التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

العلاقات الدولية


مقالات في العلاقات الدولية

العلاقات الدولية:
الروابط بين النظرية والممارسة في السياسة الدولية.

ستيف سميث
ترجمة: عادل زقاغ وعبد الله راقدي.

أهدف من هذه المداخلة المفتوحة إلى طرح تساؤل واحد: ما هي طبيعة العلاقة القائمة بين دراسة العلاقات الدولية وممارستها؟ أود الإجابة عن هذا التساؤل عبر استعراض ومن ثم استبعاد سببين يحظيان بالرواج والإقناع والجاذبية، لكن قبل ذلك، سأقدم ثلاث ملاحظات حول السياق الذي يميز طرح مثل هذا التساؤل.

الملاحظة الأولى تتعلق بـ “التوقيت”، حيث تزامن طرح هذا السؤال مع حالة الحرب على العراق، تلك الحرب التي نأت فيها الأوساط الأكاديمية بنفسها بعيدا عنها، وكأن لا علاقة لهذه الحرب بما يتم دراسته في حقل العلاقات الدولية. وبالفعل، فعندما عقدت جمعية الدراسات الدولية ملتقى بـ بورتلاند في فيفري 2022، أي عشية اندلاع الحرب على العراق، لم يتم التعرض بأدنى إشارة لموضوع الحرب، عدا بعض المتظاهرين اللذين احتجوا بشجاعة ضد الحرب الوشيكة. ليجلبوا لأنفسهم انتقادات تتهمهم بالخلط بين قيمهم ونشاطهم المهني (ولأكون صريحا وصادقا، بحيث تكون قيمي معرضة للتمحيص، فقد انضممت إلى معسكر الرافضين جنبا إلى جنب مع جون فاسكواز الذي كان آنذاك رئيسا للجمعية”. وحتى قبل الحرب كانت هناك حرب أفغانستان وأحداث 11 سبتمبر، وما تخلل كل هذه الفترة من المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إن الطريقة التي تعاطى بها الأكاديميون مع الأحداث السابقة والتي اتسمت بالجمود في أغلب الأحيان، تجعل من الوقت الحاضر مناسبا للبحث في الروابط بين النظرية والممارسة.

الملاحظة الثانية تتعلق بـ “المجال الجغرافي”، فقد تم إلقاء هذه المحاضرة في بودابست بأوروبا الوسطى، وهي مكان ملائم جدا لطرح التساؤل بشأن العلاقة بين الدوائر الأكاديمية والعمل السياسي، وهذا بالنظر للسجل التاريخي للبحث الأكاديمي في هذه المنطقة خلال فترة الحكم الشيوعي، لاسيما التقليد البحثي الذي أملته الأيديولوجية المهيمنة المتنفذة. هذا التقليد البحثي ناجم عن تحديد الجمعيات الرسمية سلفا لماهية الحقيقة مما ترك هامشا ضيقا للنقاش، وساهم في إرساء شكل معين للعلاقة بين الأوساط الأكاديمية والعمل السياسي. وهكذا، فإنه حان الوقت لطرح التساؤل بخصوص الربط بين حقل العلاقات الدولية والمجتمع المدني والوفاء بالتزاماته تجاه هذا الأخير.
أما الملاحظة الثالثة والأخيرة، فتتعلق بـ “الثقافة”، إذ أن أحداث 11 سبتمبر نبهت الباحثين في العلاقات الدولية إلى وجود نظم عقدية متباينة وعوامل ذاتية، في السياسة الدولية. وقد جعل الكثير من الافتراضات الأساسية في علم الاجتماع الغربي محل استفهام، لاسيما تلك التي تعتقد بعقلانية الفعل الإنساني الاجتماعي. ترى هذه العقلانية أن العالم يتجه نحو مصير مشترك، يتسم بالديموقراطية الليبرالية واقتصاد السوق، وأن المجتمعات تتمايز بحسب موقعها في مسار عجلة التاريخ، التي تقود جميع المجتمعات نحو وضعية واحدة، حيث الأفراد ذرائعيون عقلانيون، يعملون على تعظيم القيمة وفق النمط الذي يطرحه علم الاجتماع الغربي. وحسب وجهة النظر هذه، فإن الذاتانيات المتميزة هي مجرد وجه للعولمة والتحديث “الحتميين”. هذه النظرة للمجتمع تمنحنا إجابة دقيقة عن العلاقة بين النظرية والممارسة، تلك التي تلح على الفصل بين الاثنين، وهو ما يجعلني أطرح استفهاما بشأنه في هذه المداخلة.
من وجهة نظر شخصية، يعتبر السؤال الأكثر إلحاحا بالنسبة لهذا الحقل المعرفي، هو ما إذا كان الأكاديميون ملزمون بالتوجه نحو التمرس في الشؤون الدولية، أم أنه يتوجب عليهم الابتعاد عن ذلك طالما أن التوجه الأكاديمي يعني أن يلتزم المرء بالحياد، وأن يبتعد عن الاهتمامات الآنية للأجندة السياسية؟ دعوني أقدم لكم طريقتين للإجابة عن هذا التساؤل، واللتان أود استبعادهما في النهاية.

تقتضي الطريقة الأولى بضرورة أن ينأى الأكادميون بأنفسهم بعيدا عن النقاشات الدائرة حول قضايا العلاقات الدولية، لأنه يفترض فيهم أن يحافظوا على حيادهم القيمي إزاء الأحداث السياسية. ووفقا لهذه النظرة، فإن الاستقامة الأكاديمية تستوجب تفادي طرح أسئلة معيارية. ترتبط هذه النظرة بالتصورات ذات النزعة الإمبريقية في المعرفة مجازة في ذلك من طرف المنهج الوضعي، وتلقى رواجا كبيرا عند علماء الاجتماع الأمريكيين (ليس فقط في مجال العلاقات الدولية، بل أيضا في علم الاقتصاد، وعلم السياسة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع)، وهي تسلم بضروروة فصل العمل الأكاديمي عن العالم “الواقعي” للسياسة، والمجتمع، والاقتصاد، وترى أن هذا العمل يقتصر على نقل وقائع هذا العالم. وبناء على ذلك، فإن الاستقامة الأكاديمية تستوجب الحفاظ على مسافة فاصلة بين الباحث والعالم الواقعي الذي يستمد منه ملاحظاته، ويعتبر ذلك نتيجة لالتزام علماء الاجتماع الأمريكيين بالحياد القيمي في مسعاهم للبحث عن المعرفة، الحياد الذي يستوجب التمييز بين القيم والحقائق، بين الذات الملاحظة وموضوع الملاحظة، بين المحلل وموضوع التحليل، وبين عالم السياسة المتعفن، والبرج الأكاديمي الآمن والتأملي المحايد.
لا تكتفي وجهة النظر هذه فقط بأهمية الإبقاء على الفصل بين النظرية والممارسة، ولكنها أيضا تكيل انتقادات لاذعة لكل من لا يحترم هذا التمايز. لقد حدثت هناك العديد من النقلات النظمية في حقل العلاقات الدولية في اتجاه تكريس هذا التمايز، وينسحب ذلك على التفريق بين المثالية والواقعية وتجسد كذلك في النقاشات المحتدمة بين الاتجاه السلوكي والكلاسيكي، وهو متجسد حاليا في تهجم الباحثين ذوي النزعة العقلانية على الأعمال التأملية، وأعني تلك التي تدخل في نطاق ما بعد الحداثة، النسوية والجندر، والنظرية النقدية، والمقاربات الإثنية والثقافية في العلاقات الدولية. من المهم جدا من الناحية النقدية الإشارة إلى أن التهجم على أعمال التأمليين لا يعود إلى أنهم يرسمون صورا لعوالم أخرى غير عالم العلاقات الدولية، بل لأن هذه المقاربات لا تحظى بالشرعية الأكاديمية مع ما يعنيه ذلك على الصعيد المهني وعلى صعيد فرص النشر.

إن المشكلة مع هذه الرؤية للعلاقة بين الأوساط الأكاديمية وعالم السياسة، هي أنها تستند إلى نظرة محكومة بخصوصيات تاريخية معينة لطبيعة علم الاجتماع، وهي نظرة تبقى محل استفهام، ويمكن لأي تحليل من وجهة النظر هذه أن يكون مضبوطا إذا ما تم اللجوء إلى أسس ثابتة للطرح المعرفي. غير أن هذه النظرة تستدعي المزيد من التمحيص من حيث أنه لا يوجد فعليا أسس إبستمولوجية مضبوطة على المستوى الماوراء نظري والعبر-ثقافي. ومن وجهة نظري، فإن المشكلة ليست مطروحة مع ما يسمى “بالنسبيين”، ولكن بالأحرى هي مطروحة مع أولئك اللذين يرفضون الإقرار بالطابع النسبي لأعمالهم بسبب السياق العام والثقافة التي وجدت في ظلها هذه الأعمال. وبعبارة أخرى، فإن أولئك الذين يتهجمون على المقاربات باعتبارها نسبية، إنما يفعلون ذلك على أساس خلفيات معرفية تعتبر هي ذاتها متحيزة، وتشكلت عبر تفاعل اجتماعي تاريخي، وهم بذلك يعكسون قوى ودوافع سياسية واقتصادية، واجتماعية معينة. وهو ما أشار إليه كوكس Cox عام 1981 في عبارته الشهيرة:” النظرية هي دوما من أجل أحد ما، ولهدف معين”.
أعتقد أنه لا توجد نظرة من لاشيء، ولا توجد نظرة مضبوطة صادرة عن ملاذ أكاديمي بمعزل عن تأثيرات القوة والسياق الاقتصادي والسياسي، والاجتماعي والثقافي وأن كل المعارف متحيزة، وبهذا فإنه لا توجد نظرة تتوافق مع الحقيقة، فالنظرية ليست مرآة للطبيعة، ونخلص من ذلك إلى أن كل الطروحات المعرفية هي نتاج سياق القوة الذي نشأت فيه. يؤثر هذا السياق على مستويين أساسيين: في طبيعية الأسئلة المطروحة(مثلا، التفكير في العلاقة بين حقل العلاقات الدولية في الثلاثينات من القرن العشرين ومصالح القوى المهيمنة، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة؛ أو العلاقة بين المواضيع الأساسية للعلاقات الدولية منذ 1945 أجندة صياغة السياسة الأمريكية). أما المستوى الثاني من التأثير فيتعلق بالتأثيرات السياقية، والمتأثرة بدورها بطبيعة الفئات التي تنتمي إليها، تلك التي تتشكل فيها علومنا وعوالمنا الذاتية. وأحسن مثال على ذلك، هو الطريقة التي تم فيها التميز بين الداخل والخارج، بين السياسة والاقتصاد، بين “النحن” و”الهم”، بين “الموت” الناجم عن السياسة و”الموت” الناجم عن الاقتصاد.

وهكذا، فإن الإقرار بوجود مكان معزول ومؤمن حيث يتيسر للأكاديميين الحقيقيين ملاحظة العالم، يتوقف على تصور مسبق للعالم، لا يتم الإقرار به في العادة. مثلا، النظرة للعلوم الاجتماعية تقارب للعالم كمعطى مسبق تماما مثلما تقدم نفسها للمحللين كطرف خارجي ومنفصل، وهي بذلك لا تبحث في الطريقة التي تتشكل بها النظرية والعالم، لتعاود النظرية تشكيله ليقوم بعدها في الأخير، ومن ثمة، بإعادة تشكيل النظرية. بطبيعة الحال فإن نظرتي الخاصة في حد ذاتها متفتحة للنقد. والقضية الأساسية في هذا النقد تتركز حول احتمال أن أكون ساعيا إلى محاولة تمرير قيمي الخاصة في التحليل، بذريعة أن الكل يفعل ذلك، أو أنني أرتكب خطأ في تقديم طبيعة علم الاجتماع بحيث تسببت في تقويض دعائم البحث الأكاديمي المستقل. لقد تمت مناقشة هذه المواقف من طرف وولت (1998) Walt، كيوهان (1998) Keohane، وكاتزنشتاين وآخرون…، في تقديمهم لأعمال التأمليين، وبحسب هؤلاء الباحثين، فإن أي طرح لا يقبل بإمكانية الحياد القيمي يوجد خارج المسعى الاجتماعي العلمي، لذلك سيتعرض لمخاطر التهميش طالما أنه يتحاشى الإقرار بإمكانية استقلالية العمل الأكاديمي. وفي هذا الصدد يقول كاتزانشتاين وآخرون (1998:ص 618) بأن مجلة المنظمة الدوليةInternational Organization قامت بنشر القليل فقط من الأعمال التأملية:” طالما أن مجلة “المنظمة الدولية” التزمت بخط يقضي بأن ما بعد الحداثيين لا يقرون باستعمال الشواهد لإصدار حكم إزاء إدعاء الحقيقة. كما أنه وخلافا للبنائية الاتفاقية أو النقدية، فإن ما بعد الحداثة تقع خارج مسعى علم الاجتماع. وفي العلاقات الدولية، يخشى أن تؤدي بحقل العلاقات الدولية لأن يصبح ذاتي الاستشهاد وأن تفك ارتباطه بالعالم، ولا يهم إن وجدت ادعاءات تناقض هذا الطرح.

وجهة النظر الثانية، بخصوص العلاقة بين النظرية والممارسة، تتمحور حول الواجب الملقى على عاتق الأكاديميين لمساعدة صانعي السياسة في بلدهم، وبذلك فإن دورهم يتمثل في تزويد السلطة بالحقيقة، وحسب والاس Wallace ، فإن على باحثي العلاقات الدولية أن يتجندوا لنقد بناء ومنفتح لتزويد السلطة بالحقيقة، وعدم إخفاء المعرفة في عبارات لغوية منمقة وغامضة، أو إدخال أنفسهم في متاهات الجدال اللغوي أو حتى تداول الحقيقة سرا بينهم. يحذر والاس من أن هذا الحقل المعرفي في حالة خطر، إذا ما ستمر في اللجوء إلى المزيد من التجريد وإلى المزيد من النظريات والنظريات الماورائية، والذي يرى أنه أسهل وأكثر متعة من العمل الشاق في تفاصيل دراسة الحالة. ويقترح والاس (والاس:317) على الباحثين أن يندمجوا في العالم الذي تمارس فيه السياسة بدلا من الانفصال المثير الذي تدعوا إليه ما بعد الحداثة بإدعاء منهم بأنهم يرغبون في تحويل العالم، بينما هم يتفادون الاحتكاك بأولئك اللذين يمارسون نفوذا معتبرا في العالم. ولقد تم اقتباس عبارات والاس مؤخرا من قبل كاتب الدولة البريطاني للتربية تشارلز كلارك؛ حيث رأى على أن التركيز على النظرية يؤدي إلى قطع التمويل على المعاهد الجامعية، قال:”لا يمكننا تبرير تخصصاتنا أساسا من منطلقات فلسفية أو جمالية… كما أنه لا يفترض أن نعمل على إنشاء نظام رهبنة. إذ يجب أن نبقي أبواب الجامعة مفتوحة… وهذا لنزود أولئك اللذين يتعين عليهم أن يتعاملوا مع مشاكل السلطة بالحكمة والخبرة” (والاس1996،ص ص. 320-321).
طرح شارلز كلارك في الأشهر الثلاثة الماضية نفس التحد أمام الجامعات في إنجلترا، عندما تساؤل عن مبرر وجودها، وقال أن مبرر ذلك هو اندماجها في المجتمعات التي وجدت فيها، وأن جامعة لا تأخذ ذلك بعين الاعتبار فإنها لن تحصل على التمويل الحكومي.

تطرح مثل هذه النظرة للعلاقة بين النظرية والممارسة العديد من المشاكل، سأعدد خمسة منها. أولا، أنها تركز على العملية الشكلية أو الرسمية بدلا من العمليات السياسية في تصورها الأوسع والذي تضم المجتمع المدني، وبالمثل، فإن المرجعية بالنسبة لهذه النظرة تتمثل في الدولة واهتماماتها وليس اهتمامات المجتمع المدني، وباختصار فهي نظرة ضيقة جدا للسياسة. ثانيا، تتبنى هذه النظرة الأجندة السياسية للدولة، وبذلك فهي تفترض علاقة وثيقة بين حقل العلاقات الدولية والسلطة، مما يعني أن الطلبة سيمزجون بين عالم السياسة والعالم الخاص بالسياسيين البارزين ويقبلون بذلك أجندتهم كما هي. ثالثا، تتجه نحو مواجهة الفكر طالما أنها تنفي إمكانية حصول تقييم ذاتي والقيام بالتفكير في مضامين المفاهيم التي تعمل في حدودها. رابعا، الإيعاز بتبليغ الحقيقة للسلطة يفترض أن أولئك اللذين هم في السلطة ينصتون. وفي الواقع فإنه ليس من الواضح إن كانت السلطة ترغب في سماع ما يقوله الأكاديميون إلا إذا كان ما يقولونه يتوافق مع رغباتهم. وليس من الواضح إطلاقا ما إذا كان السياسيون ينصتون إلى الأفكار الجديدة والتفسيرات الابتكارية، وبدلا من ذلك، فإنهم ينتقون الأفكار (تماما مثل ما يفعل المتسوق في المراكز التجارية) بالشكل الذي يتناسب مع خياراتهم السياسية القائمة. وأخيرا، فإن مثل هذه النظرة تجعل من حقل العلاقات الدولية نظرية لحل المشكل بدلا من أن تؤدي دور الإنعتاقية. ويعني ذلك أن الحقل المعرفي يأخذ الأجندة السياسية كما هي، بحيث أن العالم برمته يتم التعامل معه كما يتم التعامل مع حالات التجنس. سوف يصبح عسيرا حينذاك على البعض ربط علاقة بالسلطة إذا لم يقبلوا بأجندتها، وسيؤثر ذلك على علم العلاقات الدولية، إذ سيصبح الحديث بالكاد يكون ممكنا عن قضايا عديدة في علم السياسة، مثل المجاعة، الفقر، والجندر والعنصرية طالما أنها ليست محورية في أجندة السياسي.

تعتبر كلتا المقاربتين مثيرتين للجدل، كونهما تنطويان على افتراضين خاطئين، بالنسبة للأولى يتعلق الأمر بكونها تنظر للنظرية كأداة مفسرة، وبهذا فإنه يمكن فصلها عن السياسة والسلطة. ومن جهة أخرى، فإنها تفترض تبليغ الحقيقة لصانع القرار. وفي كلتا الحالتين، فإن هذين الافتراضين يقومان على أساس الفصل بين الأكاديميين والسلطة، بالنظر إلى التزام مسبق مسلم به للتصور الذي ينيط بالنظرية دورا تفسيريا. أما بالنسبة للثانية فيتعلق الأمر بنظرة المقاربتين اللتين تدعوان إلى الفصل بين النظرية والممارسة، إذا ما أراد المنظرون إبقاء قيمهم بعيدا عن التحليل. ومن جانب آخر، للمرافعين عن السياسة المتبعة، فإن مجالي النظرية والممارسة منفصلين إلا أنه يمكن الجمع بينهما بشكل معين يساعد على تبليغ الحقيقة للسلطة. باعتقادي فإن العلاقة بين النظرية والممارسة تتوقف على طرح الافتراضين السابقين وبدلا منهما التسليم بعلاقات مختلفة بين الاثنين. وهكذا، وردا على النظرية التي تنيط بالنظرية دورا تفسيريا أود القول أن النظرية تشكل الممارسة، وردا كذلك على الطرح القائل بضرورة الفصل بين النظرية والممارسة، أقول أن مجالي هذين النشاطين مرتبطين ببعضهما ارتباطا وثيقا بشكل لا يمكن تجنبه. أكرر القول أنه لا توجد نظرة من فراغ، ولذا فإن النظرية والممارسة تتجهان دوما للتشابك. لا يوجد باعتقادي تحليل سياسي محايد ولا حقيقة (مطلقة) يمكن تبليغها للسلطة. وبالمثل لا يوجد وسط أكاديمي غير متحيز ولا يوجد فضاء محمي بأسوار قلعة أصولية إبستيمولوجية. بل أن كل النشاطات الأكاديمية يتم تفعيلها في سياق سلطوي معين، في ثنائية السلطة/المعرفة. في اعتقادي، فإن كل نظرياتنا تعكس وتعزز قوى اجتماعية محددة، وكل منهما تتعامل مع جوانب المجمع كجوانب تحظى بالأولوية والحظوة بحسب السياق الذي نشأت فيه. هناك العديد من الأمثلة حول كيفية التعامل بشكل ملموس مع مثل هذه القضايا. وأود هنا أن أشير إلى أعمال كل من بوث Booth و كامبيل Campbell كنماذج لكيفية طرح هذه الاهتمامات بشكل يسمح بجعلها مؤهلة لإفادة صانعي القرار السياسي من جهة، ومتفتحة على اهتماماتهم من جهة أخرى.
وبذلك، فإن الخيارات المتاحة لباحثي العلاقات الدولية ليست أن ينأوا بأنفسهم بعيدا عن الممارسة، أو أن يدعوا فهما متميزا للعلاقات الدولية يتيح لهم معرفة الحقيقة والهمس بها لصانعي القرار، بل عليهم تقبل حقيقة أن الاعتبارات الأخلاقية لا يمكن فصلها عن البحث، ولا يمكن إدراك أهميتها إلا عندما تتم الدعوة إلى تغييبها أو الإلحاح على ذلك. وبهذا فإن الخطابات السياسية الأكثر بلاغة تأتي من أولئك الذين يرون في غيابها إحدى خصائص عملهم، ما يتيح لهم التركيز على “الحقائق” والخروج منها باعتبارات عملية ما يجعل العديد من تحركاتهم تبدوا أكثر “حصافة” من أخرى.

يعيدني ذلك للحديث عن العراق. بناء على ما سبق، فإن أية توصية عملية هي سياسية ومعيارية في جوهرها، وبالمثل فإن أي رفض للحقائق يركب الحرب يعكس قوى اجتماعية وسياسية، وتناسقا دقيقا لثنائية القوة/المعرفة. وباعتقادي فإن على العاملين في حقل العلاقات الدولية أن يدركوا بأنهم مندمجون في العمل السياسي والأخلاقي في آن واحد في كل مرة يقومون فيها بتدريس الممارسة السياسية، والبحث فيها، أو الدفاع عنها. التسليم بشيء من قبيل وجود نظرية بمعزل عن السلطة السياسية والقبول بعدم وجود مجال مستقل للممارسة السياسية لا تسنده نظرية، أو بوجود طروحات نظرية ومعرفية يمكن إبقاءها منفصلة عن بعضها البعض أو تركيبها ضمن توليفات شرعية، يعتبر من وجهة نظري الخطوة الأولى التي سيخطوها علم العلاقات الدولية، على حساب علوم اجتماعية تدعوا إلى التخلص من التأثيرات القيمية. وذلك ببساطة لأن الادعاء بإمكانية التمييز بين الحقائق والقيم ينطوي في حد ذاته على تحيز لمواقف معينة من السياسة والأخلاق. لقد تعرضت وجهة نظري للانتقاد من حيث أن ما أدعو إليه من حوار وتركيب يعتبر مستحيلا، كما أنه يستحيل إلى نسبية عدمية، ومثل هذه الانتقادات نجدها عند مورافسيك الذي يقول بهذا الشان: “إن البديل الذي يطرحه سميث، والذي يدعو من خلاله إلى تعدد نظري أشمل يعتبر تعسفا، وهو يعبر عن التماس المحافظين لتجميد هذا الحقل المعرفي… (إنه) لا يقترح بديلا عمليا بل يدعو إلى الإبقاء على الوضع القائم… وهو يتعامل مع التعدد كشيء أسمى من اللاتعدد- وهذا نوع من الجزم الذي يسمح بتمرير أي شيء من خلاله.”

عوضا عن وجهة النظر الحالية المهيمنة في العلوم الاجتماعية، التي جمدت هذا الحقل المعرفي، توجد نظرة تقوم على موقف معين تجاه العلاقة بين النظرية والممارسة تنم عن خلفيات ثقافية محددة. لقد حان الوقت ليدرك الباحثون في هذا الحقل المعرفي بأننا جميعا انجذبنا إلى حلقات هيرمونيتقية وتركيب للذاتانيات. كون كل وجهات نظرنا مستمدة من خلفيات معينة. فلا يوجد شكل محدد للعالم، لأنه ليس بالشيء الذي يمكن الإمساك به وتحسسه، أو تحقيقه أو الولوج إليه، طالما أن كل الحقائق متحيزة. إن العمل الأكاديمي الناضج يحتاج إلى أن يعكس أكثر القوانين التي نتفاوض من خلالها، وليس بالإلحاح على الطرق التي يتم من خلالها تمييز وتركيب تلك التفسيرات المختلفة للحقيقة. الحقيقة ليست بشيء ما نجده، إنما هي شيء ننشه، سواء بوعي أو من دونه بدعم من بعض القوى الاجتماعية دون أخرى. ومن هنا فإن الاعتراف بأن تداخل القوة والمعرفة شيء لا مفر منه، هو المرحلة اللاحقة في تطوير حقل أكثر نضجا للعلاقات الدولية، إن هذا الإقرار يتطلب منا التحقق من القواعد التي نفاوض من خلالها عند الالتحاق بعالم العلاقات الدولية(عالم الممارسة).
تمت ترجمة المقال عن المصدر باللغة الإنجليزية: مجلة العلاقات الدولية والتنمية، سبتمبر 2022.


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية


العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية
تتأثر العلاقات الدولية بعوامل عديدة. من ابرز هذه العوامل: العامل الجغرافي، الموارد الأولية، السكان، العامل العسكري، الخ.
العامل الجغرافي:
يعد العامل الجغرافي من ابرز العوامل التقليدية المؤثرة في العلاقات الدولية. فحجم الإقليم له أثر على قوة الدولة؛ إذ إن الدولة ذات المساحة الكبيرة تكون في وضع أحسن من غيرها؛ لأن كبر حجم الإقليم يوفر لها عمقًا استراتيجيًا ويجعل احتلالها أمرًا صعبًا ومكلفًا.
كما أن كبر حجم الإقليم يفسح المجال لتنوع الموارد الاقتصادية حيث تتميز بعض مناطق الإقليم بتوفر مورد اقتصادي فيها – البترول مثلاً – في حين تتميز مناطق الإقليم الأخرى بتوفر موارد أخرى مثل الزراعة والسياحة.
لذا ليس من الغريب أن نجد أن الدول العظمى في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) تشكل أقاليمهما مساحات كبيرة تحتوي على موارد مختلفة. . . وهذه المساحات الكبيرة أعطت كلاً من روسيا وأمريكا مزايا استراتيجية واقتصادية سمحت لهما بتوفير متطلبات الأمن العسكري والاقتصادي.
فكبر حجم الإقليم وفر لكل من روسيا وأمريكا عمقًا استراتيجيًا وجعل اكتساح أي منهما من قبل الآخر باستخدام القوات التقليدية أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلاً. كما يتمتع كل من روسيا وأمريكا بسبب تنوع مواردهما الاقتصادية بشبه اكتفاء ذاتي في المجال الاقتصادي.
لكن ما يجب اعتباره هو أن حجم الإقليم يجب أن لا يؤخذ بمعزل عن العوامل الأخرى، خصوصًا عدد السكان وقوة الدولة العسكرية. فحتى تستفيد الدولة من مساحتها الشاسعة يجب أن يتوفر فيها ما يكفيها من السكان لتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء القوة العسكرية.
فتوفر المساحة الشاسعة بدون العدد الكافي من السكان يمثل في الواقع عبئًا على الدولة وليس ميزة لها. لذا نجد أن العامل الأساسي وراء استفادة كل من روسيا وأمريكا من مساحتها الشاسعة هو توفر عنصر السكان بما يكفي للمتطلبات الاقتصادية والأمنية.
وبالإضافة إلى عدد السكان وأثره على فعالية الإقليم، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو قوة الدولة العسكرية، فالدول ذات المساحات الكبيرة والضعيفة عسكريًا مثل تشاد تواجه مشكلة في حفظ أمنها القومي؛ لأن كبر حجم الإقليم يفرض عليها نشر قوات كبيرة في مناطق شاسعة وهذا قد يكون فوق مقدرتها العسكرية والمالية.
ورغم أن التقدم في الأسلحة الحربية خصوصًا في سلاح الطيران وفر للدولة العصرية ذات الإقليم الواسع أداة هامة وفعالة لحفظ أمنها القومي، إلا أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن الأسلحة الحديثة باهظة الثمن، كما أن سرعة التقدم في تطورها قلل من فعالية القديم منها، لذا تبقى الدولة دائمًا تحت ضغط مستمر لتحديث أسلحتها لتساير التطور في التسليح ولتعوض عن النقص في السكان، وهذا يشكل عبئًا ماليًا مستمرًا عليها.
ولموقع الدولة الجغرافي أثر على أمنها القومي؛ إذ إن وجود منافذ بحرية عديدة للدولة يعطيها أكثر من خيار للاتصال الخارجي وتأمين الإمدادات اللازمة لها. فالمملكة العربية السعودية مثلاً لها منفذ بحري على البحر الأحمر وآخر على الخليج العربي. لذا في حالة تعرض صادراتها أو وارداتها لأي مخاطر في الخليج يمكنها الاعتماد على منافذها على البحر الأحمر لتوفير مستلزماتها من الخارج.
أما كون الدولة داخلية أي ليس لها منفذ بحري – كما هي الحال بالنسبة لأفغانستان – فهذا الوضع يشكل نقطة ضعف في قوتها القومية؛ إذ أنها ستبقى تحت رحمة الدول المجاورة لها لتأمين اتصالها الخارجي خصوصًا الاتصال البحري.
كما أن وجود دولة صغرى جوار إحدى القوى الإقليمية أو الدولية أو بين تلك القوى يفرض على هذه الدولة الصغرى قيودًا على سياستها الخارجية ويجعلها تواجه خيارات صعبة وأحيانًا محرجة. . . فكون سوريا محيطة بلبنان من جميع الجهات البرية –باستثناء الجهة الجنوبية المجاورة لإسرائيل- يفرض قيداً على سياسة لبنان الخارجية يتمثل بالإبقاء قدر الإمكان على علاقات ودية مع سوريا.
ولتعدد الدول المجاورة للدولة أثر على وضعها الأمني ونفوذها الخارجي. فإذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة فإن هذا سيقوي من نفوذها الدولي إذا كان لهذه الدولة الإمكانيات العسكري التي تمكنها ليس من ردع هذه الدول فقط، بل والتأثير عليها. أما إذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة وهي ضعيفة الإمكانيات العسكرية فإن هذا سيشكل عبئًا على الدولة إذ أنها ستواجه ضغوطاً عسكرية مختلفة من هذه الدول المجاورة للتأثير على سياستها سواء الداخلية أو الخارجية.
أما شكل الإقليم وإن كان تأثيره على أمن الدولة القومي أقل من تأثير الموقع إلا أنه مع ذلك كثيرًا ما يكون عاملاً هامًا في تعزيز أمن الدولة أو إضعافه. فكون إقليم الدولة مكونًا من قطعة واحدة متماسكة مثل المملكة يجعلها في وضع أمن أحسن بكثير من ذات الإقليم المتناثر والمكون من جزر عدة مثل اندونيسيا. فبالإضافة على أن تناثر الإقليم يزيد من المتطلبات العسكرية اللازمة لصد أي عدوان خارجي، فإنه يشكل عبئًا على الاتصال الداخلي وعلى الوحدة الوطنية.
ومثلما يؤثر شكل الإقليم على أمن الدولة القومي ووحدتها القومية فإن طبيعة الإقليم لها كذلك أثر على أمن الدولة وقوتها. فالدول ذات الطبيعة الجبلية كثيرًا ما يصعب احتلالها من الخارج؛ إذ أن الجبال تمثل موانع طبيعية ضد الاحتلال. لكن الدول ذات الطبيعة الجبلية تواجه صعوبات في ربط مناطق الإقليم في الداخل، وهذا ما سيحول دون تعزيز الاتصال بين السكان ومن ثم إضعاف الوحدة الوطنية.
أما الدول ذات الإقليم المنبسط أو المكون من سهول وهضاب فهي عادة تكون مكشوفة للعدوان خصوصًا إذا كانت إمكانياتها العسكرية ضعيفة. لكن انبساط الإقليم يساعد الدولة على بناء شبكة قوية من المواصلات الداخلية، ومن ثم تحقيق الوحدة الوطنية.
أما المناخ فيبرز تأثره على وضع الدولة الاقتصادي وإنتاجها القومي. فالدول ذات المناخ المعتدل والبارد عادة ما تكون ملائمة للإنتاج الزراعي والصناعي أكثر من المناطق الحارة.
لذا نجد أن المناطق المتقدمة والصناعية في العالم تقع في مناطق باردة أو تميل للبرودة. في حين نجد أن المناطق النامية تقع في مناطق حارة أو تميل للحرارة مثل المناطق الاستوائية. وهذا ما جعل الدول النامية تعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية أكثر من اعتمادها على الصناعة.

الموارد الأولية:
تعتبر الموارد الاقتصادية حجر الأساس في بناء قوة الدولة. والموارد الاقتصادية عديدة ومتنوعة وما يهمنا منها في قوة الدولة هي الموارد أو السلع الإستراتيجية ونعني بها الموارد الغذائية ومصادر الطاقة.
فالمواد الغذائية تعتبر موردًا اقتصاديًا هامًا وسلعة إستراتيجية لأنها ضرورية لبقاء الإنسان وضمان أمن الدولة الاقتصادي. والدولة التي تعاني من نقص في المواد الغذائية خصوصًا الحبوب عادة ما يكون أمنها الاقتصادي تحت رحمة الدول الأخرى والتي تمدها بالمواد الغذائية.
لذا نجد كثيرًا من الدول تحرص كل الحرص على إنتاج المواد الغذائية الرئيسية بغض النظر عن تكلفتها الاقتصادية؛ إذ تنظر إلى إنتاج هذه المواد من منظور استراتيجي وليس من منظور اقتصادي مجرد، وتبرز أكثر أهمية توفر المواد الغذائية في الدولة خلال فترة الحروب والاضطرابات في المجتمع الدولي حيث يصبح أمن الدولة الغذائية في خطر خصوصًا إذا كانت تعتمد في إمداداتها الغذائية على د ول أخرى.
وتكمن هذه الخطورة في مصدرين؛ الأول: يتمثل في أن الدول خلال الحروب يضعف إنتاجها الاقتصادي بما في ذلك الإنتاج الزراعي، لذا تسعى الدول إلى تخزين إنتاجها من السلع الاستراتيجية مثل الحبوب وعدم تصديرها لتتفادى أي نقص محتمل. أما المصدر الثاني: فيتمثل بتعرض طرق المواصلات البرية والبحرية خلال الحروب والاضطرابات إلى مخاطر عديدة، ويترتب على ذلك شل حركة النقل البري والبحري، ومن ثم نقص الإمدادات الغذائية. لذا تلجأ الدول المستوردة للقمح وغيره من المواد الغذائية إلى تخزين المواد الغذائية الرئيسية بما يكفي للاستهلاك المحلي لفترة من الزمن لتفادي آثار الاضطرابات الدولية على إمداداتها الغذائية.
أما مصادر الطاقة فهي عديدة وتختلف أهميتها من وقت لآخر. لقد كان الفحم يعتبر أهم مصدر للطاقة إلا أن التطور التكنولوجي قلل من أهميته، وأبرز أهمية البترول. فالبترول بالإضافة إلى أنه يمثل المصدر الأساسي للطاقة في المواصلات والصناعة والاستخدامات المنزلية؛ فإن مشتقاته تدخل في إنتاج العديد من السلع الاستهلاكية. لقد أعطى البترول الدول المصدرة له قوة اقتصادية وسياسية مكنتها من التأثير في السياسات الدولية.
أما الدول التي تفتقر للبترول فقد أصبحت تحت رحمة الدول المصدرة له، فبالإضافة إلى تأثير انعدام البترول في أراضيها على أمنها القومي واستقرارها الاقتصادي؛ فإن استيراده يمثل عبئًا على ميزانية مدفوعاتها خصوصًا في الدول النامية والتي تعاني من قلة العملات الصعبة.

السكان:
يعتبر السكان أهم العناصر المؤثرة في مكونات قوة الدول. ويرجع ذلك إلى العلاقة القوية بين قوة الدولة وحجم سكانها. فالدول العملاقة في المجتمع الدولي . . . [مثل] الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي [سابقاً] تمتلك العدد الكافي من السكان لتحقيق متطلبات أمنها الاقتصادي والعسكري.
كما أن الصين الشعبية أصبحت قوة عظمى في المجتمع الدولي نتيجة لحجم سكانها الذي . . . [يزيد عن] أكثر من ألف مليون نسمة. في حين تعتبر الهند بسبب كثافتها السكانية والتي تجاوزت . . . الثمانمائة مليون نسمة مرشحة لدخول نادي القوى العظمى.
غير أن عدد السكان لا يكفي بحد ذاته لتقدير دور السكان في القوة القومية. بل لا بد من معرفة دقيقة لنوعية السكان وتجانسهم ومستواهم الحضاري. فمن حيث النوعية يجب معرفة الجنس وفئات العمر المنتجة في التكوين السكاني في الدولة.
فمعرفة الجنس مهمة خصوصًا في الدول النامية والتي تحد من مساهمة المرأة الاجتماعية والاقتصادية في التنمية القومية. ففي بعض هذه الدول جزء كبير من العنصر النسائي معطل وغير منتج وهذا ما يجعل تأثيره سلبي في محصلة قوة الدولة.
كذلك يتطلب الأمر معرفة فئات العمر في المجتمع لتحديد الأطفال، والشباب، والشيوخ؛ إذ أن مساهمة كل فئة من هؤلاء في قوة الدولة تختلف عن الفئات الأخرى. فالأطفال والشيوخ عادة ما يكون دورهم محدود جدًا إن لم يكن معدومًا في العملية الإنتاجية. في حين يمثل الشباب العمود الفقري في قوة الدولة سواء في السلم أو الحرب.
وبالإضافة إلى معرفة الجنس والعمر يتطلب الأمر معرفة تجانس السكان. فكلما كانت درجة التجانس عالية بين المواطنين كلما زاد ذلك من قوة الوحدة الوطنية داخل حدود الدولة. وهذا بالطبع له أثر إيجابي على قوة الدولة؛ إذ أنه سيزيد من درجة التعاون بين السكان وقت السلم ومن صلابة الجبهة الداخلية وقت الحرب.
كذلك يتطلب تحديد فاعلية عنصر السكان وتأثير أبعادة، معرفة نوعية السكان من حيث مستواهم التعليمي والتقني ورغبتهم في العمل واحترامهم للنظام وإدراكهم لمسؤولياتهم الوطنية وتضحيتهم من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.
وقد يكون عنصر السكان متوفرًا من حيث الكم و الكيف لكن درجة الاستفادة من هذا العنصر دون المستوى المطلوب. وهذا الوضع يقلل من فعالية العنصر السكاني في مقاومة قوة الدولة. إن وجود السكان كمًّا وكيفًا ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لرفع قوة ومكانة الدولة في المجتمع الدولي. وهذا يعني وجوب الاستفادة الحقيقية من السكان في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقت السلم وفي الدفاع عن الوطن والأمة وقت الحرب.
إن الاهتمام بعنصر السكان واحتلاله مكانة الصدارة بين العناصر الأخرى يرجع إلى أهمية هذا العنصر وقت السلم ووقت الحرب. ففي السلم يعتبر السكان عنصرًا من عناصر الإنتاج والدولة التي تعاني من قلة هذا العنصر تضطر لاستقدام الأيدي العاملة الأجنبية للمساهمة في التنمية الوطنية. ولهذه الخطوة سلبيات عديدة على الثقافة الوطنية والأمن الوطني.
أما في الحرب فتبرز مساهمة العنصر البشري بشكل أكبر، ذلك أن الدولة التي تتمتع بنسبة عالية من السكان تكون مقدرتها أكبر من غيرها في الصمود والقتال. ورغم التطور السريع الذي حصل في تكنولوجيا الأسلحة الحربية ودخول الأسلحة الذرية فلا يزال للحرب التقليدية شأن في العلاقات الدولية، ولا يزال لتفوق الدولة في عنصر السكان أثر في مجرى هذه الحرب وتحديد نتائجها.

العامل العسكري:
حتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية، إلا أن زيادة تأثير العناصر الأخرى أنهى هذا الاحتكار للقوة العسكرية فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي بين عناصر عديدة تشكل في مجموعها القوة القومية.
والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في السياسات الدولية. إن تحليل القوة العسكرية لأي دولة يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار عددًا من العوامل، ومن بين هذه العوامل العدد، العتاد، المبدأ الاستراتيجي، والروح المعنوية.
فمن حيث العدد كلما كبر عدد الجيش كلما زاد تأثير فعاليته العسكرية. ورغم التقدم في الأسلحة الحربية فلا يزال لعدد أفراد القوات المسلحة دورًا هامًا في تشكيل القوة العسكرية للدولة. فالدولة ذات العدد الكبير من أفراد القوات المسلحة تكون أقدر من غيرها في العمليات العسكرية سواء كانت دفاعية أو هجومية؛ إذ أنها ستكون قادرة على تحمل الخسائر البشرية.
ويدخل ضمن عدد القوات المسلحة كل أفراد الأجهزة العسكرية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي. لذا يدخل ضمن عدد القوات المسلحة الميليشيات العسكرية، الحرس الوطني، وغيرها من التنظيمات العسكرية المشابهة .
أما العتاد العسكري فقد تنوع وتطور بسرعة مذهلة. وهذا التطور والتنوع السريع مضافًا إلى السرية التي تحاط بامتلاكه والتعقيد في استخدامه يجعل من الصعب تحديد معيار محدد لنوعية العتاد العسكري الأكثر فعالية. إن المهم في تقييم قوة الدولة العسكرية رصد مؤشرات قوية تدل على أن الدولة تمتلك أسلحة عسكرية حديثة كافية للردع أو الهجوم.
وامتلاك السلاح وحده لا يكفي، بل المهم أيضًا القدرة على صيانته بعد امتلاكه خصوصًا وأن الأسلحة الحديثة في غاية التعقيد من الناحية التكنولوجية وتتطلب صيانتها كفاءة فنية عالية. هذا المطلب يجعل الدول النامية دائمًا في وضع صعب؛ إذ أنها قد تكون قادرة على شراء السلاح لكنها تواجه صعوبات في صيانته والمحافظة عليه بشكل جيد.
وبالإضافة إلى القدرة على الصيانة يجب اعتبار قدرة الجيش الوطني على استخدام السلاح بكفاءة. لذا أصبحت أهمية التدريب على السلاح لا تقل عن أهمية امتلاكه؛ إذ أن جعل السلاح العسكري في أيادي أجنبية يشكل نقطة ضعف كبيرة في بناء الدولة العسكري.
إن العدة والعتاد لا تكفي بحد ذاتها لضمان نصر عسكري للدولة في حروبها الدفاعية أو الهجومية. بل يتطلب الأمر اعتبار المبدأ الاستراتيجي للدولة. والمقصود بالمبدأ الاستراتيجي: الخطة العامة للقتال وأسلوب تنفيذها. فأحيانًا يتوفر لدى الدولة العدد الكافي من المقاتلين وتمتلك أسلحة كافية وحديثة إلا أن عدم سلامة مبدأها الاستراتيجي يترتب عليه هزيمة ساحقة لها، كما حصل للقوات العربية خلال الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967م، لذا أصبح تطوير مبدأ استراتيجي سليم للقوات العسكرية للدولة من الأهمية بمكان وأصبح الاهتمام ببناء فكر عسكري مطلبًا أساسًا لتحقيق الجدوى المتوقعة من تجنيد الشعب وامتلاك السلاح.
أخيرًا قد يتوفر عدد كبير من أفراد الجيش، وسلاح من نوعية جيدة، ومبدأ استراتيجي سليم. ومع ذلك فإن البناء العسكري للدولة خصوصًا في وقت الحرب يتسم بالضعف العام. في هذه الحالة يعزى الضعف إلى ضعف الروح المعنوية للمقاتلين. و . . . [يقصد] بالروح المعنوية استعداد المقاتلين للتضحية والعمل بروح عسكرية عالية.
لذا أصبح رفع الروح المعنوية للمقاتلين خصوصًا وقت الحروب من الأهمية بمكان لرفع كفاءة الجيش وأدائه ورفع الروح المعنوية يتم من خلال إيجاد الاستعداد التام لدى الجندي المقاتل للانضباط وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في ميدان القتال، وقناعته التامة بالهدف الذي يقاتل من أجله، وحماسه المطلق للتضحية من أجل تحقيق الهدف المنشود.
إن انخفاض الروح المعنوية قد يكون السبب الرئيسي وراء انهزام جيوش ذات أسلحة متقدمة ومبدأ استراتيجي سليم. ومثال ذلك انهزام القوات الأمريكية في الحرب الفيتنامية.


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

امتحان السداسي الأول في مقياس العلاقات الاقتصادية الدولية


امتحان السداسي الأول في مقياس العلاقات الاقتصادية الدولية
السنة الثالثة – علاقات دولية.

السؤال الأول: حدد المصطلحات التالية: الاقتصاد الدولية، التخصص الدولي، الصادرات المثمرة، النفقات النسبية، المشروطية الدولية.

السؤال الثاني: أدت الثورات التكنولوجية و العلمية الحديثة إلى إحداث تغيرات جوهرية في طبيعة الاقتصاد العالمي، حدد تلك التغيرات التي ارتبطت مباشرة بالمجال العلمي و التكنولوجي؟

السؤال الثالث: إن عولمة الاقتصاد لم تتوسع على نمط واحد بالنسبة لجميع الدول أو المناطق الإقليمية، حيث تمس أساسا العالم المتقدم المتكامل (La Triade)
1- بين لماذا؟
2- ما هو موقع الدول النامية في ظل الاقتصاد الرأسمالي العالمي؟
3- على أي أساس يتم التقسيم بين المناطق الاقتصادية؟

السؤال الرابع: يقول الأمريكي Robert Gilpin <> بين لماذا؟ و كيف؟

السؤال الخامس:
1- أكمل الفراغات الموجودة في الجدول رقم 01
جدول رقم 01: الوضعية الاقتصادية لكل من تونس و المغرب في حالة العزلة

البلد السلعة

المنسوجات (متر) الحمضيات (كلغ) مجموع التكاليف المغرب 100 و.ع 130 و.ع
تونس 90 و.ع 100 و.ع
مجموع التكاليف

و.ع= وحدة عمل
2- وفقا لنظرية آدم سميث كيف يكون الجدول في حالة التبادل بين تونس و المغرب؟
ما هو حجم الوحدات المقتصدة؟ علل الإجابة.
3- بين قيمة النفقات النسبية لكل سلعة وفقا للمعطيات المبينة في الجدول رقم 01


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية


العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية
تتأثر العلاقات الدولية بعوامل عديدة. من ابرز هذه العوامل: العامل الجغرافي، الموارد الأولية، السكان، العامل العسكري، الخ.
العامل الجغرافي:
يعد العامل الجغرافي من ابرز العوامل التقليدية المؤثرة في العلاقات الدولية. فحجم الإقليم له أثر على قوة الدولة؛ إذ إن الدولة ذات المساحة الكبيرة تكون في وضع أحسن من غيرها؛ لأن كبر حجم الإقليم يوفر لها عمقًا استراتيجيًا ويجعل احتلالها أمرًا صعبًا ومكلفًا.
كما أن كبر حجم الإقليم يفسح المجال لتنوع الموارد الاقتصادية حيث تتميز بعض مناطق الإقليم بتوفر مورد اقتصادي فيها – البترول مثلاً – في حين تتميز مناطق الإقليم الأخرى بتوفر موارد أخرى مثل الزراعة والسياحة.
لذا ليس من الغريب أن نجد أن الدول العظمى في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) تشكل أقاليمهما مساحات كبيرة تحتوي على موارد مختلفة. . . وهذه المساحات الكبيرة أعطت كلاً من روسيا وأمريكا مزايا استراتيجية واقتصادية سمحت لهما بتوفير متطلبات الأمن العسكري والاقتصادي.
فكبر حجم الإقليم وفر لكل من روسيا وأمريكا عمقًا استراتيجيًا وجعل اكتساح أي منهما من قبل الآخر باستخدام القوات التقليدية أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلاً. كما يتمتع كل من روسيا وأمريكا بسبب تنوع مواردهما الاقتصادية بشبه اكتفاء ذاتي في المجال الاقتصادي.
لكن ما يجب اعتباره هو أن حجم الإقليم يجب أن لا يؤخذ بمعزل عن العوامل الأخرى، خصوصًا عدد السكان وقوة الدولة العسكرية. فحتى تستفيد الدولة من مساحتها الشاسعة يجب أن يتوفر فيها ما يكفيها من السكان لتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء القوة العسكرية.
فتوفر المساحة الشاسعة بدون العدد الكافي من السكان يمثل في الواقع عبئًا على الدولة وليس ميزة لها. لذا نجد أن العامل الأساسي وراء استفادة كل من روسيا وأمريكا من مساحتها الشاسعة هو توفر عنصر السكان بما يكفي للمتطلبات الاقتصادية والأمنية.
وبالإضافة إلى عدد السكان وأثره على فعالية الإقليم، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو قوة الدولة العسكرية، فالدول ذات المساحات الكبيرة والضعيفة عسكريًا مثل تشاد تواجه مشكلة في حفظ أمنها القومي؛ لأن كبر حجم الإقليم يفرض عليها نشر قوات كبيرة في مناطق شاسعة وهذا قد يكون فوق مقدرتها العسكرية والمالية.
ورغم أن التقدم في الأسلحة الحربية خصوصًا في سلاح الطيران وفر للدولة العصرية ذات الإقليم الواسع أداة هامة وفعالة لحفظ أمنها القومي، إلا أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن الأسلحة الحديثة باهظة الثمن، كما أن سرعة التقدم في تطورها قلل من فعالية القديم منها، لذا تبقى الدولة دائمًا تحت ضغط مستمر لتحديث أسلحتها لتساير التطور في التسليح ولتعوض عن النقص في السكان، وهذا يشكل عبئًا ماليًا مستمرًا عليها.
ولموقع الدولة الجغرافي أثر على أمنها القومي؛ إذ إن وجود منافذ بحرية عديدة للدولة يعطيها أكثر من خيار للاتصال الخارجي وتأمين الإمدادات اللازمة لها. فالمملكة العربية السعودية مثلاً لها منفذ بحري على البحر الأحمر وآخر على الخليج العربي. لذا في حالة تعرض صادراتها أو وارداتها لأي مخاطر في الخليج يمكنها الاعتماد على منافذها على البحر الأحمر لتوفير مستلزماتها من الخارج.
أما كون الدولة داخلية أي ليس لها منفذ بحري – كما هي الحال بالنسبة لأفغانستان – فهذا الوضع يشكل نقطة ضعف في قوتها القومية؛ إذ أنها ستبقى تحت رحمة الدول المجاورة لها لتأمين اتصالها الخارجي خصوصًا الاتصال البحري.
كما أن وجود دولة صغرى جوار إحدى القوى الإقليمية أو الدولية أو بين تلك القوى يفرض على هذه الدولة الصغرى قيودًا على سياستها الخارجية ويجعلها تواجه خيارات صعبة وأحيانًا محرجة. . . فكون سوريا محيطة بلبنان من جميع الجهات البرية –باستثناء الجهة الجنوبية المجاورة لإسرائيل- يفرض قيداً على سياسة لبنان الخارجية يتمثل بالإبقاء قدر الإمكان على علاقات ودية مع سوريا.
ولتعدد الدول المجاورة للدولة أثر على وضعها الأمني ونفوذها الخارجي. فإذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة فإن هذا سيقوي من نفوذها الدولي إذا كان لهذه الدولة الإمكانيات العسكري التي تمكنها ليس من ردع هذه الدول فقط، بل والتأثير عليها. أما إذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة وهي ضعيفة الإمكانيات العسكرية فإن هذا سيشكل عبئًا على الدولة إذ أنها ستواجه ضغوطاً عسكرية مختلفة من هذه الدول المجاورة للتأثير على سياستها سواء الداخلية أو الخارجية.
أما شكل الإقليم وإن كان تأثيره على أمن الدولة القومي أقل من تأثير الموقع إلا أنه مع ذلك كثيرًا ما يكون عاملاً هامًا في تعزيز أمن الدولة أو إضعافه. فكون إقليم الدولة مكونًا من قطعة واحدة متماسكة مثل المملكة يجعلها في وضع أمن أحسن بكثير من ذات الإقليم المتناثر والمكون من جزر عدة مثل اندونيسيا. فبالإضافة على أن تناثر الإقليم يزيد من المتطلبات العسكرية اللازمة لصد أي عدوان خارجي، فإنه يشكل عبئًا على الاتصال الداخلي وعلى الوحدة الوطنية.
ومثلما يؤثر شكل الإقليم على أمن الدولة القومي ووحدتها القومية فإن طبيعة الإقليم لها كذلك أثر على أمن الدولة وقوتها. فالدول ذات الطبيعة الجبلية كثيرًا ما يصعب احتلالها من الخارج؛ إذ أن الجبال تمثل موانع طبيعية ضد الاحتلال. لكن الدول ذات الطبيعة الجبلية تواجه صعوبات في ربط مناطق الإقليم في الداخل، وهذا ما سيحول دون تعزيز الاتصال بين السكان ومن ثم إضعاف الوحدة الوطنية.
أما الدول ذات الإقليم المنبسط أو المكون من سهول وهضاب فهي عادة تكون مكشوفة للعدوان خصوصًا إذا كانت إمكانياتها العسكرية ضعيفة. لكن انبساط الإقليم يساعد الدولة على بناء شبكة قوية من المواصلات الداخلية، ومن ثم تحقيق الوحدة الوطنية.
أما المناخ فيبرز تأثره على وضع الدولة الاقتصادي وإنتاجها القومي. فالدول ذات المناخ المعتدل والبارد عادة ما تكون ملائمة للإنتاج الزراعي والصناعي أكثر من المناطق الحارة.
لذا نجد أن المناطق المتقدمة والصناعية في العالم تقع في مناطق باردة أو تميل للبرودة. في حين نجد أن المناطق النامية تقع في مناطق حارة أو تميل للحرارة مثل المناطق الاستوائية. وهذا ما جعل الدول النامية تعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية أكثر من اعتمادها على الصناعة.

الموارد الأولية:
تعتبر الموارد الاقتصادية حجر الأساس في بناء قوة الدولة. والموارد الاقتصادية عديدة ومتنوعة وما يهمنا منها في قوة الدولة هي الموارد أو السلع الإستراتيجية ونعني بها الموارد الغذائية ومصادر الطاقة.
فالمواد الغذائية تعتبر موردًا اقتصاديًا هامًا وسلعة إستراتيجية لأنها ضرورية لبقاء الإنسان وضمان أمن الدولة الاقتصادي. والدولة التي تعاني من نقص في المواد الغذائية خصوصًا الحبوب عادة ما يكون أمنها الاقتصادي تحت رحمة الدول الأخرى والتي تمدها بالمواد الغذائية.
لذا نجد كثيرًا من الدول تحرص كل الحرص على إنتاج المواد الغذائية الرئيسية بغض النظر عن تكلفتها الاقتصادية؛ إذ تنظر إلى إنتاج هذه المواد من منظور استراتيجي وليس من منظور اقتصادي مجرد، وتبرز أكثر أهمية توفر المواد الغذائية في الدولة خلال فترة الحروب والاضطرابات في المجتمع الدولي حيث يصبح أمن الدولة الغذائية في خطر خصوصًا إذا كانت تعتمد في إمداداتها الغذائية على د ول أخرى.
وتكمن هذه الخطورة في مصدرين؛ الأول: يتمثل في أن الدول خلال الحروب يضعف إنتاجها الاقتصادي بما في ذلك الإنتاج الزراعي، لذا تسعى الدول إلى تخزين إنتاجها من السلع الاستراتيجية مثل الحبوب وعدم تصديرها لتتفادى أي نقص محتمل. أما المصدر الثاني: فيتمثل بتعرض طرق المواصلات البرية والبحرية خلال الحروب والاضطرابات إلى مخاطر عديدة، ويترتب على ذلك شل حركة النقل البري والبحري، ومن ثم نقص الإمدادات الغذائية. لذا تلجأ الدول المستوردة للقمح وغيره من المواد الغذائية إلى تخزين المواد الغذائية الرئيسية بما يكفي للاستهلاك المحلي لفترة من الزمن لتفادي آثار الاضطرابات الدولية على إمداداتها الغذائية.
أما مصادر الطاقة فهي عديدة وتختلف أهميتها من وقت لآخر. لقد كان الفحم يعتبر أهم مصدر للطاقة إلا أن التطور التكنولوجي قلل من أهميته، وأبرز أهمية البترول. فالبترول بالإضافة إلى أنه يمثل المصدر الأساسي للطاقة في المواصلات والصناعة والاستخدامات المنزلية؛ فإن مشتقاته تدخل في إنتاج العديد من السلع الاستهلاكية. لقد أعطى البترول الدول المصدرة له قوة اقتصادية وسياسية مكنتها من التأثير في السياسات الدولية.
أما الدول التي تفتقر للبترول فقد أصبحت تحت رحمة الدول المصدرة له، فبالإضافة إلى تأثير انعدام البترول في أراضيها على أمنها القومي واستقرارها الاقتصادي؛ فإن استيراده يمثل عبئًا على ميزانية مدفوعاتها خصوصًا في الدول النامية والتي تعاني من قلة العملات الصعبة.

السكان:
يعتبر السكان أهم العناصر المؤثرة في مكونات قوة الدول. ويرجع ذلك إلى العلاقة القوية بين قوة الدولة وحجم سكانها. فالدول العملاقة في المجتمع الدولي . . . [مثل] الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي [سابقاً] تمتلك العدد الكافي من السكان لتحقيق متطلبات أمنها الاقتصادي والعسكري.
كما أن الصين الشعبية أصبحت قوة عظمى في المجتمع الدولي نتيجة لحجم سكانها الذي . . . [يزيد عن] أكثر من ألف مليون نسمة. في حين تعتبر الهند بسبب كثافتها السكانية والتي تجاوزت . . . الثمانمائة مليون نسمة مرشحة لدخول نادي القوى العظمى.
غير أن عدد السكان لا يكفي بحد ذاته لتقدير دور السكان في القوة القومية. بل لا بد من معرفة دقيقة لنوعية السكان وتجانسهم ومستواهم الحضاري. فمن حيث النوعية يجب معرفة الجنس وفئات العمر المنتجة في التكوين السكاني في الدولة.
فمعرفة الجنس مهمة خصوصًا في الدول النامية والتي تحد من مساهمة المرأة الاجتماعية والاقتصادية في التنمية القومية. ففي بعض هذه الدول جزء كبير من العنصر النسائي معطل وغير منتج وهذا ما يجعل تأثيره سلبي في محصلة قوة الدولة.
كذلك يتطلب الأمر معرفة فئات العمر في المجتمع لتحديد الأطفال، والشباب، والشيوخ؛ إذ أن مساهمة كل فئة من هؤلاء في قوة الدولة تختلف عن الفئات الأخرى. فالأطفال والشيوخ عادة ما يكون دورهم محدود جدًا إن لم يكن معدومًا في العملية الإنتاجية. في حين يمثل الشباب العمود الفقري في قوة الدولة سواء في السلم أو الحرب.
وبالإضافة إلى معرفة الجنس والعمر يتطلب الأمر معرفة تجانس السكان. فكلما كانت درجة التجانس عالية بين المواطنين كلما زاد ذلك من قوة الوحدة الوطنية داخل حدود الدولة. وهذا بالطبع له أثر إيجابي على قوة الدولة؛ إذ أنه سيزيد من درجة التعاون بين السكان وقت السلم ومن صلابة الجبهة الداخلية وقت الحرب.
كذلك يتطلب تحديد فاعلية عنصر السكان وتأثير أبعادة، معرفة نوعية السكان من حيث مستواهم التعليمي والتقني ورغبتهم في العمل واحترامهم للنظام وإدراكهم لمسؤولياتهم الوطنية وتضحيتهم من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.
وقد يكون عنصر السكان متوفرًا من حيث الكم و الكيف لكن درجة الاستفادة من هذا العنصر دون المستوى المطلوب. وهذا الوضع يقلل من فعالية العنصر السكاني في مقاومة قوة الدولة. إن وجود السكان كمًّا وكيفًا ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لرفع قوة ومكانة الدولة في المجتمع الدولي. وهذا يعني وجوب الاستفادة الحقيقية من السكان في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقت السلم وفي الدفاع عن الوطن والأمة وقت الحرب.
إن الاهتمام بعنصر السكان واحتلاله مكانة الصدارة بين العناصر الأخرى يرجع إلى أهمية هذا العنصر وقت السلم ووقت الحرب. ففي السلم يعتبر السكان عنصرًا من عناصر الإنتاج والدولة التي تعاني من قلة هذا العنصر تضطر لاستقدام الأيدي العاملة الأجنبية للمساهمة في التنمية الوطنية. ولهذه الخطوة سلبيات عديدة على الثقافة الوطنية والأمن الوطني.
أما في الحرب فتبرز مساهمة العنصر البشري بشكل أكبر، ذلك أن الدولة التي تتمتع بنسبة عالية من السكان تكون مقدرتها أكبر من غيرها في الصمود والقتال. ورغم التطور السريع الذي حصل في تكنولوجيا الأسلحة الحربية ودخول الأسلحة الذرية فلا يزال للحرب التقليدية شأن في العلاقات الدولية، ولا يزال لتفوق الدولة في عنصر السكان أثر في مجرى هذه الحرب وتحديد نتائجها.

العامل العسكري:
حتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية، إلا أن زيادة تأثير العناصر الأخرى أنهى هذا الاحتكار للقوة العسكرية فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي بين عناصر عديدة تشكل في مجموعها القوة القومية.
والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في السياسات الدولية. إن تحليل القوة العسكرية لأي دولة يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار عددًا من العوامل، ومن بين هذه العوامل العدد، العتاد، المبدأ الاستراتيجي، والروح المعنوية.
فمن حيث العدد كلما كبر عدد الجيش كلما زاد تأثير فعاليته العسكرية. ورغم التقدم في الأسلحة الحربية فلا يزال لعدد أفراد القوات المسلحة دورًا هامًا في تشكيل القوة العسكرية للدولة. فالدولة ذات العدد الكبير من أفراد القوات المسلحة تكون أقدر من غيرها في العمليات العسكرية سواء كانت دفاعية أو هجومية؛ إذ أنها ستكون قادرة على تحمل الخسائر البشرية.
ويدخل ضمن عدد القوات المسلحة كل أفراد الأجهزة العسكرية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي. لذا يدخل ضمن عدد القوات المسلحة الميليشيات العسكرية، الحرس الوطني، وغيرها من التنظيمات العسكرية المشابهة .
أما العتاد العسكري فقد تنوع وتطور بسرعة مذهلة. وهذا التطور والتنوع السريع مضافًا إلى السرية التي تحاط بامتلاكه والتعقيد في استخدامه يجعل من الصعب تحديد معيار محدد لنوعية العتاد العسكري الأكثر فعالية. إن المهم في تقييم قوة الدولة العسكرية رصد مؤشرات قوية تدل على أن الدولة تمتلك أسلحة عسكرية حديثة كافية للردع أو الهجوم.
وامتلاك السلاح وحده لا يكفي، بل المهم أيضًا القدرة على صيانته بعد امتلاكه خصوصًا وأن الأسلحة الحديثة في غاية التعقيد من الناحية التكنولوجية وتتطلب صيانتها كفاءة فنية عالية. هذا المطلب يجعل الدول النامية دائمًا في وضع صعب؛ إذ أنها قد تكون قادرة على شراء السلاح لكنها تواجه صعوبات في صيانته والمحافظة عليه بشكل جيد.
وبالإضافة إلى القدرة على الصيانة يجب اعتبار قدرة الجيش الوطني على استخدام السلاح بكفاءة. لذا أصبحت أهمية التدريب على السلاح لا تقل عن أهمية امتلاكه؛ إذ أن جعل السلاح العسكري في أيادي أجنبية يشكل نقطة ضعف كبيرة في بناء الدولة العسكري.
إن العدة والعتاد لا تكفي بحد ذاتها لضمان نصر عسكري للدولة في حروبها الدفاعية أو الهجومية. بل يتطلب الأمر اعتبار المبدأ الاستراتيجي للدولة. والمقصود بالمبدأ الاستراتيجي: الخطة العامة للقتال وأسلوب تنفيذها. فأحيانًا يتوفر لدى الدولة العدد الكافي من المقاتلين وتمتلك أسلحة كافية وحديثة إلا أن عدم سلامة مبدأها الاستراتيجي يترتب عليه هزيمة ساحقة لها، كما حصل للقوات العربية خلال الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967م، لذا أصبح تطوير مبدأ استراتيجي سليم للقوات العسكرية للدولة من الأهمية بمكان وأصبح الاهتمام ببناء فكر عسكري مطلبًا أساسًا لتحقيق الجدوى المتوقعة من تجنيد الشعب وامتلاك السلاح.
أخيرًا قد يتوفر عدد كبير من أفراد الجيش، وسلاح من نوعية جيدة، ومبدأ استراتيجي سليم. ومع ذلك فإن البناء العسكري للدولة خصوصًا في وقت الحرب يتسم بالضعف العام. في هذه الحالة يعزى الضعف إلى ضعف الروح المعنوية للمقاتلين. و . . . [يقصد] بالروح المعنوية استعداد المقاتلين للتضحية والعمل بروح عسكرية عالية.
لذا أصبح رفع الروح المعنوية للمقاتلين خصوصًا وقت الحروب من الأهمية بمكان لرفع كفاءة الجيش وأدائه ورفع الروح المعنوية يتم من خلال إيجاد الاستعداد التام لدى الجندي المقاتل للانضباط وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في ميدان القتال، وقناعته التامة بالهدف الذي يقاتل من أجله، وحماسه المطلق للتضحية من أجل تحقيق الهدف المنشود.
إن انخفاض الروح المعنوية قد يكون السبب الرئيسي وراء انهزام جيوش ذات أسلحة متقدمة ومبدأ استراتيجي سليم. ومثال ذلك انهزام القوات الأمريكية في الحرب الفيتنامية.

تتأثر العلاقات الدولية بعوامل عديدة. من ابرز هذه العوامل: العامل الجغرافي، الموارد الأولية، السكان، العامل العسكري، الخ.
العامل الجغرافي:
يعد العامل الجغرافي من ابرز العوامل التقليدية المؤثرة في العلاقات الدولية. فحجم الإقليم له أثر على قوة الدولة؛ إذ إن الدولة ذات المساحة الكبيرة تكون في وضع أحسن من غيرها؛ لأن كبر حجم الإقليم يوفر لها عمقًا استراتيجيًا ويجعل احتلالها أمرًا صعبًا ومكلفًا.
كما أن كبر حجم الإقليم يفسح المجال لتنوع الموارد الاقتصادية حيث تتميز بعض مناطق الإقليم بتوفر مورد اقتصادي فيها – البترول مثلاً – في حين تتميز مناطق الإقليم الأخرى بتوفر موارد أخرى مثل الزراعة والسياحة.
لذا ليس من الغريب أن نجد أن الدول العظمى في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) تشكل أقاليمهما مساحات كبيرة تحتوي على موارد مختلفة. . . وهذه المساحات الكبيرة أعطت كلاً من روسيا وأمريكا مزايا استراتيجية واقتصادية سمحت لهما بتوفير متطلبات الأمن العسكري والاقتصادي.
فكبر حجم الإقليم وفر لكل من روسيا وأمريكا عمقًا استراتيجيًا وجعل اكتساح أي منهما من قبل الآخر باستخدام القوات التقليدية أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلاً. كما يتمتع كل من روسيا وأمريكا بسبب تنوع مواردهما الاقتصادية بشبه اكتفاء ذاتي في المجال الاقتصادي.
لكن ما يجب اعتباره هو أن حجم الإقليم يجب أن لا يؤخذ بمعزل عن العوامل الأخرى، خصوصًا عدد السكان وقوة الدولة العسكرية. فحتى تستفيد الدولة من مساحتها الشاسعة يجب أن يتوفر فيها ما يكفيها من السكان لتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء القوة العسكرية.
فتوفر المساحة الشاسعة بدون العدد الكافي من السكان يمثل في الواقع عبئًا على الدولة وليس ميزة لها. لذا نجد أن العامل الأساسي وراء استفادة كل من روسيا وأمريكا من مساحتها الشاسعة هو توفر عنصر السكان بما يكفي للمتطلبات الاقتصادية والأمنية.
وبالإضافة إلى عدد السكان وأثره على فعالية الإقليم، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو قوة الدولة العسكرية، فالدول ذات المساحات الكبيرة والضعيفة عسكريًا مثل تشاد تواجه مشكلة في حفظ أمنها القومي؛ لأن كبر حجم الإقليم يفرض عليها نشر قوات كبيرة في مناطق شاسعة وهذا قد يكون فوق مقدرتها العسكرية والمالية.
ورغم أن التقدم في الأسلحة الحربية خصوصًا في سلاح الطيران وفر للدولة العصرية ذات الإقليم الواسع أداة هامة وفعالة لحفظ أمنها القومي، إلا أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن الأسلحة الحديثة باهظة الثمن، كما أن سرعة التقدم في تطورها قلل من فعالية القديم منها، لذا تبقى الدولة دائمًا تحت ضغط مستمر لتحديث أسلحتها لتساير التطور في التسليح ولتعوض عن النقص في السكان، وهذا يشكل عبئًا ماليًا مستمرًا عليها.
ولموقع الدولة الجغرافي أثر على أمنها القومي؛ إذ إن وجود منافذ بحرية عديدة للدولة يعطيها أكثر من خيار للاتصال الخارجي وتأمين الإمدادات اللازمة لها. فالمملكة العربية السعودية مثلاً لها منفذ بحري على البحر الأحمر وآخر على الخليج العربي. لذا في حالة تعرض صادراتها أو وارداتها لأي مخاطر في الخليج يمكنها الاعتماد على منافذها على البحر الأحمر لتوفير مستلزماتها من الخارج.
أما كون الدولة داخلية أي ليس لها منفذ بحري – كما هي الحال بالنسبة لأفغانستان – فهذا الوضع يشكل نقطة ضعف في قوتها القومية؛ إذ أنها ستبقى تحت رحمة الدول المجاورة لها لتأمين اتصالها الخارجي خصوصًا الاتصال البحري.
كما أن وجود دولة صغرى جوار إحدى القوى الإقليمية أو الدولية أو بين تلك القوى يفرض على هذه الدولة الصغرى قيودًا على سياستها الخارجية ويجعلها تواجه خيارات صعبة وأحيانًا محرجة. . . فكون سوريا محيطة بلبنان من جميع الجهات البرية –باستثناء الجهة الجنوبية المجاورة لإسرائيل- يفرض قيداً على سياسة لبنان الخارجية يتمثل بالإبقاء قدر الإمكان على علاقات ودية مع سوريا.
ولتعدد الدول المجاورة للدولة أثر على وضعها الأمني ونفوذها الخارجي. فإذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة فإن هذا سيقوي من نفوذها الدولي إذا كان لهذه الدولة الإمكانيات العسكري التي تمكنها ليس من ردع هذه الدول فقط، بل والتأثير عليها. أما إذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة وهي ضعيفة الإمكانيات العسكرية فإن هذا سيشكل عبئًا على الدولة إذ أنها ستواجه ضغوطاً عسكرية مختلفة من هذه الدول المجاورة للتأثير على سياستها سواء الداخلية أو الخارجية.
أما شكل الإقليم وإن كان تأثيره على أمن الدولة القومي أقل من تأثير الموقع إلا أنه مع ذلك كثيرًا ما يكون عاملاً هامًا في تعزيز أمن الدولة أو إضعافه. فكون إقليم الدولة مكونًا من قطعة واحدة متماسكة مثل المملكة يجعلها في وضع أمن أحسن بكثير من ذات الإقليم المتناثر والمكون من جزر عدة مثل اندونيسيا. فبالإضافة على أن تناثر الإقليم يزيد من المتطلبات العسكرية اللازمة لصد أي عدوان خارجي، فإنه يشكل عبئًا على الاتصال الداخلي وعلى الوحدة الوطنية.
ومثلما يؤثر شكل الإقليم على أمن الدولة القومي ووحدتها القومية فإن طبيعة الإقليم لها كذلك أثر على أمن الدولة وقوتها. فالدول ذات الطبيعة الجبلية كثيرًا ما يصعب احتلالها من الخارج؛ إذ أن الجبال تمثل موانع طبيعية ضد الاحتلال. لكن الدول ذات الطبيعة الجبلية تواجه صعوبات في ربط مناطق الإقليم في الداخل، وهذا ما سيحول دون تعزيز الاتصال بين السكان ومن ثم إضعاف الوحدة الوطنية.
أما الدول ذات الإقليم المنبسط أو المكون من سهول وهضاب فهي عادة تكون مكشوفة للعدوان خصوصًا إذا كانت إمكانياتها العسكرية ضعيفة. لكن انبساط الإقليم يساعد الدولة على بناء شبكة قوية من المواصلات الداخلية، ومن ثم تحقيق الوحدة الوطنية.
أما المناخ فيبرز تأثره على وضع الدولة الاقتصادي وإنتاجها القومي. فالدول ذات المناخ المعتدل والبارد عادة ما تكون ملائمة للإنتاج الزراعي والصناعي أكثر من المناطق الحارة.
لذا نجد أن المناطق المتقدمة والصناعية في العالم تقع في مناطق باردة أو تميل للبرودة. في حين نجد أن المناطق النامية تقع في مناطق حارة أو تميل للحرارة مثل المناطق الاستوائية. وهذا ما جعل الدول النامية تعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية أكثر من اعتمادها على الصناعة.

الموارد الأولية:
تعتبر الموارد الاقتصادية حجر الأساس في بناء قوة الدولة. والموارد الاقتصادية عديدة ومتنوعة وما يهمنا منها في قوة الدولة هي الموارد أو السلع الإستراتيجية ونعني بها الموارد الغذائية ومصادر الطاقة.
فالمواد الغذائية تعتبر موردًا اقتصاديًا هامًا وسلعة إستراتيجية لأنها ضرورية لبقاء الإنسان وضمان أمن الدولة الاقتصادي. والدولة التي تعاني من نقص في المواد الغذائية خصوصًا الحبوب عادة ما يكون أمنها الاقتصادي تحت رحمة الدول الأخرى والتي تمدها بالمواد الغذائية.
لذا نجد كثيرًا من الدول تحرص كل الحرص على إنتاج المواد الغذائية الرئيسية بغض النظر عن تكلفتها الاقتصادية؛ إذ تنظر إلى إنتاج هذه المواد من منظور استراتيجي وليس من منظور اقتصادي مجرد، وتبرز أكثر أهمية توفر المواد الغذائية في الدولة خلال فترة الحروب والاضطرابات في المجتمع الدولي حيث يصبح أمن الدولة الغذائية في خطر خصوصًا إذا كانت تعتمد في إمداداتها الغذائية على د ول أخرى.
وتكمن هذه الخطورة في مصدرين؛ الأول: يتمثل في أن الدول خلال الحروب يضعف إنتاجها الاقتصادي بما في ذلك الإنتاج الزراعي، لذا تسعى الدول إلى تخزين إنتاجها من السلع الاستراتيجية مثل الحبوب وعدم تصديرها لتتفادى أي نقص محتمل. أما المصدر الثاني: فيتمثل بتعرض طرق المواصلات البرية والبحرية خلال الحروب والاضطرابات إلى مخاطر عديدة، ويترتب على ذلك شل حركة النقل البري والبحري، ومن ثم نقص الإمدادات الغذائية. لذا تلجأ الدول المستوردة للقمح وغيره من المواد الغذائية إلى تخزين المواد الغذائية الرئيسية بما يكفي للاستهلاك المحلي لفترة من الزمن لتفادي آثار الاضطرابات الدولية على إمداداتها الغذائية.
أما مصادر الطاقة فهي عديدة وتختلف أهميتها من وقت لآخر. لقد كان الفحم يعتبر أهم مصدر للطاقة إلا أن التطور التكنولوجي قلل من أهميته، وأبرز أهمية البترول. فالبترول بالإضافة إلى أنه يمثل المصدر الأساسي للطاقة في المواصلات والصناعة والاستخدامات المنزلية؛ فإن مشتقاته تدخل في إنتاج العديد من السلع الاستهلاكية. لقد أعطى البترول الدول المصدرة له قوة اقتصادية وسياسية مكنتها من التأثير في السياسات الدولية.
أما الدول التي تفتقر للبترول فقد أصبحت تحت رحمة الدول المصدرة له، فبالإضافة إلى تأثير انعدام البترول في أراضيها على أمنها القومي واستقرارها الاقتصادي؛ فإن استيراده يمثل عبئًا على ميزانية مدفوعاتها خصوصًا في الدول النامية والتي تعاني من قلة العملات الصعبة.

السكان:
يعتبر السكان أهم العناصر المؤثرة في مكونات قوة الدول. ويرجع ذلك إلى العلاقة القوية بين قوة الدولة وحجم سكانها. فالدول العملاقة في المجتمع الدولي . . . [مثل] الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي [سابقاً] تمتلك العدد الكافي من السكان لتحقيق متطلبات أمنها الاقتصادي والعسكري.
كما أن الصين الشعبية أصبحت قوة عظمى في المجتمع الدولي نتيجة لحجم سكانها الذي . . . [يزيد عن] أكثر من ألف مليون نسمة. في حين تعتبر الهند بسبب كثافتها السكانية والتي تجاوزت . . . الثمانمائة مليون نسمة مرشحة لدخول نادي القوى العظمى.
غير أن عدد السكان لا يكفي بحد ذاته لتقدير دور السكان في القوة القومية. بل لا بد من معرفة دقيقة لنوعية السكان وتجانسهم ومستواهم الحضاري. فمن حيث النوعية يجب معرفة الجنس وفئات العمر المنتجة في التكوين السكاني في الدولة.
فمعرفة الجنس مهمة خصوصًا في الدول النامية والتي تحد من مساهمة المرأة الاجتماعية والاقتصادية في التنمية القومية. ففي بعض هذه الدول جزء كبير من العنصر النسائي معطل وغير منتج وهذا ما يجعل تأثيره سلبي في محصلة قوة الدولة.
كذلك يتطلب الأمر معرفة فئات العمر في المجتمع لتحديد الأطفال، والشباب، والشيوخ؛ إذ أن مساهمة كل فئة من هؤلاء في قوة الدولة تختلف عن الفئات الأخرى. فالأطفال والشيوخ عادة ما يكون دورهم محدود جدًا إن لم يكن معدومًا في العملية الإنتاجية. في حين يمثل الشباب العمود الفقري في قوة الدولة سواء في السلم أو الحرب.
وبالإضافة إلى معرفة الجنس والعمر يتطلب الأمر معرفة تجانس السكان. فكلما كانت درجة التجانس عالية بين المواطنين كلما زاد ذلك من قوة الوحدة الوطنية داخل حدود الدولة. وهذا بالطبع له أثر إيجابي على قوة الدولة؛ إذ أنه سيزيد من درجة التعاون بين السكان وقت السلم ومن صلابة الجبهة الداخلية وقت الحرب.
كذلك يتطلب تحديد فاعلية عنصر السكان وتأثير أبعادة، معرفة نوعية السكان من حيث مستواهم التعليمي والتقني ورغبتهم في العمل واحترامهم للنظام وإدراكهم لمسؤولياتهم الوطنية وتضحيتهم من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.
وقد يكون عنصر السكان متوفرًا من حيث الكم و الكيف لكن درجة الاستفادة من هذا العنصر دون المستوى المطلوب. وهذا الوضع يقلل من فعالية العنصر السكاني في مقاومة قوة الدولة. إن وجود السكان كمًّا وكيفًا ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لرفع قوة ومكانة الدولة في المجتمع الدولي. وهذا يعني وجوب الاستفادة الحقيقية من السكان في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقت السلم وفي الدفاع عن الوطن والأمة وقت الحرب.
إن الاهتمام بعنصر السكان واحتلاله مكانة الصدارة بين العناصر الأخرى يرجع إلى أهمية هذا العنصر وقت السلم ووقت الحرب. ففي السلم يعتبر السكان عنصرًا من عناصر الإنتاج والدولة التي تعاني من قلة هذا العنصر تضطر لاستقدام الأيدي العاملة الأجنبية للمساهمة في التنمية الوطنية. ولهذه الخطوة سلبيات عديدة على الثقافة الوطنية والأمن الوطني.
أما في الحرب فتبرز مساهمة العنصر البشري بشكل أكبر، ذلك أن الدولة التي تتمتع بنسبة عالية من السكان تكون مقدرتها أكبر من غيرها في الصمود والقتال. ورغم التطور السريع الذي حصل في تكنولوجيا الأسلحة الحربية ودخول الأسلحة الذرية فلا يزال للحرب التقليدية شأن في العلاقات الدولية، ولا يزال لتفوق الدولة في عنصر السكان أثر في مجرى هذه الحرب وتحديد نتائجها.

العامل العسكري:
حتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية، إلا أن زيادة تأثير العناصر الأخرى أنهى هذا الاحتكار للقوة العسكرية فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي بين عناصر عديدة تشكل في مجموعها القوة القومية.
والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في السياسات الدولية. إن تحليل القوة العسكرية لأي دولة يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار عددًا من العوامل، ومن بين هذه العوامل العدد، العتاد، المبدأ الاستراتيجي، والروح المعنوية.
فمن حيث العدد كلما كبر عدد الجيش كلما زاد تأثير فعاليته العسكرية. ورغم التقدم في الأسلحة الحربية فلا يزال لعدد أفراد القوات المسلحة دورًا هامًا في تشكيل القوة العسكرية للدولة. فالدولة ذات العدد الكبير من أفراد القوات المسلحة تكون أقدر من غيرها في العمليات العسكرية سواء كانت دفاعية أو هجومية؛ إذ أنها ستكون قادرة على تحمل الخسائر البشرية.
ويدخل ضمن عدد القوات المسلحة كل أفراد الأجهزة العسكرية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي. لذا يدخل ضمن عدد القوات المسلحة الميليشيات العسكرية، الحرس الوطني، وغيرها من التنظيمات العسكرية المشابهة .
أما العتاد العسكري فقد تنوع وتطور بسرعة مذهلة. وهذا التطور والتنوع السريع مضافًا إلى السرية التي تحاط بامتلاكه والتعقيد في استخدامه يجعل من الصعب تحديد معيار محدد لنوعية العتاد العسكري الأكثر فعالية. إن المهم في تقييم قوة الدولة العسكرية رصد مؤشرات قوية تدل على أن الدولة تمتلك أسلحة عسكرية حديثة كافية للردع أو الهجوم.
وامتلاك السلاح وحده لا يكفي، بل المهم أيضًا القدرة على صيانته بعد امتلاكه خصوصًا وأن الأسلحة الحديثة في غاية التعقيد من الناحية التكنولوجية وتتطلب صيانتها كفاءة فنية عالية. هذا المطلب يجعل الدول النامية دائمًا في وضع صعب؛ إذ أنها قد تكون قادرة على شراء السلاح لكنها تواجه صعوبات في صيانته والمحافظة عليه بشكل جيد.
وبالإضافة إلى القدرة على الصيانة يجب اعتبار قدرة الجيش الوطني على استخدام السلاح بكفاءة. لذا أصبحت أهمية التدريب على السلاح لا تقل عن أهمية امتلاكه؛ إذ أن جعل السلاح العسكري في أيادي أجنبية يشكل نقطة ضعف كبيرة في بناء الدولة العسكري.
إن العدة والعتاد لا تكفي بحد ذاتها لضمان نصر عسكري للدولة في حروبها الدفاعية أو الهجومية. بل يتطلب الأمر اعتبار المبدأ الاستراتيجي للدولة. والمقصود بالمبدأ الاستراتيجي: الخطة العامة للقتال وأسلوب تنفيذها. فأحيانًا يتوفر لدى الدولة العدد الكافي من المقاتلين وتمتلك أسلحة كافية وحديثة إلا أن عدم سلامة مبدأها الاستراتيجي يترتب عليه هزيمة ساحقة لها، كما حصل للقوات العربية خلال الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967م، لذا أصبح تطوير مبدأ استراتيجي سليم للقوات العسكرية للدولة من الأهمية بمكان وأصبح الاهتمام ببناء فكر عسكري مطلبًا أساسًا لتحقيق الجدوى المتوقعة من تجنيد الشعب وامتلاك السلاح.
أخيرًا قد يتوفر عدد كبير من أفراد الجيش، وسلاح من نوعية جيدة، ومبدأ استراتيجي سليم. ومع ذلك فإن البناء العسكري للدولة خصوصًا في وقت الحرب يتسم بالضعف العام. في هذه الحالة يعزى الضعف إلى ضعف الروح المعنوية للمقاتلين. و . . . [يقصد] بالروح المعنوية استعداد المقاتلين للتضحية والعمل بروح عسكرية عالية.
لذا أصبح رفع الروح المعنوية للمقاتلين خصوصًا وقت الحروب من الأهمية بمكان لرفع كفاءة الجيش وأدائه ورفع الروح المعنوية يتم من خلال إيجاد الاستعداد التام لدى الجندي المقاتل للانضباط وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في ميدان القتال، وقناعته التامة بالهدف الذي يقاتل من أجله، وحماسه المطلق للتضحية من أجل تحقيق الهدف المنشود.
إن انخفاض الروح المعنوية قد يكون السبب الرئيسي وراء انهزام جيوش ذات أسلحة متقدمة ومبدأ استراتيجي سليم. ومثال ذلك انهزام القوات الأمريكية في الحرب الفيتنامية.


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

العلاقات الأوربية المغاربية

ملتقى العلاقات الأوربية المغاربية

مقدمة حول العلاقات الأوربية المغاربية

لقد عرفت دراسة العلاقات الدولية عبر تطورها العديد من التغيرات على مستوى مناهجها أو المسلمات الرئيسية فيها، فقد ساد لوقت طويل أن العلاقات الدولية تمثل في الأساس العلاقة بين مجموع الدول التي تكون النظام الدولي ، فكانت الدولة و لوقت طويل وحدة التحليل المركزية في دراسة العلاقات الدولية و هذا ما تأكد مع دخول الدراسة مرحلة العلمية من خلال ظهور المدرسة الواقعية التي عملت على تكريس هذه المسلمة كما هو معروف، غير أن مجموع النقاشات الفكرية و العلمية التي شهدتها مرحلة الخمسينيات في مجال العلاقات الدولية جعلت من التسليم بأن الدولة هي الفاعل الوحيد في دراسة الع. الد أمر يجب تجاوزه و اعتباره طرح تقليدي كون الدولة هي الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية ، و أن مصالحها تقتضي التصرف دائما بالقوة تجاه الوحدات السياسية الأخرى. فالمدخل الصراعي التنازعي لتحقيق مصلحتها لم يعد مجد خاصة في ظل ارتفاع تكلفة الحروب و حجم الدمار الذي تخلفه ( الحربين العالميتين الأولى و الثانية)، بحيث لم يعد بمقدور الدول تحمل أعباء و تبعات مثل هذه السلوكات الحربية. فكان المجال عندها مفتوح للبحث عن مداخل أخرى بشكلها السلمي لضبط العلاقات بين الدول بما يحقق الأمن و السلم الدوليين و تطورت هذا التوجه من خلال ظهور أبحاث السلام خاصة عبر الفكر الوظيفي و ما جاء به من مفاهيم و مفردات جديدة في العلاقات الدولية كانت بمثابة التغيير الفعلي في أبجديات الع. الد و زعزعة للمسلمات التقليدية، و قد تدعمت مثل هذه الأطروحات الفكرية بانجازات على المستوى الميداني أثمرت عن ظهور محاولات لتحقيق نوع من التكامل و الاعتماد المتبادل بين الدول وفق منهج سلمي تعاوني كان أبرزها التجربة التكاملية للاتحاد الأوروبي،و إحياء دور الأمم المتحدة كمنظمة دولية مسؤولة عن تحقيق الأمن و الاستقرار الدوليين.
و قد لاقت مثل هذه التوجهات قبولا على المستوى الفكري و كذلك الواقعي لتعرف بعدها العلاقات بين الدول عصر التكتلات و التكاملات في مستواها الاقتصادي أو السياسي، بعدما أثبتت التجارب ميزات لهذا المدخل السلمي التعاوني على الدول على مستوى النظام الدولي العالمي أو الإقليمي.
بالتالي في تركيزنا على الجانب التعاوني في العلاقات الدولية سنحاول التطرق من خلال هذا الملتقى إلى جانب فرعي من هذه التفاعلات الدولية ، إذ سنحاول دراسة ما يعرف بالتعاون الأوروبي المغاربي .
لكن قبل الشروع و الحديث عن المواضيع المتعلقة بهذه العلاقة ينبغي منهجيا و مراعاة للدراسة العلمية الأكاديمية التطرق أولا إلى وضع الإطار النظري و الخلفية الفكرية التي سنعالج من خلالها موضوع الملتقى و نحاول فهم هذه العلاقات في هذه الرقعة الجغرافية من العالم.
لهذا فالإشكالية المحورية في هذا الملتقى هي مرتبطة: بماذا و كيف سندرس مضمون هذه العلاقة ؟ و ما هي الزاوية الفكرية المناسبة لفهمها و تفسيرها ؟ هل من خلال: – مستوى التحليل النظامي؟ كذلك كيف سندرسها هل عبر فترة تاريخية واحدة مستمرة أم عبر فترات تاريخية مختلفة؟
لهذا سنحاول تبيين طبيعة العلاقات بين هذه الوحدات ) الاتحاد الأوروبي ، دول المغرب العربي (. و الوقوف على مجالاتها، ميادينها، وكذا معوقات تفعيلها…
الفرضية:
1- سندرس العلاقات الأورومغاربية من خلال مستوى النظام الفرعي (تحليل نظامي).
2- سندرس العلاقات الأورومغاربية عبر مراحل تاريخية من خلال المنهج التاريخي المقارن.

هناك 03 تقاليد رئيسية في العلاقات الدولية:
1- المجتمع الدولي.
2- النظام الدولي.
3- المدرسة الواقعية.
كما أشرنا سابقا، فإن ميزة العلاقات و التفاعلات الدولية بعد الخمسينيات -مع ظهور الفكر الوظيفي- أصبحت تميل إلى المدخل التعاوني السلمي في تنظيم علاقاتها، لهذا سنتبنى في دراستنا لهذه العلاقات المغاربية الأوروبية طرح الدراسة النظامية من خلال التركيز على منطقة جغرافية (إقليم) كجزء من الكل أي النظام الدولي و الذي يمثل مجموعة من الفواعل لتي تتفاعل فيما بينها ( دول ، مؤسسات…)، لذا فنتبنى التحليل النظامي، أي من منظور نظام فرعي جيوبوليتيكي.
لهذا فالزاوية الفكرية المناسبة لهذه الدراسة تتمثل في الدراسة النظامية و ذلك للعديد من الاعتبارات:
– يمكن التركيز على البعد الجغرافي لهذه العلاقات ، فنجد بأنها تضم وحدات سياسية من منطقة جغرافية أو إقليم جغرافي واحد ، على إعتبار أن هذه الوحدات تحاول إيجاد نوع من التكيف القانوني في ظل نظام إقليمي .
– المنظور الجديد يؤكد على ضرورة الاعتراف بزيادة تعقد هيكل النظام الدولي بسبب تنوع و تعدد الفواعل على الساحة الدولية بحيث أن دراسة العلاقات الدولية امتدت إلى مستويات أخرى غير المستوى العادي الذي كانت تسيطر فيه الحكومات و الدول علي جل التفاعلات الدولية ، إذ ظهرت هناك من مستويات التفاعل ما هي فوق قومية ، أو عبر حكومية ..الخ
و يتميز التحليل النظامي الفرعي بمجموعة من الخصائص:
– وجود انتظامات في السلوك السياسي يمكن التعبير عنها من خلال تعميمات و نظريات عامة .
– هناك إمكانية للاختبار من صحة هذه النظريات و التعميمات.
– وجود تقنيات لجمع المعلومات و تفسيرها.
– إتباع الأساليب الكمية و القياس في تسجيل البيانات.
المنهج المتبع هو: مؤسساتي تعددي.
بعد تحديد إطار الدراسة و المنتهج المتبع، نتطرق إلى الإشكالية الثانية المتعلقة بدراسة العلاقات عبر فترة تاريخية متصلة أو عبر فترات تاريخية متقطعة و يمثل هذا الزاوية الفكرية الثانية التي يمكن أن ندرس من خلالها العلاقات.
فيمكن التطرق دراسة إلى العلاقات الأوربية المغاربية من خلال دراسة تاريخية و فق منهج تاريخي مقارن لمختلف المراحل التي مرت بها هذه العلاقات و كذلك مختلف التطورات و الخصائص التي ميزت كل مرحلة ، وذلك من مرحلة الحوار العربي الأوروبي ،إلى مرحلة التعاون الأرومتوسطي ، وصولا إلى المرحلة التي تعرف بالشراكة.

من المؤكد بأن التطورات التي توصلت إليها النقاشات الفكرية في مجال العلاقات الدولية قد انتقلت بنا إلى مستوى معين من التفكير الذي استطعنا من خلاله تجاوز الطرح التقليدي الذي مفاذه بأن الدولة هي الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية ، و أن مصالحها تقتضي التصرف دائما بالقوة تجاه الوحدات السياسية الأخرى .
و بالتالي فقد أصبح هناك طرح مغاير تماما لما سبق ، فالعلاقات الدولية و في مراحل تاريخية مختلفة عرفت بلورة نوعين من العلاقات أو من التفاعلات ، فهناك تفاعلات نزاعية صراعية و أخرى تعاونية سلمية ،و الأكيد بأن هذه الأخيرة هي التي سيطرت على التفكير في العلاقات الدولية و حتى على مستوى واقع العلاقات الدولية . و بالتالي في تركيزنا على الجانب التعاوني في العلاقات الدولية سنحاول تخصيص دراستنا في جانب صغير من هذه التفاعلات الدولية ، إذ سنحاول دراسة ما يعرف بالتعاون الأوروبي المغاربي .

لهذا فمن الضروري تحديد الأطر الفكرية أو العلمية التي من خلالها يمكن فهم هذه العلاقات في هذه الرقعة الجغرافية من العالم ، و ذلك بمحاولة التعرف على طبيعة العلاقات بين هذه الوحدات ) أروبا ، المغرب العربي ( بتحديد ما إذا كانت العلاقات فعلا تعون أم تبادل أم شراكة ….
ثم محاولة تحديد مميزات هذه العلاقات و كذا مجالاتها ، إضافة إلى التعرض للمعوقات أو ا لمشاكل التي تهدد هذه العلاقات . لكن قبل هذا وذاك لا بد من تحديد الإطار النظري أو الزاوية الفكرية التي من خلالها يمكن الانطلاق في هذه الدراسة ، و بالتالي : كيف يمكن دراسة العلاقات الأوروبية المغاربة ؟ و من أي زاوية فكرية يمكن التطرق لهذه العلاقات ؟

من المعروف بأن هناك ثلاث تقاليد في العلاقات الدولية تعتبر بمثابة المفاتيح التحليلية في دراسة موضوعات العلاقات الدولية، فنجد المجتمع المدني ، النظام الدولي ، ونجد المدرسة الواقعية .و الأكيد بأن كل واحدة من هذه التقاليد يمثل واحدة من المداخل الفكرية التي سنحاول من خلالها دراسة نموذج العلاقات الأوربية المغاربية .
فيمكن الانطلاق في الدراسة من منطلق المجتمع الدولي باعتباره مجموعة من الفواعل لتي تتفاعل فيما بينها .كما يمكن الانطلاق من منطلق نظمي بالتركيز على نظام إقليم معين أي نظام فرعي sub system، كما يمكن الإعتماد كذلك على المدرسة الواقعية و بما جاءت به من أفكار كمرجعية فكرية .هذا من جهة .
و من جهة أخرى ، يمكن التطرق إلى العلاقات الأروبية المغاربية من خلال الدراسة وفق عقلانية زمنية ، أو عن طريق دراسة تاريخية لمختلف المراحل التي مرت بها هذه العلاقات و كذلك مختلف التطورات و الخصائص التي ميزت كل مرحلة ، وذلك من مرحلة الحوار العربي الأروبي ،إلى مرحلة التعاون الأرومتوسطي ، وصولا إلى المرحلة التي تعرف بالشراكة .
يمكن أن نستنتج من خلال ماحاولنا تحديده من مداخل لدراسة العلاقات الأروبية المغاربية أن الزاوية الفكرية المناسبة لهذه الدراسة تتمثل في الدراسة النظامية و ذلك للعديد من الأعتبارات :
فمن جهة يمكن التركيز على البعد الجغرافي لهذه العلاقات ، فنجد بأنها تضم وحدات سياسية من منطقة جغرافية أو إقليم جغرافي واحد ، على إعتبار أن هذه الوحدات تحاول إيجاد نوع من التكيف القانوني في ظل نظام إقليمي .
و من جهة أخرى يمكن القول بأن المنظور الجديد يؤكد على ضرورة الإعتراف بزيادة تعقد هيكل النظام الدولي بسبب تنوع و تعدد الفواعل على الساحة الدولية بحيث ان دراسة العلاقات الدولية امتدت إلى مستويات أخرى غير المستوى العادي الذي كانت
تسيطر فيه الحكومات و الدول علي جل التفاعلات الدولية ، إذ ظهرت هناك من مستويات التفاعل ما هي فوق قومية ، أو عبر حكومية ..الخ.

و بالتالي من الضروري الإعتماد على مستوى النظام الإقليمي في تحليل هذه الأنواع الجديدة من التفاعلات و الترابطات ،حيث أن التحليل وفق النظام الفرعي كأداة للتحليل مرتبط بتصورين :
1-بعد أن أثبتت الدولة عجزها عن بلورة علاقات ذات طابع سلمي، إضافة إلى فشلها في تحقيق الأمن و السلم،جاء دور فواعل جديدة في العلاقات الدولية غير الدول ) منظمات ،مؤسسات عبر وطنية …( و ذلك لتحقيق نوع من التعاون الوظيفي بين الدول خاصة مع التحول الكبير في مفهوم القوة ، والتراجع التدريجي لسيطرة مفهوم القوة العسكرية لصالح القوة الاقتصادية ،إضافة إلى تراجع مفهوم الأيديوليجية لصالح تطور الاهتمامات الاقتصادية .
2- التطور الكبير الحاصل على مستوى الأفكار السلوكية ، و ما جاءت به نظريات التكامل الوظيفي و خاصة أفكار الوظيفية الجديدة و ما استحدثته من مفاهيم جديدة أرادت من خلالها تكيف الترابطات الجديدة في نوع من التفسير العلمي )الإعتماد المتبادل .

وبهذا اكون قد انتهيت من عرض الموضوع الاول والحمد لله
والى موضوع اخر اترككم في رعاية الله وحفضه


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

مقدمة لملتقى العلاقات الأورومغاربية


مقدمة لملتقى العلاقات الأورومغاربية

في أوائل ومنتصفات القرن التاسع عشر كانت تسود العلاقات المغاربية الأوروبية نوع من علاقات استعمارية،حيث جنا منها الجنوب الإفريقي الويلات تلوى الويلات وكذالك الخراب،بينما كانت هذه العلاقات بالنسبة لأوروبا بمثابة المستودع أو المورد الأساسي الذي يمدها بكل مصادر القوة،ويكسبها مكانة سياسية دولية هامة،وفي نهاية الحملة الاستعمارية القديمة تحولت العلاقات بين هاذين الطرفين إلى علاقة يشوبها نوع من الغموض والريب عن طبيعتها وكذلك مكانتها في النظام الدولي من جهة وفي الحدود الإقليمية من جهة أخرى،وذلك نظرا لاختلال الميزان الاقتصادي بين الطرفين بالإضافة على أن دول الشمال الإفريقي حديثة عهد بالاستقلال،ونظرا لهذه التعقيدات في الخلفية التاريخية كيف يمكن لنا أن ندرس هذه العلاقات ؟ولمـاذا ؟.
إشكالية:هي تحديد الإطار النظـــري للدراسـة.
لقد رست الدراسات العلمية في مجال العلاقات الدولية إلى تقاليــد ثلاثــــة:
1- لزاوية الفكرية الأولى المدخل النظري كأداة للتحليل:
لقد رست الدراسات العلمية في مجال العلاقات الدولية إلى تقاليد ثلاثة:
1- المجتمع الدولي: (هي فواعل تتفاعل فيما بينها، دراسة بتكييف قانوني ).
2- النظام الدوليتعليم_الجزائر وحدات متشابكة المصالح والقيم من الدول وغيرها من الوحدات).
3- المدرسة الواقعيةتعليم_الجزائرتشمل كل الأفكار التي مهدت لنظرية علمية في العلاقات الدولية ).
2 – الزاوية الفكرية الثانية دراسة العلاقات الأوروبية المغاربية:
يمكن فهمها من خلال مراحل:
المرحلة الأولى:تعرف بالحوار شمال جنوب (الحوار العربي الأوروبي).
المرحلة الثانية:تعرف بمرحلة التعاون (التعاون الأورومتوسطي اتفاقية روما1975).
المرحلة الثالثة:تعرف بالشراكة (الشراكة الأورومتوسطية إعلان برشلونة 1995).
3 – الزاوية الفكرية الثالثة الشراكة الأورومغاربية كنموذج للدراسة:
في ظل دراستنا للعلاقات الأوروبية المغاربية سنحاول وضع وتحديد إطار نظري للدراسة فالإشكالية تكمن في البحث عن إطار نظري يمكن من خلاله إعطاء عضوية للتحليل (ربط علمي ومنطقي وواقعي).وبالتالي السؤال الذي يطرح كيف سندرس هذه العلاقات الأورومغاربية؟
الدراسة النظاميةتعليم_الجزائرالنظم الفرعية).إن المجتمع المدني الدولي يتكون من مجموعة الدول المتفاوتة القوى والنفوذ والسلطة وينتج عن ذلك أن الدول الصغيرة تجد نفسها مضطرة للرد عل تصرفات الدول الكبرى التي تريد الهيمنة ولكن لايمكن نفي وجود مجالات الارتباط والتبادل لايمكن تفسيرها في إطار فرضية القوة في العلاقات الدولية،أما من منظور أن الدول في حاجة إلى التعاون لأنه إذا كان القصد من النفوذ والقوة هو ضمان الحاجات والخدمات الضرورية للبقاء والاستمرار فإن التعاون يؤدي بالضرورة إلى نفس النتيجة لكن بطرق مختلفة سليمة تؤدي إلى الاعتماد التبادل بين الدول مهما كانت قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية فهي لايمكن لها توفير كل حاجات ومقومات وجودها واستمرارها، إن الدارسات العلمية للعلاقات الدولية شهدت عدت منظورات ساد كل منها في مرحلة معينة من مراحل تطور هذه الدراسة و تبلورت الاختلافات بين هذه المنظورات المتعاقبة فإذا كانت سياسة القوى الكبرى قدعكست خبرة النصف الأول من القرن 20 وحتى العقد السابع،فإن خبرة الربع الأخير من هذا القرن قد أبرزت تغيرات هيكلية في السياسات الدولية يترتب عليها عدم ملائمة دراستها من خلال منظور سياسات القوى ومن ثمة ظهرت الحاجة إلى اتساع النظرة التحليلية التي ترتكز على الدول فقط ولبروز أهمية موضوعات جديدة تحدث تحولا في النظام الدولي المعاصر تحت تأثير قوى الاعتماد المتبادل الدولي المعقد فلقد اقتضت هذه الأوضاع الدولية المتطورة، النظر للعالم باعتباره نظاما من التفاعلات التي يلعب فيها فاعلون آخرون من غير الدول دورا مهما حول موضوعات سياسية واقتصادية جديدة تخلق عمليات جديدة تتجه بالنظام نحو نوع من التعاون والتكييف وليس نحو العنف والصراع فقط،لكن السؤال الذي يطرح هنا،هل القوة والقدرة كمفاهيم رئيسية للتحليل في الع.الد لها نفس المعنى كما كانت في 50 مع الواقعية والقوة العسكرية؟.

نظرا للتطورات التي يشهدها المحيط الاقتصادي على المستوى الدولي الذي اثر بدوره على إستراتيجيات التسيير خاصة بالمؤسسات الاقتصادية التي وجدت نفسها مجبرة على مسايرة هذه التحديات الجديدة و بالنظر إلى الفوارق الاقتصادية التي تميز دولة عن أخرى و المؤسسات عن بعضها البعض، و في ضل اقتصاد السوق و توسع الاستثمارات و تطور المنافسة الاقتصادية بين المؤسسات لجأت العديد من المؤسسات الاقتصادية إلى السياسة الاحتكارية باتحاد مؤسستين أو أكثر في ميدان معين في مواجهة ظاهرة المنافسة العالمية إلا أن سياسة الاحتكار ما لبثت أن تحولت إلى إستراتيجية في التعاون بين المؤسسات الاقتصادية أو بين الدول أي سياسة إستراتيجية الشراكة.
يعتبر الطرف الأوروبي هو صاحب المبادرة سواء على المستوى النظري أو العملي، فهل موقع الطرف الأوروبي- القوي- جعله يضع حسابات دقيقة تمكنه من التحكم في مسار مشروع الشراكة بما يخدم مصالحه باستمرار -و لو من جانبه فقط-، و حتى لا تنقلب عليه نتائج المشروع أو تؤدي إلى خسارته؟
و لقد أدخل الإتحاد الأوروبي مفهوم الشراكة في علاقته مع الدول المتوسطية و هذا بسبب الأهمية الإستراتيجية للمتوسط ،التي تستند إلى بعد حضاري ، و تكتل بشري ، و موارد طبيعية مهمة، عادت به إلى الاهتمام الدولي،هذه العودة تجسدت في تطوير الإتحاد الأوروبي لسياسته المتوسطية سنة 1989 حيث أصدرت اللجنة الأوروبية في نفس العام وثيقة بعنــوان إعـادة توجيه السياسة المتوسطية بصفة أساسية ، هذه السياسة تمثلت في الشراكـة الأورومتـوسطية PARTENARIAT EURO-MEDITERRANEEN التي تأتي حسب بيان برشلونة الذي يحث على التعاون الشامل و المتضامن.

و قبل التطرق إلى الإتحاد الأوروبي و أبعاد مشاريعه المتوسطية يجب أولا معرفة مفهوم الشراكة و الشراكة الإستراتيجية، و قواعدها و أشكالها و مميزاتها و أسباب اللجوء إليها و انعكاساتها…..
مـاهي الشراكـة الإستراتيجيـة؟
قبل الخوض في تحديد معنى الشراكة الإستراتيجية فلا بد من توضيح معنى الإستراتيجية و التي أصبحت كثيرة الاستعمال في ميادين عديدة خاصة الإقتصادية بعدما كانت منحصرة على المجال العسكري.

إن الإستراتيجية: هي الطريقة المنهجية التي تتبعها المؤسسة في صياغة أهدافها التنموية مع التغييرات التي يفرضها المحيط الذي تعيش حوله ووفقا للوسائل و الإمكانيات التي تمتلكها لتحقيق فعالية دائمة في ديناميكية المؤسسة على مختلف نشاطاتها.

تعـريف الشراكـة:
يختلف مفهوم الشراكة باختلاف القطاعات التي يمكن أن تكون محلا للتعاون بين المؤسسات و باختلاف الأهداف التي تسعى إليها الشراكة.

و في هذا الشأن فإنه في حالة إشراك طرف آخر أو أكثر مع طرف محلي أو وطني للقيام بإنتاج سلعة جديدة أو تنمية السوق أو إي نشاط إنتاجي أو خدمي أخر سواء كانت المشاركة في رأس المال أو بالتكنولوجيا فإن هذا يعتبر استثمارا مشتركا و هذا النوع من الاستثمار يعتبر أكثر تمييزا من اتفاقيات أو تراخيص الإنتاج حيث يتيح للطرف الأجنبي المشاركة في إدارة المشروع. يمكن القول إذا أن الشراكة هي شكل من أشكال التعاون و التقارب بين المؤسسات الإقتصادية باختلاف جنسياتها قصد القيام بمشروع معين حيث يحفظ لكلا الطرفين مصلحتهما في ذلك.

الشراكـة الإستراتيجيـة:

تعتبر الشراكة الإستراتيجية الطريقة المتبعة من طرف المؤسسات في التعاون مع بعضها البعض للقيام بمشروع معين ذو اختصاص (Spécialisation ( وهذا بتوفير و تكثيف الجهود و الكفاءات علاوة على الوسائل و الإمكانيات الضرورية المساعدة على البدء في تنفيذ المشروع أو النشاط مع تحمل جميع الأعباء و المخاطر التي تنجم عن هذه الشراكة بصفة متعادلة بين الشركاء.
أهم النظريات المفسرة لظاهرة الشراكة:
يعتبر موضوع الشراكة من القضايا التي تناولتها نظريات التكامل بصفة عامة و على رأسها النظرية الوظيفية، حيث بينت أن الشراكة هي مرحلة أولية قبل تحقيق الاندماج الكلي، حيث تكون العلاقة بين طرفين قائمة على أساس التعاون لترتقي إلى مرحلة الشراكة في قطاعات محددة لتفتح هذه الأخيرة المجال لتحقيق و توسيع مجال الشراكة و التعاون الذي قد يرتقي في النهاية إلى تكوين مؤسسة اندماجية.و هذا ما نجده مثلا في محاولات الجزائر المتكررة لاكتساب عضوية في الاتحاد الأوروبي و التي باءت بالفشل، غير أن بديل الشراكة في قطاعات معينة مع دول الاتحاد يعتبر مكسب مهم كخطوة أولية لتحقيق الانضمام الكلي.
بالإضافة إلى هذا المدخل النظري الكلي، فقد اهتم الفكر الاقتصادي بإستراتيجية الشراكة و صاغ لها نظريات عديدة قصد تنميتها و العمل بها من بين هذه النظريات نجد:
1- نظرية تبعية المورد:
تعد هذه النظرية الأولى من نوعها و التي ساهمت في تحليل أهداف الشراكة فالمؤسسة التي ليس بإمكانها استغلال و مراقبة كل عوامل الإنتاج تلجا إلى اتخاذ سبيل الشراكة مع مؤسسات إقتصادية أخرى للعمل في مجال نشاطاتها. فمثلا الشركات البترولية العالمية غير المنتجة للمحروقات تسعى لاستغلال إمكاناتها و طاقاتها التكنولوجية و التقنية المتطورة و هذا باستيراد المواد البترولية الخام و إعادة تحويلها و تصنيعها ثم تقوم بتصديرها على شكل مواد تامة الصنع مع الإشارة إلى فارق السعر بين شراء المواد الخام و إعادة بيعها في شكل آخر مع العلم أن عمليات التحويل و التصنيع للنفط الخام يمكن القيام بها في البلد الأصلي ( المنتج) و لتدارك هذا الموقف غير العادل فإن الدول الأصلية ( المنتجة ) قصد استغلال إمكاناتها بصفة شاملة،عمدت إلى منح تسهيلات جبائية للشركات ذات الاختصاص في تحويل المواد البترولية قصد القيام بمثل هذه النشاطات محليا .
2- نظريـة تكـاليف الصفقــات:
إن المؤسسة الإقتصادية و حفاظا على توازنها و استغلال الأمثل لمواردها الإقتصادية يجب أن تعمل على الحفاظ العقلاني للموارد التي تمتلكها و هذا بتقليص التكاليف في الإنتاج و استغلال كل التقنيات التي تساهم في تطوير الإنتاج كما و نوعا.
3- نظريـة المجمـوعــات:
حيث أن هناك مجموعات احتكار السوق من قبل الأقلية و هذه النظرية تعتمد على توطيد التعاون بين المؤسسات الإقتصادية في شكل احتكاري و ضرورة الاهتمام بجميع المجالات الحساسة في الاقتصاد العالمي و التي تعد مركز قوة و عامل في تماسك المؤسسات الإقتصادية و نجاحها و التي نجد منها نشاطات البحث و التطوير و التي تعد عاملا حساسا في تطور المؤسسات الإقتصادية و تجاوبها مع التطورات التكنولوجية.

4- نظريـة الإنتاج الدولي و إستراتيجية العـلاقـات:
وفقا لهذه النظرية فإن الشراكة بين المؤسسات تتجلى في طريقتين.
أ- أولهما تتمثل في كون الشراكة هي طريقة لتفادي المنافسة مما يؤدي إلى تكوين إستراتيجية علاقات و ترابط بين الشركاء.
ب- تتمثل في كون الشراكة وسيلة لتوطيد امتياز تنافسي للمؤسسة بشكل يجعلها تقاوم المنافسين لها.
تأثيرات الشراكة:
وهذا يمكن التماسه من الآثار المترتبة على الشراكة، و التي يمكن تلخيصها على الأقل نظريا، و كهدف منشود فيما يلي: من أهم الآثار الناجمة عن الشراكة(1):
– رفع مستوى دخول المؤسسات الإقتصادية إلى المنافسة في ضل اقتصاد السوق و العولمة.
– وضع حد للتبعية الإقتصادية.
– تشجيع المستثمرين ( وطنينا أو أجانب ) ما بين الدول.
– تطوير الطاقات الكامنة و غير المستغلة.
– إعادة تطوير الموارد و المواد الأولية المحلية.
– تطوير إمكانيات الصيانة.
– تطوير الصادرات خارج المحروقات.
– خلق مناصب شغل.
– سياسة توازن جهوية بين مختلف القطاعات.
– تحويل التكنولوجيا و الدراية المتطورة و تقنيات التسيير. و هذا كله متوقف على مدى مرونة الدولة و فعاليتها في تطوير هذه الإستراتيجية عن طريق .
– تخفيف القواعد التنظيمية DEREGLEMENTATION. .
– تخفيف عامل الجباية DEFISCALISATION.
– تسهيل المعاملة البيروقراطية DEBUREAUCRATISATION