الوسم: التاريخ
http://www.4shared.com/document/-DL_3Wch/___.html
http://www.4shared.com/document/ctrp0Vw2/___.html
http://www.4shared.com/document/BYJbCqta/___.html
ملخص دروس التاريخ 4 متوسط
الدرس : [ 10 ] ـ تحضير الثورة .
خلال فيفري 1954 و 31 اكتوبر 1954 كانت فترة صعبة اثر الأزمات فعمل المناضلون على :
ـ تأسيس اللجنة الثوريةللوحدة والعمل : 23/3/1954 للعمل على وحدة الحزب وتجميع اطارات المنظمة فتم اجتماعلجنة 22 لدراسة الأوضاع واحتواء الانقسامات . الاجتماعات السرية : 23/6/1954 لجمعقدماء المنظمة والتحضير العسكري وإجراء التدريب وضبط الإجراءات التنظيمية وتأسيسجبهة التحرير و جيش التحرير واقرار بيان أول نوفمبر والتقسيم الجغرافي و العسكريوتوزيع المهام وتحديد تاريخ انطلاق الثورة والاماكنالمستهدفة
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدرس : [ 11 ] ـ تحضير الثورة واندلاعها .
ـ الاتصالات داخلياوخارجيا : بمناضلي الحزب والمنظمة السرية ومنطقة القبائل بكريم بلقاسم والاتصالبشخصيات فاعلة مصالي * بن خدة * محمد يزيد وبالوفد الخارجي بن بلة خارجيا كسب الدعملتأمين طرق التسلح وتم اختيار يوم الاثنين لانه ـ يصادف مولد الرسول صلى الله عليهوسلم ـ صادف عند الفرنسيين عيد القديسين
ـ الانطلاقة : تفجيرات * توزيع البيان * إعلان الثورة من صوت القاهرة .
ـ عسكريا : إشراف بن بولعيد نظم الخلايا و جمعالسلاح ونجحت المنطقة الأولى في تدشين بداية الثورة لبعد المنطقة عن الصراعات التيشهدها الحزب .
ـ استراتيجيا : جغرافية المنطقة * حدودها مع تونس وليبيا * حدودهامع بقية المناطق * تعهد بن بولعيد بضمان المعارك مدة 8 أشهر .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
الدرس : [ 12 ] ـ ردود الفعل على اندلاع الثورة .
ـ وطنيا : شعبيا فرحة وتساؤل ثم الانخراط فيالثورة ـ الأحزاب الوطنية : الدهشة والتخوف والتحق أعضاء حزب حركة انتصار الحرياتبالثورة باستثناء مصالي الحاج ـ حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري واصل نشاطهوشارك في الانتخابات وفي 23/12/1955 استقال نوابه وفي 22/4/1956 حل الحزب وانظمللثورة .
ـ جمعية العلماء : ساندت الثورة وانحلت الجمعية في 1956 والتحقتبالثورة .
ـ الشيوعيون : واصل نشاطه ضمن المشاركة في الانتخابات الفرنسية واتخذمواقف ضد الثورة وفي 1955 حل الحزب وانضم البعض من مناضليه الى الثورة .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
الدرس [ 13 ] ـ ردود الفعل على اندلاع الثورة .
ـ رد فعل فرنسا : الارتباك والتقليل من شأنالثورة ووصفت الثوار بالخارجين عن القانون وحاولت إقناع الرأي الدولي بأسطورةالجزائر فرنسية ـ عسكريا : زيادة الإمدادات العسكرية * الإبادة * النفي * السجن * الإقامة الجبرية * التجنيد الاحتياطي .
ـ رد الفعل العالمي : ساندت الدولالغربية الموقف الفرنسي * أبدى الاتحاد السوفيتي تحفظه تجاه الثورة * عربيا كانتبين التحفظ نتيجة الضغوط والتبعية باستثناء مصر التي إذاعة بيان الثورة آما الشعوبفقد ساندت الثورة وهكذا طرحت القضية الجزائرية في مؤتمر باندونغ 1955 .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
الدرس : [ 14 ] ـ الثورة في عامها الأول .
ـ 54/55 مرحلة إقناع الشعب واقرار التنظيماتومؤسسات الثورة وتقويض الكيان الاستعماري .
ـ الملف الجزائري في باندونغ : وجهتالجهود للخارج لفك العزلة وتحطيم فكرة الجزائر فرنسية ففي هذا المؤتمر نالت الجبهةدعم 14 دولة منه وجهت رسالة لهيئة الأمم لتسجيل القضية الجزائرية 26/7/1955 .
ـهجوم 20 أوت 1955 : انطلقت في شمال قسنطينة من سكيكدة من أجل فك الحصار عن المنطقة 1 مواجهة قانون الطوارئ في هذه الظروف فجر زيغود يوسف هجوم 20/8/1955 .
ـ أهدافالهجوم : توسيع الثورة ومواجهة سياسة فرنسا ودعم الثوار في المنطقة 1ولفت العالمبما يحدث بالجزائر
ـ النتائج : للثورة : تأكد شعبية الثورة ودعم الثوار بالأوراس * استقالة نواب حزب البيان
ـ بالنسبة للاستعمار : خيبة الأمل * تمرد وعصيانالجيش الفرنسي * ذهول المعمرين*مواصلة المجازر.
الدرس : [ 15 ] ـ مؤتمرالصومام .
المؤتمر : 20/8/1956 بقرية افري أوزلاقن بواد الصومام وخرج المؤتمربتوحيد نظام الثورة وتنظيم المجالس الشعبية وتحديد المهام .
ـ قراراته : جبهةالتحرير* المؤتمر الوطني * المجلس الوطني للثورة * لجنة التنسيق والتنفيذ * الحكومةالمؤقتة 19/9/1958 .
ـ عسكريا : تقسيم الوطن إلي 6 ولايات عسكرية .ـ التنظيمالجماهيري : العمال تأسيس الاتحاد العام للعمال
وتم تنظيم الشباب و النساءوالتجار والمثقفين لدعم الثورة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
الدرس : [ 16 ] ـ المخططات الاستعماري عسكرياواقتصاديا واجتماعيا .
ـ عسكريا : تقوية الجيش ودعم الحلف الأطلسي وتأسيسميليشيات مسلحة والاستعانة بمجندي المستعمرات *توسيع المعتقلات والسجون * واستعمالالكلاب البوليسية * واللجوء إلى مخطط شال وموريس * وتفجير قنابل نووية برقان 60/61ـ دبلوماسيا : عزل الثورة بالضغط والمناورة إجراء و تزوير الانتخابات .
ـاقتصاديا واجتماعيا : مشروع سوستال 1955 خطة للقضاء على الثورة ـ مشروع قسنطينة 1958 ظاهره إصلاحي وفي حقيقته مشروع لهدم الثورة * ومشروع تقسيم الجزائر 1957 ( جمهورية قسنطينة * اقليم الجزائر ووهران الفرنسي * تلمسان * الصحراء ) لفصل الصحراء .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
الدرس : [ 17 ] ـ الديبلوماسية الجزائرية .
ـ شن حملات لتدويل القضية في مؤتمرات * باندونغ1955والقاهرة 1957 واكرا (غانا) 1958 وطنجة 1958 ومنروفيا (ليبيريا) 1959 والقاهرة 1961هذه المؤتمرات دعمت القضية الجزائرية .
ـ منظمات الجبهة : دعمت الجبهة ( طلاب*نساء*عمال ) ودعم وفد نسائي صيني و فيتنامي الجزائر 1957 وقدمت بلدانافرواسيوية دعمها للجزائر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
الدرس : [ 18 ] ـ المفاوضات .
ـ بين56 و60جرت اتصالات حتى 16/9/1959 اعترف ديغول بحق تقرير المصير واختلفت وجهات النظر حول : الجانب الفرنسي : عدم الاعتراف بالجبهة*المجاهدين متمردين*النصر العسكري * بديل عنالجبهة *فصل الصحراء ـ الجانب الجزائري : تقريرالمصير*الجبهة ممثل شرعي *الوحدةالترابية * السيادة .
ـ جرت محادثات مولان 1960 وفشلت ومحادثات لوسيرن 1961واختلفت وجهات النظر حول : الوفد الجزائري : السيادة*وحدة التراب والشعب *الجبهةممثل شرعي *وقف إطلاق النارـ الوفد الفرنسي : التجزئة*
الهدنة*فصل الصحراء*طاولةمستديرة*الحكم الذاتي .واستأنفت في 7/3/1962 بايفيان وتم توقيف القتال 19/3/1962والاستفتاء 1/7/1962 والاستقلال 5/7/1962 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
الدرس : [19 ] ـ الاختيارات الكبرى لاعادةبناء الدولة .
ـ أوضاع عند الاستقلال : اجتماعيا : فقر* بطالة * سكن * نزوح * أمية * ـ اقتصاديا : صناعة محطمة *احتكار ثروات ـ سياسيا : نظام جمهوري * الحزبالواحد * انتخاب رئيس * ميثاق الجزائر 1964 دستور 1963 مجالس بلدية 1967 ولائية 1969 ميثاق 1967 *دستور 1976 إصلاح القوانين * ميثاق 1986 * دستور 1989 * اقرارالتعددية الحزبية * تخطيط أهداف التنمية * تحقيق رقي اجتماعي .ـ صناعيا : ثورةصناعية لتغيير بنية الاقتصاد * تحسين معيشة * الاستثمار * التأميم * ـ فلاحيا : الاستصلاح الزراعي ـ ماليا : العملة * البنوك ـ تجاريا : تحديد سياسة تجارية مستقلةوتنويع التبادل التجاري ـ اجتماعيا وثقافيا : تعميم التعليم والتكوين * محاربةالامية *العلاج المجاني * ترقية السكن * مناصب الشغل * تحسين الأجور .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
الدرس : [ 20 ] ـ السياسة الخارجية .
ـ خارجيا : انضمت للأمم المتحدة 1962 * دعمت حركاتالتحرر * دعت لنظام دولي * دعوتها لحوار شمال جنوب ـ إبعاد السياسة : تناسق * مصالحمشتركة * عدم الانحياز للمعسكرات * اتصفت سياستها بالاستقلالية والواقعية والموضوعية .
الدرس : [ 21 ] ـ الجزائر والمنظمات الدولية .
ـ انضمت للأممالمتحدة 1962 * انضمت لمنظمة الوحدة الأفريقية لانماء العلاقات الودية وأسستالنيباد 2022 لشراكة جديدة للتنمية . كما انضمت للجامعة العربية لتحقيق الوحدةالعربية ومواجهة التكتلات العالمية .
ـ كونت في 1988 اتحاد المغرب العربي لتمتينأواصر الاخوة وصيانة استقلال دول الاتحاد وتحقيق تنمية مغاربية ـ وانضمت لمنظمةالمؤتمر الإسلامي لتحقيق التضامن التعاون الإسلامي كما أن الجزائر عضو في منظمة عدمالانحياز لتدعيم الحق وسيادة الشعوب ـ وأنضمت للدول المصدرة للبترول 1967 للتحكم فيأسواق النفط وفي 1988 انضمت لمنظمة التجارة العالمية .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
الدرس : [ 22 ] ـ الجزائر وبوادر النظام الدولي الجديد .
ـ نظام دولي جديد هو القواعد بعد حربالخليج 1991 دعا بوش حيث تسخر العولمة لتسخير استراتيجية معادية لحق الشعوب فيتقرير المصير سياسيا واقتصاديا وتهميش الشرعية الدولية والحرب والتدخل العسكريبذريعة محاربة الإرهاب ـ موقف الجزائر هناك 3 مواقف للدول 1/ مؤيدة تعزيز دور الأممالمتحدة على رأس هذه الدول أمريكا 2/ دول رافضة : يرون أن النظام الرأسمالياستعماري يقلل من دور هيئة الأمم 3/ مواقف متفاعلة : يرون التمييز بين الإيجابيوالسلبي والتمسك بالهوية القومية والوطنية ـ وكانت الجزائر ضمن الموقف الثالث حيثطرحت لاول مرة فكرة النظام الدولي الجديد والحوار شمال جنوب وتتطلع لنظام عالمياقتصادي يكفل العدالة في توزيع الثروة بين الشمال والجنوب وينهي الاستغلال ويحققالأمن والسلم ويحمي الحقوق
اين الردود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اين انتم
[/frame]
حمل جميع مصطلاحات التاريخ والجغرافيا سنة اولى ثانوي
لكم مني أجمل تحية
لاتنسونا من الدعاء
ان شاء الله اسنفدنا منها
بـــــــــــــارك الله فيكم وجزاكم كل الخير
الهيمنة والنفوذ : هي عملية السيطرة و الاستغلال التي تمارسها الدول القوية ذات الإمكانيات الضخمة مثل الو م أ . و الاتحاد الأوربي … على الدول الأضعف و على المؤسسات السياسية و المالية العالمية و تعني السيطرة و الاستحواذ على الأسواق و التحكم فيها من حيث العرض والطلب والأسعار .
الاستقطاب : عملية جذب وإغراء للإفراد ألاستثمارات أو الشركات نحو دولة أو منطقة أو مدينة ما بسب الفوائد والخدمات و الضمانات و الحماية الممنوحة .
الدورة الزراعية : هي زراعة مجموعة محاصيل ( حبوب . خضروات ) بتعاقب منظم لعدد من السنين طبقا لنظام معين يهدف للاحتفاظ بخصوبة التربة وحماية موادها العضوية ولتنويع الإيراد الزراعي أطول فترة من العام .
النطاقات : هو تخصيص مساحة زراعية شاسعة جدا لإنتاج محصول واحد وهي ميزة تتميز بها الزراعة في الولايات المتحدة الأمريكية ( مثل نطاق. الذرة. نطاق القمح . التبغ … ) وتتطلب إمكانيات طبيعية وبشرية ومادية ضخمة .
الاتحاد : مصطلح يقصد به أعلى درجات التعاون والتنسيق والتكامل إلى دراجة انصهار الخصوصيات والفوارق بين مجموعة دول في إقليم أو قارة واحدة ويكون ذلك في الميادين السياسية و الاقتصادية والاجتماعية …كما هو حاصل في الاتحاد الأوربي .
التكتل : هو توحيد لكل الإمكانيات المتوفرة في دولتين أو دول واستغلالها باستراتيجة مشتركة لرفع القدرة الإنتاجية وقد يكون تكتل سياسي أو اقتصادي أو عسكري .
تنظيم المجال : وضع خطة علمية لإصلاح مجال أو إقليم ما لأداء مجموعة من الوظائف المحددة مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الطبيعية والموارد البشرية والاقتصادية التي يتوفر عليها و الاحتياجات .
معاهدة روما : معاهدة موقعة في 25 مارس 1957 بروما الايطالية من قبل فرنسا .ايطاليا . ألمانيا الغربية . بلجيكا . هولندا . لوكسمبورج . تنص على إنشاء السوق الأوربية المشتركة ومقرها بروكسل ببلجيكا وقد انضمت إليها دول أوربية أخري .
البنلوكس :دول البنلوكس هي اتحاد اقتصادي تأسس عام 1944 بين ثلاث ممالك في أوروبا وهم بلجيكاBElgium و هولندا NEderland و لوكسمبورغ LUXumbourg. و تم توقيع الاتفاق بين الممالك الثلاث في المنفى في لندن عام 1944. وتم تفعيل الاتفاق عام 1947 واستمر حتى عام 1960 عندما تحول إلى اتحاد البنلوكس الاقتصادي. والاسم مشتق من الحروف الأولى لتلك الدول .
ألأراضي المنخفضة : أو مملكة الأراضي المنخفضة هو الاسم الرسمي لهولندا. سُميت كذلك لأن حوالي نصف أراضيها تقع تحت مستوى سطح البحر أيضاً كان أكثر من خمسي أراضي البلاد مغطاة بمياه البحر أو البحيرات .
ماستريختمعاهدة الاتحادالأوروبي : هي الاتفاقية المؤسسةللاتحاد الأوروبيو أهم تغيير في تاريخه منذ تأسيس السوق الأوربية المشتركة سنة 1957 تم الاتفاق عليها من قبل المجلس الأوروبي في مدينة ماستريخت الهولندية في10 ديسمبر 1991 دخلت هذه المعاهدة حيز التنفيذ في 1 نوفمبر 1993 وهي نواة الاتحاد الأوروبي شكلت أيضا المعاهدة أساس الدستور الأوروبي الذي تم الاتفاق عليه لاحقا في عام 2022. أرجو الرد والدعاء
20/06/1431 الموافق
02/06/2010
1 ـ توطئة
2 ـ فقه التاريخ ..المصطلح والمفهوم
3 ـ كيف تعامل الإبراهيمي مع التاريخ ؟
4 ـ عروبة الشمال الإفريقي …وشهادة التاريخ
1 ـ توطئة :
إن خُصّ الشيخ الإبراهيمي بكثير من الدراسات والأبحاث والمقالات ، ونُشرت حوله رسائل وكتب تناولت فكره وأدبه وجهاده ، بعضها من أبناء وطنه ، وأخرى من أوطان العروبة التي كانت من الشيخ دوما على بال ! فإن العظماء في التاريخ لا ينتهي فيهم قول ، ولا ينحسر كلام ، ولا يجف مداد …وسوف يظلون..
كالبدر من حيث التفت وجدته ……………يهدي إلى عينيك نورا ساطعا
كل جيل يأخذ منه بحسب همّته ، ويترقى بفكره قدر هامته …والشيخ الإبراهيمي من هذا القبيل بلا ريب .
علم من أعلام النهضة الإسلامية في عصره ، وذخر من ذخائر الإصلاح في زمانه ، واسع الثراء في تراث أمته ، فسيح العلم في مناحي المعرفة العربية المتنوعة ، وافر الاطلاع على شعرها ونثرها وأدبها وفقهها وتاريخها ، مما جعله من الأفراد القلائل ممن نذروا أنفسهم لخدمة الدين الذي لابسته البدع ، وإنقاذ اللغة التي أكلتها رطانة الأجنبي ، ومواجهة المستعمر الذي نزل الديار ، وأتى في فنون الموبقات والشرور والبطش بكل عجيبة !.
لقد انتصب الإبراهيمي مفكرا ومصلحا ومربيا وسياسيا ومجاهدا ..عُدّته في ذلك فكر لمّاح ، وبيان مُنخّل ، وبلاغة ساحرة ، وإيمان عميق ، جُمعت كلها في ما تركة الشيخ من تراث مكتوب ، سوف يبقى ما بقي الدهر ، وتعاقب الحدثان . ..
وهي قبل أن تُنشر كانت خطابات ورسائل ومحاضرات وأحاديث دوّى بها الشيخ في عواصم العالم العربي والإسلامي مشرقا ومغربا ، بصوته الجهير ، وأدبه العالي ، يشرح قضيته ، وينصر أمته ، ويدفع عنها عوادي المستعمر الجاثم على صدرها .
وقد استطاع الإبراهيمي أن ينفخ في طوايا جيل الثورة الإيمان ، ويبعث في نفوسهم الحمية للدين والوطن ، فكانت "ثورة الجزائر " نتاجا مثمرا لذلك الغراس الطيب ، أينع زهرات الشباب الذي طلب الموت في مظانه ليصنع الحياة لشعبه ، فكانوا أئمة البطولة والفداء !.أروا شعوب العالم كيف يمكن أن تنتفض الشعوب المقهورة مهما طال ليل الظلم ، واحْلَوْلَكَ الظلام ، فلا بد من فجر تلوح خيوطه ، وتسطع أنواره ، وتصحو الأمة على صباح جديد .
وبعد : فهل حظ هؤلاء العظماء نصوص أدبية مقتطعة ، توضع في كتاب مدرسي في هذه المرحلة أو تلك ؟، أو تجميد أشخاصهم في نُصب تذكارية ولوحات فنية وصور فوتوغرافية ، كما نتعامل غالبا مع التاريخ وشخصياته الفاعلة عندما نحفظها بتعريف نضغطه في كلمات قليلة ، ومع الوقت يجري تجفيفها بكلمات أقل إلى أن يميتها التقادم ، وتذهب بعد ذلك ذكراها إلى العدم ؟!!.
إن الشيخ الإبراهيمي من النوع الذي يملك بامتياز القدرة على الرسوخ في أذهان الناشئة ، ليس في الجزائر وحدها ، بل في سائر بلاد العرب و المسلمين ."لأن الإبراهيمي ليس رجل قطر ، مهما اتسعت أرجاؤه ، وليس رجل إقليم مهما امتدت أطرافه ، ولكنه رجل أمة برَّحت به محنها ، وصهرت جوانحُه آلامها ، وأمضَّه هوانها على الناس " .
وهذه المساهمة المتواضعة رؤية من زاوية تاريخية عامة ، رصدتُ من خلالها الثقافة التاريخية ، ومنهج التعامل مع قضايا التاريخ في آثار الشيخ الإبراهيمي ، مع انتقاء موضوعات رأيت أن التاريخ حاضر فيها ، بشواهده وسننه وقوانينه التي وعاها الشيخ ، وقدمها فكرا ينضح بالنور ، وسيرة تُشع بالعبرة ، وحضارة تظل قادرة على الإبداع و الإنجاز و العطاء .
2 ـ فقه التاريخ ..المصطلح و المفهوم :
كثيرون هم الذين كتبوا عن تاريخ الإسلام ، سواء من طرف المسلمين أو من غيرهم ، سواء في السياق الأكاديمي الصرف، أو التأليف الحر ، وقد انطوت كثير من تلك الكتابات على منهج في القراءة والتحليل ورصد الأحداث ينأى بعيدا عن فلسفة خاصة تتضمن ملامح الخصوصية في تاريخ الإسلام ، تبعا لخصوصية الأمة وعقيدتها وفكرها وانجازاتها عبر تاريخها الطويل .
ولم تكن المدرسة التاريخية العربية والإسلامية بعد ابن خلدون تحديدا إلا صدى للأوضاع المزرية التي آلت إليها الأمة ، وأصبحت فلسفة ابن خلدون في التاريخ والحضارة والاجتماع قواعد لمدرسة برزت ملامحها بعد عصر ابن خلدون بقرون ،حيث برزت تأثيراتها في الفكر الغربي والعربي ، وجاءت إلماعات مفكري النهضة العربية متساوقة مع فكر المدرسة الخلدونية ، التي شكلت مفتاحا حقيقيا لليقظة الإسلامية ، وبداية الوعي بالتاريخ ، وإمكان عودة الازدهار والرقي للأمة المتخلفة، إذا ما توفرت لها أسباب الإصلاح الذاتي الذي يفضي إلى العافية الحضارية التي نعمت بها الأمة حينا من الدهر .
وفي منتصف القرن الماضي ( القرن العشرين) تزايدت نداءات المفكرين والمؤرخين من رواد المدرسة الإسلامية إلى إعادة النظر في قراءة التاريخ بعيدا عن مبررات عصر الغزاة وعصر الانحطاط والسيطرة الأجنبية على البلاد العربية والإسلامية ، فبرز إلى السطح مصطلح "فقه التاريخ " ، وقد مثّل هذا الاتجاه : الشيخ محمد الخضري بك ، والطيب النجار ، وسيد قطب ، وصادق عرجون ، وعباس العقاد ، ومالك بن نبي ،ومحمد البشير الإبراهيمي ….ثم تابع مسيرة هذا الاتجاه من جاء بعدهم من العلماء والمفكرين من أمثال الشيخ محمد الغزالي ، وعماد الدين خليل ، وعبد الحميد صديقي ، ومحمد باقر الصدر ، ومرتضى مطهري ،ومحمد قطب ، وطه جابر العلواني ، وعبد الحليم عويس …ممن يرون أن المنهج الغربي المهيمن على الدراسات التاريخية منهج علماني ، يؤمن بضرورة إقصاء البعد الروحي الغيبي من مصادر المعرفة التاريخية ، ويبني فرضياته على التجربة والعقل ، وأحيانا على قيم غيبية تستمد شرعيتها من التراث الإنساني نفسه ، وهو منهج قاصر في فهم العلاقة الجدلية بين الله والإنسان والطبيعة ، وقد أفضى هذا القصور إلى نقض طبيعي في فهم حيثيات الوقائع التاريخية ، وتفسيرها تفسيرا موضوعيا .
بالإضافة إلى أنه منهج يعتمد مبدأ الحتميات ( الحتمية التاريخية ، والحتمية المادية ، و الحتمية الاقتصادية ) مما يُعدّ عيبا جوهريا في المنهج التاريخي الغربي .
وجاء مصطلح "فقه التاريخ" تماشيا مع دراسات اعتمدت المنهج نفسه في دراسة السيرة النبوية ، وظهرت عناوين لها في هذا المجال ككتاب "فقه السيرة " للشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ ، وكتاب "فقه السيرة "للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي .و"فقه التاريخ في ضوء أزمة المسلمين الحضارية" للدكتور عبد الحليم عويس …
وهو مصطلح يعبر في مجمله عن المعرفة الإنسانية التي تستهدف جمع المعلومات عن الماضي وتحقيقها وتسجيلها وتفسيرها ، من منطلق التصور الإسلامي لحركة التاريخ ، مع كشف الغطاء أمام العقل البشري عن حقيقة منهجية : وهي أن التاريخ البشري بأحداثه وقضاياه لا يتحرك فوضى من غير هدف ، وسبهللا دون قصد ، إنما تحكمه قوانين وسنن ونواميس ،مثل تلك القوانين التي تحكم الكون والعالم والحياة والأشياء …سواء بسواء ..وإن الوقائع التاريخية لا تُخلق بالصدفة ، وإنما من خلال شروط خاصة تتوافر وتتضافر وتفضي بها صوب هذا المصير أو ذاك …
والذي استجمع هذا المنهج ، ودعا إليه هو القرآن الكريم ، الذي أكّد في مواضع عديدة فيه على أن التاريخ " لا يكتسب أهميته الإيجابية إلا بأن يُتخذ ميدانا للدراسة والاختبار ، تُستخلص منه القيم والقوانين التي لا تستقيم أية برمجة للحاضر والمستقبل إلا على هداها ، وليس الأسلوب الفني في العرض سوى جسر تُحمل عليه العروض والنتائج النهائية لأية ممارسة في حقول التاريخ " (1).
"والقرآن يطرح على العقل البشري ـ لأول مرة ـ مسألة " السنن" و" النواميس " التي تُسير حركة التاريخ وفق منعطفها الذي لا يخطئ ، وعبر مسالكها المقننة ،التي ليس على الخروج عليها سبيل ، لأنها منبثقة من صميم التركيب البشري ومعطياته المحورية الثابتة فطرة وغرائز وأخلاقا وفكرا وعواطف ووجدانا ، ومن قلب العلاقات والوشائج والارتباطات الظاهرة والباطنة في العالم الذي يتحرك فيه الإنسان ، والتي تتجاوز في اتساعها وشموليتها نسبيات البيئة الجغرافية ، أو الوضع الاقتصادي كي تتسع للفعل التاريخي نفسه ، الفعل القائم على القيم الثابتة الدائمة في كيان الإنسان ، والتي تنبثق عنها المواقف التاريخية سلبا وإيجابا ، ومن ثم فإن حكمها على هذه "الحركة " يجيء منطقيا تماما ، لأنه أشبه " بالجزاء " الذي هو من جنس " العمل " ومن خامه الأصيل ، وعادلا تماما لأنه يكافئ الإنسان فردا وجماعة ، بما يوازي طبيعة الدور التاريخي الذي مارسوه ، حتى لكأن القرآن يلفت أنظارنا إلى أننا نستطيع أن نرتب على مجموعة معينة من الوقائع التاريخية سلفا نتائجها التي تكاد تكون محتومة لارتباطها الصميم بمقدماتها اعتمادا على استمرارية السنن التاريخية ودوامها "(2).
والقرآن الكريم لا يؤكد ثبات هذه السنن وديمومتها فحسب ، ولكنه يحولها في الوقت نفسه إلى دافع يفرض على الجماعة المؤمنة أن تتجاوز مواقع الخطأ التي قادت الجماعات البشرية السابقة إلى الدمار ، وأن تُحسن التعامل مع قوى الكون والطبيعة مستمدة التعاليم والقيم من حركة التاريخ نفسه .
"قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين ، هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله ، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين "( آل عمران 137 ـ 141) .
فالسير في الأرض وسيلة لاكتشاف القوانين ، والقرآن يدل على مجال رحب لاكتشاف الظاهرة البشرية ، واستخلاص العبر ، لأن فقه هذه السنن التي تضبط حركة الفرد والجماعة تجعل الإنسان صلبا في التعامل مع الأوضاع القائمة ، يسير على بصيرة من هذا الفقه ، والنظر في أحوال الأمم ، والأيام التي هي بين الناس دول ، مما يجعل التاريخ هو بيت الخبرة الإنسانية ، ومن لا يفقه حركته يتعثر في مطبات كثيرة ، أما من استفاد واتعظ ممن قبله ، فحري به أن لا يجرب لجارب الاشلة ، وأن يزيد البناء لبنة (3).
وهذا المنهج القرآني هو الذي أرسى مفهوم " فقه التاريخ " الذي ينبثق من رؤية وتفحص للتاريخ ، حيث تتهاوى الجدران الفاصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل ، ويلتقي زمن الأرض وزمن السماء .
3 ـ كيف تعامل الإبراهيمي مع التاريخ ؟
طوّف الشيخ الإبراهيمي في كتاباته ، وخطاباته ، ومحاضراته ، في مواضيع شتى تناولت السياسة والتربية والنفس والاجتماع والأخلاق والتاريخ …..ولم يخل موضع منها إلا وفيه إشارة إلى الماضي القريب والبعيد ، يستمد منه الخبرة ، ويستخلص منه العظة ، ويتخذ منه مددا لثورته على المستعمر ، وفضح مكايده ، ورد أحقاده وأطماعه .
وهو وإن لم يؤثر عنه كتاب في التاريخ بمعناه الخاص ، فقد كان شغوفا بقراءة التاريخ الإنساني عموما ، وتاريخ المسلمين على وجه الخصوص ، لكنها قراءة الواعي ، الراصد لبواعث الفعل التاريخي ، المتتبع للخط البياني لأمة الإسلام عبر تاريخها الطويل ، صعودا وهبوطا ، وصولا إلى القمة أو نزولا إلى القاع …
لذلك لا نقرأ عند الإبراهيمي الأحداث التاريخية مزدحمة بالتفاصيل والجزئيات ، ولا نجد ذكرا لمصادر التاريخ القديمة :كالطبري والمسعودي ، وابن الأثير ، وابن عبد الحكم بل نجد ذكرا لدواوين الشعراء ، ومدونات الفقه ، ومتون اللغة ، التي التهمها أثناء حياته المبكرة …
ويرى الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله أن مصدر الإبراهيمي الأساسي في الثقافة التاريخية إنما هو التجربة الشخصية والمطالعة الحرة ، فقد عاش منذ سنوات المراهقة متنقلا بين عواصم العلم متأملا في أهلها ، مخالطا لعلمائها ، مطالعا في مكتباتها ، وفي هذه الأثناء قرأ الكثير من كتب التاريخ والرحلات والتراجم دون أن يذكر ذلك بالاسم والعنوان إلا نادرا ،كذكره ابن خلدون وابن الخطيب ورسائل الضابط الفرنسي سان طارنو(4).
وقراءة الإبراهيمي للتاريخ لم تكن قراءة العابر العجول ، الذي يفاخر بكثرة ما جمع من التصانيف ، وعديد ما يحفظ من العناوين ، إنما كانت قراءة الفاقه بطبائع الشعوب ، وعلل الحضارات ، وسنن الاجتماع …المتسائل عن سبب النكوص بعد الإقدام ، والذلة بعد العزة ، والانكسار بعد الازدهار ….
إن حديثه في ثنايا آثاره عن التاريخ لا تخلوا من إلماعات واستنتاجات تدل على عميق فقهه ، وعظيم حكمته ، وبراعة استشهاده ، ويتضح ذلك في مقاله عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب (5) ، حيث ينفذ إلى لطائف القرآن الكريم في حديثه عن الهجرة المحمدية ، فسمّاها " إخراجا " ولم يسمّها هجرة بصريح اللفظ . يقول الإبراهيمي :" وإنما سمّى الصحابة المهاجرين ، ونوّه بالهجرة ، وحضّ عليها ، وقرنها بالإيمان ، وجعلها شرطا في الولاية ، فقال " و الذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا "وبعض الحكمة في ذلك أن التذكير بالإخراج من الديار يذكي الحماس ، ويبقي الحنين إلى الديار متواصلا ، وينمي غريزة الانتقام والأخذ بالثأر"(6).
ويبعث الحمية في نفوس الأحرار منهم ، ويقرع عليهم خصامهم وتلاحيهم فيما بينهم ، وهم في هذا الظرف أحوج ما يكونون للوئام والتصالح و التآخي .
ثم يوجه الشيخ خطابه إلى الجزائريين يستثير شهامتهم ، ويذكرهم بإخراج المستعمر لهم ، وصدّهم عن سبيل الله ، فيقول : "إن للإخراج من الديار لشأنا أي شأن في القرآن ، فهو يبدئ ويعيد في تقبيحه وإنكاره وتحريمه ، وهو يقرنه بالقتل تشويها له وتشنيعا عليه ، وإنه له في نفوس الأحرار لأثرا يتعاصى عن الصفح والعفو .."(7).
ثم يقول :" وما زلت منذ درست السيرة بعقلي أقف في بعض مقاماتها على ساحل بحر لجي من العبر والمثلات ، ومن بين تلك المقامات حادثة الهجرة ، فلا يكاد عقلي يستثير بواعثها الطبيعية حتى أتلمّح العوامل الإلهية فيها ، فأستجلي من بعض أسرارها التمهيد للجمع بين أصلي العرب اللذين كانا في الجاهلية يتنازعان ملاءة الفخر ، ويؤرث الرؤساء والشعراء بينهما نار العصبية ، حتى أضعفتهما العصبية ، وحتى أطمع الضعف فيهما جاريهما القويين : جار الجنوب الحبشي ، وجار الجنب الفارسي ، وكادا يستعبدان هذا الجنس الحر لولا أن فال رأي أبرهة في الفيل ، ومالت رايات فارس في ذي قار .."(8).
وفي سياق العبر والعظات من حادثة الهجرة لم ينس الإبراهيمي أن يستدعي من التاريخ تساؤلا يوجه إلى العرب اليوم ، مع نقد لاذع يغطيه بعبارات لطيفة فيها الكثير من الحكمة التي يقتضيها المقام " ليت شعري ..وليت يقولها المحزون ، هل تحمل ذكرى الهجرة المتكررة مع كل عام ، أولئك اليمانيين الراكدين وهم جمهرة أنساب قحطان ، وأولئك الحجازيين الراقدين وهم منحدر دماء عدنان ، على أن يتداعوا إلى ما تداعى إليه أجدادهم ، وأن يتآخو على ما تآخو عليه ؟.
هل يرجعون بالذاكرة إلى بيعة العقبة وما جرت للعرب من أخوة وسيادة ، وعزّة وسعادة ، فيتابعون على حماية الحوزة العربية و الذب عن حياض العروبة ؟.
هل آن لهم أن يعلموا أن هذه المذاهب التي صيّرتهم أوزاعا في الدين والدنيا هي السبيل المفرّقة عن سبيل الله الواحد ، وهي التي نهى الله عن اتباعها ؟.
هل يعلمون أن طُلاب الغاز غزاة ، وأن الشركات أشراك ، وأن رؤوس الأموال الأجنبية ذات قرون ناطحة ، وأن الوطن الذي يعمر بمال الأجنبي ويد الأجنبي وعلم الأجنبي ! محكوم عليه بالخراب ، وإن تعالت في الأفق قبابه ، وكُسيت بوشي السماء هضابه ، وسالت بذهب الأرض شعابه ؟!!."(9).
وفي موضع آخر من آثاره عندما يتحدث الإبراهيمي عن دور علماء الدين وسلطانهم على الناس ، ورهبتهم في القلوب التي استمدوها من تقديس الناس للدين ، وتعظيمهم لشأنه ، وخضوع العامة لهم عن طواعية ورغبة ، خضوعا فطريا لا تكلف فيه ، لشعورهم بأنهم المراجع في الفتوى ، والعُمد في الشريعة ، و الحُرّاس المؤتمنون على بقاء الدين ونقائه ، لأنهم ورثة الأنبياء وهمزة الوصل بين الأرض و السماء يرى الإبراهيمي أن هذا الدور لعلماء الدين يجب أن يبقى ويستمر ، وما ينبغي أن يُتّخذ علماء الدين مطايا ذلول ، ينتظرون الجدا ، ويشكرون الندى، يستميلون الدهماء ، ويضللون العوام ، ويفسحون الطريق للقادة الجاهلين من أصحاب البدع والأهواء …
في هذا المقام يرجع الإبراهيمي إلى التاريخ الإسلامي يستمد منه حجته وبرهانه ليصلح به وضعا مزري آل إليه الدين بعدما لابسته الخرافة ، وتولى أمره المبتدعة وأصحاب المطامع الخسيسة ، وذلك في غفلة علماء الدين الذين يغطون في نومة أربت في الطول عن نومة أهل الكهف و الرقيم !، ممن لم تكن تُقضى عظائم الأمور إلا بهم ، ولا يعقد الحكم إلا برضاهم .يقول الشيخ : " بايع معاوية لابنه يزيد ، وحمل الأمة على البيعة له بالترغيب والترهيب والمطاولة ، فتمّ له ذلك ، ولكنه كان يرى تلك البيعة كاللغو ، ما لم يبايع العبادلة والحسين (10)لمكانتهم في العلم ومكانهم في الأمة فعمد إلى الحيلة المستظهرة بالسيف ، وكذلك فعل بنو مروان كلما تخلّف مثل سعيد بن المسيب عن البيعة ، وكذلك فعل الخلفاء بعدهم في قضية البيعة أيام اشتداد سلطان العلماء وامتداده "(11).
ثم يعلق الشيخ على ما آلت إليه الأحوال عندما اتسعت الهوة بين الخلفاء والعلماء ، وتفرقت بهم السبل بعدما كان في اتحادهم قوة السلطان ودعامة الدين وخدمة الأمة " حتى انتقل أمرها ]أي الأمة [إلى طور آخر ، وأصبحت في أيدي الأمراء والقواد والأجناد ، وخرجت من يد الخلفاء والعلماء معا ، وكأنما كان ذلك عقوبة من الله للخلفاء على تعاليهم ، وللعلماء على تنازلهم ، وما وقع في البيعة وقع في غيرها من مصالح الأمة التي يتنازعها السلطانان "(12).
هذا في تاريخ الإسلام في صدره الأول ، أما عن تاريخ الإسلام في عصره الحاضر وفي بلاد الجزائر ، فقد استطاع الإبراهيمي أن يحلل أوضاع الجزائر القديمة والحديثة انطلاقا من موقعها الجغرافي قائلا :" إن هذا الموقع هو الذي رشحها لتحوز السبق في الجهاد" ، وهو يعني بها موقعها على الضفة اليسرى للبحر المتوسط ، وبالضبط في مواجهة مرسيليا حيث تتشكل أوسع نقطة بين ضفتي من هذا البحر بالنسبة لجيران الجزائر ( تونس والمغرب ) وقد تناول الإبراهيمي طموح الأمم اللاتينية في استعمار جيرانها في الضفة الإفريقية بتحليل الخبير بأوضاع الأمم الغابرة فقال عن الأمم اللاتينية : إنها ذات أطماع وفتوحات وكبرياء ودماء منذ كانت ، ولم يزدها ظهور الدين المسيحي السامي الروح إلا ضراوة وطموحا في الغلبة لأن الطبيعة المادية المتكالبة لتلك الأمم غلبت طبيعة الدين المسيحي الروحية المتسامحة ، وبذلك أصبح الدين المسيحي دينا رومانيا لا شرقيا (13).
ومن تحليلات الإبراهيمي القائمة على الاستقراء والاستنباط ما جاء على قلمه حول روح المقاومة والجهاد التي تميّز بها سكان شمال إفريقيا منذ القدم ، فهو يرى أن الإسلام قد مزج بين البربر والعرب مزجا قوى فيه معنى الإباء والحفاظ والأنفة واعتبار الحمى عرضا تجب الموت دونه ، وفي معنى السخاء الذي يبتدئ بالمال ويعلو فينتهي بالروح …
وجاء الإسلام فأخرج من المزاج المشترك بين العنصرين مزاجا ثالثا وقوّى معنى المبنى ،والعرض والحفاظ …وهو ما ترك الأمة الجزائرية أمة جهاد بجميع معانيه ، وعلى هذا المعنى يجب أن يبني المؤرخ تاريخ الجهاد النفسي في هذه الأمة (14).
ثم يذهب الإبراهيمي بعيدا في التحليل والتفسير والاستنباط ، حيث يتابع الصراع الذي بين ضفتي المتوسط ، روما وقرطاج ، وكلتاهما تتربص بالأخرى طمعا في الثروة والعيش والتوسع ، ثم صار صراعا على الدين بعد قدوم الفاتحين من الشرق .
كما يرى الإبراهيمي " أن العرب خلفوا الرومان على حضارتهم في إفريقيا ثم لمسوهم من جبل طارق تلك اللمسة المؤلمة التي تطيّروا بها وطاروا فزعا ، وظنُّوا أنها القاضية على روما وديانتها وحضارتها وشرائعها ، وهذا الميدان الذي انتقل إليه الصراع أعمق أثرا في النفوس ، ويزيد في عمقه أن حامليه العرب قوم لا تلين لهم قناة ، ولا يُصطلى بنارهم .."(15).
وهنا تظهر الثقافة التاريخية عند الإبراهيمي كأنه صاحب اختصاص في تطور الحضارات وفلسفة التاريخ ، فتتبع بنظر المؤرخ الثبت ، والمفكر البصير بمواقع الضعف والقوة ،في كلتا الأمتين الرومانية والعربية ، فتحدث عن الأسباب التي دفعت الصليبيين اللاتين إلى الثأر للرومان الذين غربت دولتهم مع الفتح الإسلامي الزاحف ، واستغلوا ضعف الأندلس في عصر ملوك الطوائف ، فتداعوا على سواحل المغرب من تونس شرقا إلى مراكش غربا ، وقد كان للجزائر القدح المعلى في الجهاد ، تارة منظما على أي الدول ، والاستنفار تارة وهو الدائم الذي لا ينقطع بالوازع النفسي الفردي وهو " الرباط" الذي يشبه في جهته الفردية حرب العصابات اليوم ، ولم ينقطع هذا الرباط ـ في نظر الإبراهيمي ـ إلا عند الاحتلال الفرنسي للجزائر .
واحتلت فرنسا الجزائر سنة 1830 تنفيذا لخطة مرسومة تقتضي إعادة شمال إفريقيا لاتينيا كما كان قبل الإسلام ، وعندما يُحتل القلب ، يضرب الجناحان ( تونس و المغرب ).
ثم راح الإبراهيمي ينحي باللائمة على العرب ، وتعتصر نفسه ألما بسبب الصمت المطبق الذي خيم عليهم ، والفاجعة تحلُّ بإخوانهم في قطعة جليلة من وطنهم الأكبر ، وسكت المسلمون من ورائهم ، وكأن الأمر لا يعنيهم !!، وما دروا أن ضياع الجزائر مؤذن بضياع غيرها (16).
وخلاصة لما تقدم يمكن أن نوجز أهم ملامح منهج الإبراهيمي في تناول قضايا التاريخ فيما يلي :
1 ـ يتناول الإبراهيمي التاريخ ـ وخاصة التاريخ الإسلامي ـ باعتباره تاريخ أمة متصل الحلقات ، مترابط الأزمنة ، وليس على أساس أُسَرٍ تعاقبت على الحكم ، ليثبت أن الأمة هي التي تصنع العظماء في تاريخها ، وعظماؤها هم نتاج وضع الأمة وظروفها ، مما يحقق العبرة والعظة والاستنباط بعيدا عن التعصب المقيت لهذه الدولة أو تلك ، أو لهذا العنصر أو ذاك .
وهو منهج أقرب إلى الروح العلمية من طريقة الأجزاء المبتورة ، والجزر المعزولة ؛ لأن الدارس يتتبع تطور تاريخ أمته خطا متصلا يرقب فيه أسرار النمو والازدهار ، وعوامل الضعف والانكسار .
2 ـ لا يُعنىَ الشيخ الإبراهيمي بالتفاصيل والجزئيات ، بل يعرض للأحداث الكبرى والخطوط العريضة ، ويأخذ بيد القارئ إلى لُبِ الحدث ، وجوهر الموضوع ، فعصر الإبراهيمي وجيله الذي يخاطبه أو يقرأ له يواجه من التحديات ما يمنعه من تتبع التفاصيل والإغراق فيها ، بل يريد أن ينفذ سريعا إلى الأدواء والعلل ، ويصف الدواء الناجع ، ويساعده على هذا المنهج أدب رفيع ، وبيان ساحر ،ولغة محكمة ..
3 ـ يرى الإبراهيمي أن التاريخ لا يكتب " ساخنا " وإنما يكتب بعد برود الحدث وسكون غباره ، وهذا منهج المؤرخ العارف بواجبات المؤرخ وأدواته ، فالحدث التاريخي لا يكتب إلا عند توفر الوثائق والأدوات ، ولابد مع ذلك من تمتع المؤرخ بميزات تتمثل في الثقافة العميقة و الذكاء الحاد و النزاهة الخالصة .
وهو يرى أن التاريخ الوطني لا يكتبه إلا مؤرخ وطني ، وهذه قضية حيوية في كل العصور وعند مختلف الأمم ، فالمؤرخ هو صوت أمته وهو المعبر عن هويتها الحقيقية مهما تفنن الآخرون وأخلصوا في الكتابة عنها (17).
وقد تمنى الإبراهيمي في مقالته "فرنسا وثورة الجزائر " ـ وهي مقالة قديمة أضيف إليها ذيل ـ أن يقيّض الله لثورة الجزائر مؤرخا من أبنائها " مستنير البصيرة"، مسدد الفكر والقلم ، صحيح الاستنتاج ، سديد الملاحظة ، فقيها في ربط الأسباب بالمسببات ، ليكتب "تاريخا لا يقف عند الظواهر والسطحيات …بل يتغلغل إلى ما وراء ذلك من الأسباب النفسية التي تحرك فرنسا إلى هذه المجازر البشرية ، وإلى العوامل التي تدفع المقاتلين (الجزائريين) إلى هذه الاستماتة في حرب حارت فيها عقول ذوي العقول …."وأضاف :" لا نخطط الخطوط لذلك المؤرخ المرتقب ، ولا نحدد الحدود لذلك المؤرخ ، ولا نقدم له صورة هينة ، فذلك المؤرخ الذي أعدّه الله لهذه المنقبة لعله لم يولد بعد ، وإنما الشرط فيه أن يكون جزائري".
إن هذا الرأي يضع مواصفات المؤرخ الذي سيكتب تاريخ الثورة ، كما يضع أيضا مواصفات المؤرخ عموما ، كالثقافة المتينة ، وقوة الاستنباط ، والبحث عن العلل والأسباب، والغوص وراء الظواهر ، ومعرفة الدوافع الباطنية(18).
4 ـ ركز الإبراهيمي في أكثر مقالاته ومحاضراته وأحاديثه ـ وخاصة تلك التي كتبها أو ألقاها في بلاد المشرق العربي ـ على التاريخ الإسلامي الجامع للمشرق والمغرب ، فيأتي بالشواهد من عصر الرسالة ، ثم تاريخ الراشدين ، ومن بعدهم الأمويين والعباسيين …باعتبار أن هذه العصور تمثل الوحدة التاريخية للأمة الإسلامية ، وهو منهج ذكي حصيف يقوم على قاعدة "خاطبوا الناس بما يفهمون " ، أما تواريخ المغرب الإسلامي من الفتح إلى الاحتلال فلا يعرض لها إلا قصد التعريف أو شرح السياق التاريخي ، مبينا أن أفق المغرب جزء لا يتجزأ من جسم الأمة إن أضاعته أو تناسته أو فرطت فيه هيض جناحها ، وضُربت في مقتلها ، وأعداء الأمة لا يفرقون بين مشرق الأمة ومغربها .
5 ـ لقد رصد الإبراهيمي الواقع الإسلامي بكل ما يحمل من علل وأدواء وتخلف وتراجع حضاري شامل من خلال رؤية تحليلية وبصيرة نافذة ، فراح يستمد العلاج من سنن التاريخ ، ويتعرف على القوانين التي تحكم الاطراد الحضاري ، محاولا استجلاءها من الأصول الإسلامية: قرآنا وسنة ، وتراث الإسلام الثقافي ، غير متجاوز ذاتية الأمة ، ومقوماتها العقيدية والفكرية التي صاغت وبلورت التجربة الإسلامية في التاريخ .
ففي مقال له بمجلة " الأخوة الإسلامية " (19)بعنوان "حالة المسلمين " كتب مشخصا الداء وواصفا الدواء "نعترف أن نومنا كان ثقيلا ، وبأن عمر أمراضنا كان طويلا ، نعرف أن النوم الثقيل لا يصحو صاحبه إلا بصوت يصخ أو بضرب يصك ، وأن المرض الطويل لا يشفى المبتلى به إلا بتدبير حكيم قد يفضي إلى البتر أو القطع ، وقد أصابنا من القوارع ما لو أصاب أهل الكهف لأبطل المعجزة في قصتهم ومما كانوا به مثلا في الآخرين ، ولكننا لم نصح من نوم إلا لنستغرق في نوم ، ولم ننفلت من قبضة منوم ، إلا لنقع في قبضة منوم ، …."(20).
ثم يُرجع العلة كلها إلى رجلين :رجل سياسة لم يتدين ورجل دين لم يخلص فيقول :" وما أضلنا إلا المجرمون الذين يدعون بعضهم إلى الجمع بوسيلة التفريق ، ويدعونا بعضهم إلى النجاة بطريقة التغريق ، والأولون هم رجال الدين الضالون الذين فرّقوه إلى مذاهب وطوائف ، والآخرون رجال السياسة الغاشون الذين بدلوا المشرب الواحد فجعلوه مشارب "(21)، ثم يدعو إلى الرجوع إلى الأصل الذي صلح به سلف هذه الأمة ، ووضعوا عليه أساس نهضتهم ، فيقول :" فهل هبة من روح الإسلام على أرواح المسلمين تذهب بهؤلاء إلى حيث ألقت ، وتجمع قلوبهم على عقيدة الحق الواحدة ، وألسنتهم على كلمة الحق الجامعة ، وأيديهم على بناء حصن الحق على الأسس التي وضعها محمد صلى الله عليه وسلم "(22).
ويمكن أن نلمس آثار هذا المنهج في قضايا عديدة عرض لها الإبراهيمي ، ونحن في هذا المقال نختار بعض القضايا مثل( أثر الدين في النهضة ، وعروبة الشمال الإفريقي ، والوحدة الإسلامية ) لما بينهما من التداخل ، ولما فيها من حضور للتاريخ ، واستشهاد بحوادثه ، لخدمة الحاضر وبناء المستقبل ، وقد قيل : "إن التاريخ كله تاريخ معاصر"وذلك لما للتأثير البالغ للتجربة التاريخية على واقع الفرد والجماعة، وإلى إمكان تجدد الوقائع ذاتها إذا تهيأت الشروط ،وتشكلت الدوافع كما تشكلت أول مرة .
6 ـ عروبة الشمال الإفريقي ..وشهادة التاريخ :
لا شك أن صراع الهوية في الجزائر له أوجهه المتعددة ، وأطروحاته المتباينة …وعمق هذه الأزمة يرجع إلى عقود مضت ، عاصر الإبراهيمي طرفا من فصولها ، وشاهد كيف أن دعاة البربرية و الفرنكفونية في الجزائر منذ زمن بعيد يشكلون تحالفا استراتيجيا لمواجهة العروبة والإسلام ، وإن كانوا في الفترة الاستعمارية يموهون على الأمة بأنهم صناع أمجادها وبطولاتها ، وأنهم يقاتلون عدوها عن قوس واحدة !.
وقد استطاعت فرنسا من خلال هذه الدعوات النشاز أن تسعى جاهدة لتمزيق صفوف الثوار ، وإثارة النعرات الجهوية بينهم ، حتى ظهر أثناء الثورة من طرح تأسيس جبهة التحرير الأمازيغية مقابل جبهة التحرير الوطني ! وتستحيي التاريخ القديم ، وتمارس " الاغتصاب الثقافي " لتضرب بقوة بين الإخوة الذين جمعهم الإسلام ووحد صفوفهم ، وإن اختلفت أعراقهم و أروماتهم ، وتلقي في روعهم أن العرب غزاة مثلهم مثل الرومان و الوندال والفينيقيين ، وأن الأمازيغ لا علاقة لهم بالعرب والمشرق ، ولا يمتون إليهم بنسب أو سبب ، فهم شعب آري يتصل بالحقل الجغرافي الغربي ، مما يعطي لفرنسا الحق في احتلال الجزائر باعتبار أنها تريد تخليص الجزائريين من العرب القراصنة ، الذين وضعوا أيديهم على الجزائر في غفلة من الفرنجة في عصور الظلام !، "يقول المستشرق الفرنسي "جودفروي دومومبين" في كتابه "المهمة الفرنسية فيما يخص التعليم في المغرب" الصادر عام (1928م): "إن الفرنسية -وليست البربرية- هي التي يجب أن تحل مكان العربية كلغة مشتركة وكلغة حضارة"، ثم يقول: "وجود العنصر البربري مفيد كعنصر موازن للعرب يمكننا استعماله ضد حكومة المخزن"، "إن قوام السياسة البربرية هو العزل الاصطناعي للبربر عن العرب، والمثابرة في تقريبهم منا من خلال التقاليد"، وهذا أيضا ما قرره الكولونيل "مارتي" في كتابه "مغرب الغد" الصادر في تلك الفترة "أن المدارس البربرية يجب أن تكون خلايا للسياسة الفرنسية، وأدوات للدعاية، بدلا من أن تكون مراكز تربوية بالمعنى الصحيح"، ولذلك دعا أن يكون المعلمون فيها وكلاء لضباط القيادة ومتعاونين معهم، ودعا أن تكون المدرسة البربرية فرنسية بتعليمها وحياتها، بربرية بتلاميذها وبيئتها"(23).
ومن نسل هذا السفاح الثقافي نشأت أجيال من النخب المستلبة التي أنشأت أكاديمية بربرية في باريس ، ظلت سنين عددا بعد الاستقلال ـ ولا تزال ـ تنفث سمومها على ثقافة الأمة الجزائرية ،وتوحي إلى سدنة الثقافة الاستعمارية في الجزائر أن العربية عطلت مسيرة التنمية في البلاد ،وأقحمتها في دائرة التخلف والتقهقر ، وهم في الواقع لم يخدموا الأمازيغية بقدر ما خدموا الفرنسية التي لا يتكلمون إلا بها ، ولا يكتبون إلا بحروفها، ولا ينشئون أبناءهم إلا على ثقافتها .
أدرك الشيخ الإبراهيمي خطورة هذه الأطروحات الاستعمارية التي راح ضحيتها المغفلون ، والجهلة بالتاريخ … ،فراح يعالج الموضوع من أساسه ، ويرى أن هذا الداء استشرى في أقطار الشمال الإفريقي كله ، وكما تعاني الجزائر من دعاوى " الأمزغة " فإن أقطار شقيقة في هذا الشمال أعياها هذا الداء ، ونخر عظمها ، وزاد في محنتها .
ورأي الإبراهيمي يصدر أولا وأخيرا عن فكر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي جمعت العرب والأمازيغ تحت دوحة واحدة ، وقرّر إمامها الأول العلامة ابن باديس :" أن الأمة الجزائرية تعربت تعربا طبيعيا ، اختياريا ، صادقا ، فهي في تعربها نظيرة إسماعيل جد العرب الحجازيين ، لقد كان من العرب لما شب في مهدهم ،ونطق بلسانهم ، وتزوج منهم ، وليس تكوّن الأمة بمتوقف على اتحاد دمها ، ولكنه متوقف على اتحاد قلوبها ، وأرواحها وعقولها ، اتحادا يظهر في وحدة اللسان وآدابه ، واشتراك الآلام والآمال ".
والشيخ الإبراهيمي عندما ينصف العروبة في هذا الشمال الإفريقي فإنه لا يصدر عن (قومجية)تنادى بها بنو يعرب بعد سقوط دولتهم وذهاب ريحهم ، ظنا منهم أنها العاصم من التخلف ، والدافع إلى الوحدة ، والسبيل إلى القوة ، بل يصدر عن روح إسلامية فذّة ، تسمو بالعروبة إلى قدسية الدين الذي حفظها ، ويوغل في التاريخ ليقيم الشهادة على العرب والأمازيغ الذين وحدهم الإسلام ، وارتضوه دينا ، ودخلوا فيه أفواجا ، وهم بهذا الإسلام وحده يستطيعون أن يتصدروا القافلة ، ويصدرون الشرائع والقيم إلى ما وراء التخوم ..وبه وحده قاوموا الدخيل ، وحرروا الأوطان …وصفحات التاريخ شاهدة على ذلك ، ولكن عصابات كثيرة تريد اليوم إبراز هذا التاريخ السابق واللاحق ، القريب والبعيد ،في صورة مأفوكة الملامح ، مُزوّرة التقاسيم ، توهم الناظر أن ليس وراء حركات المقاومة الوطنية دافع من دين ، ولا إرث من عقيدة ، ولا أخوة بين العرب والبربر .
لقد رابط الإبراهيمي مرابطة الجندي المستبسل في ساحات النزال الثقافي مع سماسرة الاستعمار ، ومرتزقة الغزو الفكري ، وآمن بالأبعاد التي عشيت عنها أبصار فلاسفة الاستعمار ، مؤمنا بثلاثة لا تعرف التجزئة ، بل لا تكمل الصورة إلا بها جميعا ، وهي "الجزائر والعروبة والإسلام " وراح يبعث من جديد معاني غاضت ، وثقافة تلاشت ، وشعب لابسته البلايا والمحن ، ولغة داخلتها الرطانة والعجمة ، وأرضا يريدون لها أن تنفصل عن مشرقها الذي أشرقت منه حضارتها ، مثبتا أن الإسلام الفاتح نشر الهداية قبل بسط السيادة ، ودخل الأمازيغ في الدين الفاتح طائعين ، وامتزجوا بالعرب مصاهرة ، وثافنوهم في العلم ، وشاطروهم في الملك ، وقاسموهم مرافق الحياة، فكان الجميع بُناة حضارة الإسلام في هذا الأفق ..
يقول الإبراهيمي :"عروبة الشمال الإفريقي بجميع أجزائه طبيعية ، كيفما كانت الأصول التي انحدرت منها الدماء ، والينابيع التي انفجرت منها الأخلاق و الخصائص ، والنواحي التي جاءت منها العادات والتقاليد ، وهي أثبت أساسا ، وأقدم عهدا ، وأصفى عنصرا ، من إنكليزية الإنكليز ، وألمانية الألمان ."(24).
ثم يعدد العوامل التي صيرت هذا الشمال عربيا قارّ العروبة على أسس ثابتة فيقول :" قضت العروبة بقوتها وروحانيتها وآدابها وسمو خصائصها وامتداد عروقها ـ في الأكرمين الأول من نبات الصحارى ، وبُناة الحضارات فيها ـ على بربرية كانت منتشرة بهذا الشمال ، وبقايا آرية كانت منتشرة فيه ، وفعل الزمن الطويل فعله حتى نسي الناس ونسي التاريخ الحديث أن هنا جنسا غير عربي ، وضرب الإسلام بيُسره ولطف مدخله ، وملاءمة عقائده للفطر ، وعبادته للأرواح ، وآدابه للنفوس ، وأحكامه للمصالح ، على كل عرق ينبض بحنين إلى أصل ، وعلى كل صوت يهتف بذكرى إلى ماض بعيد ، وزاد العروبة تثبيتا وتمكينا في هذا الشمال هذه الأبجدية العربية الشائعة التي حفظت أصول الدين ، وحافظت على متون اللغة ، ودوّنت الآداب و الشرائع ، وكتبت التاريخ ، وسجلت الأحكام و الحقوق ، وفتحت الباب إلى العلم ، وكانت السبيل إلى الحضارة "(25).
ويرى الإبراهيمي "أن جميع الدول التي قامت في هذا الشمال الإفريقي ـ كاللمتونية والرستمية والموحدية والصنهاجية والمرينية والزيانية ـ ليس لها من البربرية إلا النسبة العرقية ، وفي ما عدا ذلك فهي عربية صميمة : عربية في الضروريات المقوّمة للدولة ، كوظائف القلم من إدارية ومالية ، ووظائف القضاء من عقود وتسجيلات ، وعربية في الكماليات التي تقتضيها الحضارة والترف ، كالغناء و الموسيقى و الشعر ، فما علمنا أن شعراء البلاطات في تلك الدول تقربوا إلى الملوك بالشعر البربري إلا أن يكون في النادر القليل ، وفي حال الاصطباغ بالبداوة الأولى"(26).
وشهادة التاريخ تصرخ في وجه الجاحدين بجميع ما ذكره الإبراهيمي في هذا الموضع من آثاره ، وفي غيرها من المواضع مما يصعب حصره ،وتدمغ أباطيل المستعمر ، وتجعلها تتهافت وتسقط في مهاوي ليس لها قرار ، وجميع أقوال هذا المحتل وأفعاله تشهد أنه يتعامل مع سكان هذا الشمال على أنهم عرب ، "وكلمة العرب Les Arabes التي يطلقها على أهله تمييزا أو نبزا أكبر حجة عليه، ولكنه في مبتدأ أمره ومنتهاه رجس من عمل الشيطان ، وهل في عمل الشيطان خير أو حق ؟ إنما هو عناد للحق ، وتزيين للباطل ، ونقض للخير ، وبناء للشر ، وما شاء الشيطان من النقائص "(27).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1 ـ عماد الدين خليل . حول إعادة تشكيل العقل المسلم . الفصل الأول ، ط3، كتاب الأمة ، الدوحة .
2 ـ المرجع نفسه .
3 ـ أنظر : جاسم محمد سلطان . الفكر الإستراتيجي في فهم التاريخ . ط1، مصر : مؤسسة أم القرى ، 2022، ص11، 12.
4 ـ أبو القاسم سعد الله ، الثقافة التاريخية عند الإبراهيمي . موقع ابن باديس . www.binbadis.net/al-ibrahimi
5 ـ نشر جريدة البصائر ، العدد 14، 17 نوفمبر 1947.
6 ـ آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي .ط1، بيروت : دار الغرب الإسلامي ، 1997م ،ج3|472.
7 ـ آثار .ج3|472.
8 ـ آثار .ج3|473.
9 ـ آثار . ج3|473 ـ 474.
10 ـ عبد الله بن عمر ، عبد الله بن عباس ، عبد الله بن الزبير ، والحسين بن علي رضي الله عنه .
11 ـ آثار . ج3|ص309.
12 ـ آثار . ج3|ص309
13 ـ آثار .ج5|ص76.، أبو القاسم سعد الله . المرجع السابق .
14 ـ آثار . ج5|ص76.
15 ـ آثا ر .ج5|ص77.
16) ـ آثار .ج5|ص77ـ 78.
17 ـ أبو القاسم سعد الله . المرجع السابق .
18 ـ من مقدمة الدكتور أبو القاسم سعد الله للجزء الخامس من آثار الإبراهيمي .ص14.
19 ـ العدد السابع عشر، بغداد ، 10 يوليو ، 1953.
20 ـ آثار . ج4|ص220.
21 ـ آثار . ج4|ص220.
22 ـ آثار . ج4|ص221.
23 ـ محمد الغزالي . حصاد الغرور . ط3، دمشق : دار القلم ، 1998م ، ص85 ـ 87.
24 ـ آثار .ج1|ص108.
25 ـ آثار .ج2|ص285 ـ 286.
26 ـ آثار .ج2|ص385.
27 ـ آثار .ج2|ص385.