويبدو أن هذه الفكرة هي التي أفرزت المنحى الشكلاني الذي طبع الدراسات البنوية لاحقا ،وكان الغلو فيه سببا في أزمة اللسانيات الحديثة.
د-بين اللسانيات الداخلية والخارجية
أ-اللسانيات الداخلية ب-اللسانيات الخارجية
دراسة اللغة من حيث هي نظام علاقة اللغة بالجنس البشري وتأثير
قائم بذاته وما عليه منطق نظامها التاريخ السياسي في اللغة
الداخلي . علاقة الثقافة والنظم الاجتماعية باللغة
الدراسة اللهجية والجغرافية للغات
ه-القيمة الخلافية
يقوم النظام على جملة من القيم الخلاقية التي تميز الوحدة اللغوية عن غيرها وتمثل هذه القيم جملة من السمات التي تختلف فيها وتتقابل سائر عناصر النظام ، يقول سوسير: “ليس في اللغة إلا الاختلافات بل يمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك ، فوجود اختلاف ما يفترض بصورة عامة وجود عناصر إيجابية أما في اللغة فإنك لا تجد إلا الاختلافات بدون وجود لعناصر إيجابية فسواء اعتبرت الدل أو المدلول فإنك لن تجد في اللغة أفكارا ولا أصواتا وجودها سابق لوجود النظام إنما تجد فيها اختلافات متصورية وأخرى صوتية نابعة من النظام ” ،وما يمكن الخلوص إليه أن اللغة نظام تحدد عناصره بعضها البعض ، وتضبط فيما بينها من علاقات فلا وجود لها إلا في نطاق ذلك النظام كما أنها ليست جردا لثبت من الكلمات يوافقها عدد من المعاني.
خاتمة
على أن مدرسة جنيف أوزيورخ اللسانية عرفت نشاط دارسين آخرين أمثال ريتشارد لوكسنجر الذي غهتم بالدراسات الفونولوجية وأمراض الصوت اللغوي ) الفوننياترى) ،إضافة إلى فنك ودافيد وهارولد وإفامارياكريش التي عنيت بشكل خاص بالصوتيات من خلال كتابها علم الأصوات الصادر سنة 1968 .
المدرسة النمساوية
تشكل الأعمال اللسانية التي قدمها النمساوي فرديناند شيمنسكي محطة مهمة في تاريخ البحث اللساني الغربي الحديث ، بخاصة في حقل الصوتيات والصوتيات الوظيفية ،من خلال مؤلفه ذائع الصيت الذي صدر حوالي 1935 بعنوان علم الأصوات، أما مواطنه إميل فريشلز فقد عني بأمراض النطق والتعليمية، هذا المجال الخصب الذي مافتئ يتطور وينضج على يد باحثين مرموقين مثل هايك وفايس وبراند نشتاين وغيرهم معبدين الطريق لسائر الدراسات التطبيقية في مجال التعليم اللغوي .

المدرسة الوظيفية
1-نشأة مدرسة براغ:

التفّ حول “ماتيسيوس “مجموعة من الباحثين المتفقين فكريا،وبدأوا يعقدون اجتماعات لغوية للبحث المنظم منذ سنة 1926، وبعدها عرفوا بجماعة “براغ” إلى أن تفرقوا عند قيام الحرب العالمية الثانية .لقدقامت هذه المدرسة على المبادئ والأصول النظرية التي أرسى دعائمها “سوسير”، كما اتخذت من تصور “بودوان دي كورتناي للفونيم نظرية كاملة للتحليل الفونولوجي، وهو العمل الذي اضطلع به عالمان من أكبر علماء هذه المدرسة هما:” نيكولاي تروبتسكوي”، و”رومان” جاكسون”،وكفل النجاح لهذا المشروع ما تمتعت به “براغ” من تقاليد راسخة في الفكر اللساني ، ولم يستغرق تطور النشاط الخصب الذي قامت به المدرسة إلا قرابة عشر سنوات، غير أن أفكارها واصلت ازدهارها في “هارفرد” بالولايات المتحدة التي صارت –بحكم الظروف – وطنا لجاكوبسون.وكان لمدرسة “براغ “الصدى الكبير في الأوساط اللسانية العالمية، ولدى عدد كبير من منظري ومثقفي العصر، من بينهم مؤسس اللسانيات الرسمية الفرنسية “أندريه مارتيه” .
2-تطورها
-قامت طائفة من علماء اللغة في تشيوسلوفاكيا بتكوين حلقة دراسية، ضمت عددا كبيرا من الباحثين من أقطار مختلفة منها: روسيا، وهولندا، وألمانيا وأنجليترا، وفرنسا، وصاغوا جملة من المبادئ الهامة، وتقدموا بها إلى المؤتمر الدولي الأول لعلماء اللغة، الذي عقد في “لاهاي” سنة 1928، تحت عنوان: “النصوص الأساسية لحلقة براغ اللغوية، ” وفي العام التالي قدموا الجزء الأول من الدراسة الجمالية بعنوان “الأعمال” ، وفي عام 1930 ظهرت أول دراسة منهجية في تاريخ الأصوات اللغوية أعدها” جاكوبسون “، وعقد في “براغ” مؤتمر الصوتيات، ثم تأكدت الحركة الصوتية على المستوى الدولي بمجموعة من المؤتمرات اللاحقة ،وتبلورت في ثمانية أجزاء عن أعمال “حلقة براغ” تباعا حتى عام 1938 ، وهي السنة التي حلّت فيها الحلقة لأسباب مجهولة وقد صقلت مبادئها ومفاهيمها في فرنسا على يد أندريه مارتينيه وإميل بنفنيست .
وطور اتجاه الحلقة حديثنا إلى نظرية معقدة بواسطة الأمريكي “وليان لابوف” الذي اتفق مع لغوييها في النظر إلى البعد الاجتماعي بصورة جدية، وتم التوصل إلى تحطيم الفصل الصارم الذي أقامه “سوسيسر” بين التاريخية والوصفية.
3- مبادئها
عنيت مدرسة “براغ” بالاتجاه الوظيفي الذي يهتم بكيفية استخدام اللغة بوصفها وسيلة اتصال يستخدمها الأفراد للتواصل ولأهداف وغايات معينة، ومن أهم مبادئها ما يلي:
أولا: المبادئ الجمالية:
لعل الفيلسوق”جان موكاروفسكي كان أهم من وضع المبادئ الجمالية للمدرسة والتي تتلخص فيما يلي:
1- الفن وطبيعته السيميولوجية: يقوم هذا المبدأ على أنّ فهم علم الجمال البنوي يكون في إطار مذهب علم السيميولوجيا، ولم يبق الأمر قاصر على الأدب، بل تعدى إلى دخول تحليلات اجتماعية ونفسية، وأصبح شاملا لما يسمى بشخصية الفنان والبيئة الداخلية للعمل الفني معا، دون إهمال علاقة الفن بالمجتمع وقد نادى “موكاروفسكي” بضرورة دارسة مشكلات الرمز والعلامة ودلالتهما، ومنه فعلى علم الجمال أن يتناول الأعمال الفنية كمركز وبنية وقيمة في الوقت نفسه.
2- دور الفاعل في الفكر الوظيفي :
يرى “موكاروفسكي” أن الفاعل الذي يظهر في جميع الأعمال الأدبية والفنية لا يتجسد في شخص واقعي، ولا في شخصية المؤلف ، وعليه فالبنوية الجمالية تخلصت من وهم الفاعل المستقل، الذي يمارس سلطة مطلقة على جميع الأحداث، وقصرته على نطاق الوظائف التي يقوم بها، كما توضحها بنية العمل الفني نفسه.
3-خواص الوظيفة الجملية وعلاقتها بالوظائف الأخرى:
يرفض فلاسفة “براغ” تبعية الفن للتطور الاجتماعي، رغم اعترافهم بالقوى الخارجية التي تمارس تأثيرا على الأبنية الفنية، لأن هذا التأثير خاضع لعوامل جمالية منبثقة من الفن في حد ذاته، وهي التي لا تسمح بقيام علاقة سببية بين الفن والمجتمع، فالنظام الاجتماعي لا يولد بالضرورة شكلا معينا من الابداع الفني، وعليه يجب أن يوضع في الاعتبار قطاعين من الواقع أولهما: واقع الرمز أو العلامة ، وثانيهما: الواقع الذي يشير إليه هذا الرمز واتحادهما هو الذي يمثل الفن ،لذا حرصوا على استقلالية الرمز وقدرته التواصلية في حدود السياق الاجتماعي ومقتضياته السياسية والاقتصادية والفلسفية لبنية اجتماعية معينة.
مع أن الحلقة اشتهرت في ميدان اللسانيات بدراساتها الصوتية الدقيقة، إلا أنها اهتمت بلغة الشعر والأدب بصفة عامة ، وامتدت إلى مجالات اجتماعية ، وفلسفية، ونفسية، ومن أهم مكاسبها:
أ-دعوتها إلى تطوير فكرة تعدد الوظائف للوحدات البنوية .
ب-اعتمادها على بعض العناصر الرياضية في تحليلاتها، ولم تعد تقتصر على ما يلاحظ في الواقع مباشرة، بل ركزت على العلاقات التجريدية النظرية وما يمكن أن تسفر عنه من علاقات فرضية .
ثانيا: المبادئ اللسانية:
من أهم المبادئ اللسانية ما يلي:
1- تصوّر المدرسة عملية التّطور اللغوي على أنها كسر لتوازن النظام القائم، وإعادته مرة أخرى ، فجاكوسون يرى أن استغلال الفوارق الصوتية يؤدي للوصول إلى القدرة التعبيرية للقول الانفعالي، وأن للطاقة التعبيرية للأصوات دورا مهما في ادخال تعديلات مهمة على الكلمات والأنظمة السياقية والموسيقية .
2- تتصور المدرسة أن البنوية اللسانية كلّ شامل، تنتظمه مستويات محددة.
3- ترى أن العناصر اللسانية والعلاقات القائمة بينها متعايشة ومترابطة ، ولا يمكن فصلها.
4- ترى أن اللسانيات البنوية تتصور الواقع على أنه نظام سيميولوجي رمزي وتميز بين اجراءين مختلفين أولهما: التقاط العناصر الواقعية المحددة والذهنية المجردة و إمكانية التعبير عنها من طرف المتحدث بكلمات من اللغة التي يستخدمها وثانيهما : وضع العلاقة المختارة التي تشكل كلا عضويا (الجملة ) ويمكن أن تقوم الكلمة مكان الجملة للتعبير عن الهدف نفسه.
5- دعت المدرسة إلى ضرورة بحث المعالم البنوية لدلالة الكلمات المعجمية، ورأت أن القاموس ليس مجموعة من الكلمات المنعزلة ،إنما هو نظام تتناسق في داخله هذه الكلمات وتتعارض فيما بينها .
4- منهجها:
على الرغم من التباين المنهجي بين المنهجين التاريخي والوصفي إلا أنهما يتفقان على أن اللغة يجب أن تدرس باعتبارها نظاما تتحرك به الألسنة بطريقة معينة، لتتمكن من التواصل ، إلا أن أعضاء مدرسة، “براغ” يرون أن المنهج التاريخي لا يجدي نفعا في هذا المجال، لأنه يقتصر على عرض تطور اللغة، وتغّير عناصرها عبر التاريخ ، ولا يمدنا بما تفهم به نظامها، ويعدون لذلك اللغة نظاما لا يمكن الفصل بين عناصره انطلاقا من مبدأ “دراسة اللغة في ذاتها ولذاتها “، وعليه فإن منهجهم ينطلق من تحديد اللغة باعتبارها نظاما وظيفيا يهدف إلى تحقيق التواصل والتعبير، الذي يقتضي أن تحمل العناصر اللسانية شحنة إعلامية .
وإذا كان التحليل الوصفي للوقائع الحالية التي تقدم بيانات كاملة عن هذه اللغة، أفضل طريقة لمعرفة جوهرها وخواصها المميزة فإنه ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار تصور اللغة كنظام وظيفي عند دراسة حالات لغوية ماضية، وعليه فالدراسة التاريخية “لا يمكن أن تهمل فكرتي النظام والوظيفة ، كما أن الوصف لا يمكن أن يلغي فكرة التطور، إذن لا يمكن الفصل بين المنهجين التاريخي والوصفي.
يعد برنامج” مدرسة براغ” اسهاما في لون جديد يتصل بأهداف النظرية اللسانية، وقد وجه أنظار اللسانيين إلى ميادين من البحث اللساني لم تظهر إلا في العقدين السادس والسابع من القرن العشرين، ويتمثل فيما يلي:
1- التركيز على دراسة الوظيفة الحقيقية للغة، والتي تتمثل في الاتصال (كيفيته، ومناسبته ولمن يوجه) لأنّ اللغة – بالدرجة الأولى- نظام للاتصال والتعبير من أجل الرقي والتفاهم المشترك .2- اللغة حقيقة واقعية ، ذات واقع مادي يتصل بعوامل خارجية ، بعضها يتعلق بالسامع، والآخر يتعلق بالموضوع الذي يدور حوله الاتصال أو الكلام وهكذا يكون من الضروري التمييز على المستوى النظري والعلمي بين لغة الثقافة بصفة عامة، ولغة الأعمال الأدبية ، والمجلات العلمية والصحف، ولغة الشارع…إلخ
3-على البحث اللساني أن يحيط بالعلاقة بين البنية اللسانية والأفكار والعواطف ، التي توصلها هذه البنية ، لأن اللغة تتصل بكثير من المظاهر العقلية والنفسية للشخصية الإنسانية .
4- اللغة المكتوبة واللغة المنطوقة لا تتطابقان ، فلكل منها خصائصها المميزة ومن ثمة فإن العلاقة بينهما تحتاج إلى دراسة علمية .
5-يجب أن يتجه البحث الفونولوجي إلى دراسة التقابلات الفونيمية، ولا ينبغي فصل الظاهرة المورفولوجية عن الظاهرة الفونولوجية.
6- إعطاء الأولية للبحث الوصفي لما له من تأثير على الواقع اللساني الفعلي، دون استبعاد الدراسة التاريخية، لأنّ النّظام اللّساني الكامل لا بد أن يكون تاريخيا في ضوء الوصفية.
7-المنهج المقارن في اللغة يجب أن يتخلص من محدودية الملاحظة وعليه يمكن الباحثين من بناء أنماط مميزة للغات .
5- أعلامها:
استقطبت “مدرسة براغ” العديد من علماء اللسانيات الشبان إلاّ أن الشخصيات الأساسية فيها هم:
رومان جاكوسون ،س. كارسيفسكي و ن. تروبتسكوي وأعلام اللسانيين التشكيين منهم: ف. ماتيسيوس وترنكا وب.هافرانيك وي. موكاروفسكي الذي كان منظرا في مجال الدرس الأدبي بالإضافة إلى العالمين الفرنسيين: أندريه مارتينيه وبنفنيست
وسنقصر الحديث على الأعلام الثلاثة: تروبتسكوي وجاكوبسون ومارتينيه، وما قدّمه هؤلاء من جهود جبارة للبحث اللساني البراغي، بخاصة في مجال الفونولوجيا.

أولا: تروبتسكوى نيكولاي سير جفيتش

تروبتسكوي عالم لساني روسي ولد سنة 1890 بموسكو وتوفي سنة 1938 بفيينا وهو من عائلة عريقة تنتمي إلى أمراء روسيا، تولى والده منصب عميد جامعة موسكو،و انكب على الدراسات اللغوية منذ أن كان في الخامسة عشرة من عمره ، وكان طالبا في قسم اللغة الهندو أوروبية في الجامعة التي كان يديرها والده، وأصبح في سنة 1916 عضوا في هيئة التدريس، فر إلى إقليم (روستوف) على نهر الدون –بعد قيام الثورة – أين حصل على منصب في الجامعة الإقليمية وبعدها فر إلى أسطنبول سنة 1919 ثم انتقل إلى فيينا سنة 1922 حيث درس فقه اللغة السلافية، وأصبح عضوا في “مدرسة براغ” ،و يعد تروبتسكوي مؤسس علم الفونولوجيا، ففي مؤتمر اللسانيات العالمي الأول الذي عقد بمدينة (لاهاي) سنة 1928، تقدم بالاشتراك مع جاكوبسون وكارسفسكي ببرنامج واضح للدراسة الفونولوجية ، نشأت حوله مدرسة براغ اللسانية، وأصدر سنة 1939 كتابه” مبادئ الفونولوجيا “الذي ترجم إلى الفرنسية سنة 1949 تحت عنوان : تندرج أفكاره في إطار المفهوم الوظيفي الذي نادت به مدرسة براغ، والذي ينظر للغة على أنها تنظيم وظيفية قائم على وسائط تعبيرية، مستعملة بهدف إقرار غاية معينة، لذا شملت دراسته كل المستويات اللسانية الفونولوجية والصرفية والمعجمية.
يعد” تروبتسكوي” المؤسس الأول لعلم الأصوات الوظيفي، و من آرائه في هذا المجال أنّ الفونيم هو أصغر وحدة فونولوجية في اللسان المدروس ،منتهيا إلى جملة من القواعد تتعلق بهذا المفهوم منها:
1- إذا كان صوتان من اللسان نفسه والإطار نفسه، ويمكن لأحدهما أن يحل محل الآخر، فهما صوتان اختياريان لفونيم واحد مثل: قال وقال فاختلاف القاف والقاف لا يؤدي إلى تغير المعنى .
2- إذا كان الصوتان من اللسان نفسه والإطار نفسه، ولا يمكن لأحدهما أن يحل محل الآخر، فهما صورتان واقعتان لفونيمين مختلفين مثل: حال، جال ، فالحاء والجيم فهما فونيمان مستقلان ليس لهما معنى في ذاتهما، وهما قادران على تغيير الدلالة .
3- إذا كان الصوتان من اللسان نفسه متقاربين من الناحية السمعية أو النطقية، ولا يظهران في الإطار الصوتي نفسه، فهما تركيبان لفونيم واحد، مثل صوت النون في العربية التي تتعدد صورها بتعدد الأصوات الموالية لها .
ويرى “تروبتسكو” أن الفونيم عبارة عن النماذج الصوتية التي لها القدرة على تمييز الكلمات، وأشكالها، والأنماظ الصوتية المستقلة، التي تميز الحدث الكلامي عن غيره من الأصوات ، ومنه فكل فونيم يؤدي وظيفتين :
أ- وظيفة إيجابية : حينما يساعد على تحديد معنى الكلمة التي تحتوي عليه.
ب- وظيفة سلبية: حينما يحتفظ بالفرق بين كلمة ما من حيث المعنى والكلمات الأخرى، ومثال ذلك فونيم النون(ن) يشترك مع غيره من الفونيمات في كلمة نام، لتحديد معناها ومدلولها، وهي الوظيفة الإيجابية ، أما السلبية تتمثل في حفظ كلمة نام مختلفة عن كلمات مثل: قام، صام، حام.وتظهر الوظيفة الإيجابية (الأساسية ) بشكل جلي –أثناء حذف الفونيم من الكلمة واستبداله بأخر- في تغير المعنى، مثلا: استبدال فونيم الصاد في كلمة صام بالقاف فتصبح الكلمة قام فالفونيمات أصوات لها سمات خاصة، قادرة علىالتمييز بين الكلمات في كل اللغات بإبدالها بفونيمات أخرى وبترتيبها وموقعها في بنية الكلمة ، وهو ما يشبه فكرة التقاليب والتباديل في الاشتقاق الأكبر في العربية.
ج- الوظيفة التمييزية للفونيم (القيمة الخلافية )
يرى تروبتسكوي أنّ الوظيفة التمييزية هي الوظيفة الأساسية للوحدات الفونولوجية ، ويعرف الفونيم من حيث وظيفته اللسانية على أنه: أصغر وحدة يمكنها أن تظهر تعارض إشارتين مختلفتين ،ويفترض هذا الاختلاف وجود تضاد بين الوحدات المميزة إذ أن ليس بإمكان أي فونيم تأدية وظيفة تمييزية إلا إذا كان مضادا لفونيم آخر، مثل الزوج ( تاب/ ناب )، فوجود تضاد صوتي بين فونيمي التاء والنون، ميز بين دلالة الكلمتين ، وعليه ركز على أن مفهوم الفونيم يأتي من مفهوم التغاير والتضاد في المجال الصوتي ، فالوظيفة التمييزية هي أساس التحليل الفونيمي بين الوحدات المفيدة.
إثر هذا الجهد الكبير حاز العالم “ترويتسكوي “شرف المؤسس الأول للفونولوجيا وقاده إلمامه الواسع بلغات متنوعة إلى استنباط واستخلاص ملاحظاته الهامة الأولى على النظم الصوتية، ووصف منهجه في تحليل اللغة بأنه علم جديد ، وقد كان هذا التحليل الفونولوجي رائدا في مجال الدراسات البنوية المنهجية من حيث دقته وصرامته ونتائجه حتى راحت تحتذيه باقي الدراسات اللسانية الأخرى، فقد حدث على يده تحول الدرس الفونولوجي من الجزئيات المعزولة إلى النظام، ثم بحث هذه الجزئيات من خلال علاقتها المختلفة.
3-أعماله اللسانية
أشهر أثر لسانسي خلفه، تروبتسكوي كتاب مبادئ الفونولوجيا الذي نشرته جماعة “براغ” بعد وفاته بسنة؛ لأنّه خلفه غير كامل في صورته التي رسمها له، وقد بدأ أبحاثه من حيث انتهى “سوسير” ، وأقام تصوره للفونيم على أساس التفرقة التي وضعها هذا ألخير بين اللغة والكلام حيث ينتمي الفونيم إلى مفهوم اللغة بالمعنى السوسيري، أما الأصوات فتنتمي إلى الكلام، وعليه فرق “تروبتسكوي “بين علم الأصوات وعلم وظائف الأصوات أو الفونولوجيا .
ورأى أن الأول: هو العلم الذي يحلل ويصف أصوات اللغة، وهي في حالة التجريد، وهي مستقلة عن غيرها، ومعزولة عن البنية اللغوية، بغض النظر عن دورها في المعنى والثاني: هو العلم الذي يعالج الظواهر الصوتية انطلاقا من وظيفتها داخل البنية اللسانية، ومثال ذلك قولنا: النون صامت+ مجهور+ أغن، فنكون قد وصفناها على أنها وحدة صوتية معزولة عن غيرها من الأصوات ، وهو ما يهتم به علم الأصوات بينما يهتم علم الأصوات الوظيفي بتنوعات الصوت حسب السياق، فالنون مثلا في كلمة (نهر) من الناحية الصوتية والتكوين النطقي الفيزيولوجي تختلف عن النون في كلمة (منك) و(عنك)…الخ .
وأسس التحليل الفونولوجي عند “تروبتسكوي “هي:
1- الفونيم أصغر وحدة فونولوجية، وهو علامة لسانية مهمتها حمل معنى الكلمة .
2- ينبغي التمييز بين الوحدة اللسانية غير المتغبرة (الفونيم ) وتحقيقات الصوت الفعلية والمتنوعة.
3- الفونيمات المنتمية إلى لغة واحدة ، متضادة فيما بينها، ويتم التعبير عنها بواسطة عناصر الحركات والصوامت والإيقاع.
4-تؤدي التقلبات الثنائية دورا جوهريا، تظهر في سلسلة من المكونات المتوازية ويؤدي أحد طرفي التقابل وظيفة الطرف الموسوم، الذي يدخل في تميز بالضد مع الطرف غير الموسوم.
لقد حدد “تروبتسكوي “بدقة متناهية “الفونيم ” وتمييزه بين الفونولوجيا والفونيتيك كان له الأثر الكبير في تطوير النظرية البنويوفي عام 1920 توجه إلى تشيكسلوفاكيا ، أين شارك في تأسيس نادي براغ، وأصدر عام 1921 دراسة تناولت الشعر الروسي الحديث، وفي سنة 1928 وضع مع “ترويتسكوي” و”كارسيفسكي ” النظريات اللسانية التي اعتمدتها مدرسة براغ .وعام 1938 شغل منصب نائب الرئيس لهذه المدرسة، وفي سنة 1942 انتقل إلى الدانمارك والنرويج حيث درس في معهد الدروس العليا في نيويورك إلى غاية سنة 1946 ثم في جامعة كلومبيا إلى غاية سنة 1949 و”هارفرد” إلى غاية 1957 ، وقد وجد “جاكوبسون ” المجال الخصب للبحث اللساني في الولايات المتحدة الأمريكية .
تأثر “جاكوبسون “بعدد كبير من العلماء منهم: بوغدانوف أستاذ اللغة الروسية والفلكور الروسي و”ألكسندر بلوك وكليبنيكوف ،وتأثر في دراسته بـ”سوسير” وبكاسو وجيمس جويس وسترافنسكي..إلخ .
كان لقاء “جاكوبسون في الولايات المتحدة الأمريكية ببعض تلاميذ فرويد ، وبعض العلماء البارزين أمثال تشومسكي وهال ولفي ستراوس الأثر الكبير في تطوير اللسانيات الحديثة، بالإضافة إلى تعرفه على علماء في الرياضيات والفيزياء وعلماء الأعصاب فكان وسيطا بين العلوم الدقيقة والعلوم اللسانية الحديثة .وقد ساعدت “جاكوبسون” الظروف التي أحيط بها منذ طفولته وكذلك أسفاره ومقابلاته الكثيرة، على إغناء دراسته وتعميقها وتنويعها، لاسيما أنه يتمتع بذاكرة قوية .
توفي “جاكوبسون” سنة 1983 بعد أن أمضى حياته في العمل الدائب والبحث المستمر والدراسة الجادة .
2- جهوده
يعد “جاكوبسون “من مؤسسي “الفونولوجيا “في مدرسة “براغ”، ولولا ديناميكيته الفعالة لما استطاعت أن تحقق ذلك النجاح الكبير، ولاستغرقت وقتا طويلا لتفرض نفسها خارج “براغ” ففي كتابه “مبادئ اللسانيات العامة ” أعطى أهمية لدراسة الخصائص المشتركة بين الأنظمة اللسانية في المجال الفونولوجي، بعد لحظ الاختلافات الممكنة والقيام بحصرها، ثم ضبطها وفق التضاد القائم بينهما على المستويين السمعي والنطقي التي هدته إلى فكرة “الملامح المميزة” التي يقصد بها مجموعة الخصائص الصوتية التي تميز فونيما عن آخر، وعليه فمفهوم الفونيم عنده هو مجموعة من الملامح المميزة التي تتبع من الخصائص النطقية والسمعية ، وتحدد كل صوت من أصوات اللغة، مثل موضع النطق وصفته .ونظرا لدقة الملامح المميزة لكل فونيم والحاجة الماسة إلى تحديدها الدقيق لجا” جاكوبسون” إلى الاستعانة بالآلات وإدخال الأجهزة في الدراسة الصوتية و نتج عن ذلك تطور هذه الدراسة التي أصبحت تعرف بـ” علم الأصوات التجريبي أو الآلي وعليها بنى نظريته الفونولوجية على مبدأ الإزدواجية أو الثنائية التي تحدث نتيجة لتقلبات صوتية معينة إذا وجدت فالوحدة الصوتية معلمة، وإذا غابت فهي غير معلمة .وحاول “جاكوبسون” تطبيق فكرة الملامح المميزة في التحليل المورفولوجي فقد وضع نظاما مورفولوجيا من خلال دراسته لنظام الفعل في اللغة الروسية ، ولكن جهوده في المورفولوجيا لا تقارن بجهوده في ميدان الفونولوجيا .
أعطى “جاكوبسون” الأولوية للدراسات التاريخية وذلك عكس “سوسير” الذي أولى الاهتمام لدراسة التنظيم الفونولوجي الحالي للغة، وحاول أن يدرس هدف التغير الطارئ على الفونيمات عبر المسار التاريخي للغة، أكثر من محاولة فهم أسبابه ومصادره، فتوصل إلى وضع تنظيم فونولوجي كلي يحتوي على اثنتي عشرة سمة ثنائية سمعية صالحة لوصف النظام الفونولوجي في كل اللغات الإنسانية، فهذه السمات كلية ، تختار اللغة على إثرها نظامها الفونولوجيـ، وتأخذ هذه السمات شكل (+) مثلا (+مصوت)، وهذه السمات هي التضادات التالية:
(مجهور/مهموس)، (غليظ/حاد)، (رخو/شديد)، (مزيد/غير مزيد)، (شفهي /غني )، (متكثف /منفلش)، (صائت/ صامت).
وقد تبنت المدرسة التوليدية التحويلية لمؤسسها”نوام تشومشكي مبادئ “جاكوبون” الفونولوجية.
كما يرى “جاكوبسون” أن اللغة وسيلة للتواصل الإنساني ، الذي لا يتحقق إلا بتوفر العناصر التالية :
1- المرسل: يقوم بأداء الرسالة .
2- المتلقي: يستقبل الرسالة.
3- إقامة الاتصال بين المرسل والتلقي: كي ينجح هذا الاتصال لابد من وحدة التجربة بينهما، وذلك وفق قناة التحويل التي تحقق الاتصال وتبقيه قائما .
4- لغة مشتركة يتكلمها المرسل والمتلقي معا: وهو ما يساعد ويسهل عملية التواصل.
5- رسالة لغوية : وهي ظرف للمحتوى الكلامي، الذي تشير إليه ، ويفهمه المتلقي في الوقت نفسه.
6- محتوى لغوي ترمز إليه الرسالة : وتشكله اللغة المشتركة بين المرسل والمتلقي ونستطيع تمثيل هذه العناصر اللازمة لتحقيق عملية التواصل كما يلي:

مرسل سياق متلقي
رسالة
اتصال
إنّ كلّ عنصر من هذه العناصر يولد وظيفة لسانية مختلفة، وعليه ميّز “جاكوبسون ” بين ست وظائف للفة هي:
1 -الوظيفة التعبيرية (الانفعالية ):
وهي التي تحدد العلاقة بين المرسل والرسالة، وموقفه منها؛ لأن الرسالة تعبر عن مرسلها وتعكس حالتها، إضافة إلى ما تحمله من أفكار تتعلق بشيء ما (المرجع)، الذي يعبر المرسل عن مشاعره تجاهه.
2- الوظيفة الندائية :
توجد في الجمل التي ينادي بها المرسل المتلقي، لإثارة انتباهه، أو لطلب القيام بعمل ما’ وتدخل الجملة الأمرية بين هذه الوظيفة .
3- وظيفة إقامة اتصال:
وذلك حين يحاول المرسل إبقاء الاتصال مع التلقي، عن طريق ألفاظ بسيطة لا تحمل أفكارا مثل: “ألو”، و”هاه”، والعبارة الشكسيبرية ” أعرني أذنك”.
4- وظيفة ما وراء اللغة (المعجمية ):
تظهر هذه الوظيفة في الرسائل التي تكون فيها اللغة مادة للدراسة فتعمل على وصف اللغة، وذكر عناصرها وتعريف مفرداتها إنها وظيفة كلام اللغة عن اللغة نفسها .

5- الوظيفة المرجعية :
هي أكثر وظائف اللغة أهمية في عملية التواصل ذاتها، وتسمى أيضا (تعيينية ) أو (تعريفية) ، وتعتبر العمل الرئيسي للعديد من الرسائل، تتجه في العملية للمرجع أو الموضوع.
7- الوظيفة الشعرية (الإنشائية والأدبية )
هي إحدى الوظائف الأساسية للغة، لما تدخله من ديناميكية في حياتها، وبدونها تصبح اللغة ميتة وسكونية، وهي موجودة في كل أنواع الكلام، وتتحقق حينما تكون الرسالة معدة لذاتها، كما في النصوص الفنية اللغوية، مثل القصائد الشعرية، وهي ليست الوظيفة في الشعر، بل هي المهيمنة فيه.
إن هيمنة إحدى هده الوظائف (إنفعالية ، ندائية ، تواصلية ، ما ورائية ، مرجعية ، شعرية )لا تنتفي وجود الوظائف الأخرى، بل تحدد نوع الرسالة ويمكننا تمثيل هذه الوظائف بالرسم البياني:

مرجعية
انفعالية شعرية ندائية
إقامة اتصال
ما وراء اللغة
كان “جاكوبسون” من أعضاء جمعية “أبو جاز ” OPOJAZ التي تهتم بدراسة اللغة الشعرية، واهتم بالدراسات الخاصة بعلم الأجناس السلافية، والفنون الشعبية وكان شديد التطلع للحركة العلمية المنبعثة من أوروبا الغربية، خاصة في مجال الدراسات اللغوية والفلسفية، وأولى اهتماما بقضايا الشعر، ويظهر ذلك في بحثه الموسوم بـ”عن الشعر ” عام 1933 ويرى أن لغة الشعر تمثل بنية وظيفة ، لا تفهم عناصرها خارج نظامها المتكامل .
وكان جاكوبسون من أوائل المهتمين بنظرية الحقول الدلالية فركز على المكونات الداخلية في العلاقات المجازية، وبين أن تشبيه (الشجاع)بالأسد، و(الأبله )بالحمار و(الرجل السياسي ) بالثعلب إنما هو من قبيل التشابه الموجود بين المكونات للمفردات اللسانية لأن الحقل الدلالي للأسد يحتوي على الوحدة المعنوية الصغرى “شجاعة” والحقل الدلالي للحمار على “بلاهة” والحقل الدلالي للثعلب على “مكر” .
وخصص “جاكوبسون” سلسلة من أعماله للغة الأطفال والحبسة اللسانية ، وخلاصة القول أن “جاكوبسون” لعب دورا مهما في مجال اللسانيات الحديثة بخاصة، والفكر البشري بعامة، فكانت آراءه الشرارة الأولى، والدعامة الأساسية لجانب كبير من الدراسات الإنسانية المعاصرة وكان تأثيره كبيرا في ميادين عديدة من العلوم الإنسانية وكان القسط الأكبر من تفكيره موجها للنظرية اللسانية .
لقد تحول جاكوبسون ” في أعين البعض إلى شخصية أسطورية لعمق تأثيره في الفكر اللساني الحديث، حتى أن بعض الباحثين يلخصون تاريخ نشأة البنوية وتشكلاتها المختلفة في شخصيته، ومغامراته العلمية، منذ مطلع شبابه في “موسكو” حتى تخرج على يده أجيال من الباحثين في أوروبا وأمريكا فأصبح الحجة الأولى والمرجع الأخير في اللسانيات الحديثة .
4- مؤلفاته:
كان للإطلاع الواسع الذي سمح لـ “جاكوبسون” خلال عمره المديد، والسفر المتواصل، أكبر الأثر في مضمون مؤلفاته، ودراساته ، فقد كان غنيا في علمه، متشبعا في معارفه، غزيرا في انتاجه، موسعيا في معلوماته وزاد ما كتبه على أربع مئة وأربعة وسبعين عنوانا منها ثلاث مئة وأربعة وسبعون كتابا ومقالا فضلا عن مئة من النصوص المختلفة في موضوعاهها، ومن أبرز مؤلفاتها ما يلي:
1- مقالات في اللسانيات العامة سنة 1963 جمع فيه مقالات في المجال اللساني .
2- مبادئ الفونولوجيا التاريخية سنة 1931، تناول فيه تطور الأصوات اللغوية .
3- تحليل فونولوجي للغة الروسية الحديثة، سنة 1934 درس فيه اللغة من الناحية الصوتية.
4- المفخمة: الفونيمات المفخمة في اللغة العربية، سنة 1957 مقال تناول فيه قضايا صوتية عامة .
5- المظاهر اللسانية في حقل الترجمة، سنة 1966.
6- مسائل الشعرية ، سنة 1973 مجموعة مقالات ، 29 دراسة متنوعة .
7- تأثير الكليات اللغويةفي اللسانيات، سنة 1963 مقال يتناول السيمات اللسانية الكلية.
8- الحبسة وأمراض الكلام .
ثالثا: أندريه مارتينيه
ولد “مارتينيه” سنة 1908 في مقاطعة السافوا بفرنسا ،واختص باللغة الأنجليزية ثم اللسانيات العامة، ودرس في الولايات المتحدة الأمريكية بجامعة “كولومبيا” أين تأثر باللساني “بلومفيلد” مؤسس المدرسة التوزيعية .
يعد “مارتينيه” من أعلام الفونولوجيا ، وشارك في أعمال مدرسة “براغ” اللسانية ، قبل أن يدرس في جامعة الدانمراك وبعدها في جامعة كولومبيا، وشغل سنة 1984 منصب مدير المجلة اللسانية النيويوركية “الكلمة “،وفي سنة 1960 شغل منصب أستاذ في السربون ومنصب مدير الدراسات اللسانية في معهد الدراسات العليا بباريس .
2- جهوده:
اعتمد “مارتينيه” في دراسة الأصوات الوظيفية، على مبادئ مدرسة “براغ” فتطورت على يده اللسانيات في أوربا بصفة عامة، وفي فرنسا بصفة خاصة ، وقد ركز على الوظيفة في اللغة أثناء عملية التبليغ والتواصل .
ومن أهم آرائه اللسانية ما يلي:
أ- وظيفة اللغة:
يعد “مارتينيه” الوظيفة التواصلية الوظيفة الأساسية للغة بي أفراد المجتمع اللغوي، وهذه الوظيفة تؤديها اللغة باعتبارها مؤسسة إنسانية رغم اختلاف بنيتها من مجتمع لغوي إلى آخر، فهي الوظيفة الجوهرية للغة عنده، ولكنه لا ينفي بقية الوظائف التي تؤديها اللغة، بل يقربها ويعتبرها ثانوية كما يرى أن اللغة ليست نسخا للأشياء ونقلا آليا لها، بل هي بنى منظمة ومتراصة ومتكاملة يتطلع المتكلم من خلالها إلى عالم الأشياء والأحاسيس وهو ما ينتج الخبرة الإنسانية فتعلم لغة أجنبية مثلا، لا يعني وضع علامات جديدة للأشياء المألوفة ، وإنما هو اكتساب نظرة تحليلية مغايرة بالتعرف على البنى اللغوية لها تعكس الواقع بطريقة مختلفة عن اللغة الأم .
ب- التقطيع المزدوج :
هذا التقطيع يظهر في ميل الإنسان إلى التعبير عن أفكاره ورغباته الذاتية واهتماماته الشخصية التي تمثل تجربة في جوهرها يسعى لايصالها للغير ويكون ذلك إما بصيحة فرح أو صرخة ألم، وإما بحركة دالة وهذا السلوك لا يرقى إلى مستوى الإبلاغ اللغوي ، لذلك تفكك التجربة الإنسانية التي تيسرت صياغتها في اللغة إلى سلسلة من الوحدات الدالة، ثم إلى عدد من الوحدات الصوتية .
يعتبر التقطيع المزدوج أساس نظرية “مارتينيه” الذي يرى أن اللسان البشري يختلف عن بقية الوسائل التبليغية، لكونه مزدوج التقطيع، أي أن الأقوال اللسانية تتكون من مستويين مختلفين هما:
مستوى التقطيع الأول:
وفيه نحصل على وحدات ذات مضمون معنوي (المدلول) وصوت ملفوظ (دال)، وتسمى هذه الوحدات مونيمات مثال:
راجعـ/ت درسـ/ي
نلاحظ أن هذا المثال يحتوي على أربع مونيمات متتابعة، ويسمى معنى كل لفظة مدلولا، وصيغتها الصوتية دالا، وهي وحدات دنيا يستحيل تحليلها إلى وحدات دالة أصغر منها، ويمكن استبدالها بوحدات أخرى ضمن قائمة مفتوحة مثل:
من عاج وفضة قلمي
ساعتي
قرطي
.
.
.

فالوحدة ‘قلم ) وحدة معجمية، تنتمي إلى قائمة مفتوحة، لأن عدد وحداتها متزايد، وغير متناه.
أو يمكن استبدالها ضمن قائمة مغلقة ، مثل:
من عاج وفضة قلمي

العلاقة السياقية قلمنا
قلمك
قلمك
قلمكما
قلمكما
قلمكم
قلمكن
قلمه
قلمها
قلمهما
قلمهم
قلمهن
المحور العمودي
فالوحدة (ي) وحدة نحوية تنتمي إلى قائمة مغلقة لأن عدد وحداتها محدود.
مستوى التقطيع الثاني:
يمكن تقطيع المونيمات إلى وحدات دنيا-أيضا –مجردة من كل دلالة ولكنها مميزة تسمى بالفونيمات وهي محصورة في كل لسان مثال:
كتب عمر درسه .
نزل القرآن بلسان عربي
تقطع (كتب) إلى ست وحدات مميزة أي ستة فونيمات : ك/=/ت/=/ب/=/ت/ وكذلك (نزل) ن /=/ /ز/=/ل/=/.
انطلاقا من هذا يكون التقطيع المزدوج قانونا أساسيا من قوانين اللغة البشرية.
ج- المبادئ الوظيفية للدراسة اللسانية :
يحصرها “مارتينيه” في ما يلي:
– الصلات القائمة بين الوحدات اللسانية :
يرتكز التركيب اللساني الوظيفي العلاقات بين المونيمات ، وما ينتج عن ذلك من تأثير في طبيعة التراكيب وتتحدد وظيفة كل مونيم داخل الجملة انطلاقا من هذه العلاقات.
-رتبة الوحدات اللسانية:
إن دراسة علاقة المونيمات في ما بينها وحدها، لا تكفي لتحديد وظيفتها، بل يجب معرفة موقعها وانتظامها داخل تركيب وفق ترتيب معين، فاختلاف الموقف يؤدي إلى اختلاف وظيفتها التركيبية .
-محتوى الوحدات اللسانية:
يركز “مارتينيه “على المحتوى الدلالي للمونيم الذي يكسبه دلالة خاصة ومستقلة عن غيره، تجعله يؤدي وظيفة مميزة داخل التركيب .
– مفهوم الملائمة:
تعتبر الملاحظة الموضوعية للمعطيات أساس كل علم، وهده المعطيات متشابكة ومعقدة، لذا يجب التركيز على مظهر الموضوع ، وعلى اللساني أيضا أن يتقصى السمات الخاصة، والملائمة للموضوع الذي يسعى لدراسته، فاللغة كباقي العلوم لها سمات ملائمة أو مناسبة لتحليلها (فالأعداد مثلا: هي السمات المناسبة في علم الحساب، والأشكال هي السمات التي يجب التركيز عليها في علم الهندسو)،وهذه الطريقة الطريقة تحدد مستويات الدراسة بدقة ووضوح.
– الاقتصاد اللغوي في مجال التطور اللساني :
تطور اللغة مرتبط بشكل كبير بأسباب خارجية أهمها: اتصال بنية لغة ببنية لغة أخرى، وحاجة التواصل داخل المجتمع هو أحد الأسباب الرئيسية الذي يساعد على تطور اللغة.
ويشير هنا “مارتينه” إلى أن هذه الأسباب الخارجية يكمن تأثيرها في اندراجها في إطار بنية اللغة، كما أنه يركز على وجوب المحافظة على التفاهم والاتصال الذي يضمن للغة البقاء والتطور .
-الدراسة التركيبية :
استطاع “مارتيني” أن يطور التحليل التركيبي للجملة، انطلاقا من النتائج التي وصلت إليها الدراسة الفونولوجية، فوضع الخطوط الأولية لهذا التحليل الذي يقوم على أساس وظيفة العناصر اللسانية في التركيب وطرق ترتيبها .
ومن الملاحظ أن التحليل التركيبي في اللسانيات قد تخلى –بصفة عامة- عن مصطلح (كلمة) لما قد يحدثه من اضطراب في المفاهيم ولأنه يطلق على وحدات دنيا بأتم معنى كلمة مثل: من، على ، هل…
ويطلق أيضا على وحدات ليست دنيا، وتتكون من عناصر لكل واحد منها وظيفته خرج، أخرج، فكلاهما تتضمن الحروف الدالة على الخروج، وأخرج تتضمن زيادة على ذلك الصيغة الدالة على الأمر الموجه للمخاطب المفرد والمذكر لهذا كان من الضروري توخي مصطلحات أكثر دقة، تفي بمفهوم الوحدة الدنيا، وقد اصطلحت النظرية الوظيفية على هذا المفهوم بالمونيم .
ويرى مارتينيه أن العلاقة التي تربط المونيمات في النظام اللساني تتجلى في حالات هي :
1- اللفظة المستقلة:
هي وحدات دالة تتضمن في بنيتها دليل وظيفتها، وتتمثل في الظروف مثل: اليوم، غدا، أحيانا،… والعلاقة التي تربط هذه الوحدات بغيرها من الألفاظ قائمة على أساس دلالتها الذاتية لا باعتبار موقعها في التركيب، أو تقيدها بترتيب مثل:
كرم الأديب أمس.
فلفظة “أمس” يمكن أن تظهر مواقع مختلفة، إذ يمكن القول أيضا:
أمس كرم الأديب
وكرم أمس الأديب
2-اللفظة الوظيفية:
لا وظيفة لها في حد ذاتها ، بل تساعد على تحديد وظيفة عناصر أخرى ، كما يمكن لها أن تستقل بنفسها في السياق اللساني الذي ترد فيه مثل: حروف الجر، وأدوات النصب والجزم في العربية ، نحو:
ذهب الطالب إلى الجامعة.
“إلى ” لفظة وظيفية، لا وظيفة لها في حد ذاتها ، لكنها تجلب للاسم الذي يأتي بعدها –الجامعة – وظيفة (فيعتبر اسما مجرورا.
3- اللفظة التابعة:
هي اللفظة المقتربة باللفظة الوظيفية التي تحدد وظيفتها ، مثل الاسم المجرور المقترن بحرف الجر، فلفظة (الجامعة) في المثال السابق هي لفظة تابعة مقترنة باللفة الوظيفية (إلى ).
وهناك لفظة تابعة مقيدة بالموقع تحدد وظيفتها من خلال موقعها، فتغير الموقع يؤدي إلى تغير وظيفتها النحوية مثال:
زارنا عميد الكلية .
(الكلية ) مضاف إليه وهي لفظة مقيدة بالموقع.
4- العبارة المستقلة:
تتألف من لفظة وظيفية مقترنة بلفظة تابعة، لا تحدد وظيفتها النحوية من خلال جزء واحد من عناصرها، بل من خلال تركيب العناصر مجتمعة ومنع على سبيل الذكر: الجار والمجرور، والمضاف والمضاف إليه ، والنعت والمنعوت ..مثال:
زرت مع صديقاتي معرض الكتاب.
عبارة (مع صديقاتي ) تدل على المعية لا تفهم من خلال جزء واحد من العبارة ، بل من خلال ارتباط العنصرين معا، ويجوز تغيير موقعها.
5- المركب الاسنادي :
هذه الجملة تحتوي على لفظة مستقلة (اليوم)، وعبارة مستقلة (على العدو ولفظة (تنتصر) مكتفية بذاتها قادرة على إنشاء رسالة دون أي إضافات أو الحاقات ومن ثمة فهي تسمى المركب الاسنادي، وكل ما يضاف لها يسمى فضلة أو الحاقا لأن الكلام يستقيم بدونها من الناحية الوظيفية ولا يغير العلاقات بين العناصر السابقة ولهذا فوظيفتها غير أساسية .
وإذا تعلقت تعلقا مباشر بالمركب الاسنادي فهي تؤدي وظيفة أولية
وإذا تعلقت تعلقا غير مباشر به فهي تؤدي وظيفة غير أولية
مثال:
اشترى الأستاذ كتابا قيما.
فلفظة (كتاب) مفعول به مرتبطة ارتباطا مباشرا بالمركب الاسنادي فهو يؤدي وظيفة أولية ولفظة (قيما) نعت، يتعلق تعلقا غير مباشر بالمركب الاسنادي عن طريق المفعول به ولذلك فوظيفة غير أولية .
وقد ميز “مارتينيه” بين نوعين من الالحاق هما:
أولا: الإلحاق بالعطف
هو الذي يبقى الكلام مطابقا لبنية الجملة النواة، إذا حذف العنصر الأولي (المعطوف عليه) مثال:
حضر العظماء والأشراف
إذا حذف العنصر الأولى (العظماء) تصبح الجملة “حضر الأشراف” مطابقة للجملة الأولى .
ثانيا: الإلحاق بالتبعية:
ويختلف عن الإلحاق الأول، ففيه يتميز الملحق بوظيفة تختلف عن وظيفة العنصر الأولي (المتبوع) مثال:
كافأه بجائزة كبيرة من الكتب.
لا يمكننا حذف العنصر الأولي (جائزة) لأن وظيفته التركيبية تختلف عن العنصر التابع (كبيرة ).
ومفهوم الإلحاق عند “مارتينيه” يتضمن وظائف مختلفة: كالنعت والمضاف إليه والمفعول والمعطوف.
ومن منطلق التحليل الوظيفي للبنى التركيبية يعرف الجملة بقوله: هي كل تركيب تتصل عناصره بركن اسنادي وحيد أو متعدد عن طريق الإلحاق .
6- أنواع الوحدات التركيبية :
تتخذ الوحدات التركيبية أشكالا مختلفة، فتارة تكون مجرد لفظات بسيطة، وتارة أخرى تطرأ عليها ظواهر تجعل منها لفظات من نوع خاص، اللفظات المميزة والعدمية، والمفروقة والمشتركة وتارة تكون مؤلفة من جزئين فأكثر على شكل صيغ مركبة تعمل عمل الوحدة التركيبية الواحدة: الصيغة الاتحادية والصيغة التركيبية .
أ- اللفظة البسيطة:
هي الوحدة الدنيا للتقطيع الأول مزودة ومدلول ويمكن استبدالها بوحدات أخرى على المحور الاستبدالي في المحيط نفسه، مثال:
أحمد طالب نجيب
يمكن استبدال لفظة (نجيب ) بوحدات أخرى على المحور الاستبدالي مثال:
مجتهد،كسول، ذكي ، مجد.
كما يمكن للفظة البسيطة أن تقترن بوحدات أخرى على المحور التركيبي مثل:
هذا طالب نجيب .
جاءت طالبة نجيبة
التقيت بنجباء القسم .
ب- اللفظة الممتزجة:
يكون فيها الدال منطويا على مدلولين أو أكثر ولا يمكن فصلهما من الناحية الشكلية مثلا: صيغة جمع التكسير في اللفظة (أبطال) لها مدلولان، أحدهما يمثل معنى لمفرد (بطل) والثاني يمثل معنى الجمع، ولا يمكننا التمييز الخطي بين المدلولين في حين يسهل ذلك لصيغ الجمع السالم مثلا: مسلم، مسلمون، مسلمات ، فمدلول المفرد ومدلول الجمع يمثلهما في جمع التكسير دال هو الدال الممتزج (أبطال)
ج- اللفظة المفروقة :
هي عكس اللفظة الممتزجة وفيها يتجزأ الدال إلى جزئين أو أكثر لتحديد مدلول واحد غير قابل للتجزئة ، مثال:
ارتدت الممرضة مئزراها .
تدل على التأنيث في هدا المثال ثلاث علامات هي:
(ت) في (ارتدت) و(ة) في (الممرضة) و(ها) في (مئزرها).
د- اللفظة العدمية أو الصفرية:
هي غياب شكلية متوقعة، ويرمز لها أثناء التحليل بعلامة تفاضلية على شكل صفر(0) ويتضح ذلك في اللغة المكتوبة بوجود علامتين شكليتين هما الفتحة والتاء المربوطة مع المؤنث وغيابها مع المذكر ، مثل:
معلم 0 معلمة
أستاذ0 أستاذة
كما تتجلى في الأفعال :مثال:
كتب0 كتبت = كتب+ت
هـ – اللفظة المشتركة:
دال واحد يتقاسمه مدلولان أو أكثر ولا يمكن استقلالها بمدلول واحد يحدده السياق مثال: تبتسم ، فصيغة المضارع نجده مع:
* المخاطب المفرد المذكر “أنت “
* مع الغائب المفرد المؤنث “هي “
و- الصيغة الاتحادية:
وحدة قابلة للتحليل شكلها ومعنويا إلى وحدتين دالتين أو أكثر إلا أنها تتصرف تركيبها كمفردة واحدة وتتحد لأداء وظيفة واحدة مثال: جواز السفر، أم كلثوم، جملة القول… فقد تكون مضافا ومضافا إليه أو صفة وموصوف أو أسماء مركبة، أوصيغة جامدة، وهي تعامل معاملة اللفظة الواحدة.

7-الصيغة التركيبية:
يرى “مارتينيه” بأنها مجموع لفظات لكل منها وظيفة خاصة، وتحتوي في أغلب الأحيان على وحدة وظيفية تحقق لها الاستقلالية ، فتكون وظيفتها غير مرتبطة بالموقع مثال: في السنة الماضية تؤدي الوظيفة نفسها في التراكيب التالية:
في السنة الماضية سافرت إلى مصر.
سافرت في السنة الماضية إلى مصر .
سافرت إلى مصر في السنة الماضية
وبهذا تتضح لنا قيمة الجهود التي بذلها”مارتينيه” في البحث اللسانس الحديث الذي أصبح يتسم بالموضوعية العلمية، بعد أن طغت عليه المعيارية في الماضي ، فقد توصل إلى تمييز عناصر بسيطة بواسطة التقطيع المزدوج خاصة، واقترب بذلك من العلوم الدقيقة مما فتح أفاقا جديدة في ميدان البحث والتطبيق.
3- مؤلفاته:
1-عناصر اللسانيات العامة:
من أهم مؤلفاته، وقد تعرض فيه للعديد من العناصر منها: وظيفة اللغة، والملائمة اللغوية، والاقتصاد اللغوي ، وتناول فيه أيضا ظاهرة التقطيع المزدوج، وقد أصدره سنة 1960.
2-اللسانيات التزامنية 1965
3- الاقتصاد في التغيرات الصوتية 1955.
4- وصف صوتي للكلام الفرنسي 1945
5- التغيرات الصوتية 1956.
6- اللسانيات الوظيفية .
وقبل أن نغادر إطار المدرسة الوظيفية يجدر بنا التنبيه إلى أهمية الدراسات اللسانية التي ظهرت في فرنسا مع مطلع القرن العشرين بإشراف الجمعية اللسانية الباريسية ،والتي كان من أولويات بحثها :
-الدرس التاريخي من خلال أعمال أنطوان ماييه
-دراسات صوتية تبحث في الجانب الفسيولوجي السمعي للكلام ،من خلال مؤلفات روسلو وجاستون باري وفندريس في كتابه ذايع الصيت “اللغة”.
-العناية بالدراسات التقابلية في ميدان علم التراكيب بخاصة بين الفرنسية والإنجليزية من خلال أعمال أنطوان كوليولي وهنري آدام زويسكي

المدرسةالدانماركية- الغلوسيماتيكية

-GLOSSEMATQUE-

أسس المدرسة اللغوية الدانماركية عام 1934 اللسانيان فيكو بروندال (1887/1942م)ولويس يلمسليف( ) الذي ألف كتابه المسمى Prolegomena to a Theory of language عام 1934، ثم ترجم إلى الانجليزية عام1951 ( )ويسير منهج البحث في دراسة اللغة عند أصحاب المدرسة الدانماركية على نهج البنوية بصفة عامة، وإن كان لعلماء المدرسة نظرتهم الخاصة في تناول الظواهر اللغوية وفي تحديدهم لبعض المفاهيم التي قد تحيد أحيانا عن المدارس البنوية الأخرى . وقد احتذى كثير من اللغويين النظام البنائي الذي وضعه يلمسليف ، هذا على الرغم من عدم تطبيقه هذا النظام على لغة ما ، وذلك بسبب دقة المنهج وتنظيمه الفائق. وتبدأ دراسات يملسليف وأولدال اللغوية بتحديد الأسس التي جعلت اللسانيات علما مستقلا بجانب العلوم الإنسانية الأخرى ، وإذا كانت العلوم الإنسانية تستعمل اللغة وسيلة لكشف ما يخفى وراءها من ثقافة وفكر وتاريخ …الخ ، وتكون بهذا قد تسامت أو ارتفعت عن اللغة في بحثها ودراستها فإن اللسانيات لا تدرس ما وراء اللغة، بل تسعى إلى إدراك اللغة ذاتها كتجميع لظواهر غير لغوية (فيزيائية و فسيولوجية ونفسية وسيكولوجية ومنطقيةو اجتماعية).
إن اللغة عند دي سوسير تقابل النظام في الغلوسيماتيكية أو النسقية على اختلاف الآصطلاحات الشائعة في الكتابات العربية ، أما الكلام فيقابل العمليات اللسانية المنجزة أو سير الكلام، وبعبارة أخرى تقابل اللغة والكلام النظام والنص( )، وليس النص عندهم سوى تركيب للعناصر الشكلية أو تركيب شكلي من عناصر متعددة، ومن ثم فإن النص عندما يتحقق في جوهر ما فإنه ينتمي إلى جانب الكلام.
العلاقات الأفقية والعمودية(السينتاجمتيك والباراديجماتيك):
يميز يلمسليف بداية بين أدائين من أدوات الربط : الواووأو فالأولى تسمى أداة ربط relation والثانية يطلق عليها أداة ارتباط correlation ، فإذا جاء العنصران اللغويان متجاورين من خلال أداة الربط فإنهما يشكلان تركيبا ، أما إذا ورد العنصران متجاورين وكانت العلاقة بينهما هي الارتباط فإنهما يكونان جدولا أو علاقة رأسية ، فالعلاقة بين العناصر أو الفونيمات التي تتكون منها كلمة “قام” مثلا في اللغة العربية إنما هي علاقة تقوم على الارتباط ، وحينئذ ينتج نموذج جدولى آخر وهو “نام “.
هكذا يمكن تحديد التركيب والنموذج الجدولي بطريقة شكلية تماما، ويختلف هذا التحديد الشكلي عن تعريف دي سوسير شبه النفسي للنموذج الجدولي الذي سماه بالتشارك أو تداعي الأفكار والمعاني ، ثم يرى أنه يمكننا بناء على هذا الأساس تحديد النظام اللغوي شكليا على أنه تدرج من النماذج أو الجداول التي تتحدد على أنها تدرج من التراكيب .
التعبير والمحتوى
إن تقسيم النص بناء على الشكل والجوهر ينتج جانبين هما: التعبير والمحتوى ، وهما ليسا أكثر من أعضاء متكاملة في وظيفة خاصة، وهي وظيفة المساندة والتعاون بينهما، فعندما يوحد أحدهما يوجد الآخر، وهذا يتضح في النص بصفة خاصة وفي اللغة بصفة عامة . وترجع هذه الفكرة إلى دي سوسير والتي تبدو بوضوح من قوله بعدم الانفصال بين الصورة الصوتية أو السمعية التي سماها دي سوسير الدال والتصور الذهني الذي أطلق عليه مصطلح المدلول، حيث ترتبط إحداهما بالأخرى ارتباطا تلازميا، فلا يتصور وجود إحداهما دون الأخرى، إنهما جانبان متلازمان يشبهان جانبي الصحيفة الواحدة أو العملة النقدية.
وفي إطار النظرية الغلوسماتيكية يمكن أن توجد مستويات التعبير والمحتوى متوازية أو متماثلة الشكل حيث يتساويان في التركيب إذا لم توجد أي خلافات تركيية بينهما؛ ومن ثم لا يوجد سبب في بقاء الانفصال بين الجانبين ، ويفرض هذا التشابه الشكلي بينهما أن تعالج مستويات التعبير ومستويات المحتوى على أنها موضوع متماثل ومتساو، وهكذا نخلص في النهاية إلى وجود نوعين متساويين من العلاقات والوظائف في كلا الجانبين.
إن هدف التحليل اللغوي في تلك النظرية إنما هو عرض أو تمثيل التقدير الجبري على أساس من كل إمكانيات الارتباط التي يمكن أن نتوقعها في النصوص التي لم تحلل بعد، وهو المقصود من قول يلمسليف إن اللغة توجد قبل أن تتحقق في النص، ويرتبط بهذا قوله: إن وجود أي نص يفترض بالضرورة وجود نظام لغوي.وهكذا نصل في النهاية إلى أن الأفكار الأساسية عند دي سوسير تضمنتها نظرية يلمسليف هذا على الرغم من أنها خالفته في تحرير البحث اللغوي من علم الاجتماع ، وحصرته في مجال علم الرموز أو في إطار علم السيميولوجيا، وبذا يمكن القول بأن هذه النظرية تمثل البنوية الشكلية الأوربية ،وربما هذا ما جعل الكثيرين يسمونها بالسوسيرية المحدثة وأنصارها بالسوسيريين الجدد. ( ). إن أهم ما تتميز به هذه نظرية هو تأكيدها القاطع على استقلال التحليل اللغوي عن المجالات الأخرى غير اللغوية، ومن ثم فإن تركيب اللغة لا يتحدد من معطيات خارج مجال اللغة أو يقوم على أسس بعيدة عن الظواهر اللغوية،ويتنوع التحليل اللغوي في هذه المدرسة بالإضافة إلى ما جاء عند دي سوسير بالنظر إلى التعبير والمعنى إلى مستويات عدة، حيث ينتج من ربط الشكل بالمحتوى أو بالمادة أربعة مستويات :
1-جوهر المحتوى.
2-شكل المحتوى.
3-شكل التعبير.
4-جوهر التعبير.
ويمثل جوهر التعبير الجانب المادي الخالص، ويمكن تشبهه بنقطة الحبر أثناء الكتابة ، أما في النطق فيعنى الموجات الصوتية الفيزيائية ، أي أنه يمثل الجانب المادي في عملية النطق. أما شكل التعبير فهو الجانب التنظيمي للمادة الصوتية الخام أو هو الإمكانيات المتاحة التي تتحقق من تنظيم جوهر التعبير أو المادة الصوتية . ويمثل شكل المحتوى المعنى أو المضمون، وأما شكل المحتوى وشكل التعبير فيمثلان معا الرمز اللغوي بجانبيه (الشكل والمحتوى)، وهذا معناه أنه الموضوع الحقيقي للسانيات ( ). ويعنى جوهر المحتوى الأفكار قبل أن تتحقق ، أي قبل أن توضع في نظام اللغة، فمثلا فكرة عدم المعرفة تمثل جوهر المحتوى ، أي قبل أن توضع في نظام اللغة، فمثلا فكرة عدم المعرفة تمثل جوهر المحتوى أما تنظيمها فإنه يختلف من لغة إلى لغة أخرى ، فتمثيل الفكرة بقولك ” لا أعرف ” مثلا إنما هو تنظيم للفكرة في هذه اللغة: ومن ثم فهذا هو الشكل الذي جاءت فيه الفكرة.هكذا يشترك الناس جميعا في جوهر المحتوى مهما اختلفت لغاتهم أو تنوعت، على حين يختلفون في شكل المحتوى أي في التعبير عن هذا الجوهر، وعلى العكس من ذلك نجد جوهر تعبيريا واحدا في بعض اللغات ،ويسمى يلمسليف هذه التراكيب أو الأقسام التي نحصل عليها في الجانب التعبيري صورا أو أشكالا.Figuresأو Figure ،ومن الضروري أن نشير إلى أن كل وحدة لغوية تظهر في التحليل في درجتها المناسبة لقائمتها . وقد نعثر أحيانا على وحدات لغوية لا تتغير بدءا من مستوى النص حتى مستوى الفونيم، وذلك مثل كلمة “ i ” في اللاتينية بمعنى “اذهب ” التي تكتب بهذا الشكل من أعلى درجة وهي التحليل على مستوى النص إلى أقل درجة ممكنة وهي مستوى الفونيم .ويقترح طريقة التحليل نفسها في جانب الآخر وهو جانب المضمون أو المحتوى، وينبغي لذلك تحليل الوفرة الكبيرة التي لا نهاية لها من خلال المحتويات الممكنة إلى وحدات صغيرة يختار الإنسان صور الجانب التعبيري (الفونيمات) في اللغة من المجال الكبير للإمكانيات الصوتية، ثم تستعمل بعد ذلك في تأسيس الوحدات اللغوية الأعلى، هذا بالإضافة إلى سلوك اللغة في جانب المضمون ، حيث تضم هذه الوحدات لبناء الوحدات الأعلى وهي مثل (got) التي تختلف معناها من لغة إلى أخرى ، ففي الألمانية Gott بمعنى الله، وفي الانجليزية تعنى got “حصل على ” ، ومعنى godt في الدينمركية يكون “جيد” ، فهذه الكلمات الثلاث وإن كانت تنطق نطقا واحدا، فهي واحدة بالنظر إلى جوهر التعبير، إلا أنها تختلف في المعنى . وهكذا يوجد عندنا في اللغات الثلاث جوهرا التعبير، إلا أنها تختلف في المعنى، وهكذا يوجد عندنا في اللغات الثلاث جوهرا تعبيريا واحدا وأشكالا تعبيرية مختلفة.
هكذا تتفق اللغات في الجوهر وتختلف في تحققه بالاختلاف في المحتوى الشكلي من جهة وفي الأصوات وتراكيبها من جهة أخرى( ).
منهج يلمسليف في التحليل اللساني
يمكن وصف المنهج بأنه استنتاجي تحليلي، حيث تقسم كل وحدة (تحلل) إلى وحداتها الأصغر التي تتكون منها؛ ومن ثم يحصل في كل درجة من درجات الاستنتاج أولا على وحدات صغيرة وتقل ثانيا الموجودات أو القوائم الجدولية .
إن تحليل المستوى التعبيري ينتج:
1-نصوصا كثيرة لا نهاية لها ( ).
2-جملا كثيرة غير محدودة .
3-أجزاء من جمل غير محدودة
4- كلمات كثيرة لا نهاية لها، وإن كانت محدودة في قوائم القواميس والمعاجم إلا أنها كلمات كثيرة غير محدودة من الناحية النظرية، ولا يلعب هذا دورا هاما في علم اللغة حيث إن الدراسات اللغوية الكلمات بجانبيها الشكل والمضمون مثلا.
وفي مجال تحليل المضمون يمكننا استبعاد بعض الوحدات اللغوية من التحليل لأنها تتضح من خلال ارتباطها بوحدات لغوية أخرى، فمثلا لو أنتج تحليل المضمون لثروة الكلمات في لغة ما الوحدات التالية:

كبش نعجة
ولد بنت
فرس فرسة
خروف
طفل
حصان
هو……………هي
فإنه يمكننا حينئذ استبعاد الوحدات اللغوية في الأسطر الثلاثة الأولى ، لأنها تتضح ارتباطيا relational من خلال علاقتها بوحدات أخرى وهي الوحدات التي جاءت في الأسطر التالية، وهنا ينبغي أن نشير إلى أن صاحب النظرية يتعامل مع محتويات الكلمات دون اهتمام بالكلمات ذاتها ، أما طريقة الارتباط هذه فهي أن الكبش = هو خروف ، بنت= هي طفل ، فرس = هو حصان، فرسة = هي حصان
ولا تعنى الصور الأدلة اللسانية ، بل إن تركيب الصور بجانبيها (التعبير والمضمون) ينتج الأدلة، أما الوحدات الصغيرة سواء في الجانب التعبيري وهي العلامات الفونولوجية على أنها صفات للفونيمات أو في جانب المضمون وإن لم توجد لها علامات دلالية صغيرة يمكن تناولها فإنها تسمى عنده . Glossemes.إن مصطلح غلوسيم مأخوذ من اليونانية ويعنى اللسان أو اللغة أو الكلام، أما عند ه فهو أصغر الوحدات اللسانية، إنه عبارة عن العلاقة الفنولوجية أو ما يسمى كينيم Keneme في الجانب التعبيري وبليريم Plereme في الجانب الدلالي ، ويسمى مجموعتهما الغلوسيم.وتهدف النظرية إلى تطبيق نتائج المنطق الشكلي والمنهج العلمي الحديث على علم اللسان ( )؛ ومن ثم إلى بحث جانبي اللغة: التعبير والمحتوى بحسب أسس موحدة.ويعتقد يلمسليف أن لغوبي يراغ بحثوا الشكل من خلال الجوهر أو ما يمكن أن نعبر عنه بأنهم بحثوا الجوهر الشكلي، أما هو فيرى أنه ينبغي أن تبحث اللسانيات الشكل منعزلا عن الجوهر، ولذا فإنه لا يكترث بالجوهر الذي تتحقق فيه بقدر اهتمامه بالشكل الذي ورد فيه هذا الجوهر، حيث إن اللغة يمكن أن تتحقق في جوهر متنوع فقد تكون منطوقة كما قد تكون مكتوبة مدونة.وإذا كان موضوع اللسانيات هو شكل المحتوى وشكل التعبير ( )في مستويات التحليل اللغوي – كما سبق القول- فإن الجانبين الآخرين (مادة المحتوى ومادة التعبير ) يوديان إلى تداخل اللسانيات مع أسس علوم أخرى كالفلسفة وعلم النفس والطبيعة، وإن كان يلمسليف لم يلاحظ أن المتكلم كفرد أو كعضو في جماعة إنما يعنى أن يتداخل اللسانيات مع علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع، وهو مجال ستهتم به اللسانيات الاجتماعية.لقد وجدت النظرية الغلوسيماتيكيةنفسها مضطرة بسبب احتضانها للأسس النظرية العلمية التي توجد في التجريبية المنطقية إلى الوصول إلى نتيجة هي: أنه على الرغم من الشكلية الواضحة فإن النظرية لا تضع اللغة شكلا وتركيبا سابقة الوجود على الإنسان الناطق ؛ حيث تتناولها حقيقة معطاة. إن النظريات التي تقوم في المقام الأول على أسس منجية في إطار المنهج البنوي الوصفي إما أن تكون نموذجية خالصة كما نجدها عن فايسجرير أو على أساس اجتماعي كما في منهج دي سوسير أو وصفية منطقية عند لويس يلمسليف ، والاستثناء الوحيد من ذلك كله نجده عند أصحاب مدرسة براغ الذين حاولوا أن يعبروا عن البنوية النموذجية على أساس وظيفي دون أن يصلوا إلى نظرية منهجية متماسكة كالتي نجدها عند لغوبي مدرسة كوبنهاجن.

المدرسة الألمانية

يمكن الإشارة إلى بعض الاتجاهات اللسانية الأخرى مثل :
-الاتجاه الألماني
تمثله الأعمال المقارنة الأولى التي قدمها كل من :
*فرانس بوب(ت1867) في الصوتيات والصوتيات الوظيفية والنحو المقارن .
*جاكوب غريم (ت1863) في النحو المقارن
*فلهلم فون همبلدت (1835) في اللسانيات العامة والنحو المقارن . وبداية من سنة 1876 نشأت في جامعة ليبزيش حركة لسانية مجددة قادها ثلة من النحاة المقارنين عرفوا بالنحاة الشبان أو الجدد(neo grammarians ) ، منهم كارل بروجمان وستهوف وهرمان بول وفرنر وقد عني هؤلاء بالبحث في التغيرات الصوتية للغات ، محاولين اكتشاف القوانين المتحكمة في ذلك التطور ، والطريف في منهجهم دعوتهم إلى :
-دراسة اللغات الحية .
-العناية بالجانب المنطوق إذ أنّ النظام الكتابي للغات لا يفسر ظواهرها النظامية .
-دراسة اللهجات كمدخل لدراسة اللغات دراسة علمية .

المدرسة الإنجليزية

يغلب على أبحاث هذه المدرسة عدم التوحد في الإهتمام اللساني إذ نجد عناية بالدرس الصوتي منذ عصر النهضة فصاعدا ، وما يرتبط به من عناية بتعليم اللغات وإصلاح الكتابة ، ولعل ألمع اللسانيين الإنجليز الذين أسسوا للدرس اللساني :أليسELLIS وبيتمانPITMAN ودانيال جونس DANIEL JONESوجاردينرGARDINAR و هاليدي HALLIDAYوفيرث FIRTHوويليام جونس WILLIAM JONES وهنري سويتHENRY SWEET الذي عني بدراسة الفونيم ،وكان الملهم لمن جاء بعده من علماء الصوتيات والفنولوجيا وفي مقدمتهم سوسير وتروبتسكوي ،دون أن ننسى إهتمام جاردينر السابق الذكر بالدرس الصوتي العربي من خلا ل كتابه : فوناتيك اللغة العربية (1925).
إلا أن الدرس اللساني الإنجليزي لم يشهد التطور النوعي والمنهجي إلا على يد جون فيرث الذي طور نظرية سياق الحال العناية بالجانب الدلالي للغة الطبيعية من حيث هي وسيلة للتواصل الإجتماعي ،دون إغفال الدراسات الصوتمية التي أسس لها دانيال جونس وهنري سويث بتأثير من الدرس الهندي القديم ،وقد أسهم فيرث من خلال مدرسته الجديدة مدرسة لندن في الإعتراف باللسانيات العامة علما أكاديميا في الجامعات البريطانية بدأ من سنة 1944 و1956 ،وممن تأثر بمنهجه هاليدي الذي وضع نظرية في النحو النظامي GRMMAIRE SYSTEMATIQUE، والتي تجمع بين المكونات التالية :
أ-الشكل
ب-المادة
ج-السياق
على أن ما يميز الدرس الإنجليزي في إطار الدلالة تنوع النظريا ت الدلالية مما يجعلنا نقول أن اللسانيين كانوا أقرب إلى إلى رصد الظواهر الدلالية منهم إلى بناء القواعد ، لذا سيكون التركيز منصبا على إبراز أهم النظريات التي أطرت الهموم اللسانية في إنجلترا خلال القرن العشرين.
أهم النظريات الدلالية :
النظرية الإشارية :
كان أوجدن رتشاردز في كتابيهما المشهور THE MEANING OF ENINIG M أول من طور ما يمكن أن يسمى بالنظرية الإشارية REFERENTIAL THEORY أو” DENOTATIONAL “، التي أوضحاها بالمثلث الدلالي الشهير وتنطلق فكرة النظرية الإشارية من علاقة الدال بالمدلول ، وتعود جذورها إلى عهد دي سوسير حيث شبه الرمز بقطعة من الورق ذات الوجهين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر .
أ- رأي يرى أن معنى الكلمة هو ما تشير إليه .
ب- ورأي يرى أن معناها هو العلاقة بين التعبير وما يشير إليه وقد اعترض على أساس هذه النظرية بما يأتي :
1- أنها تدرس الظاهرة اللغوية خارج إطار اللغة.
2- أنها تقوم على أساس دراسة الموجودات اللغوية ( المشار إليه ).ولكي نعطي تعريفا دقيقا للمعنى- على أساس هذه النظرية – لا بد أن نكون على علم دقيق بكل شئ في عالم المتكلم .ولكن المعرفةالإنسانية أقل من هذا بكثير .
3- أنها لا تتضمن كلمات مثلّّ”لا” و “إلى” و”لكن “و “أو” ونحو ذلك من الكلمات لها معنى يفهمه السامع والمتكلم ،ولكن الشيء الذي تدل عليه لا يمكن أن يتعرف عليه في العالم المادي.
4-أن معنى الشيء غير ذاته .فمعنى كلمة “تفاحة “ليس هو “التفاحة”فالتفاحة يمكن أن تؤكل لكن المعنى لا يؤكل.
النظرية التصويرية
وجدت الصورة الكلاسيكية للنظرية التصورية النظرية العقلية عند الفيلسوف الإنجليزي في القرن السابع عشر عند جون لوك الذي يقول :”استعمال الكلمات يجب أن يكون الإشارة الحساسة إلى الأفكار التي تمثلها تعد مغزاها المباشر الخاص ، وهده النظرية تعتبر اللغة وسيلة أو أداة لتوصيل الأفكار ،أو تمثيلاًٍ خارجيا أو معنويا لحالة داخلية وما يعطي تعبيرا لغويا معنى معينا استعماله باطراد في التفاهم كعلامة على فكرة معينة والأفكار التي تدور في أذهاننا تملك وجودا مستقلا ،ووظيفة مستقلة عن اللغة .
النظرية السياقية :
اقترنت باسم اللغوي الإنجليزي فيرث FIRTH -وقد أشرنا إلى جهوده سلفا-الذي تأثر بالأنتربولوجي المعروف MALINAWSKI وفي حديثه عن سياق الحال OF SITUATION CONTESCTE ، وقد أكدت هذه النظرية على أهمية الوقوف على السياقات المختلفة التي ترد فيها الكلمة من أجل الوقوف على معناها وقوفا صحيحاًن، ومعنى الكلمة عند أصحاب هذه النظرية هو “استعمالها في اللغة “أو “الطريقة التي تستعمل بها”أو “الدور الذي تؤديه”- ولهذا يصرح فيرث بأن المعنى لا ينكشف إلا أن من خلال تسييق الوحدة اللغوية، أي وضعها في سياقات مختلفة. ويقول أصحاب هذه النظرية في شرح وجهة نظرهم : معظم الوحدات الدلالية تقع في مجاورة وحدات أخرى، وإن معاني هذه الوحدات لا يمكن وصفها أو تحديدها إلا بملاحظة الوحدات الأخرى التي تقع مجاورة لها.
انطلق عدد من الباحثين المحدثين من تحديد للمعنى اللغوي يقوم على معطيات السياق الذي ترد فيه الكلمات وقد سعى هؤلاء إلى تخليص دراسة المعنى من المناهج الخارجة عن اللغة من جهة ، وجعل هذه الدراسة خاضعة للملاحظة والتحليل الموضوعي داخل اللغة من جهة أخرى .ويصرح أولمان بهذا حين يرى أن البحث عن العلاقة بين مفهومنا عن الشيء ، والشيء نفسه ليست مهمة من الناحية المعنوية ، لأن اللغوي يهمه ما تعبر عنه كلمات اللغة من مفاهيم ، وليس الكلمات نفسها في علاقاتها بالموجودات في الواقع ويتكون سياق الحال كما قرر فيرث، من مجموع العناصر المكونة للحدث الكلامي، وتشمل هذه العناصر التكوين الثقافي للمشاركين في هذا الحدث، والظروف الاجتماعية المحيطة به ، والأثر الذي يتركه على المشاركين فيه ويرى فيرث أن الوصول إلى معنى أي نص لغوي يستلزم تحليله على المستويات اللغوية المختلفة ، ثم بيان وظيفة هذا النص اللغوي ومقامه ،ثم بيان الأثر الذي يتركه في من يسمعه ،وقد اقترحK. AMMER تقسيما للسياق ذا أربع شعب
أ- السياق اللغوي :LINGUISTIC CONTEXTE:
هو حصيلة استعمال الكلمة داخل نظام الجملة متجاورة وكلمات أخرى ، مما يكسبها معنى خاصاً محدداً .ويشار في هذا الصدد إلى أن السياق اللغوي يوضح كثيرا من العلاقات الدلالية عندما يستخدم مقياساً لبيان الترادف أو الاشتراك أو العموم أو الخصوص أو الفروق ونحو ذلك
ب – السياق العاطفي :Emotionnal contexte
يختلف هذا السياق عن السياقات الأخرى في كونه يرتبط بدرجة الانفعال المصاحبة للأداء الفعلي للكلام من حيث ما يقتضيه الكلام من تأكيد ، أو مبالغة ، أو اعتدال.
ج – سياق الموقف : Situational contexte:
إن السياق الموقفي ، في رحاب النظرية الدلالية السياقية هو الإطار الخارجي الذي يحيط بالإنتاج الفعلي للكلام في المجتمع اللغوي ، أي الحيز الاجتماعي الذي ينتج في مدخل معجمي ما .ويمكن لنا أن نمثل لذلك بالمدخل المعجمي/عملية /الذي يتغير مدلوله في النظام اللساني العربي بتغيير السياق الموقفي الذي يرد فيه ، فإجراء العملية في سياق موقفي تعليمي يعني إجراء عملية حسابية مألوفة عن ضرب أو جمع أو طرح ، وفي السياق الطبي ، تعني إجراء عملية جراحية لاستئصال ورم أو غيره .أما إجراؤها في السياق الموقفي العسكري فيعني تنفيذ خطة عسكرية معينة .

د -السياق الثقافي : Cultural contexte
ينفرد السياق الثقافي بدور مستقل عن سياق الموقف الذي يقصد به عادة المقام من خلال المعطيات الاجتماعية .لكن هذا لا ينفي دخول السياق الثقافي في استعمال كلمات معينة في مستوى لغوي محدد .فالمثقف العربي المعاصر يختار كلمة ” زوجة ” أو ” مدام ” للدلالة على امرأته ، على حين يستخدم الرجل العادي كلمة “مره ” للدلالة على زوجته . ويحدد السياق الثقافي الدلالة المقصودة من الكلمة التي تستخدم استخداماً عاماً . فاستعمل كلمة ” الصرف ” لدى دارسي العربية وطلابها يعني مباشرة أن المقصود هو علم الصرف الذي تعرف به أحوال الكلمة العربية من اشتقاق وتغيير وزيادة ونحو ذلك .على حين أن دارسي الهندسة وطلابها يحددون دلالة “الصرف” عندهم بأنها مصطلح علمي يشير إلى عمليات التخلص من المياه بأي وسيلة.

المدرسة الأمريكية
اللسانيات التوليدية التحويلية

البحث اللساني الأمريكي في بداية القرن العشرين
نشطت الدراسات اللسانية في أوربا وأمريكا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين ، إذ أصبحت دراسة اللغة منذ حوالي نصف قرن علما مستقلا بذاته ، يتخذ من اللغة وسيلة وغاية في الآن ذاته .وعلم اللسانيات ” علم قد تكون ، ولكنه لا يزال يتطور التطور اللازم لنضجه ، وإن الجهود الفردية القادمة سترسي قواعد الكثير من أسسه ووسائله ونتائجه، وهذه الدراسات ما زالت وفقا على المتخصصين فيما، وعلى القلة من مريديهم “ ( ) .ونشطت الدراست الأمريكية يف القرن العشرين، إذ انطلقت من الأنثربوبوجيا، وكان هذا عاملا مساعدا على تطويرها.ويمكن القول إن إرهاصات البحث اللساني تمثلت في جهود كل من “فرانس بواس” ( ) وبلومفيلد في كتابه ” اللغة ” ، ثم ظهور النحو التوليدي التحويلي في كتاب تشومسكي ” البنى التركيبية “.أما عن مقدمة بواس التي وردت في كتابه “اللغات الهندية الأمريكية ” الذي صدر في 1911 ، هذا التاريخ الذي يعتبر الميلاد الرسمي للسانيات الأمريكية حيث ذكر فيها “بواس” ذكرا موجزا المنهج الذي اتبعه في دراسة ووصف تركيب هذه اللغات، ” وخلص أخيرا إلى النتيجة القائلة أن التغيير لذي نلمسه في اللغات الإنسانية إنما هو الواقع أكبر بكثير مما يبدوا ظاهريا إذا ما بنى المرء تعميماته على الوصف القواعدي للغات الأوروبية شيوعا، كما وجد أيضا أن التشويه قد اعترى وصف اللغات المحلية والنادرة في أمريكا الشمالية بسبب اخفاق اللغويين في فهم إمكانية اللغات وتنوعها “ ( ) .ومن المتفق عليه أن أهم علماء اللسانيات بعد بواس هما “إدوارد سابير ” ( ) و”ليونارد بلومفيلد” اللذان تأثرا ببواس وأخذا عنه الكثير، وقد كان كل منهما يختلف عن الآخر سواء في القدرة على القناع الفلسفي أم في طبيعة الأثر الذي تركه.أما سابير فقد اهتم بدراسة اللغات الجرمانية ” غير أنه وقع تحت تأثير بواس وهو لم يزل بعد طالبا ، وتحول إلى دراسة اللغات الهندية الأمريكية ، صدر له عام 1921 كتابا بعنوان “اللغة ” موجها إلى القارئ العادي وكتابه هذا يحمل نفس اسم كتاب بلومفيلد، لكنهما يختلفان اختلافا بينا، فقد بذل بلومفيلد جهودا معتبرة في ميدان اللسانيات وطبع له البحث اللساني الأمريكي أكثر من غيره، على الأقل أثناء الفترة الممتدة بين 1933 و1957 “ ( ) .وكتاب بلومفيلد هذا يعد منطلقا للسانيات الأمريكية في دراستها اللغوية البنوية، حيث نادى فيه بضرورة دراسة اللسانيات دراسة مستقلة وعلمية .والجدير بالذكر أن بلومفيلد- وهو رائد التوزيعية- كان متأثرا بعلم النفس السلوكي، إذ بالغ في تضييق نطاق العلم اللغوي واستبعد من الدراسة العلمية أكثر مما كان ضروريا ، ولم يكن يولى اهتماما لدراسة المعنى، فقد غالى اتباعه من بعده في الابتعاد عن المعنى لا سيما بتحليل بنية اللغة عن طريق العناصر الصوتية فقط التي تتخذ من خلالها أقسام الخطاب بموقعها وليس بوظيفتها العامة ، وهذا ما يعرف بالتحليل التوزيعي ( ) ،ولم يعد المراد من التحويل عند هاريس الانتقال من العبارة (أ) إلى العبارة (ب)، بل يبحث أيضا في صلة القرابة بين هذه الجمل على أساس إمكانات القبول المختلفة ويرى هاريس أن كافة الجمل الموزعة إلى مجموعتين ، الأولى؛ تتمثل يف العبارات المترابطة فيما بينها فقط والثانية ؛ العبارات المنحدرة من الأولى بحكم التحولات المختلفة ( ) ،ولقد كتب هاريس عام 1946 مقالة بعنوان “من المورفيم إلى التعبير “وتعد هذه المقالة عند اللسانيين : أولا النموذج التحليلي المستخدم للمورفيمات والمكونات المباشرة، وثانيا المنطلق الذي اعتمده تشومسكي في أبحاثه ، وقد كان آنذاك أحد تلامذة ماريس، ثم من مساعديه وزنلائه فيما بعد ، وكانت أعمال تشومسكي مماثلة في جوهرها لأعمال هاريس قبل عام 1957 ، حيث نشر كتابه الأول” البنى التركيبية ” وكان في تلك الأثناء ، قد تخلى عن موقف هاريس حول أساليب الاكتشاف ” ( ) ، ويعد كتاب تشومسكي هذا ممهدا لأفكار جديدة في تاريخ الفكر اللغوي ، ودراسته هي – بلا منازع – أحدث الدراسات اللسانية المعاصرة .ويعد تشومسكي صاحب النظرية التوليدية التحويلية théorie transformationnelle générative من الذين أسهموا في هذا التطور، وتركوا بصماتهم قائمة بما جاءوا به من نظريات ومفاهيم جديدة نسفت بمفاهيم أخرى بدائية، أو كورت بعضها وأخرجته في ثوب جديد يتماشى مع متطلبات العصر ونظريته في وقتنا الحالي من ” أكثر النظريات اللسانية انتشارا، ليس فقط في الجامعات الأمريكية إنما أيضا في الجامعات الأوروبية، وكذا العربية “ ( ) .
وقبل التطرق إلى النظرية وما أحدثته في المجال اللساني من أثر منهجي ونظري حري بنا أولا أن نتوقف عند تشومسكي الذي ملأ الدنياشهرة بخاصة في الأوساط المثقفة والمتخصصة .
فقد أبرز ظهور نوام تشومسكي ”الذي يبدوا أنه حي بهذا البحث، عيوب فلسفة اللغة، والحاجة إلى استبدالها بمبحث علمي لساني متماسك مسلم به “ ( ) .
– حياة تشومسكي العلمية :
أفرام نعوم تشومسكي Avram Noam Chomsky لساني أمريكي ، يهودي الأصل، من مواليد ديسمبر عام 1928 وتلقي دراسته في بنسلفانيا، وهناك درس علم اللغة والرياضيات والفلسفة، وقد حصل فيها على درجة الدكتوراه عام 1955 بالرغم من أنه قام بمعظم أبحاثه اللسانيةعقب انتسابه إلى جمعية الرفاق بجامعة ” هارفرد ” وكان ذلك في الفترة الممتدة بين 1950و1955 وبعد ذلك عين بمعهد مساشوسيت وظل يترقى في حياته العلمية، حتى حصل أخيرا على كرسي الأستاذية في اللسانيات اللغات الحديثة وهو متزوج وله ثلاثة أولاد بنتان وولد ( )،لقد حظيت أعمال تشومسكي بالتقدير في الدوائر الأكاديمية فمنح درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة شيكاجو ، كما دعي لإلقاء المحاضرات في عدد من البلدان ، ففي عام 1967 ألقى تشومسكي ” محاضرات بيكمان ” في جامعة كليفورنيا في ” بيركلي ” . وفي عام 1969 ألقى محاضرات “جان لوك” في جامعة أكسفورد و”محاضرات ذكرى شيرمان ” في جامعة لندن .
حقق تشومسكي أول شهرته في ميدان اللسانيات حيث تعلم قسطا من مبادئ اللسانيات التاريخية من والده ، الذي كان عالما في العبرية، وقد قدم جزأ من بحثه الأول في اللغة العبرية الحديثة ، عندما نال درجة الماجستير ” إلا أن العمل الذي يشتهر به الآن وهو بناء نظام النحو التوليدي الذي تطور من خلال اهتمامه بالمنطق الحديث وأسس الرياضيات حيث طبقها فيما بعد على وصف اللغات الطبيعية “( ) ،وقد التقى تشومسكي باللساني “موريس هال” ( ) في حدود سنة 1951 فساعده على الحصول على مركز بحث في المختبر الصوتي الإلكتروني في معهد مساشيوسيت التكنولوجي ويدرس الألمانية والفرنسية إلى الطلبة الذين يتخصصون في مجال العلوم، وفي عام 1955 عين تشومسكي أستاذا بالمعهد نفسه، وهولا يزال يشغل هذا المنصب إلى يومنا الحالي ،وإضافة إلى ذلك فهو عضو في عدة جمعيات علمية لغوية وغير لغوية كالجمعية الأمريكية للتقدم العلمي ، والأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم إضافة إلى جمعيات وأكاديميات أخرى عديدة ،والجدير بالذكر أن تشومسكي اطلع على اللغة العربية ونحوها أيام كان شابا، فقد اطلع على متن الأجرومية لما كان طالبا في المرحلة الجامعية، يقول تشومسكي نفسه في حوار أجراه معه الدكتور مازن الوعر : ”قبل أن أبدأ بدراسة اللسانيات العامة ، كنت أشتغل ببعض البحوث المتعلقة باللسانيات السامية وما زلت أذكر دراستي للأجرومية منذ عدة سنوات خلت وكنت أدرس هذا مع الأستاذ فرانز روزنتال ( ) وكنت مهتما بالتراث النحوي العربي والعبري “ ( )،ومن هنا يتضح جليا أن تشومسكي تأثر في تكوينه العلمي بالتراث العربي، وبرزت مراحل التأثر بعد هذا سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة في نظريته،وبعيدا عن مجال اللسانيات والبحث العلمي ، فقد عرف تشومسكي بآرائه السياسية وهذه الأراء بدورها أكسبته شهرة واسعة تضاف إلى شهرته اللغوية، ويرجع اهتمام تشومسكي بالسياسية إلى كونه ولد يهوديا وسط مجتمع مسيحي فتكونت آراؤه السياسية فما عرف “بالمجتمع اليهودي الثوري ” في مدينة نيويورك ، وكان يميل إلى نزعات متطرفة فقد كان فوضويا ثم اشتراكيا ، ولكن شهرته السياسية جاءت من نقده اللاذع للسياسة الأمريكية الخارجية ، بخاصة إبان التورط الأمريكي في الفيتنام ( )،ثم تطور نشاطه السياسي حتى أصبح أبرز المعارضين لسياسة أمريكا هذه كما أن مجموعة مقالاته التي نشرها في كتاب القوة الأمريكية والماندرين الجدد تعتبر لدى المثيرين إحدى أقوى الادانات في الفيتنام التي ظهرت حتى الآن وتأثر تشومسكي بمجموعة من العلماء لا سيما من عاصروه منهم وأكثر هؤلاء تأثيرا فيه ” زيلغ هاريس ” ( ) . هذا الأخير الذي يعد السياق إلى وصول النظرية التوليدية التحويلية التي جاء بها تشومسكي ،كماشغل منصب أستاذ اللسانيات العصرية واللسانيات العامة، واللافت حقا للانتباه أن النظرية التوليدية التحويلية قد طغى استخدامها في ميادين شتى، ولم تعد حكرا على الجامعات أو في ميدان تعليمية اللغات، بل تعدى ذلك حتى إلى الفنون ، فهذا برنشتاين ( ) عالم الموسيقى يتوصل إلى فكرة تشومسكي عن القواعد الكلية بمعنى أنماط القواعد المنتقلة وراثيا عبر الأجيال، والتي تمارس عملها بأكثر المستويات عمقا في جميع المجالات، ومن الغريب حقا أن برنشتاين صادف هذا الكشف المذهل أثناء انهماكه في تحليل تنويعات” أرون كوبلان” الموضوعية لآلة البيانو ومن ثمة أخذ يبحث عن سبب يبرر وجود هذه التركيبات الحاوية لنفس الدرجات في العمق الكامن، ورغم الاعتقاد بوجود قواعد للموسيقى تتميز بطابعها الفطري الواسع الانتشار، فإن برنشتاين لم يخطر بباله قط أن يكون لهذه الفكرة ما يبررها علميا لولا ما تجمع في ذهنه خلال الأعوام الماضية من حقائق تؤكد وجود قواعد كونية تعمل كأساس للغة الحديثة وهذه الفكرة – الجديدة نسبيا – من حيث اكتشافها تعود إلى تشومسكي ( ) .
أهم مؤلفاته :
يحتل تشومسكي مكانة فريدة في الدراسات اللغوية المعاصرة، ولقد أثرت مؤلفاته المكتبية اللسانية وأفادت اللسانيين في مجالات عدة ” ولعل أحدا من علماء اللغة المعاصرين لم يحظ بتلك المكانة من قبل في تاريخ هذا العلم “ ( ) .
وقد جسد تشومسكي أفكاره وأبحاثه الغوية في مقالات وكتب نشرها في أزمنة متقاربة وسنحاول التطرق لها وفقا للترتيب الزمني لنشرها.
أ- البنى التركيبية أو التراكيب النحوية les structures syntaxiques :
ونشره عام 1957 وقد فتح به عهدا جديدا يف تاريخ الفكر اللغوي، ويشير فيه إلى بعض ملامح النظرية الجديدة التي جاء بها ، وفيه تخطى تشومسكي اللسانيات البلومفيلدية التي كانت أنذاك إلا أنه ” لم يشر إلى المنهج الذي وضعه في هذا الكتاب إلى المستوى الدلالي“ ( ) ويؤرخ ظهور هذه النظرية إلى عام 1957 تاريخ نشر هذا الكتاب إذ تكمن أهميته في كونه: ”الدستور الأول للنظرية التي جاء بها تشومسكي و التي أحدثت ثورة في الدراسة اللغوية في أمريكا..وأتت بمفاهيم لغوية جديدة “
( ) ..وتعتمد النظرية اللغوية التي طورها تشومسكي في هذا الكتاب على نظريات لغوية طورت في العالم الغربي لا سيما في أمريكا وأشهرها النظرية البنوية وبعض النظريات المنطقية وهذا الكتاب هوأساس النظريات التوليدية التحويلية الواسعة الانتشار والتي لم تقتصر أهميتها على الدراسة اللغة فحسب بل في مواضيع أخرى عديدة كالأدب والنقد وعلم النفس.
– البنية المنطقية للنظرية اللسانية la structure logique de la théorie linguistique :
نشر هذا الكتاب سنة 1975 وهو في حقيقة الأمر كان قد ألف عام 1955 ولكن دار النشر رفضت نشره بحجة أنه تناول قضايا لا تلقى اهتمام الأخصائيين في مجال اللسانيات . ”ويحاول تشومسكي في هذا المؤلف تحديد معرفة المتكلم بقواعد لغته الضمنية وليسعى إلى وضع أساليب تقييم القواعد وتفسيرها بحيث تتوافق القواعد الموضوعية مع هذه الأساليب التي تحتوي عليها الألسنية العامة “ ( ) .
– ملامح النظرية التركيبية l ’aspect de la structure syntaxique :
صدر عام 1965 يحتوي على أهم أراء النظرية التوليدية التحويلية وفيه يميز تشومسكي بين الكفاية اللغوية والأداء الكلاسيكي وقد استعمل فيه لأول مرة مصطلحي: البنية السطحية والبنية العميقة ويسمي نظريته هذه بالنظرية النموذجية وفيه ” يفصل بوضوح شكل القواعد التوليدية والتحويلية وتداخل المستويات الألسنية “ ( ) . ويبرز الكتاب الأفكار التالية:
– تحديد مفهوم الكفاية اللغوية بأنها معرفة المتكلم الضمنية بقواعد لغته
– تحديد مفهوم الأراء الكلامي وتمظهر هذه المعرفة في عملية التكلم.
– تحديد مفهوم الأصولية وتمييزها عن مفهوم تقبل الجملة .
– اللسانيات الديكارتية la linguistique cartésienne :
صدر عام 1966 تناول فيه تشومسكي الفرضيات المتعلقة بمميزات الفكر ، بالمخططات الذهنية الأساسية التي يفرضها العقل على عملية تحليل المعاني، على عملية اكتساب اللغة من خلال المعطيات المتوفرة للتحليل .ويتبين من خلال هذا الكتاب تقارب نظرية تشومسكي مع آراء ديكارت وهميولدت ويشير إلى الأبعاد العقلانية التي تشير إليها فلسفاه وتقوم عليها نظريته ذلك أن اللسانيات والفلسفة وعلم النفس عند تشومسكي ليست مستقلة عن بعضها البعض . ”ويعتقد تشومسكي أنه بوسع اللسانيات أن تساهم مساهمة فعالة في دراسة العقل البشري ، وأنه حتى في وقتنا الحاضر نجدها تقدم البرهان لصالح موقف معين من المواقف القائمة على الجدول الطويل بين العقلانيين les rationalistes والتجربيين les empiristes “ ( ) .ورغم أن هذه اللفظة التي جاء بها تشومسكي (فلسفة اللغة ) ” ما تزال تعيش على المستوى الجامعي فأبرز نوام تشومسكي الذي يبدو أنه أحي هذا البحث، عيوب فلسفة اللغة والحاجة إلى استبدالها بمبحث علمي لساني متماسك مسلم به “ ( ) .
– الأنماط الصوتية في اللغة الإنجليزية les types phonologiques de la langue anglaise :
صدر عام 1968 ووضعه تشومسكي بالاشتراك مع اللساني ” موريس هال ” ، ويتناول هذا الكتاب :
– الفرضيات اللسانية التي تنطلق منها دراسة الأصوات اللغوية .
– النظرية الفونولوجية التوليدية التحويلية وفونولوجيا الإنجليزية .
كما يتعمق في هذا الكتاب في ” بنى الفونامات الإنجليزية ويقدم القواعد الفونولوجية المناسبة وتنظيم السمات الفونولوجية الكلية “ ( ) .
– اللغة والفكر La langue et la pensée :
صدر عام 1968 ، ويضم ثلاثة محاضرات ، كان قد ألقاها تشومسكي في جامعة “بركلي “عام 1687 .
المحاضرة 01 : الماضي ، ويتضمن المساهمات السابقة في البحث اللساني الحالي .
المحاضرة 02 : الحاضر ، ويتضمن البحث اللساني .
المحاضرة 03 : المستقبل ، ويتضمن الاتجاهات التي يمكن أن تتخذ في مجال دراسة اللغة والفكر .وركز تشومسكي في هذا الكتاب على إبراز فلسفته ، فأكبر ما يميز فكره هو ” تأكيده على ما يدعى بالعالميات الشكلية ، وهي المبادئ العامة التي تحدد شكل القواعد وطريقة عملها نحو اللغات المختلفة “ ( ) .
– مسائل المعرفة والحرية Problèmes de la connaissance et de la liberté :
صدر عام 1971 ، ويحتوي بدوره على محاضرتين كان ألقاهما تشومسكي في معهد الثالوث الأقدس ” جامعة كمبردج ” حيث ” يحل فيه تشومسكي القضايا الفكرية المرتبطة ببعض المسائل التي آثارها كتابات الفيلسوف الإنجليزي “راسل” “ ( ) .
– دراسات الدلالة في القواعد Etudes sémantiques de la grammaire générative :
صدر في 1972 ، وفيه عدل تشومسكي من بعض المسائل في النظرية النموذجية التي سبق وأن تعرض لها في كتابه” البنى التركيبية ” كما يحتوي الكتاب أيضا على ” الانتقادات التي يوجهها تشومسكي إلى النظرية الألسنية بعد إدخال التعديلات التي وضعها “ ( ) .
– المعرفة اللغوية : طبيعتها وأصولها واستخدامها :
La connaissance linguistique : les origines et les fonctions
يعد هذا الكتاب أكثر كتب تشومسكي في تحديد الصورة التي تتخذها الآن النظرية التحويلية ، كما أنه يمثل وقفة تأمل موضوعي واع ويقظ في صور النقد وجهت إلى النظرية، والاقتراحات التي قدمت لتطويرها ووصلت بها إلى ما يعرف الآن باسم “نظرية الربط والعمل “أو “نظرية الربط العاملي “.
وقد قام تشومسكي من خلال رسمه لصورة هذه النظرية الأخيرة بتحديد أكثر من المصطلحات التي كانت قائمة في الصور الأولى، والأقدم نسبيا للنظرية وعلى رأسها مصطلح النحو الكلي، كما أوضح دور النحو الأخير في الاكتساب اللغوي وبناء ما سماه” الأنحاء الخاصة ” كنحو العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية، ولقد انتهى تشومسكي إلى القول بتضمن النظرية النحوية الكلية لوحدات أو نظريات فرعية هي نظرية السين البارية ونظرية الثيثا ونظرية الربط الحالة ( ) .
وإضافة إلى هذه الكتب، فقد نشر تشومسكي أيضا عدة مقالات وكذا المراجعات التي تناولت كتبا متفرقة بالمراجعة وإعادة القراءة نذكر منها:
– مراجعة كتاب” سكينر” للسلوك الكلامي .
– مراجعة كتاب الفونولوجيا لـ” هوكيت ” .
كما نشر مقالات متنوعة من بينها :
– ” البنى المنطقية في اللغة “في مجلة التوثيق الأمريكي عام 1956.
– اللغات المحدودة الحالات بالاشتراك مع “جورج ميلر” في مجلة الإعلام والمراقبة عام 1958 .
– “بعض الخصائص الشكلية للقواعد” في مجلة الإعلام والمراقبة ، أيضا عام 1969 .
إضافة إلى مجموعة مقالات وكتب أخرى لا يسعنا المجال لذكرها وإنما اقتصرنا على هذه الكتب -السالفة الذكر- لأنها تشغل أهمية قصوى في إرهاصها للنظرية التوليدية التحويلية أو في وصفها وذكر مبادئها أكثر مما تشغله كتب أخرى .

نظرية النحو التوليدي التحويلي
نشأت بفضل تشومسكي ، حيث تجرأ هذا الأخير على نقد مدرسة بلومفيلد نقدا قويا، فأصبح بهذا النقد زعيما للمدرسة اللغوية في أمريكا .
وقد أسس تشومسكي نظريته على أنقاض المدرسة ، إذ قاد ” تشومسكي ثورة علمية نجم عنها نموذج جديد للتفكير في اللغة ، أفرز مجموعة من الإشكالات يجب أن يعتني بها اللغوي ، وضمنها الاهتمام بالجهاز الداخلي الذهني للمتكلمين ، عوض الاهتمام بسلوكهم الفعلي “ ( ) .ويتمثل هدف هذه النظرية في الوصول إلى ما يسمى باستيفاء التفسير، ولم يكن الهدف من هذا الاستيفاء أن توصف الظواهر باللجوء إلى نظام من الضوابط فحسب، بل أن يشرح لماذا هي على ما هي عليه “ ( ) .
ولهذه المدرسة أهمية بالغة في علم السان المعاصر، وقد أثارت جدلا عنيفا أحيانا ومناقشات خصبة بين دعاتها ومنافسيها، وتطورت تطورا سريعا وحلت محل التوزيعية، وبلغت مرحلة النضج في 1955 وسنعرض لأهم التطورات والمراحل التي مرت بها هذه النظرية منذ مرحلتها الأولى وصولا إلى آخر التطورات التي مستها.
المبادئ العامة :
أ – الاكتساب اللغوي :
يرى تشومسكي أن المذاهب السلوكية هي مذاهب تبسيطية تجعل الإنسان كالآلة، فاللغة من منظور السلوكية مجموعة عادات صوتية، يكفيها عالم البيئة لكي يتحقق اكتسابها ، فالمتكلم يسمع جملة معينة ، أو يحس إحساسا معينا ، تتولد لديه استجابة كلامية من دون أن ترتبط هذه الاستجابات بأي شكل من أشكال التعبير .
فعملية اكتساب اللغة عند الطفل تندرج ضمن نظرية التعلم ، فهي من منظور السلوكية شكل من أشكال السلوك الإنساني ، لذا لا يقرون بوجود أي تباين أو اختلاف بين تعلم اللغة وتعلم أية مهارة سلوكية أخرى، ويعتمد السلوكيون مبدأ التعميم لتفسير استعمال الطفل الكلمات والتراكيب ويتمثل الاتجاه السلوكي ، بصورة واضحة وجلية في كتاب سكينر السلوك الكلامي ” .
أما عن طريق اكتساب معاني الكلمات ، فيرى السلوكيون أن الطفل بقدر ما يكتشف الأشياء التي تشير إليها الكلمات عبر اقترانها بالكلمة التي يتلفظ بها، يكتسب مدلولات تلك الكلمات ، ثم يتمكن أخيرا عن طريق المحاولة حينا والخطأ حينا آخر من تركيب الجمل تركيبا صحيحا .وركز المنهج السلوكي على السلوك الخارجي للإنسان معتبرا إياه مادة التحليل اللساني، مهملا كل العمليات الداخلية التي هي مصدر هذا السلوك “ ( ) .وهذا التحليل رفضه تشومسكي ، ذلك أن منهج النظرية التوليدية التحويلية هو منهج ذهني يجعل ملكة اللغة قدرة فعالة غريزية وفطرية، وهي قدرة تخص الإنسان وحده، وأراد تشومسكي من خلال ذلك أن يشوح اللغة ويعلل أسبابها من الداخل وليس من الخارج، وكانت حجته في ذلك؛ كيفية تعلم الأطفال الصغار لأن اللغة تتعلم بشكل تطوري سريع دون النظر إلى العوامل الخارجية التي تتدخل في هذه العملية ، سواء كانت البيئة أو الجنس، ويرى أن ”العمليات اللغوية هي عمليات مرتكزة على أسس بيولوجية ، ثم أن أية محاولة لشرح الظاهرة اللغوية بمصطلح سلوكي إنما هي تجاهل للخلق اللغوي عنده “ ( ) .ويرفض تشومسكي فكرة أن الطفل ينمي بمفرده القواعد التي تنتج الجمل المحتملة والتي تندرج ضمنها تراكيب كلامية لم يسعها من قبل ، والتي لا يمكن التكهن باحتمال ورودها في الكلام ، وذلك أن الحياة – لو صحت أراء السلوكين هذه – لأصبحت صعبة التحقيق ، ضف إلى ذلك أن الطفل لا يمكنه أن يركب جملا صحيحة ، انطلاقا من الجمل التي يسمعها من الملقنين له وبما أن هذه الجمل التي يسمعها هي في الغالب ناقصة، ويشوبها التحريف من حيث بناؤها اللغوي ” فهذه النظريات لا يمكنها أن تحلل هذا التباين بين المعطيات الأساسية الناقصة وبين القدرة غير متناهية على انتاج الجمل والتي يتزود بها الأطفال “ ( ). وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأداء الكلامي من هذه المقدرة في الواقع ، ومن عدد الجمل التي يمكن انتاجها فلا تتقبل بأي شكل من الأشكال أن الطفل يكتسب اللغة من خلال اختيار كل الجمل الممكنة في اللغة والتمرس بأدائها عبر الاستجابة للحافز .
وللتوليدية التحويلية أدلة أخرى تدحض بها ما ذهبت إليه السلوكية ، فهي ترى أن الإنسان يكون مفهوم اللغة، وهو مختلف عن الحيوان الذي أجريت عليه التجارب من حيث أن الإنسان يمتلك ملكة فردية تكون كفاية اللغوية .وعلى هذا الأساس يكون مفهوم اللغة على أنها سلسلة متتابعة تقوم على العادات السلوكية ( الكلامية ) لا يتواءم أبدا مع الناحية الإبداعية في اللغة ، ولا يراعي حقيقة الإنسان العقلية ( ) .يتضح من خلال ما سبق أن تشومسكي ينظر لعملية اكتساب اللغة نظرة تختلف بصورة جذرية عن النظرة السلوكية التي كانت سائدة في المرحلة البنوية ويصر تشومسكي على أن بنية التنظيم المعرفي الذي يصل بالطفل إلى اكتساب اللغة ، هي بنية معطاة بصورة مسبقة إلى الطفل، وبالتالي لا يتم الاكتساب اللغوي تدريجيا كما يزعم السلوكيون من خلال لا شيء أو من خلال دماغ فارغ ، وبواسطة الاستقراء والتعميم ومبادئ الأقران ومن دون أية ضوابط بيولوجية “ ( ) .
وبهذا دحض تشومسكي ما جاءت به السلوكية وبنى نظريته على أساس علمي يعتمد التفسير المنطقي والتعليل بالدرجة الأولى .
ب -الإبداعية اللغوية :
حاول تشومسكي إحياء جملة من المفاهيم العائدة إلى القواعد الفلسفية أو اللسانية الديكارتية – كما يدعوها هو – أين يظهر تأثره بشكل واضح بفلسفة ديكارت وقد أخذ يشير في كتاباته الأخيرة إلى أن علم اللغة هو ” فرع من علم آخر أطلق عليه اسم علم النفس الإدراكي “ ( ) . ويظهر ذلك بوضوح في ثلاثة مؤلفات له:
1 – مظاهر النظرية النحوية
2 – اللسانيات الديكارتية
3 – اللغة والعقل
فهو بذلك يؤكد أيما تأكيد على ضرورة اتباع المنهج العقلي، وقد أشار تشومسكي أكثر من مرة إلى المغالطة الكبيرة – التي أدت فيما بعد إلى تغيير وجهة البحث العلمي – والتي وقعت فيها اللسانيات الوصفية لما ابتعدت عن المبادئ الفلسفية المتأثرة بفكر ديكارت، إذ دعا إلى ضرورة ” العودة إلى المسائل التي آثارها القدامى وإعادة استكشافها ، وتبني منطلقاتها العقلانية “ ( ) ،ونستشف من هذا أن تشومسكي أراد دراسة اللسانيات وعلاقتها ببقية العلوم الإنسانية الأخرى ، لا سيما علاقتها بالفلسفة ، خاصة لما يتناول بالبحث الروابط التي تقرن الأصوات اللغوية بالدلالات وكذا مواضيع اكتساب اللغة عند الطفل وقضايا تنوع اللغات …وتكمن أهمية المبادئ العقلانية عند تشومسكي في أنها تتيح بدرجة كبيرة ووضع قواعد كلية تساهم بصورة أساسية في مجال إدراك سيكولوجية الإنسان ، والجدير بالذكر ، أن تشومسكي ” لم يأت على ذكر القضايا الفلسفية في أولى كتاباته إلا لماما .. فإننا نستنتج من ذلك أنه لم ير مسوغا للجدل في نظرية المعرفة والإدراك التجريبية “ ( ).ومن أمثلة هذا التأثر نذكر المثال التالي: إن النظرة الديكارتية الأساسية للغة والتي مفادها أن السمات العامة للبنية اللغوية تشترك بين كل الناس، وتعكس بعض خصائص الفكر ومزاياه الأساسية ومن هذا المنطلق نفهم إصرار العقلانيين على التركيز على القواعد الكلية بدل التركيز على القواعد الخاصة ، وهذا تماما ما يؤكده تشومسكي في نظريته إذا يرى أن القواعد الكلية هذه مثيرة للاهتمام من حيث هي فرضية تنظم المعطيات التجريبية وتساوي بينها ومن بين النظريات التي تفسرها ،ثم يسير تشومسكي على هذا النحو متأثرا بالفكر الديكارتي في أغلب مواقفه، ذلك أن منهجه يعمد دائما إلى الشرح والتعليل لا إلى الوصف وحده كما كان سائدا لدى التجربيين ولا سيما السلوكيين،كما أنه من واجبنا أن ننبه أن تشومسكي اختلف مع ديكارت ، ومع العقلانيين بوجه عام في تفسير بعض الظواهر فهو مثلا يعارض مبدأ الحتمية الميكانيكية،كما أن الصفة الإبداعية ( ) للغة التي ركز عليها تشومسكي تبرز بوضوح كإحدى الصفات الأساسية التي تتمتع بها اللغة، وقد أشير كثيرا إلى هذه الصفة في القرن السابع عشر، وخاصة النظرية الكلاسيكية ولا سيما عند ديكارت ، ” فاللغة تتسم بميزة أساسية من حيث أنها توفر للإنسان الوسائل اللازمة لكي يعبر بصورة غير متناهية عن أفكار متعددة “ ( ) ،إذن ، فالصفة الإبداعية في اللغة – التي أشار إليها تشومسكي ومن قبله ديكارت – صفة خاصة باللغة الإنسانية وحدها، وهذا ما يميزها عن لغة الحيوان ، وهكذا نرى أن الكثير من أفكار تشومسكي لها جذور الفلسفة الديكارتية .
تطورها :
– المرحلة الأولى : مرحلة البنى التركيبية 1957
يؤرخ لظهور النظرية التوليدية التحويلية بظهور كتاب” البنى التركيبية “الذي أصدره تشومسكي خلال عام 1957 ، وهو يعتبر الدستور الأول للنظرية والذي استطاع تشومسكي من خلاله تحديد الإطار النظري لهذا الجدول في مسار البحث اللساني ، وقد كان في هذا الكتاب مشغولا بأبحاث النحو من دائرة المعاني المتناثرة ، ومحاربة الاعتقاد السائد أن النحو يقوم على مثل هذا “التهافت “، ونعني بالتهافت الخلط بين النحوية والمعنى، حيث تكون الجملة سليمة نحويا، ولكن ليس لها معنى مثل: الأفكار الزرقاء عديمة اللون تنام بعنف .وأصبح الهدف عند تشومسكي هو اكتشاف البنى التركيبية، إذ أضحت الجملة هي المدار الرئيس للنظرية التوليدية التحويلية وركنا من بنائها النظري.وفي ضوء هذا المنحنى عرف تشومسكي اللغة على أنها مجموعة متناهية أو غير متناهية من الجمل، وبالتالي فإن عدد الجمل الصحيحة نحويا غير محدودة في أية لغة.
صرح تشومسكي أن هذه الفكرة قد سبقه إليها همبلدت ( ) ، منذ ما يزيد عن قرن، والفكرة نفسها قال بها العرب منذ درج فير فليل من الزمن.
إن معظم الآراء التي طرحت في هذه المرحلة من قبل تشومسكي كانت مماثلة لآراء هاريس اللسانية ، إذ يخلو ” البنى التركيبية ” من أية مناقشة لخلقية النحو النفسية والفلسفية، إلا أنه يمكن القول أن ثمة نقاط عديدة ميزت أعمال تشومسكي عن أعمال هاريس، حيث أكد على الميزة الإبداعية للغة وفكرة الحدس بمعنى المقدرة على الحكم اللغوي عند المتكلم على كلامه بالصحة أو الخطأ ،وأول فكرة طرحها تشومسكي في هذا الكتاب هي قضية استقلالية نظام القواعد فنظام القواعد عنده هو المسؤول عن تحديد الجمل واللا جمل بمعنى أن توالي الفونيمات قد يكون جملا صحيحة وقد لا يكون جملا صحيحة ثم يطرح السؤال التالي: ما الأساس الذي نعتمد عليه في الفصل بين المتواليات القواعدية وغير القواعدية ؟ يجيب تشومسكي بأنه لا يمكن تشخيص القواعدية بكل ما له معنى ، فالجملة قد تكون قواعدية ولا معنى لها ، كما هو الحال في المثال التالي :
– الأفكار الخضراء التي لا لون لها تنام بشدة (جملة قواعدية )
– بشدة تنام الخضراء التي لا لون لها الأفكار (جملة غير قواعدية )
ولهذا يعتقد تشومسكي أنه لا مناص من القول أن نظام القواعد مستقل عن المعنى ( ) وصاغ تشومسكي نظريته وفقا لثلاث أنواع من القواعد :
أ – القواعد التوليدية :
فقد سعى تشومسكي للوصول إلى قواعد شاملة تنظم تركيب الجملة في جميع اللغات، وهذا لوجود عوامل كثيرة مشتركة بين البشر ، وهذه العوامل تمثل أوجه التشابه الملحوظة بين لغات العالم ، فهذه القواعد وحدها هي التي تولد كل الجمل السليمة من حيث النحو ليس إلا ” ثم إن هذه القواعد ينبغي أن تعطي وصفا تركيبيا لكل جملة مصوغة “ ( ) .والقواعد التوليدية عبارة عن جهاز يحتوي على أبجدية رموز هي بمثابة معجمه فمستخدم اللغة يستطيع أن يفهم جملا وتعبيرات لم يسبق له أن سمعها، وأبسط النماذج التي عرضها تشومسكي لهذه القواعد النحوية المحدودة ، ” وهو يقوم على مبدأ أن الجمل تولد عن طريق سلسلة من الاختيارات.. تبدأ من اليسار إلى اليمين، بمعنى عند الانتهاء من اختيار العنصر الأول فإن كل اختيار يأتي عقب ذلك يرتبط بالعناصر التي سبق اختيارها مباشرة، وبناء على ذلك يجري التركيب النحوي للجملة “ ( ) . ونمثل لهذا بالجملة التالية :
هذا الرجل اشترى بعض الخبز
فلو اخترنا كلمة (هؤلاء) بدل (هذا) كان يجب اتباع هذه الكلمة بصيغة الجمع (الرجال) ، وكذلك نتبع (الرجال)، بـ(اشتروا) وهكذا دواليك ، فعملية بناء الجملة وتوليدها يعتمد على مبدأ الاختيار ( ) .
ومن خلال المثال السابق نستطيع أن نتصور النحو كما لو كان جهازا يتحرك من خلال عمليات اختيارية لكن هذا النموذج من القواعد عاجز عن توليد نوع معين من الجمل، ومن ثمة اقترح تشومسكي قواعد أخرى سماها بقواعد تركيب أركان الجملة وهذا النموذج من حيث الجوهر أشد قوة من النموذج السابق ، لأنه يستطيع القيام بما لا يقوم به النموذج الأول ( ) ،والملاحظ أن النموذج الثاني أكثر تعقيدا من النموذج الأول وتتم طريقة التحليل بواسطته والعودة إلى مؤلفات الجملة المباشرة، ويتخذ النموذج التوليدي الجملة كوحدة أساسية في التحليل، وتتخذ القاعدة التوليدية شكل قاعدة إعادة كتابة، بمعنى أنه تعيد كتابة الجملة بواسطة رمز يشير إلى عنصر معين من عناصر الكلام، ومثال ذلك : لدينا الركن الفعلي مكون من فعل وفاعل ومفعول به، نمثل له بالقاعدة التالية:
ركن فعلي فعل + ركن اسمي (الفاعل )+ ركن اسمي (المفعول به).
وتتضح صورة القواعد تركيب أركان الجملة التي اقترحها تشومسكي في كتابه ” البنى التركيبية ” كما يلي :
1 – الجملــــة مركب اسمي + مركب فعلي
2 – المركب الاسمي أداة تعريف + اسم
3 – المركب الفعلي الفعل + المركب الاسمي
4 – أداة التعريـف ال
5 – الاسم (رجل ، كرة ، …)
6 – الفعل (ضرب ، أخذ ، ..)
وتمثل العناصر السابقة على طريقة المشجر الموالي :
ومثال ذلك جملة :
التلميذ يكتب الدرس
تكون قواعد إعادة الكتابة على النحو الآتي:
– الجملــــة مركب اسمي + مركب فعلي
– المركب الاسمي أداة تعريف + اسم
– المركب الفعلي الفعل +المركب الاسمي
– المركب الاسمي أداة تعريف + اسم
ب – القواعد التحويلية :
ونعني بها القواعد التي يمكن بواسطتها ” تحويل الجملة إلى جملة أخرى تشابه معها في المعنى، وذلك مع ملاحظة علاقات الجمل المتماثلة والاجراءات التي تحدث لتجعل جملة على مستوى السطح تختلف عن الجمل الأخرى “ ( ) وذلك عن طريق:
1 – الحذف ، 2 – التعويض ، 3 – التوسيع ، 4 – الاختصار ، 5 – الزيادة ، 6- إعادة الترتيب ، 7 – التقديم .
فالقواعد التحويلية تولد عددا كبيرا من الجمل انطلاقا من البنية العميقة نحو بنايات سطحية متعددة ، وذلك عن طريق تطبيق القواعد السالفة الذكر .
وتتم عملية التحويل وفق نمطين من القواعد :
1 – قواعد جوازية اختيارية
2 – قواعد وجوبية
وتكمن أهمية القواعد التحويلية في قدرتها الذاتية على تفريغ الجمل من خلال العلقة التي تتبدى في ضوء ما تقدمه هذه القواعد من إجراءات تفسيرية ، من خلال تبيان العمليات التحويلية المسموح بها ضمن القواعد وتحديد عددها وترتيبها وتعداد القيود المتعلقة بتطبيقها .
ج – القواعد الصوتية الصرفية :
ونقصد بها القواعد التي تحول المرفيمات إلى سلسلة من الفونيمات وبمعنى إعادة كتابة العناصر كما تنطق بها، وتطبق القواعد المورفوفونيمية بعد تطبيق القاعدة التحويلية .
مثال : أ – فعل + حركة فعل
كتب + فتح كتب
ب – فعل + ملحقات فعل (في شكله الأخير )
كتب +وا كتبوا
وبشكل عام ، يمكن أن نلخص كل ما جاء به تشومسكي في مرحلة البنى التركيبية، في الشكل الموالي ( ) :

القواعد التوليدية القواعد التحويلية القواعد الصرفية التمثيل الصوتي
الصوتية للجملة

يمثل المخطط البياني السابق صورة مختصرة للعمليات التحويلية لأي جملة حتى تنتهي إلىص صرة الفونيمية المنطوقة ، حيث يمثل العنصر الابتدائي البنية العميقة لعدد من الجمل المحتملة، أما الصندوق الثاني فيمثل مجموعة القواعد التوليدية التي تتمثل بدورها يف مجموعة القواعد الاختيارية والاجبارية التي تطبق على الجملة ، إذ تتبدل أركان الجملة لنص في الأخير إلى أن الجمل المشتقة السطحية لها اصل واحد هو البنية العميقة .أما الصندوق الثالث فيمثل مجموع القواعد الصرفية والصوتية التي تحول الجملة من صورتها المورفيمية إلى صورتها الفونيمية .
وأخيرا يمثل العنصر الأخير الصورة الصوتية للجملة، أو بنيتها السطحية .
وبالتالي ، يمثل هذا المخطط جملة الأفكار الابتدائية التي طرحها تشومسكي في “البنى التركيبية ” والتي عدلها فيما بعد، كما سوف نرى هذا في المرحلة الموالية .
– المرحلة الثانية : النظرية اللسانية النموذجية 1965 .
يؤرخ لهذه المرحلة بظهورها كتاب تشومسكي “مظاهر النظرية النحوية “سنة 1965، وهو الكتاب الذي تدارك فيه تشومسكي النقائص الواردة في كتابه الأول “البنى التركيبية “، وفي هذا الكتاب أخذت النظرية صورتها النهائية بعد التحويلات التي مستها إثر طرح كاتز وفودور وبرندال فكرة ضرورة إدماج القضية الدلالية على نحو واضح .
وقد أخل تشومسكي في هذه المرحلة بين البنى العميقة والبنى السطحية واختلاف البنويين والتوزيعيين إذ لا يميز هؤلاء بين مستوى سطحي ومستوى عميق في الجمل ( ) .
1 -التمييز بين الكفاية اللغوية والأداء الكلامي Compétence et performance linguistique
كل إنسان ينشأ في بيئة يستطيع التعبير بلغة هذه البيئة، وبإمكانه أيضا فهم عدد غير متناه من جمل اللغة وصياغتها، حتى ولو لم يسبق له سماعها من قبل، ويتم ذلك بشكل أني، وبصورة عفوية، يقول تشومسكي : ” إن النظام قواعد لغة ما يعكس الذخيرة المحدودة الاعتباطية للقولات الملحوظة إلى مجموعة يفترض فيها أن تكون عير محدودة من القولات القواعدية فنظام القواعد بهذا المفهوم يعكس سلوك المتكلم الذي يستطيع استنادا إلى هبرة المحدودة اعتباطية من اللغة أن ينتج أو يفهم عددا غير محدود من الجمل الجديدة “ ( ) .
والفكرة ذاتها عنها بالقدرة الإبداعية، ذلك أن النظرية النحوية لا بد ” أن تعكس قدرة جميع المتكلمين بلغة ما على التحكم في إنتاج جمل وفهمها دون أن يسعوا بها من قبل “ ( ) .وهذه القدرة هي الفكرة الأساسية في النحو التوليدي التحويلي، بل انطلاقا من معناها صار هذا الاتجاه توليديا ” أي أنه يبحث إمكانات توليد الجمل الجديدة اعتمادا على إمكانات اللغة “ ( ) .فالكفاية اللغوية تعني القدرة على إنتاج الجمل وتفهمها في عملية تكلم اللغة وهي أيضا مجموع القواعد الكامنة في ذهن الإنسان والتي تمكنه من بناء الجمل، فهي تعني امتلاك الآلية اللغوية، يقول ميشال زكريا : ” هي المعرفة الضمنية بقواعد اللغة التي قائمة في ذهن كل من يتكلم اللغة “ ( ) .وتشير هنا إلى أن هناك مصطلحات عديدة تعبر عن نفس المفهوم، منها، القدرة اللغوية الملكة اللغوية الطاقة اللغوية الكفاءة اللغوية .
– شومسكي وابن خلدون :
لقد أشار ابن خلدون في مقدمته إلى الملكة اللغوية ، وتحدث عنها في مواطن عدة منها قوله : ” إن صناعة العربية هي معرفة قوانين هذه الملكة ومقاييسها خاصة ، فهو علم بكيفية لا نفس كيفية .. فمن هنا نعلم أن تلك الملكة هي غير صناعة العربية ، وأنها مستغنية عنها بالجملة “ ( ) .
والملكة اللسانية اصطلاح لابن خلدون ” يقصد به قدرة اللسان على التحكم في اللغة والتصرف فيها … وهذا يتفق مع تفسير المعاجم لمعنى الملكة عموما ، فهي تعني احتواء الشيء مع الاستبداد به لكنها هنا ” ملكة لسانية ” فهي منسوبة إلى اللسان الذي هو محلها وتصير ملكة له احتوى اللغة وتمكن منها واستبدلها “ ( ) .
ولقد فسر ابن خلدون هذا المصطلح بما يحقق معناه اللغوي السابق ثم التزامه في كل ما ذكره من قضايا كلها سواء ما يتعلق بتحصيل الملكة أو جودتها أو فسادها أو دراستها في علوم اللسان العربي .
والملكة اللسانية هي ” أساس دراسة النحاة وعلماء اللغة، فقد سعوا وراء الحصول عليها عند الناطقين الفصحاء في الحضر والبادية “ ( ) .
ومن هنا يتضح أن ابن خلدون اهتم بالملكة اللسانية من حيث أنها خاصة بكل إنسان، وتعني قدرته على تحصيل اللغة وحسن استخدامها من حيث الجودة أو الفساد، وما يدل على ذلك هو سعي العلماء للحصول عليها من “الفصحاء” فهم لم يسعوا في الحصول عليها من أي كان أو ممن دخل يف كلامه اللحن لأن “الفصيح “يقترب من المتكلم –المستمع المثالي الذي تنعكس ملكته على كلامه انعكاسا يكاد يكون مثاليا بينما لو اخترنا شخص آخر يستعمل اللغة استعمالا رديئا إما لفساد لغته أصلا وإما لدخول اللحن عليها، وإما لتأثير عوامل عديدة خرجت هن نطاق قدرته كالخوف أو الحياء أو غيرهما؛ لما استطعنا تقدير قيمة استعماله لما يمتلكه من “ملكة لسانية ” التي تتقارب عند جميع الناس، والفرق يكمن في الاستعمال الآتي لهذه الجمل .
يقول ابن خلدون : ” وهكذا تصير الألسن واللغات من جيل إلى جيل آخر، وتعلمها العجم والأطفال، وهذا هو معنى ما تقوله العامة من أن اللغة للعرب بالطبع أي بالملكة الأولى التي أخذت عنهم ، ولم يأخذوها عن غيرهم “ ( ) .
بمعنى أن العرب توارثوا هذه اللغة جيلا بعد جيل، حتى تكونت لديهم الملكة اللسانية بعد ذلك، وهذا دليل على أن الملكة تتكون لدى الأشخاص أثناء فترة طويلة تؤهله فيما بعد إلى استعمال هذه اللغة استعمالا صحيحا .
ومن هذا نلاحظ أن المغرفة الضمنية الخاصة باللغة لأي: الكفاءة اللغوية عند تشومسكي هي نفسها الملكة الأولى عند ابن خلدون التي نشا عليها الأشخاص وطبعوا عليها، ثم تشكلت في أذهانهم بواسطة معرفتهم لأصولها وسننها .
ب – الأداء الكلامي La performance linguistique :
يقصد بالأداء الكلامي أو الإنجاز ”ما يبلغه متكلم أو سامع معين عند مباشرته الفعلية للغة “ ( )
فالأداء الكلامي إذن هو الاستعمال الأتي ضمن سياق معين، وهو حصيلة عمل الآلية اللغوية وفي الأداء الكلامي يعود المتكلم – بصورة طبيعية – إلى القواعد الكامنة ضمن كفايته اللغوية كلما استخدم اللغة في مختلف ظروف التكلم .
وتتغير صورة الكلام المتلفظ به من شخص لآخر تبعا لعوامل عديدة كالانتباه والتعب والانفعال ذلك ” أن الأداء الكلامي ، وإن يكن ناجما عن الكفاءة اللغوية ، فإنه يتضمن في الحقيقة عددا من المظاهر الطفيلية، وترجع هذه المظاهر الطفيلية إلى عوامل مترابطة خارجة عن إطار اللغة ، نذكر منها ، هنا العوامل السيكولوجية ( ضعف الذاكرة ، الانفعال ، عدم الانتباه …) والعوامل السوسيو ثقافية ( الانتماء إلى مجموعة اجتماعية ، طريقة التدريس اللغوي ) … “ ( ) .
فالأداء الكلامي إذن لا يتحقق بالفعل إلا بعزل المتكلم عن مجموع المؤثرات التي تتداخل مع الكفاية اللغوية .فالأداء الكلامي أو الجمل المنتجة التي تبدو في فوينمات ومورفيمات تنتظم في تراكيب جملية خاضعة للقواعد والقوانين اللغوية الكامنة والمسؤولة عن تنظيم هذه الفوينمات والمورفيمات في تراكيبها، فالأداء هو الوجه الخاص الذي يظهر في شكل الكلام المنطوق للمعرفة الضمنية الكامنة ( ) ،ومن هنا يظهر الفرق واضحا بين الكفاءة اللغوية والأداء الكلامي، فالأولى تعني القدرة الضمنية للغة، والثانية هي الإنجاز الفعلي لهذه القدرة والذي نلاحظه أن هذه الفكرة ليست جديدة، فكما سبق وأن رأيناها عند ابن خلدون، نجد – صورة ثانية – أن سوسير أيضا تعرض لها، ولكن مع اختلاف في التسمية فقط .
– سوسير وشومسكي
إن من أهم الثنائيات التي أسس سوسير عليها قواعدها هي اللغة والكلام، فاللغة عنده تعني ” الجانب الاجتماعي التواضعي من الظاهرة اللسانية ، واللفظ هو الجانب الذاتي ، والاستعمال الشخصي لكل متكلم ، واللغة بمثابة قاسم مشترك، لا وجود له في صورته الكاملة إلا في مستوى المجموعة واللفظ هو عمل الفرد وممارسته بالاعتماد على تلك المعرفة المشتركة “ ( ) ؛ فاللغة عند سوسير هي ” تنظيم إشارات تعبر عن أفكار ” ( ) ، وهي كل بذاته ومبدأ تصنيف ، فهي تحتل المركز الأول في قضايا الألسنية ، أما الكلام فهو الاستعمال الفردي الذي يتلفظه الأشخاص، وهو تأدية جزء من هذا الرصيد (اللغة) ، يقول : ” إنها بالنسبة إلينا تختلف عن الملكة اللغوية، فما هي سوى جزء معين منها …إنها إنتاج اجتماعي لملكة اللغة، وفي الوقت نفسه … هي مجموعة من الاصطلاحات …تتيح ممارسة الملكة “ ( ) .وتعد هذه الثنائية (لغة /كلام) نفس ثنائية تشومسكي (ملكة /أداء) ولكنها لا تطابقها، والفرق بينهما أن سوسير يرى أن اللغة هي قدر مشترك بين أعضاء الجماعة اللغوية، بينما مفهوم الملكة عند تشومسكي – كما رأينا سابقا- يتمثل في المعرفة الضمنية للمتكلم، فهو لا علاقة له بالجماعة وإنما يهتم بملكة المتكلم كفرد، ولا تشترك فيها الجماعة اللغوية بالضرورة .
ج – التمييز بين الجملة الأصولية وغير الأصولية :
أشرنا فيما سبق أن المتكلم العارف بلغته قادر على إنتاج عدد غير متناه من الكلمات المتتالية ، والتي تكون جملا ، وهذه الجمل قد تكون صحيحة، كما قد تكون خاطئة، نسمي النمط الأول : جملا أصولية بمعنى الجمل التي توافق الأصول اللغوية ،فالبحث اللساني عند تشومسكي لا يكتفي بمجرد معرفة التراكيب الموجودة بالفعل، بل يحدد ما يقبله النظام اللغوي وما يرفضه ” فالجملة تمثل بالضرورة تتابعا من الوحدات الصرفية أو المورفيمات، ولكن ليس كل تتابع من الوحدات الصرفية هذه يكون بالضرورة جملة مفيدة … “ ( ) . وبناء على هذا يميز النحويون المعاصرون بين مصطلحين اثنين: grammatical بمعنى مطابق للقاعدة النحوية و non grammatical بمعنى غير مطابق للقاعدة النحوية ،ويجب الإشارة في هذا المقام إلى أن القواعد وحددها هي التي تحكم على أصولية الجملة أو عدمها، كما تحدد كل الجمل المحتملة في اللغة، وتمنع في الوقت ذاته الجمل غير الأصولية من أن تتكون، كما أن الحكم على أصولية الجملة لا تنحصر بقبول جملة ما أو رفضها، وإنما أيضا ينص على وجود تفاوت في الجمل الأصولية من حيث درجة انحرافها عن قواعد اللغة ، ومثال ذلك :
أبحر الإسكندرية من سعد اليوم إلى باريس ( ) .
يعلق ميشال زكريا على هذا المثال بقوله : ”لا يمكن اعتبار هذه الجملة مفيدة ، وذلك أن كلمة (الإسكندرية) تقع فاعلا لفعل أبحر … إلا أنها غير مقبولة ، وذلك لأنها لا تخضع لقاعدة الملائمة بين سمات الاسم والفاعل والفعل “ ( ) .
كما أننا لو قارنا الجملة السابقة بالجملتين المواليتين :
– سيعود حاملا مصر إلى الاستقلال 2
– مصر حاملا الاستقلال إلى سيعود 3
فنلاحظ أن الجملة (2) غير أصولية أيضا، وكذا الجملة (3) ومن هنا يتبين أن درجة انحراف الجملة (2) عن الأصولية أقل من درجة انحراف الجملة (1) .
كما لا يجب الخلط بين الجمل الخاطئة نحويا، والجمل الخاطئة معرفيا .
مثال : الإنجيل معجزة النبي محمد صلى  .
فهذه الجملة صحيحة نحويا، ولكنها خاطئة معرفيا ، وبالتالي فهي جملة أصولية
د- البنية السطحية والبنية العميقة .
يميز تشومسكي بين البنية السطحية ويرى أنها ” البنية الظاهرة عبر تتابع الكلمات التي تصدر عن المتكلم“ ( ) ، وبين البنية العميقة ”بمعنى القواعد التي أوجدت هذا التتابع، وهي التي تتمثل في ذهن المتكلم المستمع المثالي أي هي عبارة عن حقيقة عقلية يعكسها التتابع اللفظي للجملة أي : البنية السطحية “ ( ) .
ويمضي تشومسكي ليؤكد أن البنية العميقة structure profonde أساسية لفهم الكلام وإعطاءه التفسير الدلالي، وهي ضمنية تتمثل في ذهن المتكلم المستمع يعكسها التتابع الكلامي المنطوق الذي يكون البنية السطحية ( ) .
فالبنية العميقة كما يراها تشومسكي ” بنية مجرد مفترضة ينتجها الأساس وتحتوي على كل العلاقات النحوية، والوظائف التركيبية والمعلومات الدلالية اللازمة لتفسير الجملة واستعمالاتها الممكنة “ ( ) .أما البنية السطحية ” فهي البنية النهائية الظاهرية المستخدمة في سياق ما في سلسلة أفقية من الكلمات، ذات سمات صوتية أو كتابية ، وهي لذلك تحتوي على كل المكونات الفونولوجية اللازمة للتفسير الصوتي “ ( ) .والعلاقة بين البنية السطحية والبنية العميقة تعد محورا مهما لتحليل بناء الجملة ، وغموض دلالة البنية السطحية لا يفسر إلا على أساس تعدد الأبنية العميقة لها،وبناء على ما سبق ، فإن البنية السطحية تختلف عن البنية العميقة من حيث أنها (البنية العميقة ) تتقارب عند جميع الناس، بينما تختلف الثانية من فرد لأخر بحسب عوامل عديدة، فالأولى هي ترتيب الوحدات السطحية الذي يحدد التفسير الفونيتيكي ، والذي يرد إلى شكل الكلام الفعلي الفيزيائي وإلى شكله المقصود والمدرك، بينما الثانية هي البنية المجردة الضمنية والتي تعين التفسير الدلالي، فالجملة المنطوقة غالبا هي بنية سطحية .ويتضح الفرق بين البنية السطحية والبنية العميقة من حيث أن البنية العميقة :
1 – تمثل التفسير الدلالي للجملة .
2 – البنية التي يمكن أن تحول بواسطة قواعد تحويلية إلى بنية سطحية ( ) .
أما البنية السطحية فإنها :
1 – تتابع العملية التوليدية التي يقوم عليها المكون التركيبي .
2 – أنها الشكل الصوتي النهائي للتتابع الكلامي المنطوق فعلا.
3 – ترتبط بالأصوات اللغوية المتتابعة ، ويتم تحديد التفسير الصوتي للجمل عبرها .
هـ – أهمية المكون الدلالي في النموذج التوليدي :
كان تشومسكي قد أهمل في “البنى التركيبية “علم الدلالة أو المعنى، ولكن تنبه لذلك ، فعدل نظريته بحيث أقحم في الدراسة المكون الدلالي في كتابه “ملامح النظرية التركيبية “.
وقد اعتنى عالما اللسانيات كاتز وفودور 1963 بالقضية الدلالية وحاولا تطويرها وذلك بوضع أنموذج تأويلي دلالي على غرار الأنموذج التركيبي ، إذا وضعا نوعين من القواعد الدلالية.
أ – القواعد المعجمية .
ب – قواعد التفسيرية .
فوظيفة القواعد المعجمية أيضا إيضاح المفردات المعجمية ثم تبيان وظائفها الدلالية في التركيب ، كما أن وجود القواعد المعجمية ” لا يتم بصورة آلية وإنما تصادفه عقبات من نوع خاص يمكن التغلب عليها بوصف الوحدات المعجمية اعتمادا على مجموعة خصائصها المعنوية والصوتية “ ( ) .
أما وظيفة القواعد التفسيرية فهي ” تحديد الطريقة التي من خلالها يمكن للمفردات المعجمية أن تنظم بعضها إلى بعض وذلك من أجل تفسير التركيب دلاليا “ ( ) .
ثم قوي الربط بين المكونين : التركيبي والدلالي من قبل كاتز وبوستال عام 1964 ، وذلك من خلال تقديم مفهوم جديد للقواعد التفسيرية،وهذه الأعمال هي التي شجعت تشومسكي على إعادة النظر في نظريته حيث حاول إدماج المبادئ الدلالية المتطورة في منهجه ، ويتكون منهجه هذا من ثلاث مستويات :
1 – المستوى المركبي ، ويعمل على مكونيين :
أ – مكون توليدي : ويتألف من قواعد تفريعية، تصنيفية، معجمية .
ب – مكون تحويلي : ويتألف من قواعد وجوبية، أسلوبية، جوازية .
2 – المستوى الدلالي : وهو مستوى تفسيري يعمل على البنية العميقة، إن المكون الدلالي هذا يعطي البنى العميقة للتفسيرات الدلالية من خلال القواعد الدلالية التي تضم معاني الأركان اللغوية المختلفة من أجل إنتاج التمثيل الدلالي المركبي ( ) .
3 – المستوى الصوتي : وهو مستوى تفسيري يعمل على مستوى البنية السطحية للتركيب .
ودمج نظرية الدلالة في صورة أو أخرى في علم اللغة التوليدي – التفريعي عبارة عن مظهر واحد فقط من مظاهر الاهتمام الأكبر بعلم الدلالة من طرف كل اللغويين تقريبا في السنوات الأخيرة.
”وفي عام عام 1965 مثل مؤلفه ” جوانب النظرية النحوية ” … المرحلة التي عندها أصبح ممكنا للمرة الأخيرة تأكيد وحدة أساسية داخل النظرية، ففي ذلك تم دمج الدلالة والفونولوجيا في النظام الصوتي على غير ما كان علية الأمر في التراكيب النحوية “ ( ) .
لقد تقبل العديد من العلماء منهج تشومسكي الذي طرحه في كتابه” ملامح النظرية التركيبية ” ، ولكن بعد تقصي طبيعة التفسيرات الدلالية والتراكيب استنتجوا أن المكون الدلالي غير قادر على تفسير مواد لغوية كثيرة ، ولعل أكبر خطر هدد نظرية النحو التوليدي –التفريعي هو ظهور فيلمور التي تبلورت في كتابه Le cas pour le cas وأثرت هذه النظرية على نحو تشومسكي تأثير قويا، ومن بين الانتقادات التي وجهها لها عدم اهتمام نظريته بالجانب المعنوي وتركيزه المفرط على القدرة التفسيرية .
المرحلة الثالثة – مرحلة النظرية النموذجية الموسعة :
لم يكن تشومسكي مرة أخرى راضيا عما توصل إليه خاصة بعد الانتقادات التي وجهت له من قبل علماء الدلالة، فأعاد النظر من جديد في نظريته وعدلها وذلك بوضع فرضيات جديدة لتبسيط القواعد التوليدية التحويلية ، وللتغلب على المشاكل ربط تشومسكي التمثيل الدلالي بالبنية العميقة والبنية السطحية على السواء، وذلك من خلال :
أ – قاعدة تفسيرية دلالية أولى للبنية العميقة .
ب – قاعدة تفسيرية دلالية ثانية للبنية السطحية ( ) .
وفي هذه المرحلة أصبحت القواعد التحويلية ” لا تطبق إلا بعد اقتحام الكلمات المأخوذة من المعجم في رسم أركان الجملة العميقة، وكل هذا يختلف عما في النظرية الأصلية لتشومسكي، ويؤدي إلى التحليل من المبدأ الذي يقول إن التركيب العميق وثيق الصلة بتحديد صورتها الدلالية“ ( ) . ونتيجة لذلك أسقط تشومسكي من منهجه فرضية كاتزوفودور التي ترى أن القواعد التحويلية لا تغير المعنى .
وقد عرفت نظرية النحو نظرية النحو التوليدي التحويلي نوعا من الركود طوال السنوات التي تلت نظريته الموسعة حتى 1980 حين طبع كتابه الجديد “المعرفة اللغوية ” وهو عبارة عن سلسلة من المحاضرات أنعشت درس تشومسكي القديم وأعطته نفسا جديدا، إذ تعرض في هذا الكتاب لنظرية “الربط العاملي” ، إذ قام تشومسكي من خلال رسمه لصورة هذه النظرية الأخيرة بتحديد الكثير من المصطلحات التي كانت غائمة في الصورة الأولى والأقدم نسبيا للنظرية التحويلية، وعلى رأسها مصطلح النحو، ومصطلح النحو الكلي ( ) .
وهكذا تكون قد تعرضنا لأهم التطورات التي مرت بها نظرية تشومسكي اللغوية بدء بالنموذج الأول الذي عرضه في “البنى التركيبية ” ثم النموذج الثاني في “مظاهر النظرية التركيبية “فالنموذج الثالث الذي عرضه في “المعرفة اللغوية “.آملين توسيع هذه الدراسة وربطها بالمجال التطبيقي مستقبلا.

التداولية وآفاق الدرس اللساني
توطئة
تمثل التداولية أو البراغماتية اللسانية(PragmatiqueLinguistique) أهم اتجاه لغوي تبلور وازدهر في الثقافة اللغوية الغربية التي شكلت البنيوية والتوليدية مراحلها النظرية الأولى ، إذ تميز النظر اللساني في هذين الاتجاهين بالعناية بالنظام اللغوي والملكة اللسانية المتحكمة ،مما يمكن أن نصطلح عليه بلسانيات الوضع أو النظام على أن تمثل التداولية بوصفها قمة الاهتمام الوظيفي باللغة لسانيات الاستعمال إذ غدا القول المنجز بوساطة هذه الملكة وفي إطار التنظيم اللغوي الاجتماعي فعلا واقعيا لا يختلف من حيث أثره عن أي فعل مادي ، وهذا ما يعبر عنه بنظرية أفعال الكلام، والتي غدت قطب الرحى في الدراسات اللسانية التداولية المعاصرة ، ولقد ارتبط الفكر اللساني العربي الحديث والمعاصر بهذا التوجه الذي اشتهر في الثقافة المعاصرة بالبراغماتية من خلال ثلة من الأعمال الرائدة تزعمتها دراسات الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن ، ثم تعددت الرؤى من شارح للنظريات التداولية داع إلى استثمرها في دراسة اللغة العربية وما ينجز بوساطتها من خطابات يومية تعبر عن الفكر الحضاري العام ، ومن ساع إلى تأصيل التداول اللغوي في ثقافتنا التراثية منطلقا من أسبقية المنظرين العرب إلى إدراك أغراض الخطاب ، والوظيفة التداولية للغة في الحياة العامة ، والحق أن الإفادة من المنهج التداولي الحديث تقود إلى الوعي بالذات أكثر من أن يتجاهل الإنسان الآخر ، وليس هذا محققا في هذا الموضوع فحسب بل هو مطلوب في كل التخصصات ،ومع جميع الأفكار الغيرية ، مما يجعل الذات العربية قادرة على فهم تراثها أكثر من غير إسقاطات سلبية لفكر حديث على آخر قديم .
1- التداولية والمصطلح
إن الحديث عن البراغماتية في اللسانيات ( التداولية ) يستوجب تمييزها عن مصطلح آخر استعمله البعض للدلالة على البراغماتية نفسها وهو الذرائعية ، إذ تشير الكتابات المتخصصة في هذا الموضوع إلى أن pragmatique توجه معرفي يعنى بخصائص استعمال اللغة والدوافع النفسية للمتكلمين، وردود أفعال المستقبلين والنماذج الاجتماعية للخطاب وموضوعه ،وذلك بمراعاة الخصائص التركيبية و الدلالية ، ثم تحولت فيما بعد مع ” ج .ل أو ستين “(J.Austin) إلى دراسة أفعال اللغة، ثم امتدت واتسعت لتشمل نماذج الاستعمال والتلفظ وشروط الصحة والتحليل الحواري، أما الذرائعية pragmatismفهي نظرية تهتم بالفائدة العملية لفكرة ما من حيث هي معيار لصدقها ، وهذا يعني أن هناك بونا شاسعا بين الاصطلاحين في الفكر اللساني والفلسفي الحديث مما يعني عدم جواز ترجمة مصطلح البراغماتية بالذرائعية لأنها مدرسة فلسفية معروفة باسم يختلف هدفها عن الأولى ، فهي تلح على المكون العملي والفاعل للإنسان بقصد بلوغ المعرفة، والمعرفة أداة عمل ، والعمل بدوره يصبح غاية المعرفة ، وقد انتقد ” كلوس ” (Klaoss)هذا التصور الذي يؤسس مبادئ الحقيقة والأخلاق على مصالح الفرد والزمرة الاجتماعية، ويرخص تطبيقه في الحياة العملية ،وتسخيره المفرط من قبل الإمبريالية الأمريكية،يقول وليام جيمس(W.Jims) : ” الصحيح يكمن في ما هو حقيقي بالنسبة إلى سلوكنا “ ،وهناك من يستعمل مصطلح التداولية للدلالة على البراغماتية وهي تعني عند بعضهم “البراكسيس” ،وتهتم بإدماج السلوك اللغوي داخل نظرية الفعل ، وتولي أهمية بالغة للجانب التواصلي للغة والتفاعل بين الأعضاء الحية ،إن أقدم تعريف للسانيات التداولية ( البراغماتية ) تعريف شارل موريس (C.Mouris)سنة 1938 الذي يقرر فيه كونها جزء من السيميائية التي تعالج العلاقة بين العلامات ومستعملي هذه العلامات ،وهذا تعريف واسع يتعدى المجال اللساني إلى السيميائي والمجال الإنساني إلى الحيواني والآلي،كما يعرفها آن ماري ديير(A.M.Dire) و فرانسواز ريكاناتي(F.Riccanati) بقولهما : ”التداولية هي دراسة استعمال اللغة في الخطاب ، شاهدة في ذلك على مقدرتها الخطابية فهي إذن تهتم بالمعنى كالدلالية وبعض الأشكال اللسانية التي لا يتحدد معناها إلا من خلال استعمالها“ ،وعرفها ” فرانسيس جاك (f.jak” بقوله : ”تتطرق التداولية إلى اللغة الخطابية والتواصلية والاجتماعية معا “ ،فاللغة استعمال بين شخصين للعلامات استنادا إلى قواعد موزعة تخضع لشروط إمكانية الخطاب ، وفي الدرس النقدي العربي يعترضنا تعريف صلاح فضل لها من أنها ذلك الفرع العلمي المتكون من مجموعة العلوم اللغوية التي تختص بتحليل عمليات الكلام بصفة خاصة، ووظائف الأقوال اللغوية وخصائصها خلال إجراءات التواصل بشكل عام ،فاللسانيات التداولية تخصص لساني يدرس العلاقة بين مستخدمي الأدلة اللغوية (المرسل، المرسل إليه) وعلاقات التأثر والتأثير بينهما في ضوء ما ينتجانه من تحاور متصل، مما يعنى كونها علما تلفيقيا أو موسوعيا يجمع بين اختصاصات متعددة ، فليست التداولية بهذه المفاهيم المتعددة علما لسانيا صرفا يقف عند البنية الظاهرة للغة بل هي على ما يؤكده جاك موشلار(J.Mochlar) علم جديد للتواصل يسنح بوصف و تحليل وبناء إستراتجيات التخاطب اليومي والمتخصص بين المتكلمين في ظروف مختلفة .
2-التداولية بين النشأة والتحول
اللسانيات التداولية اسم جديد لطريقة قديمة في التفكير ، وهي ليست سوى تطبيقا للمبدأ المعبر عنه في الكتاب المقدس بالعبارة ” تعرفها بثمارها ” ،إذ بدأت معالمها تظهر في التفكير الفلسفي على يد سقراط ثم تبعه أرسطو والرواقيون بعد ذلك ، لكنها لم تظهر إلى الوجود نظرية في الفلسفة إلا على يد باركلي ،( Berkli) فقد كشف عنها بطريقة لم يسبقه فيها فيلسوف آخر ،ثم توسعت في العقود الثلاثة الأخيرة تغذيها جملة من العلوم، أهمها الفلسفة التحليلية والتي تمثل ركنها الركين على ما يذهب إليه (Francois Reccanati ) ، واللسانيات، والأنثروبولوجيا، وعلم النفس المعرفي، وعلم الاجتماع ،واللسانيات التداولية اتجاه جديد في دراسة اللغة يشارك في تنمية البحث فيه دارسون تجاوزوا بعض المفاهيم اللغوية التي سادت في الفترة الواقعة بين دروس سوسير(Saussure ) وكتابات تشومسكي(Chomsky) ، ذلك أنهم انكبوا على دراسة الأشكال الدلالية ،لا الدالة ، مكرسين المبدأ الوظيفي في اللغة من حيث هي انجاز فعلي في السياقات التواصلية المختلفة ،فاهتموا بالمقام اللغوي، وأصبحوا ينظرون في القول ويتساءلون عن علاقة اللغة بالكلام، وجدوى التفريق بينهما فيما عرضت له النظرية البنوية بتأثير من آراء سوسير(Saussure )،هذا وتصنف اللسانيات التداولية داخل نظام علامي عام، له جذوره في مشروع شارل بيرس(C.Pirss) وبعض فلاسفة اللغة أمثال : موريس(Moorris) ، وكارناب(kernab) ، و جون أوستن (( J.Austine ،في محاضراته الملقاة على طلبة هارفارد في بداية الخمسينات من القرن العشرين ، كما يعد كثير من الدارسين بيرس المؤسس الحقيقي لحركة البراغماتية في الإطار السيميائي والمنطقي، كما يقترن ذكرها عادة باسم “وليام جيمس “(W.Djimse) الذي يرى فيها نظرية فلسفية أكثر منها قاعدة منطقية ، ولقد كانت التداولية في بداية الأمر إحدى الفروع الثلاثة المكونة للسيميولوجيا التي ترتكز على ثلاثة مكونات هي ؛ علم التركيب وعلم الدلالة ، والبراغماتية، (أداء الأفراد)،فبالنسبة إلى علم التركيب يمكن أن تدرس علاقة العلامات بعضها ببعض في شكل تركيبي صحيح ، في حين يضطلع بوصف وتحليل علاقة العلامات بما تدل عليه،أما البراغماتية فوظيفتها تحليل علاقة العلامات بمستعمليها المؤولين لها،هذا ويعرف موريس (Moorris)شكل ” القاعدة البراغماتية “بشكل يوازي القاعدة التركيبية، والدلالية ، حيث يقرر قيام القاعدة التركيبية بتحديد العلاقات بين الدوال، وتقوم القاعدة الدلالية بتثبيت الترابط بين الدوال والموضوعات ، أما القاعدة البراغماتية فتحدد الشروط التي يكون فيها الدال علامة بالنسبة إلى المتحدث ،وهكذا يمكننا وصف لغة ما بشكل شامل قائلين إن اللغة بحسب المفهوم السيميائي التام للجملة هي عبارة عن مجموعة من الدوال بين شخصين ييسر استخدامها القواعد التركيبية والدلالية و البراغماتية ، فإذا كان علم النحو يهتم بدراسة الخصائص الشكلية والبناءات اللغوية، فإن علم الدلالة يختص بدراسة العلاقات القائمة بين الماهيات اللغوية وبين العالم الخارجي، بينما لا تتوانى التداولية عن الغوص في متاهات المعاني لأن المعنى يضطرنا في بعض الصيغ اللغوية إلى العودة لدراسة الطريقة التي قام من خلالها المتحدث ببناء الجملة، فحينما يقوم المتحدث بلفظ جملة معينة، فإنه يحيل شئنا أم أبينا إلى واقع أو إلى حالة الأشياء أو الموضوعات التي يتحدث عنها، وقد لا يكون هذا الواقع ممثلا بالضرورة في الجملة وبالتالي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار سياق اللفظ والعناصر الداخلة في تركيب الجملة لكي يتم التمكن من فهم ما يريد المتحدث قوله ،فمثلا عبارة “الآن” تدل على زمن وقوع اللفظ والضمير المتصل (التاء) في قلت يشير إلى شخص الذي يقوم بعملية اللفظ ،ونخلص في النهاية إلى أن النحو يعني بتوضيح الشروط المحددة والقواعد التي تضمن صياغة الأقوال الجيدة ، وتهتم الدلالة بالشروط التي تجعل الأقوال مفهومة وقابلة للتفسير بينما التداولية هي العلم الذي يعني بالشروط اللازمة لكي تكون الأقوال اللغوية مقبولة ، وناجحة، وملائمة في الموقف التواصلي الذي يتحدث فيه المتكلم ، وإذا كانت الدلالة تستخدم مفهوما مجردا هو الواقع أي العالم الممكن فإن التداولية تستخدم مفهوما تجريديا يدل على الموقف التواصلي هو السياق، فمفهوم التداولية مرتبط بالسياق ، وهذا ما عبر عنه في البلاغة القديمة بعبارة “مقتضى الحال” ومقولة “لكل مقام مقال” ،كما تنسب إلى شيشرون الروماني(Chichron) في كتابه عن الخطابة ” قوله بأن الرجل البليغ يجب أن يقدم لكل شيء البراهين على حكمته، ويتكيف مع مختلف الظروف والشخصيات عليه إذن لكي يكون بليغا أن يكون جديرا بأن يجعل لكل مقام مقالا لغويا ملائما له “ .
3-الوظائف الأساسية للتداولية
لما كانت التداولية اللسانية ممثلة لنظرية في أصول الاستعمال اللغوي فإن أهم الواجبات الملقاة على عاتقها لتحقيق ذلك لا تتأكد إلا من خلال عنايتها بالموضوعات التالي : 1-وصف المكونات التخاطبية في تعالقها ببعضها قصد تحقيق أغراض تبليغية معينة ،2-تحليل كيفية قيام الاستدلال المنطقي واللساني في العملية الكلامية بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص 3-تحديد وتمييز أفضل أنواع الاتصال ، وإبراز كفاءة النماذج الكلامية القائمة على الاستدلال أو الترميز،4-دراسة المعنى في صلته بظروف الكلام .
4-علاقة التداولية بالبلاغة
تعرف البلاغة بأنها ” فن القول بشكل عام ” أو ” فن الوصول إلى تعديل موقف المستمع أو القارئ ” ، مما يجعلها مجرد أداة نفعية ذرائعية ،يعد الباحث الألماني لوسبرج البلاغة نظاما له بنية من الأشكال التصورية واللغوية يصلح لإحداث التأثير الذي ينشده المتكلم في موقف محدد ويرى ليتش أن البلاغة تداولية في صميمها إذ أنها ممارسة الاتصال بين المتكلم والسامع بحيث يحلان إشكالية علاقتهما،باستخدام وسائل محددة للتأثير ،غير أن دارسي التداولية يرون ضرورة تضييق مجال البلاغة باعتبارها أداة ذرائعية، فالتداولية إذن قاسم مشترك بين أبنية الاتصال النحوية والدلالية والبلاغية ،ثم ما لبثت التداولية أن نمت وتطورت وتوسع مجال اهتمامها بعد أن كانت مجالا من مجالات السيمياء وأصبح لها رواد كثر من لسانيين و مناطقة أسهموا في تطويرها مباشرة أو بطريقة غير مباشرة ،ومما يجب أن يشار إليه هاهنا أن التداولية بالرغم من صلتها باللسانيات إلا أنها ليست تطورا لبعض مناهجها الوصفية ، إذ لا يوافق كثير من الدارسين على عدها نموذجا متفرعا عن البنيوية اللسانية ، كما لا يصح عدها سلة مهملات لكل الموضوعات الهامشية في اللسانيات (la poubelle de linguistique)، وبالتالي سيكون من الممكن تمييز موضوعها الأثير والذي لم تول له البنيوية ولا سائر الاتجاهات المتفرعة عنها له بالا وهو موضوع الاستعمال اللغوي في التواصل من الناحية الاجتماعية والنفسية والمعرفية بشكل عام .
5-اتجاهات التداولية في الفكر اللساني الحديث
استقى بيرس(Pirce) تسمية مصطلح “البراغماتية “من كانط (Cant)حيث ميز بين لفظ براغماتي ولفظ عملي، الذي ينطبق على القوانين الأخلاقية التي هي أو لا نية ،أما البراغماتية بالنسبة إليه فهي منهج في التفكير لا نظرية فلسفية،،ومنهج لتحديد معاني الألفاظ والمفاهيم أو نظرية في معنى الإشارات لجأ إليها لمعرفة الواقع ،والربط بينها وبين إثبات واقعية القوانين من ناحية ،وبينها وبين نظريته النقدية في الإدراك السليم والفطري من ناحية أخرى، ،وبينها وبين نظريته في الاتصال من ناحية ثالثة، ولقد انتقل التأثير إليه في صياغة قاعدتها من العصر الوسيط فقد كان مطلعا على أعمال جون دنيز سكوت(J.D.Scot) ، الذي ركز على الجانب العملي والتفكير التجريبي ،هذا ويعني بيرس بالمنهج البرغماتي فن توضيح الأفكار مساويا بين معناها والوظائف التي تقوم بها،وتأثر أيضا بآراء ين (Yen) المتعلقة بتعريف المعتقد ، وهو يهيأ الإنسان إلى الفعل ، وقد كان على استعداد لعده أبا حقيقيا للتداولية البراغماتية ،والمتتبع لفكر بيرس البراغماتي يتأكد من تشكله عبر بلاثة مراحل تمثل النشأة والتطور والنضج فبالنسبة إلى المرحلة الأولى يمكن القول بأنها عاينت ولادة البراغماتية عام 1878 حين كتب مقاله المشهور “كيف نجعل أفكارنا واضحة ؟” ،وهو مقال مرتبط بسابق له عنوانه “تثبيت المعتقد ” ، كتبه سنة 1877،معترضا فيه على رأي باركلي(Barcly) القائل بأن الطريقة الوحيدة لتقرير طبيعة المعنى المتميز لأي لفظ هي أن نسأل : هل نستطيع تعيين أية فكرة عقلية تتطابق معه؟ فقد رأى أنه إذا لم يكن في مقدورنا ذلك فإن الحد أو اللفظ لا معنى له مهما كانت الفائدة التي تترتب عليه ،وفي مقابل ذلك تمسك بأن الحد أو اللفظ المجرد لا معنى له إذا لم يكن في مقدورنا استخدامه، أو أن نقوم بفعل شيء بموجبه بطريقة ملائمة ومتميزة ،ثم بعد هذا بعامين أضاف أن معنى أية فكرة يكمن بالنهاية في تأثيرها على أفعالنا ،و البراغماتية عنده تجعل التفكير في علاقة بالفعل لكنها تستبعد أن تكون مجموعة الأفعال المترتبة على اعتقادنا بالشيء ، هي معنى ذلك الشيء،ومما ميز براغماتيته في هذه المرحلة أن معنى المفهوم ذو طبيعة عقلية وعامة ، فالبراغماتية نظرية في معنى الأفكار،وهي ليست نظرية رسمية بل إجرائية،وهي إلى ذلك قاعدة منطقية من نوع خاص نستخدمها لتحديد معنى المفاهيم، أو توضيحها عند اعتقادنا لها ،ويمثل مظهر التطور لاحقا ربطه بين البراغماتية و الفينومينولوجيا (الظاهراتية)، مقررا كون المعيار الحقيقي للمعنى يجب ألا يشير إلى الفعل، وإنما إلى الغاية القصوى التي تحكم ذلك الفعل ،وتوجهه ،مناقشا هذه العلاقة في سبع مقالات ،وسم مجموعها ب:” محاضرات في البراغماتية “، عالج في الأولى الأخطاء التي وقع فيها بخصوص تعريفه المبكر للبراغماتية القائم على عده إياها نتاجا للمعتقد ،خالصا إلى أنها بوصفها قاعدة في المعنى ترتبط بالاستدلال الفرضي ، لأن الفكرة الجديدة هي الفكرة الوحيدة التي تحتاج إلى إيضاح وتفسير ، وعلى هذا الأساس نظر إليها على أنها منطق الفرض ،والواقع أن تحليل العلاقة بين البراغماتية والفرض يبين أنه كان يعلق أهمية كبرى على دور البراغماتية في الاستدلال ،ويمكن ملاحظة وجود ثلاثة مستويات في معالجة بيرس للعلاقة بين الفرض و البراغماتية فهي من ناحية مبدأ كافٍ للمعنى تقترح القاعدة التي إذا كانت صحيحة لن تكون بحاجة إلى أية قاعدة أخرى ، ولكي نسلم بالفرض بوصفه فرضا يفسر تفسيرا مقبولا الظواهر الأخرى،عليه أن ينتج نفس النتائج العملية المترتبة على الفرض المذكور في ظواهر أخرى، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لابد من تأكيد كونها (البراغماتية) مبدأ موجها يرى بموجبه أن للفرض معنى فقد قرر بيرس كونها القاعدة التي ترى أن لا يكون للتصور أي تأثير منطقي أو أي معنى آخر يميزه من تصور ثان إلى الحد الذي يستطيع تصورنا تعديل سلوكنا العملي بشكل مختلف عن التصور الثاني ، وأما المستوى الثالث فقد بين فيه أن دورها نحصر في تعيين الشروط الأساسية ليكون للفرض معنى ، محددا بهذا أدوارها الثلاث التي يتعين على الفرض تحقيقها لكي يكون له معنى ، وهي تفسير الوقائع ،والتوجيه إلى عادات للتوقع لا تخيب آمالا في المستقل ، وضرورة أن يكون الفرض قابلا للتحقق،ولقد تعلم من الأخلاق وعلم الجمال أن على البراغماتية أخذ الغاية على أنها الكل الذي يكون المعنى،وتبقى البرغماتية قاعدة خاصة في المنطق وليست جزءا من نظرية المنهج ولا هي مبدأ صريح واضح لتعيين معنى الفرض ، وفي الطور الثالث يقدم نظرية متكاملة ودروسه في المعنى كان فيها رائد العصر الحديث في هذا المجال، ويبدو أن اهتمامه الشديد بنظرية الإشارات في الفترة المتأخرة من حياته كان له الأثر الأكبر في التحول من الفهم الإجرائي للقاعدة البراغماتية إلى الفهم المنطقي الخالص فالبراغماتية في هذه المرحلة تطوير لنظريته المبكرة في الإشارات ، ذلك أن شغله الشاغل انصب على اكتشاف طريقة يتم بموجبها الاتصال بين الناس على أساس إشاري بحت،فكان مسعاه يتجه إلى إيجاد طريقة جديدة لتحديد معنى الإشارة وقد بدت معالجته للبراغماتية من خلال مستويين مختلفين قليلا عن بعضهما يمثل الأول مقالان نشرهما عام 1905 بعنوان ” ما هي البراغماتية ؟ ” والثاني ” نتائج براغماتيزم “، وأما المستوى الثاني فيمثله مقال ” نظرة في البراغماتزم ” 1906 ،مشيرا إلى أن براغماتيته تهدف إلى وضع حد للنزاع القائم في مسائل الميتافيزيقا والحقيقة أنه أعاد الطابع العقلي الذي سلبته براغماتية وليام جيمس(W.Djims )التي يمكن عدها حركة تمرد خطيرة ضد العقل ، فجاء بيرس ناقلا التفكير البراغماتي من المحسوس والجزئي الذي حصره فيه التجريبيون الإنجليز إلى ميدان المعقول والعام دون أن يكون ذلك قد تم بطريقة تأملية خالصة على طريقة العقليين التقليدين بالإضافة إلى تصديه لمحاولات الوضعيين التي كانت ترمي إلى القضاء نهائيا على الميتافيزيقا ذلك حين رأى أن معنى المفهوم ينحصر فيما يمكن تحقيقه بشكل فعلي ومباشر فحسب ، وبالنسبة إلى تصوره الخاص بالدليل فقائم على أن إدراك بواسطة التفاعل بين الذوات أو النشاط السيميائي أي أن هذا يحصل أساسا بفضل الأدلة إذ أن الناس بينهم علاقة جد خاصة مع الأدلة التي تشكل رموزا تنهض بتمثيل الواقع الذي يحملهم على السعي والتحرر فلكي نبلور دلالة فكرة يجب علينا بكل بساطة تحديد العادات التي تولد هذه الأدلة ذلك أن السمة المميزة للعادة إنما تكمن في الكيفية التي تحملنا على العمل، بل حتى في تلك الظروف المحتملة فحسب، بل كذلك في الظروف الممكنة الحصول بل حتى في تلك التي يتعذر تصورها ، ومن هنا يصف هابرماس موقف بيرس العلمي باعتباره نوعا من إسقاط تجربة التطور العلمي صوب الجماعة الموجهة للجنس البشري وهذه العلاقة بين العلم والحياة أعيد طرحها في شكل حكمة ذكرها “هابر ماس ” العلم بالنسبة إلينا شكل من أشكال الحياة “،والحياة التي تشمل على العلم لا يمكن إدراكها إلا بفضل نظام من الأدلة.إن الدليل أو الوحدة الممثلة هو شيء موجود من أجل شخص ما لغرض ما،وذلك على نحو من الأخطاء أي أنه يحدث في فكر هذا الشخص دليلا مساويا أو قد يحدث فيه دليلا أكثر تطورا هذا الدليل الحدث يسمى مؤولا للدليل الأول،والدليل موجود هنا من أجل ما هو موضوعه لا من حيث علاقاته بل من حيث إحالته على نوع من الفكرة نسميها قاعدة الوحدة الممثلة فالدليل يتوفر على علاقة ثلاثية الأبعاد:1- يؤول فكرة ،2 – هو مجعول من أجل موضوع بعينه ويدل على نفس الشيء الذي يقوم بتأويله ،3- هو موجود على نحو من النوعية التي تضعه في علاقة مع موضوعه ، وفي هذا السياق يميز بين الإشارة والأيقونة والعلامة والرمز فأما الأولى فهي هي ما يدل على أي شيء يتعين من جهة بموضوع،ويثير من جهة أخرى فكرة معينة في الذهن ، وأما الثانية فهي تشير إلى موضوعها نتيجة اشتراكهما في خاصية معينة هي المشابهة، فالتمثال هو إشارة إلى الشخص ، بينما تمثل العلامة الإشارة التي تشير إلى موضوعها نتيجة لوجود ترابط فيزيقي بينها وبينه كالدخان إشارة إلى وجود نار ،وأما الرمز فإشارة لا تشير إلى صفات عامة في الموضوع مثل “فان ” بالنسبة للإنسان ( ) ،ويمتاز الرمز بعلاقة الاعتباطية التي تربطه بموضوعه فنجد بالنسبة لموضوع معين عدة أدلة مختلفة في لغات مختلفة، أما الصفة الأيقونية للدليل فيتم الوقوف عليها من خلال تشبهها الصوري المحض بموضوعها ، أما بالنسبة للأمارة فإنها تندرج في علاقة العلة بالمعلول فالدموع دليل الحزن ،ومن هنا تعد العلامة رمزا إذا كان ما تمثله ملازما لها عرفا، وتلك هي حالة علامة اللغة والكودات الثقافية، ويلازم العرف العلامة بالضبط كما يلازم النمط المدلول ويغطي الرمز عند بيرس الاعتباطية السويسرية للعلامة، وتعد العلامة إشارة إذا كانت كل وحدة من مقابلاتها مرتبطة وجوديا بما هو مقياس فالعلامة وما تحيل عليه يكونان طرفا في وضعية وجودية واحدة. كما تقتسم العلامة والأيقونة بعض الخاصيات وتزودنا بخطاطات ورسومات المعماريين، وبذلك نجد للتوزيع الثلاثي الرمزي الإشاري – والإشاري – الأيقوني قيمة سيميائية علامة .أما الشخصية الثانية التي كان لها كبير الأثر في تشييد صرح البراغماتية الحديثة فهي شخصية شارل موريس ،ويمكن هنا أن نتعرف على رؤيته الخاصة في موضوع الدليل من حيث النظر في طبيعته الوظيفية إذ تصوره صيرورات للسلوك فالجسم من حيث هو جسم يفعل في المحيط وينفعل به علما بأن وظيفة المحيط وأهميته عاملان حاسمان في إرضاء حاجاته،ومن ثم فإن هناك تفاعلا بين هذين العاملين ،وتحتوي صيرورة الدليل – في نظره – على أربعة عناصر ،أولها العنصر الذي يقوم مقام الدليل أو الناقل،وثانيه الذي يتم إحالة الدليل عليه (المدلول عليه)، وثالثها الأثر يحصل المرسل إليه والذي يبدو له وكأنه الدليل أو المؤول ،هذا ، ولا توجد هناك تراتبية تنظم هذه العناصر حال كونها تساهم في الصيرورة السيميائية ، وهذه العناصر لصيرورة الدليل تمكن من استشراف ثلاثة توجهات للبحث النظري الأساسي وهذه التوجهات الثلاثة متداخلة فيما بينها أيما تداخل ، فأثناء وصف السميائيات تفترض البراغماتية مسبقا كل من الدراسة التركيبية والدلالية لأن المناقشة الحصيفة السديدة لعلاقات الأدلة بمؤوليها تستلزم معرفة علاقات الأدلة بعضها ببعض وكذا علاقة الأدلة بالأشياء التي يحيل عليها المؤولين ،ويمكن تمثيل تصور الدليل عند موريس(Mooris) بالخطاطة التالية :

كما أسهم كتلوب فريج((Gottlob.Frege) من خلال دراسته المهمة أسس علم الحساب في تطوير المنظور البراغماتي من خلال تمييزه بين اللغة العلمية ولغة التواصل، وبين المظاهر المحددة للحقيقة والمظاهر غير المحددة ،فبالنسبة إلى التمييز الأول يوضح أن اللغة الطبيعية قابلة لمعالجة دقيقة خاصة وأن بالإمكان استخلاص شروط عامة للتواصل، أما التمييز الثاني فضرورة تحديد الحقيقة تفرض ضرورة إدخال اعتبارات تداولية .لقد ميز فريج بين المعنى والمرجع، فالمرجع هو الموضوع ذاته الذي نتكلم عنه بوساطة تعبير لساني،كما تم تحديد الدلالة عنده في ضوء تصاعد السياقية ،و تصاعد الحقيقة المشروطة ، إذ يقوم معنى الجمل على مفهوم شروط الحقيقة، فالإلمام بمعنى جملة ما يقتضي معرفة الشروط التي تتوفر حتى تكون حقيقة ، بالإضافة إلى تفريقه بين اسم العلم والمحمول الاسمي اللذين يشكلان القضية المنطقية الحملية ، وبالنسبة إلى وظيفة المحمول يبين فريج بأنها تصورية من حيث إسناد جملة من الصفات المتصورية إلى علم معين ، هذا العلم يؤدي وظيفة إشارية بحتة من ناحية وغير قابل للإقتران بألفاظ التسوير “كبعض” و”كل” التي بإمكانها الاتصال بالمحمولات ،أما لودفيج فيتجنشتاين (L.Wittgenstein)فقد كرس جهوده في دراسة اللغة المثلى لوصف العالم، ثم انضم إلى الفلاسفة إكسفورد قصد دراسة اللغة الطبيعية، وتعتمد هذه الفلسفة ثلاثة مفاهيم أساسية هي الدلالة ، والقاعدة وألعاب اللغة، ،وفيما يلي عرض لأهم التصورات التداولية التي مثلتها فلسفته باعتبارها حلقة رئيسة من حلقات تطور الدرس التداولي الحديث .
6-التصور اللساني الفلسفي للواقعة اللغوية في ضوء الرسالة المنطقية
إن متابعة أفكار فتجنشتين (L.Wittgenstein) في الرسالة تهيء لنا التعرف على أهم مقومات الفكر الفلسفي الوصفي الذي يكرس رؤية كونية متميزة تتحكمه فلسفة الذرية المنطقية ، وتحليل العالم واللغة ، ذلك أن الهدف الرئيس من تأليف الـرسالة هو نقـد اللغة ( Critique de langage ) بمعنى تحليلها، فالفهم الخاطىء لحقيقة منطق اللغة هو الذي يقودنا إلى الوقوع في مشكلات مفهومية وإدراكية للعالم المحيط بنا ، هذا ولقد قاد نظر إلى تحديد الأشياء بوصفها ذرية ( نووية ) مكونة لجوهر العالم، وهي تقابل الأسماء في نظام اللغة وسمتها الأساسة بساطتها وثباتها مما يعني قيام جوهر الوجود على العنصر الثابت المادي ( الشيء) بالدرجة الأولى ما دامت الوقائع المركبة وفق أشكال معينية ( علاقات ) تحيل إلى التغير والزوال ،كما يطرح في هذا السياق مكونات الشيء ( صورة / محتوى) ( contenue / Forme ) في حيثيات تحديد صورة العالم التي تعبر عن التشكلات الممكنة للأشياء في حين يعبر المحتوى على التشكلات الفعلية لها.
لقد احتل موضوع ” اللغة ” « Langage » في رسالته أهمية محورية ذلك أنه جمع من حيث المنهج الرؤية المنطقية والرؤية اللسانية ، مما كان له كبير الأثر في بروز التيار التحليلي في دراسة اللغة ، ونضج الفكر البراغماتي ( التداولي) في اللسانيات الحديثة، وينطلق فيلسوفنا من الواقعة التالية: اللغة تقبل التحليل إلى وقائع ذرية تمثلها الأسماء بوصفها مكونات نهائية ، إلاّ أن القضية الأولية في بساطتها تعبر عن تركيب وترابط من الأسماء، وهذا الترابط هو الذي يحدد معنى القضية وصورتها المنطقية، لكن ما هي حقيقة الأسماء التي يشير إليها التصور الفلسفي من خلال الرسالة ؟ الظاهر أن الاسم المعين هو الموجود في قضية ما، وبالتالي وجوده عبر علاقته مع غيره هو الذي يحدد قيمته ومعناه في دلالته على الأشياء في العالم الخارجي مثل الكتاب فوق الطاولة فالكتاب والطاولة أسماء تشير إلى أشياء في العالم في حين لفظ ” فوق” إلى علاقة ( Relation) ، وبالتالي سيكون الاسم علامة أولية تعني الشيء والشيء هو معناه ، ويتناسب هذا التصور من المبدأ المقرر في النظرية ” القضية” رسم للوجود الخارجي ، وصدقها أو كذبها رهين مقارنتها بالوجود الخارجي وفق مبدأ المطابقة.إن اللغة التي يعنى فتجنشتين (L.Wittgenstein) بدرسها هي اللغة العادية فهي المعنية دون غيرها بمشكلة الغموض والوقوع في التناقض المعنوي ، ولعل أهم صور التناقض والغموض التي ناقشها في هذا السياق الزعم بإمكان اشتقاق معنى قضية أولية من أخرى، وفي سبل صورية المنطق والوصول به إلى أعلى درجات التحرير يوظف الرموز مقاربا منهج المناطقة الرمزيين للحدّ من أخطاء اللغة ، وليتسنى له تحديد الفكر بصرامة تعبّر عن الأشياء الموجودة في العالم الخارجي ، دون تناقض، ولعلّ اللجوء إلى الرمزية هو الذي أعطى بعدا تناظريا للعلاقة بين بنيتي اللغة والعالم في صلب نظريته التصورية مما سيجعل من الضروري القول بأن الوحدة اللغوية البسيطة من ناحية التركيب على ترابط نسقي معين مناظرة لأبسط الوحدات التي ينقسم إليها العالم والممثلة في الواقعة الذرية المحيلة بدورها إلى الأشياء ( الموجودات ) المترابطة بكيفية معينة ، يقول ” كل اسم واحد يقابله شيء واحد والاسم الآخر يقابله شيء آخر ثم ترتبط هذه الأسماء بعضها ببعض بحيث يحيء الكل بمثابة رسم واحد تمثل الواقعة الذرية” ، وعليه ستكون فكرة التحقق محكومة بمعياري المطابقة أو عدمها مع الواقع مما يسمح بإطلاق وصفي قضية صادقة أو كاذبة بالنظر إلى وجود الواقعة الذرية أو عدم وجودها، ومبدأ التحقق المشار إليه هو الذي يحدد المعنى القضوي عند فيلسوفنا ، وجدير بالذكر أن هذا المبدأ كان موضوع نقاش فلسفي مهم بين أحضان علماء حلقة فينا التي انظم إليها عدد غفير من عمالقة الفلسفة المعاصرة من أمثال هانزهان(Hanshan) وجودل(Godel) وكارناب(Carnap) ويوهوس(wohos)) ونويراث(Nouirath) وفايزمان (Faismane)…إلخ ، الذين بلوروا نظرية الفلسفة الوضعية ( الوضعية المنطقية ) التي تقوم على اشتراط صواب العبارات المشيرة إلى الواقع بالنظر إلى قابلية اختبارها بالحواس – كما سلف ذكره- من ناحية ومن ناحية ثانية عنايتهم بمنطقية العبارة في ضوء تحليل لغتها تحليلا منطقيا صرفا ، وعليه ستكون القضايا التجريبية هي القضايا الوحيدة من بين مجموع القضايا التي لها مدلول وجودي يمكن النظر إليها على أنها قضايا حقيقية لها معنى.
7-وظيفة اللغة عند فتجنشتين
تم التمييز بين وظيفتين أساستين من زاوية نظر الفلسفة الوضعية هما :1-الوظيفة المعرفية الاخبارية ،الوظيفة التعبيرية الانفعالية ،ففي حين تقوم اللغة بالوظيفة الإشارية للوقائع في العالم الخارجي محققة الوظيفة المعرفية تعمل في المستوى الشعري على نقل الأحاسيس والانفعالات نقلا مثيرا بالكلمات والعبارات المخاتلة للحقيقة في العالم الخارجي، مما يعني تمركز الدرس الفلسفي في محور الوظيفة المعرفية بسعيه إلى تحليل التركيب اللغوي الإشاري المناظر لحقائق الموجودات في العالم، وفي هذا السياق يميز الفلاسفة بين نوعين من العبارات في سياق تحليلهم لمقولة الصدق والكذب هما :
أ-العبارة التحليلية التي تحيل إلى تحليل موضوع ما إلى عناصره دون أن تضيف شيئا جديدا مثال : ( تحصيل حاصل ) .
ب- العبارة التركيبية التي تقوم أساسا على إضافة معرفة جديدة إلى مخزون التجارب الخاصة بالنظر إلى معيار تصديقها واقعيا، ومثالها :كتاب التاريخ فوق المكتب في قاعة المحاضرات.،وبعبارة أبسط يمكن إقامة نوع من الموازنة بين القسمين محكها الاحتكام إلى الواقع العيني ، فالعبارة التحليلية تكرارية يقينية بالضرورة بخاصة العبـارات الريـاضية مثل 1+1=2، أما التركيبية فخاصة بمبدأ الحس والتحقق الواقعي ( مبدأ المطابقة )، وبالتالي سيتم إقصاء أنواع من العبارات ليست بذات معنى في نظر الفلاسفة الوضعيين مثل :عبارة الأمر ، ب- الاستفهام، ج- التعجب،فهي غير قابلة للتجريب والاختبار ، هذا وجدير بالذكر أن الفلاسفة كانوا قد ميزوا في إطار مناقشتهم لمبدأ التحقق الفروق بين مصطلحات جوهرية مثل : القضية والجملة والعبارة، وفي هذا السياق يقرر ” آير” أن أي شكل من الكلمات ذي مغزى يشكل جملة ، على أن ينظر إليها في وظيفتها الإخبارية من حيث كونها عبارة، أما القضية فتعبر عن الجمل التي تكون ذات معنى بصورة حرفية .
8-المعنى عند فتجنشتين
لما كان مدار هذا الموضوع المعنى وكيفية تحققه في المنجز اللغوي، فإنّه من الضروري أن يشار بداية إلى كونه الموضوع الرئيس والمشترك لحقول معرفية مختلفة كاللسانيات وعلم النفس وعلم الاجتماع بل هو الموضوع المركزي لفلسفة القرن العشرين في العالم الإنجلوسكسوني على وجه التحديد ، وثمة عقبات منهجية تتناول طريقة تناول هذا الموضوع وتحديد مبدئه الأساس بتعريف المعنى ذاته، إذ تشير النظريات الدلالية في الحقل اللساني إلى تمييز صريح بين معنى اللفظ المفرد ومعنى اللفظ المركب في مستوى ما نفهم منهما وما يدلان عليه، وفق الخطاطة المتحصلة من دراسة عزمي إسلام في مفهوم المعنى:

المعنى
معنى خاص بالألفاظ معنى خاص بالمركبات

معنى لفظي معنى سياقي
إلا ّ أن دراستنا ستنصب على توصيف موقف” فتجنشتين” (L.Wittgenstein) من قضية المعنى في ضوء فلسفة التحليل اللغوي التي أسهم في تطويرها بمعية نخبة من فلاسفة العصر أمثال راسل(Rasle)، ومور(Mur) وشليك (Chlak) وكارناب (Carnap )وغيرهم.إن الضرورة المنهجية والمعرفية تفرض علينا الالمام بالتصـور الفلسـفي العـام للمعنى عبر الإشارة إلى غمـوض كلمـة ” معنى” ( meaning ) في القطاعين اللساني والفلسفي على حد سواء، إلا أن متابعة فاحصة لمجمل سياقات استعمال الكلمة يكشف عن :

يقصد معنى الجملة هو تحليل قصد المتكلم
يعني استعمالات
المعنى الأخلاقي أو الجمالي في حدود الوظيفة التعبيرية ( emotive )
يعني
يشير إلى / علامة على
يعني
العلاقة بموضوع ما ( Objective) يعني

في هذا السياق ذهب ” نويل سميث (N.Smith)إلى أن كلمة ” معنى ” غامضة وملبسة معا، فالقول بأن الكلمة ذات معنى ليس يعني القول بأنها تشير إلى شيء ما ، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه ربما لا يكون التعريف كافيا لتحديد المعنى وتفسير القضايا فيلجأ إلى التعريف الإشاري،فهذا المنهج لا يمكن أن يلبي حاجة المتعلم إلى فهم القضايا والعبارات بخاصة إذا كانت حال المتعلم من الجهل قد بلغت ذروتها بأن لا يعرف صورة الشيء الذي يقصده المعلم حين يشير به إليه بقوله : إنها تمطر ويكون المتعلم جاهلا تمأما بمعنى ما تشير إليه الكلمة لا يلزم أنه هو المعنى المقصود وربما ينسجم هذا الطرح مع ما تبناه لاحقا لودفيج تعديلاته على النظرية التصويرية، فقد أنكر الفكرة القائلة بأن الاسم يعني الشيء والشيء هو معنا، مما يكرس وظيفية اللغة ممثلة بالتسمية ،هذا ولم ينقطع الدرس الفلسفي عبر مسارات التحليل اللغوي للمقولات الفلسفية بعامة والمنطقية بخاصة ، فقد اجتهد سقرط (Sukrat)في تحليل بعض معاني الأخلاقية لفئة من الأسماء، كما أولع الفيتاغوريون بتغيرات اشتقاقية لأسماء شعرية تطلق على آلهة ما ، ويصور لنا بتراند راسل أهمية الجدال القائم بين مختلف المدارس الفلسفية القديمة بشأن علاقة اللغة بالفكر والوجود، فيقول :” لن تجد تفكيرا بغير شيء موجود يدور حوله الكلام، لأنه إذا ما أمكن استعمال كلمة استعمالا مفيدا وجب أن تعني شيئا ما لا أن تكون بغير شيء تعنيه، وعلى ذلك فما تعنيه الكلمة لابد أن يكون موجودا بمعنى من معاني الوجود ، وعمل أفلاطون(Platon) في بلورته، وقد كان مولعا إلى حد بعيد بالتحليل الاشتقاقي الذي ورثه على أستاذه قراطيلوس(Cratilos)، وبالمثل اقتدى تلميذه أرسطو (Aristot)ا الذي سلك مسلكا تجريبيا في تحليل الأسماء المنطقية التي تثبت علاقة اللغة بالفكر من ناحية والفكر بالأشياء من ناحية ثانية ،وفي فترات لاحقة يحدثنا هايدجر (Hidguer)عن نوع من اللعب يقوم على الألفاظ تتحكمه كينونة اللغة، التي تلعب بالإنسان وقدر وجوده منذ عهد بعيد ، ولا يخفى ما لهذا التصور من علاقات وشيجة بمفهوم اللعبة ( game) عند فتجنشتين(L.Wittgenstein) في الفلسفة الحديثة ، ويذهب كثير من الدراسين إلى أن فريج (Frege ) هو المنظر الأول للفلسفة التحليلية في الجامعة الألمانية من خلال دروسه عن الاسم العلم والاسم المحمول، وكان لكتابه:أسس علم الحساب بالغ الأثر في بناء هذا التوجه المعرفي الجديد في البلاد الأوربية ، فقد بين فريج أن المحمول يقوم بوظيفة التصور من خلال إسناد صفات وظيفة الاسم العلم الذي يشير في مستواه إلى شيئ فرد معين ، وبوجه عام فإن الفلسفة في العصر الحديث وخلاف لما مضى وعبر تياراتها المختلفة اتخذت من اللغة موضوعا عاما لها في صلب تحليلها للقضايا الفلسفية وتعميق البحث فيها .
9-ألعـاب اللغـة
يعد فتجنشتين(L.Wittgenstein) القاعدة لعبة من ألعاب اللغة في صلب الممارسة الاجتماعية للتواصل، وهي قواعد تمتاز بالدينامية والحركية والحرية مثلها مثل قواعد لعب كرة التنس ،فإن كان اللاعبان يخضعان لقواعد عرفية تميز لعبهما عن لعب شخصين آخرين يلعبان كرة الطاولة أو القدم إلا أنهما حران في اختيار ما يناسبهما لتحقيق التميز والغلبة إذ لا شيء يمنع مثلا من القفز قفزات مختلفة الارتفاع للحصول على الكرة فالقواعد الحرة هي التي تفسح المجال للمتكلمين كي يعبروا عن أفكارهم وأحاسيسهم بطرق مختلفة ضمن سنن لغوية متضامنة ، وفي سياق ضبط مفهوم النظرية يشير إلى أن مبدأ الشك غير وارد بالنسبة إلى ألعاب اللغة ، فعندما يتعلم الطفل اللغة فإنه يتعلم في الوقت نفسه ما هو جدير بالنظر فيه، وما ليس كذلك، فتعلمه بأن هناك خزانة في الغرفة مجرد من تعلمه الشك فيما إذا كان ما سيراه مستقبلا هو دائما خزانة أو خدعة بصرية ، وهي نفس الحال بالنسبة إلى اللعبة: أدخل من الباب في حال النداء، فإنه من المستحيل التصور بأن الإقدام على الشك بأن هناك بابا حقا ممكن ، هذا ويذكر هذا الفيلسوف ثلة من الألعاب اللغوية التي تعبر عن تعدد الاستخدام اللغوي وطرائقه المتنوعة في التبليغ والتواصل بوجه عام، لعل أهمها :
1- الأمر والعمل بموجب أوامر ، 3- إنتاج وضع شيء حسب أوصاف
2- وصف شيء بحسب مظهره أو مقاسه، 4- وصف حدث ما
5- الإدلاء بفرضيات إزاء هذا الحدث، 6- وضع فرضيات واختبارها
7- تمثيل نتائج تجربة ما بواسطة الجداول والخطاطات.
8- ابتكار حكاية ، القراءة، 9- تمثيل مسرحية، 10- الغناء في صلب حلقة.
11- فك أحجية ، 12- المزاح، سرد حكاية، 13- الترجمة من لغة إلى أخرى.
14- الرجاء ، الشكر ، التحية .
إن مفهوم اللعبة اللغوية يستقيم مع البعد الإنساني للغة بوصفها ممارسة يومية متواصلة تحقق المعرفة الإنسانية عبر مسارات شكلية متنوعة ومتكاملة في الآن نفسه، بل إنه يمكن تصور اللغة ، على حد تعبيره ، مدينة قديمة ،أو متاهة من الأزقة والمساحات والمنازل القديمة والجديدة التي بها إضافات من أحقاب مختلفة وكل محاط بسلسلة من الضواحي ذوات أزقة مستوية ومنتظمة بها منازل موحدة الشكل ، إن هذا التصور التداولي للغة بوصفها نشاطا جمعيا يماثل المباريات الرياضية بحثّ المستعمل على تعلم قواعدها التي تجعل منها الفاعلية الاجتماعية الأم في حياة الإنسان ، كما أن الاهتمام الفلسفي بدراسة قواعد اللعبة اللغوية يهدف إلى توضيح وتمييز ما هو كلام ذو معنى عن اللغو الذي لا يصدقه الواقع الوجودي ، لقد كان كتاب ” بحوث فلسفية” خير مثال عن التطور المعرفي والمنهجي في فكره بانتقاله من موقع المتعامل مع اللغة بوصفها مجرد آلة تقرر الوقائع بوساطه التصوير إلى دراسة المظاهر العامة للاتصال بين القائمين على استعمال اللغة ، مقاربا في هذا التصور التداولي ( البراجماتي) الذي قدم له ” وليم جيمس” و ” جون ديوي” وغيرهما ، وفي سياق تفسيره – كما سلف- لمفهوم اللعبة يؤكد أنه من المهم في فهمنا للغة أن ندرس الهدف أو القصد الذي نرمي إليه من وراء استخدامنا لكلمة معينة في سياق الحديث ،ناظرين إلى الطريقة العملية التي نستخدم بها اللغة في صميم حياتنا الاعتيادية ، يقول :” إن المعنى الذي يقصده أي فرد منا بأية كلمة ، لاينكشف لنا إلا من خلال الأشياء التي يطبق عليها أو لايطبق ، تلك الكلمة ، اعني من خلال المواقف التي تسخدم في سياقها تكتيك ذلك اللفظ، فالمرء حين يفكر فيما يقوله ، فإنه لا يفعل شيئا أكثر من كونه يعني ما يقوله ” ،وهذا يؤكد البعد التداولي الحر للاستخدام اللغوي ” المعنى هو الاستعمال “Meaning is use ” وإنه من الضروري أن يشار هنا إلى أن إدراك التنوع بين الألعاب يجعل مفهوم اللعبة ذاته مفهوما مفيدا بالنسبة إلى إبراز التنوعات والاختلافات اللغوية في التداول ،كما يبرز فتجنشتين L.Wittgenstein) ما لهذه الألعاب من أهمية في تعلم الأطفال للغتهم الأم، ففي ضوئها تنطق كلمة ما مرارا مع وجود ما تشير إليه، فيترسخ معناها في ذهن المتعلم المبتدىء ويضيف إلى مفهوم اللعبة مفهوما آخر هو ” الأداة” ( instrument) ليؤكد من خلال تنوع الأدوات الموجودة في صندوق ما تنوع الاستعمالات اللغوية في التواصل ، كما يحلو له معروفة سلفا، تماما مثل ما يحصل في ” غرفة قيادة القاطرة” إذ نرى مقبض تبدو بأسرها متشابهة تقريبا، ولكن الأول وظيفته تنظيم فتحة القمام، وأما الثاني فهو مقبض المفتاح الكهربائي الذي له وظيفتان مؤثرتان، وأما الثالث فهو للفرملة في حين يمثل الرابع مقبض المضخة ،وإذا تساءلنا أخيرا لماذا اهتم فتجنشتين L.Wittgenstein)بدراسة ألعاب اللغة ، فإن الجواب هو سعيه الدءوب إلى توضيح المعنى، وإبراز الفروق بين الكلام ذي المعنى واللغو الذي يخلو من المعنى ،وفي هذا يقول :” عندما يستعمل الفلاسفة كلمة ” معرفة” و ” الوجود” و ” الشيء” والأنا ” والقضية” و ” الاسم” ، ويحاولون إدراك ماهية المسألة ، فيجب على الواحد منهم أن يسأل نفسه دائما: هل يتم استعمال الكلمة بالفعل دائما بهذه الطريقة في لعبة اللغة التي هي موضعها الأصلي ؟ وما نفعله هو إعادة الكلمات من استعمالها الميتافيزيقي إلى استعمالها في الحياة اليومية ” ،قد أفاد فيتجنشتاين L.Wittgenstein) أنه لا يجب الخلط بين المعنى المحصل والمعنى المقدر، لأن هذا يعني الخلط بين الجملة والقول كما حدد معنى الجملة الحقيقي الذي يمكن مشاهدته والتحقق منه في صلب الممارسة اليومية لألعاب اللغة ، وبالنسبة إلى القاعدة فإنه يجب النظر في هذا المفهوم من حيث وجوهه الاجتماعية والاستبدالية والنحوية، فوجه القاعدة الاجتماعية يكمن في أنها تستدرج إلى التواضع والاصطلاح أي أن استخدام الأدلة يمتثل إلى القاعدة فإتباع قاعدة ما و إعطاء معلومة وأمر، ولعب الشطرنج كلها ممارسات أي تقاليد ومؤسسات ، ويفهم تصوره على أنه يجب على كل من يشارك في لعبة اللغة أن يمتثل للقواعد الأساسية أي الاصطلاحات الاجتماعية، كما لا يجب أن يجهل بعض القواعد غير الأساسية ( القواعد الفردية ) فهي نماذج ومثل صالحة لعدد كبير من الأحوال والمتكلمين تسمح بتنويع النشاط اللغوي ،كما يبين أن الشك غير وارد في ألعاب اللغة والأهم هو أن لا تثبت التجربة العكس فيما بعد، فتصور اللعبة اللغوية التالية : عندما أناديك : أدخل من الباب، ففي جميع الأحوال الحياة العادية يبدو الإقدام على الشك بأن هناك بابا حقا ضربا من المستحيلات ،فاللعبة اللغوية تشبه شكلا من أشكال الحياة أي أنه لا توجد طريقة واحدة لاستخدام جملة ما بل ثمة عدد لا حصر له من الطرق ( الأمر ، الوصف ، التمثيل ، الغناء ، المزاح ، الشكر ، التحية ، …الخ ) ،ويمثل مسعاه عموما في شرح كيفية اشتغال الكلمات في التجربة وتبيان تطور الألعاب اللغوية بتطور النشاطات الاجتماعية ،وهكذا ، تشكل هذه الألعاب طرائق يتعلم الأطفال بوساطتها لغتهم الأم وكيفية الاندماج في المجتمع ،كما يضع فيتجنشتاين L.Wittgenstein) التواصلية محل استبدال التعبيرية مشدد على أهمية الاستعمال قائلا عن ذلك: ما الذي يعطي الحياة للعلامة؟ إنها تعيش خلال الاستعمال، ،ومن هنا فالأمر لا يتعلق فقط باستعمال كلمة في جملة، بل باستعمال الجمل في المواقف المحسوسة، أي مواقف الفعل فليس الهدف في اللغة هو الفهم والتمثيل بل هو ممارسة وتأثير الفعل ، ذلك أنه بدون لغة لن نتمكن من التأثير في الآخرين بطريقة أو بأخرى ،وقد كشف الطابع الجوهري لتطبيق تداخل الخطابات ،وتبقى ألعاب اللغة عمومية كلية ودون تاريخية، وتظل مفاهيمها إشكالية بشكل واسع تتميز بغرابة التفاعل الشفوي في مكونات المعنى حسب ” فرانسيس جاك ” (F.Jaque)، كما يمكن أن يشار في هذا المقام التأريخي إلى جهود كل من كارناب(Carnap) وباهو سيابارهبيل (B.S.Barhil) ، فالأول بقرر أن طابع البراغماتية ( التداولية)قضية هامشية ، كما يرى أن التداولية كانت علما تجريبيا مميزا بين السيميائية المحظة والسيميائية الوصفية مع إعلانه عدم إمكانية إدراكه لتداولية محظة وتتأسس كل دراسة لسانية، وكل دراسة للأحداث في ارتباطها باللغة على التداولية، كما يرى أن التحليل الفيزيولوجي للسياقات تكون فيه الأعضاء الصوتية والجهاز العصبي قاعدة في علاقته بالنشاطات الشفوية، فالتحليل السيكولوجي للعلاقات بين السلوك الشفوي والسلوكات الأخرى والدراسات السيكولوجية لمختلف المعاني المصاحبة لنفس الكلمة عند مختلف الأفراد والدراسات الأنتولوجية السوسيولوجية لطرق الكلام واختلافاتها بحسب الجماعات والأعمار والطبقات الاجتماعية ودراسة الطرق المستعملة من طرف العلماء لتسجيل نتائج تجاربهم … الخ ،وحين يقرر كون التداولية قاعدة كل اللسانيات فهي بالنسبة إليه درس تجريبي يعارض بالمنطق إذ يتأسس النحو الوصفي للدلالة على معارف تداولية ،فالدلالة الوصفية (الدراسة التجريبية للطوابع الدلالية للغات التاريخية ) تعد جزءا من التداولية، إلا أن المناطقة هم الذين يجعلون من التداولية درسا شكليا أساسيا،ويلاحظ بارهييل في مقاله الرائد الذي نشر سنة 1954 بأن كارناب يعد المنطقي الوحيد الذي يشير بشكل مباشر إلى أن اللغات الاصطناعية التي يدرسها المنطقي بطريقة أصبح معها السياق التداولي لإنتاج جملها دون أهمية تذكر ولاحظ أيضا بأنه ميز بين نمطين من الخضوع للسياق أحدهما غير أساسي حين يكون السياق الدقيق لجملة ما مكونا من الجمل التي تليها ،وثانيهما أساسي حين يكون السياق الدقيق خارج اللسانيات وبحكم هذا التقيد المباشر عند المناطقة الآخرين الخاص باللغات غير الإشارية فإن النمو الملحوظ للنحو المنطقي والدلالة المنطقية خلال العقدين الآخرين لم يكن له سوى أهمية محدودة في دراسة اللغات الإشارية ،وتعود قيود كارناب إلى سببين إذ تكفي في البداية اللغات غير الإشارية في تشكيل العلوم، وفي الدرجة الثانية يعد منطق اللغات غير الإشارية ضعيفا إذ على هذه اللغات أن تنمى قبل كل شيء.ويمكن أن يشار أيضا إلى برنامج هانسون (1974)(Hansson) الذي يمثل إسهاما لا ينكر في تطوير التداولية، وهو أول من حاول التوحيد النسقي لها، بتمييزه لثلاث درجات منها هي ، :
1 -تداولية الدرجة الأولى: هي دراسة للرموز تراعي المخاطبين ومحددات الفضاء والزمن وتندرج ضمن هذه التداولية أطروحة بول كوشي، ومعالجة الرموز الإشارية عند بارهييل (Barhil)والمحاولة الإختزالية لرسل.(rusel)
2 – تداولية الدرجة الثانية : (المعنى الحرفي والمعنى المتواصل) هي دراسة طريقة تعبير القضايا في ارتباطها بالجملة المتلفظ بها في الحالات المهمة إذ على القضية المعبر عنها تمييز الدلالة الحرفية للجملة وسياقها هو سياق بالمعنى الواسع عند “ستالناكر” (Stalinker)أي أنه يمتد إلى ما يحدس به المخاطبون ضمن هذا النوع من التداولية : التضمين والاقتضاء والمعنى الحرفي والمعنى السياقي من وجهة نظر سيرل، والمعنى الحرفي والمعنى الموضوعي من جهة نظر دي كرو.(Ducrot)
3-تداولية الدرجة الثالثة: هي نظرية أفعال اللغة، ويتعلق الأمر بمعرفة ما تم من خلال استعمال بعض الأشكال اللسانية، فأفعال اللغة مسجلة لسانيا ،وهذا ما سنفصل له القول في الفقرات الموالية.
10-نظرية الأفعال اللغوية(acte de parole)النشأة والتحول-
استمر فلاسفة كامبرديج في تحليلاتهم للمشكلات الفلسفية من زاوية لغوية إلى نهاية الحرب العالمية الثانية ، وبعدها انتقل مركز التحليل إلى أكسفورد متخذا طورا جديدا ينصب على تحليل اللغة الجارية بين الناس مع جيلبرت رايل(J.Rail) وجان أوستن((Austin)وبيتر ستراوسن(Straosin) واتساقا مع خطة البحث فإن التركيز على توصيف نظرية أفعال الكلام لأوستن هن حيث هي المحطة الثانية للتيار التحليلي في دراسته لصور الاستخدام اللغوية بعد الانفلات من قيود المنطـق التي وضعهـا المؤسسون الأوائـل إلى دراسة كلام الناس في عمومه وتحليله دون الاكتفاء. بالعبارات العلمية، ويأتي الحديث عن أوستين(Austin) بالذات لأنه قام بتأثير من فتجنشتين(L.Wittgenstein )بالرد على فلاسفة الوضعية في محاضراته التي ألقاها في أكسفورد مـا بين سنتي ( 1952-1954 ) ،ومحاضرات أخرى في هارفارد سنة 1955، والتي اختار لها جامعها إرمسون(Ermsson)سنة 1960 عنوانا مميزا هو: ماذا نصنع بالكلمات ؟ ( How to do things with word) ،وتأتي أهميته ردوده في رفضه أن تكون اللغة مجرد وصف للوقائع الخارجية يحكم على مقولاتها بالصدق أو الكذب بالنظر إلى المطابقة أو عدمها، عادّا ذلك الموقف الفلسفي مغالطة وصفية بخاصة إذا نظرنا إلى كم هائل من العبارات التي لا تصف العالم ،ولا تقرر حقيقة إنما تنجز فعلا وتوقع عملا ، إن تناول أوستن للغة من زاوية تجريبية قاده إلى عدها شيئا” متصلا اتصالا وثيقا بالطبيعة البشرية في جانبيها الرئيسين وهي: القوة الإبداعية والقدرة العقلية التي تتحكم في رسم بنية العالم ،وقبل الحديث عن نظرية الأفعال الكلامية وتطوراتها لابد من إلقاء الضوء على المنهج التداولي في اللسانيات حتى يتسنى للقارئ الإلمام بعناصر السياق التي تتنزل فيها مجموعة الآراء اللسانية التي تقوم عليه نظرية الأفعال الكلامية. لقد ميز أوستن(Austin) بين نوعين من الأفعال .
1-أفعـال إخبـارية تقـريرية وصفيـة يمكن أن نحكم عليهـا بالصـدق أو الكذب ( constative) .
2-أفعال أدائية إنجازية ( performative) يمكن أن تكون موفقة أو غير موفقة ، مثل : التسمية والوصية والاعتذار والرهان والنصح والوعد… ولابد أن تحقق هذه الأفعال الأدائية جملة من الشروط حتى تكون موفقة ، وزعها أوستن على نوعين هما : الشروط التكوينية ( الملاءمة )، ويمكن تلخيصها فيما يلي:1-وجود إجراء عرفي مقبول اجتماعيا كالزواج والطلاق.2-تضمن الإجراء نطق لكلمات معينة من طرف أشخاص معينين في ظروف معينة.3-أن يكون الشخص المنجز مؤهلا لانجاز الفعل وأن يكون تنفيذه صحيحا وكاملا،وأما الشروط القياسية ،فليست لازمة لأداء الفعل بل هي مكملة له، لتحقيق صورته المثالية الخالية من العيوب والإساءات ، وهي :أ-أن يكون المشارك في الفعل صادقا في أفكاره ومشاعره ونواياه.ب- أن يلتزم بما يلزم نفسه به،إلا أن هذا التقسيم لم يقنع أوستن لما رأى نوعا من التداخل بين النوعين في مستوى التداول اللساني، وفي سبيل تعديل رؤيته تلك راح يحلل ويصف بنية الفعل الكلامس نفسه فبان له تكونه من ثلاثةأفعال بسيطة هي :
أ- الفعل اللفظي ( النطقي) ( acte locutoire )
يمثله انتظام الأصوات المنطوقة في السلسلة الكلامية وفق تأليف نحوي يحقق معنى يحيل إلى مرجع معلوم.
ب- الفعل الإنجازي ( acte illocutoire )
يمثله المعنى الاضافي المؤدى خلف المعنى الأصلي أو الحرفي ( المتضمن في القول ).
ج- الفعل التأثيري ( acte perlocutoire) ( الناتج عن القول )
الأثر الذي يحدثه الفعل الإنجازي في التسامح سواء كان سلوكيا ظاهرا أو لغويا.هذا ووجه أوستن (Austin) نظره إلى الفعل الإنجازي فهو صلب العملية اللسانية كلها، وراح يبحث عن أصناف تتفرع عنه في ضوء قيـاس القـوة الإنجـازية للفعـل المـؤدي ( La force illocutoire )،وفيما يلي مخطط عام لأهم الأنواع التي توصل إليها أوستن(Austin) :

الإيضاح السلوك التعهد القرارات الأحكام
Expositive behabitive Commissive exécutive Verdictive
الاعتراض اعتذار الوعد الإذن قرار قضائي
تشكيك شكر الضمان الطرد محاكمة
إنكار مواساة التعاقد التعيين
موافقة تحدي القسم الحرمان
تصريب
تخطئة

11-تطور النظرية الإنجازية مع ج سيريل(Searle)
إذا كان فضل السبق والتأسيس يعود إلى أوستن في إرساء نظرية الفعل الكلامي فإن لسيريل(Searle) دور لا ينكر في تطوير مفاهيم ضرورية كالفعل الإنجازي من حيث هو الوحدة الصغرى في الاتصال والتحليل اللساني ،و مفهوم القوة الإنجازية ، وكذا إبراز دليل القوة الإنجازية indicateur de la force illocutoire والمتمثل في نظام بناء الجملة والنبر والتنغيم ،وعلامات الترقيم وصيغة الفعل والأفعال الأدانية ، أما شروط الملاءمة التي صاغها أوستن فقد أعاد صياغتها سيريل (Searle )، وجعلها أربعة شروط هي:
1-شروط المحتوى القضوي contenue propositionnelle
لابد أن تكون للكلام معنى قضوي يقوم على مرجع ومتحدث به ( خبر) والمحتوى القضوي هو المعنى الحرفي الأصلي للجملة .
2-الشرط التمهيدي ( Préparatoire)
يتحقق بقدرة المنجز على انجاز الفعل لحظة الفعل، لكن لا يكون واضحا لدى الطرفين أن الانجاز سيكون أم لا.
3- شرط الإخلاص: ( sincertive)
لابد أن يخلص الفاعل بقوله فلا يزعم القدرة على الانجاز مع عدم الاستطاعة .
4- الشرط الأساسي : ((essentielle
محاولة المتكلم إنجاز فعل التأثير في التسامح لينجز الفعل،هذا وقد أفاد سيريل من تقسيم أوستن السالف للأفعال الانجازية بالنظر إلى الغرض المنجز وشرط الإخلاص واتجاه المطابقة، جاعلا منها خمسة أنواع رئيسة يبينها الجدول التالي :
déclaratives expressives Commissives Assertives Directives
إعلانيات تعبيريات التزاميات الاخباريات التوجيهات
إعلان حرب / الشكر الوعد الوصف الأمر
هدنة التهنئة الوصية تقرير الواقعة النصح
الاعتذار كماهي الاستعطاف
المواساة ( صدق/ كذب) التشجيع
التخضيض
الطلب بأنواعه

كما تم التمييز بين الفعل الإنجازي المباشر الذي يحقق المطابقة بين المعنى القولي والمعنى الغرضي، والفعل غير المباشر الذي يخالف مراد المتكلم فيه مقتضى الفعل ، ويكون السامع قادرا على فهم المغزى المراد من خلال إستراتيجية الاستنتاج التي عبر عنها غرايس(Grice) بمبدأ التعاون الحواري Cooperation locutoire. ، ومما يمكن تأكيده في هذا السياق أن تعدد تعريفات الفعل الكلامي راجعة إلى اختلاف المرجعيات الإبستمولوجية التي انطلق منها الدارسون ،ومع ذلك فإنّ المتفق عليه هو أنّ تكلّم لغة ما ، أو التحدّث بها يعني تحقيق أفعال لغويّة، وقد شاع بين الدارسين استعمال مصطلح الفعل الكلامي على ما في هذه التسمية من تضليل ومجازفة من حيث ارتباط الكلام بالمظهر المادي الصوتي،ويوصي جون ليونز(J.Lyons) بضرورة ،أن لا يغيب على البال أن فعل الكلام شامل للمنجز الكلامي والمنجز الكتابي ،ويعد الفعل اللغوي محور اهتمام الدراسات اللسانية النصية إذ يمثل التأكيد على أشياء ، أو إعطاء أوامر ، أو إثارة أسئلة ، أو القيام بوعود ، أو غير ذلك من الأفعال التداولية التي تركّز على تأويل النصوص باعتبارها أفعالا للغة كالوعود ، و التهديدات، والاستفهامات، والطلبات، و الأوامر … و بتعبير أدق فإنّ التداولية تقوم بتحويل مختلف الموضوعات إلى أفعال لغويّة بل إن التداولية كانت في مبدئها مرادفة لنظرية الأفعال الكلامية ولا عجب أن عد أوستين (Austin)أبا لها بالرغم من تكوينه الفلسفي الذي غلب على الاهتمامات اللسانية ، وللإشارة فإنّ الفعل اللغوي يرتبط ارتباطا وثيقا بالقصد. وقد عني القصد باهتمام كبير في الدراسات التداولية المعاصرة ، حيث تناولت هذه الدراسات قضيّة المقاصد و النوايا في الخطاب الأدبي، واللساني عموما، في سياق دراستها لقضايا الأفعال اللغوية وهي قضايا تدخل في صميم البحث عن مقاصد المتكلّم في الخطاب، و هي مقاصد تختلف باختلاف نوايا المتكلّم، والوضعيّة السياقية التي تكشف خطابه. ، فالأفعال اللغوية من هذه الوجهة تعدّ مبحثا أساسا لدراسة مقاصد المتكلّم ونواياه، فالقصد يحدد الغرض من أي فعل لغويّ ، كما يحدد هدف المرسل من وراء سلسلة الأفعال اللغوية التي يتلفظ بها ، وهذا ما يساعد المتلقي على فهم ما أرسل إليه ،ومن ثمّ يصبح توفر القصد والنّيّة مطلبا أساسيا وشرطا من شروط نجاح الفعل اللغوي ، الذي يجب أن يكون متحققا ودالا على معنى والبحث عن مثل هذه الشروط يعدّ من الوظائف الأساسيّة للتداوليّة ، التي تتجاوز ذلك أيضا إلى البحث في المميزات المطلوبة في الجمل حتى نتمكن من استعمالها كأفعال لغويّة ، فالطلب مثلا غالبا ما يأخذ صيغة السؤال: “هل بإمكانك أن تعيرني قلمك؟”ولكي يكون الحديث عن أفعال اللغة وافيا وملمّا بكل جوانب الموضوع كان لابدّ من التطرق إلى مساهمات كلّ من أوستين (Austin)و سورل(Searle) ، لأن جهودهما في مجال الحقل التداولي مهمّة وفعّالة ولعل المبحث الأساسي لأعمالهما التحليلية هو الأفعال الإنشائيّة، وشروط استعمالها في سياقات الحديث المختلفة ، كالسؤال والتقرير كما تبحث عن مختلف الوسائل اللسانية التي يتوافر عليها المتحدثون لكي يتواصلوا ويبلغوا فعل الكلام صراحة أو ضمنا، وبالأحرى تحليل فعل الكلام بالكشف عن النيّة أو القصديّة الإنشائية التي يبلّغها المتحدث إلى المستمع،ولابد إزاء هذا من الإشارة إلى البدايات الأولى لنظرية الأفعال اللغوية عبر الحقب التاريخية المختلفة فلقد ارتبطت هذه البدايات بدراسة القضايا المنطقيّة في إطار دراسة أقسام الكلام مع الفلاسفة اليونان ، وبخاصة أرسطو(، وفي العصر الحديث ، وتحديدا عند كانط(Kant) وقعت الصيغة الخبرية تحت طائلة نقد مؤدّاه أنّ هناك جملا لها هذه الصيغة لكنّها لا تقبل الصدق والكذب وأنها بالتالي تخرج من مجال المنطق والفلسفة ونتيجة لهذا النقد تكون الاتجاه الوضعيّ الذي عمل على إزاحة جزء كبير من الجمل التي تقبل الصدق والكذب،وربما عدّ الفيلسوف الإنجليزي أوستين(Austin)من أهمّ الدارسين الذين قدّموا جهودا معتبرة في هذا المجال ، حيث قام بتمييز نوع الجمل التي تحمل الصيغة الخبريّة ممّا لا يقبل الصدق والكذب ، وقسّم الجملة الخبريّة إلى إنشائية ووصفية وهو ينطلق في هذا التقسيم من أقسام الجملة الإنجليزيّة التاليّة :أمريّة واستفهاميّة وخبرية، فالجمل الإنشائيّة عنده تحمل معنى الفعل ، أي يراد الفعل ،بينما يراد بالجمل الوصفيّة الوصف،كما لاحظ أنّ الجملة الإنشائيّة في النحو الإنجليزي تحتوي على فعل يحمل صيغة المضارع المعلوم للمتكلم المفرد ،مضيفا الحكم الوصفي للجمل صائبة وخاطئة – بدلا من لفظي – صادقة وكاذبة – ، مع تقسيم الجملة الإنشائية – التي لاحظ أنّ بعضها لا يحتوي على الفعل المذكور سابقا ، ومع هذا فإن التلفظ بها معناه القيام بفعل معين لا وصفا يقبل الصدق والكذب- إلى : 1-إنشائيات أوّليّة ،2 -إنشائيات صريحة: ، لكنّ هذا التقسيم الذي وضعه أوستين(Austin) للجمل الإنشائية عرف نوعا من التعقيد والتداخل ، بين الجمل التي تقبل الصدق بما لا يقبله،و من خلال ما تقدّم نلاحظ أنّ اتجاهه اللغوي في مجال الدراسات التداولية ومذهبه الخاص يرى أنّ وظيفة اللغة عي استعمال و إنجاز لمجموعة من الأفعال اللغوية ممّا جعله يتجاوز مستوى الجملة ،و النّظرة التي ترى في الجملة أداة للتواصل الإنساني ، إلى الأفعال اللغوية باعتبارها أصغر وحدة للتواصل ، ولقد سميّ هذا الاتجاه بالاتجاه الأوستيني نسبة إليه ،،و من هنا تفرّع اتجاه أوستن في دراسة اللغة إلى ثلاث توجّهات هي:أ-دراسة الأعمال في ذاتها ،وب- دراسة الأعمال عن طريق المحادثة و سبيل المتكلّم في التعبير عن نفسه بصورة تجعل المخاطب قادرا على فهم مقصده باستعمال عمليات ذهنيّة معيّنة، وأشهر أعلامه غرايس(Grise) ،ج- دراسة متضمّنات القول ،و الافتراضات المسبقة،و المحاججة، وأشهر أعلامها دي كرو (Ducrot)، و تكوّن خارج هذا الاتجاه أيضا تيار يضمّ مجموعة من الباحثين متأثر بأعمال بنفنيست(I.Binveniste) وجاكبسون (R.Jacobson)يهتم بدراسة التخاطب بالدرجة الأولى، ونشأت أيضا مجموعة من المدارس التي تصبّ اهتمامها على الدراسات النحويّة و التي تكوّن بعضها في إنجلترا و بعضها الآخر في أمريكا ،فأماّا المدارس الأمريكيّة فإنّ أغلبها كان متأثرا بالحركات المنطقية التي ظهرت آنذاك بالإضافة إلى وجود نوع آخر من هذه المدارس ، التي تأثّر أصحابها بأعمال سيريل أحد رواد نظريّة أفعال اللغة، وقد نحا نفس منحى أوستين(Austin) فيما ذهب إليه بالنسبة للأفعال المنجزة إذ لا يمكن إنجاز أفعال لغويّة إلاّ من خلال علاقاتها بالمقاطع الأخرى في الجملة، أو النصّ إلاّ أنّ سيريل( (Searle وجّه بعض الانتقادات الرّامية إلى وجود بعض النقائص في دراسات أوستن للأفعال اللغوية، التي لم تَبْن على أصول واضحة بالإضافة إلى وجود بعض التداخل بين مجموعات الأفعال اللغويّة نظرا لعدم وضوح الأساس الذي قسّم من خلاله هذه الأفعال ،وكذلك فإنّ جهود أوستن (Austin)في هذا المجال كانت موجّهة نحو دراسة الألفاظ و ليس الأفعال، أي دراسة لفظ الفعل ،وليس الفعل منجزا بكلّ ما يحمله من حركيّة و ماديّة ،وهذا ما أشار إليه سيرل(Searle عندما أكّد على أنّ أصل المشكلة في تقسيم أوستن أنّه عبارة عن تقسيم لألفاظ الأفعال الموضوعة للدلالة على الأفعال الكلامية وليس نظرة إلى ذات تلك الأفعال،ومن ثمّ فإنّ مساهمات سيرل (Searle )في هذا المجال تعد مهمّة و فعّالة ، وهذا لانطلاقه من أن نظرية الأفعال الكلامية لا تكون إلاّ بالرجوع إلى الفعل ومن هذا المنطلق بالذات عمل على تحليل الفعل اللغوي إلى قوى متضمّنة في القول و منه ميّز بين فعل القول ،والفعل المتضمّن في القول ،وهو أهمّ ما جاء به سيريل في مجال نظرية أفعال الكلام كما عمل على تحديد كلّ العوامل ،و الشروط التي تسهم في نجاح الفعل اللغوي ،وعده لهذه الشروط بمثابة المنهج الذي سار وفقه لتحديد فعل أنموذجيّ ناجح ، و هي كالآتي: الفرض المتضمّن في القول،ونمط الإنجاز ،و درجة الشدّة للغرض المتضمّن في القول وشرط المحتوى القضوي والشروط المعدّة، وشرط الصّراحة ودرجة القوّة في شرط الصّراحة .
أ-الفعل الإنجازي
إنّ إنجاز فعل من أفعال اللغة يكون من خلال النطق بجملة أو عدّة جمل في سياق مناسب لها .فالتلفّظ بالجملة التالية :هل تستطيع مساعدتي لدفع السيارة ؟ يندرج في إنجاز فعل الطلب ،والإنجاز يتضمّن معنى الحديث و الحركيّة التي تعني بدورها التغيير الدائم و هذا التغيير يقتضي تغييرا في العوالم ، والأماكن، و الأزمان، و الأفعال الإنجازية نوعان تلك التي تقوم في حال إيقاع الفعل مع زيادة حدث كنتيجة ،مثل: فتح الباب، دفع النافذة بعنف ،و أكل تفاحة ، هذا وميز أوستين بين نوعين من الأفعال الأدائية هي :
1-الأدائيات الواضحة مثل فعل الوعد .
2-الأدائيات الأولية ومثالها أن يعطي المتكلم وعدا دون اللجوء إلى فعل الوعد كقوله :سأدفع لك ما تطلب من ثمن للبضاعة ،ويذهب أسوالد دي كرو(Ducrot) إلى أن الإنجازية تشمل بالإضافة إلى ما حدد سلفا في النظرية الأوستينية الافتراض الذي هو وسيلة مقدمة من طرف اللغة للإجابة عن متطلبات التضمين ،ويكون الافتراض شرطا في الفعل الإنشائي حتى لا تكون هناك خيبة أمل ،وربما مثل له بالقول المضمر الذي يحلل معناه في ضوء قانون الشمولية ك: مفتوح يوم الثلاثاء فقط أو فعل الطلب الضمني مثل قولنا :هل يمكنك غلق الباب إن التداولية لا تحصر اهتمامها بالبحث في النصوص معزولة بل تركز على شروط الأفعال التي تتمحور حول النصوص الأدبية التي تتحوّل إلى أفعال لغويّة كبرى انطلاقا من مجموعة المتواليات الفعلية،الصّغرى التي تكوّن النصّ، و لكي يكون الحديث عن الأفعال الإنجازية وافيا ،كان لابدّ من الإشارة إلى فان ديك ، الذي يربط بين الأفعال الإنجازية ،و التأويل السيميائي ،لأنّ الفعل المنجز يتطلّب متلقيا ،يعمل على تأويل ما يتلقاه وفق عدّة معطيات مُتعلقة بالتواضع والسياق و أحواله ،ويتوقف التأويل عند فان ديك (VanDijk) على مدى استجابة المتلقي للرّسالة ،و كذلك على مدى قدرة المرسل على تبليغ خطابه ،و التعبير عن قصده لتحقيق التواصل ،كما أكّد كون الأعمال الفلسفية والمنطقية السابقة في مجال التداوليات من أهم المواضيع و الأبحاث في النظريّة اللّسانية العامة ، و أنّ استعمال اللغة ليس معناه إنجاز فعل خاصّ وإنّما هو جزء من التفاعل الاجتماعي، أي أنّه ليس عملا فرديا بل هو عملية يتم من خلالها تفاعل الأفراد فيما بينهم داخل المؤسسة الاجتماعية لتلبية احتياجاتهم مما يجعل الطابع الوظيفي للغة مهيمنًا،ومن هنا يربط التداولية بالأفعال اللغوية لأنّها تمثّل الجزء النّاطق والحيوّي من اللغة وهذه الأفعال اللغوية تفتح الباب واسعا للتأويلات السيميائية، وبالتالي فإن نظرية الأفعال ضمن إطار القوانين والأعراف الاجتماعية ما هي إلا نظرية للذرائعية الاجتماعية على حد تصور جون ليونز ،لقد ميز جيوفري ليتش في كتابه مبادئ التداولية بين تداولية دلالية متبناة من طرف ماكاولي(Maccawley) واتجاه تكاملي يجمع بين الدلالة والتداولية في الوظيفة واتجاه تداولي صرف يجعل من الدلالة جزءا من التداولية ،وهو موقف سيريل(Searle).
مفاهيم تداولية مركزية في البراغماتية
تمثل نظرية الفعل الكلامي أهم نظرية في الجهاز المفاهيمي التداولي بالإضافة إلى متضمنات القول التي تمثل ما يمكن فهمه بالقرائن السياقية من الخطاب المنجز ،وفي مقدمتها الافتراض المسبق أو الإضمارات التداولية (pre-suposition) ومفادها انطلاق المتخاطبين من معطيات معرفية قاعدية لتحقيق الفهم ، فلو قلنا لشخص : كيف حال زوجتك ؟ فالافتراض المسبق أن للمسئول زوجة ،وإلا سيكون الرد تجاهلا وعدم قبول لفحوى السؤال ، وربما كان من المهم في هذا السياق أن يشاد بالدور التعليمي للافتراضات المسبقة في تعليم الأطفال أو ما يمكن عده قاعدة تداولية للتعليم بالكفايات ، إذ ينطلق عادة من المكتسبات السابقة على اعتبار وجودها لدى المتعلمين ، وتعد هذه الإستراتيجية مهمة في بناء مناهج دراسية متكاملة ومترابطة من حيث الأنشطة والمهارات مما سيقلل من صور التواصل التعليمي السيئ بين المعلمين والمتعلمين ، ويتصل بالافتراضات المسبقة الأقوال المضمرة (les sous –entendus) التي تمثلها جملة المعلومات الخطابية غير الظاهرة على السطح إلا بفعل التأويل السياقي للحديث ، فقولنا أمام شخص : إن السماء ممطرة يمكن أن يتضمن الدعوة إلى المكوث في البيت أو أو المبادرة إلى العمل أو الحث على عدم نسيان المظلة ، إلا أن الفرق بين النوعين يبقى خافتا أشبه ما يكون بالحاجز المائي ذلك أن الأول متولد عن السياق الكلامي بينما يتولد الثاني عن ملابسات الخطاب وفحواه نفسه، إنها باختصار ممايزة بين الداخلي والخارجي .كما تدرس التداولية مسألة الاستلزام الحواري الذي صاغ تصوراته الأساسية غرايس (limplication conversationnelle) ويقوم على تعدد المعاني التي يقدمه الخطاب إذ تشي العبارة دائما بمعنيين أحدهما ظاهر وحرفي دلالي ، وثانيهما قضوي تستلزمه بشكل غير ظاهر ، وسعيا إلى إدراك هذه الستلزامات يقترح غرايس مبدأ آخر هو التعاون الحواري ،وهو ينهض على أربعة قواعد هي :
1-قاعدة الكم ، فالتواصل لا بد أن يبنى على قدر معين من المعلومات الإخبارية ، إذ على المشارك في التخاطب أن يسهم بما يناسب من كمية الأخبار متوخيا الإيجاز .
2-قاعدة الكيف ، إذ يفترض أن لايتحدث المشارك إلا بما يعتقده مفيدا ومجديا ومقنعا .
3-قاعدة الجهة ،وتقتضي البعد عن الغموض وتحري الدقة التنظيمية في عرض المعلومات ،مما يفرض نوعا من الإيجاز في التواصل .
4-قاعدة الملاءمة ، ومفادها ملاءمة المشاركة التواصلية للسياق التخاطبي ، والظاهر أن الاستلزام الحواري هو محصلة خرق لهذه المبادئ الحوارية المنصوص عليها باعتبارها مقيدات للتعاون الحواري ،كما وضح غرايس انقسام الدلالة التركيبية إلى معاني صريحة ومعاني ضمنية فالمعاني الصريحة تشتمل على محتوى قضوي وقوة إنجازية حرفية ، بينما تشير المعاني الضمنية إلى معاني عرفية اقتضائية ومعاني حوارية استلزامية ،ولعل من النظريات التداولية الجديرة بالاهتمام كذلك نظرية الملاءمة التي صاغها كل من الإنجليزي ديردر ولسن(D.Wilson) والفرنسي دان سبربر (D.Sperber ) وهي تقوم على معطيات نفسية إدراكية منها نظرية القالبية لفودور(Fodor) ومعطيات حوارية مستمدة من نظرية غرايس (Grice) ، وتتلخص مبادئها في المزاوجة بين الترميز والاستدلال في عملية تأويل الخطابات ،وذلك بإنتاج مثير واضح للمخاطب فيسعى إلى جعل مجموعة من الافتراضات واضحة أو أكثر وضوحا بالنسبة إلى المخاطَب ، كما أن السياق في هذه النظرية ليس معلومات معطاة به هو بنية مولدة من افتراضات سياقية مستمدة من تأويل للأقوال السابقة من ناحية ومرتبطة بالمحيط الفيزيائي أطر العملية التواصلية ،وكذا المعلومات المستقاة من ذاكرة النظام المركزي بمداخلها الثلاث ؛ المدخل المنطقي والمدخل المعجمي والمدخل الموسوعي .



شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

محاضرات مقياس نظريات الاتصال للسنة الثالثة علاقات عامة 2


المستوى
: السنة الثالثة اتصال وعلاقات عامة.
المقياس: نظريات الاتصال
الأستاذ: غالم عبد الوهاب
الهدف من المحاضرة
1. معرفة الطالب للفرق بين مفهوم وسائل الاتصال ووسائل الإعلام والتعرف على وظائف هذه الأخيرة من خلال العديد من الباحثين في علوم الإعلام والاتصال.
2. التعرف على مستويات المعرفة النظرية في علوم الإعلام والاتصال وأهم الأفكار التي أتت بها وحتى الاختلافات التي تفرق بينها.
إشكالية وسائل الاتصال ووسائل الإعلام
قبل الحديث عن التنظير للاتصال كمفهوم قائم بذاته يجب الفصل في العديد من الإشكالات الفرعية التي من شأنها أن تحدث خللا في شبكة المفاهيم المشكلة للنظرية، ولعل من أبرز هذه الإشكاليات التي لا تزال مطروحة هي الفروقات الموجودة بين وسائل الاتصال ووسائل الإعلام.
إذن تحديد الفرق بين المفهومين يعد من الأمور التي يرتكز عليها التنظير، خاصة في تحديد سبب استعمال الباحثين لمفهوم وسائل الاتصال رغم أن الحديث في واقع الأمر يكون حول وسائل الإعلام، حيث أن الاتصال بمفهومه الذي يرتبط بنقل المعلومات والأفكار والتجارب والخبرات بين طرفين أو أكثر يلعب دورا فعالا في مختلف الأنشطة البشرية، كما أصبح مفهوم الاتصال يشير إلى كل العمليات الاتصالية مهما كانت طبيعتها.
إن الفروق الموجودة بين المفهومين لم تثن الدارسين لحقل الإعلام والاتصال إلى استعمال مفهومي وسائل الاتصال ووسائل الإعلام بصفة متبادلة على الرغم من نقاط الاختلاف التي يحددها الباحثون في ثلاث نقاط رئيسة.
المضمون
حجم الجمهور المخاطب
الهدف الذي تنشده كل وسيلة
من حيث المضمون
تعتبر وسائل الاتصال أكثر شمولية من وسائل الإعلام، فالمفهوم الأول يتعلق بكل وسيلة بإمكانها أن تكون واسطة بين طرفين لتسهيل عملية الاتصال، سواء أكان ذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بينما يقتصر مفهوم وسائل الإعلام على وسائل الاتصال الجماهيري من صحف مكتوبة ومجلات وإذاعة وتليفزيون باختلاف قنواتها وحواملها.
من حيث الجمهور المخاطب
عند الحديث عن وسائل الاتصال لابد أن نأخذ بعين الاعتبار مستويات الاتصال المختلفة، حيث أن وسائل الاتصال قد تقتصر في نقل رسائلها إلى طرف واحد كإرسال رسالة إلى صديق في إطار الاتصال الشخصي، أو التكلم معه عبر الهاتف أو عن طريق إرسال وثائق عبر الفاكس أو الإميل…إلخ، أو بين فرد وجماعة في إطار الاتصال الجمعي كإلقاء محاضرة أو خطبة سياسية من طرف على جمع من السياسيين، أما وسائل الإعلام فهي لا تختار جمهورها ولا تعرف حدوده، بل تبث رسائلها إلى الجماهير العريضة والحشود الغفيرة مع الاختلافات الكبيرة الموجودة في تركيبة الجمهور والفروق الخاصة بالوعي والفئات الاجتماعية.
من حيث الأهداف
يكمن الفرق بين المفهومين في تعدد أهداف الاتصال بتعدد أنواعه وشمولية عمليته، أما الإعلام فأهدافه محددة مسبقا ولا يمكن أن تخرج عما سطر له من قبل الباحثين، حيث أن عملية الإعلام تعني الفعل المتمثل في إحاطة الجمهور بالأخبار ومعرفته بوقائع معينة وآراء مختلفة بواسطة وسائل مبتكرة لهذا الغرض، ذلك أنها نظمت كمؤسسات اجتماعية وتستخدم التكنولوجيا المعقدة لتبليغ رسائل محددة إلى الجماهير العريضة بغرض الإعلام والتربية والترفيه.
تجدر الملاحظة في هذا السياق إلى أن الإعلام خاصية تكنولوجية ترتبط بأهداف المنظمات السياسية والاجتماعية القائمة، كما له صلة بمفاهيم الصراعات السياسية وتنوع المجتمعات البشرية.
في الإطار ذاته يمكن القول إلى أن الإعلام يخرج من نطاق العلاقات الفردية إلى عملية منظمة اجتماعيا على المستوى المحلي، الوطني أو حتى الدولي وأخيرا يرتبط الإعلام بمفاهيم الديمقراطية والحرية والقضايا السياسية والاجتماعية المناقشة على الساحة والقضايا الاقتصادية المعاشة داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات.
لكي نوضح أكثر نورد خصائص الإعلام في النقاط التالية
إن الإعلام كان ولا زال يتدفق في اتجاه واحد من القمة إلى القاعدة، أي من المرسل إلى المتلقي ونادرا ما يكون تدفقا في اتجاهين.
إن للإعلام مجالا واسعا للاختيار سواء من حيث الوسيلة أو من حيث الجمهور أي من حيث ساحة الأحداث والفاعلين بالنسبة للوسيلة أو من حيث تنوع وتعدد الرسائل والمضامين بالنسبة للجمهور.
أصبح الفرد كوحدة من الجمهور في حاجة إلى أكثر من وسيلة إعلامية لإشباع حاجاته الفكرية والثقافية والترفيهية…إلخ
تمركز الإنتاج الإعلامي في يد عدد قليل من المنتجين الخواص أو الدولة الدين يقومون بإنتاج عدد كبير من المنتجات.
تعمل وسائل الإعلام في البلدان الرأسمالية على جلب عدد كبير من الجمهور ولهذا تميل إلى التركيز على نقطة وسطية أو تلتزم خطا سياسيا معينا لإقناع جمهورها بفكرة معينة.
يتم الإعلام بواسطة مؤسسات اجتماعية تستجيب إلى البيئة التي تعمل فيها، أي أن هناك علاقة تفاعلية بين المجتمع ووسائل الإعلام.
يتضمن الإعلام عكس الدعاية الحياد فيما يخص هدفه النهائي وذلك في حالة استقلالية المؤسسات الإعلامية والموضوعية فيما يتعلق بمحتواه الإخباري.
ما هو الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في الحياة المعاصرة ؟
وسائل الإعلام قوة تؤثر على سلوك البشر، وتلعب دورا في الحياة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، ففي الشق السياسي مثلا تستطيع هذه الوسائل الإطاحة برؤساء الدول وتغير سياسات حكومات ولنا في قضية وزير المالية الفرنسي قيمار خير مثال على ذلك، كما أن الدور الذي لعبته الترسانة الإعلامية الأمريكية في إطار ما عرف بالحرب على الإرهاب ببعيدة، أما عن الجانب الاقتصادي فهي تدفع مثلا في سياق تغيير السياسات الحكومية على غرار ما يحصل من نقاشات لميزانية التسليح في الولايات المتحدة الأمريكية من طرف الأقلام البارزة في كبريات المؤسسات الإعلامية الأمريكية.
إن فهم الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في المجتمع لا يكتمل إلا بتحديد خصائص الظرف الزماني من خلال التعرض للمناخ الذي تعمل به وسائل الإعلام، وهو ما يصطلح عليه فليب بروتن في مثلثه الحجاجي بمراعاة سياق الاستقبال، فتحليل المحتوى الإعلامي لا يحدث بمعزل عن السياق الاتصالي العام، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الإعلامية والأنظمة القائمة في المجتمع.
كما أن الحديث عن وظائف وسائل الإعلام في المجتمع يجرنا إلى الاختلاف الكبير بين الباحثين في تحديدها حيث سنعرض أمثلة عن مجموعة من الباحثينفي هذه النقطة حتى نتمكن من أخذ نظرة معمقة عنها.
هارولد لاسويل Lasswel
1. الإشراف / الرقابة على البيئة أو المحيط.
2. العمل على ترابط أجزاء المجتمع في البيئة التي يعيش فيها.
3. نقل التراث الاجتماعي والثقافي من جيل إلى جيل آخر.
لازارسفلد و مورتون Lazarsfield & Morton
1. وظيفة تشاورية: خدمة القضايا العامة والأشخاص والتنظيمات …..
2. وظيفة تقوية الأعراف الاجتماعية: فضح وكشف الانحرافات عن الأعراف الاجتماعية وذلك بتعرية هذه الانحرافات للرأي العام.
3. الوظيفة التخديرية: زيادة مستوى المعلومات تحوّل معرفة الناس الى معرفة سلبية.
ليزلي مويلرLeislie Moeller
1. وظيفة الأخبار والتزويد بالمعلومات ورقابة البيئة.
2. الربط والتفسير والهدف منه تحسين نوعية فائدة المعلومات وتوجيه الناس.
3. الترفيه وهدفه تحرر الناس من التوتر والضغط والمصاعب.
4. التنشئة الاجتماعية وهدفها للمساعدة في توحيد المجتمع (قاعدة مشترك … قيم)
5. التسويق
6. المبادرة في التغيير الاجتماعي وذلك بقيادة التغير الاجتماعي في المجتمع.
7. خلق النمط الاجتماعي: وهدفه وضع النمط للمجتمع ( الأدب ، الثقافة، نمط الحياة).
8. الرقابة.
9. التعليم.
شــرام Schramm
1. وظيفة المراقب: اعداد التقارير عن الأخطار والفرص التي تواجه المجتمع.
2. الوظيفة السياسية: اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة ، اصدار التشريعات.
3. دور المعلم: تنشئة أفراد المجتمع الجدد بامدادهم بالمهارات والمعتقدات التي يقدرها المجتمع.
دوفـلـور وساندرا بول روكيش
1. اعادة بناء الواقع الاجتماعي.
2. تكوين الاتجاهات لدى الجمهور.
3. ترتيب الأولويات لدى الجمهور ” وظيفة وضع الأجندة “.
4. توسيع نسق المعتقدات لدى الناس.
المعرفة النظرية الاتصالية
بعد أن وضحنا الفرق الموجود بين مفهومي وسائل الإعلام ووسائل الاتصال، سوف نعمد إلى استعمال المفهوم الثاني تبعا للتقليد الجاري من جهة ونظرا لتداخل العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية وحتى التكنولوجية في عملية الاتصال.
نتعرض الآن إلى المعرفة النظرية الاتصالية التي على أساسها ينظم تسيير المؤسسات الإعلامية، عن ما نقصده بالمعرفة النظرية هي مجمل ردود الأفعال التي يعبر عنها المفكرون في شكل أفكار ومفاهيم وتعاريف عامة وتصورات ونظريات وافتراضات بخصوص ظهور وسيلة من وسائل الاتصال وفيما يتعلق بطبيعة عملها ووظائفها وعلاقاتها بالبنيات الاجتماعية الأخرى، هذه الأفكار خضعت لعامل التراكم عبر الزمن وأصبحت بالتالي تشكل القاعدة النظرية لوسائل الاتصال، حيث يقسمها ماكايل إلى ثلاثة أنواع معرفية
1- نظرية الحس العام 2- النظرية العملية 3- النظرية العلمية الاجتماعية
نظرية الحس العام
وتشير إلى الأفكار التي نحملها حول وسائل الإعلام بصفتنا أفراد في المجتمع العام، حيث نرتكز على تجاربنا الشخصية المباشرة معها واستعمالنا لها كجزء من جمهور وسيلة إعلامية محددة أو من الجمهور العام والواسع، فكل قارئ للجريدة أو مستمع للإذاعة أو مشاهد للتلفزيون لديه نظرية ضمنية (مجموعة أفكار خاصة به) حول الوسيلة المعنية.
إن الجمهور العام يطرح مجموعة من الأسئلة التي تشكل تصورات لأفراده، حيث تدور في مخيلة الجمهور العديد من التساؤلات على غرار ما هي الوسيلة؟ لأي شيء تصلح؟ وما نفعها في الحياة اليومية؟ وكيف ينبغي قراءتها أو مشاهدتها؟ وما هي مدلولاتها؟ وكيف ترتبط بالمدلولات الأخرى للتجربة الاجتماعية؟.
كل هذه الأفكار تمكن الفرد من التعامل مع وسائل الإعلام والاتصال، فعلى الرغم من أن نظرية الحس العام غير قائمة بصفة جلية، فهي تتمتع بأساس ترتكز عليه في تحديد تعاريف ومفاهيم وسائل الاتصال ومكامن الفروق الموجودة بينها، كما أنها تمثل احد المصادر الأساسية للمعايير والقواعد التي تتحكم في استعمالها ومشاعر الرأي العام حول المسائل التي تطرحها، حيث تتمتع الجماهير بقدرتها على تحديد استراتيجيات الوسائل الإعلامية وتخطيطاتها وحتى سياساتها.
النظرية العملية
وتشير إلى الأفكار التي يحملها العاملون في حقل الإعلام والاتصال من مسيرين، صحفيين وتقنيين، هذه الأفكار تدور حول غاية وطبيعة عملهم والكيفية التي يمكن أن تحقق من خلالها بعض التأثيرات، حيث يرتبط جزء من هذه الأفكار بالجانب التقني والجزء الآخر يرتبط بالتراث الإعلامي المتراكم والممارسات الميدانية عبر فترات زمنية متعاقبة، حيث يعتبر الجانب المهني من أهم معايير وقواعد السلوك التي في مجملها تشكل عمود الإنتاج الإعلامي وتعطيه تناسقا.
تتمثل أهمية النظرية العملية في المساعدة في الحصول على إجابات عن عدة تساؤلات: ماذا يطلب الجمهور وما يرضيه من جادة إعلامية؟ هل هناك تفاعل بين الجمهور والوسيلة وهل هناك فعالية؟ ما هو الحدث الذي له قيمة خبرية؟ ما هي مسؤولية الصحفي في وضع ما؟.
تجدر الإشارة إلى التردد الذي نلمسه عند الباحثين في مجال علوم الإعلام والاتصال في شرعية تصنيف هذه الأفكار في صف المعارف النظرية، فهي كسابقتها ليست ملفوظة، بل مستمدة من الممارسات الميدانية.
النظرية العلمية الاجتماعية
تعتبر أكثر النظريات وضوحا وتناسقا، فهي ناتجة عن المعرفة الواعية للملاحظ العلمي الاجتماعي المحترف الذي يحاول أن يعمم انطلاقا من الأدلة والملاحظات التي يجمعها حول طبيعة وعواقب وسائل الإعلام، وظائفها وأدوارها والرسائل التي تمررها وأهدافها، ومصدر هذه الأفكار هم المفكرون والباحثون في ميدان الاتصال والعلوم الاجتماعية الأخرى التي شكلت القاعدة النظرية قبل أن يصبح الاتصال منفردا بمواضيعه ومناهجه، كما تشكلت من خلال النظريات المختلفة والمدارس الكبرى على غرار الإمبريقية بروادها والنقدية (هوركايمر،ادورنو) والبنيوية (كلود لفي ستراوس)، التفاعلات الرمزية (كوفمان، هبرماس)، الظاهراتية (ميد، وليام جيمس)…إلخ.
علاقة النظرية الاتصالية بالنظرية الاجتماعية
يعد تناول العلاقة بين النظرية الاتصالية والنظرية الاجتماعية ضروري لسببين:
الأول: يتمثل في التأكيد على أن علم الإعلام والاتصال لم يصبح علما قائما بذاته إلاّ مؤخرا وبالضبط بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا يرجع أساسا إلى حداثة الظاهرة الاتصالية بالمقارنة مع الظواهر الاجتماعية الأخرى.
أما الثاني فيتمثل في الإشارة إلى أن الآباء الأوائل لهذا العلم هم من ذوي اختصاصات مختلفة مرتبطة أساسا بالعلوم الاجتماعية.
هكذا إذن ترسخت في أذهاننا هذه الفكرة (العلاقة) فنتعرف بعد ذلك أن البحوث الإعلامية الأولى كانت تتم في إطار مفاهيم ونظريات ونماذج منهجية مستوحاة من الاختصاصات المذكورة سالفا، ومن أشهر هؤلاء المؤسسين لازويل، كاتز ولازر سفيلد وماك لوهان وبارك، وهذه الخلفية تساعدنا على فهم سياقات الفكرية لنظرية الاتصال، وتوضح هذه الخلفية التاريخية للعلاقة بين النظرية الاتصالية والنظرية الاجتماعية تستلزم تناول المستوى الثالث من نظريات الاتصال ونقصد سياقات وسائل الإعلام، أي تحديد مفهوم البنية الاجتماعية رغم أن هذا الأخير يعد من المفاهيم المجردة والمعقدة وبعيدا عن الاهتمام الخاص بدراسة وسائل الإعلام، إلاّ أن نموذج البنية الاجتماعية الذي يتبناه منظرا ما يحدد الكيفية التي يحلل بها وسائل الإعلام، حيث يتجلى هذا الاختلاف في الفرق بين الاتجاهات النظرية التي تنظر للبنية الاجتماعية من منظور صفوة الجماهير وتلك الاتجاهات التي تنظر إليها من زاوية العلاقات الطبقية أو الصراع الطبقي كالتحليلات الماركسية وهذا ما سنتعرض في الحديث عن المجتمع الجماهيري.

خلاصة
إذن الأدبيات الإعلامية الاتصالية هي نتاج المصادر الثلاثة السالفة الذكر، سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، لأن أي وسيلة إعلامية مقيدة من حيث إمكاناتها بالتعريف العام لها وبمجمل التوقعات والمعايير التي تعبر عنها، من ذلك أمكن القول أن هناك تكامل بين هذه المصادر الثلاثة في بناء قاعدة نظرية لعلوم الإعلام والاتصال.


التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

مفهوم الاتصال الخارجي في المؤسسة

مفهوم الاتصال الخارجي في المؤسسة:

يعرفه مصطفى حجازي على انه حلقة وصل بين المؤسسة و المجتمع المحيط بها ، ففي كل مجتمع لابد من وجود مؤسسات و هيئات مختلفة ، قائمة لتحقيق غايات و وظائف معينة و لها صلات مع أفراد ذلك المجتمع ، لا تتمكن هذه المؤسسات من القيام بأعمالها ما لم تكن ثقة متبادلة بينها و بين جماهيرها ، هده الثقة لا تأتي عن طريق الصدفة ، لكن يجب ان تبنى على أسس متينة و خطط مدروسة تضمن لها البقاء ن لذلك فالاتصال الخارجي هو بناء ثقة الجمهور بالمؤسسة و المحافظة عليه.
يعني الاتصال الخارجي كل ما يرمز للاتصال و العلاقات الخارجية لمؤسسة ما.
أنواع الاتصال الخارجي في المؤسسة:
1-الاتصال المؤسساتي:
الاتصال المؤسساتي هو كل ما يتم بواسطة المؤسسة سواء تعلق الأمر بتقديم الأخبار عن نفسها أو عن نشاطاتها ، أو تأكيد حضورها أو التعريف بموقفها حول موضوع أو حدث يسمى نشاطها الخارجي.
2-الاتصال التجاري:
فهذا النوع من الاتصال الخارجي هو مجموع التعاملات التي تقوم بها المؤسسة مع محيطها الخارجي المرتبطة بتسويق السلع و الخدمات و حث مختلف الزبائن إلى اقتناء منتجاتها من خلال الإشهار و الترويج ، و لهذا لابد أن يكون الاتصال التجاري في مستوى راقي هذا الأخير تعكسه منتجات المؤسسة من خلال الجودة و النوعية.
يهدف الاتصال التجاري إلى: ترويج منتجات المؤسسة ، جلب الزبائن إلى المؤسسة ، فتح أسواق جديدة ، المنافسة.
3-الاتصال الاجتماعي:
يرى ميشال لوني أن الاتصال الاجتماعي هو أحد الأساليب التي يستعملها الإنسان في حل مشاكله ، فهو ركيزة لتغيير الآراء إلى الأفضل و تعديل السلوك المعاكس.
يعني الاتصال الذي توجهه المؤسسة للمواطنين ، الجماعات العامة ، المحلية و الوطنية ، و الإداريين الذي تتمنى المؤسسة خلق علاقات جيدة معهم.
وسائل الاتصال الخارجي في المؤسسة:
أ- وسائل العلاقات مع الصحافة.
ب- وسائل العلاقات العامة.
ج- وسائل تكنولوجية.
تقنيات الاتصال الخارجي في المؤسسة:
-العلاقات العامة
-الهوية المرئية
-الأعمال الخيرية
-الرعاية

بالتوفيق للجميع



افدتنا الله يبارك فيك

التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

نظريات الاتصال الإقناعي وتوظيفها في الإشهار


نظريات الاتصال الإقناعي وتوظيفها في الإشهار

3.3 نظريات الاتصال الإقناعي

إن الاتصال الإقناعي لا ينطلق من فراغ بل من قاعدة نظرية تتجسد من خلال العديد من النظريات.

1.3.3 نظرية التاءات الثلاثة

حسب ميشال لوني(michel le nid) فإن الاتصال الإقناعي والتأثير في سلوك الأفراد يتم عبر ثلاثة مراحل وهي التوعية،التشريع والتتبع أو المراقبة.فكلها تبدأ بحرف التاء ومن هنا جاء أسمها.

المرحلة الأولى:هي التوعية وتتضمن آليات الإقناع اللساني والتوضيح وتعزيز كل ذلك بالبراهين المقنعة التي تنساب إلى عقول المتلقين،ويشترط في كل معلومات المرسل أن تكون بسيطة حتى يسهل فهمها وإدراكها،كما يشترط فيها عدم التناقض لتنال المصداقية كما يجب أن تكون صياغة الرسالة وتحديد محاورها بصورة واضحة حتى تكون أكثر إقناعا،إذ يجب فهمها دون الحاجة إلى بذل جهد زائد من المتلقي.

كما يشترط في التوعية حتى تكون فعالة الموضوعية وعدم التحيز أو الانطلاق من أفكار ذاتية أو مسبقة في التعامل مع الجمهور والتي يمكن أن تقف في مسار التوعية وتمنع المرسل من الوصول إلى أهدافه.

المرحلة الثانية:هي التشريع،تظهر أهمية هذه المرحلة في الحملات الإعلامية العمومية،لكنها غير مؤثرة في الاتصال الاشهاري،فهي تنص على إدراك أن التوعية لا تلبي الغرض لوحدها،فهي تبين مخاطر الموضوع وفوائده،لكن التشريع يلعب دورا إيجابيا في ممارسة نوع من الضغط على المتلقي من أجل مسايرة المرسل فيما يدعوا إليه.

المرحلة الثالثة:هي مرحلة التتبع،إذ لابد للمرسل أن يعرف أين وصل من أهدافه،فحسب ميشال لوني فإن نجاح عملية الإقناع والتأثير مرتبط بالمتابعة والمراقبة للعملية ككل،لأن الإنسان بحاجة إلى التذكير والتأكيد باستمرار حتى في أموره اليومية البسيطة.

إن عملية المتابعة على عكس المرحلة السابقة تجد مكانها في الاتصال الإشهاري،فهي تمكن المرسل من مواصلة بث رسائله أو إلغائها واستبدالها بأخرى,

2.3.3 نظرية التنافر المعرفي

هذه النظرية أتى بها ليون فستنجر(leon festinger) في 1962،تنطلق من فكرة أن الإنسان كيان نفسي يسعى دائما إلى انسجام مواقفه وآرائه والمواضيع التي يتلقاها مع شخصيته وبنيته النفسية،فنظرية التنافر المعرفي ترمي إلى كون الإنسان يتعارض ويقاوم كل شيء يتعارض وبناءه المعرفي.[1]

تتركز هذه النظرية على أن الفرد يحاول بذل مجهود من أجل الحفاظ على توازنه النفسي من خلال جعل هذه العناصر أكثر توافقا،فالتنافر هو حالة من حالات الدافعية بحيث تدفع الفرد إلى تغيير سلوكاته وآرائه،فوفقا لصاحب النظرية فإن هناك ثلاثة أنواع من العلاقات بين عناصر معرفتنا.[2]

1. علاقة اتفاق بين هذه العناصر.

2. قد لا تكون هناك علاقة اتفاق بين هذه العناصر.

3. قد تكون هناك علاقة تناقض وتعارض بين هذه العناصر.

إذ يضطر الفرد غي الحالة الأخيرة إلى إلغاء هذا التناقض أو التقليل من حدته إما بتبني العنصر الجديد والاستغناء عن القديم،أو عن طريق خلق نوع من الانسجام أو مقاومة العنصر الدخيل عن طريق التجاهل والتغافل عن مصدره أو تصنيفه ضمن العناصر غير المنطقية التي لا يمكن التعاطي معها أو حتى التفكير فيها.

في هذا الإطار،يأتي ليون فستنجر بثلاثة أمثلة يظهر غيها التناقض المعرفي في أجّل صوره وهي اتخاذ القرار،آثار الكذب وآثار الإغراء.[3]

· اتخاذ القرار:إن تخيير الإنسان بين شيئين يضطره إلى ترك بديل واحد بالضرورة،لكن بعد اتخاذ القرار يرى بعض الخصائص الجيدة في البديل المتروك،في سبب التنافر المعرفي ولقضاء على هذا التعارض أو التقليل من حدته أمام الفرد حلين،الأول يحتم عليه إقناع نفسه بأن البديل المتروك غير جذاب وأن خصائص البديل المختار لا تملك قوة التأثير في قراره.أما الثاني فيلجأ فيه إلى تبرير اختياره من خلال إعطاء مجموعة من العوامل التي تؤيده كالمبالغة في وصف خصائص البديل المختار.

· آثار الكذب:يظهر التعارض هنا إذا أقدم الفرد على القيام بما يخالف العناصر والمواقف التي يؤمن بها وتتوقف قوة التنافر على عنصرين،الأول كلما تعارض قوله وقراره مع اعتقاده الشخصي كلما زاد التنافر بينما في الثاني تقل قوة التنافر كلما سعى الفرد إلى تبرير رغم معارضته الداخلية لها.

· آثار الإغراء:في هذه الحالة يظهر لدى الفرد ميولا داخليا للحصول أو فعل شيء يخالف اعتقاده،تتعدد هنا أسباب النفور كأن يكون بعيد المنال أو مخالفة صريحة لمعتقداته أو غير مشروع أو يورطه في مشاكل لا نهاية لها..

3.3.3 نظرية التحليل المعرفي للإعلام

تنطلق هذه النظرية من كون الإنسان كائن عاقل، بحيث يقوم العقل تلقائيا بالتفكير في أي عنصر جديد بوضعه في ميزان المنطق والمعتقد من خلال تحليل المعطيات والمعلومات المكونة للعنصر الجديد لمعرفة مدى قوته ومنطقيته وموافقته للبيئة التي يعيش فيها.

لقد أتى بهذه النظرية الباحث مارتن فيشباين(martin fishbien)،حيث يركز على العامل المعرفي في عملية الإقناع وتغيير الاتجاهات وتعديلها.فالمعلومات المكونة للعنصر الجديد الذي يصل إلى إدراك المتلقي هي التي تدفعه إلى التعامل معه أو إلغائه.

4.3.3 نظرية التوازن المعرفي

تشير هذه النظرية إلى مفهوم أساسي يشكل حاجة إنسانية باعتباره شخصية متشكلة من تناسق مجموعة من المركبات،هذه الأخيرة تفرض على الفرد خلق نوع من التوازن حتى يعيش حياة طبيعية،إذ يصبح معها التوازن حاجة نفسية ومطلب له أهميته.يسعى الفرد إلى الحفاظ عليها وحتى إيجادها إن فقدت.

ويرى صاحب هذه النظرية أن مفهوم حالة التوازن هو وجود مواقف معينة،أين تصبح معها الوحدات الإدراكية والتجارب الوجدانية تعمل دون ضغط,أي أن يخلق الفرد التوازن والانسجام بين مكونات شخصيته.أي التوازن بين المستوى الداخلي والسلوك العلني.

لقد قدم هيدر فريتز(fritz heider) أول نماذج التوازن التي تركز على العلاقات القائمة بين ثلاثة عناصر.شخص”ش”وشخص آخر”ف” وشخص أو شيء آخر”أ”.لقد اهتم هيدر بمدركات “ش” وما يمثله”ف”و”أ” والعلاقات التي تربط العناصر الثلاثة .[4]

كما يركز هيدر من خلال نظريته على نوعين من العلاقات بين الناس والأشياء.

1. علاقات متصلة بالمشاعر.

2. علاقات متصلة بالوحدة.

علاقات متصلة بالمشاعر( sentiment relation):هي نتيجة للطريقة التي نشعر ونقيم بها الأشياء.وتتضمن مشاعر الحب والإعجاب والقبول ونقيض هذه المشاعر.

علاقات متصلة بالوحدة(unit reletion):تركز هذه العلاقات على الوحدات التي تتشكل من خلال الربط بين مجموعة من العناصر.فعلى سبيل المثال الرجل وزوجته عبارة عن وحدة،شأنه في ذلك شأن الأستاذ وطلبته.وترتكز هذه العلاقات حسب هيدر على عدة أساسات كالتماثل(الهداف في فريق كرة القدم)والاتصال(المؤلف والكتاب)أو الملكية(الرجل وكلبه).[5]

تتجسد هذه النظرية في الإشهار من خلال سعي الفرد إلى الحصول على الرضا المطلوب الذي يحقق له توازنه الداخلي،فهو يهدف بتعامله مع المنتجات إلى إرضاء نفسه بالدرجة الأولى.والمحافظة على العلاقات التي تربطه بمحيطه الخارجي.

5.3.3 نظرية العلاقات الاجتماعية

تنطلق هذه النظرية من افتراض أهمية العلاقات الاجتماعية بين الأفراد داخل جماعة واحدة أو حتى بين عدة جماعات أولية في تعامل الفرد مع الرسائل الاشهارية.فهذه الرسائل تمر عبر العلاقات الاجتماعية لتصل بصورة واضحة إلى إدراك الفرد.

في هذا الإطار ولإثبات دور الفئات الاجتماعية والعلاقات السائدة بينها،قام كل من لازار سفيلد وقودين وبيرلسون عام 1940 بإعداد دراسة،اختاروا لها عينة من مدينة إيري كاونتي بولاية أوهايو الأمريكية.حيث ضمت 600 شخص كما حددوا عينة إضافية تحقيقية للحكم على مدى صدق النتائج المتوصل إليها.إلا أن الموضوع كان سياسي يهدف إلى معرفة ميول الأفراد أثناء التصويت معتمدين في ذلك على عدة محددات كالسن والجنس والانتماء السياسي,حيث خلصوا إلى أن الفرد بحكم انتمائه إلى جماعة معينة لديه ميولا كاملا لسلوك علني محدد.[6]

كما تظهر أهمية هذه النظرية إلى جانب أهميتها في الاتصال السياسي في الاتصال التجاري،فالفرد قبل أن يختار منتوج معين يقوم باستشارة أفراد جماعته التي ينتمي لها خصوصا مع السلع البرتقالية والصفراء,فمن غير المعقول اتخاذ الفرد لقرارات نهائية عشوائيا تكلفه غاليا وتدفعه إلى الندم.

6.3.3 نظرية التنظيم الاجتماعي

تنطلق هذه النظرية أيضا من افتراض أساسي يرتبط بطبيعة الإنسان،فهو كائن اجتماعي بطبعه،إذ يميل إلى الاجتماع مع بني جنسه والانضواء تحت لواء جماعة بشرية معينة متفقة مع حاجاته ودوافعه واتجاهاته النفسية.

إن الفرد لا يمكنه العيش بمفرده من منطلق عدم قدرته على تلبية جميع حاجاته مع تنوعها.فلا يمكن مثلا أن يكون منتجا ومسوقا ومستهلكا في الوقت نفسه،فإن كان منتجا فهو في حاجة إلى من يصمم له رسائل إشهارية وإلى غير ذلك.

كما أن الجماعات مهما كانت طبيعتها لا يمكن أن تحافظ على استقرارها واستمرارها هكذا عفويا،بل يجب أن تضع مجموعة من القواعد المتعارف عليها من جميع أفرادها.”فهذه النظرية تقوم على فكرة أساسية وهي أن الأفراد في الجماعات الإنسانية تنظمهم قواعد تنظيمية معينة يفهمها الأفراد ويتعاملون على أساسها،كما تتيح لهم قدرا أكبر لفهم أدوارهم وواجباتهم وحقوقهم والسلوك الذي يجب أن يتبعوه.وهذه القواعد التنظيمية هي التي تؤدي إلى نماذج سلوكية معينة,تسمى في مجموعها بالتنظيم الاجتماعي.أي تنظيم سلوك الفرد الاجتماعي”.[7]

إن التنظيم الاجتماعي يعني ضبط العلاقات من خلال تحديد الأدوار والحقوق والواجبات.فعملية الضبط الاجتماعي مهمة جدا في عملية الإقناع.فإذا ما أردنا أن نقنع مؤسسة ما بشراء منتجاتنا فما علينا إلا أن نعمل على إرضاء المدير وهو المخول باتخاذ القرار في هذا التنظيم الاجتماعي(المؤسسة) وما على فريق العمل إلا تطبيق ما يتخذه المدير من قرارات.من هذا المنطلق كان على المعلن أن يدرس طبيعة الجماعات المستهدفة والعلاقات القائمة بين أفرادها إذا ما أراد الحصول على اقتناعهم.

7.3.3 نظرية التأثير الانتقائي

إن تطور العلوم الإنسانية أثبت أن وسائل الإعلام هي جزء بسيط من المجتمع الكلي، فالفرد قبل أن يتعرض إلى هذه الوسائل،تعرض إلى تأثير عوامل أخرى مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية.

تجسدت هذه الفكرة من خلال ما توصل إليه ميلفن دفلر وزميلته روكتش بناءا على فكرة أن الطاقة الاستيعابية للفرد لا يمكنها أن تستوعب الكم الهائل من الرسائل التي يتعرض لها يوميا.فهو لا يدرك كل ما يتلقاه،بل ينصب تفكيره على إدراك وفهم الرسائل التي تحتوي على مفاهيم تهمه أو على الأقل هو في حاجة إليها.فالمواضيع لا تفرض على المتلقي وإنما يختار ما يريد ويترك ما لا يحتاج إليه وتتجسد هذه النظرية من خلال عدة مفاهيم.[8]

التعرض الانتقائي:يشير إلى حرية المتلقي في اختيار ما يتعرض له،فهو لا يتعرض إلى جميع الرسائل التي تبث عبر وسائل الإعلام بل يهتم ببعضها ويهمل الأخرى.

الإدراك الانتقائي: يرتبط هذا العنصر بالمواضيع التي اهتم لها الإنسان،فهو لا يدرك كل ما يتلقاه بل يركز إدراكه على بعض المواضيع التي اختار التعرض لها.

التذكر الانتقائي: يعمل الفرد على التركيز على بعض مدركاته لتخزينها في ذاكرته ليقوم بعملية استرجاعها متى أراد ذلك.

التصرف الانتقائي: هو آخر عنصر من عناصر نظرية التأثير الانتقائي.فهو يعني حمل المتلقي على عملية الفعل مع ترك الحرية في كيفية التصرف.

إذن هذه أشهر النظريات التي يتوسل بها المعلن من أجل إقناع المستهلك،فهي عبارة عن معطيات ومحاور يرتكز عليها لتصميم رسالته الاشهارية التي تضمن له تسويق جيد لمنتوجه سواء أكان سلعة مادية أو خدمة.


التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

إلى المشرفة الفاضلة الرمال البيضاء استفسار حول التغذية الرجعية في الاتصال

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أختي الفاضلة الرمال البيضاء حياك الله
أود الاستفسار عن أمر ، مادمت من جامعة الاعلام و الاتصال و حديثة التخرج
هل سمعت بتقنية "التغذية الرجعية" في الاتصال و " الرجع العكسي" ؟
هي تدخل ضمن مادة الاتصال المؤسساتي
أفيديني بكل المعلومات و المراجع و المذكرات يا رعاك الله
أختك


السلام عليكم ورحمة الله
الاخت الرمال البيضاء عندها مدة طويلة لم تدخل
عسى ان يكون المانع خير
انصحك استاذتي بارسال رسالة بريدية لها
بالتوفيق لكم

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fares-dz تعليم_الجزائر
السلام عليكم ورحمة الله
الاخت الرمال البيضاء عندها مدة طويلة لم تدخل
عسى ان يكون المانع خير
انصحك استاذتي بارسال رسالة بريدية لها
بالتوفيق لكم

بارك الله فيك خويا فارس
قلت أراسلها هنا لتفيدني و تفيد كل طلبة الاعلام و الاتصال
ساراسلها و الجواب يكون هنا في العام ان شاء الله
جزيتم عني خيرا


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

محاضرات مقياس نظريات الاتصال للسنة الثالثة علاقات عامة


المستوى
: السنة الثالثة اتصال وعلاقات عامة.
المقياس: نظريات الاتصال
الأستاذ: غالم عبد الوهاب
الهدف من المحاضرة
1. تحديد المفاهيم ونقصد بالطبع تحديد مفهوم كل من النظرية والاتصال مع التركيز على تبيان أمثلة حول اختلاف مرجعيات البحث في تحديد المفهوم الثاني.
2. تبيان مستويات التنظير الخاصة بعلوم الإعلام والاتصال

يتكون هذا المقياس في شقه المفهوماتي في الأساس من مفهومين أساسيين، حيث سنعمل في مرحلة أولى إلى تحديد مفهوم النظرية، قبل أن ننتقل في مرحلة ثانية إلى الوقوف على مفهوم الاتصال، ليتم الجمع بينهما فيما بعد من أجل الوصول إلى بناء قاعدة مفهوماتية لهذا المقياس.
مفهوم النظرية
يعد مفهوم النظرية من بين المفاهيم الزئبقية التيعرفها تاريخ البحث العلمي، حيث لا يمكن أن نجدتحديدا واحدا له، بل أنه يختلق من مدرسة إلى أخرى، بل بين الباحثين في التيار الفكري الواحد.
النظرية هي مجموعة مترابطة من التعريفات والمفاهيم والقضايا التي تكون رؤية منظمة للظواهر عن طريق تحديدها للعلاقات القائمة بين المتغيرات بهدف تغييرها والتنبؤ بتطوراتها في المستقبل.
مونت بالنر “إذا كان الفرض هو إقرار غير حقيقي بوجود علاقة بين متغيرين أو أكثر، فإن النظرية هي إقرار حقيقي بوجود علاقة بين متغيرات محققة إمبريقيا.
كما يعرفها كارل بوبر على أنها مجموعة من المقدمات والفرضيات المتسقة، غير أن النظرية مشكلة من فرضيات صحيحة بشكل مطلق، أي أنها يجب أن تخضع لعامل الإختبار من أجل التأكد من صحتها أو خطئها.
أما يورقن هابرماس فيعرف النظرية على أنها ” تملك ثنائية نتحصر بين بنائها الهيكلي وواقع دراستها، وبذلك يتطلب من النظرية أن تكون وحدات بنائية دقيقة ومتناسقة في الوقت نفسه تعكس جزئيات واقع الدراسة”.
تكسي النظرية أهمية كلما زادت قابليتها للتطبيق واتسمت بالوضوح، وتزداد شهرة كلما اتسمت بالشمول والقدرة على استيعاب ظواهر متعددة وفهمها وتفسيرها.
بعد تحديد مفهوم النظرية ننطلق إلى تحديد المفهوم الثاني المكون لأساس المقياس، إنه طبعا مفهوم الاتصال، حيث سنركز في التعامل معه على تحديد المصطلح اللغوي قبل التعرف على الاتجاه اللغوي والسلوكي في تحديد هذا المفهوم.
مفهوم الاتصال
إن الاتصال باعتباره من المفاهيم المكونة للعلوم الإنسانية لم يظهر إلا مع الحرب العالمية الثانية،حيث عرف عديد التطورات من حيث المفهوم،فهو يستخدم في أحيان للدلالة على نقل معلومات من طرف إلى آخر،ويستخدم مرادفا لمفهوم البلاغ أو المواصلات أو التواصل وهذا يرجع في نظر الباحثين إلى الارتباط الوثيق بينه وبين العلوم الأخرى،إذ أن البدايات الأولى لتوثيق مفهوم الاتصال ساهم فيها باحثون من شتى التخصصات كعلم السياسة،الاجتماع والنفس.
كلمة اتصال أصلها مادة وصل وتعني الصلة وبلوغ الغاية،نقوا وصلت الشيء وصلا و صلة والوصول خلاف الفصل.
أمل عن المغنى اللغوي الأجنبي فأصل كلمة اتصال(communication) يرجع إلى الكلمة اللاتينية(communis) ومعناها(commun)أي مشترك وعام وبالتالي فإن الاتصال باعتباره عملية يتضمن المشاركة والتفاهم حول شيء أو فكرة أو إحساس،اتجاه،سلوك أو فعل ما.
لعل الاتصال من الأمور الأساسية في حياة أي إنسان مهما كانت خصائصه ووظائفه،حيث إذا طلبنا من أي كان أن يصف لنا حياته البسيطة ومما تتكون فإن الإجابة المؤكدة التي لا يمكنه الخروج عنها ستكون إما القيام باتصال(communicating) أو تلقي اتصال(being communicated to).
أما عن المفهوم الاصطلاحي، فهناك تعاريف ركزت على التفسير اللغوي لكلمة اتصال(communicare)بمعنى يشيع أو يجعل الشيء شائعا.فالاتصال يتحقق عندما تتوفر مشاركة عدد من الأفراد في أمر ما كما يعرفه موريس(CH.MORRIS).ويرى ولبر شرام (WILBER SCHRAMM) في تحديد مفهوم الاتصال أنه عندما نتصل فإننا نحاول أن نشترك في المعلومات والاتجاهات والأفكار.ويرى أيضا سارفن وتنكرد(SERVEN ET TANCARD) أن الاتصال هو العملية التي تشيع وتنشر ما كان قاصرا على فرد واحد بين اثنين أو أكثر.
أما المدرسة السلوكية فكانت لها أيضا عدة إسهامات،نذكر من إسهاماتها مفهوم كارل هوفلند(C ;HOVLAND)الذي يرى أنه العملية التي يقوم بمقتضاها الفرد بإرسال مثيرا عادة ما يكون لفضيا لكي يعدل من سلوك الآخرين.وكذلك يشير ديفيد بيرلو(D ;BERLO) في تقريره على أن الفعل الاتصالي أو السلوك الاتصالي يهدف إلى الحصول على استجابة معينة من شخص ما،أي أن الاتصال هو الاستجابة لفرد معين اتجاه مثير معين.
إذن المتتبع لهذه المفاهيم يدرك جيدا العنصر المشترك،حيث تشير كل التعريفات إلى أن الاتصال هو عبارة عن عملية تفاعلية بين طرفين تهدف إلى التأثير وإحداث التغيير..
إذن المتتبع لهذه المفاهيم يدرك جيدا العنصر المشترك، حيث تشير كل التعريفات إلى أن الاتصال هو عبارة عن عملية تفاعلية بين طرفين تهدف إلى التأثير وإحداث التغيير أو مهما كان الهدف الذي يسعى إليه القائم بالاتصال، وقد كانت هذه النقطة مشتركة بين كل الباحثين من مختلف التخصصات لاعتبار أن الاتصال بدأ في حضن العلوم الاجتماعية الأخرى.
لقد كان الاتصال ولا زال فعلا ضروريا في حياة ونشاط المجموعات الإنسانية داخليا وخارجيا، إذ بدون اتصال لا يمكن تصور قيام حياة بشرية، فهو ضروري لها مثل الهواء والماء، وإذا كان الاتصال تمّ في بداياته الأولى عن طريق وسائل بسيطة على غرار اللغة المنطوقة والكلمة المكتوبة والحركات والإيحاءات الجسمانية والإشارات، فإنه الآن يخضع لعامل التطور خصوصا ما تعلق بجانبه المرتبط بالوسائل المستخدمة فيه التي أصبحت تتميز بالتعقيد والتنوع.
لقد أدى تراكم وتواتر هذه التطورات إلى إحداث العديد من التغييرات في العلاقات الاجتماعية، هذه الأخيرة أصبحت تتسم بنوع من التعقيد بعد أن ألغت هذه التطورات حدودها الجغرافية، في إطار التطور المادي لمفهوم الاتصال، أما عن التطور المصاحب لهذه الحركية فقد تعلق بجانب التنظير لهذا العلم من خلال محاولة إرساء قاعدة نظرية تمكنه من أن يحتل مكانة بين العلوم.
في هذا الإطار أصبح الحقل المفهوماتي لهذا العلم الذي كان يوصف إلى وقت قريب بالفتي غني بالعديد من المفاهيم على غرار الطرق السريعة للمعلومات والثقافة الافتراضية ومجتمع الاتصال ومجتمع الإعلام ومجتمع المعرفة وإلى غيرها من المعلومات التي ارتبطت أساسا بتطور البحوث في هذا المجال.
مستويات التنظير في مجال علوم الإعلام والاتصال
شكلت التطورات التي عرفتها الظاهرة الاتصالية على مر مراحل تطورها هاجسا بالنسبة إلى الباحثين من أجل معالجة العديد من الإشكاليات، حيث يميز الباحثون في مجال علوم الإعلام والاتصال بين ثلاث مستويات للتنظير.
المستوى الأول: وسائل الإعلام والاتصال والمبلغين
تركز جهود التنظير في هذا المجال على إيجاد إجابات للعديد من الأسئلة المكونة لمجموعة من الإشكاليات، فالباحثون في هذا المستوى كانوا يسعون إلى الإجابة عن مثل
ü ما هي وسائل الإعلام؟
ü ماهي وسائل الاتصال؟
ü الفرق بين المفهومين؟
ü أيهما أشمل؟…إلخ

بالإضافة إلى محاولة حصر دور هذه المؤسسات في المجتمع من خلال التركيز على البحث في طرق تحديدها وآليات تنظيمها، وما هي الوظائف التي تحويها هذه الوسائل باعتبارها مؤسسات اجتماعية وعلاقتها بالنظم الاجتماعية الأخرى ومكونات المجتمع وفئاته المهنية المختلفة.
كما أن الباحثين في هذا المجال لم يغفلوا الإشكاليات المرتبطة بهذه الوسائل في شقها المادي من خلال محاولة معرفة التكنولوجيا المستخدمة وضوابط استعمالها وتأثيرها في مكونات المجتمع الأخرى، إضافة إلى تتبع التطور التاريخي لهذه الوسائل وحتى تطور أدوارها وتنوع وظائفها الاجتماعية وتأثيراتها على العلاقات الاجتماعية…إلخ

المستوى الثاني: منتجات وسائل الإعلام (الرسائل الإعلامية والاتصالية )

ركز الباحثين من خلال هذا المجال على دراسة طبيعة الرسائل الاتصالية التي تنتجها وسائل الإعلام والاتصال وطرق تحليلها ومنهجيات التعامل معها بالبحث للوصول إلى أثرها على المجتمع بفئاته المختلفة من خلال ربطها بالأثر على الوجود الاجتماعي والوعي الإنساني، وحتى مصاحبتها للتغير الاجتماعي.
كما ظهرت في هذا الإطار العديد من الإشكاليات التي تمحورت أساسا في الدراسات النقدية على غرار التعامل مع مفهوم الثقافة الجماهيرية وثقافة النخبة وعلاقاتها بالتنشئة الاجتماعية وغيرها من المفاهيم الأخرى.


المستوى الثالث: سياقات وسائل الإعلام

ويركز الباحثون في هذا المجال على دراسة وتحليل العلاقات الاجتماعية والعمليات الاجتماعية التي تقع ضمنها وسائل الإعلام والتي هي جزء منها، وبعبارة أخرى يحاول الباحثون التعامل مع مفهوم التمفصل الاجتماعي(l’articulation sociale) لوسائل الإعلام والاتصال كنموذج البنية الاجتماعية الذي يعكس إلى حد بعيد تعقد العلاقات الاجتماعية التي تميز العالم الاجتماعي الحقيقي.
التمفصل الاجتماعي هو الربط بين المفاصل المختلفة لجسم واحد، وهنا نحاول الإشارة إلى كيفية ارتباط وسائل الإعلام والاتصال في علاقات عضوية بالبنيات الاجتماعية الأخرى، كأنها ربط حقيقي بين هذه الوسائل.
كل مجتمع له له خصائصه التي يكسبها لهذه الوسائل، فالمجتمع من هذا المنظور هو مجموعة من المؤسسات التي تكون في علاقاتها ما يسمى بالنسق أو بنية اجتماعية والعلاقة الموجودة هنا تسمى بالتمفصل الاجتماعي.
تتولى دراسة هذا المجال النظريات الاجتماعية الكبرى أو النظريات الإعلامية المتأثرة بها، حيث تجدر الإشارة إلى أن قضية التنظير تعتمد أساسا على الموقف الذي يتخذه المنظر الاجتماعي من مساءلة العلاقة بين وسائل الإعلام والاتصال وبنيات المجتمع الأخرى في الإطار الاجتماعي الأوسع وهو موقف يعكس في كثير من الأحيان الأطر المرجعية الإيديولوجية والسياسية والحضارية لمجتمع البحث.

نقدم شكري الخاص للأستاذ المحترم غالم عبد الوهاب والى كافة طلبة السنة الرابعة اتصال وعلاقات عامة بمستغانم


التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

بعض مهارات الاتصال

هى المهارات اللازمة لنجاح الاتصال ومنها:

مهارة التعبير:
وهى تساعد على التواصل مع الاخرين عن طريق الكتابة, لغة الجسد,او الاشارات.

مهارة الاستماع:
وهى تستخدم لاستقبال الرسائل من الاخرين وتساعد على معرفة ما يشعروا به او يفكروا فية اثناء الحوار.

ـ مهارة ادارة عملية الاتصال:

وهى القدرة على تحديد المعلومات المطلوب ايصالها فى الرسالة وتطوير ادوات الاتصال وتطويعها لاتمام اتصال ناجح.

مهارة التاكيد على الذات:

وهى تجعل المتحدث محافظا على حقوقة وافكارة دون التصارع مع الاخرين للمحافظةعلى حقوقهم. وهى تختلف عن العدوانية التى تحافظ على المصلحة الذاتية لاقصى درجة دون النظر لمصلحة الاخرين او حتى تقديم بدائل. ضع دائما فى اعتبارك انك تعمل مع الناس وليس ضدهم.ان التأكيد على الذات يعتمد على التوازن بينما العدوانية تعتمد على المكسب فقط.

مهارة التعامل مع النقد:

ان اول انطباع هو الاهم فهو اما يزيد من حدة النقاش او يلطفة. فقدرة المتحدث على الاستماع ثم الرد بهدوء ومنطقية على نقاط النقد ودعم ذلك بالادلة والمستندات او الصور ان امكن يساعد المتحدث ان يكسب الموقف لصالحة.وما يساعدك علي ذلك هو الاعداد الجيد للموضوع المطلوب طرحة مسبقا.

تنمية مهارات الاتصال :
يجب اتباع الاتى لتكتسب مهارة الاتصال بنجاح:

1.المباشرة:

يجب تناول الموضوع مباشرة دون مقدمات طويلة حتى تجذب الحاضرون من أول لحظة .

2.الوضوح:

لا يجب استخدام المفردات الصعبة او المبهمة او التى تحمل معنين حتى لا تربك المستمع او تفقدة الاهتمام بما تقول.

3. أدب السلوك والاسلوب:

وهو يساعد المستمع ان يشعر بالراحة والاعجاب بالمتحدث مما يسهل اقناعة بالرسالة التى تريد ايصالها الية.كما يشجعة على الاستفسار او ابداء الرأى مما يؤدى الي اتمام التواصل بنجاح.

4. استخدام اسلوب "انا" :

الاشارة لنفسك يجعل المستمع يدرك ان هذا رايك الشخصى وليس حقيقة ثابتة لا يمكن مناقشتها.كما لا يجعل المستمع يشعر انة مهاجم او مستهدف. وهذا الاسلوب يساعد المستمع ان يبدى هو ايضا رأية الشخصى حتى يمكن الوصول الى راى مشترك.

5. الفهم :

يجب ان تستمع الى الحاضرين حتى تفهم ما يقولون ولا تشرد بعيدا بذهنك وركز على مايقولة المتحدث حتى يمكنك ان تتحاور معة وان تتجاوب مع ما يقول وتثبت له انك تحاول فهم وجهة نظرة وليس بالضرورة ان توافقه .انك لا تستطيع ايصال وجهة نظرك لو لم تفهم وجهة النظر الاخرى.

6. استخدام لغة واضحة:

لا يستطيع الحاضرون فهمها لأن هذا يفقدهم التواصل مع ما تقول.

تعليم_الجزائر

7. التفكير الايجابى:

يجب ان تغلب روح التقاؤل على الحديث حتى تحمس الناس وتجعلهم يتجاوبوا مع ما تقول ,والاهم ان تحافظ على هذة الروح حتى نهاية الحديث.

8. توقع ردود الافعال :

يجب التحضيرالجيدللمقابلة حتى تستطيع مواجهة ردود الافعال المتوقعة عند اثارة الموضوع. ويفضل ان تعد اكثر من سيناريو حتى تتصرف بسرعة.

9. الصبر:

اذا ما تعجلت الامور واحبط سريعا فان قدرتك على التواصل ستتأثر وتفقد قدرتك على توصيل الرسالة المطلوبة.

10. اسخدم الوسائل التعليمية:

مثل الصور, الفيديوالخرائط التوضيحية ..الخ التى تساعدعلى شد انتباة الحاضرين وتعمق فهمهم


[gdwl]شكرااااااااا اخي [/gdwl]غير مسجل

موفق بإذن الله … لك مني أجمل تحية .

وفقك الله حبيبتي زينب لما يحب ويرضى.

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

الامتحان الجزئي الاول في مقياس مناهج و ابحاث الاتصال


جامعة محمد خيضر بسكــــرة
شعبة علوم الاعلام و الاتصال السنة الثالثة : اتصال و علاقات عامة
المقياس : مناهج وابحاث الاتصال التوقيت : 08.00/09.00
استاذ المقياس : بوزيد رملي
س1- لماذا صنف علماء المنهجية تحليل المحتوى الى اتجاهين و ليس اتجاها واحدا فقط ؟
س2- حدد كارل اريك و ديكسر سمات اساسية لاحد الاتجاهين السابق ذكرهما . حدد هذا الاتجاه و اذكر سماته ؟
س3- يذكر بيرلسون ان مطلب التنظيم كخاصية اساسية في دراسة المضمون يحتوي امران اساسيان و ان تحليل المضمون يستند على عدد من المنطلقات حتى يضمن مصداقيته . اذكر هذه الافكار مع شرح وافي ؟
س4- تعتبر الفرضية : تصورا لعلاقة بين متغيرين او اكثر . و لكن على الباحث ان يضبطها جيدا آخذا بعين الاعتبار مفهومي : الحركة و التفاعل في هذه العلاقة – ما المقصود من هذا الكلام ؟ دعم شرحك بمثال .

التصنيفات
العلوم الطبيعة والحياة السنة الثالثة تانوي

تحضير البكالوريا – الوحدة 5 : دور البروتينات في الاتصال العصبي

طريقة المراجعة

راجع المخطط التالي بتركيز و تأن ثم تدرج في الإجابة على النشاطات في الأسفل

إن كان المخطط غير ظاهر فإنك تحتاج لبرنامج فلاش: Flash Shockware


[flash1=http://www.cniipdtice.dz/cours/AS/3/snv1/u5/resume.swf]WIDTH=800 HEIGHT=700[/flash1]

التمارين: أسترجع ما تعلمته

الأنشطة: أوضف ما تعلمته

وضعيات الادماج: أستغل معلوماتي

حقوق التأليف : مركز cniipdtice


التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

بحث جاهز بعنوان : الاتصال و التواصل


بسم الله الرحمان الرحيم

بحث جاهز بعنوان : الاتصال و التواصل

تعليم_الجزائر

إضغط هنا لتحميل البحث