التصنيفات
العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير

بحث النمو الاقتصادي والعوامل المتحكمة فيه .جاهز

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على المصطفى الامين
اما بعد

:
فإني أضع بين ايديكم هذا البحث الذي كنت قد أنجزته العام الماضي وارجو ان تعم به الفائدة

ملاحظة: أرجو ان تشاركونا بردودكم ونسال الله التوفيق لنا ولكم و لسائر المسلمين

المقدمة :
يعتبر النمو الاقتصادي في أي بلاد ذو أهمية بالغة في الارتفاع بمستوى الناتج (الدخل) وبالتالي رفع المستويات المعيشية للجماعات الفقيرة في دولة ما فهذا النمو هو نعمة كبرى للبلد الذي يعتبره هدفا أساسيا للسياسة ومنه فالنمو الاقتصادي يعتبر أيضا أحد أهم مواضيع العصر التي لابد من الوقوف عليها، وفي بحثنا هذا سوف نتطرق إلى جزئين هامين في بناء الموضوع من خلال :
– معرفة ماهية النمو الاقتصادي.
– الأسس النظرية للنمو الاقتصادي.
وهذا دائما ضمن الجزء الأول، أما الجزء الثاني فسنخصه للحديث عن :
– النمو الاقتصادي في الجزائر
وهذا كنموذج للدولة الفقيرة.

النمو الاقتصادي والعوامل المتحكمة فيه
الخطة المقترحة في انجاز البحث :
مقدمة
– الفصل الأول : ماهية النمو الاقتصادي
المبحث الأول : تعريف النمو الاقتصادي
المبحث الثاني : عناصر النمو الاقتصادي
المبحث الثالث : خصائص النمو الاقتصادي
المبحث الرابع : استراتيجيات النمو الاقتصادي
– الفصل الثاني : الأسس النظرية للنمو الاقتصادي
المبحث الأول : النظريات التقليدية
المبحث الثاني : النظريات الحديثة
المبحث الثالث : النظريات المعاصرة
– الفصل الثالث : العوامل المؤثرة في النمو الاقتصادي و معوقاته
المبحث الأول : رأس المال المادي
المبحث الثاني : الابتكار
المبحث الثالث : رأس المال البشري
المبحث الرابع : معوقات النمو الاقتصادي
– الفصل الرابع : النمو الاقتصادي في الجزائر
المبحث الأول : خصائص
المبحث الثاني : توزيع النمو
المبحث الثالث : التحديات الكبرى
المبحث الرابع : مؤشرات التنمية الاقتصادية في الجزائر
– الخاتمة

الفصل الأول : ماهية النمو الاقتصادي :
المبحث الأول : تعريف النمو الاقتصادي :
– يعرف النمو الاقتصادي بأنه الزيادات المستمرة في الدخل الحقيقي وذلك في الأجل الطويل وتعتبر الزيادات المضطرة في الدخل نموا اقتصاديا .
– كذلك يعرف النمو الاقتصادي بأنه معدل التغير في “متوسط الناتج للفرد” (نصيب الفرد من الناتج القومي في المتوسط) ، وهو الوسيلة لتحقيق مختلف الأغراض .
أيضا يعرف بأنه يشير إلى الزيادة المستمرة في متوسط الدخل الحقيقي للفرد عبر الزمن .
– يعني النمو بالنسبة لمستوى الاقتصاد الوطني : أنه حركة تصاعدية لبعض المقادير اٌقتصادية الناتج الوطني الخام تندرج في الزمان، وهذه الحركة تؤثر بصفة أساسية على ظروف الإنتاج مثل : زيادة الاستثمار وإدراج الرقي التقني واشتراط يد عاملة مؤهلة .
من خلال هذه التعاريف المختلفة نلاحظ أن هناك اختلاف جوهري بين مفهوم النمو ومفهوم التنمية لأن التنمية الاقتصادية مفهومها أكثر إتساعا و شمولا من مفهوم النمو الإقتصادي.
لأن التنمية الاقتصادية تشير إلى تلك العملية التي يترتب عليها إحداث تغيير هيكلي وجذري في معظم هياكل الاقتصاد الوطني على خلاف النمو الذي يركز فقط على التغير في حجم السلع و الخدمات التي يحصل عليها الفرد متمثلة في زيادة متوسط دخله .
المبحث الثاني : عناصر الإقتصادي :
تتمثل في ثلاثة عناصر أساسية هي :
العنصر الأول : تحقيق زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني ويقاس متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني عن طريق :
الدخل الوطني
عدد السكان

ويتطلب حدوث زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني أن يكون معدل الزيادة في الدخل الوطني أكبر من معدل الزيادات في عدد السكان وهذا يطلب أن يكون :

فإذا كانت النسبة السابقة تساوي 1 فهذا يعني أنه على الرغم من زيادة الدخل الوطني إلا أن نصيب الفرد منه يضل ثابت بسبب زيادة عدد السكان بنفس النسبة .
وإذا كانت النسبة السابقة 1 فهذا يعني أن متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني ينخفض رغم زيادة الدخل الوطني وذلك لأن معدل النمو في عدد السكان يزيد عن معدل النمو في الدخل الوطني
العنصر الثاني : تحقيق زيادة حقيقية في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي أي تحقيق زيادة حقيقية في مقدرة الأفراد على شراء السلع و الخدمات المختلفة .

لذلك فإن تحقيق زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي يتطلب أن يكون معدل الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني أكبر من معدل الزيادة في المستوى العام للأسعار “التضخم” ويعني ذلك أن حدوث الزيادة زيادة حقيقية في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني يتطلب أن يكون

فإذا كانت هذه النسبة 1 فهذا يعني أن نصيب الفرد من الدخل الحقيقي “قدرته على الشراء” تظل ثابتة على الرغم من زيادة دخله النقدي بسبب ارتفاع المستوى العام للأسعار بنفس النسبة .
وإذا كانت هذه النسبة 1 فهذا يعني أن القوة الشرائية لمتوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني إنخفضت على الرغم من زيادته بسبب إرتفاع المستوى العام بنسبة أكبر

ويمكن قياس معدل النمو الإقتصادي في دول ما عن طريق المعادلة الآتية :
معدل النمو الإقتصادي = معدل الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني – معدل الزيادة في مستوى العام للأسعار “معدل التضخم”
العنصر الثالث : تحقيق زيادة مستمرة و مستقرة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي و الزيادة المستقرة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي تتطلب أن تكون هذه الزيادة ناتجة عن زيادة حقيقية في مستوى النشاط الإقتصادي، أي أنها لا تحدث بسبب ظروف طارئة قد تكون بسبب حصول الدولة على إعانة من الخارج لفترة معينة أو بسبب ارتفاع مفاجئ في أسعار السلع التي تقوم بتصديرها الخارج بسبب ظروف طارئة لا تلبث أن تزول كما حدث في حالة ارتفاع أسعار النفط عام 1973، حيث أدت إلى زيادة كبيرة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيق في الدول المصدرة للنفط لم تلبث أن اختفى مع انخفاض أسعار النفط مرة أخرى في الثمانينات فهذا النمو يعتبر نمو عابر لا يلبث أن يزول.
و من ناحية أخرى فهذه الزيادة لا بد وأن تكون مستقرة بمعنى أن لا تتعرض للتقلب الشديد في معدلها من فترة زمنية لأخرى.
المبحث الثالث : خصائص النمو الإقتصادي
– النمو الإقتصادي لا يهتم بتوزيع عائد النمو الإقتصادي أي لا يعتم بمن يستفيد من ثمار النمو الإقتصادي.
– النمو الإقتصادي يحدث تلقائيا ولذلك لا يحتاج إلى تدخل من جانب الدولة.
– التنمية الاقتصادية أوسع و أكثر شمولا من النمو الإقتصادي.
– النمو الإقتصادي ذو طبيعة تراكمية، فلو أن دولة ما تنمو بمعدل أسرع من غيرها، فإن الفجوة بين المستويات في كل منهما تتسع باطراد.
– يؤدي النمو الإقتصادي إلى رفع المستويات المعيشية على المدى الطويل، و يتناول كذلك سياسات إعادة توزيع الدخل بين أفراد المجتمع بصورة أكثر يسرا و سهولة.
– النمو الإقتصادي يؤدي إلى خلق الكثير من فرص الاستثمار .
يلعب النمو الإقتصادي دورا ذا أهمية خاصة في الأمن الوطني .

المبحث الرابع : إستراتيجيات النمو الإقتصادي :
الفرع الأول : النمو المتوازن (BLANCED. GROWTH) :
نقطة التركيز الأساسية لفكرة النمو المتوازن لبدأ عملية التنمية وخروج الاقتصاد الوطني من الحلقة المفرغة هو القضاء على مشكل ضيق السوق، وانخفاض الإنتاجية في الدول المتخلفة و ما يترتب عليه من انخفاض الدخل يؤدي إلى ضعف القدرة الشرائية، وبالتالي ضيق نطاق السوق، ومن ثم انخفاض الحافز على الاستثمار.
يرى “Nurkse” أن السبيل الوحيد للخروج من مشكلة ضيق البنوك تتمثل في برنامج استثماري تتوجه فيه الاستثمارات إلى جهة واسعة وعريضة من المشروعات الصناعية وغير الصناعية المتكاملة من حيث خدماتها لاحتياجات الطلب الاستهلاكي النهائي، إلا أن نجاح مثل هذا النمط يتطلب إنشاء كل مشروعات في نفس الوقت.
إن إستراتيجية النمو المتوازن تقوم على مفهوم الوفورات الخارجية “ECONMIES.EXTERNES” عن طريق خلق طلب عن ناتج الصناعات ينضر الكثيرون غلى الدفعة القوية و لنمو المتوازن بوصفهما وجهين لعملة واحدة، كما يعتبر البعض الأخر أن النمو المتوازن هو الشكل التنفيذي لفكرة الدفعة القوية، ويمكن تلخيص نظرية النمو المتوازن فيما يلي :
– دفعة قوية متمثلة في حد أدنى من الاستثمارات
– توجيه هذه الاستثمارات إلى جهة عريضة من المشروعات الاستثمارية في عديد من الأنشطة
– أن تكون هذه المشروعات متكاملة من حيث خدمتها لاحتياجات الطلب الاستهلاكي النهائي
الفرع الثاني : النمو غير المتوازن : تعتبر كسياسة بديلة للنمو المتوازن لهذه النظرية مفكروها و مؤيدوها، مثل :
“F.PERROUX” و “فرانسو سيرو” و “دوبير نيس” و “D.DEBERNIS” و “روستو ” “W.W.ROSTOW”
ويمكن حصر المعطيات الاقتصادية التي تنطلق تحليلات هذه النظرية في ثلاثة عناصر كبيرة هي :
– وجود موارد طبيعية موزعة توزيعا غير متكافئ بين المناطق، ويرى “Satorrsky” أن ذلك يدفع البلدي الذي يملك شروطا أفضل في وفرة مورد طبيعي ما إلى تركيز إنتاجية حوله، فيتخصص في هذا الإنتاج الذي يعتمد عليه في قيادة التنمية و هي سياسة نمو غير متوازنة نجد جذورها التاريخية في نظرية التفضيلات المقارنة لـ “ريكاردو” عن التخصص التجاري بين الدول، حيث تحصي أكبر الفوائد، في المبادلات التجارية، يستلزم من كل بلد أن يتخصص في إنتاج تكون فيه تكاليفه النسبية أقل.
– ندرة رأس المال و الخبرات الفنية في البلدان المتخلفة لا تساعدها على تطبيق سياسة النمو المتوازن، لأنها تقتضي حجما كبيرا من الاستثمارات يستحيل على مثل هذه المجتمعات الفقيرة ذات الدخل الحقيق المنخفض و الادخار الضعيف، توفير شروطها، و إذا وزعت إمكانياتها المادية و الفنية المحدودة في عدة نقاط استثمارية وستكون قطرة في البحر تتلاشى دون إحداث الأثر المنتظر منها في النمو المتوازن، ولهذا يكون من مصلحة التنمية تجميع هذه الإمكانيات وتركيز استثمارها في مشاريع محدودة، تعطى فيها للنمو الإقتصادي عند البداية دفعة قوية، وهي سياسة نمو غير متوازن.
– وجود قطاعات نشطة و قطاعات خاملة في الاقتصاد الوطني يتطلب في التنمية التركيز بالاستثمار على القطاعات الأكثر حيوية و التي تتمتع بمعدل توسع سريع، وهذا الدور الذي نعلقه عليها كفيل بأن يؤثر مباشرة على التنمية في المجتمع و يجر وراءه القطاعات الخاملة في نفس الاتجاهات، ويرى “رستو” أن درجة حيوية هذه القطاعات ليست ثابتة في كل مراحل النمو، وتختلف من مرحلة لأخرى، لأن احتياجات النمو خاضعة بدروها لتطور ولهذا يمكن في نظرنا تصور القطاع القائم .

الفصل الثاني : الأسس النظرية للنمو الإقتصادي
المبحث الأول : النظريات القديمة للنمو الإقتصادي :
إن دراسة النظريات القديمة لها أهمية كبرى وهذا من الناحيتين العلمية و التاريخية من الناحية العلمية المقارنة بين نظيرات الماضي و الحاضر تجعلنا نتصرف على مدى تطور المجتمعات منذ القدم، أما من الناحية التاريخية فتجعلنا هذه الدراسة لا نقع في أخطاء الماضي بل نتفادى كل ما هو معرقل، ونعمل بكل ما هو مفيد لعملية التنمية.
1- التجاريين و التنمية : يعد التجاريون من الأوائل الذين وضعوا نظرية اقتصادية حول التنمية الاقتصادية بشكل أوضح، مع أن هذا الفكر كان يهتم بالجانب السياسي للدولة أكثر من اهتمامه بالجانب الإقتصادي، ونجد كتاباتهم توسعة في الكلام عن التنمية و رخاء الدولة، ويرى بعض المفكرين أن أراء التجاريين في المجال الإقتصادي لم تكن أراء قيمة جدا بحيث يمكن أن تضعها في مقام النظريات، إذ كانت حسب رأيهم أفكار غير متكاملة، إبتداءا من القرن الخامس عشر إلى نهاية القرن السابع عشر و أهم أفكارهم هو أن تزيد الثروة في البلد دون أن يهتموا بكيفية توزيعها أو ما يصيب الفرد منها.
– التجاريون و النشاطات الاقتصادية : إن الصناعة و التجارة هما، أساس التنمية الاقتصادية عند التجاريين، بل يعتبران العمودان الأساسيان في التنمية الاقتصادية، وحتى يتم تطوير هذين القطاعين المهمين عندهم، فإن الدولة بدأت تخفض من الضرائب على رجال الأعمال و الصناع، بل شرعت الدولة في مساعدتهم بمعونات مادية بخفض الأسعار حتى يستطيع المنافسة في السوق العالمية، أي أن الدولة بدأت تعمل على خلق مناخ جيد و ملائم لتطوير الصناعة و التجارة.
وكان التجاريون يرون عكس ذلك بالنسبة للزراعة، لأنها قطاع ثانوي ويعتمد في تطوره على الصناعة و التجارة.
2- التنمية عند الفيزيوقراط (الطبيعيون) : تبلورت أفكار المدرسة الطبيعية عند المفكر الفرنسي المعروف “فرنسواكيني” فقامت هذه المدرسة بنشر أفكار اقتصادية خاصة بالتنمية لكنها كانت أفكارا عامة و غير متخصصة.
إن القطاع الفلاحي هو النشاط الأساسي الذي يدفع التطور الإقتصادي إلى الأمام، وهو المحرك للقطاعات الأخرى الغير الزراعية، بل أن نمو هذه القطاعات الأخيرة مرهون بنمو القطاع الفلاحي، حيث أن “كيني” قسم المجتمع إلى ثلاثة طبقات وهي: طبقة الملاك (ملاك الأراضي)، طبقة المنتجين و هي طبقة المزارعين المباشرين، و الطبقة العامة وهي طبقة الصناع، لأن الزراعة هي وحدها التي تزيد من الثروة، أما القطاع الصناعي فإنه يعمل على تحويل المواد الأولية إلى مواد مصنعة أو نهائية.
إن التنمية الاقتصادية تعتمد على القطاع الفلاحي كقطاع أساسي لأحداث التطور، أما القطاعات الأخرى فإنها ثانوية .
3- التنمية الاقتصادية عند المفكرين الكلاسيك: إن المفكرين الكلاسيك هم بداية جديدة لمبادئ وأسس الاقتصاد السياسي ومع ذلك فإن نظريتهم كانت عامة، رغم إشارتهم إلى ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية.
وكانت الرأسمالية الحرة هي أهم أساس بنيت عليه فكرة التنمية عند الكلاسيك، خاصة على يد “آدم سميت” كما أعتمد الكلاسيك على مبدأ العمل، الذي في رأيهم يزيد في الإنتاج وبالتالي في التطور و التنمية.
يرى المفكرون الكلاسيك أن شروط التنمية ثلاثة :
– الربح الكافي في المجتمع.
– وفرة المواد الأولية.
– وفرة مواد العيش للعمال و المنتجين.
نرى الآن أهم المفكرين الكلاسيك وآرائهم في التنمية وهم “آدم سميت، ريكاردو، توماس ، روبرت مالتس”.
– التنمية عند “آدم سميت” : يبين “سميت” أهم العوامل التي تؤدي إلى النمو الإقتصادي وهي حسب رأيه كالتالي :
– تجميع رأس المال.
– رفع إنتاجية العمل.
– النمو السكاني .
– حرية التجارة الدولية.
يعطي “آدم سميت” إلى القطاع الفلاحي عناية كبيرة ويوجب في ذلك استخدام التقدم التقني من عتاد وآلات حديثة ..الخ، ويتفطن “سميت” إلى البطالة التي تحدث في الريف عند إدخال التقنيات الحديثة على القطاع الفلاحي.
إن أهمية القطاع الفلاحي تكمن في كونه يؤمن الضروريات للعيش ولذلك يجب العمل على تطويره أولا، ثم تطوير القطاع الصناعي الذي يؤمن الحاجات الأقل ضرورة .

يمكن أن تخلص ما قاله “سميت” في النقاط التالية :
– إن الحرية الفردية هي أساس التنمية الاقتصادية.
– الحكومة لا تتدخل إلا في القيام بالخدمات العامة (الأمن، القضاء…).
– إن زيادة رأس المال الدورة الإنتاجية أمر مهم، بل ضروري لإحداث التنمية.
-التنمية عند “ريكاردو”: يرى “ريكاردو” أن القطاع الفلاحي أهم النشاطات الاقتصادية، لأنه يعتبر هذا القطاع بمثابة الدعامة، إذ يوفر كوارد العيش للسكان فالأرض هي أساس أي نمو اقتصادي .
قسم ريكاردو المجتمع إلى ثلاث طبقات الرأسماليون، العمال و الإقطاعيون، فحسب “ريكاردو” الرأسماليين يلعبون الدور الرئيسي و الأساسي في الاقتصاد الوطني وفي النمو الإقتصادي بصفة عامة .
أما العمال فإنهم مهمون، لكنهم أقل أهمية من الرأسماليين، لأن أعمالهم مرتبطة بوجود الرأسمالي فهذا الأخير هو الذي يوفر الآلات و العتاد… وكل ما يحتاجون إليه للقيام بعملية الإنتاج أما الإقطاع وهو مالك الأرض فإنه مهم جدا وخاصة في المجال الزراعي، لأنه يقدم الأرض وهو العنصر الأساسي للعمل الفلاحي.
المبحث الأول : النظريات الحديثة للنمو الإقتصادي :
إن نظريات التنمية القديمة التي تناولها في حقيقة الأمر أفكار اقتصادية عامة لا أكثر، فلم نتطرق إلى موضوع التنمية و النمو من التخصص، إلا أنها في حقيقة الأمر تعتبر نظريات التنمية و النمو الحديثة، القاعدة الأساسية للنظريات الحديثة، بل يمكن اعتبار هذه الأخيرة امتداد للأفكار الكلاسيكية أو الماركسية وظهر اقتصاد التنمية من جديد بعد الحرب العالمية الثانية.
من بين النظريات الحديثة الأكثر شهرة في العالم نجد :
1- نظرية المراحل “لروستو” : لقد لخص “روستو” نظرية المراحل في كتابة “مراحل النمو الإقتصادي”، الذي ظهر عام 1956 كما أن “رستو” يستخدم المنهج التاريخي هو كذلك في تحليله لنظرية النمو، فكما كان الحال عند “ماركس” هو الآخر يرى أن المجتمعات تتطور من مرحلة إلى مرحلة أخرى.
ويرى كذلك أن آخر مرحلة من مراحل النمو هي بناء الرأسمالية فيبين بذلك انتماءه إلى المجتمع الرأسمالي.
يقول “روستو” أن المجتمع يتطور عبر خمسة مراحل هي :
– التجمع التقليدي.
– التهيىء للانطلاق.
– الانطلاق.
– الاندفاع نحو الاكتمال.
– الاستهلاك الواسع.
– مرحلة المجتمع التقليدي : “روستو” يرى فيها أن المجتمع يكون تقليديا ويتميز هذا المجتمع بمميزات أساسية هي :
– هو مجتمع تقليدي يعيق استخدام التكنولوجيا، وبالتالي لا يساعد على تطور الإنتاج، كما أن 85% من أفراد المجتمع يعملون في القطاع الفلاحي أو في إنتاج المواد الغذائية.
– الدخل الوطني يصرف معظمه في أشياء غير إنتاجية.
– إن السلطة السياسية تكون أيدي ملاك الأرض، ومركزية يدعمها الجيش.
إن أهم ميزة للمجتمع التقليدي هي ضعف مردودية الأرض للهكتار الواحد، لأن المجتمع التقليدي لا يملك من إمكانيات التي تسمح له برفع الإنتاجية للفرد الواحد، فهو لا يقدر على استخدام العلم و التكنولوجيا الحديثة.
– مرحلة التهيئة للانطلاق : تميزت هذه المرحلة بالمميزات التالية :
– إنهاء المرحلة الانتقالية للانطلاق، حيث تحدث فيها تغيرات جذرية في القطاعات الغير الصناعية.
– تطور النقل بسبب ارتفاع مستوى التجارة.
– تطور المجتمع الذي يقبل إدخال التكنولوجيا الجديدة.
– تغلغل التقدم الإقتصادي من الخارج، عن طريق نقل التكنولوجيا.
إن أهم ما يمكن ملاحظته في هذه المرحلة هو بداية استخدام التقدم التقني بصورة موسعة و في كل المجالات، وهذا يعمل على زيادة الاستثمار ، خاصة في النقل و الموارد الأولية .
– الانطلاق : تتميز هذه المرحلة بقصرها نسبيا بالمقارنة مع المراحل الأخرى :
– يرتفع فيها الإنتاج الحقيقي للفرد، وتحدث تغيرات كبيرة في التقنيات المستخدمة و التي تعتبر أهم الخصائص لهذه المرحلة.
تعتبر هذه المرحلة بمرحلة الثورة الصناعية
يرى روستو أن هذه المرحلة ينتقل معدل الإستثمار من 5% إلى 10% من الدخل الوطني ، وكان موجودا في كندا قبل 1890 و الأرجنتين قبل 1914 حيث كان الاستثمار يفوق 5 % من الدخل الوطني.
الاندفاع نحو الاكتمال : تعتبر هذه المرحلة أطول نسبيا، وحجم الاستثمارات يقدر ما بين 10% و 20% من الدخل الوطني بحيث تفوق كمية الإنتاج الزيادة السكانية
– يزداد تطبيق التكنولوجيا الحديثة، وتتسع رقعة القطاعات القيادية في الاقتصاد، ويصبح مستوى الاقتصاد ذا مستوى عالمي.
– تتطور التجارة الخارجية فتزداد الموارد المصدرة، كما تتطور المشتريات ويصبح البلد في غنى عن المواد التي كان يستوردها.
تتغير بنية العمال، فتدخل طبقة العمال الماهرين.
الإستهلاك الواسع : في هذه المرحلة يرتفع الدخل الحقيقي للفرد بحيث يصبح عدد كبير من الأفراد المجتمعي يتمتعون بكثير من الحاجات الضرورية (الأكل، اللباس، السكن).
فيتغلب عدد السكان المتمدنين على عدد الريفيين، ويتغلب كذلك عدد العمال الإداريين على عدد العمال الآخرين.
ويصبح التقدم التقني ليس هدف، لأنه يصبح أمرا سهلا و الوصل إليه أو بلوغه أمر بسيط
النموذج المزدوج ” Lewis” 1954: يعتبر هذا النموذج التنموي بمثابة النموذج الأكثر واقعية للعالم المختلف، لأن التنمية تعتمد على العدد الهائل من العمال المتواجدين في دول العالم الثالث بصفة عامة (حسب هذا النموذج).
يسمى هذا النموذج بالنموذج المزدوج لأن “لويس” يرى بأن مجتمعات الدول المتخلفة تتكون من قطاعين، قطاع تقليدي وقطاع رأس المال.
– قطاع تقليدي يعتمد في الأساس على الفلاحة الغذائية بالإضافة إلى وظائف أخرى حرة (تجارة صغيرة، أعمال موسمية….) .
– أما القطاع الرأسمالي هو قطاع متطور يقوم به الرأسماليون ويستخدمون تقنيات حديثة، ويستثمرون في القطاع الصناعي بصفة عامة .
نموذج “هاورد دومار”: يعتبر هذا النموذج بالنسبة للنمو أحد أشهر نماذج الكنزين الجدد، هذا النموذج الذي يعتبر التوفير ورأس المال عملية النمو الإقتصادي.
“هارود دومار” شرحا فكرتهما هذه بإستخدام المعادلة التالية :

حيث : g نسبة النمو …..
S نسبة الادخار ….
C المعامل الحدي لرأس المال
وهكذا فإن :
لأن الادخار يساوي
وهكذا فإن معدل النمو يكون أكثر ارتفاعا عندما تكون نسبة الادخار أعلى ما يكون، لكن في حالة عدم قدرة البلد توفير معدلات مرتفعة من الادخار الداخلي، فإنها تلجأ إلى الادخار الخارجي حتى تتمكن من تحقيق مستوى معين من النمو فتلجأ الدول المتخلفة ضعيفة الادخار إلى القروض من الخارج.
إن نموذج “هاورد دومار” يمكن في حقيقة الأمر تطبيقه في الدول المصنعة لأن الدول المتخلفة بالإضافة إلى نقص الادخار وتراكم رأس المال، فإنها لا تملك الإجراء المناسب لاستخدام التقنيات الحديثة، إذ تصطدم هذه الأخيرة في كثير من الأحيان بعدم إمكانية استغلالها من طرف العمال غير المكونين، بل إن الأوضاع السياسية و الاجتماعية في كثير من الدول المتخلفة غير مواتية لإدخال التقنيات الحديثة.
لكن اعتبار عنصر رأس المال الوحيد و الرئيسي لتحقيق التنمية تجعلها تخطئ، إذ في الحقيقة قد يلعب هذا العنصر دورا هاما، لكنه غير كافي لتحقيق التنمية و النمو، وتبقى العناصر الأخرى (من أوضاع اجتماعية وسياسية) تلعب الدور الأهم و الرئيسي لتحقيق التنمية .

المبحث الثالث : النظريات المعاصرة
1-الاقتصاد الجزئي الجديد للتنمية : لقد تشكل الاقتصاد الجزئي الجديد للتنمية عن طريق التكفل بثلاثة مواضيع أساسية هي الدراسة المقارنة لسلوك الأعوان الاقتصاديين في الدول النامية مع مفهوم ترشيد الاقتصاد الجزئي النموذجي وبروز الاقتصاد المؤسساتي الجديد للتنمية وأخيرا الأعمال حول الفقر.
– ويكون أحد أهداف الاقتصاد الجزئي في رفض الإدعاء الذي مفاده أن سلوك الأعوان الاقتصاديين في البلدان النامية غير عقلاني.
– وتجدر الإشارة أيضا إلى أن، هذا الإدعاء يقوم على أن الملاحظة في البلدان النامية للسلوكيات اللأنمطية خاصة في الظاهر، مقارنة بدروس نظرية الاقتصاد الجزئي النموذجي كمنحنيات العروض التنازلية وفقا للأسعار ورفض اعتماد الإبداعات الاقتصادية المربحة أو التحويلات الهامة للمداخيل بين الأفراد دون تعاملات الاقتصادية خفية، يمكن أن تؤدي إلى التشكيك في مثل هذا المنطق.
وينفي الاقتصاد الجزئي للتنمية نفيا قاطعا هذا الإدعاء عن طريق التكفل بنقائص الأسواق و المحيط المؤسساتي التي تميز البلدان النامية.
يقوم البرهان الناجم عن ذلك أولا على حاجة أن مفهوم السوق المرتبط بالبلدان المتطورة لا ينطبق كليا على الواقع الإقتصادي و الاجتماعي للبلدان النامية، ولو حدث ذلك فإنها تتميز إما بعدم وجود هذه السوق أو تلك وإما بعدم اكتمال أو خلل في الأسواق عند وجودها.
كانت نقطة انطلاق التفكير حول هذا الموضوع دراسة سلوك الاقتصاد لأسر الفلاحين وذلك لكون أغلبية سكان البلدان النامية يعيشون في عالم الريف.
إن الخلاصة التي يمكن استنتاجها لوصف سلوكات الأسر الريفي وصفا دقيقا، وهي الوصول إلى فهم وتمثيل لعيوب الأسواق.
وبصفة عامة يمكن أن تمارس نقائص السوق تأثيرا حاسما على اختيار نشاط الأعوان الاقتصاديين واعتماد الإبداعات التكنولوجية أو سلوك النزوح.
وتم التكفل بهذه الإعتبارات في ما يمكن أن يسمى بالاقتصاد المؤسساتي الجديد للتنمية .

2-الاقتصاد الكلي للتنمية و النظرية الجديدة للنمو:
تمثل نشأة الاقتصاد الكلي للتنمية – بعد الاقتصاد الجزئي للتنمية-الجانب الآخر الهام المسمى بتجديد اقتصاد التنمية.
ينبغي التذكير أنه في بداية تكوينه كان اقتصاد التنمية يستند قليلا أو لا يستند بالمرة إلى مبدئ النظرية الاقتصادية النموذجية التي كانت أكثر تكيفا مع البلدان المتطورة، مفضلا التركيز على تمييز الاقتصاديات النامية بإعداد علم اليقين وعلم تصنيف التخلف واقتراح برامج ومناهج تخطيط للخروج منه.
ففي الثمانيات فقط المسماة “العشرية المفقودة للتنمية” بعد أزمة مديونية البلدان النامية، نجم عن مخططات التعديل الهيكلي التي طبقت عليها و الانتقاد الذي أثارته مقاربة جديدة للاقتصاد الكلي للتنمية.
وتكلفت هذه المقاربة إذن بالتفكير حول ضرورة جعل التعديل الهيكلي يتلاءم مع النمو وسياسة الإصلاحات.
بالموازنة مع ذلك وخلال تلك العشرية و في إطار أوسع من إطار البلدان النامية عرفت إشكالية النمو اهتماما متجددا نجم عنه ما يعرف بالنظريات الجديدة للنمو.
بالفعل فإن الشيء الجديد في هذه النظريات يقوم على الكيفية الجديدة التي يتم من خلالها اعتبار أصل ودور الرقي التقني وتدخل الدول في شرح النمو.
ينبغي التأكيد أن النظرية السائدة – حتى ذلك الوقت – كانت تعتبر أنه إذ وجد نمو مستقر على المدى الطويل فإن وتيرته لا تقارن إلا بتطور السكان و التكنولوجيا وليس بالسلوكات الاقتصادية، و إذا كانت تساعد على استعراض انتظام وتأثر النمو الإقتصادي خلال الثلاثين سنة المزدهرة فالأمر لم يعد كذلك منذ منتصف السبعينات مع تباطؤ الإنتاج بصفة عامة ومستدامة وكذلك بصفة متغيرة بين البلدان، وعليه فإن تطور الإنتاجية مرهون بالاختيارات الاقتصادية ومن ثم يمكن تغيير هذا التطور.
ولم يعد الرقي التقني متغيرا خارجيا بل متغيرا اقتصاديا يحيل إلى سلوكات وإلى مقادير اقتصادية كلية .

الفصل الثالث : العوامل المؤثرة في النمو الإقتصادي ومعوقاته
المبحث الأول : كمية رأس المال المادي :
إن المزيد من الأدوات المعاونة في عمليات الإنتاج تميل إلى أن تؤدي إلى المزيد و المزيد من الناتج من السلع و الخدمات وعلى ذلك أصبح الناتج للفرد، من تراكم الرأسمال ملحوظا، إلى الحد الذي أعتبر في وقت ما، أن رأس المال المادي هو المصدر الوحيد للنمو.
وعموما فطالما تتوافر لأي مجتمع فرص الاستثمار التي لم تكن مطروحة من قبل، فإنه من الممكن لهذا المجتمع أن يحقق زيادة في طاقته الإنتاجية بزيادة رصيده من رأس المال الحقيقي.
وإذا وضعنا في اعتبارنا “نظرية الإنتاجية الحدية”، فإن التراكم الرأسمالي – إذا كان له أن يصبح المصدر الوحيد للنمو- لا بد أن يكشف، عاجلا أم أجلا، عن تناقص العائد من رأس المال تبعا لتناقص إنتاجيته الحدية مع كل زيادة في الكمية المستخدمة منه في عملية الإنتاج، وهذا يدعو بدوره إلى التنبؤ بالتحرك تنازليا في جدول الإنتاجية الحدية، ومع ذلك فالدلالة العملية لا تؤدي هذا التنبؤ على طول الخط، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أثر رأس المال المادي في نمو الاقتصاد للولايات المتحدة في غضون القرن الحالي، وذلك أنع رغم الكميات الضخمة من رأس المال الجدي المستخدم في تلك المرحلة من تطور الاقتصاد الأمريكي، فإن نسبة الناتج لرأس المال قد ظلت ثابتة ولم تتدهور، وبالمثل فلم يكن ثمة اتجاه تنازلي في معدل العائد رأس المال، مما يوحي بحقيقة بالغة الأهمية، وهي أن فرص الاستثمار قد توسعت بنفس السرعة توسع الاستثمار في السلع الرأسمالية
المبحث الثاني : الابتكار
إن المعرفة الجدية و الابتكارات الجدية يمكن أيضا أن تساهم وبدرجة ملحوظة في نمو الدخل القومي ورؤية ذلك تتضح، ولو افترضنا أن الجزء من موارد المجتمع الموجهة لإنتاج السلع الرأسمالية يكفي بالكاد لإحلال رأس المال عندما يتعرض للتقادم، و بالتالي فإن الدخل القومي سوف ينمو بسبب تقدم المعرفة الفنية، لا بسبب تراكم المزيد من رأس المال ، وهنا فإن هذا النوع من الزيادة في الدخل يمكن أن يتأتى إما من خلال تقدم المعرفة الفنية داخل المجتمع وإما من خلال إستاد هذه المعرفة الفنية من الخارج.
إن الدول الأقل تقدما يمكن أن تقوم بإحلال رأس المال القديم برأس المال الجديد وهذا ما يطلق عليه بالأساليب الفنية في الإنتاج التي كانت من قبل متبعة في الخارج، و لتي لم يتسن لهذه الدول أن تفيد منها بعد في تنمية اقتصادياتها، أم الدول الأكثر تقدما فإنه يتعين عليها أداء مهمة أصعب بكثير على ما يبدو، إذ ينبغي عليه تطوير الأساليب الفنية الجديدة عن طريق المضي في إجراء البحوث بغية ابتكار أسليب أخرى أكثر تطورا.
ومع ذلك فالدليل القائم حاليا حول ما يسمى “بالفجوة التكنولوجية” إنما يوحي بأن هناك مجالا للابتكار يتجاوز مجرد نقل الإنجازات الأجنبية في حقل التكنولوجيا.
ويتراءى لبعض الكتاب المعاصرين أن دول أوربا الغربية مختلفة عن الولايات المتحدة الأمريكية في مسائل التكنولوجيا، و السبب في ذلك –على ما يبدو لهم – هو عدم قدرة هذه الدول على استغلال ما هو معروف من ابتكارات جديدة بصورة فعالة .
المبحث الثالث : نوعية رأس المال البشري
يعتبر عنصر العمل كأحد عناصر الإنتاج على أنه نسق واحد كأحد مداخلات العملية الإنتاجية، و العمل يختلف من نوع إلى أخر – من الميكانيكي الماهر إلى العالم أو إلى الحفار- وذلك نظرا لأن ما ينتجه أي منهم في وحدة زمن (ساعة مثلا) يضفي عليه المجتمع قيمة تختلف عن قيم ما ينتجه الآخرون.
فمن الملاحظ أن نوعية العمل ترتبط إيجابيا ببعض الأمور الهامة ومنها التحسينات في صحة السكان وطول أعمارهم، وهذه الأمور ، بطبيعة الحال، مرغوبة كأهداف في حد ذاتها، ولكن لها نتائج تنعكس على مستوى الإنتاج و الإنتاجية.
من ناحية ثانية من النواحي المتعلقة بنوعية رأس المال البشري وهي التعليم و التدريب الفني بمختلف مستوياته، من مجرد تعليم كيفية تشغيل الآلة إلى تعليم كيف يمكن أن يكون المرء عالما، ومما لا شك فيه أن التعليم و التدريب أمر مطلوب للارتقاء بنوعية العمل، وذلك من أجل ابتكار وتشغيل وإدارة وإصلاح الآلات الضخمة المعقدة التركيب في غمرة التطوير التكنولوجي الكبير في غضون المائة سنة الأخيرة، كما أن كل الدراسات الجادة تشير إلى أن التعليم المتقدم أو التدريب الفني يعمل على زيادة الناتج الكلي بنفس القدر من الموارد المتاحة، وزيادة متوسط ناتج (دخل) الفرد تبعا لذلك .
بصفة عامة كلما طالت فترة تعليم الفرد ، فإنه يصبح أكثر قدرة على التكيف مع التحديات الجديدة و المتغيرة .

المبحث الرابع:معوقات النمو الاقتصادي
هناك العديد من المعوقات نذكر منها على سبيل المثال :
1- التعليم : لا جدال أن التعليم يرفع من كفاءة عنصر العمل بمختلف أنواعه إلى حد كبير، وكلما دخلت أسليب حديثة لسير العمل في مختلف ميادين الإنتاج، بات من الضروري الارتفاع بالمستويات التعليمية و التدريبية لقوة العمل، إن شخصا يستطيع القراءة و الكتابة و الحساب لا بد أن يكون أكثر كفاءة بكثير في أعمال عديدة من شخص أمي لا يقرأ و لا يكتب ولا يحسب، كما أن مدير متدربا على الطرق الحديثة في إمساك الحسابات وإدارة الأفراد و الرقبة على موجودات منشأته وسير العمل فيه، هو أكثر فاعلية بكثير – في صدد الحصول على أكبر قدر من المخرجات السلعية من مداخلات معينة- من مدير يجهل هذه الأساليب الحديثة في إدارة الأعمال.
من الواضح أن كثير من الدول الآخذة في النمو، قد خصصت نسبة كبيرة من الموارد التعليمية لقلة قليلة من الأفراد لينالوا في النهاية قسطا وافرا من التعليم و التدريب، وذلك عن طريق بعثات تعليمية إلى الخارج لفترات يتلقون فيها الدراسة المتقدمة في مختلف مجالات تخصصاتهم العملية.
وأي كان الأمر، فإن معظم الدراسات الجدية عن أوضاع الدول المتخلفة تحث على زيادة وليس نقص الاتفاقات على التعليم، لأن النقص في التعليم بأنواعه المختلفة يشكل عائقا خطيرا للنمو.
2- الصحة : لا جدال أن زيادة كبيرة في الإنتاجية يمكن أن يتحقق بارتفاع بالمستويات الصحية للأيدي العاملة، بالجهد المبذول من جانب الأفراد العاملين يكون أكثر فاعلية، عندما يكون مستواهم الصحي مرتفع منه عندما يكون هذا المستوى متدنيا، بيد أن معرفتنا بالأثر الكمي للتغيرات في المستوى الصحي لقوة العمل أقل مما نود أن نعرفه، كما أنه علينا الارتفاع بالمستوى الصحي للمواطنين في أي مجتمع متخلف.
ثمة حقيقة بالغة الأهمية في هذا الصدد، وهي أن المكاسب ليست دائما نعمة لا تشوبها أية شائبة، ذلك أنها تعمل في نفس الوقت على خفض معدلات الوفيات، و بالتالي فإنها تسهم في النمو السريع للسكان، وفي المدى القصير فإن هذه المكاسب الضخمة، المصحوبة بانخفاض معدلات الوفيات، تجعل النمو الإقتصادي أكثر صعوبة.
3-الموارد الطبيعية: يمكن القول أن الموارد الطبيعية ذات أهمية خاصة لعملية النمو، ذلك أن أية دولة تتوافر لديها إمدادات كبيرة من الموارد القابلة للنمو بسهولة، سوف يكون النمو أسهل عليها من دولة أخرى لا يوجد لديها إلا موارد قليلة أقل قابلية في التوصل إليها و الاستفادة منها في عملية النمو.
وأيا كان الأمر، فإن تنمية ما هو متاح من الموارد الطبيعية هي وسيلة هامة لدعم النمو، بل ومن المشاهد عمليا أن إمدادات أي بلد من الأرض و الموارد الطبيعية غالبا ما تكون قابلة للتوسع بسهولة في إستخداها الفعال، إن لم يكن في كميتها الكلية ، غير أن المشاهد عمليا أيضا في بعض الحالات، أن الأرض المخصصة لمنتجات زراعية وفقا لنظام غير سليم للتركيب المحصولي، و الأرض المتروكة دون استغلال بسبب النقص في وسائل الري هي أمثلة معروفة جيدا عن معوقات النمو .
4-التكنولوجيا : إذا أخذنا بعين الاعتبار الجانب التكنولوجي في عملية التنمية على الأقل، فلا بد أن النمو يكون أسرع بالنسبة لدولة متخلفة فقيرة منه بالنسبة لدولة متقدمة غنية، وما ذلك إلا لأنه يمكن إدخال أحدث الأساليب الفنية في الإنتاج و التوزيع في الدول الفقيرة لتسهم بذلك في عملية النمو إسهاما كبيرا.
وهنا فإن الدول المتخلفة الفقيرة لا تحتاج لإنفاق مبالغ ضخمة في مجال البحوث العلمية و التقدم التكنولوجي، حيث يمكن لها أن تستخدم ما سبق أبتكاره من أسليب فنية حديثة ومتطورة في الدول الأكثر تقدما، إن مثل هذا الوضع ذو دلالة هامة من زاوية إمكانيات تحقيق التنمية الاقتصادية السريعة في العالم النامي،لأن الدول الأكثر تقدما لا يمكن أن تدخل على نشاطها الإنتاجي أي أسلوب فني جديد إلا عندما يكون قد تم فحصه واختباره وتطويره و التيقن من صلاحيته للتطبيق العلمي وفاعليته في تقدم الإنتاج، وهو ما ينطوي على إنفاق مبالغ طائلة في أغلب الأحيان لا يمكن أن توفرها الموارد المحدودة لأي دولة فقيرة متطلعة إلى النمو.
كذلك تتطلب عملية تطوير التكنولوجيا مراكز ومعاهد للقيام بالبحوث العالمية للدولة المستوردة للتكنولوجيا، أيضا تحتاج إلى أعداد كافية من الباحثين في مختلف التخصصات، على مستوى عالي من الكفاءة المهنية و التدريب المهني، وعلى دراية تامة لكل تطور في تكنولوجيا الإنتاج، حتى تكون لديها القدرة الإبداعية في عملية التطوير و الخيال الخصب في النظرة المستقبلية لمتطلبات التنمية.
غير أن هذه المقومات الأساسية للتقدم التكنولوجي في العالم النامي قد تكون مفتقدة في بعض دول هذا العالم، وبالتالي تصبح التكنولوجيا عائق للنمو.

خلاصة الفصل :
لقد تناولنا في هذا الفصل مجمل القضايا المتعلقة بالنمو الإقتصادي فقمنا بتوضيح ماهية النمو الإقتصادي الذي رأينا أنه يتمثل في زيادات المستمرة في الدخل الحقيقي كما وضحنا كذلك الأسس النظرية الخاصة بهذا النمو، حيث نلاحظ أن هذا الموضوع تناولته مدارس عديدة وكل مدرسة لها وجهة نظرها الخاصة بها و المختلفة عن الأخرى.
لنصل في الأخير و ندرس العوامل المؤثرة فيه و العوائق التي يمكن أن تقف حاجزا أمام النمو الإقتصادي وخاصة في الدول النامية.

المبحث الثاني : النمو الإقتصادي في الجزائر
المطلب الأول: خصائص النمو في الجزائر
– مستوى نمو غير كافي : أثبتت الدراسات أنه لكي يمكن الحفاظ على مستوى معيشة السكان يجب ألا نقل نسبة نمو الناتج الوطني الخام عن 6% عندما يزداد عدد السكان بنسبة 1% ، غير أنه على الرغم من التقدم المحقق خلال السنوات الثلاث الأخيرة فإن النمو مازال غير كاف من أجل :
– تلبية الحاجات الناجمة عن تزايد السكان.
– تغطية العجز الاجتماعي و الفوارق المتراكمة منذ عدة سنوات.
– تلبية الطموحات الجديدة المترتبة عن الانفتاح على أنماط استهلاك البلدان المتطورة .
– وتعطي البنية الديمغرافية في الوقت الراهن صورة عن حاجات السكان وطموحاتهم غير محددة وقدرة حق قدرها عند إعداد السياسات العمومية و تنفيذها.
إن تأثير النمو الديمغرافي على التنمية يمكن اعتباره إيجابي لأن هذا النمو يسمح بزيادة بكثرة اليد العاملة وحركيتها المتزايدة وكلفتها الزهيدة.
إن تأثير النمو الديمغرافي على التنمية يمكن اعتباره إيجابي لأن هذا النمو يسمح بزيادة بكثرة اليد العاملة وحركيتها المتزايدة وكلفتها الزهيدة .
لكن الاختلال الذي قيد يحدث بين زيادة السكان القادرين على العمل وبين النمو الإقتصادي يفرض وتيرة جديدة وتوزيعها أحسن للنمو في مواجهة التهديدات المختلفة ومنها تفاقم البطالة أمام نقص الاستثمارات المحدثة لمناصب الشغل.
وبلغ معدل نسبة النمو السنوي للناتج الداخلي الخام 3.66% بين سنة 1994 وسنة 2022 وهي نسبة تفوق نسبة النمو الديمغرافي، هذا ما يوضحه الجدول الموالي.

الجدول رقم 01 : تطور الناتج الداخلي الخام بين سنة 1994 وسنة 2022.
السنوات 1994 1995 1996 1997 1998 1999 2000 2001 2002 2003 2004
الناتج الداخلي الخام 10 دج 1487.4 2017 2570 2780.2 2810.1 3215.1 4078.7 4235.7 444.6 5264.2 6100
نمو حجم الناتج الداخلي الخام (%) -1.1 3.8 3.8 1.1 5.1 3.2 2.5 2.1 4.1 6.8 5.2
تزايد السكان 2.2 1.9 1.7 1.6 1.57 1.51 1.48 1.55 1.53 1.58 1.63

المصدر: الديوان الوطني للإحصائيات

تبين المعطيات الأخيرة للديوان الوطني للإحصائيات أن هذه النسبة مازالت تتزايد إذ بلغت 62.2% سنة 2022 وانتقلت إلى 63.1% سنة 2022 ، من أجل تقليص البطالة بالنصف خلال عشر سنوات ينبغي أن يتزايد الناتج الداخلي الخام بنسبة لا تقل عن 6% في السنة.
ثقل العوامل الخارجية : إن نسبة النمو التي بلغت 6.8% سنة 2022 و التي بلغت مستوى لا نظير له منذ عشرين سنة، متبوعة بنسبة 5.2% من النمو سنة 2022 تشكلان حقا عناصر تبعث على الرضى عامة .
غير أن جمود بنية الاقتصاد على حساب الصناعة يؤدي بوجود تهديد من قبل المحيط الدولي على البلدان التي تصدر مادة واحدة مثل الجزائر ، ويفرض هذا الجمود تحويل أرباح إنتاجية الاقتصاد المرتبطة بتقلب أسعار البترول إلى إنتاجية مادته.
قد سبق للمجلس الوطني الإقتصادي و الاجتماعي أن شدد على وضع القطاع الصناعي العمومي الذي مازال يعاني مشاكل إعادة الهيكلة و التوازن في ميدان التسيير و السوق .
فاعتماد الجزائر على تصدير مادة واحدة ألا وهو المحروقات يؤدي إلى وجود ضغوط خارجية عليها ذات الصلة بتقلبات سعر البرميل من البترول وما يترتب عنها من انعكاسات على الموارد المالية للدولة.
3- ضعف نمو الإنتاجية: إن مستوى النمو ونوعيته تحددهما إنتاجية العمل ورأس المال ، لكن العلاقة بين الإنتاج و الوسائل المسخرة لتحقيقه، بمعنى الإنتاجية بقيت ضعيفة منذ الاستقلال، إن حصيلة العشرية الممتدة بين 1967 و 1978 أبرزت هذه الظاهرة التي تواصلت حتى سنة 1994، وحسب البنك العالمي فإن تطور الإنتاجية الإجمالية للعوامل كان سلبيا (-4.3% عن كل عامل) خلال الفترة الممتدة بين 1979 و 1994 ويبدو أنه تحسن قليلا منذ الشروع في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية (0.3% عن كل عامل خلال الفترة الممتدة بين سنة 1995 وسنة 1999)، غير أن تحسين الإنتاجية مازال في الوقت الراهن يواجه العديد من العراقيل التي تعود أساسا إلى تأهيل الموارد البشرية و التسيير و الثقافة الاقتصادية وعبء القطاع الموازي.
المطلب الثاني : توزيع النمو :
هناك النمو الذي يوسع رقعة الفوارق و النمو الذي يترتب عليه تبذير الموارد الضرورية.
– الإختلالات الإقليمية : بالنظر لشساعاتها وتبيان تضاريسها ومناخها، تواجه الجزائر مسألة التهيئة العمرانية و التوازن الجهوي التي توفق بين النمو الإقتصادي وإحترام البيئة و الرقي الاجتماعي.
يبرز الوضع القائم حاليا العديد من الإختلالات بين مناطق الشمال و الجنوب، و المناطق الحضرية و الريفية.
وبالفعل يلاحظ المركز المتزايد للسكان و النشاطات في المناطق الساحلية على حساب المناطق الجبلية التلية و الهضاب العليا و الجنوب، هذا ما تسبب في إختلالات هامة تهدد النمو الإقتصادي و التلاحم الاجتماعي و الأملاك العامة الطبيعية و الثقافية.
قد أدى بروز عوامل خارجية سلبية في المناطق الساحلية، إلى تسجيل عراقيل للتنمية الاقتصادية (المشاكل العقارية ، حركة المرور…)، و المساس بالتلاحم الاجتماعي (الفقر، انعدام الأمن وعدم الاستقرار….)، و التلوث وتدهور البيئة الحضرية.
ونظرا للفوارق التفاوت الشديد، تتحمل الجزائر تباينا عمرانيا خطيرا يهدد بشكل حادا لتلاحم الاجتماعي و الاستقرار السياسي .
تدهور البيئة : تواجه الموارد النادرة في الجزائر تهديدات يتمثل في الانتشار المتسارع للتجمعات الحضرية واستقطاب النشاطات وتفاقم ظواهر طبيعية مثل : التصحر وانجراف التربة و التلوث، يؤدي إلى تفاقم النزوح سيما في مناطق الهضاب العليا.
وسيكون لهذه التوجهات انعكاسات خطيرة، سيما أنها قد ترهن بشكل مستديم أي مجهود تنموي، خاصة أن الانفتاح الاقتصادي وإعادة تنظيم الاقتصاد الوطني ، يفرضان انضباط في مجال المنافسة، يخضع لمعيار تحقيق أقصى المردودية.
وتشكل المياه في أن واحد عاملا أساسيا وعنصرا إستراتيجيا في مجال التهيئة العمرانية والنمو الاقتصادي، ويعد توفره عاملا حاسما يحدد توزيع السكان و التعمير و النشاطات الاقتصادية من بين الأخطار البيئية في الجزائر نجد :
– ندرة المياه إلى جانب التسيير المنعدمة الفعالية، وانعكاساتها السلبية على القطاعات الاقتصادية، وصحة السكان والإطار المعيشي و النشاطات السياحية و الأنظمة البيئية .
– عدم التحكم في التعمير الذي أستحوذ لحد الآن على 125000 هكتار من الأراضي الفلاحية الخصبة.
– ارتفاع حجم المياه القذرة وتضاعفه وعدم القدرة على معالجته بواسطة محطات التصفية القليلة و المعطلة.
– تلوث الهواء بسبب دخان السيارات مما يؤدي على ارتفاع الأمراض و الوفيات بسنن الأمراض التنفسية.
إن النتيجة المرتقبة و المرغوب فيها، ستتمثل في إعادة تنظيم التراب الوطني، بهدف تأهيل التنافسية لتنمية المحلية و الأنصاف العمراني و التنمية البشرية و حماية العامة الطبيعية والثقافية وترميمها لتسيير الإقليم.
التشغيل و البطالة : إن النظرة المشتركة لمختلف الشركاء الاجتماعيين حول مدى خطورة البطالة، تجعل من التشغيل مسألة حيوية في مجال الحفاظ على السلام الاجتماعي والإنعاش الاقتصادي.
ومنذ سنة 1987، برزت مؤشرات بطالة واسعة بين أوساط الشباب، حيث تطلبت وضع أجهزة متعددة في مجال التشغيل، وقد أبرز المخطط الوطني لمكافحة البطالة الذي شرعت فيه السلطات العمومية سنة 1997، و الذي أنجز أخطار بخصوصه من قبل المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي، ضرورة إدراج هذه المسألة ضمن الأولويات، وقد أظهرت جلسات الاستماع التي شاركت فيها النقابات وأرباب العمل الخواص و العموميون و الجمعية الوطنية للتنمية الاقتصادي و الاجتماعي، ضرورة إدراج هذه المسألة ضمن الأولويات، وقد أظهرت جلسات الاستماع التي شاركت فيه النقابات وأرباب العمل الخواص و العموميون و الجمعية الوطنية لتطوير التكوين المهني، توافق وجهات النظر حول ضرورة جعل التشغيل هدف أساسيا.
وقد أظهرت دراسة أنجزت سنة 2022 من طرف المكتب الدولي للعمل بعنوان “سوق العمل و التشغيل في الجزائر”، ضرورة المرافعة عن السياسة الوطنية للتشغيل، وهذه المرافعة ينبغي أن تنجز بإشراك كل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين .
المطلب الثالث: التحديات الكبرى
تواجه الجزائر اليوم تحديات كبيرة ذات طابع اقتصادي، اجتماعي وسياسي ، وقد تم التطرق غلى هذه التحديات خلال لقاء الجمعية الدولية للمجالس الاقتصادية والاجتماعية والهيئات الممثلة بالجزائر في جوان 2022 .
نظام اقتصادي سليم وأكثر تنافسا: في مجال التنافس ، تجدر الإشارة على مدى تأخر اقتصادنا اليوم.
وعند التطرق إلى مسألة المنافسة في بلادنا ، نراهن عادة على استخدام المزايا التفاضلية :
– التكلفة الرخيصة للطاقة.
– المواد الطبيعية.
-اليد العاملة الرخيصة.
المواد الطبيعية ضعيفة المدى، وقد تشكل عائقا لحركية المجتمع، و العناصر الاجتماعية والسياسية تلعب أهم دور حيث يتوقف كل من إنتاجية العمل وفعالية رأس المال على :
– الإطار المؤسساتي.
– نوعية المسيرين.
– المحيط الاجتماعي العام.
فالجزائر شرعت في وضع إطار مؤسساتي، لكنه يستدعي بذل مجهودات لبناء اقتصاد سليم ولا مركزي أكثر، كما أنه من الخط الاحتفاظ بالأفكار و الهياكل والآليات المثيرة للشك لأن اقتصاد السوق يستلزم مرحلة انتقالية تحضر فيها أنفسنا ونتعلم التغيير.
كل هذا يتطلب القيام بتطهير شامل يسمح للفاعلين باسترجاع مواقعهم، لذا ينبغي على الدولة أن تدخل لإشراك الفاعلين وذلك لنجاح اقتصادنا في فضاء التبادلات العالمية، و السماح لمؤسساتنا، من خلال المنافسة الدخول في الأسواق الخارجية، أو على الأقل حماية الأسواق الداخلية.
المبحث الرابع : مقاييس و مؤشرات النمو الاقتصادي
المقياس الاقتصادي : يعتبر الدخل المؤشر الأساسي لقياس درجة التقدم الاقتصادي.
المقياس الاجتماعي : يقصد بالمؤشرات أو المقاييس الاجتماعية المؤشرات الخاصة بنوعية الخدمات التي تعايش الحياة اليومية للأفراد للجوانب الصحية و الجوانب التعليمية و الجوانب الثقافية و الجوانب المتعلقة بالتغذية.
المقاييس الهيكلية : كانت الدول المتقدمة تعمل على توجيه الدول النامية نحو إنتاج المواد الأولية لكن بعد الحرب العالمية الثانية إذا شهدت أسعار المنتوجات الأولية تقلبات انعكست على أوجه النشاط الاقتصادي مما أدى إلى اتجاه الدول النامية إلى أحداث تغيرات هيكلية في بيئتها الاقتصادية عن طريق الاتجاه إلى التصنيع لتوسيع قاعدة الإنتاج و تنويعه و كل هذه المتغيرات يمكن اتخاذها كمؤشرات على درجة النمو و التقدم الاقتصادي و أهم هده المؤشرات هي :
* الأهمية النسبية للإنتاج الصناعي إلى إجمال الناتج المحلي.
* الأهمية النسبية للصادرات من سلع صناعية إلى إجمالي الصادرات.
* نسبة العمالة في القطاع الصناعي إلى إجمال العمالة.

المراجع:
1- أسامة بن محمد باحنشل”مقدمة في التحليل الاقتصادي الكلي”
2- محمد بلقاسم حسن بهلول، “الاستثمار وإشكالية التوازن الجهزي (مثال الجزائر)”
3- إسماعيل شعباني ، “مقدمة في اقتصاد التنمية” دار هومة ، ص61 إلى 63 دار الكتاب الحديث 2000 .
4- حسين عمر “النظريات الاقتصادية “
– مواقع في الإنترنت :
www.arab.api.org
www.sarambite.com
www.google.com

الخاتمة :
لقد تناولنا في هذا الموضوع مجمل القضايا المتعلقة بالنمو الاقتصادي ككل حيث بدأنا في الفصل الأول بتوضيح ماهية النمو الاقتصادي الذي رأينا أنه يتمثل في الزيادات المستمرة في الدخل الحقيقي، كما وضحنا ذلك في الفصل الثاني الأسس النظرية الخاصة بهذا النمو، حيث نلاحظ أن هذا الموضوع تناولته مدارس عديدة وكل مدرسة لها وجهة نظرها الخاصة بها و المختلفة عن الأخرى، لنصل في آخر فصل (الفصل الثالث) من الجزء الأول للبحث بدراسة العوامل المؤثرة فيه و المعوقات التي يمكن أن تقف حاجزا أمام تحقيق النمو الاقتصادي وخاصة في الدول النامية.
أما الجزء الثاني (الفصل الرابع) فقد تطرقنا إلى النمو الاقتصادي الخاص في الجزائر لندرس فيه أهم خصائصه وكيف يتم توزيع هذا النمو، لنصل في الأخير إلى دراسة التحديات الكبرى تواجه الجزائر اليوم في ظل تحقيق النمو.


البحث عجب الاستاذ ؟؟؟

سجلت في المنتدى لأني وجدت فيه ما أبحث عنه من مواضيع .
أما اقتراحاتي فهي تزويدنا بالفديوهات التعليمية و الوثائقية

السلام عليكم، أخوكم في الله محمد جمال، أتشرف بانضمامي إلى منتداكم، أريد منكم إخوتي أن تفيدوني ببحث حول كيف يؤثر الادخار على النمو الاقتصادي، وجزاكم الله كل الخير

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
البحوث الاقتصادية

بحث النمو الاقتصادي والعوامل المتحكمة فيه .جاهز

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على المصطفى الامين
اما بعد

:
فإني أضع بين ايديكم هذا البحث الذي كنت قد أنجزته العام الماضي وارجو ان تعم به الفائدة

ملاحظة: أرجو ان تشاركونا بردودكم ونسال الله التوفيق لنا ولكم و لسائر المسلمين

المقدمة :
يعتبر النمو الاقتصادي في أي بلاد ذو أهمية بالغة في الارتفاع بمستوى الناتج (الدخل) وبالتالي رفع المستويات المعيشية للجماعات الفقيرة في دولة ما فهذا النمو هو نعمة كبرى للبلد الذي يعتبره هدفا أساسيا للسياسة ومنه فالنمو الاقتصادي يعتبر أيضا أحد أهم مواضيع العصر التي لابد من الوقوف عليها، وفي بحثنا هذا سوف نتطرق إلى جزئين هامين في بناء الموضوع من خلال :
– معرفة ماهية النمو الاقتصادي.
– الأسس النظرية للنمو الاقتصادي.
وهذا دائما ضمن الجزء الأول، أما الجزء الثاني فسنخصه للحديث عن :
– النمو الاقتصادي في الجزائر
وهذا كنموذج للدولة الفقيرة.

النمو الاقتصادي والعوامل المتحكمة فيه
الخطة المقترحة في انجاز البحث :
مقدمة
– الفصل الأول : ماهية النمو الاقتصادي
المبحث الأول : تعريف النمو الاقتصادي
المبحث الثاني : عناصر النمو الاقتصادي
المبحث الثالث : خصائص النمو الاقتصادي
المبحث الرابع : استراتيجيات النمو الاقتصادي
– الفصل الثاني : الأسس النظرية للنمو الاقتصادي
المبحث الأول : النظريات التقليدية
المبحث الثاني : النظريات الحديثة
المبحث الثالث : النظريات المعاصرة
– الفصل الثالث : العوامل المؤثرة في النمو الاقتصادي و معوقاته
المبحث الأول : رأس المال المادي
المبحث الثاني : الابتكار
المبحث الثالث : رأس المال البشري
المبحث الرابع : معوقات النمو الاقتصادي
– الفصل الرابع : النمو الاقتصادي في الجزائر
المبحث الأول : خصائص
المبحث الثاني : توزيع النمو
المبحث الثالث : التحديات الكبرى
المبحث الرابع : مؤشرات التنمية الاقتصادية في الجزائر
– الخاتمة

الفصل الأول : ماهية النمو الاقتصادي :
المبحث الأول : تعريف النمو الاقتصادي :
– يعرف النمو الاقتصادي بأنه الزيادات المستمرة في الدخل الحقيقي وذلك في الأجل الطويل وتعتبر الزيادات المضطرة في الدخل نموا اقتصاديا .
– كذلك يعرف النمو الاقتصادي بأنه معدل التغير في “متوسط الناتج للفرد” (نصيب الفرد من الناتج القومي في المتوسط) ، وهو الوسيلة لتحقيق مختلف الأغراض .
أيضا يعرف بأنه يشير إلى الزيادة المستمرة في متوسط الدخل الحقيقي للفرد عبر الزمن .
– يعني النمو بالنسبة لمستوى الاقتصاد الوطني : أنه حركة تصاعدية لبعض المقادير اٌقتصادية الناتج الوطني الخام تندرج في الزمان، وهذه الحركة تؤثر بصفة أساسية على ظروف الإنتاج مثل : زيادة الاستثمار وإدراج الرقي التقني واشتراط يد عاملة مؤهلة .
من خلال هذه التعاريف المختلفة نلاحظ أن هناك اختلاف جوهري بين مفهوم النمو ومفهوم التنمية لأن التنمية الاقتصادية مفهومها أكثر إتساعا و شمولا من مفهوم النمو الإقتصادي.
لأن التنمية الاقتصادية تشير إلى تلك العملية التي يترتب عليها إحداث تغيير هيكلي وجذري في معظم هياكل الاقتصاد الوطني على خلاف النمو الذي يركز فقط على التغير في حجم السلع و الخدمات التي يحصل عليها الفرد متمثلة في زيادة متوسط دخله .
المبحث الثاني : عناصر الإقتصادي :
تتمثل في ثلاثة عناصر أساسية هي :
العنصر الأول : تحقيق زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني ويقاس متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني عن طريق :
الدخل الوطني
عدد السكان

ويتطلب حدوث زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني أن يكون معدل الزيادة في الدخل الوطني أكبر من معدل الزيادات في عدد السكان وهذا يطلب أن يكون :

فإذا كانت النسبة السابقة تساوي 1 فهذا يعني أنه على الرغم من زيادة الدخل الوطني إلا أن نصيب الفرد منه يضل ثابت بسبب زيادة عدد السكان بنفس النسبة .
وإذا كانت النسبة السابقة 1 فهذا يعني أن متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني ينخفض رغم زيادة الدخل الوطني وذلك لأن معدل النمو في عدد السكان يزيد عن معدل النمو في الدخل الوطني
العنصر الثاني : تحقيق زيادة حقيقية في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي أي تحقيق زيادة حقيقية في مقدرة الأفراد على شراء السلع و الخدمات المختلفة .

لذلك فإن تحقيق زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي يتطلب أن يكون معدل الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني أكبر من معدل الزيادة في المستوى العام للأسعار “التضخم” ويعني ذلك أن حدوث الزيادة زيادة حقيقية في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني يتطلب أن يكون

فإذا كانت هذه النسبة 1 فهذا يعني أن نصيب الفرد من الدخل الحقيقي “قدرته على الشراء” تظل ثابتة على الرغم من زيادة دخله النقدي بسبب ارتفاع المستوى العام للأسعار بنفس النسبة .
وإذا كانت هذه النسبة 1 فهذا يعني أن القوة الشرائية لمتوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني إنخفضت على الرغم من زيادته بسبب إرتفاع المستوى العام بنسبة أكبر

ويمكن قياس معدل النمو الإقتصادي في دول ما عن طريق المعادلة الآتية :
معدل النمو الإقتصادي = معدل الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني – معدل الزيادة في مستوى العام للأسعار “معدل التضخم”
العنصر الثالث : تحقيق زيادة مستمرة و مستقرة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي و الزيادة المستقرة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي تتطلب أن تكون هذه الزيادة ناتجة عن زيادة حقيقية في مستوى النشاط الإقتصادي، أي أنها لا تحدث بسبب ظروف طارئة قد تكون بسبب حصول الدولة على إعانة من الخارج لفترة معينة أو بسبب ارتفاع مفاجئ في أسعار السلع التي تقوم بتصديرها الخارج بسبب ظروف طارئة لا تلبث أن تزول كما حدث في حالة ارتفاع أسعار النفط عام 1973، حيث أدت إلى زيادة كبيرة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيق في الدول المصدرة للنفط لم تلبث أن اختفى مع انخفاض أسعار النفط مرة أخرى في الثمانينات فهذا النمو يعتبر نمو عابر لا يلبث أن يزول.
و من ناحية أخرى فهذه الزيادة لا بد وأن تكون مستقرة بمعنى أن لا تتعرض للتقلب الشديد في معدلها من فترة زمنية لأخرى.
المبحث الثالث : خصائص النمو الإقتصادي
– النمو الإقتصادي لا يهتم بتوزيع عائد النمو الإقتصادي أي لا يعتم بمن يستفيد من ثمار النمو الإقتصادي.
– النمو الإقتصادي يحدث تلقائيا ولذلك لا يحتاج إلى تدخل من جانب الدولة.
– التنمية الاقتصادية أوسع و أكثر شمولا من النمو الإقتصادي.
– النمو الإقتصادي ذو طبيعة تراكمية، فلو أن دولة ما تنمو بمعدل أسرع من غيرها، فإن الفجوة بين المستويات في كل منهما تتسع باطراد.
– يؤدي النمو الإقتصادي إلى رفع المستويات المعيشية على المدى الطويل، و يتناول كذلك سياسات إعادة توزيع الدخل بين أفراد المجتمع بصورة أكثر يسرا و سهولة.
– النمو الإقتصادي يؤدي إلى خلق الكثير من فرص الاستثمار .
يلعب النمو الإقتصادي دورا ذا أهمية خاصة في الأمن الوطني .

المبحث الرابع : إستراتيجيات النمو الإقتصادي :
الفرع الأول : النمو المتوازن (BLANCED. GROWTH) :
نقطة التركيز الأساسية لفكرة النمو المتوازن لبدأ عملية التنمية وخروج الاقتصاد الوطني من الحلقة المفرغة هو القضاء على مشكل ضيق السوق، وانخفاض الإنتاجية في الدول المتخلفة و ما يترتب عليه من انخفاض الدخل يؤدي إلى ضعف القدرة الشرائية، وبالتالي ضيق نطاق السوق، ومن ثم انخفاض الحافز على الاستثمار.
يرى “Nurkse” أن السبيل الوحيد للخروج من مشكلة ضيق البنوك تتمثل في برنامج استثماري تتوجه فيه الاستثمارات إلى جهة واسعة وعريضة من المشروعات الصناعية وغير الصناعية المتكاملة من حيث خدماتها لاحتياجات الطلب الاستهلاكي النهائي، إلا أن نجاح مثل هذا النمط يتطلب إنشاء كل مشروعات في نفس الوقت.
إن إستراتيجية النمو المتوازن تقوم على مفهوم الوفورات الخارجية “ECONMIES.EXTERNES” عن طريق خلق طلب عن ناتج الصناعات ينضر الكثيرون غلى الدفعة القوية و لنمو المتوازن بوصفهما وجهين لعملة واحدة، كما يعتبر البعض الأخر أن النمو المتوازن هو الشكل التنفيذي لفكرة الدفعة القوية، ويمكن تلخيص نظرية النمو المتوازن فيما يلي :
– دفعة قوية متمثلة في حد أدنى من الاستثمارات
– توجيه هذه الاستثمارات إلى جهة عريضة من المشروعات الاستثمارية في عديد من الأنشطة
– أن تكون هذه المشروعات متكاملة من حيث خدمتها لاحتياجات الطلب الاستهلاكي النهائي
الفرع الثاني : النمو غير المتوازن : تعتبر كسياسة بديلة للنمو المتوازن لهذه النظرية مفكروها و مؤيدوها، مثل :
“F.PERROUX” و “فرانسو سيرو” و “دوبير نيس” و “D.DEBERNIS” و “روستو ” “W.W.ROSTOW”
ويمكن حصر المعطيات الاقتصادية التي تنطلق تحليلات هذه النظرية في ثلاثة عناصر كبيرة هي :
– وجود موارد طبيعية موزعة توزيعا غير متكافئ بين المناطق، ويرى “Satorrsky” أن ذلك يدفع البلدي الذي يملك شروطا أفضل في وفرة مورد طبيعي ما إلى تركيز إنتاجية حوله، فيتخصص في هذا الإنتاج الذي يعتمد عليه في قيادة التنمية و هي سياسة نمو غير متوازنة نجد جذورها التاريخية في نظرية التفضيلات المقارنة لـ “ريكاردو” عن التخصص التجاري بين الدول، حيث تحصي أكبر الفوائد، في المبادلات التجارية، يستلزم من كل بلد أن يتخصص في إنتاج تكون فيه تكاليفه النسبية أقل.
– ندرة رأس المال و الخبرات الفنية في البلدان المتخلفة لا تساعدها على تطبيق سياسة النمو المتوازن، لأنها تقتضي حجما كبيرا من الاستثمارات يستحيل على مثل هذه المجتمعات الفقيرة ذات الدخل الحقيق المنخفض و الادخار الضعيف، توفير شروطها، و إذا وزعت إمكانياتها المادية و الفنية المحدودة في عدة نقاط استثمارية وستكون قطرة في البحر تتلاشى دون إحداث الأثر المنتظر منها في النمو المتوازن، ولهذا يكون من مصلحة التنمية تجميع هذه الإمكانيات وتركيز استثمارها في مشاريع محدودة، تعطى فيها للنمو الإقتصادي عند البداية دفعة قوية، وهي سياسة نمو غير متوازن.
– وجود قطاعات نشطة و قطاعات خاملة في الاقتصاد الوطني يتطلب في التنمية التركيز بالاستثمار على القطاعات الأكثر حيوية و التي تتمتع بمعدل توسع سريع، وهذا الدور الذي نعلقه عليها كفيل بأن يؤثر مباشرة على التنمية في المجتمع و يجر وراءه القطاعات الخاملة في نفس الاتجاهات، ويرى “رستو” أن درجة حيوية هذه القطاعات ليست ثابتة في كل مراحل النمو، وتختلف من مرحلة لأخرى، لأن احتياجات النمو خاضعة بدروها لتطور ولهذا يمكن في نظرنا تصور القطاع القائم .

الفصل الثاني : الأسس النظرية للنمو الإقتصادي
المبحث الأول : النظريات القديمة للنمو الإقتصادي :
إن دراسة النظريات القديمة لها أهمية كبرى وهذا من الناحيتين العلمية و التاريخية من الناحية العلمية المقارنة بين نظيرات الماضي و الحاضر تجعلنا نتصرف على مدى تطور المجتمعات منذ القدم، أما من الناحية التاريخية فتجعلنا هذه الدراسة لا نقع في أخطاء الماضي بل نتفادى كل ما هو معرقل، ونعمل بكل ما هو مفيد لعملية التنمية.
1- التجاريين و التنمية : يعد التجاريون من الأوائل الذين وضعوا نظرية اقتصادية حول التنمية الاقتصادية بشكل أوضح، مع أن هذا الفكر كان يهتم بالجانب السياسي للدولة أكثر من اهتمامه بالجانب الإقتصادي، ونجد كتاباتهم توسعة في الكلام عن التنمية و رخاء الدولة، ويرى بعض المفكرين أن أراء التجاريين في المجال الإقتصادي لم تكن أراء قيمة جدا بحيث يمكن أن تضعها في مقام النظريات، إذ كانت حسب رأيهم أفكار غير متكاملة، إبتداءا من القرن الخامس عشر إلى نهاية القرن السابع عشر و أهم أفكارهم هو أن تزيد الثروة في البلد دون أن يهتموا بكيفية توزيعها أو ما يصيب الفرد منها.
– التجاريون و النشاطات الاقتصادية : إن الصناعة و التجارة هما، أساس التنمية الاقتصادية عند التجاريين، بل يعتبران العمودان الأساسيان في التنمية الاقتصادية، وحتى يتم تطوير هذين القطاعين المهمين عندهم، فإن الدولة بدأت تخفض من الضرائب على رجال الأعمال و الصناع، بل شرعت الدولة في مساعدتهم بمعونات مادية بخفض الأسعار حتى يستطيع المنافسة في السوق العالمية، أي أن الدولة بدأت تعمل على خلق مناخ جيد و ملائم لتطوير الصناعة و التجارة.
وكان التجاريون يرون عكس ذلك بالنسبة للزراعة، لأنها قطاع ثانوي ويعتمد في تطوره على الصناعة و التجارة.
2- التنمية عند الفيزيوقراط (الطبيعيون) : تبلورت أفكار المدرسة الطبيعية عند المفكر الفرنسي المعروف “فرنسواكيني” فقامت هذه المدرسة بنشر أفكار اقتصادية خاصة بالتنمية لكنها كانت أفكارا عامة و غير متخصصة.
إن القطاع الفلاحي هو النشاط الأساسي الذي يدفع التطور الإقتصادي إلى الأمام، وهو المحرك للقطاعات الأخرى الغير الزراعية، بل أن نمو هذه القطاعات الأخيرة مرهون بنمو القطاع الفلاحي، حيث أن “كيني” قسم المجتمع إلى ثلاثة طبقات وهي: طبقة الملاك (ملاك الأراضي)، طبقة المنتجين و هي طبقة المزارعين المباشرين، و الطبقة العامة وهي طبقة الصناع، لأن الزراعة هي وحدها التي تزيد من الثروة، أما القطاع الصناعي فإنه يعمل على تحويل المواد الأولية إلى مواد مصنعة أو نهائية.
إن التنمية الاقتصادية تعتمد على القطاع الفلاحي كقطاع أساسي لأحداث التطور، أما القطاعات الأخرى فإنها ثانوية .
3- التنمية الاقتصادية عند المفكرين الكلاسيك: إن المفكرين الكلاسيك هم بداية جديدة لمبادئ وأسس الاقتصاد السياسي ومع ذلك فإن نظريتهم كانت عامة، رغم إشارتهم إلى ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية.
وكانت الرأسمالية الحرة هي أهم أساس بنيت عليه فكرة التنمية عند الكلاسيك، خاصة على يد “آدم سميت” كما أعتمد الكلاسيك على مبدأ العمل، الذي في رأيهم يزيد في الإنتاج وبالتالي في التطور و التنمية.
يرى المفكرون الكلاسيك أن شروط التنمية ثلاثة :
– الربح الكافي في المجتمع.
– وفرة المواد الأولية.
– وفرة مواد العيش للعمال و المنتجين.
نرى الآن أهم المفكرين الكلاسيك وآرائهم في التنمية وهم “آدم سميت، ريكاردو، توماس ، روبرت مالتس”.
– التنمية عند “آدم سميت” : يبين “سميت” أهم العوامل التي تؤدي إلى النمو الإقتصادي وهي حسب رأيه كالتالي :
– تجميع رأس المال.
– رفع إنتاجية العمل.
– النمو السكاني .
– حرية التجارة الدولية.
يعطي “آدم سميت” إلى القطاع الفلاحي عناية كبيرة ويوجب في ذلك استخدام التقدم التقني من عتاد وآلات حديثة ..الخ، ويتفطن “سميت” إلى البطالة التي تحدث في الريف عند إدخال التقنيات الحديثة على القطاع الفلاحي.
إن أهمية القطاع الفلاحي تكمن في كونه يؤمن الضروريات للعيش ولذلك يجب العمل على تطويره أولا، ثم تطوير القطاع الصناعي الذي يؤمن الحاجات الأقل ضرورة .

يمكن أن تخلص ما قاله “سميت” في النقاط التالية :
– إن الحرية الفردية هي أساس التنمية الاقتصادية.
– الحكومة لا تتدخل إلا في القيام بالخدمات العامة (الأمن، القضاء…).
– إن زيادة رأس المال الدورة الإنتاجية أمر مهم، بل ضروري لإحداث التنمية.
-التنمية عند “ريكاردو”: يرى “ريكاردو” أن القطاع الفلاحي أهم النشاطات الاقتصادية، لأنه يعتبر هذا القطاع بمثابة الدعامة، إذ يوفر كوارد العيش للسكان فالأرض هي أساس أي نمو اقتصادي .
قسم ريكاردو المجتمع إلى ثلاث طبقات الرأسماليون، العمال و الإقطاعيون، فحسب “ريكاردو” الرأسماليين يلعبون الدور الرئيسي و الأساسي في الاقتصاد الوطني وفي النمو الإقتصادي بصفة عامة .
أما العمال فإنهم مهمون، لكنهم أقل أهمية من الرأسماليين، لأن أعمالهم مرتبطة بوجود الرأسمالي فهذا الأخير هو الذي يوفر الآلات و العتاد… وكل ما يحتاجون إليه للقيام بعملية الإنتاج أما الإقطاع وهو مالك الأرض فإنه مهم جدا وخاصة في المجال الزراعي، لأنه يقدم الأرض وهو العنصر الأساسي للعمل الفلاحي.
المبحث الأول : النظريات الحديثة للنمو الإقتصادي :
إن نظريات التنمية القديمة التي تناولها في حقيقة الأمر أفكار اقتصادية عامة لا أكثر، فلم نتطرق إلى موضوع التنمية و النمو من التخصص، إلا أنها في حقيقة الأمر تعتبر نظريات التنمية و النمو الحديثة، القاعدة الأساسية للنظريات الحديثة، بل يمكن اعتبار هذه الأخيرة امتداد للأفكار الكلاسيكية أو الماركسية وظهر اقتصاد التنمية من جديد بعد الحرب العالمية الثانية.
من بين النظريات الحديثة الأكثر شهرة في العالم نجد :
1- نظرية المراحل “لروستو” : لقد لخص “روستو” نظرية المراحل في كتابة “مراحل النمو الإقتصادي”، الذي ظهر عام 1956 كما أن “رستو” يستخدم المنهج التاريخي هو كذلك في تحليله لنظرية النمو، فكما كان الحال عند “ماركس” هو الآخر يرى أن المجتمعات تتطور من مرحلة إلى مرحلة أخرى.
ويرى كذلك أن آخر مرحلة من مراحل النمو هي بناء الرأسمالية فيبين بذلك انتماءه إلى المجتمع الرأسمالي.
يقول “روستو” أن المجتمع يتطور عبر خمسة مراحل هي :
– التجمع التقليدي.
– التهيىء للانطلاق.
– الانطلاق.
– الاندفاع نحو الاكتمال.
– الاستهلاك الواسع.
– مرحلة المجتمع التقليدي : “روستو” يرى فيها أن المجتمع يكون تقليديا ويتميز هذا المجتمع بمميزات أساسية هي :
– هو مجتمع تقليدي يعيق استخدام التكنولوجيا، وبالتالي لا يساعد على تطور الإنتاج، كما أن 85% من أفراد المجتمع يعملون في القطاع الفلاحي أو في إنتاج المواد الغذائية.
– الدخل الوطني يصرف معظمه في أشياء غير إنتاجية.
– إن السلطة السياسية تكون أيدي ملاك الأرض، ومركزية يدعمها الجيش.
إن أهم ميزة للمجتمع التقليدي هي ضعف مردودية الأرض للهكتار الواحد، لأن المجتمع التقليدي لا يملك من إمكانيات التي تسمح له برفع الإنتاجية للفرد الواحد، فهو لا يقدر على استخدام العلم و التكنولوجيا الحديثة.
– مرحلة التهيئة للانطلاق : تميزت هذه المرحلة بالمميزات التالية :
– إنهاء المرحلة الانتقالية للانطلاق، حيث تحدث فيها تغيرات جذرية في القطاعات الغير الصناعية.
– تطور النقل بسبب ارتفاع مستوى التجارة.
– تطور المجتمع الذي يقبل إدخال التكنولوجيا الجديدة.
– تغلغل التقدم الإقتصادي من الخارج، عن طريق نقل التكنولوجيا.
إن أهم ما يمكن ملاحظته في هذه المرحلة هو بداية استخدام التقدم التقني بصورة موسعة و في كل المجالات، وهذا يعمل على زيادة الاستثمار ، خاصة في النقل و الموارد الأولية .
– الانطلاق : تتميز هذه المرحلة بقصرها نسبيا بالمقارنة مع المراحل الأخرى :
– يرتفع فيها الإنتاج الحقيقي للفرد، وتحدث تغيرات كبيرة في التقنيات المستخدمة و التي تعتبر أهم الخصائص لهذه المرحلة.
تعتبر هذه المرحلة بمرحلة الثورة الصناعية
يرى روستو أن هذه المرحلة ينتقل معدل الإستثمار من 5% إلى 10% من الدخل الوطني ، وكان موجودا في كندا قبل 1890 و الأرجنتين قبل 1914 حيث كان الاستثمار يفوق 5 % من الدخل الوطني.
الاندفاع نحو الاكتمال : تعتبر هذه المرحلة أطول نسبيا، وحجم الاستثمارات يقدر ما بين 10% و 20% من الدخل الوطني بحيث تفوق كمية الإنتاج الزيادة السكانية
– يزداد تطبيق التكنولوجيا الحديثة، وتتسع رقعة القطاعات القيادية في الاقتصاد، ويصبح مستوى الاقتصاد ذا مستوى عالمي.
– تتطور التجارة الخارجية فتزداد الموارد المصدرة، كما تتطور المشتريات ويصبح البلد في غنى عن المواد التي كان يستوردها.
تتغير بنية العمال، فتدخل طبقة العمال الماهرين.
الإستهلاك الواسع : في هذه المرحلة يرتفع الدخل الحقيقي للفرد بحيث يصبح عدد كبير من الأفراد المجتمعي يتمتعون بكثير من الحاجات الضرورية (الأكل، اللباس، السكن).
فيتغلب عدد السكان المتمدنين على عدد الريفيين، ويتغلب كذلك عدد العمال الإداريين على عدد العمال الآخرين.
ويصبح التقدم التقني ليس هدف، لأنه يصبح أمرا سهلا و الوصل إليه أو بلوغه أمر بسيط
النموذج المزدوج ” Lewis” 1954: يعتبر هذا النموذج التنموي بمثابة النموذج الأكثر واقعية للعالم المختلف، لأن التنمية تعتمد على العدد الهائل من العمال المتواجدين في دول العالم الثالث بصفة عامة (حسب هذا النموذج).
يسمى هذا النموذج بالنموذج المزدوج لأن “لويس” يرى بأن مجتمعات الدول المتخلفة تتكون من قطاعين، قطاع تقليدي وقطاع رأس المال.
– قطاع تقليدي يعتمد في الأساس على الفلاحة الغذائية بالإضافة إلى وظائف أخرى حرة (تجارة صغيرة، أعمال موسمية….) .
– أما القطاع الرأسمالي هو قطاع متطور يقوم به الرأسماليون ويستخدمون تقنيات حديثة، ويستثمرون في القطاع الصناعي بصفة عامة .
نموذج “هاورد دومار”: يعتبر هذا النموذج بالنسبة للنمو أحد أشهر نماذج الكنزين الجدد، هذا النموذج الذي يعتبر التوفير ورأس المال عملية النمو الإقتصادي.
“هارود دومار” شرحا فكرتهما هذه بإستخدام المعادلة التالية :

حيث : g نسبة النمو …..
S نسبة الادخار ….
C المعامل الحدي لرأس المال
وهكذا فإن :
لأن الادخار يساوي
وهكذا فإن معدل النمو يكون أكثر ارتفاعا عندما تكون نسبة الادخار أعلى ما يكون، لكن في حالة عدم قدرة البلد توفير معدلات مرتفعة من الادخار الداخلي، فإنها تلجأ إلى الادخار الخارجي حتى تتمكن من تحقيق مستوى معين من النمو فتلجأ الدول المتخلفة ضعيفة الادخار إلى القروض من الخارج.
إن نموذج “هاورد دومار” يمكن في حقيقة الأمر تطبيقه في الدول المصنعة لأن الدول المتخلفة بالإضافة إلى نقص الادخار وتراكم رأس المال، فإنها لا تملك الإجراء المناسب لاستخدام التقنيات الحديثة، إذ تصطدم هذه الأخيرة في كثير من الأحيان بعدم إمكانية استغلالها من طرف العمال غير المكونين، بل إن الأوضاع السياسية و الاجتماعية في كثير من الدول المتخلفة غير مواتية لإدخال التقنيات الحديثة.
لكن اعتبار عنصر رأس المال الوحيد و الرئيسي لتحقيق التنمية تجعلها تخطئ، إذ في الحقيقة قد يلعب هذا العنصر دورا هاما، لكنه غير كافي لتحقيق التنمية و النمو، وتبقى العناصر الأخرى (من أوضاع اجتماعية وسياسية) تلعب الدور الأهم و الرئيسي لتحقيق التنمية .

المبحث الثالث : النظريات المعاصرة
1-الاقتصاد الجزئي الجديد للتنمية : لقد تشكل الاقتصاد الجزئي الجديد للتنمية عن طريق التكفل بثلاثة مواضيع أساسية هي الدراسة المقارنة لسلوك الأعوان الاقتصاديين في الدول النامية مع مفهوم ترشيد الاقتصاد الجزئي النموذجي وبروز الاقتصاد المؤسساتي الجديد للتنمية وأخيرا الأعمال حول الفقر.
– ويكون أحد أهداف الاقتصاد الجزئي في رفض الإدعاء الذي مفاده أن سلوك الأعوان الاقتصاديين في البلدان النامية غير عقلاني.
– وتجدر الإشارة أيضا إلى أن، هذا الإدعاء يقوم على أن الملاحظة في البلدان النامية للسلوكيات اللأنمطية خاصة في الظاهر، مقارنة بدروس نظرية الاقتصاد الجزئي النموذجي كمنحنيات العروض التنازلية وفقا للأسعار ورفض اعتماد الإبداعات الاقتصادية المربحة أو التحويلات الهامة للمداخيل بين الأفراد دون تعاملات الاقتصادية خفية، يمكن أن تؤدي إلى التشكيك في مثل هذا المنطق.
وينفي الاقتصاد الجزئي للتنمية نفيا قاطعا هذا الإدعاء عن طريق التكفل بنقائص الأسواق و المحيط المؤسساتي التي تميز البلدان النامية.
يقوم البرهان الناجم عن ذلك أولا على حاجة أن مفهوم السوق المرتبط بالبلدان المتطورة لا ينطبق كليا على الواقع الإقتصادي و الاجتماعي للبلدان النامية، ولو حدث ذلك فإنها تتميز إما بعدم وجود هذه السوق أو تلك وإما بعدم اكتمال أو خلل في الأسواق عند وجودها.
كانت نقطة انطلاق التفكير حول هذا الموضوع دراسة سلوك الاقتصاد لأسر الفلاحين وذلك لكون أغلبية سكان البلدان النامية يعيشون في عالم الريف.
إن الخلاصة التي يمكن استنتاجها لوصف سلوكات الأسر الريفي وصفا دقيقا، وهي الوصول إلى فهم وتمثيل لعيوب الأسواق.
وبصفة عامة يمكن أن تمارس نقائص السوق تأثيرا حاسما على اختيار نشاط الأعوان الاقتصاديين واعتماد الإبداعات التكنولوجية أو سلوك النزوح.
وتم التكفل بهذه الإعتبارات في ما يمكن أن يسمى بالاقتصاد المؤسساتي الجديد للتنمية .

2-الاقتصاد الكلي للتنمية و النظرية الجديدة للنمو:
تمثل نشأة الاقتصاد الكلي للتنمية – بعد الاقتصاد الجزئي للتنمية-الجانب الآخر الهام المسمى بتجديد اقتصاد التنمية.
ينبغي التذكير أنه في بداية تكوينه كان اقتصاد التنمية يستند قليلا أو لا يستند بالمرة إلى مبدئ النظرية الاقتصادية النموذجية التي كانت أكثر تكيفا مع البلدان المتطورة، مفضلا التركيز على تمييز الاقتصاديات النامية بإعداد علم اليقين وعلم تصنيف التخلف واقتراح برامج ومناهج تخطيط للخروج منه.
ففي الثمانيات فقط المسماة “العشرية المفقودة للتنمية” بعد أزمة مديونية البلدان النامية، نجم عن مخططات التعديل الهيكلي التي طبقت عليها و الانتقاد الذي أثارته مقاربة جديدة للاقتصاد الكلي للتنمية.
وتكلفت هذه المقاربة إذن بالتفكير حول ضرورة جعل التعديل الهيكلي يتلاءم مع النمو وسياسة الإصلاحات.
بالموازنة مع ذلك وخلال تلك العشرية و في إطار أوسع من إطار البلدان النامية عرفت إشكالية النمو اهتماما متجددا نجم عنه ما يعرف بالنظريات الجديدة للنمو.
بالفعل فإن الشيء الجديد في هذه النظريات يقوم على الكيفية الجديدة التي يتم من خلالها اعتبار أصل ودور الرقي التقني وتدخل الدول في شرح النمو.
ينبغي التأكيد أن النظرية السائدة – حتى ذلك الوقت – كانت تعتبر أنه إذ وجد نمو مستقر على المدى الطويل فإن وتيرته لا تقارن إلا بتطور السكان و التكنولوجيا وليس بالسلوكات الاقتصادية، و إذا كانت تساعد على استعراض انتظام وتأثر النمو الإقتصادي خلال الثلاثين سنة المزدهرة فالأمر لم يعد كذلك منذ منتصف السبعينات مع تباطؤ الإنتاج بصفة عامة ومستدامة وكذلك بصفة متغيرة بين البلدان، وعليه فإن تطور الإنتاجية مرهون بالاختيارات الاقتصادية ومن ثم يمكن تغيير هذا التطور.
ولم يعد الرقي التقني متغيرا خارجيا بل متغيرا اقتصاديا يحيل إلى سلوكات وإلى مقادير اقتصادية كلية .

الفصل الثالث : العوامل المؤثرة في النمو الإقتصادي ومعوقاته
المبحث الأول : كمية رأس المال المادي :
إن المزيد من الأدوات المعاونة في عمليات الإنتاج تميل إلى أن تؤدي إلى المزيد و المزيد من الناتج من السلع و الخدمات وعلى ذلك أصبح الناتج للفرد، من تراكم الرأسمال ملحوظا، إلى الحد الذي أعتبر في وقت ما، أن رأس المال المادي هو المصدر الوحيد للنمو.
وعموما فطالما تتوافر لأي مجتمع فرص الاستثمار التي لم تكن مطروحة من قبل، فإنه من الممكن لهذا المجتمع أن يحقق زيادة في طاقته الإنتاجية بزيادة رصيده من رأس المال الحقيقي.
وإذا وضعنا في اعتبارنا “نظرية الإنتاجية الحدية”، فإن التراكم الرأسمالي – إذا كان له أن يصبح المصدر الوحيد للنمو- لا بد أن يكشف، عاجلا أم أجلا، عن تناقص العائد من رأس المال تبعا لتناقص إنتاجيته الحدية مع كل زيادة في الكمية المستخدمة منه في عملية الإنتاج، وهذا يدعو بدوره إلى التنبؤ بالتحرك تنازليا في جدول الإنتاجية الحدية، ومع ذلك فالدلالة العملية لا تؤدي هذا التنبؤ على طول الخط، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أثر رأس المال المادي في نمو الاقتصاد للولايات المتحدة في غضون القرن الحالي، وذلك أنع رغم الكميات الضخمة من رأس المال الجدي المستخدم في تلك المرحلة من تطور الاقتصاد الأمريكي، فإن نسبة الناتج لرأس المال قد ظلت ثابتة ولم تتدهور، وبالمثل فلم يكن ثمة اتجاه تنازلي في معدل العائد رأس المال، مما يوحي بحقيقة بالغة الأهمية، وهي أن فرص الاستثمار قد توسعت بنفس السرعة توسع الاستثمار في السلع الرأسمالية
المبحث الثاني : الابتكار
إن المعرفة الجدية و الابتكارات الجدية يمكن أيضا أن تساهم وبدرجة ملحوظة في نمو الدخل القومي ورؤية ذلك تتضح، ولو افترضنا أن الجزء من موارد المجتمع الموجهة لإنتاج السلع الرأسمالية يكفي بالكاد لإحلال رأس المال عندما يتعرض للتقادم، و بالتالي فإن الدخل القومي سوف ينمو بسبب تقدم المعرفة الفنية، لا بسبب تراكم المزيد من رأس المال ، وهنا فإن هذا النوع من الزيادة في الدخل يمكن أن يتأتى إما من خلال تقدم المعرفة الفنية داخل المجتمع وإما من خلال إستاد هذه المعرفة الفنية من الخارج.
إن الدول الأقل تقدما يمكن أن تقوم بإحلال رأس المال القديم برأس المال الجديد وهذا ما يطلق عليه بالأساليب الفنية في الإنتاج التي كانت من قبل متبعة في الخارج، و لتي لم يتسن لهذه الدول أن تفيد منها بعد في تنمية اقتصادياتها، أم الدول الأكثر تقدما فإنه يتعين عليها أداء مهمة أصعب بكثير على ما يبدو، إذ ينبغي عليه تطوير الأساليب الفنية الجديدة عن طريق المضي في إجراء البحوث بغية ابتكار أسليب أخرى أكثر تطورا.
ومع ذلك فالدليل القائم حاليا حول ما يسمى “بالفجوة التكنولوجية” إنما يوحي بأن هناك مجالا للابتكار يتجاوز مجرد نقل الإنجازات الأجنبية في حقل التكنولوجيا.
ويتراءى لبعض الكتاب المعاصرين أن دول أوربا الغربية مختلفة عن الولايات المتحدة الأمريكية في مسائل التكنولوجيا، و السبب في ذلك –على ما يبدو لهم – هو عدم قدرة هذه الدول على استغلال ما هو معروف من ابتكارات جديدة بصورة فعالة .
المبحث الثالث : نوعية رأس المال البشري
يعتبر عنصر العمل كأحد عناصر الإنتاج على أنه نسق واحد كأحد مداخلات العملية الإنتاجية، و العمل يختلف من نوع إلى أخر – من الميكانيكي الماهر إلى العالم أو إلى الحفار- وذلك نظرا لأن ما ينتجه أي منهم في وحدة زمن (ساعة مثلا) يضفي عليه المجتمع قيمة تختلف عن قيم ما ينتجه الآخرون.
فمن الملاحظ أن نوعية العمل ترتبط إيجابيا ببعض الأمور الهامة ومنها التحسينات في صحة السكان وطول أعمارهم، وهذه الأمور ، بطبيعة الحال، مرغوبة كأهداف في حد ذاتها، ولكن لها نتائج تنعكس على مستوى الإنتاج و الإنتاجية.
من ناحية ثانية من النواحي المتعلقة بنوعية رأس المال البشري وهي التعليم و التدريب الفني بمختلف مستوياته، من مجرد تعليم كيفية تشغيل الآلة إلى تعليم كيف يمكن أن يكون المرء عالما، ومما لا شك فيه أن التعليم و التدريب أمر مطلوب للارتقاء بنوعية العمل، وذلك من أجل ابتكار وتشغيل وإدارة وإصلاح الآلات الضخمة المعقدة التركيب في غمرة التطوير التكنولوجي الكبير في غضون المائة سنة الأخيرة، كما أن كل الدراسات الجادة تشير إلى أن التعليم المتقدم أو التدريب الفني يعمل على زيادة الناتج الكلي بنفس القدر من الموارد المتاحة، وزيادة متوسط ناتج (دخل) الفرد تبعا لذلك .
بصفة عامة كلما طالت فترة تعليم الفرد ، فإنه يصبح أكثر قدرة على التكيف مع التحديات الجديدة و المتغيرة .

المبحث الرابع:معوقات النمو الاقتصادي
هناك العديد من المعوقات نذكر منها على سبيل المثال :
1- التعليم : لا جدال أن التعليم يرفع من كفاءة عنصر العمل بمختلف أنواعه إلى حد كبير، وكلما دخلت أسليب حديثة لسير العمل في مختلف ميادين الإنتاج، بات من الضروري الارتفاع بالمستويات التعليمية و التدريبية لقوة العمل، إن شخصا يستطيع القراءة و الكتابة و الحساب لا بد أن يكون أكثر كفاءة بكثير في أعمال عديدة من شخص أمي لا يقرأ و لا يكتب ولا يحسب، كما أن مدير متدربا على الطرق الحديثة في إمساك الحسابات وإدارة الأفراد و الرقبة على موجودات منشأته وسير العمل فيه، هو أكثر فاعلية بكثير – في صدد الحصول على أكبر قدر من المخرجات السلعية من مداخلات معينة- من مدير يجهل هذه الأساليب الحديثة في إدارة الأعمال.
من الواضح أن كثير من الدول الآخذة في النمو، قد خصصت نسبة كبيرة من الموارد التعليمية لقلة قليلة من الأفراد لينالوا في النهاية قسطا وافرا من التعليم و التدريب، وذلك عن طريق بعثات تعليمية إلى الخارج لفترات يتلقون فيها الدراسة المتقدمة في مختلف مجالات تخصصاتهم العملية.
وأي كان الأمر، فإن معظم الدراسات الجدية عن أوضاع الدول المتخلفة تحث على زيادة وليس نقص الاتفاقات على التعليم، لأن النقص في التعليم بأنواعه المختلفة يشكل عائقا خطيرا للنمو.
2- الصحة : لا جدال أن زيادة كبيرة في الإنتاجية يمكن أن يتحقق بارتفاع بالمستويات الصحية للأيدي العاملة، بالجهد المبذول من جانب الأفراد العاملين يكون أكثر فاعلية، عندما يكون مستواهم الصحي مرتفع منه عندما يكون هذا المستوى متدنيا، بيد أن معرفتنا بالأثر الكمي للتغيرات في المستوى الصحي لقوة العمل أقل مما نود أن نعرفه، كما أنه علينا الارتفاع بالمستوى الصحي للمواطنين في أي مجتمع متخلف.
ثمة حقيقة بالغة الأهمية في هذا الصدد، وهي أن المكاسب ليست دائما نعمة لا تشوبها أية شائبة، ذلك أنها تعمل في نفس الوقت على خفض معدلات الوفيات، و بالتالي فإنها تسهم في النمو السريع للسكان، وفي المدى القصير فإن هذه المكاسب الضخمة، المصحوبة بانخفاض معدلات الوفيات، تجعل النمو الإقتصادي أكثر صعوبة.
3-الموارد الطبيعية: يمكن القول أن الموارد الطبيعية ذات أهمية خاصة لعملية النمو، ذلك أن أية دولة تتوافر لديها إمدادات كبيرة من الموارد القابلة للنمو بسهولة، سوف يكون النمو أسهل عليها من دولة أخرى لا يوجد لديها إلا موارد قليلة أقل قابلية في التوصل إليها و الاستفادة منها في عملية النمو.
وأيا كان الأمر، فإن تنمية ما هو متاح من الموارد الطبيعية هي وسيلة هامة لدعم النمو، بل ومن المشاهد عمليا أن إمدادات أي بلد من الأرض و الموارد الطبيعية غالبا ما تكون قابلة للتوسع بسهولة في إستخداها الفعال، إن لم يكن في كميتها الكلية ، غير أن المشاهد عمليا أيضا في بعض الحالات، أن الأرض المخصصة لمنتجات زراعية وفقا لنظام غير سليم للتركيب المحصولي، و الأرض المتروكة دون استغلال بسبب النقص في وسائل الري هي أمثلة معروفة جيدا عن معوقات النمو .
4-التكنولوجيا : إذا أخذنا بعين الاعتبار الجانب التكنولوجي في عملية التنمية على الأقل، فلا بد أن النمو يكون أسرع بالنسبة لدولة متخلفة فقيرة منه بالنسبة لدولة متقدمة غنية، وما ذلك إلا لأنه يمكن إدخال أحدث الأساليب الفنية في الإنتاج و التوزيع في الدول الفقيرة لتسهم بذلك في عملية النمو إسهاما كبيرا.
وهنا فإن الدول المتخلفة الفقيرة لا تحتاج لإنفاق مبالغ ضخمة في مجال البحوث العلمية و التقدم التكنولوجي، حيث يمكن لها أن تستخدم ما سبق أبتكاره من أسليب فنية حديثة ومتطورة في الدول الأكثر تقدما، إن مثل هذا الوضع ذو دلالة هامة من زاوية إمكانيات تحقيق التنمية الاقتصادية السريعة في العالم النامي،لأن الدول الأكثر تقدما لا يمكن أن تدخل على نشاطها الإنتاجي أي أسلوب فني جديد إلا عندما يكون قد تم فحصه واختباره وتطويره و التيقن من صلاحيته للتطبيق العلمي وفاعليته في تقدم الإنتاج، وهو ما ينطوي على إنفاق مبالغ طائلة في أغلب الأحيان لا يمكن أن توفرها الموارد المحدودة لأي دولة فقيرة متطلعة إلى النمو.
كذلك تتطلب عملية تطوير التكنولوجيا مراكز ومعاهد للقيام بالبحوث العالمية للدولة المستوردة للتكنولوجيا، أيضا تحتاج إلى أعداد كافية من الباحثين في مختلف التخصصات، على مستوى عالي من الكفاءة المهنية و التدريب المهني، وعلى دراية تامة لكل تطور في تكنولوجيا الإنتاج، حتى تكون لديها القدرة الإبداعية في عملية التطوير و الخيال الخصب في النظرة المستقبلية لمتطلبات التنمية.
غير أن هذه المقومات الأساسية للتقدم التكنولوجي في العالم النامي قد تكون مفتقدة في بعض دول هذا العالم، وبالتالي تصبح التكنولوجيا عائق للنمو.

خلاصة الفصل :
لقد تناولنا في هذا الفصل مجمل القضايا المتعلقة بالنمو الإقتصادي فقمنا بتوضيح ماهية النمو الإقتصادي الذي رأينا أنه يتمثل في زيادات المستمرة في الدخل الحقيقي كما وضحنا كذلك الأسس النظرية الخاصة بهذا النمو، حيث نلاحظ أن هذا الموضوع تناولته مدارس عديدة وكل مدرسة لها وجهة نظرها الخاصة بها و المختلفة عن الأخرى.
لنصل في الأخير و ندرس العوامل المؤثرة فيه و العوائق التي يمكن أن تقف حاجزا أمام النمو الإقتصادي وخاصة في الدول النامية.

المبحث الثاني : النمو الإقتصادي في الجزائر
المطلب الأول: خصائص النمو في الجزائر
– مستوى نمو غير كافي : أثبتت الدراسات أنه لكي يمكن الحفاظ على مستوى معيشة السكان يجب ألا نقل نسبة نمو الناتج الوطني الخام عن 6% عندما يزداد عدد السكان بنسبة 1% ، غير أنه على الرغم من التقدم المحقق خلال السنوات الثلاث الأخيرة فإن النمو مازال غير كاف من أجل :
– تلبية الحاجات الناجمة عن تزايد السكان.
– تغطية العجز الاجتماعي و الفوارق المتراكمة منذ عدة سنوات.
– تلبية الطموحات الجديدة المترتبة عن الانفتاح على أنماط استهلاك البلدان المتطورة .
– وتعطي البنية الديمغرافية في الوقت الراهن صورة عن حاجات السكان وطموحاتهم غير محددة وقدرة حق قدرها عند إعداد السياسات العمومية و تنفيذها.
إن تأثير النمو الديمغرافي على التنمية يمكن اعتباره إيجابي لأن هذا النمو يسمح بزيادة بكثرة اليد العاملة وحركيتها المتزايدة وكلفتها الزهيدة.
إن تأثير النمو الديمغرافي على التنمية يمكن اعتباره إيجابي لأن هذا النمو يسمح بزيادة بكثرة اليد العاملة وحركيتها المتزايدة وكلفتها الزهيدة .
لكن الاختلال الذي قيد يحدث بين زيادة السكان القادرين على العمل وبين النمو الإقتصادي يفرض وتيرة جديدة وتوزيعها أحسن للنمو في مواجهة التهديدات المختلفة ومنها تفاقم البطالة أمام نقص الاستثمارات المحدثة لمناصب الشغل.
وبلغ معدل نسبة النمو السنوي للناتج الداخلي الخام 3.66% بين سنة 1994 وسنة 2022 وهي نسبة تفوق نسبة النمو الديمغرافي، هذا ما يوضحه الجدول الموالي.

الجدول رقم 01 : تطور الناتج الداخلي الخام بين سنة 1994 وسنة 2022.
السنوات 1994 1995 1996 1997 1998 1999 2000 2001 2002 2003 2004
الناتج الداخلي الخام 10 دج 1487.4 2017 2570 2780.2 2810.1 3215.1 4078.7 4235.7 444.6 5264.2 6100
نمو حجم الناتج الداخلي الخام (%) -1.1 3.8 3.8 1.1 5.1 3.2 2.5 2.1 4.1 6.8 5.2
تزايد السكان 2.2 1.9 1.7 1.6 1.57 1.51 1.48 1.55 1.53 1.58 1.63

المصدر: الديوان الوطني للإحصائيات

تبين المعطيات الأخيرة للديوان الوطني للإحصائيات أن هذه النسبة مازالت تتزايد إذ بلغت 62.2% سنة 2022 وانتقلت إلى 63.1% سنة 2022 ، من أجل تقليص البطالة بالنصف خلال عشر سنوات ينبغي أن يتزايد الناتج الداخلي الخام بنسبة لا تقل عن 6% في السنة.
ثقل العوامل الخارجية : إن نسبة النمو التي بلغت 6.8% سنة 2022 و التي بلغت مستوى لا نظير له منذ عشرين سنة، متبوعة بنسبة 5.2% من النمو سنة 2022 تشكلان حقا عناصر تبعث على الرضى عامة .
غير أن جمود بنية الاقتصاد على حساب الصناعة يؤدي بوجود تهديد من قبل المحيط الدولي على البلدان التي تصدر مادة واحدة مثل الجزائر ، ويفرض هذا الجمود تحويل أرباح إنتاجية الاقتصاد المرتبطة بتقلب أسعار البترول إلى إنتاجية مادته.
قد سبق للمجلس الوطني الإقتصادي و الاجتماعي أن شدد على وضع القطاع الصناعي العمومي الذي مازال يعاني مشاكل إعادة الهيكلة و التوازن في ميدان التسيير و السوق .
فاعتماد الجزائر على تصدير مادة واحدة ألا وهو المحروقات يؤدي إلى وجود ضغوط خارجية عليها ذات الصلة بتقلبات سعر البرميل من البترول وما يترتب عنها من انعكاسات على الموارد المالية للدولة.
3- ضعف نمو الإنتاجية: إن مستوى النمو ونوعيته تحددهما إنتاجية العمل ورأس المال ، لكن العلاقة بين الإنتاج و الوسائل المسخرة لتحقيقه، بمعنى الإنتاجية بقيت ضعيفة منذ الاستقلال، إن حصيلة العشرية الممتدة بين 1967 و 1978 أبرزت هذه الظاهرة التي تواصلت حتى سنة 1994، وحسب البنك العالمي فإن تطور الإنتاجية الإجمالية للعوامل كان سلبيا (-4.3% عن كل عامل) خلال الفترة الممتدة بين 1979 و 1994 ويبدو أنه تحسن قليلا منذ الشروع في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية (0.3% عن كل عامل خلال الفترة الممتدة بين سنة 1995 وسنة 1999)، غير أن تحسين الإنتاجية مازال في الوقت الراهن يواجه العديد من العراقيل التي تعود أساسا إلى تأهيل الموارد البشرية و التسيير و الثقافة الاقتصادية وعبء القطاع الموازي.
المطلب الثاني : توزيع النمو :
هناك النمو الذي يوسع رقعة الفوارق و النمو الذي يترتب عليه تبذير الموارد الضرورية.
– الإختلالات الإقليمية : بالنظر لشساعاتها وتبيان تضاريسها ومناخها، تواجه الجزائر مسألة التهيئة العمرانية و التوازن الجهوي التي توفق بين النمو الإقتصادي وإحترام البيئة و الرقي الاجتماعي.
يبرز الوضع القائم حاليا العديد من الإختلالات بين مناطق الشمال و الجنوب، و المناطق الحضرية و الريفية.
وبالفعل يلاحظ المركز المتزايد للسكان و النشاطات في المناطق الساحلية على حساب المناطق الجبلية التلية و الهضاب العليا و الجنوب، هذا ما تسبب في إختلالات هامة تهدد النمو الإقتصادي و التلاحم الاجتماعي و الأملاك العامة الطبيعية و الثقافية.
قد أدى بروز عوامل خارجية سلبية في المناطق الساحلية، إلى تسجيل عراقيل للتنمية الاقتصادية (المشاكل العقارية ، حركة المرور…)، و المساس بالتلاحم الاجتماعي (الفقر، انعدام الأمن وعدم الاستقرار….)، و التلوث وتدهور البيئة الحضرية.
ونظرا للفوارق التفاوت الشديد، تتحمل الجزائر تباينا عمرانيا خطيرا يهدد بشكل حادا لتلاحم الاجتماعي و الاستقرار السياسي .
تدهور البيئة : تواجه الموارد النادرة في الجزائر تهديدات يتمثل في الانتشار المتسارع للتجمعات الحضرية واستقطاب النشاطات وتفاقم ظواهر طبيعية مثل : التصحر وانجراف التربة و التلوث، يؤدي إلى تفاقم النزوح سيما في مناطق الهضاب العليا.
وسيكون لهذه التوجهات انعكاسات خطيرة، سيما أنها قد ترهن بشكل مستديم أي مجهود تنموي، خاصة أن الانفتاح الاقتصادي وإعادة تنظيم الاقتصاد الوطني ، يفرضان انضباط في مجال المنافسة، يخضع لمعيار تحقيق أقصى المردودية.
وتشكل المياه في أن واحد عاملا أساسيا وعنصرا إستراتيجيا في مجال التهيئة العمرانية والنمو الاقتصادي، ويعد توفره عاملا حاسما يحدد توزيع السكان و التعمير و النشاطات الاقتصادية من بين الأخطار البيئية في الجزائر نجد :
– ندرة المياه إلى جانب التسيير المنعدمة الفعالية، وانعكاساتها السلبية على القطاعات الاقتصادية، وصحة السكان والإطار المعيشي و النشاطات السياحية و الأنظمة البيئية .
– عدم التحكم في التعمير الذي أستحوذ لحد الآن على 125000 هكتار من الأراضي الفلاحية الخصبة.
– ارتفاع حجم المياه القذرة وتضاعفه وعدم القدرة على معالجته بواسطة محطات التصفية القليلة و المعطلة.
– تلوث الهواء بسبب دخان السيارات مما يؤدي على ارتفاع الأمراض و الوفيات بسنن الأمراض التنفسية.
إن النتيجة المرتقبة و المرغوب فيها، ستتمثل في إعادة تنظيم التراب الوطني، بهدف تأهيل التنافسية لتنمية المحلية و الأنصاف العمراني و التنمية البشرية و حماية العامة الطبيعية والثقافية وترميمها لتسيير الإقليم.
التشغيل و البطالة : إن النظرة المشتركة لمختلف الشركاء الاجتماعيين حول مدى خطورة البطالة، تجعل من التشغيل مسألة حيوية في مجال الحفاظ على السلام الاجتماعي والإنعاش الاقتصادي.
ومنذ سنة 1987، برزت مؤشرات بطالة واسعة بين أوساط الشباب، حيث تطلبت وضع أجهزة متعددة في مجال التشغيل، وقد أبرز المخطط الوطني لمكافحة البطالة الذي شرعت فيه السلطات العمومية سنة 1997، و الذي أنجز أخطار بخصوصه من قبل المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي، ضرورة إدراج هذه المسألة ضمن الأولويات، وقد أظهرت جلسات الاستماع التي شاركت فيها النقابات وأرباب العمل الخواص و العموميون و الجمعية الوطنية للتنمية الاقتصادي و الاجتماعي، ضرورة إدراج هذه المسألة ضمن الأولويات، وقد أظهرت جلسات الاستماع التي شاركت فيه النقابات وأرباب العمل الخواص و العموميون و الجمعية الوطنية لتطوير التكوين المهني، توافق وجهات النظر حول ضرورة جعل التشغيل هدف أساسيا.
وقد أظهرت دراسة أنجزت سنة 2022 من طرف المكتب الدولي للعمل بعنوان “سوق العمل و التشغيل في الجزائر”، ضرورة المرافعة عن السياسة الوطنية للتشغيل، وهذه المرافعة ينبغي أن تنجز بإشراك كل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين .
المطلب الثالث: التحديات الكبرى
تواجه الجزائر اليوم تحديات كبيرة ذات طابع اقتصادي، اجتماعي وسياسي ، وقد تم التطرق غلى هذه التحديات خلال لقاء الجمعية الدولية للمجالس الاقتصادية والاجتماعية والهيئات الممثلة بالجزائر في جوان 2022 .
نظام اقتصادي سليم وأكثر تنافسا: في مجال التنافس ، تجدر الإشارة على مدى تأخر اقتصادنا اليوم.
وعند التطرق إلى مسألة المنافسة في بلادنا ، نراهن عادة على استخدام المزايا التفاضلية :
– التكلفة الرخيصة للطاقة.
– المواد الطبيعية.
-اليد العاملة الرخيصة.
المواد الطبيعية ضعيفة المدى، وقد تشكل عائقا لحركية المجتمع، و العناصر الاجتماعية والسياسية تلعب أهم دور حيث يتوقف كل من إنتاجية العمل وفعالية رأس المال على :
– الإطار المؤسساتي.
– نوعية المسيرين.
– المحيط الاجتماعي العام.
فالجزائر شرعت في وضع إطار مؤسساتي، لكنه يستدعي بذل مجهودات لبناء اقتصاد سليم ولا مركزي أكثر، كما أنه من الخط الاحتفاظ بالأفكار و الهياكل والآليات المثيرة للشك لأن اقتصاد السوق يستلزم مرحلة انتقالية تحضر فيها أنفسنا ونتعلم التغيير.
كل هذا يتطلب القيام بتطهير شامل يسمح للفاعلين باسترجاع مواقعهم، لذا ينبغي على الدولة أن تدخل لإشراك الفاعلين وذلك لنجاح اقتصادنا في فضاء التبادلات العالمية، و السماح لمؤسساتنا، من خلال المنافسة الدخول في الأسواق الخارجية، أو على الأقل حماية الأسواق الداخلية.
المبحث الرابع : مقاييس و مؤشرات النمو الاقتصادي
المقياس الاقتصادي : يعتبر الدخل المؤشر الأساسي لقياس درجة التقدم الاقتصادي.
المقياس الاجتماعي : يقصد بالمؤشرات أو المقاييس الاجتماعية المؤشرات الخاصة بنوعية الخدمات التي تعايش الحياة اليومية للأفراد للجوانب الصحية و الجوانب التعليمية و الجوانب الثقافية و الجوانب المتعلقة بالتغذية.
المقاييس الهيكلية : كانت الدول المتقدمة تعمل على توجيه الدول النامية نحو إنتاج المواد الأولية لكن بعد الحرب العالمية الثانية إذا شهدت أسعار المنتوجات الأولية تقلبات انعكست على أوجه النشاط الاقتصادي مما أدى إلى اتجاه الدول النامية إلى أحداث تغيرات هيكلية في بيئتها الاقتصادية عن طريق الاتجاه إلى التصنيع لتوسيع قاعدة الإنتاج و تنويعه و كل هذه المتغيرات يمكن اتخاذها كمؤشرات على درجة النمو و التقدم الاقتصادي و أهم هده المؤشرات هي :
* الأهمية النسبية للإنتاج الصناعي إلى إجمال الناتج المحلي.
* الأهمية النسبية للصادرات من سلع صناعية إلى إجمالي الصادرات.
* نسبة العمالة في القطاع الصناعي إلى إجمال العمالة.

المراجع:
1- أسامة بن محمد باحنشل”مقدمة في التحليل الاقتصادي الكلي”
2- محمد بلقاسم حسن بهلول، “الاستثمار وإشكالية التوازن الجهزي (مثال الجزائر)”
3- إسماعيل شعباني ، “مقدمة في اقتصاد التنمية” دار هومة ، ص61 إلى 63 دار الكتاب الحديث 2000 .
4- حسين عمر “النظريات الاقتصادية “
– مواقع في الإنترنت :
www.arab.api.org
www.sarambite.com
www.google.com

الخاتمة :
لقد تناولنا في هذا الموضوع مجمل القضايا المتعلقة بالنمو الاقتصادي ككل حيث بدأنا في الفصل الأول بتوضيح ماهية النمو الاقتصادي الذي رأينا أنه يتمثل في الزيادات المستمرة في الدخل الحقيقي، كما وضحنا ذلك في الفصل الثاني الأسس النظرية الخاصة بهذا النمو، حيث نلاحظ أن هذا الموضوع تناولته مدارس عديدة وكل مدرسة لها وجهة نظرها الخاصة بها و المختلفة عن الأخرى، لنصل في آخر فصل (الفصل الثالث) من الجزء الأول للبحث بدراسة العوامل المؤثرة فيه و المعوقات التي يمكن أن تقف حاجزا أمام تحقيق النمو الاقتصادي وخاصة في الدول النامية.
أما الجزء الثاني (الفصل الرابع) فقد تطرقنا إلى النمو الاقتصادي الخاص في الجزائر لندرس فيه أهم خصائصه وكيف يتم توزيع هذا النمو، لنصل في الأخير إلى دراسة التحديات الكبرى تواجه الجزائر اليوم في ظل تحقيق النمو.


البحث عجب الاستاذ ؟؟؟

سجلت في المنتدى لأني وجدت فيه ما أبحث عنه من مواضيع .
أما اقتراحاتي فهي تزويدنا بالفديوهات التعليمية و الوثائقية

السلام عليكم، أخوكم في الله محمد جمال، أتشرف بانضمامي إلى منتداكم، أريد منكم إخوتي أن تفيدوني ببحث حول كيف يؤثر الادخار على النمو الاقتصادي، وجزاكم الله كل الخير

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
البحوث التجارية

بحث حول ماهية السعر و العوامل المؤثرة على قرار التسعير

تـمـهيــد:

بعدما تعرّفنا على أهمية و دور المزيج التسويقي ننتقل الآن إلى متغيرة من متغيراته و التي تتمثل في السعر، بحيث يعتبر للأسعار أهمية خاصة في مجال التسويق نظرا لعلاقتها المباشرة مع المبيعات و التكاليف و الأرباح، وهذا ما جعل رجال التسويق يهتموّن أكثر بهذا العامل التسويقي الذي احتل مكانة مرموقة داخل المؤسسة، لذلك يتوجب عليها أن تكون على علم بكّل العوامل أوالمؤثرات التي يتأثر بها السعر و أن تركز على التخطيط و الاختيار المناسب لهذا العنصر .
لذا سنتطرق في هذا الفصل إلى مفهوم السعر و أهميته، و الأهداف المرجوة من تحديده، كذلك سنتناول العوامل المؤثرة في قرار التسعير و كلّ ما يتعلق به في النظرية الاقتصادية .
و سيعالج هذا ألفصل الإشكالية التالية :
– ما هي ماهية السعر؟
– ما هي العوامل المؤثرة في هذه المتغيرة التسويقية ؟

المبحث الأوّل : تعريف السعر:

يعتبر السعر، أحد عناصر المزيج التسويقي الهامّة، لماله من أثر على المبيعات و الأرباح في المؤسسات، خاصة إذا كانت هذه المؤسسات ذات طابع اقتصادي تسعى إلى تحقيق الربح .
و يوجد للسعر عدّة تعاريف منها:
أولا : ” السعر هو القيمة معبّراً عنها بوحدات نقدية، و يعبّر التسعير عن فن ترجمة قيمة المنتج للمستهلك إلى وحدات نقدية في لحظة زمنية معينة” . (1)

يشير هذا التعريف إلى أنّ السعر، مجرّد قيمة نقدية، يدفعها المستهلك مقابل سلعة أو خدمة يقتنيها، أي يعتبره عنصر أساسي للتبادل بين المؤسسة وزبائنها، تجاهلا بذلك الدور الهام الذي يلعبه هذا العنصر في القرارات الاستراتيجية التي تأخذها المؤسسة، و أيضا عدم إعطاء معنى للسعر من زاوية التسويق.

ثانيا: و نعرّف السعر أيضا بأنّه : ” متغيرة التسويق الوحيدة التي تولد مباشرة الإيرادات و الأرباح، و التي لا تحتاج إلى استثمار ونفقات إلاّ إلى تفكير ودراسة” .(2)
نستخلص من هذا التعريف ما يلي :
• يبيّن لنا، بأنّ السعر متغيرة من متغيرات التسويق الأكثر أهمية كونها تقوم بإدخال أرباح للمؤسسة؛
• يشير التعريف إلى أنّ هذه المتغيرة تتطلب من رجل التسويق إلى تخطيط و تركيز من أجل تحديد السعر المناسب للسلعة.

ثالثا: و يعتبر ” السعر عملية وضع قيمة نقدية أو عينية لسلعة أو خدمة يمكن استخدامها لتلبية حاجة معينة .
و تتضمن هذه القيمة، غالبا تكاليف تصنيع و بيع السلعة، مضافا إليها هامش محّدد من الربح، مع الإشارة إلى أنّ هناك عوامل متعددّة تؤثر على هذا السعر كالمنافسة و العرض و الطلب و قيمة الاستخدام … إلخ “.(1)
نستنتج من هذا التعريف، أنّ التسعير هو إعطاء لسلعة أو خدمة ما يقابلها من قيمة سواء كانت نقدية أو معنوية.
كما نلاحظ أيضا، بأنّ هذا التعريف يبّين لنا كيفية تحديد السعر بإضافة هامش ربح إلى التكلفة، و العوامل المؤثرة في متغيرة السعر.
كما يعرف بأنّه مركب أساسي لاستراتيجية التسويق، يأتي لتعزيز موقع المؤسسة على جزء من السوق، كما أنّه عنصر أساسي للتبادل بين المؤسسة وزبائنها.
نخلص إلى أنّ السعر يعدّ من العوامل الرئيسية في استراتيجية المؤسسة التنافسية، فهو يمثل دورا هاما للمؤسسة التي تسعى إلى تحقيق هدف الربح وزيادة نصيبها من السوق.
حيث أنّ الربح الحدّي هو الفرق بين التكلفة و السعر .
و الشيء الذي يمكن أن ننبه إليه في هذا الصدد هو أنّ المؤسسة ليست كاملة الحرّية في اختيار الأسعار المناسبة لها، بل هناك قوى مؤثرة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، و أنّ لكلّ منها دور فعّال في تحديد السعر .

المبحث الثاني : أهمية التسعير:
يعتبر السعر، من أهم عناصر المزيج التسويقي نظرا لعلاقته المباشرة مع المبيعات و التكاليف و الأرباح .
” و هذا ما جعل هذه الأهمية تزداد زيادة محسوسة عند رجال التجارة ومشرفي التسويق، إذ نجد أنّه في الأبحاث التي أجريت عام 1964 قد تم تصنيف تشكيل الأسعار في المرتبة السادسة من بين أثني عشر عاملا من عوامل تسويق السلع، كما و أن استجواب المشرفين على الأعمال التجارية و رجال البيع قد أظهر أن تكوين و إعداد الأسعار يعّد من أكثر المسائل أهمية ” (1).
ومنه نستخلص من هذا المبحث الإشكالية التالية:
ما هي أهمية السعر بالنسبة لكلّ من المؤسسة والمستهلك؟

المطلب الأول: أهمية السعر بالنسبة للمؤسسة:
– يعتبر السعر وسيلة لتحقيق أهداف المؤسسة العامّة، كما يعتبر العامل المهم و المؤثر مباشرة على ربحيتها، و لهذا فإنّ اتخاذ قرار التسعير، يتضمن اشتراك عدّة إدارات أخرى معنية مثل الإنتاج و التمويل والمشتريات… إلخ؛
– يمثل السعر، العنصر الوحيد من عناصر المزيج التسويقي الذي يؤدي إلى توليد إيرادات، بينما تمثل المجهودات الخاصة بالسلعة و ترويجها وتوزيعها مصروفات على المؤسسة، و عليه فإنّ تحديد السعر المناسب يمكن أن يؤثر على نمو المؤسسة على المدى الطويل؛
– ” يعّد السعر أكثر عناصر المزيج التسويقي مرونة، حيث يتيسر للمؤسسة تعديل أسعارها أكثر من قدرتها على تغيير سلعها أو تغيير حملاتها الترويجية، أو إعادة تصميم نظامها التوزيعي “. (2)

و نظرا لهذه الأهمية التي يتميز بها التسعير، فإنّ إدارة التسويق تعطي له مكانة خاصة، كون هذه الإدارة تستطيع، من خلال ذلك تحقيق أهدافها العامة، إضافة إلى ما يمكن لسياسة التسعير من أن تلعبه كأسلوب منافسة.
المطلب الثاني : أهمية السعر بالنسبة للمستهلك :

“يعتبر السعر بالنسبة للمستهلك محددا من محددات الحصول على السلع والخدمات التي يريدها”.(1)
و تظهر أهميته، بإختلاف و تنوع منفعة و قيمة السلع و الخدمات، ومتى كان متماشيا مع دخل المستهلك، فهو مستعد للدفع أكثر للسلع التي تلبي رغباته.
“للسعر أيضا تأثير نفسي على المستهلك، حيث يربط العديد من الناس بين السعر المرتفع للسلعة و جودتها، و عليه فإنّه يمكن للمؤسسة أن تؤكد على جودة السلعة عن طريق تحديد أسعار مرتفعة لها، و هو ما يلجأ إليه المستهلك”.(2)
مـن هذا المنطلق، كان التسعير محور إهتمام الكثير من الكتاب والباحثين.
“كما تظهر أهمية و صعوبة قرار التسعير عندما نعرف أن تحديد سعر بيع السلعة ليس في حد ذاته القرار الأخير أو الوحيد بشأن عملية التسعير بل هناك عدة قرارات أخرى مكمّلة منها : تحديد سعر لكلّ شكل من الأشكال أو الأحجام المختلفة، أو تحديد سعر لكل منطقة أحيانا، إذا كان هناك داع للإختلاف.(3)

المبحث الثالث : أهداف السعر :

“يجب على كلّ مؤسسة، تحديد الهدف الذي تريد الوصول إليه عن طريق التسعير”(1) لأن الأهداف التسعيرية، هي الغرض الرئيسي الذي تسعى سياسات التسعير إلى تحقيقها، ومنه تكون الإشكالية كما يلي :
– ما هي أهم الأهداف التي تسعى إليها المؤسسة عن طريق السعر ؟

المطلب الأول : هدف الربح :
يعتبر هدف الربح أكبر مؤثر في قرارات التسعير، حيث تسعى الكثير من المؤسسات إلى تعظيم أرباحها في فترة زمنية معنية.
“و تركز على الإبقاء و المحافظة على هوامش ربح، و العمل على تخفيض النفقات و إختيار السعر الذي يمكن من الربح و يمكنّ من الحصول على المبيعات الضخمة”.(2)

أ / تعظيم الربح :
“إن أهداف التسعير الأكثر شيوعا هو تعظيم الربح:
إذن سنقوم على فرضية دالة الطلب ـ الذي يرتبط مع السعر و الكمية المباعة ـ و دالة التكلفة (التكلفة الثابتة و التكلفة المتغيرة)” (3) .
تقوم بحساب السعر الذي يعظم الربح كما يلي.:

نلاحظ بأنّ هذه العبارة تتكوّن من دالتين : دالة الطلب التي تربط بين السعر و الكمية المباعة و دالة التكلفة التي تمثل التكاليف الثابتة و التكاليف المتغيرة.
إلا أن تعظيم الربح يعتبر نسبي لأنّه، لا يمكن تحديد رقم معين على أنّه أكبر ربح، بالرغم من أخذ عامل المنافسة و مرونة الطلب بعين الإعتبار.

ب/ تحقيق معّدل العائد على الإستثمار مقبول :

“كذلك فإنّ الأهداف المرتبطة بالأرباح، قد تأخذ شكل تعظيم العائد على الإستثمار”(1) حيث تسعى الكثير من المؤسسات للوصول إلى نسبة معينة من حجم إستثماراتها، بحيث ” يمكن أن يرشدنا هذا المعدل للحكم على نسبة التقدّم خاصة في حالة السلع الجديدة. و تحدد المؤسسات الكبيرة نسبة العائد الذي تعتقد أنّه العائد المناسب. ثم يحسب السعر على أساسه و الذي يضمن تحقيق المعدل السابق”.(2)
“على سبيل المثال، تحدد شركة جنرال موتورز نسبة 20 % كعائد مقبول و مربح لإستثماراتها” .(3)

معادلة العائد تكون كالآتي تعليم_الجزائر4)

من هذه العبارة نستنتج بأنّ هذا المعدّل ما هو إلا حاصل قسمة الأرباح المحققة أي نسبة صافي الربح على صافي الأصول المستثمرة في المؤسسة أي رأس المال المستثمر.
و بمعنى آخر فهو الذي يقيس مقدار الربح الناتج عن كل دينار مستثمر، فإذا كان سعر الفائدة السائد في سوق المالية 8 %، فإنّ مبلغ الربح الذي يجعل المؤسسة تشتغل في شروط مقبولة من الربحية هو الذي يجعل معدل العائد على الإستثمار أكبر من 8 %.
لكن من الضروري التأكيد على أن هناك بعض رجال التسويق يعارضون في إستخدام معدل العائد على الإستثمار، كأساس لتحديد السعر و يقولون إنّه يكفي أن يستخدم فقط كمؤشر عند التسعير.

جـ/ تحقيق أرباح مرضية :
قد تكتفي بعض المؤسسات بنسبة معقولة من الأرباح، مع الأخذ بعين الإعتبار التكاليف – التي تسمح لها بالإستمرارية – لكن مع مرور الزمن قد تتغير هذه النسبة و ذلك لعدة أسباب منها الحاجة إلى زيادة الإنتاج أو غيرها.

المطلب الثاني : الأهداف المتعلقة بالمبيعات :
“في حالات كثيرة، فإنّ الحجم الكبير من المبيعات، قد يساعد على تدعيم فكرة قبول المستهلك لمنتجات المؤسسة، و إنتشارها في السوق، على الرغم من أن ذلك لا يضمن بالضرورة مستوى مرض من الأرباح”.(1)
و يتضمن هذا الهدف مجموعة من الأهداف الأخرى و هي :

أ/ زيادة كمية الوحدات المباعة :
نقصد بهذا الهدف تحقيق أقصى إيراد من المبيعات من خلال أكبر مبيعات ممكنة، لأنّ الزيادة فيها تؤدي إلى الزيادة في الأرباح.
و لهذه الطريقة مزايا و تتمثل في :
• إن زيادة عدد الوحدات المباعة، تؤدي إلى زيادة معدل دوران المخزون و منه زيادة الربح الإجمالي ؛
• زيادة الكميات المباعة سيؤدي إلى إنخفاض نصيب الوحدة الواحدة من التكاليف الثابتة، و بالتالي التكاليف الكلية أيضا ستقل ؛
• إن بيع كميات كبيرة من السلع يمكّن المؤسسة من الإستفادة من ميزة منحنى الخبرة و ذلك من مبدأ إنخفاض التكلفة كلّما زادت خبرة العامل.

“و لكن يؤدي الكساد و الأزمات الإقتصادية إلى إعادة النظر في هذه الطريقة، لأنّ المؤسسات، تحققت من أن الزيادة في المبيعات لن تؤدي بالضرورة إلى زيادة الأرباح”.(1)

ب/ زيادة القيمة النقدية للوحدات المباعة :
في هذا الهدف، يكون التركيز جلّيا على زيادة الإيرادات المحققة من المبيعات، و لكن التركيز يكون على زيادة القيمة النقدية المحققة من هذه المبيعات.
” قد يكون التركيز على زيادة السعر نتيجة لخلق ” إنطباع” مميز لسلعة المؤسسة و توجيهها نحو شريحة سوقية محددة تكون قادرة و راغبة في دفع أسعار أعلى مقابل حصولها على سلعة بمميزات فريدة”.(2)

جـ/ زيادة الحصة السوقية :
” إنّ المؤسسات التي تبحث أساسا عن حصة السوق، تقدّر بأنّ زيادة حجم المبيعات سوف ينجر عنه أرباح أكثر أهمية و ذلك بفضل إقتصاديات السلم”.(3)
فعلى فرض زيادة المبيعات، تزيد مبيعات المنافسين بمعدلات أكبر و لن تشعر هذه المؤسسة بالأمان.
و” للقضاء على هذه المشكلة، تحاول المؤسسة، أن تراقب عن قرب نصيبها من السوق، و لذلك تخفض الكثير من المؤسسات من أسعارها بغية الحصول على نصيب أكبر من سوق السلعة”.(4)

المطلب الثالث : هدف البقاء :
” يعتبر البقاء هدف أساسي و مشترك بين الأهداف التسعيرية لكافة المؤسسات(1)” و حتى تضمن المؤسسة بقائها في السوق سنجدها تضحي بأمور كثيرة في سبيل ذلك رغم تعرضها إلى مشاكل و ضغوطات من جهات أخرى، كالمنافسة الحادة مع المؤسسات، أو تغيير حاجات و رغبات الزبائن ” .(2)
في مثل هذه الظروف، لا تطمح المؤسسة بأكثر من الحق في البقاء والإستمرار، و لكي تتمكن المؤسسة من إختيار هذه الظروف، فقد تلجأ إلى سياسة السعر المنخفض لزيادة مبيعاتها، التي تضمن لها تغطية التكاليف المتغيرة و جزء من التكاليف الثابتة، و بمعنى آخر السماح لها بالبقاء في مجال الأعمال.
” على سبيل المثال، قد تلجأ مؤسسة ما تنتج سلعة إستهلاكية إلى تخفيض السعر إلى الحد الذي يمكن أن يتساوى مع التكاليف الكلية للوحدة الواحدة من أجل البقاء.
كما قد تلجأ إحدى المؤسسات للطيران إلى تخفيض أسعار تذاكرها إلى أقل من تكاليفها الفعلية لتحقيق هدف البقاء ” .(3)

المطلب الرابع : المحافظة على الوضع الراهن (الإستقرار):
عندما تكون المؤسسة مقتنعة بوضعها، و غير متوّرطة في سياسات تسعيرية، قد تلحق بها أضرار بالغة أو خسائر غير منظورة، فإنّ المحافظة على وضعها الحالية، قد يكون أفضل الخيارات المتاحة لها، و ذلك بالمحافظة على استقرار أسعارها في فترة زمنية معينة، لأنها ترغب في تجنب التغيرات التي يصعب التنبؤ بها مثل حرب الأسعار. و” قد تنظر المؤسسة إلى استقرار السعر على أنّه مسألة حيوية، و المؤسسة التي تحتل المركز القيادي غالبا ما تسعى جاهدة للمحافظة على استقرار الأسعار”.(4)

المطلب الخامس : زيادة التدفقات النقدية Casf Flow :

“نقصد بالتدفقات النقدية، المال الذي يدخل إلى المؤسسة من المبيعات وغيرها من الإيرادات و يخرج منه على شكل مدفوعات نقدية إلى الموردين والعاملين…إلخ(1) .
و تستطيع المؤسسة، زيادة المعدلات النقدية عن طريق تخفيض المبيعات النقدية و الحد من المبيعات الآجلة، أو منح خصومات نقدية للعملاء لتعجيل تسديد ذممهم خلال فترات قصيرة.
كما أنّ استخدام معدّل التدفق التقدي، كهدف للتسعير قد يكون مناسبا لبعض المواقف مثلاً : في تسعير السلع التي تتميزّ بدورة حياة قصيرة.
و قد يترتب عن هذه الطريقة التقليل من قيمة أو فاعلية السعر في تحقيق أرباح معقولة للمؤسسة .

المطلب السادس : البحث و المحافظة على مستوى عال من الجوّدة :

عندما ترغب المؤسسة أن تحافظ و تدافع على صورتها في السوق في مجال الجودة و الإتقان، فإنّها تلجأ إلى هذا الهدف التسعيري أي إلى سياسة السعر المرتفع، من أجل تغطية تكاليف البحث و التطوير، و أيضا لمواجهة تكاليف الإنتاج المرتفعة بحكم جودة السلعة و شدّة إتقانها و رقي المواد الداخلية في إنتاجه. و خلاصة القول، فإنه مهما كان الهدف المتبع، فإنّ المؤسسات تـستخدم السعر كأداة إستراتيجية، التي تأخذ بعين الإعتبار آثار الطلب والتكاليف “.(2)

المبحث الرابع : العوامل المؤثرة في تحديد السعر :
بما أن المؤسسة، تؤثر و تتأثر بمحيطها الخارجي، و بما أن تحديد السعر، في غاية الأهمية و الصعوبة في الوقت نفسه، فإنّه يتعيّن على المسوّق أخذ العديد من العوامل في الإعتبار عند إتخاذ قرار التسعير فمنها ما هو داخلي مرتبط بظروف و أحوال المؤسسة، و منها ما هو خارجي مرتبط بالبيئة التسويقية التي تعمل فيها.
و عليه يجب على المؤسسة تحليل هذه العوامل بعناية قبل تحديد أسعارها.
ومنه نستنتج الإشكالية التالية:
ـ ما هي العوامل الداخلية و الخارجية المؤثرة في تحديد السعر داخل المؤسسة؟

المطلب الأول : العوامل الداخلية :
” عند الحديث عن العوامل الداخلية نقصد بذلك العوامل التي بإمكان المؤسسة السيطرة عليها، و لديها القدرة على الحدّ من آثارها السلبية، و تشمل هذه العوامل ما يلي “(1) :
• أهداف المؤسسة : لابّد من الإشارة هنا أن هدف التسعير، يجب أن يخدم الهدف التنظيمي للمؤسسة و بأنّها تؤثر في تحديد الأسعار. فمنها من تسعى إلى الإهتمام بتحقيق الأرباح على مستوى كلّ سلعة، سواء في المدى القصير أو في المدى الطويل في حين تهتم أخرى بالربحية الإجمالية، و هناك المؤسسات التي تهدف إلى زيادة نصيبها من السوق قد تلجأ إلى سياسة هجومية (سعر منخفض، خصومات … إلخ).
• متغيرات المزيج التسويقي : يعتبر السعر أحد العناصر المهمة في المزيج التسويقي، و لهذا فإنّه يؤثر و يتأثر ببقية العناصر الأخرى، وعليه يجب إتخاذ قرار التسعير في ضوء علاقته بالقرارات الخاصة بالعناصر الأخرى من سلعة و ترويج و توزيع ” فالمنتج و ما يرتبط به من خدمات مكملة هو جوهر ما يتم تسعيره ” (2) و قد تقدمّ المؤسسة سلعة ما بسعر منخفض مع تخفيض جهود الخدمات المكمّلة للترويج، و قد تُقَدم نفس السلعة بسعر مرتفع مع تكثيف جهود الخدمات الأخرى.
و بالتالي نستنتج أن المؤسسة التي ترفع أسعارها لابد و أن تخلق ما يبرر ذلك، و إذا رفعت أسعارها دون أن تقوم بأيّ جهد تسويقي آخر، فالنتيجة هي خسارة فادحة للمؤسسة.
• التكاليف : “تعتبر التكاليف، أحد المحددات الأساسية عند تحديد المؤسسة لأسعارها”(1) لأن الأرباح لا تتحقق إلاّ بتغطية التكاليف و إذا كان سعر بيع الوحدة أقل من تكلفتها، فهذا يؤدي بها إلى الخسارة.

“و لذلك كان عامل التكلفة واضح الأهمية إلاّ أن ذلك لا يعني أنّ المنتج يستطيع ببساطة أن يصل إلى سعر البيع عن طريق تكلفة السلعة، تكاليف البيع والتكاليف الأخرى”.(2)
غير أن في بعض الأحيان تحدد فيها الأسعار بالتكاليف و ذلك عندما لا تكون للمؤسسة كامل الحرية في تحديد الأسعار.
مما سبق يمكن القول بأن المؤسسة تراقب حجم التكاليف بدّقة حتى تتمكن من وضع الأسعار المناسبة لمجاراة المنافسين، إذ أنها تسعى دائما إلى إمكانية تخفيض التكاليف لكن دون التأثير على مستويات الإنتاج و جودته و تلبية رغبات المستهلكين.

• الإعتبارات التنظيمية :
عادة ما تقرر الإدارة من هي الجهة المسؤولة عن وضع سياسات التسعير، و لذلك تقوم المؤسسات بوضع هذه السياسات بأساليب مختلفة، ففي بعض المؤسسات يكون لرأي مدير الإنتاج و مدير التسويق وقع ملموس عن التسعير، وفي مؤسسات أخرى تحدد الأسعار بطريقة مركزية.
و في مجال المؤسسات الصناعية الضخمة، نجد أن هذه المؤسسات تقوم بتأسيس إدارة مستقلة، مهمتها وضع و تحديد الأسعار المناسبة.

• التكنولوجيا و أساليب الإنتاج المستخدمة :
تؤثر كثيرا التكنولوجيا و أساليب الإنتاج المستخدمة في قرارات التسعير، وهذا لإعتماد المؤسسة على هذا العنصر، بإدخال أحدث التكنولوجيا مما يجعل المؤسسة في موقف تسعيري أفضل، بحيث أنّه كلمّا كانت سلع المؤسسة مميزة عن سلع المنافسين، كلّما كانت حرة أكثر في تحديد أسعارها.
” و لكن إذا كانت جميع]السلع[ متشابهة في خصائصها، يصبح من الصعب على أية مؤسسة أن تخرج عن الأسعار السائدة”.(1)

المطلب الثاني : العوامل الخارجية :
تؤثر العوامل البيئية التي تحيط بالمؤسسة في قرارات تحديد الأسعار.
يجب على مديري التسويق، قياس و تحليل تلك العوامل، و في حالات أخرى يحاولون تغيير البيئة التسويقية و خلق جو جديد يساعد على وضع إستراتيجية التسعير. و من بين أهم العوامل الخارجية :

• الطلــب : تتأثر قرارا ت التسعير بالحالة الإقتصادية السائدة، و لهذا فعلى المؤسسة وضع إستراتيجية محكمة تتماشى و تتناسب مع الظروف الإقتصادية، لذا “فإنّ المرحلة الأولى في عملية التسعير هي التنبؤ بحجم الطلب الكلّي على السلعة و قد يكون ذلك أمرًا سهلاً في حالة السلع التي يتم تقديمها بصفة فعليه إلى السوق مقارنة بالسلع الجديدة و التي لم يتم تقديمها بعد”.(2)

فمن خلال التنبؤ بمقدار الطلب على السلعة يمكن للمؤسسة أن تحدد منحنى الطلب على السلعة و كذلك مرونة الطلب السعرية. فإذا كان الطلب على السلعة في السوق طلب مرن، فقد يكون من الأفضل فرض سعر منخفض والعكس صحيح إذا كان الطلب على السلعة غير مرن.
ملاحظة : مرونة الطلب هي العلاقة بين التغير في السعر و التغيير في الكمية المباعة.
• حالة المنافسة : تعتبر المنافسة من أهم العوامل المؤثرة في تحديد وإعداد الأسعار بشكل صحيح و دقيق.
“المنافسة هي الوسط الذي تتم فيه مراقبة الأسعار عن طريق السوق التي تتصف بدرجة عالية من تشابه السلع و الخدمات” (1) لذلك، يجب على المؤسسة قبل أن تصل إلى قرار التسعير أن تلاحظ مختلف مستويات الأسعار و تتابعها وتتنبأ بسلوك المنافسن في الصناعة، كما تدرس سياسة المؤسسات التي دخلت حديثا أو ستدخل إلى الصناعة ” (2) و عليها أيضا أن تكّيف أو تعدّل أسعارها، طبقا لأسعار المنافسين إذا ما أرادت البقاء و الاستمرار.
و في هذا السياق فإن السوق لها أربعة أشكال :

أ/ سوق المنافسة الكاملة :
و خصائصها :
– يتحدد السعر في ضوء قوى السوق (العرض و الطلب)؛
– وجود عدد كبير من المشترين و البائعين؛
– المعرفة التامة بأنواع السلع و أسعارها في السوق؛
– طبيعة السلع متجانسة؛
– سهولة الدخول إلى السوق و الخروج منها.

ب/ سوق المنافسة الإحتكارية تعليم_الجزائر3)
و تتميز :
– وجود عدد كبير من المشترين و البائعين ؛
– التعامل مع سلع متشابهة و لكنّها غير متجانسة ؛
– سهولة الدخول إلى السوق و الخروج منها ؛
– الإهتمام بالمنافسة غير السعرية ؛
– التحكم بالسعر عن طريق إضافة مزايا تنافسية للسلع.

جـ/ إحتكار القلة :
– يوجد عدد قليل من المنتجين ؛
– السلع متجانسة و غالبا ما تكون متميزة ؛
– الاهتمام بالمنافسة غير السعرية ؛
– وجود حواجز للدخول إلى السوق.

د/ الإحتكار الكامل :
– المنتج يكون حرا في تحديد كلٌ من السعر و الكمية المنتجة والمباعة في السوق فقط ؛
– وجود بائع واحد فقط في السوق؛
– وجود حواجز تمنع دخول مؤسسات جديدة إلى السوق (قانونية، إمتيازات حكومية …) ؛
– إمكانية التحكم بالسعر بشرط أن لا يتجاوز الحدّ المحدّد من قبل الحكومة.

• منفعة السلعة للمستهلك :
” يبحث المستهلك دائما عن السلع التي تشبّع حاجته و رغبته و تحقق المنفعة المطلوبة ” (1) لذا فإنّه من الضّروري أن يتم الأخذ بعين الإعتبار قناعات المستهلكين بالسلع و أسعارها عند وضع و تحديد الأسعار، ” إذ لا يمكن أن نعمل على إجبار الأفراد أو المؤسسات على الشراء، إن لم تتوفر لديهم القناعات بأنّ أسعار هذه ]السلع[ توازي المنفعة المتوقعة من جرّاء إستخدامها ” .(2)
و إذا لم يؤخذ هذا المؤثر عند قرارات التسعير، فإنّه سيجعل الكثير من المستهلكين يعجزون عن شراء الكثير من السلع التي هم بحاجة إليها.

• الإجراءات الحكومية :
و هي عامل هام أيضا، بحيث تتدخل الحكومات و خاصة في النظام الإقتصادي الموجه في تسعير المواد الضرورية لحماية المستهلك و الموزعين وتغالي المنتجين و دعم بعضها الآخر، في سبيل تثبيت أسعارها و جعلها في متناول المستهلكين المحدودي الدخل.
” و قد تتولى الدولة مهمة تحديد أسعار بعض السلع بشكل إجباري، أوتحدد هامش ربحي لا يجوز تجاوزه بالنسبة للسلع المستوردة ” .(1)

• الموردون :
يؤثر الموّردون على سعر السلعة، و ذلك عند رفع أسعار المواد الأولية والمواد الخام فتضطر المؤسسة أن ترفع هي بدورها من أسعار سلعها الجاهزة. وغالبا ما يتم رفع الموردون لسعارهم، عند إكتشافهم لضخامة الأرباح التي يحصل عليها المنتجون، و ذلك بهدف المشاركة في هذه الأرباح.

• الـوسطاء :
يجب الأخذ بعين الإعتبار ما يحصل عليه الوسطاء من الموزعين من الأرباح، فكلّما كان عدد الوسطاء كبيرا كلما كانت الإضافات كبيرة و بالتالي يرتفع السعر. ” و عندما تتدفق السلعة في طريقها إلى المستهلك خلال عدد قليل من التجار، فيمكن إختصار بعض الأرباح التي كانوا سيحصلون عليها لو كان توزيع السلعة خلال خط توزيع طويل ” .(2)

• الظروف الإقتصادية :
” في حالات الرواج تزيد قدرة المؤسسة على تحديد أسعارها على ضوء الظروف التنافسية الموجودة بعكس حالات الكساد التي تحاول المؤسسات أن تزيد من الطلب على السلعة و يكون ذلك سواء بتخفيض الأسعار أو زيادة الخدمات المصاحبة للسلعة و متابعة ذلك” .(3)
و بالإضافة إلى ذلك تتأثر إستراتيجيات التسعير بالتضخم، الندرة، الكساد…إلخ.
المبحث الخامس : التسعير في النظرية الإقتصادية :
لقد إهتّم الإقتصاديون بدراسة السوق عند بحثهم عن العوامل المحدّدة لقيم السلع المختلفة، فتجعل لكلّ سلعة سعرا، و تجعل بعض السلع أعلى سعرا من السلع الأخرى.
” و عندما توصلوا إلى نظرية تحديد السعر بالعرض و الطلب إعْتبٌرتْ السوق المكان أو الوسيلة التي يتقابل فيها العرض مع الطلب.
و عندما بدأ البحث في الظروف المحيطة بالعرض و الطلب قسمت الأسواق إلى أسواق تسود فيها المنافسة الكاملة و أسواق تسود فيها المنافسة غير الكاملة ” .(1)
ومنه سيعالج هذا المبحث الإشكالية التالية:
ما هي الأنواع المختلفة للمنافسة ؟

المطلب الأول : المنافسة الكاملة أو الحرة :
وهي الحالة التي يتوافر فيها عدد كبير من المنتجين أو البائعين والمشترين لسلعة معينة. و كذلك تكون السلع التي يعرضها هؤلاء المنتجون متماثلة تماما أي متجانسة، حيث لا يكون هناك ما يدفع المشتري إلى تفضيل سلعة على أخرى منافسة.
كما تتميز هذه المنافسة بعدم تمكن أي فرد أو أي مؤسسة أن يفرض السعر على السوق، هذا بالإضافة إلى حرّية الدخول و الخروج من الأسواق مع توافر المعلومات الكافية و الكاملة عنها.
” و من ثمَ تصبح مشكلة كلّ منتج أو هدفه أن يسعى إلى التوّسع في كمية الإنتاج، حتى يصل إلى الحدّ الذي تتعادل عنده النفقة الحدية و الإيراد الحدي”.(2)

المطلب الثاني : المنافسة الإحتكارية :
و في ظلّها نجد المنتجون أو البائعون و المشترين بعدد كبير و السلع الموجودة، تكون متباينة فيما بينها، و مميّزة من حيث خصائصها و مواصفاتها، “فهذا يعني عدم وجود سعر واحد يكون سائدا في السوق”.(3)
في هذه الحالة نجد بأنّ كلّ منتج يسعى إلى إبراز أشكال خاصة بسلعته أوإقناع الفرد المستهلك بذلك، و من ثمة يجد المشتري مجالاً لتفضيل سلعة ما على السلع الأخرى التي يعرضها المنافسون.
” هذا الإختلاف و التمييز بين السلع، و إن كان يمكن أن يخلق لكلّ منها صفة إحتكارية، إلا أنّها في مجموعها تعتبر بديلة عن بعضها البعض وبالتالي فإن المنتجين يتمتعون بإحتكار محدود” .(1)
إنّ درجة تفضيل المستهلك لسلعة دون أخرى، سوف تقلّ أهميتها مع مرور الزمن، و بالتالي يجد المنتج نفسه في حاجة إلى وضع سياسة لتسعير سلعة، بناءا على عدد من العوامل قبل عرضها في السوق، و بالتالي المشكلة تصبح في تحديد السعر المناسب للسلعة التي يمكن أن تباع به أكبر كمية ممكنة لتحقيق أكبر ربح ممكن
و عليه فإنّه على سياسة التسعير أن تتصف بالمرونة، و تحّدد بناءا على تقدير درجة التباين و التمايز في السلعة في الحاضر و المستقبل و المنافسة المحتملة من سلع أخرى.

المطلب الثالث : إحتكار القلة
يوجد عدد قليل من المنتجين للسلعة، بحيث أن قرارات كلّ منهم يؤثر على حجم التعامل في السوق، و أيّ تغيير، أو تبديل في السعر ينعكس على سلوك وتصرفات المنافسين الآخرين، فإنّ هذا يعني أنه إذا قام أحد المنافسين بتخفيض أسعاره فإنّ رد فعل الآخرين سيكون مماثلا، أمّا إذا قام برفع سعر سلعته، فإنّه من المحتمل عدم قيام المنافسين برفع أسعارهم، كما قد تخسر المؤسسة حصة كبيرة من السوق إذا قامت برفع أسعارها.
كما تتميز هذه الحالة (إحتكارالقلّة) بتواجد سلع غير متجانسة و لها بدائل مختلفة، بالإضافة إلى صعوبة تحديد الطلب على السلع من خلال المعلومات التي جمعتها المؤسسة من المستهلكين، بل يجب توفير معلومات كافية عن المنافسين الآخرين.

المطلب الرابع : الإحتكار الكامل :
” هي الحالة التي يكون فيها منتج واحد الذي ينتج سلعة ليس لها بدائل، بشكل يمكنه من الإحتكار الكامل للسوق.
و في أغلب الأحيان تكون المعلومات متوفرة في تلك السوق، مع عدم وجود أيّ نوع من المنافسة ” .(1)
” كما تتميز بكون المنتج حرّاُ في تحديد كلّ من السعر و الكمية المنتجة والمباعة، خاصة في حالة عدم تدخل الحكومة في الرقابة على الأسعار أوتحديد كمية أو حصة الإنتاج و عدم إكتراث البائع أو المنتج بالمسؤوليات الجديدة الإجتماعية ” .(2)
إلاّ أنّ في هذه الحالة أي حالة الإحتكار الكامل، هي أيضا تكاد تنعدم في الوقت الحالي، بحيث لا تسمح الدول بوجود الإحتكار، و قد تتدخل لتنظيم هذا الوضع الإحتكاري بصدر بعض القرارات التي تمنع ذلك أو وضع حدود وشروط له إن سمحت الحكومة بوجوده.
ممّا سبق نستطيع القول، بأنّه حسب النظرية الإقتصادية تتحدد الأسعار في السوق و في ظل المنافسة الكاملة بتفاعل العرض مع الطلب حتى تصل إلى سعر التعادل.
و في الحياة العملية يكون أمام المؤسسة مجال، تستطيع تحديد السعر، عند أيّة نقطة داخله.
” و يتسع هذا المدى أو يضيق حسب ظروف المنافسة السائدة، فيضيق إذا زادت المنافسة و يتسع إذا قلّت ” (3) بحيث أنّه كلمّا زادت المنافسة، قلّت حرّية المنتج في تحديد و إختيار السعر الذي يضعه على سلعته، و في غياب المنافسة أو قلّتها يكون المنتج حرّا في التسعير.
هذه الحرّية هي من المظاهر الموجودة في الحياة الإقتصادية، قد تستخدم للصالح العام، كما قد تستخدم ضد مصلحة الأفراد المستهلكين، إنّ المظهر السائد في الحياة العملية، هي حالة المنافسة الإحتكارية، بحيث نجد السلع المتماثلة أو البديلة و لكن، لكلﱢ منها علامتها المميزة، و أنّ منتج هذه السلع يقوم على إيجاد درجة من الإختلاف بينها و بين السلع المنافسة.

المبحث السادس : أشكال و مستويات التسعير :
تعتبر عملية إختيار سياسة لتسعير السلع من أهم المشاكل التي تواجه كلّ مؤسسة منتجة.
ترجع هذه الأهمية إلى ما لأشكال و مستويات الأسعار من أثر فعّال على أهداف المؤسسة و خاصة على الأرباح.
و بهذا الصدد رأينا من الضروري أن نقوم بعرض مختلف أشكال ومستويات هذا العنصر التسويقي الهام.
وفي هذا الصدد رأينا من الضروري أن تقوم بعرض الإشكالية التالية:
ـ ما هي مختلف أشكال و مستويات هذا العنصر التسويقي الهام ؟

المطلب الأول : أشكال التسعير :
تعتمد المؤسسات على العديد من السياسات السعرية التي من شأنها زيادة ترويج و تصريف السلع، و من بين هذه السياسات نذكر ما يلي : (1)

• الأسعار المنافسة و الأسعار غير المنافسة :
فالأسعار المنافسة هي التي تلجأ إليها المؤسسة كوسيلة لتمييز ] سلعها[ عن الآخرين في السوق، و للتأثير على الطلب بصورة رئيسية عن طريق التغيير فيها.
أمّا الأسعار غير المنافسة، فهي توضع كحد أدنى يمكن أن يقبله المستهلك من جهة، و يحقق ربحا معينا من جهة أخرى.
لأنّه في حالة تخفيضه أكثر من هذا الحد لا تستطيع المؤسسة تحقيق أيّ ربح.
لكن في الواقع أنّ الأسعار المنافسة توفر للمؤسسات التي تتبعها، المرونة، بحيث يستطيع الباعة بواسطتها التحرك أو التغيّير في الأسعار، و كذلك تمكّن المؤسسة من أن ترّد بسرعة عندما تحاول المؤسسات المنافسة زيادة حصتها السوقية عن طريق تخفيض أسعارها.

• الأسعار الكسرية أو العشرية :
و هي الأسعار التي تبدو أقل ممّا هي عليها في الحقيقة و تحتل مكانا بارزا في تجارة التجزئة. “و تعتمد هذه الأسعار على أساس إضافة الرقم الكسري إلى سعر السلعة كأن نقول 4,990 دينار بدلا من 5 دينار أو 99,950 دينار بدلا من 100 دينار أو 19 دينار بدلا من 20 دينار، و يدعى أيضا بالسعر البسيكولوجي، لما له من جاذبية عاطفية للمستهلك، ” فمن الناحية النفسية يبدو للمشتري أن الفرق بين 69 دينار و 70 دينار فرق كبير، و من هنا ينبع الإعتقاد بأنّ بيع السلعة بسعر 69 دينار مثلا يحقق مبيعات أكبر بكثير من تلك التي يحققها بسعر 70 دينار”.(1)
ثم إنّ السعر الكسري، قد يوحي إلى المستهلك بأنّ السعر قد خفض إلى أبعد حد ممكن، و” أنّ البائع قام بحساب السعر بشكل دقيق جدا، الأمر الذي أدّى به للإنتهاء بأرقام كسرية “.(2)
كما تستخدم الأسعار الكسرية في السلع المكمّلة و مستلزماتها.
• أسعار الإستدراج، الترويجية أو القيادية :
و هي أسعار قد تكون مساوية أو أقل من تكلفة السلعة، و ذلك في سبيل الترويج و جذب المستهلكين إلى المتجر.
غالبا ما توضع هذه الأسعار على سلع مختارة من التشكيلة السلعية الموجودة و ذلك من أجل دفع المستهلكين إلى زيارة المحل الذي يقدم هذه السلع، و في نفس الوقت ستجد العميل أو المستهلك يشتري سلع أخرى من نفس المحل التي تكون معروضة و موجودة أمامه.
الأمر الذي سيجعل المؤسسة أن تعوّض الخسارة الناشئة عن البيع بالتكلفة أو أقل منها.
و عند إختيار أسعار الإستدراج، يجب على المؤسسة مراعاة كلاًّ من العوامل التالية :

– أن تكون السلع المستدرجة جذّابة : فتسعير سلعة لا تشتريها إلاّ القلّة من المستهلكين لا يؤدي الغرض المقصود من هذه السياسة؛
– ” كما أنه يتجنب إختيار الأصناف التي يحدّد المنتج سعر بيعها للجمهور إلا إذا سمح المنتج للمحل بتخفيض السعر” .(3)

و رغم نجاعة هذه الطريقة في كسب عدد كبير من المستهلكين، إلا أنّها تشكل متاعب للمنتجين و المنافسين، فقد يحدث تضاربا بين المنافسين. فمثلا أن تكون السلع غير مستدرجة عند المنافس الأول هي السلع المستدرجة عند الثاني و بالتالي يحدث تنفير للمستهلكين لفقدهم الثقة في هذه السلعة كما أنّها تفتح باباً حاداً للمنافسة، ممّا يؤدي بهم إلى تخفيض الأسعار إلى أدنى ممّا يتسبب في إنسحاب الكثير من المتنافسين عن التعامل في سلع الإستدراج.

• أسعار التحميل :
عندما تلاقي بعض السلع الكساد و البوار، و لم يقبل المستهلك على شرائها تلجأ المؤسسة البائعة أو المنتج إلى إجبار المستهلك المشتري للسلع الرائجة على القيام بشراء كمية من السلع الكاسدة، أي تحمل هذه السلع جبريا على السلع ذات الطلب المرتفع، فلا يجد المستهلك بديلاًَ إلاّ أن يقبلها.
” مثل كأن تقوم مؤسسة بطرح جهاز الحاسوب بسعر معتدل، في حين نجدها تطرح مستلزمات الحاسوب و برامجه بسعر مرتفع” .(1)
” لهذا فإن هذه السياسة و التي يتبعها كثير من المنتجين و الموزعين في مجتمعنا حاليا بحجة الخوف من تحقيق الخسائر، لا تناسب المجتمع الذي يضع مصلحة المستهلكين في المقام الأول ” .(2)

• الأسعار المترابطة :
تستعمل هذه الطريقة في حالة السلع المتجانسة و من الطرازات المختلفة وذات منفعة مشتركة كبيع قميص و رباط عنق و جوارب بسعر واحد مع مراعاة تكلفة و جودة كلّ منها.

• الأسعار المعتادة أو المحددة بالعرف :
و هي الأسعار المعروفة لدى الجميع، محددة، و دامت لفترات طويلة على الثبات و الإستقرار، فإعتادها المستهلكون” ، فالمشروبات الغازية مثلا تباع للمستهلك بنفس السعر لفترة طويلة من الزمن بصرف النظر عن الحالة الإقتصادية و تقلب الأسعار المتعلقة بالخامات و الأجور و ظروف المنافسة”.(3)
و عندما يصبح سعر سلعة معينة معتادًا فإنّه يصعب على المنتج الزيادة، مما يؤدي بالمنتج إلى تغيير الكمية أو الجودة أو تغيير العبوة حرصا على بقاء السعر المعتاد على ما هو عليه و حفاظا على مكانة السلعة عند المستهلكين.

المطلب الثاني : مستويات السعر :
عند إختيار المنتج لإحدى سياسات التسعير التي سنتطرق إليها في الفصل الموالي، فإنّه يواجه مشكلة مستوى السعر الذي يريد أن يبيع به، والتأقلم في ظله مراعيا في ذلك طبعا، كلَ جوانب سلعته و أهدافها المسطرة.
” و على البائع أن يختار بين ثلاثة مستويات للسعر، فإمّا أن يبيع بسعر السوق السائد، و إما أن يبيع بسعر يقل عن سعر السوق بغية تصريف كمية أكبر من السلعة، و إما أن يبيع بسعر أعلى من سعر السوق، و في هذه الحالة لا بدّ أن تكون السلعة ذات جودة أعلى من السلع المنافسة، أو أنّ الموزع يؤدي إلى المشترين خدمات معيّنة، تجذب جمهور المشترين إلى المحل بالرغم من إرتفاع السعر” .(1)

أ‌- البيع بسعر السوق :
يتحدد هذا السعر بطريقة آلية بناءًا على تفاعل كلّ من عوامل العرض و الطلب ” ، و كثيرا ما يتبع المنتجون هذه السياسة عندما تتماثل السلع المنافسة و البديلة بشكل واضح و خاصة أمام المستهلك ” (2) أي في حالة المنافسة الكاملة.
و في هذه الحالة، يكون المنتج أو المؤسسة مقيد بسعر السوق، فلا يكون له أيّة سيطرة على السلع و بالتالي لا يحتاج إلى سياسة سعرية خاصة به، بل نجد ” العوامل غير الشخصية التي يحددها مجموع الطلب والعرض هي التي تحدد سعر السوق – كما ذكرنا سابقا – و الذي يجد كل منتج نفسه مضطرا إلى قبوله و التعامل على أساسه” (3) و تستخدم هذه الطريقة أيضا في حالة وجود ما يطلق عليه “بالأسعار السائدة أو المعتادة أو العرفية” أي أسعار مألوفة لدى المستهلكين و لم تتغير من مدة طويلة (سبق و أشرنا إليها) مثل المياه الغازية و الحلوى و اللبان، وإذا حدث إرتفاع في التكلفة، يحاول المنتج أن يختار بدائل أخرى غير رفع سعر السلعة، و من بين هذه البدائل مثلا تخفيض الكمية أو الجودة.

” و تنطبق هذه الطريقة أيضا في حالة منافسة القلّة حيث تتفادى المؤسسات الدخول في حرب الأسعار و بالتالي تكون أسعار سلعها متقاربة إلى حد كبير” .(1)
” و من أهم مزايا البيع بسعر السوق، عدم وجود تنافس بين البائعين لتخفيض الأسعار، و بذلك لن تتأثر الأرباح التي يحصلون عليها. كما يطمئن المستهلكين إلى عدم وجود إختلاف في سعر البيع من بائع إلى آخر” .(2)

ب‌- البيع بسعر أقل من سعر السوق :
تستخدم المؤسسة هذه الطريقة عادة في فترات الكساد، أي عندما تنقضي موضة السلعة أو موسمها، و أصبحت ذات جودة رديئة، فيستلزم على المؤسسة تصريف ما لديها من سلعة بأيّ سعر لتغطية النفقات الثابتة.
و غالبا ما تكون الفترات التي تباع خلالها السلع بأسعار أقل من سعر السوق قصيرة، و هي ما يسمى بفرص البيع الخاصة، فقد يصل تخفيض السعر في بعض هذه الفرص إلى سعر التكلفة و أحيانا إلى أقل منها، و ذلك في حالة ما إذا كانت المؤسسة، و المنتج في حاجة ماسة إلى سيولة، أو إذا كان من الضروري التخلص من السلعة.
و هذه الطريقة قد تتبع بالنسبة لجميع السلع أو إلاّ على أنواع معينة.
نتخذ هذه الطريقة كوسيلة من وسائل جذب المستهلكين، فقد تعمد المؤسسة إلى بيع بعض السلع ذات الجودة و أسعار مرتفعة، بأسعار تقل عن أسعار السوق و ذلك بغرض نشر الدعاية بين العملاء من أجل كسب عدد كبير من المشترين، وبذلك زيادة نطاق السوق و إرتفاع حجم المبيعات.
و أهم ما يميّز هذه الطريقة أنّها تزيد من مبيعات السلع التي خُفضَ سعرها بالإضافة إلى مبيعات السلع الأخرى التي تباع بسعرها الأصلي.
هذا و قد تجد بعض المؤسسات أنّه من الأفضل لها إتباع هذه الطريقة، وذلك بشكل غير مباشر بإستعمال طريقة تقديم خدمات إضافية مجانية، أو بسعر التكلفة أو بسعر رمزي، أو أكثر من ذلك، منح خصومات مختلفة و التي سنتطرق إليها لاحقا، و قد يكون لذلك أثر أفضل لدى المستهلك.

جـ – البيع بسعر أعلى من سعر السوق:
قد تفضل المؤسسة اللجوء إلى هذه الطريقة في حالة تمتع السلع و تميزّها ببعض الخصائص التي لا توجد في السلع الأخرى المعروضة في السوق، كأن تمتاز السلعة بجودة أعلى أو بتشكيلة أفخم و ألوان أروع، أو تقديم خدمات فريدة، مثل توصيل البضاعة إلى المنزل و قبول الطلبيات عبر الهاتف.
عندما يتم تحديد السعر بسعر أعلى من الأسعار الموجودة في السوق، بناءًا على العوامل المذكورة سابقا، فإنّ ذلك يجب أن يقوم على أساس من قيم معلومة ومدروسة لهذه العوامل، و مدى جودتها و أهميتها التسويقية و مدى أثرها على علاقة السعر بالمبيعات.
” و لذلك أيضا نجد أنّه ينذر أن يقدم المنتج على إتباع هذه الطريقة إذا ما كانت سلعته و السلع المنافسة على درجة كبيرة من التماثل “.(1) من مزايا هذه الطريقة، أنها تمنح للمؤسسة البائعة ربح أعلى مع القيام بخدمات ممتازة نحو جمهور المستهلكين.
” كما أنّها تشجّع المنتج على الإحتفاظ بجودة السلع و تحسينها كلّما أمكن ذلك حتى لا يفقد سمعته الطبية بين المستهلكين ” .(2)
غير أنّ هذه الطريقة لا تخلو من السلبيات، و من عيوبها: إرتفاع سعر السلعة يقلل من كمية المبيعات، و بالتالي يتحول بعض المستهلكين إلى شراء السلع المثيلة أو البديلة، كما يستدعي إرتفاع سعر البيع، عمال بيع إضافيين من أجل العمل على إلاعلان على السلع المعروضة، مما يزيد من تكاليف البيع.

خـلاصـة الفـصل :

يحتل السعر، مكانة و أهمية بالغة داخل المؤسسة، و ذلك نضرا لتأثيره المباشر على ربحيتها، بحيث يعتبر العنصر الوحيد الذي يولد إيرادات لها، والأكثر مرونة عند تعديلها أو تغييرها لسعر البيع.

كما تشمل الأهداف التسعيرية، الأهداف العامة و المسطرة للمؤسسة، من حيث تعظيم الربح و البقاء في السوق و إستمراريتها. و حتى يتسنى للمؤسسة تحقيق هذه الأهداف، يجب أن تأخذ بعين الإعتبار عند إتخاذها لقرار التسعير عدة عوامل، منها ما هو مرتبط بالمؤسسة نفسها، و منها ما هو مرتبط بالبيئة المحيطة بها – وبالخصوص عامل المنافسة – من جهة، و إختيار سياسة تسعيرية مناسبة التي من شأنها أن تزيد في تنشيط مبيعاتها و تصريف


موضوع جميل وبحث اكثر من رائع

جزاك الله كل خير ومشكووووووووووووووووووووووور

بحث رايع ،، لكن ينقصة المراجع

يا أخي بحث رائع بارك الله فيك و مزيدا من التألق و العطاء

التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

القيم الاخبارية و العوامل المؤثرة فيه

مقدمــــــة :
لا يوجد فرق كبير في نوعية الأخبار المعروضة اليوم على التي كانت تنشر في الماضي ، فالكم الكبير من الأخبار كان ولا يزال يتناول الأنشطة الرسمية والاقتصادية والتجارية والأحداث الكبرى إضافة إلى الأخبار الاجتماعية والمتعلقة بالمشاهير ذات الأهمية.
إن الاختلاف الوحيد يكمن في وجود جمهور واسع لوسائل الإعلام الجماهيرية والذي يتميز بالعدد الكبير والتنوع الكثير ، من هنا أصبح لزاما على المؤسسات الإعلامية مهما كان نوعها أن تتبع سياسة تنويع الأخبار لكسب عدد أكبر من الجمهور ، ويكون ذلك بتقديم الأخبار ذات الأهمية أو الجدارة لنشرها أو عرضها ، وذلك ما يسمى بالقيمة الإخبارية ..
ولكننا أيضا نلاحظ من خلال تتبعنا للأحداث اليومية وتناول وسائل الإعلام لها يكون متباينا من وسيلة إلى أخرى ومن مؤسسة إلى أخرى ، فهناك من الصحف من يتناول خبرا ما في الصفحة الأولى أو يعطيه ملفا كاملا، وهناك من لا يتناوله أصلا أو قد يشير إليه في بضع أسطر ، كما أن هناك من النشرات الإخبارية الإذاعية أو التلفزيونية ما يهتم بموضوعات محددة ويتبع سياسة ما في طرح وترتيب الأخبار، وأخرى تخالفها تماما في التوجه ، وحتى عرض الصور المرتبطة بالخبر تخضع إلى نوع من القص فنشاهد صورا متباينة لخبر واحد من قناة إلى أخرى .
إذن بعدما قلنا أن المؤسسات الإعلامية تتبع سياسة تنويع الأخبار في نشراتها وتقديم الأخبار ذات الأهمية والجدارة أو بإتباع ما يسمى بالقيمة الخبرية ، نجد الآن اختلاف أهمية الأحداث ونسبة الجدارة والاستحقاق لنشرها بالنسبة لكل مؤسسة إعلامية ، أي أن كل مؤسسة لها وجهة نظرها حول الأحداث ولها قيمها الإخبارية الخاصة بها ، ولتكوين تلك النظرة هناك عوامل عديدة ومؤثرات في القيم الإخبارية .
سنحاول في هذا البحث أن نبين ما هي القيمة الخبرية في نشرات الأخبار من خلال تحديد بعض المفاهيم والمصطلحات أولا وهي القيمة والخبر والقيمة الخبرية ، ثم العلاقات التي ترتبط بالقيم الإخبارية وهي عناصرها ومحدداتها والعوامل المؤثرة فيها وتدخلها في بناء النشرات وتصنيف الأخبار، فما العناصر التي تحددها حتى نقول عن خبر ما أنه يحمل قيمة خبرية ؟وما الظروف والعوامل التي يمكن أن تؤثر في القيم الإخبارية في كل وسيلة إعلامية لنشراتها أو أخبارها ؟
إضافة إلى أنه خلال إجرائنا للبحث توصلنا إلى تصنيف للأخبار حسب القيم الخبرية فيها ومراعاة لعناصر القيمة الخبرية والعوامل المؤثرة فيها، هو عنصر من اجتهادنا الشخصي ونتيجة نابعة من المقدمات التي بحثنا فيها وتوصلنا إليها فيما يتعلق بالقيم الإخبارية.
ثم نقوم بدراسة مقارنة بين نشرات الأخبار في ثلاث قنوات تلفزيونية كل واحدة تتميز بطبيعة وخصائص معينة ومتباينة، وهي التلفزيون الجزائري وقناة الجزيرة الفضائية وTF1 الفرنسية، وذلك بهدف الكشف عن تأثيرات مختلف العوامل على قيمها الإخبارية.

الفصل الأول :
تحديد المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالبحث
المبحث الأول: مفهوم القيمة
تشتق كلمة القيمة في اللغة العربية من القيام، وهو نقيض الجلوس، والقيام بمعنى آخر هو العزم، ومنه قوله تعالى: (وَأنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ) .أي لمّا عزم. كما جاء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح، ومنه قوله تعالى: (الرِِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) . وأما القوام فهو العدل، وحُسن الطول، وحُسن الاستقامة “
كما تدل كلمة القيمة على الثمن الذي يقاوم المتاع، أي يقوم مقامه،وهي ما يقدر به الشيء للتثمي والتمييز، وجمعها قيمُ، وقيمة الشيء في الدور الذي يقوم به ، مثل قوله تعالى (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَة) وهنا دلالة على القيمة المرتفعة.
ومع مرور الأيام شاع استعمال كلمة القيمة، فأصبحت تدل على معانٍ أخرى متعددة، فيرى علماء اللغة مثلاً أنّ للكلمات قيمة نحوية تحدد معناها ودورها في الجملة، وأنّ قيمة الألفاظ تكمن في الاستعمال الصحيح لها، كما يستعمل علماء الرياضيات كلمة القيمة للدلالة على العدد الذي يقيس كمية معينة، ويستخدمها أهل الفن كونها تجمع بين الكم والكيف، وهي بهذا تعبّر عن كيفية الألوان، والأصوات، والأشكال والعلاقة الكمية القائمة بينها، كما يستخدمها علماء الاقتصاد للدلالة على الصفة التي تجعل شيئاً ممكن الاستبدال بشيء آخر، أي قيمة المبادلة.
يتضح مما سبق أن مفهوم القيمة (Value) من المفاهيم التي يشوبها نوع من الغموض والخلط في استخدامها، وهذا نتيجة لأنها حظيت باهتمام كثير من الباحثين في تخصصات مختلفة، ولهذا اختلف الباحثون في وضع تعريف محدد لها، ومرد ذلك الاختلاف يعزى إلى المنطلقات النظرية التخصصية لهم، فمنهم: علماء الدين، وعلماء النفس، وعلماء الاجتماع، وعلماء الاقتصاد، وعلماء الرياضيات، وعلماء اللغة .. إلخ. فلكل منهم مفهومه الخاص الذي يتفق مع تخصصه. ومن هؤلاء العلماء ( بريParry) الذي يعرّف القيم بأنها الاهتمامات، أي إذا كان أي شيء موضع اهتمام فإنه حتماً يكتسب قيمة، ومنهم من يعرفها بالتفضيلات مثل (ثورندايك، وهناك من يعرّف القيم بأنها مرادفة للاتجاهات مثل (بوجاردس). وكثير من علماء النفس يرون أن القيمة والاتجاه وجهان لعملة واحدة. أما (كلايدكلاهون فيعرّف القيم بأنها أفكار حول ما هو مرغوب فيه أو غير مرغوب فيه.
واستناداً إلى ما سبق من تعريفات يمكن تعريف القيم بأنها: عبارة عن المعتقدات التي يحملها الفرد نحو الأشياء والمعاني وأوجه النشاط المختلفة، والتي تعمل على توجيه رغباته واتجاهاته نحوها، وتحدد له السلوك المقبول والمرفوض والصواب والخطأ، وتتصف بالثبات النسبي.

المبحث الثاني: مفهوم الخبر.
فيما يخص التعريف اللغوي العربي فإن البلاغيين العرب لم يتفقوا على تعريف واحد للخبر؛ وإن شاع تعريف القزويني لـه قديماً وحديثاً وهو أن الخبر كل كلام يحتمل الصدق والكذب لذاته…
ويؤكد ذلك تعريف فخر الدين الرازي بقوله: إنه “القول المقتضى بتصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أو بالإثبات. ومَنْ حَدَّه بأنه المحتمل للصدق والكذب المحدودين بالخبر لزمه الدور. ومن حَدَّه بأنه المحتمل للتصديق والتكذيب المحدودين بالصدق والكذب وقع في الدور مرتين”
أما اصطلاحا في علوم الإعلام والاتصال فكثيرا ما كنا نقرأ في كتب الصحافة تعريفات للخبر تكاد تلتقي في مفهوم عام وهو ان الخبر وصف لحدث اني يحظى بالاهتمام.
وقد مضت عقود طويلة ظل فيها هذا المفهوم العام راسخا في أذهان كتاب الخبر والمحررين والمراسلين الذين وجدوا إن مهمتهم الصحفية تقوم على اطلاع القراء وتنويرهم بما يجري من أحداث.. فقد عرف فور تكليف الخبر ونشره عام 1865 بأنه الإثارة والخروج عن المألوف.. فعندما يعض الكلب رجلا فهذا ليس بخبر ولكن عندما يعض الرجل كلبا فهذا هو الخبر.
وعرف د. عبد الستار جواد الخبر بأنه شيء لا نعرفه من قبل، شيء نسيته أو انك لم تفهمه .
أما الدكتور سعيد السيد فيقول في تعريفه للخبر : هو أي حدث له مدلول اجتماعي له تأثير على حياة الناس .
والخبر الكامل هو الذي يعطي الإجابات الوافية والكاملة على الأسئلة الستة التالية:
1-من.. من الذي لعب الدور الأول في وقوع الحدث
2-متى.. زمن وقوع الحدث.
3-أين.. مكان وقوع الحدث.
4-ماذا.. ماذا حدث.
5-كيف.. تفاصيل الحدث.
6-لماذا.. أوليات أو خلفيات الحدث.
وليس بالضرورة ان تتوفر في الخبر الإجابة على الأسئلة الستة ولكن المحرر الصحفي يسعى دائما ليضمن خبره الإجابات على ما يستطيع من هذه الأسئلة.
ويمكن تحديد وظائف الأخبار لتتمثل فيما يلي:
وظائف الأخبار :
(بالنسبة للأفراد)
1- مراقبة البيئة : ( تجنب المخاطر التي تهدد وجود الإنسان واقتناص الفرص التي تكفل استمراره )، حيث تنوب وسائل الإعلام عن الجمهور في جمع وتفسير الأخبار بغرض مراقبة البيئة التي تحيط بهم لفهمها والتكيف معها.
2- الإثارة : فقد يتوجه البعض لمتابعة الأخبار بسبب الرتابة والملل، وهذا العنصر يتغير من يوم لآخر ومن شخص لآخر.
3- زيادة الإحساس بالمشاركة في الأحداث العامة : ويكون ذلك بسبب الاطلاع المستمر على مجريات الأمور أو يؤدي به إلى المشاركة السياسية.
(بالنسبة للسلطة التنفيذية)
1- توجيه الأفراد نحو ما يراه النظام :
أهداف ظاهرة مباشرة : المشاريع والقوانين والإنجازات.
أهداف غير مباشرة : الدفاع عن سياسة الحكومة والدعاية لها.
2- تأكيد شرعية النظام .

المبحث الثالث: تعريف القيمة الإخبارية.
تعرف القيم الخبرية على أنها مجموعة المعايير المادية والذهنية التي على أساسها يتم تحويل الحدث إلى خبر صحفي ، فالقيم الإخبارية هي الصفات التركيبية المرتبطة بالتفاعل بين الحدث والجمهور وهي التي تكشف عن جوهر الحدث وعن استخدامه الاجتماعي أي تحويله إلى موضوع للاطلاع والمعرفة والفهم .
وللقيم الإخبارية مجموعة من العناصر التي تقوم عليها كي تجعل من الحدث يرتقي إلى مستوى الخبر الذي يهم الجمهور ، وهذه العناصر تختلف يبن الباحثين في مجال الإعلام
كما أن القيم الإخبارية هي من أعوص معاني البنيات في المجتع المعاصر وذلك لما تحمله من معان إيديولوجية وذهنية ، أي أن التمايز في الأنظمة الاجتماعية والسياسية والقيمية والإعلامية على مستوى العالم له أثر في إيجاد اختلاف للقيم الإخبارية التي يقدمها كل نظام.
إذن فدلالة القيم الإخبارية تدل على وجود بنية معقدة للخبر على أساس أبعاد القيمة المتعددة ، نظرية أو نفعية ، فكرية أو إيديولوجية أو دينية.
ويقوم الفهم الدقيق للقيم الإخبارية على أساس فهم مغزى الحادثة التي ستنقل إلى الجمهور، وتفاعلها مع الوسيلة الإعلامية، فكل وسيلة لها قيمها الإخبارية الخاصة بها التي تنبع من طبيعتها.

الفصل الثاني:
العلاقات المساعدة على فهم القيم الإخبارية

المبحث الأول : العناصر المحددة للقيمة الإخبارية
1- الجدة ( الحداثة):
ان عنصر الجده أساسي للغاية في الأخبار فهي/ أي الأخبار/ تفقد ثقلها وأهميتها في الأغلب عندما تكون قديمة وتمثل الجده في الأخبار عنصر استقطاب اهتمام الشخص المتلقي (قارئ، مستمع، مشاهد).
ويتعلق عنصر الجدة وحداثة الأخبار أيضا ويتأثر بتطور أدوات الإنتاج والتوزيع التي شهدت – سواء المطبــوع منــــــه أو المسموع أو المرئي- تطوراً كبيراً حيث ظهرت تقنيات جديدة في مجالات الجمع الإلكتروني والطباعة والتصوير والإنتاج التلفزيوني أدت إلى اختصار الوقت وزيادة الجاذبية والإبهار. كما تطورت صناعة الكمبيوتر في مجال خدمة المعلومات جمعاً وصناعة وتوزيعاً. وارتبطت بتقنية الكمبيوتر تقنية الاتصال سواء في مجال الإنتاج أو التوزيع أو البث فزادت من كفاءة كل منهما. وأكملت التطورات الكبيرة في مجال تقنية الأقمار الصناعية وشبكات التوزيع الأرضية والكوابل وغيرها حلقات التطور الإعلامي وفتحت أمام الإعلام آفاقاً رحبة وواسعة للانتشار والتأثير .

2- التأثير:
يقصد به إثارة اهتمام أكبر عدد من الناس . فمن الأخبار ما يمس جماعة قليلة من الناس في المجتمع فلا يؤبه له كثيراً في الصحف ووسائل الإعلام . و من الأخبار ما يمس أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع ، أو يمس مرفقاً من أهم المرافق الحيوية في هذا المجتمع ، أو يمس مشكلة من أكبر المشكلات السياسية أو الخلقية أو الاقتصادية التي تهم المجتمع ، و إذ ذاك ترى وسائل الإعلام تخصص لهذا الخبر الضخم مكاناً ظاهراً في صدرها.
وعنصــــــــر الضخامة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدلالة الإعلامية، ومدى اهتمام الناس بها. تقول القواعد الأولى في علم حساب الأخبـار أن نبأ حادثة أصابت ألف شخص أهم من نبأ حادثة أخرى أصابت 100 وقرار قاض في المحكمة أو تفسيره لإحدى مواد القانون إجراء فني بحث ، ولكنه في الوقت ذاته يؤثر في حياة الملايين ويستطيع الصحفي أن يكتب موضوعاً مثيراً يبين فيه نتائج القرار على حياة العامة. ( و يجب التأكيد على تأثير الخبر لأنه قد لا يفهم الجمهور تأثيرات بعض الأخبار في بعض الأحيان لتشابك الموضوع أو لتداعياته التي تكون معقدة الفهم) .
3- الشهرة:
يقال أن (الأسماء تصنع الأخبار) وأن (الأسماء اللامعة تصنع الأخبار الهامة)
وكل إنسان يحب الأبطال و الساسة البارزين في الهيئة الاجتماعية، وكذلك يحب الرياضيين والفنانين وملايين من الناس يقبلون منهم على قراءة قصص المكتشفين و الرحالة ومغامرات أصحاب الملايين.
وقـــــــــد تكون الشهرة مؤقتة سواء كانت لأشخاص أو أماكن أو أشياء أو حوادث تثير اهتمام القراء، مثل اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون أو معركة انتخابية، أو أحداث لبنان، أو أنفلونزا الطيور وقد يستمر أثرها على الناس مثل قضية ووتر جيت أو قضية “مونيكا لوينسكي” أو موضوع تحديد النسل أو استنساخ البشر، وسيصر ملايين الناس على معرفة التفاصيل إذا وقع حادث لإنسان مثل رئيس الجمهورية أو الملك أو فنان ما أو أحد الرياضيين.
وإذا قـــــال أحد الأساتذة: ينبغي إعادة النظر جيدا في قانون الأسرة الأخير فليس في هذا القول خبراً، لأنه إنسان غير مسئول و لا يهم الرأي العام ولكن إذا أعلن وزير الشؤون الدينية هذا التصريح أصبح خبراً ينشر في مكان بارز.
ولكننا في المقابل لا ينبغي أن نسلم بالمبدأ القائل أن الأسماء تصنع الأخبار، لأنه ليست كل أفعال الشخصية الشهيرة تعد أخبار ولكن يجب وجود عناصر أخرى من عناصر القيمة الخبرية.
4- الصراع:
هناك مثل هولندي يقول الأخبار الجيدة تمشي والأخبار السيئة تجري.
وكهذا المثل فإن وسائل الإعلام تتبع دوما الأخبار التي تتمتع بالسلبية وخصوصا إذا وجد الصراع بين جهتين أو أكثر
” كما أصبحت ظاهرة الإرهاب تتصدر اهتمامات وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها… فرض الإرهاب نفسه وأصبح اللغة الأكثر تداولاً في العالم وأصبحت ظاهرة الإرهاب من القيم الخبرية التي تعتمدها الجرائد والمجلات ومختلف وسائل الإعلام، كما أصبحت نشرات الأخبار تتفنن في تقديم صور مختلفة عن الأعمال الإرهابية التي أصبحت تنشر يوما بعد يوم في دول عديدة من العالم ..وبالنسبة لمعظم وسائل الإعلام الغربية وخاصة تلك التي تركز على الإثارة وعلى بيع الغرابة والعنف والجريمة فإن الإرهاب يعتبر مادة دسمة مربحة تساعد المؤسسة على زيادة المبيعات وجني أرباح طائلة، فالإرهاب أصبح لغة هذا القرن ”

5- القرب:
فالقرابة مثلاً في وسائل الإعلام الغربية لها مفهوم جغرافي ونسبة مكانية. وهذا المفهوم يستخدم بمعنى أخص منه في العالم الإسلامي. فالأخبار القادمة من أماكن بعيدة مثل أندونيسيا، الصين، أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، تحذف من وسائل إعلامهم عندما يكون مخاطبوها في أماكن أخرى مثل أمريكا والشرق الأوسط. أما القرابة في الإسلام، فليس لها مفهوم جغرافي ولا مكاني، وإنما لها مفهوم ثقافي. أي أن حوادث الأمة الإسلامية تتعلق بالعالم الإسلامي، بقطع النظر عن القوميات والدول. فالمصالح الشخصية لا تتدخل في صياغة الخبر، والأخبار والمعلومات بالنسبة للأمة الإسلامية هي بضاعة اجتماعية لا صناعة ثقافية .
6- التداول:
وهذا العنصر يمثل خاصية الاستمرار في تداول الخبر حتى يأخذ جدارته وأهميته الصحفية ويجعل من المجتمع يتغير تجاه قضية ما كانت تبدو صغيرة ولكن مع الاستمرارية في تداول هذا الموضوع يصبحا حدثا هاما بالنسبة للجمهور .
7- الغرابة :
ويمكننا لتوضيح هذا العنصر بطريقة سهلة وخفيفة بالعتماد على معادلة تشرح عنصر الغرابة أو الإثارة:
نبأ عن: رجل عادي عمره 80 سنة + حياة عادية = صفراً.
ونبأ عن رجل عادي عمره 80 سنة + رحلة مغامرة = خبراً.
رجل عادي عمره 80 سنة + زوجة شابة 18 سنة = خبراً.
رجل عادي 80 سنة + زوجة شابة 18 سنة + 3 توائم = خبر أكثر أهمية.
ومثل هذا النوع من القصص الطريفة لا يمكن أن يهمل بمجرد اختفاء العناصر الإخبارية الأخرى ، بل يكفي أن يكون ” غريباً ” لكي يكون ” خبراً” ذلك أن مثل هذا الخبر قد يعيش في أذهان جمهور القراء أكثر مما يعيش خبر استقالة موظف كبير بسبب خلافه مع بعض زملائه في العمل، وتــــذهـــــب بعض الصحف إلي أن عناصر التسويق و الإثارة والطرافة و الروعة من أهم سمات الخبر الجيد.
تباين عناصر القيمة الخبرية :
وفي كثير من الكتب المنهجية التي تدرس في المعاهد والجامعات في العالم تباينت عناصرالقيمة الخبرية أو شروط الخبر فقد ذكر الألماني كاسبر ستيلر في عام 1695 العناصر التالية.
1ـ الجد والطرافه 2ـ قرب المكان 3ـ التأثير4ـ الأهمية5ـ السلبية
ومن أكثر الدراسات التي تناولت عناصر الخبر جدلا هو ما ذهب إليه كالتونك وماري روج في الدراسة التي نشرت في كتاب (صناعة الأخبار) لمؤلفيه كوهين وبونك.. وهذان الباحثان النرويجيان يريان ان هناك احتمالا اكبر لنشر الأحداث إذا كانت تلبي أيا أو بعض أو عدة معايير من المعايير الآتية:
1ـ نسبة الحدث: وهي تتعلق بالوقت الذي يستغرقه وقوع الحدث بشكل يتناسب مع وقت الوسيلة الإخبارية فحادث اغتيال مثلا أكثر جدارة صحفية من تقدم بطئ لأحد بلدان العالم الثالث.
2ـ الضخامة: كلما كان الحدث اكبر كان أفضل وكلما كان دارماتيكيا كلما زادت قوة تأثيره وتحقيقه لما يسمى باندفاع الجمهور.
3ـ الوضوح: كلما كانت الأحداث واضحة ومحدده كلما سهل على الجمهور ملاحظتها وسهل على المراسلين التعامل معها.
4ـ الالفه: وهذه الخاصية الخبرية تتعلق بالجماعة وبالقرب الثقافي وبما يتناغم مع الجمهور المتلقي فالأشياء القريبة منا تعنينا أكثر من سواها.
5ـ التماثل: هذا يعني درجة التقاء الأحداث مع توقعات الجمهور وتنبؤاته.
6ـ الدهشة المفاجأة.. لابد ان يكون الحدث مفاجئا وغير متوقع أو نادر ليكون الخبر جيداً.
7ـ الاستمرارية: وهذه الخاصية تفترض ان يكون الخبر جديداً ليقع في عناوين الصحف ونشرات الأنباء وان تستمر جدارته الصحفية حتى عندما تتضاءل ضخامته.
8ـ التشكيل/ التركيب: ان الحاجة في تحقيق التوازن في نشر الأخبار تجعل المحرر أو الناشر بطرح بعض العناصر المتناقضة، مثل نشره بعض الأخبار المحلية إذا كانت غالبية الأخبار المنشورة في الصحيفة هي أخبار خارجية أو أن ينشر بعض الأخبار الحقيقة والمشوقة إذا كانت نسبة الأخبار التي تبعث على التشاؤم عالية .
وفي كتابة المشهور الرأي العام الذي صدر عام 1922 ذكر وولتر لييمان العناصر التالية
أ-وضوح الحدث ب-الغرابة والدهشة ج-القرب الجغرافي د-التأثير الشخصي هـ- الصراع
وقد سرد الباحثين العناصر الأساسية المعتمدة في صحافة العالم الثالث والتي تؤكد على التنمية الاقتصادية والثقافة الوطنية وإبراز صورة مشرقة عن العالم الثالث وهي :
1ـ التنمية 2ـ المسؤولية الاجتماعية 3ـ التكامل الوطني 4ـ التثقيف 5ـ قرب المكان 6ـ الاهتمام الشخصي
وتتجلى هذه العناصر في طريقة عرض الأخبار في صحافة العالم الثالث حيث يتم إبراز الأخبار الايجابية وإنشاء المشاريع والمصانع وحملات التطعيم ضد الأوبئة ومحو الأمية ونشاطات زعماء هذه الدول.. كما يتم حجب أخبار العنف والجريمة والفساد والفضائح والسياسات الخاطئة.
ومن الناحية العملية فهناك عناصر أساسية تدخل في تشكيل بنية الخبر وتتكامل داخل هيكلة العام بشكل متجانس يعطين خبرا وهي:
1- ان يكون الخبر حقيقيا اي وقع فعلا.
2- أن يكون مثيرا أو يهم اكبر عدد ممكن من الناس.
3- ان تكون لغته بسيطة وموجزه لكنها متينه البناء
4- الجده أو الحداثة

المبحث الثاني: العوامل المؤثرة في القيم الإخبارية
في دراسة العوامل المؤثرة في القيم الإخبارية نجدها تختلف من عوامل سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية وأيضا أخلاقية ، سوف نتطرق في البداية إلى العوامل السياسية والفكرية أي علاقة البنية الفكرية للسلطة وللمؤسسة الإعلامية وتأثيرها المباشر في القيم الإخبارية ، ثم ننظر في العوامل الأخرى وهي أقل تأثيرا أو ذات تأثير غير مباشر.
أولا : السلطة السياسية :
العلاقة الموجودة بين السلطة السياسية و وسائل الإعلام موجودة في كل دول العالم وتطرح على أنها إشكالية تتمثل في تحكم السلطة السياسية في وسائل الإعلام ، وهذا التحكم يرجع إلى الطبيعة البنيوية للمؤسسة السلطوية المتمثلة في الدولة أو الحكومة والتي تقوم على أساس ممارسة السلطة الحكم ، في حين أن المؤسسة الإعلامية تقوم على الإسهام في تشكيل وعي الأفراد ولها دور فعال في تشكيل الرأي العام ، وبالتالي لابد أن تقوم السلطة السياسية في محاولة لاستمرارها بالهيمنة على وسائل الإعلام والسيطرة على إنتاج الأفكار والمعلومات لتكييفها حسب رأي السلطة ، فتصبح القيم الإخبارية للوسيلة الإعلامية تتماثل وتتماشى تماما مع رأي السلطة السياسية فيما ينشر وما لا ينشر .
الالتفات حول وسائل الإعلام من طرف السلطة يرجع إلى أن الدولة لها أفكارها الخاصة بها ترغب بإيصالها إلى الناس ليلتفوا حولها و لتستمر وتقوى وهذه هي طبيعة السلطة ، يقول الكاتب والمنتج التلفزيوني الأسترالي :” الحكام الجدد هم نفسهم الحكام القدامى ، لكن بوجوه جديدة وتقنيات سيطرة جديدة ، هناك إمبريالية غير مباشرة ، ناعمة أحيانا وخشنة أحيانا ، تستخدم التكنولوجيا والشركات العابرة للقوميات والإعلام والمعلومات والشعارات المعولمة”
وفي الجزائر عل سبيل المثال كان المفروض على الصحافة أن تعمل على منهاج الحزب الواحد وتحقيق المبادئ الاشتراكية حين كانت الجزائر تتبنى النظام الاشتراكي ، ثم ( كانت الإدارة السياسية موجودة بعد 1990 لجعل الصحافة المستقلة الناشئة أحد أشعة الإصلاحات السياسية و الاقتصادية في مواجهة تردد بعض القوى المستقلة )
وتجدر الإشارة إلى أن ( اختلاف الأنظمة الفكرية والاجتماعية و الاقتصادية لها دور كبير في تحديد العلاقة بين السلطة السياسية و وسائل الإعلام ) فيمكن لهذه الأخير أن تكون سلطة رابعة بينما يمكنها أن تكون جهازا من أجهزة الدولة ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية “لا يجوز أن يُصدر الكونغرس أي قانون … يحدّ من حرية الصحافة…” بحسب (التعديل الأول، وثيقة الحقوق، دستور الولايات المتحدة، 1791) مثلاً، وقفت المحكمة العليا الأميركية إلى جانب الصحف ضد الحكومة في مسألة السماح للصحف بنشر ما عُرف فيما بعد “بوثائق البنتاغون”. وقد نشرت الصحف هذه الوثائق السرية لحرب فيتنام، بعد أن حصلت عليها بصورة غير رسمية، رغم الاعتراضات الحكومية ، ( وفي الجزائر السلطة لا تتعامل مع المعطى الإعلامي باعتباره إحدى سلطات المجتمع المدني وإحدى الركائز الأساسية للنظام الديمقراطي وأداة لتحقيق التنمية ، فالشغل الشاغل للسلطة اليوم هو المزيد من التعتيم والقمع لمنع كشف الفساد الذي ينخر المجتمع الجزائري ) بالرغم من أن الجزائر تبنت الرأسمالية والتعددية الحزبية والإعلامية وهي معطيات يجب أن تضع حدا للهيمنة على أفكار وسائل الإعلام .
ويلاحظ أن هناك تباينا في حدة العلاقة بين السلطة السياسية ووسائل الإعلام في الغرب ودول العالم الثالث – أي أنها موجودة دائما في كل الدول – ورغم ذلك التباين هناك تحكم في وسائل الإعلام بميكانيزمات تختلف من دولة إلى أخرى وتتمثل في : الميكانيزم التشريعي ، الميكانيزم المالي ، ميكانيزم الرقابة .
أ‌- عن طريق التشريع : حيث تسن السلطة مجموعة من القوانين يجب على الرسالة الإعلامية التقيد بها ، والسلطة الجزائرية مثلا تعتقد أن ( دفع الصحافة نحو الالتزام أكثر بالمسؤولية يمر عبر تضييق أكثر لهامش الحرية من خلال سن قوانين ردعية ، كما حدث في تعديل قانون العقوبات وإجراءات تعسفية ومساومات سياسية وتجارية ) ، وبالتالي فإن هذه القوانين تحدد القيم الإخبارية للوسيلة الإعلامية كما أن حرية التعبير(تنتهي بمجرد استغلال السلطة لسلطتها و توظيف العدالة لضرب كل من يتجرأ على انتقادها ) .
وإذا نظرنا إلى التشريع الأمريكي فإلى جانب المبادئ المستندة على الدستور، لا يوجد هناك ما يُذكر من القوانين أو الأنظمة التي تتعلّق بممارسة العمل الصحافي. فالحكومة الأميركية لا تمنح تراخيص لممارسة العمل الصحفي، ولا تتحكّم بمستلزماته من ورق الصحف وحبر الطباعة. لكن من جهة أخرى، يخضع الصحافيون إلى نفس القوانين المطبقة عموماً على بقية المواطنين.

ب‌- عن طريق التمويل : أو سلطة المال ، حيث أن تمويل وسائل الإعلام يعود إلى المصلحة الذاتية للممول ( مهما كانت : السلطة السياسية أو الجماعات المالية أو جماعات الضغط )
وسلطة المال لها فاعلية كبيرة حيث أن السيطرة المالية تجعل من وسائل الإعلام في موضع التأييد للممول دائما وتضع قيم الممول في موضع قيمها ، وفي الجزائر دائما ( يكفي توقيع الإشهار الممنوح وتواطؤ المطابع وحدهما لبيان طبيعة الضغوط وتفسير الخط المنتهج ) ، هذا الخط المنتهج من طرف الدولة سوف يؤثر في إيجاد حرية خرافية للتعبير، فاحتكار الدولة للإشهار المؤسساتي والمطابع تعد عراقيل أمام حرية التعبير.
وسوف نزيد من شرحنا لتأثير سلطة المال على القيم الإخبارية من خلال دراستنا لنوع الملكية وتأثيرها على القيم الإخبارية للمؤسسات الإعلامية.

ج- عن طريق الرقابة : وهنا حسب رؤية الأستاذ سمير لعرج فإن الميكانيزمين السابقين أي التشريعي والمالي لا يكفيان لإحكام القبضة على مضمون وسائل الإعلام ، والأنظمة السياسية تستدعي فرض رقابة معينة لا تتعارض مع إيديولوجيتها ، ففي الغرب يؤكد على ما يريده الجمهور بينما في دول العالم الثالث فيركز على ما يحتاج إليه الجمهور ، ولا شك أن ممارسة هذه الرقابة يؤدي إلى انعدام المراقبة الذاتية وطبعا إلى توجيه القيم الإخبارية للمؤسسة الإعلامية بمراقبة ما ينشر وما لا ينشر.
وفي دول العالم الثالث والوطن العربي عموما هناك من الرقابة المفروضة على الأداء الإعلامي ما يحد من حرية الإعلام ويجعل القيم الإخبارية خاضعة للدولة، مع تفاوت تلك الرقابة المفروضة من نظام لآخر:
– رقابة مسبقة على مضمون الرسالة الإعلامية المحلية .
– رقابة قضائية على القرار الإداري بإلغاء الصحيفة أو تعطيلها .
– رقابة على مضمون الرسالة الإعلامية الواردة من الخارج .
– رقابة على بيع وتداول المطبوعات .

ثانيا : تأثير سياسة المؤسسة الإعلامية في القيم الإخبارية:
بعد دراستنا لهيمنة السلطة السياسية على الوسيلة الإعلامية النابع من بنية السلطة وطبيعتها ، سوف نحاول التطرق إلى تأثير الوسيلة الإعلامية في حد ذاتها على القيم الإخبارية ، ذلك لكونها دائما تعبر عن السلطة السياسية والإيديولوجية الفكرية لها أو أنها تحمل أفكارا أخرى تريد أن توصلها إلى الناس حتى وإن كانت تناقض الحكومة ، فالوسيلة الإعلامية عنصر من العناصر المحددة للقيم الإخبارية والعوامل المؤثرة فيها حيث تتجلى السياسة الإعلامية لأي مؤسسة في قيمها الإخبارية . </SPAN



التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية


العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية
تتأثر العلاقات الدولية بعوامل عديدة. من ابرز هذه العوامل: العامل الجغرافي، الموارد الأولية، السكان، العامل العسكري، الخ.
العامل الجغرافي:
يعد العامل الجغرافي من ابرز العوامل التقليدية المؤثرة في العلاقات الدولية. فحجم الإقليم له أثر على قوة الدولة؛ إذ إن الدولة ذات المساحة الكبيرة تكون في وضع أحسن من غيرها؛ لأن كبر حجم الإقليم يوفر لها عمقًا استراتيجيًا ويجعل احتلالها أمرًا صعبًا ومكلفًا.
كما أن كبر حجم الإقليم يفسح المجال لتنوع الموارد الاقتصادية حيث تتميز بعض مناطق الإقليم بتوفر مورد اقتصادي فيها – البترول مثلاً – في حين تتميز مناطق الإقليم الأخرى بتوفر موارد أخرى مثل الزراعة والسياحة.
لذا ليس من الغريب أن نجد أن الدول العظمى في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) تشكل أقاليمهما مساحات كبيرة تحتوي على موارد مختلفة. . . وهذه المساحات الكبيرة أعطت كلاً من روسيا وأمريكا مزايا استراتيجية واقتصادية سمحت لهما بتوفير متطلبات الأمن العسكري والاقتصادي.
فكبر حجم الإقليم وفر لكل من روسيا وأمريكا عمقًا استراتيجيًا وجعل اكتساح أي منهما من قبل الآخر باستخدام القوات التقليدية أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلاً. كما يتمتع كل من روسيا وأمريكا بسبب تنوع مواردهما الاقتصادية بشبه اكتفاء ذاتي في المجال الاقتصادي.
لكن ما يجب اعتباره هو أن حجم الإقليم يجب أن لا يؤخذ بمعزل عن العوامل الأخرى، خصوصًا عدد السكان وقوة الدولة العسكرية. فحتى تستفيد الدولة من مساحتها الشاسعة يجب أن يتوفر فيها ما يكفيها من السكان لتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء القوة العسكرية.
فتوفر المساحة الشاسعة بدون العدد الكافي من السكان يمثل في الواقع عبئًا على الدولة وليس ميزة لها. لذا نجد أن العامل الأساسي وراء استفادة كل من روسيا وأمريكا من مساحتها الشاسعة هو توفر عنصر السكان بما يكفي للمتطلبات الاقتصادية والأمنية.
وبالإضافة إلى عدد السكان وأثره على فعالية الإقليم، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو قوة الدولة العسكرية، فالدول ذات المساحات الكبيرة والضعيفة عسكريًا مثل تشاد تواجه مشكلة في حفظ أمنها القومي؛ لأن كبر حجم الإقليم يفرض عليها نشر قوات كبيرة في مناطق شاسعة وهذا قد يكون فوق مقدرتها العسكرية والمالية.
ورغم أن التقدم في الأسلحة الحربية خصوصًا في سلاح الطيران وفر للدولة العصرية ذات الإقليم الواسع أداة هامة وفعالة لحفظ أمنها القومي، إلا أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن الأسلحة الحديثة باهظة الثمن، كما أن سرعة التقدم في تطورها قلل من فعالية القديم منها، لذا تبقى الدولة دائمًا تحت ضغط مستمر لتحديث أسلحتها لتساير التطور في التسليح ولتعوض عن النقص في السكان، وهذا يشكل عبئًا ماليًا مستمرًا عليها.
ولموقع الدولة الجغرافي أثر على أمنها القومي؛ إذ إن وجود منافذ بحرية عديدة للدولة يعطيها أكثر من خيار للاتصال الخارجي وتأمين الإمدادات اللازمة لها. فالمملكة العربية السعودية مثلاً لها منفذ بحري على البحر الأحمر وآخر على الخليج العربي. لذا في حالة تعرض صادراتها أو وارداتها لأي مخاطر في الخليج يمكنها الاعتماد على منافذها على البحر الأحمر لتوفير مستلزماتها من الخارج.
أما كون الدولة داخلية أي ليس لها منفذ بحري – كما هي الحال بالنسبة لأفغانستان – فهذا الوضع يشكل نقطة ضعف في قوتها القومية؛ إذ أنها ستبقى تحت رحمة الدول المجاورة لها لتأمين اتصالها الخارجي خصوصًا الاتصال البحري.
كما أن وجود دولة صغرى جوار إحدى القوى الإقليمية أو الدولية أو بين تلك القوى يفرض على هذه الدولة الصغرى قيودًا على سياستها الخارجية ويجعلها تواجه خيارات صعبة وأحيانًا محرجة. . . فكون سوريا محيطة بلبنان من جميع الجهات البرية –باستثناء الجهة الجنوبية المجاورة لإسرائيل- يفرض قيداً على سياسة لبنان الخارجية يتمثل بالإبقاء قدر الإمكان على علاقات ودية مع سوريا.
ولتعدد الدول المجاورة للدولة أثر على وضعها الأمني ونفوذها الخارجي. فإذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة فإن هذا سيقوي من نفوذها الدولي إذا كان لهذه الدولة الإمكانيات العسكري التي تمكنها ليس من ردع هذه الدول فقط، بل والتأثير عليها. أما إذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة وهي ضعيفة الإمكانيات العسكرية فإن هذا سيشكل عبئًا على الدولة إذ أنها ستواجه ضغوطاً عسكرية مختلفة من هذه الدول المجاورة للتأثير على سياستها سواء الداخلية أو الخارجية.
أما شكل الإقليم وإن كان تأثيره على أمن الدولة القومي أقل من تأثير الموقع إلا أنه مع ذلك كثيرًا ما يكون عاملاً هامًا في تعزيز أمن الدولة أو إضعافه. فكون إقليم الدولة مكونًا من قطعة واحدة متماسكة مثل المملكة يجعلها في وضع أمن أحسن بكثير من ذات الإقليم المتناثر والمكون من جزر عدة مثل اندونيسيا. فبالإضافة على أن تناثر الإقليم يزيد من المتطلبات العسكرية اللازمة لصد أي عدوان خارجي، فإنه يشكل عبئًا على الاتصال الداخلي وعلى الوحدة الوطنية.
ومثلما يؤثر شكل الإقليم على أمن الدولة القومي ووحدتها القومية فإن طبيعة الإقليم لها كذلك أثر على أمن الدولة وقوتها. فالدول ذات الطبيعة الجبلية كثيرًا ما يصعب احتلالها من الخارج؛ إذ أن الجبال تمثل موانع طبيعية ضد الاحتلال. لكن الدول ذات الطبيعة الجبلية تواجه صعوبات في ربط مناطق الإقليم في الداخل، وهذا ما سيحول دون تعزيز الاتصال بين السكان ومن ثم إضعاف الوحدة الوطنية.
أما الدول ذات الإقليم المنبسط أو المكون من سهول وهضاب فهي عادة تكون مكشوفة للعدوان خصوصًا إذا كانت إمكانياتها العسكرية ضعيفة. لكن انبساط الإقليم يساعد الدولة على بناء شبكة قوية من المواصلات الداخلية، ومن ثم تحقيق الوحدة الوطنية.
أما المناخ فيبرز تأثره على وضع الدولة الاقتصادي وإنتاجها القومي. فالدول ذات المناخ المعتدل والبارد عادة ما تكون ملائمة للإنتاج الزراعي والصناعي أكثر من المناطق الحارة.
لذا نجد أن المناطق المتقدمة والصناعية في العالم تقع في مناطق باردة أو تميل للبرودة. في حين نجد أن المناطق النامية تقع في مناطق حارة أو تميل للحرارة مثل المناطق الاستوائية. وهذا ما جعل الدول النامية تعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية أكثر من اعتمادها على الصناعة.

الموارد الأولية:
تعتبر الموارد الاقتصادية حجر الأساس في بناء قوة الدولة. والموارد الاقتصادية عديدة ومتنوعة وما يهمنا منها في قوة الدولة هي الموارد أو السلع الإستراتيجية ونعني بها الموارد الغذائية ومصادر الطاقة.
فالمواد الغذائية تعتبر موردًا اقتصاديًا هامًا وسلعة إستراتيجية لأنها ضرورية لبقاء الإنسان وضمان أمن الدولة الاقتصادي. والدولة التي تعاني من نقص في المواد الغذائية خصوصًا الحبوب عادة ما يكون أمنها الاقتصادي تحت رحمة الدول الأخرى والتي تمدها بالمواد الغذائية.
لذا نجد كثيرًا من الدول تحرص كل الحرص على إنتاج المواد الغذائية الرئيسية بغض النظر عن تكلفتها الاقتصادية؛ إذ تنظر إلى إنتاج هذه المواد من منظور استراتيجي وليس من منظور اقتصادي مجرد، وتبرز أكثر أهمية توفر المواد الغذائية في الدولة خلال فترة الحروب والاضطرابات في المجتمع الدولي حيث يصبح أمن الدولة الغذائية في خطر خصوصًا إذا كانت تعتمد في إمداداتها الغذائية على د ول أخرى.
وتكمن هذه الخطورة في مصدرين؛ الأول: يتمثل في أن الدول خلال الحروب يضعف إنتاجها الاقتصادي بما في ذلك الإنتاج الزراعي، لذا تسعى الدول إلى تخزين إنتاجها من السلع الاستراتيجية مثل الحبوب وعدم تصديرها لتتفادى أي نقص محتمل. أما المصدر الثاني: فيتمثل بتعرض طرق المواصلات البرية والبحرية خلال الحروب والاضطرابات إلى مخاطر عديدة، ويترتب على ذلك شل حركة النقل البري والبحري، ومن ثم نقص الإمدادات الغذائية. لذا تلجأ الدول المستوردة للقمح وغيره من المواد الغذائية إلى تخزين المواد الغذائية الرئيسية بما يكفي للاستهلاك المحلي لفترة من الزمن لتفادي آثار الاضطرابات الدولية على إمداداتها الغذائية.
أما مصادر الطاقة فهي عديدة وتختلف أهميتها من وقت لآخر. لقد كان الفحم يعتبر أهم مصدر للطاقة إلا أن التطور التكنولوجي قلل من أهميته، وأبرز أهمية البترول. فالبترول بالإضافة إلى أنه يمثل المصدر الأساسي للطاقة في المواصلات والصناعة والاستخدامات المنزلية؛ فإن مشتقاته تدخل في إنتاج العديد من السلع الاستهلاكية. لقد أعطى البترول الدول المصدرة له قوة اقتصادية وسياسية مكنتها من التأثير في السياسات الدولية.
أما الدول التي تفتقر للبترول فقد أصبحت تحت رحمة الدول المصدرة له، فبالإضافة إلى تأثير انعدام البترول في أراضيها على أمنها القومي واستقرارها الاقتصادي؛ فإن استيراده يمثل عبئًا على ميزانية مدفوعاتها خصوصًا في الدول النامية والتي تعاني من قلة العملات الصعبة.

السكان:
يعتبر السكان أهم العناصر المؤثرة في مكونات قوة الدول. ويرجع ذلك إلى العلاقة القوية بين قوة الدولة وحجم سكانها. فالدول العملاقة في المجتمع الدولي . . . [مثل] الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي [سابقاً] تمتلك العدد الكافي من السكان لتحقيق متطلبات أمنها الاقتصادي والعسكري.
كما أن الصين الشعبية أصبحت قوة عظمى في المجتمع الدولي نتيجة لحجم سكانها الذي . . . [يزيد عن] أكثر من ألف مليون نسمة. في حين تعتبر الهند بسبب كثافتها السكانية والتي تجاوزت . . . الثمانمائة مليون نسمة مرشحة لدخول نادي القوى العظمى.
غير أن عدد السكان لا يكفي بحد ذاته لتقدير دور السكان في القوة القومية. بل لا بد من معرفة دقيقة لنوعية السكان وتجانسهم ومستواهم الحضاري. فمن حيث النوعية يجب معرفة الجنس وفئات العمر المنتجة في التكوين السكاني في الدولة.
فمعرفة الجنس مهمة خصوصًا في الدول النامية والتي تحد من مساهمة المرأة الاجتماعية والاقتصادية في التنمية القومية. ففي بعض هذه الدول جزء كبير من العنصر النسائي معطل وغير منتج وهذا ما يجعل تأثيره سلبي في محصلة قوة الدولة.
كذلك يتطلب الأمر معرفة فئات العمر في المجتمع لتحديد الأطفال، والشباب، والشيوخ؛ إذ أن مساهمة كل فئة من هؤلاء في قوة الدولة تختلف عن الفئات الأخرى. فالأطفال والشيوخ عادة ما يكون دورهم محدود جدًا إن لم يكن معدومًا في العملية الإنتاجية. في حين يمثل الشباب العمود الفقري في قوة الدولة سواء في السلم أو الحرب.
وبالإضافة إلى معرفة الجنس والعمر يتطلب الأمر معرفة تجانس السكان. فكلما كانت درجة التجانس عالية بين المواطنين كلما زاد ذلك من قوة الوحدة الوطنية داخل حدود الدولة. وهذا بالطبع له أثر إيجابي على قوة الدولة؛ إذ أنه سيزيد من درجة التعاون بين السكان وقت السلم ومن صلابة الجبهة الداخلية وقت الحرب.
كذلك يتطلب تحديد فاعلية عنصر السكان وتأثير أبعادة، معرفة نوعية السكان من حيث مستواهم التعليمي والتقني ورغبتهم في العمل واحترامهم للنظام وإدراكهم لمسؤولياتهم الوطنية وتضحيتهم من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.
وقد يكون عنصر السكان متوفرًا من حيث الكم و الكيف لكن درجة الاستفادة من هذا العنصر دون المستوى المطلوب. وهذا الوضع يقلل من فعالية العنصر السكاني في مقاومة قوة الدولة. إن وجود السكان كمًّا وكيفًا ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لرفع قوة ومكانة الدولة في المجتمع الدولي. وهذا يعني وجوب الاستفادة الحقيقية من السكان في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقت السلم وفي الدفاع عن الوطن والأمة وقت الحرب.
إن الاهتمام بعنصر السكان واحتلاله مكانة الصدارة بين العناصر الأخرى يرجع إلى أهمية هذا العنصر وقت السلم ووقت الحرب. ففي السلم يعتبر السكان عنصرًا من عناصر الإنتاج والدولة التي تعاني من قلة هذا العنصر تضطر لاستقدام الأيدي العاملة الأجنبية للمساهمة في التنمية الوطنية. ولهذه الخطوة سلبيات عديدة على الثقافة الوطنية والأمن الوطني.
أما في الحرب فتبرز مساهمة العنصر البشري بشكل أكبر، ذلك أن الدولة التي تتمتع بنسبة عالية من السكان تكون مقدرتها أكبر من غيرها في الصمود والقتال. ورغم التطور السريع الذي حصل في تكنولوجيا الأسلحة الحربية ودخول الأسلحة الذرية فلا يزال للحرب التقليدية شأن في العلاقات الدولية، ولا يزال لتفوق الدولة في عنصر السكان أثر في مجرى هذه الحرب وتحديد نتائجها.

العامل العسكري:
حتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية، إلا أن زيادة تأثير العناصر الأخرى أنهى هذا الاحتكار للقوة العسكرية فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي بين عناصر عديدة تشكل في مجموعها القوة القومية.
والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في السياسات الدولية. إن تحليل القوة العسكرية لأي دولة يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار عددًا من العوامل، ومن بين هذه العوامل العدد، العتاد، المبدأ الاستراتيجي، والروح المعنوية.
فمن حيث العدد كلما كبر عدد الجيش كلما زاد تأثير فعاليته العسكرية. ورغم التقدم في الأسلحة الحربية فلا يزال لعدد أفراد القوات المسلحة دورًا هامًا في تشكيل القوة العسكرية للدولة. فالدولة ذات العدد الكبير من أفراد القوات المسلحة تكون أقدر من غيرها في العمليات العسكرية سواء كانت دفاعية أو هجومية؛ إذ أنها ستكون قادرة على تحمل الخسائر البشرية.
ويدخل ضمن عدد القوات المسلحة كل أفراد الأجهزة العسكرية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي. لذا يدخل ضمن عدد القوات المسلحة الميليشيات العسكرية، الحرس الوطني، وغيرها من التنظيمات العسكرية المشابهة .
أما العتاد العسكري فقد تنوع وتطور بسرعة مذهلة. وهذا التطور والتنوع السريع مضافًا إلى السرية التي تحاط بامتلاكه والتعقيد في استخدامه يجعل من الصعب تحديد معيار محدد لنوعية العتاد العسكري الأكثر فعالية. إن المهم في تقييم قوة الدولة العسكرية رصد مؤشرات قوية تدل على أن الدولة تمتلك أسلحة عسكرية حديثة كافية للردع أو الهجوم.
وامتلاك السلاح وحده لا يكفي، بل المهم أيضًا القدرة على صيانته بعد امتلاكه خصوصًا وأن الأسلحة الحديثة في غاية التعقيد من الناحية التكنولوجية وتتطلب صيانتها كفاءة فنية عالية. هذا المطلب يجعل الدول النامية دائمًا في وضع صعب؛ إذ أنها قد تكون قادرة على شراء السلاح لكنها تواجه صعوبات في صيانته والمحافظة عليه بشكل جيد.
وبالإضافة إلى القدرة على الصيانة يجب اعتبار قدرة الجيش الوطني على استخدام السلاح بكفاءة. لذا أصبحت أهمية التدريب على السلاح لا تقل عن أهمية امتلاكه؛ إذ أن جعل السلاح العسكري في أيادي أجنبية يشكل نقطة ضعف كبيرة في بناء الدولة العسكري.
إن العدة والعتاد لا تكفي بحد ذاتها لضمان نصر عسكري للدولة في حروبها الدفاعية أو الهجومية. بل يتطلب الأمر اعتبار المبدأ الاستراتيجي للدولة. والمقصود بالمبدأ الاستراتيجي: الخطة العامة للقتال وأسلوب تنفيذها. فأحيانًا يتوفر لدى الدولة العدد الكافي من المقاتلين وتمتلك أسلحة كافية وحديثة إلا أن عدم سلامة مبدأها الاستراتيجي يترتب عليه هزيمة ساحقة لها، كما حصل للقوات العربية خلال الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967م، لذا أصبح تطوير مبدأ استراتيجي سليم للقوات العسكرية للدولة من الأهمية بمكان وأصبح الاهتمام ببناء فكر عسكري مطلبًا أساسًا لتحقيق الجدوى المتوقعة من تجنيد الشعب وامتلاك السلاح.
أخيرًا قد يتوفر عدد كبير من أفراد الجيش، وسلاح من نوعية جيدة، ومبدأ استراتيجي سليم. ومع ذلك فإن البناء العسكري للدولة خصوصًا في وقت الحرب يتسم بالضعف العام. في هذه الحالة يعزى الضعف إلى ضعف الروح المعنوية للمقاتلين. و . . . [يقصد] بالروح المعنوية استعداد المقاتلين للتضحية والعمل بروح عسكرية عالية.
لذا أصبح رفع الروح المعنوية للمقاتلين خصوصًا وقت الحروب من الأهمية بمكان لرفع كفاءة الجيش وأدائه ورفع الروح المعنوية يتم من خلال إيجاد الاستعداد التام لدى الجندي المقاتل للانضباط وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في ميدان القتال، وقناعته التامة بالهدف الذي يقاتل من أجله، وحماسه المطلق للتضحية من أجل تحقيق الهدف المنشود.
إن انخفاض الروح المعنوية قد يكون السبب الرئيسي وراء انهزام جيوش ذات أسلحة متقدمة ومبدأ استراتيجي سليم. ومثال ذلك انهزام القوات الأمريكية في الحرب الفيتنامية.


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية


العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية
تتأثر العلاقات الدولية بعوامل عديدة. من ابرز هذه العوامل: العامل الجغرافي، الموارد الأولية، السكان، العامل العسكري، الخ.
العامل الجغرافي:
يعد العامل الجغرافي من ابرز العوامل التقليدية المؤثرة في العلاقات الدولية. فحجم الإقليم له أثر على قوة الدولة؛ إذ إن الدولة ذات المساحة الكبيرة تكون في وضع أحسن من غيرها؛ لأن كبر حجم الإقليم يوفر لها عمقًا استراتيجيًا ويجعل احتلالها أمرًا صعبًا ومكلفًا.
كما أن كبر حجم الإقليم يفسح المجال لتنوع الموارد الاقتصادية حيث تتميز بعض مناطق الإقليم بتوفر مورد اقتصادي فيها – البترول مثلاً – في حين تتميز مناطق الإقليم الأخرى بتوفر موارد أخرى مثل الزراعة والسياحة.
لذا ليس من الغريب أن نجد أن الدول العظمى في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) تشكل أقاليمهما مساحات كبيرة تحتوي على موارد مختلفة. . . وهذه المساحات الكبيرة أعطت كلاً من روسيا وأمريكا مزايا استراتيجية واقتصادية سمحت لهما بتوفير متطلبات الأمن العسكري والاقتصادي.
فكبر حجم الإقليم وفر لكل من روسيا وأمريكا عمقًا استراتيجيًا وجعل اكتساح أي منهما من قبل الآخر باستخدام القوات التقليدية أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلاً. كما يتمتع كل من روسيا وأمريكا بسبب تنوع مواردهما الاقتصادية بشبه اكتفاء ذاتي في المجال الاقتصادي.
لكن ما يجب اعتباره هو أن حجم الإقليم يجب أن لا يؤخذ بمعزل عن العوامل الأخرى، خصوصًا عدد السكان وقوة الدولة العسكرية. فحتى تستفيد الدولة من مساحتها الشاسعة يجب أن يتوفر فيها ما يكفيها من السكان لتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء القوة العسكرية.
فتوفر المساحة الشاسعة بدون العدد الكافي من السكان يمثل في الواقع عبئًا على الدولة وليس ميزة لها. لذا نجد أن العامل الأساسي وراء استفادة كل من روسيا وأمريكا من مساحتها الشاسعة هو توفر عنصر السكان بما يكفي للمتطلبات الاقتصادية والأمنية.
وبالإضافة إلى عدد السكان وأثره على فعالية الإقليم، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو قوة الدولة العسكرية، فالدول ذات المساحات الكبيرة والضعيفة عسكريًا مثل تشاد تواجه مشكلة في حفظ أمنها القومي؛ لأن كبر حجم الإقليم يفرض عليها نشر قوات كبيرة في مناطق شاسعة وهذا قد يكون فوق مقدرتها العسكرية والمالية.
ورغم أن التقدم في الأسلحة الحربية خصوصًا في سلاح الطيران وفر للدولة العصرية ذات الإقليم الواسع أداة هامة وفعالة لحفظ أمنها القومي، إلا أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن الأسلحة الحديثة باهظة الثمن، كما أن سرعة التقدم في تطورها قلل من فعالية القديم منها، لذا تبقى الدولة دائمًا تحت ضغط مستمر لتحديث أسلحتها لتساير التطور في التسليح ولتعوض عن النقص في السكان، وهذا يشكل عبئًا ماليًا مستمرًا عليها.
ولموقع الدولة الجغرافي أثر على أمنها القومي؛ إذ إن وجود منافذ بحرية عديدة للدولة يعطيها أكثر من خيار للاتصال الخارجي وتأمين الإمدادات اللازمة لها. فالمملكة العربية السعودية مثلاً لها منفذ بحري على البحر الأحمر وآخر على الخليج العربي. لذا في حالة تعرض صادراتها أو وارداتها لأي مخاطر في الخليج يمكنها الاعتماد على منافذها على البحر الأحمر لتوفير مستلزماتها من الخارج.
أما كون الدولة داخلية أي ليس لها منفذ بحري – كما هي الحال بالنسبة لأفغانستان – فهذا الوضع يشكل نقطة ضعف في قوتها القومية؛ إذ أنها ستبقى تحت رحمة الدول المجاورة لها لتأمين اتصالها الخارجي خصوصًا الاتصال البحري.
كما أن وجود دولة صغرى جوار إحدى القوى الإقليمية أو الدولية أو بين تلك القوى يفرض على هذه الدولة الصغرى قيودًا على سياستها الخارجية ويجعلها تواجه خيارات صعبة وأحيانًا محرجة. . . فكون سوريا محيطة بلبنان من جميع الجهات البرية –باستثناء الجهة الجنوبية المجاورة لإسرائيل- يفرض قيداً على سياسة لبنان الخارجية يتمثل بالإبقاء قدر الإمكان على علاقات ودية مع سوريا.
ولتعدد الدول المجاورة للدولة أثر على وضعها الأمني ونفوذها الخارجي. فإذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة فإن هذا سيقوي من نفوذها الدولي إذا كان لهذه الدولة الإمكانيات العسكري التي تمكنها ليس من ردع هذه الدول فقط، بل والتأثير عليها. أما إذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة وهي ضعيفة الإمكانيات العسكرية فإن هذا سيشكل عبئًا على الدولة إذ أنها ستواجه ضغوطاً عسكرية مختلفة من هذه الدول المجاورة للتأثير على سياستها سواء الداخلية أو الخارجية.
أما شكل الإقليم وإن كان تأثيره على أمن الدولة القومي أقل من تأثير الموقع إلا أنه مع ذلك كثيرًا ما يكون عاملاً هامًا في تعزيز أمن الدولة أو إضعافه. فكون إقليم الدولة مكونًا من قطعة واحدة متماسكة مثل المملكة يجعلها في وضع أمن أحسن بكثير من ذات الإقليم المتناثر والمكون من جزر عدة مثل اندونيسيا. فبالإضافة على أن تناثر الإقليم يزيد من المتطلبات العسكرية اللازمة لصد أي عدوان خارجي، فإنه يشكل عبئًا على الاتصال الداخلي وعلى الوحدة الوطنية.
ومثلما يؤثر شكل الإقليم على أمن الدولة القومي ووحدتها القومية فإن طبيعة الإقليم لها كذلك أثر على أمن الدولة وقوتها. فالدول ذات الطبيعة الجبلية كثيرًا ما يصعب احتلالها من الخارج؛ إذ أن الجبال تمثل موانع طبيعية ضد الاحتلال. لكن الدول ذات الطبيعة الجبلية تواجه صعوبات في ربط مناطق الإقليم في الداخل، وهذا ما سيحول دون تعزيز الاتصال بين السكان ومن ثم إضعاف الوحدة الوطنية.
أما الدول ذات الإقليم المنبسط أو المكون من سهول وهضاب فهي عادة تكون مكشوفة للعدوان خصوصًا إذا كانت إمكانياتها العسكرية ضعيفة. لكن انبساط الإقليم يساعد الدولة على بناء شبكة قوية من المواصلات الداخلية، ومن ثم تحقيق الوحدة الوطنية.
أما المناخ فيبرز تأثره على وضع الدولة الاقتصادي وإنتاجها القومي. فالدول ذات المناخ المعتدل والبارد عادة ما تكون ملائمة للإنتاج الزراعي والصناعي أكثر من المناطق الحارة.
لذا نجد أن المناطق المتقدمة والصناعية في العالم تقع في مناطق باردة أو تميل للبرودة. في حين نجد أن المناطق النامية تقع في مناطق حارة أو تميل للحرارة مثل المناطق الاستوائية. وهذا ما جعل الدول النامية تعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية أكثر من اعتمادها على الصناعة.

الموارد الأولية:
تعتبر الموارد الاقتصادية حجر الأساس في بناء قوة الدولة. والموارد الاقتصادية عديدة ومتنوعة وما يهمنا منها في قوة الدولة هي الموارد أو السلع الإستراتيجية ونعني بها الموارد الغذائية ومصادر الطاقة.
فالمواد الغذائية تعتبر موردًا اقتصاديًا هامًا وسلعة إستراتيجية لأنها ضرورية لبقاء الإنسان وضمان أمن الدولة الاقتصادي. والدولة التي تعاني من نقص في المواد الغذائية خصوصًا الحبوب عادة ما يكون أمنها الاقتصادي تحت رحمة الدول الأخرى والتي تمدها بالمواد الغذائية.
لذا نجد كثيرًا من الدول تحرص كل الحرص على إنتاج المواد الغذائية الرئيسية بغض النظر عن تكلفتها الاقتصادية؛ إذ تنظر إلى إنتاج هذه المواد من منظور استراتيجي وليس من منظور اقتصادي مجرد، وتبرز أكثر أهمية توفر المواد الغذائية في الدولة خلال فترة الحروب والاضطرابات في المجتمع الدولي حيث يصبح أمن الدولة الغذائية في خطر خصوصًا إذا كانت تعتمد في إمداداتها الغذائية على د ول أخرى.
وتكمن هذه الخطورة في مصدرين؛ الأول: يتمثل في أن الدول خلال الحروب يضعف إنتاجها الاقتصادي بما في ذلك الإنتاج الزراعي، لذا تسعى الدول إلى تخزين إنتاجها من السلع الاستراتيجية مثل الحبوب وعدم تصديرها لتتفادى أي نقص محتمل. أما المصدر الثاني: فيتمثل بتعرض طرق المواصلات البرية والبحرية خلال الحروب والاضطرابات إلى مخاطر عديدة، ويترتب على ذلك شل حركة النقل البري والبحري، ومن ثم نقص الإمدادات الغذائية. لذا تلجأ الدول المستوردة للقمح وغيره من المواد الغذائية إلى تخزين المواد الغذائية الرئيسية بما يكفي للاستهلاك المحلي لفترة من الزمن لتفادي آثار الاضطرابات الدولية على إمداداتها الغذائية.
أما مصادر الطاقة فهي عديدة وتختلف أهميتها من وقت لآخر. لقد كان الفحم يعتبر أهم مصدر للطاقة إلا أن التطور التكنولوجي قلل من أهميته، وأبرز أهمية البترول. فالبترول بالإضافة إلى أنه يمثل المصدر الأساسي للطاقة في المواصلات والصناعة والاستخدامات المنزلية؛ فإن مشتقاته تدخل في إنتاج العديد من السلع الاستهلاكية. لقد أعطى البترول الدول المصدرة له قوة اقتصادية وسياسية مكنتها من التأثير في السياسات الدولية.
أما الدول التي تفتقر للبترول فقد أصبحت تحت رحمة الدول المصدرة له، فبالإضافة إلى تأثير انعدام البترول في أراضيها على أمنها القومي واستقرارها الاقتصادي؛ فإن استيراده يمثل عبئًا على ميزانية مدفوعاتها خصوصًا في الدول النامية والتي تعاني من قلة العملات الصعبة.

السكان:
يعتبر السكان أهم العناصر المؤثرة في مكونات قوة الدول. ويرجع ذلك إلى العلاقة القوية بين قوة الدولة وحجم سكانها. فالدول العملاقة في المجتمع الدولي . . . [مثل] الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي [سابقاً] تمتلك العدد الكافي من السكان لتحقيق متطلبات أمنها الاقتصادي والعسكري.
كما أن الصين الشعبية أصبحت قوة عظمى في المجتمع الدولي نتيجة لحجم سكانها الذي . . . [يزيد عن] أكثر من ألف مليون نسمة. في حين تعتبر الهند بسبب كثافتها السكانية والتي تجاوزت . . . الثمانمائة مليون نسمة مرشحة لدخول نادي القوى العظمى.
غير أن عدد السكان لا يكفي بحد ذاته لتقدير دور السكان في القوة القومية. بل لا بد من معرفة دقيقة لنوعية السكان وتجانسهم ومستواهم الحضاري. فمن حيث النوعية يجب معرفة الجنس وفئات العمر المنتجة في التكوين السكاني في الدولة.
فمعرفة الجنس مهمة خصوصًا في الدول النامية والتي تحد من مساهمة المرأة الاجتماعية والاقتصادية في التنمية القومية. ففي بعض هذه الدول جزء كبير من العنصر النسائي معطل وغير منتج وهذا ما يجعل تأثيره سلبي في محصلة قوة الدولة.
كذلك يتطلب الأمر معرفة فئات العمر في المجتمع لتحديد الأطفال، والشباب، والشيوخ؛ إذ أن مساهمة كل فئة من هؤلاء في قوة الدولة تختلف عن الفئات الأخرى. فالأطفال والشيوخ عادة ما يكون دورهم محدود جدًا إن لم يكن معدومًا في العملية الإنتاجية. في حين يمثل الشباب العمود الفقري في قوة الدولة سواء في السلم أو الحرب.
وبالإضافة إلى معرفة الجنس والعمر يتطلب الأمر معرفة تجانس السكان. فكلما كانت درجة التجانس عالية بين المواطنين كلما زاد ذلك من قوة الوحدة الوطنية داخل حدود الدولة. وهذا بالطبع له أثر إيجابي على قوة الدولة؛ إذ أنه سيزيد من درجة التعاون بين السكان وقت السلم ومن صلابة الجبهة الداخلية وقت الحرب.
كذلك يتطلب تحديد فاعلية عنصر السكان وتأثير أبعادة، معرفة نوعية السكان من حيث مستواهم التعليمي والتقني ورغبتهم في العمل واحترامهم للنظام وإدراكهم لمسؤولياتهم الوطنية وتضحيتهم من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.
وقد يكون عنصر السكان متوفرًا من حيث الكم و الكيف لكن درجة الاستفادة من هذا العنصر دون المستوى المطلوب. وهذا الوضع يقلل من فعالية العنصر السكاني في مقاومة قوة الدولة. إن وجود السكان كمًّا وكيفًا ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لرفع قوة ومكانة الدولة في المجتمع الدولي. وهذا يعني وجوب الاستفادة الحقيقية من السكان في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقت السلم وفي الدفاع عن الوطن والأمة وقت الحرب.
إن الاهتمام بعنصر السكان واحتلاله مكانة الصدارة بين العناصر الأخرى يرجع إلى أهمية هذا العنصر وقت السلم ووقت الحرب. ففي السلم يعتبر السكان عنصرًا من عناصر الإنتاج والدولة التي تعاني من قلة هذا العنصر تضطر لاستقدام الأيدي العاملة الأجنبية للمساهمة في التنمية الوطنية. ولهذه الخطوة سلبيات عديدة على الثقافة الوطنية والأمن الوطني.
أما في الحرب فتبرز مساهمة العنصر البشري بشكل أكبر، ذلك أن الدولة التي تتمتع بنسبة عالية من السكان تكون مقدرتها أكبر من غيرها في الصمود والقتال. ورغم التطور السريع الذي حصل في تكنولوجيا الأسلحة الحربية ودخول الأسلحة الذرية فلا يزال للحرب التقليدية شأن في العلاقات الدولية، ولا يزال لتفوق الدولة في عنصر السكان أثر في مجرى هذه الحرب وتحديد نتائجها.

العامل العسكري:
حتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية، إلا أن زيادة تأثير العناصر الأخرى أنهى هذا الاحتكار للقوة العسكرية فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي بين عناصر عديدة تشكل في مجموعها القوة القومية.
والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في السياسات الدولية. إن تحليل القوة العسكرية لأي دولة يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار عددًا من العوامل، ومن بين هذه العوامل العدد، العتاد، المبدأ الاستراتيجي، والروح المعنوية.
فمن حيث العدد كلما كبر عدد الجيش كلما زاد تأثير فعاليته العسكرية. ورغم التقدم في الأسلحة الحربية فلا يزال لعدد أفراد القوات المسلحة دورًا هامًا في تشكيل القوة العسكرية للدولة. فالدولة ذات العدد الكبير من أفراد القوات المسلحة تكون أقدر من غيرها في العمليات العسكرية سواء كانت دفاعية أو هجومية؛ إذ أنها ستكون قادرة على تحمل الخسائر البشرية.
ويدخل ضمن عدد القوات المسلحة كل أفراد الأجهزة العسكرية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي. لذا يدخل ضمن عدد القوات المسلحة الميليشيات العسكرية، الحرس الوطني، وغيرها من التنظيمات العسكرية المشابهة .
أما العتاد العسكري فقد تنوع وتطور بسرعة مذهلة. وهذا التطور والتنوع السريع مضافًا إلى السرية التي تحاط بامتلاكه والتعقيد في استخدامه يجعل من الصعب تحديد معيار محدد لنوعية العتاد العسكري الأكثر فعالية. إن المهم في تقييم قوة الدولة العسكرية رصد مؤشرات قوية تدل على أن الدولة تمتلك أسلحة عسكرية حديثة كافية للردع أو الهجوم.
وامتلاك السلاح وحده لا يكفي، بل المهم أيضًا القدرة على صيانته بعد امتلاكه خصوصًا وأن الأسلحة الحديثة في غاية التعقيد من الناحية التكنولوجية وتتطلب صيانتها كفاءة فنية عالية. هذا المطلب يجعل الدول النامية دائمًا في وضع صعب؛ إذ أنها قد تكون قادرة على شراء السلاح لكنها تواجه صعوبات في صيانته والمحافظة عليه بشكل جيد.
وبالإضافة إلى القدرة على الصيانة يجب اعتبار قدرة الجيش الوطني على استخدام السلاح بكفاءة. لذا أصبحت أهمية التدريب على السلاح لا تقل عن أهمية امتلاكه؛ إذ أن جعل السلاح العسكري في أيادي أجنبية يشكل نقطة ضعف كبيرة في بناء الدولة العسكري.
إن العدة والعتاد لا تكفي بحد ذاتها لضمان نصر عسكري للدولة في حروبها الدفاعية أو الهجومية. بل يتطلب الأمر اعتبار المبدأ الاستراتيجي للدولة. والمقصود بالمبدأ الاستراتيجي: الخطة العامة للقتال وأسلوب تنفيذها. فأحيانًا يتوفر لدى الدولة العدد الكافي من المقاتلين وتمتلك أسلحة كافية وحديثة إلا أن عدم سلامة مبدأها الاستراتيجي يترتب عليه هزيمة ساحقة لها، كما حصل للقوات العربية خلال الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967م، لذا أصبح تطوير مبدأ استراتيجي سليم للقوات العسكرية للدولة من الأهمية بمكان وأصبح الاهتمام ببناء فكر عسكري مطلبًا أساسًا لتحقيق الجدوى المتوقعة من تجنيد الشعب وامتلاك السلاح.
أخيرًا قد يتوفر عدد كبير من أفراد الجيش، وسلاح من نوعية جيدة، ومبدأ استراتيجي سليم. ومع ذلك فإن البناء العسكري للدولة خصوصًا في وقت الحرب يتسم بالضعف العام. في هذه الحالة يعزى الضعف إلى ضعف الروح المعنوية للمقاتلين. و . . . [يقصد] بالروح المعنوية استعداد المقاتلين للتضحية والعمل بروح عسكرية عالية.
لذا أصبح رفع الروح المعنوية للمقاتلين خصوصًا وقت الحروب من الأهمية بمكان لرفع كفاءة الجيش وأدائه ورفع الروح المعنوية يتم من خلال إيجاد الاستعداد التام لدى الجندي المقاتل للانضباط وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في ميدان القتال، وقناعته التامة بالهدف الذي يقاتل من أجله، وحماسه المطلق للتضحية من أجل تحقيق الهدف المنشود.
إن انخفاض الروح المعنوية قد يكون السبب الرئيسي وراء انهزام جيوش ذات أسلحة متقدمة ومبدأ استراتيجي سليم. ومثال ذلك انهزام القوات الأمريكية في الحرب الفيتنامية.

تتأثر العلاقات الدولية بعوامل عديدة. من ابرز هذه العوامل: العامل الجغرافي، الموارد الأولية، السكان، العامل العسكري، الخ.
العامل الجغرافي:
يعد العامل الجغرافي من ابرز العوامل التقليدية المؤثرة في العلاقات الدولية. فحجم الإقليم له أثر على قوة الدولة؛ إذ إن الدولة ذات المساحة الكبيرة تكون في وضع أحسن من غيرها؛ لأن كبر حجم الإقليم يوفر لها عمقًا استراتيجيًا ويجعل احتلالها أمرًا صعبًا ومكلفًا.
كما أن كبر حجم الإقليم يفسح المجال لتنوع الموارد الاقتصادية حيث تتميز بعض مناطق الإقليم بتوفر مورد اقتصادي فيها – البترول مثلاً – في حين تتميز مناطق الإقليم الأخرى بتوفر موارد أخرى مثل الزراعة والسياحة.
لذا ليس من الغريب أن نجد أن الدول العظمى في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) تشكل أقاليمهما مساحات كبيرة تحتوي على موارد مختلفة. . . وهذه المساحات الكبيرة أعطت كلاً من روسيا وأمريكا مزايا استراتيجية واقتصادية سمحت لهما بتوفير متطلبات الأمن العسكري والاقتصادي.
فكبر حجم الإقليم وفر لكل من روسيا وأمريكا عمقًا استراتيجيًا وجعل اكتساح أي منهما من قبل الآخر باستخدام القوات التقليدية أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلاً. كما يتمتع كل من روسيا وأمريكا بسبب تنوع مواردهما الاقتصادية بشبه اكتفاء ذاتي في المجال الاقتصادي.
لكن ما يجب اعتباره هو أن حجم الإقليم يجب أن لا يؤخذ بمعزل عن العوامل الأخرى، خصوصًا عدد السكان وقوة الدولة العسكرية. فحتى تستفيد الدولة من مساحتها الشاسعة يجب أن يتوفر فيها ما يكفيها من السكان لتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء القوة العسكرية.
فتوفر المساحة الشاسعة بدون العدد الكافي من السكان يمثل في الواقع عبئًا على الدولة وليس ميزة لها. لذا نجد أن العامل الأساسي وراء استفادة كل من روسيا وأمريكا من مساحتها الشاسعة هو توفر عنصر السكان بما يكفي للمتطلبات الاقتصادية والأمنية.
وبالإضافة إلى عدد السكان وأثره على فعالية الإقليم، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو قوة الدولة العسكرية، فالدول ذات المساحات الكبيرة والضعيفة عسكريًا مثل تشاد تواجه مشكلة في حفظ أمنها القومي؛ لأن كبر حجم الإقليم يفرض عليها نشر قوات كبيرة في مناطق شاسعة وهذا قد يكون فوق مقدرتها العسكرية والمالية.
ورغم أن التقدم في الأسلحة الحربية خصوصًا في سلاح الطيران وفر للدولة العصرية ذات الإقليم الواسع أداة هامة وفعالة لحفظ أمنها القومي، إلا أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن الأسلحة الحديثة باهظة الثمن، كما أن سرعة التقدم في تطورها قلل من فعالية القديم منها، لذا تبقى الدولة دائمًا تحت ضغط مستمر لتحديث أسلحتها لتساير التطور في التسليح ولتعوض عن النقص في السكان، وهذا يشكل عبئًا ماليًا مستمرًا عليها.
ولموقع الدولة الجغرافي أثر على أمنها القومي؛ إذ إن وجود منافذ بحرية عديدة للدولة يعطيها أكثر من خيار للاتصال الخارجي وتأمين الإمدادات اللازمة لها. فالمملكة العربية السعودية مثلاً لها منفذ بحري على البحر الأحمر وآخر على الخليج العربي. لذا في حالة تعرض صادراتها أو وارداتها لأي مخاطر في الخليج يمكنها الاعتماد على منافذها على البحر الأحمر لتوفير مستلزماتها من الخارج.
أما كون الدولة داخلية أي ليس لها منفذ بحري – كما هي الحال بالنسبة لأفغانستان – فهذا الوضع يشكل نقطة ضعف في قوتها القومية؛ إذ أنها ستبقى تحت رحمة الدول المجاورة لها لتأمين اتصالها الخارجي خصوصًا الاتصال البحري.
كما أن وجود دولة صغرى جوار إحدى القوى الإقليمية أو الدولية أو بين تلك القوى يفرض على هذه الدولة الصغرى قيودًا على سياستها الخارجية ويجعلها تواجه خيارات صعبة وأحيانًا محرجة. . . فكون سوريا محيطة بلبنان من جميع الجهات البرية –باستثناء الجهة الجنوبية المجاورة لإسرائيل- يفرض قيداً على سياسة لبنان الخارجية يتمثل بالإبقاء قدر الإمكان على علاقات ودية مع سوريا.
ولتعدد الدول المجاورة للدولة أثر على وضعها الأمني ونفوذها الخارجي. فإذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة فإن هذا سيقوي من نفوذها الدولي إذا كان لهذه الدولة الإمكانيات العسكري التي تمكنها ليس من ردع هذه الدول فقط، بل والتأثير عليها. أما إذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة وهي ضعيفة الإمكانيات العسكرية فإن هذا سيشكل عبئًا على الدولة إذ أنها ستواجه ضغوطاً عسكرية مختلفة من هذه الدول المجاورة للتأثير على سياستها سواء الداخلية أو الخارجية.
أما شكل الإقليم وإن كان تأثيره على أمن الدولة القومي أقل من تأثير الموقع إلا أنه مع ذلك كثيرًا ما يكون عاملاً هامًا في تعزيز أمن الدولة أو إضعافه. فكون إقليم الدولة مكونًا من قطعة واحدة متماسكة مثل المملكة يجعلها في وضع أمن أحسن بكثير من ذات الإقليم المتناثر والمكون من جزر عدة مثل اندونيسيا. فبالإضافة على أن تناثر الإقليم يزيد من المتطلبات العسكرية اللازمة لصد أي عدوان خارجي، فإنه يشكل عبئًا على الاتصال الداخلي وعلى الوحدة الوطنية.
ومثلما يؤثر شكل الإقليم على أمن الدولة القومي ووحدتها القومية فإن طبيعة الإقليم لها كذلك أثر على أمن الدولة وقوتها. فالدول ذات الطبيعة الجبلية كثيرًا ما يصعب احتلالها من الخارج؛ إذ أن الجبال تمثل موانع طبيعية ضد الاحتلال. لكن الدول ذات الطبيعة الجبلية تواجه صعوبات في ربط مناطق الإقليم في الداخل، وهذا ما سيحول دون تعزيز الاتصال بين السكان ومن ثم إضعاف الوحدة الوطنية.
أما الدول ذات الإقليم المنبسط أو المكون من سهول وهضاب فهي عادة تكون مكشوفة للعدوان خصوصًا إذا كانت إمكانياتها العسكرية ضعيفة. لكن انبساط الإقليم يساعد الدولة على بناء شبكة قوية من المواصلات الداخلية، ومن ثم تحقيق الوحدة الوطنية.
أما المناخ فيبرز تأثره على وضع الدولة الاقتصادي وإنتاجها القومي. فالدول ذات المناخ المعتدل والبارد عادة ما تكون ملائمة للإنتاج الزراعي والصناعي أكثر من المناطق الحارة.
لذا نجد أن المناطق المتقدمة والصناعية في العالم تقع في مناطق باردة أو تميل للبرودة. في حين نجد أن المناطق النامية تقع في مناطق حارة أو تميل للحرارة مثل المناطق الاستوائية. وهذا ما جعل الدول النامية تعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية أكثر من اعتمادها على الصناعة.

الموارد الأولية:
تعتبر الموارد الاقتصادية حجر الأساس في بناء قوة الدولة. والموارد الاقتصادية عديدة ومتنوعة وما يهمنا منها في قوة الدولة هي الموارد أو السلع الإستراتيجية ونعني بها الموارد الغذائية ومصادر الطاقة.
فالمواد الغذائية تعتبر موردًا اقتصاديًا هامًا وسلعة إستراتيجية لأنها ضرورية لبقاء الإنسان وضمان أمن الدولة الاقتصادي. والدولة التي تعاني من نقص في المواد الغذائية خصوصًا الحبوب عادة ما يكون أمنها الاقتصادي تحت رحمة الدول الأخرى والتي تمدها بالمواد الغذائية.
لذا نجد كثيرًا من الدول تحرص كل الحرص على إنتاج المواد الغذائية الرئيسية بغض النظر عن تكلفتها الاقتصادية؛ إذ تنظر إلى إنتاج هذه المواد من منظور استراتيجي وليس من منظور اقتصادي مجرد، وتبرز أكثر أهمية توفر المواد الغذائية في الدولة خلال فترة الحروب والاضطرابات في المجتمع الدولي حيث يصبح أمن الدولة الغذائية في خطر خصوصًا إذا كانت تعتمد في إمداداتها الغذائية على د ول أخرى.
وتكمن هذه الخطورة في مصدرين؛ الأول: يتمثل في أن الدول خلال الحروب يضعف إنتاجها الاقتصادي بما في ذلك الإنتاج الزراعي، لذا تسعى الدول إلى تخزين إنتاجها من السلع الاستراتيجية مثل الحبوب وعدم تصديرها لتتفادى أي نقص محتمل. أما المصدر الثاني: فيتمثل بتعرض طرق المواصلات البرية والبحرية خلال الحروب والاضطرابات إلى مخاطر عديدة، ويترتب على ذلك شل حركة النقل البري والبحري، ومن ثم نقص الإمدادات الغذائية. لذا تلجأ الدول المستوردة للقمح وغيره من المواد الغذائية إلى تخزين المواد الغذائية الرئيسية بما يكفي للاستهلاك المحلي لفترة من الزمن لتفادي آثار الاضطرابات الدولية على إمداداتها الغذائية.
أما مصادر الطاقة فهي عديدة وتختلف أهميتها من وقت لآخر. لقد كان الفحم يعتبر أهم مصدر للطاقة إلا أن التطور التكنولوجي قلل من أهميته، وأبرز أهمية البترول. فالبترول بالإضافة إلى أنه يمثل المصدر الأساسي للطاقة في المواصلات والصناعة والاستخدامات المنزلية؛ فإن مشتقاته تدخل في إنتاج العديد من السلع الاستهلاكية. لقد أعطى البترول الدول المصدرة له قوة اقتصادية وسياسية مكنتها من التأثير في السياسات الدولية.
أما الدول التي تفتقر للبترول فقد أصبحت تحت رحمة الدول المصدرة له، فبالإضافة إلى تأثير انعدام البترول في أراضيها على أمنها القومي واستقرارها الاقتصادي؛ فإن استيراده يمثل عبئًا على ميزانية مدفوعاتها خصوصًا في الدول النامية والتي تعاني من قلة العملات الصعبة.

السكان:
يعتبر السكان أهم العناصر المؤثرة في مكونات قوة الدول. ويرجع ذلك إلى العلاقة القوية بين قوة الدولة وحجم سكانها. فالدول العملاقة في المجتمع الدولي . . . [مثل] الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي [سابقاً] تمتلك العدد الكافي من السكان لتحقيق متطلبات أمنها الاقتصادي والعسكري.
كما أن الصين الشعبية أصبحت قوة عظمى في المجتمع الدولي نتيجة لحجم سكانها الذي . . . [يزيد عن] أكثر من ألف مليون نسمة. في حين تعتبر الهند بسبب كثافتها السكانية والتي تجاوزت . . . الثمانمائة مليون نسمة مرشحة لدخول نادي القوى العظمى.
غير أن عدد السكان لا يكفي بحد ذاته لتقدير دور السكان في القوة القومية. بل لا بد من معرفة دقيقة لنوعية السكان وتجانسهم ومستواهم الحضاري. فمن حيث النوعية يجب معرفة الجنس وفئات العمر المنتجة في التكوين السكاني في الدولة.
فمعرفة الجنس مهمة خصوصًا في الدول النامية والتي تحد من مساهمة المرأة الاجتماعية والاقتصادية في التنمية القومية. ففي بعض هذه الدول جزء كبير من العنصر النسائي معطل وغير منتج وهذا ما يجعل تأثيره سلبي في محصلة قوة الدولة.
كذلك يتطلب الأمر معرفة فئات العمر في المجتمع لتحديد الأطفال، والشباب، والشيوخ؛ إذ أن مساهمة كل فئة من هؤلاء في قوة الدولة تختلف عن الفئات الأخرى. فالأطفال والشيوخ عادة ما يكون دورهم محدود جدًا إن لم يكن معدومًا في العملية الإنتاجية. في حين يمثل الشباب العمود الفقري في قوة الدولة سواء في السلم أو الحرب.
وبالإضافة إلى معرفة الجنس والعمر يتطلب الأمر معرفة تجانس السكان. فكلما كانت درجة التجانس عالية بين المواطنين كلما زاد ذلك من قوة الوحدة الوطنية داخل حدود الدولة. وهذا بالطبع له أثر إيجابي على قوة الدولة؛ إذ أنه سيزيد من درجة التعاون بين السكان وقت السلم ومن صلابة الجبهة الداخلية وقت الحرب.
كذلك يتطلب تحديد فاعلية عنصر السكان وتأثير أبعادة، معرفة نوعية السكان من حيث مستواهم التعليمي والتقني ورغبتهم في العمل واحترامهم للنظام وإدراكهم لمسؤولياتهم الوطنية وتضحيتهم من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.
وقد يكون عنصر السكان متوفرًا من حيث الكم و الكيف لكن درجة الاستفادة من هذا العنصر دون المستوى المطلوب. وهذا الوضع يقلل من فعالية العنصر السكاني في مقاومة قوة الدولة. إن وجود السكان كمًّا وكيفًا ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لرفع قوة ومكانة الدولة في المجتمع الدولي. وهذا يعني وجوب الاستفادة الحقيقية من السكان في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقت السلم وفي الدفاع عن الوطن والأمة وقت الحرب.
إن الاهتمام بعنصر السكان واحتلاله مكانة الصدارة بين العناصر الأخرى يرجع إلى أهمية هذا العنصر وقت السلم ووقت الحرب. ففي السلم يعتبر السكان عنصرًا من عناصر الإنتاج والدولة التي تعاني من قلة هذا العنصر تضطر لاستقدام الأيدي العاملة الأجنبية للمساهمة في التنمية الوطنية. ولهذه الخطوة سلبيات عديدة على الثقافة الوطنية والأمن الوطني.
أما في الحرب فتبرز مساهمة العنصر البشري بشكل أكبر، ذلك أن الدولة التي تتمتع بنسبة عالية من السكان تكون مقدرتها أكبر من غيرها في الصمود والقتال. ورغم التطور السريع الذي حصل في تكنولوجيا الأسلحة الحربية ودخول الأسلحة الذرية فلا يزال للحرب التقليدية شأن في العلاقات الدولية، ولا يزال لتفوق الدولة في عنصر السكان أثر في مجرى هذه الحرب وتحديد نتائجها.

العامل العسكري:
حتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية، إلا أن زيادة تأثير العناصر الأخرى أنهى هذا الاحتكار للقوة العسكرية فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي بين عناصر عديدة تشكل في مجموعها القوة القومية.
والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في السياسات الدولية. إن تحليل القوة العسكرية لأي دولة يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار عددًا من العوامل، ومن بين هذه العوامل العدد، العتاد، المبدأ الاستراتيجي، والروح المعنوية.
فمن حيث العدد كلما كبر عدد الجيش كلما زاد تأثير فعاليته العسكرية. ورغم التقدم في الأسلحة الحربية فلا يزال لعدد أفراد القوات المسلحة دورًا هامًا في تشكيل القوة العسكرية للدولة. فالدولة ذات العدد الكبير من أفراد القوات المسلحة تكون أقدر من غيرها في العمليات العسكرية سواء كانت دفاعية أو هجومية؛ إذ أنها ستكون قادرة على تحمل الخسائر البشرية.
ويدخل ضمن عدد القوات المسلحة كل أفراد الأجهزة العسكرية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي. لذا يدخل ضمن عدد القوات المسلحة الميليشيات العسكرية، الحرس الوطني، وغيرها من التنظيمات العسكرية المشابهة .
أما العتاد العسكري فقد تنوع وتطور بسرعة مذهلة. وهذا التطور والتنوع السريع مضافًا إلى السرية التي تحاط بامتلاكه والتعقيد في استخدامه يجعل من الصعب تحديد معيار محدد لنوعية العتاد العسكري الأكثر فعالية. إن المهم في تقييم قوة الدولة العسكرية رصد مؤشرات قوية تدل على أن الدولة تمتلك أسلحة عسكرية حديثة كافية للردع أو الهجوم.
وامتلاك السلاح وحده لا يكفي، بل المهم أيضًا القدرة على صيانته بعد امتلاكه خصوصًا وأن الأسلحة الحديثة في غاية التعقيد من الناحية التكنولوجية وتتطلب صيانتها كفاءة فنية عالية. هذا المطلب يجعل الدول النامية دائمًا في وضع صعب؛ إذ أنها قد تكون قادرة على شراء السلاح لكنها تواجه صعوبات في صيانته والمحافظة عليه بشكل جيد.
وبالإضافة إلى القدرة على الصيانة يجب اعتبار قدرة الجيش الوطني على استخدام السلاح بكفاءة. لذا أصبحت أهمية التدريب على السلاح لا تقل عن أهمية امتلاكه؛ إذ أن جعل السلاح العسكري في أيادي أجنبية يشكل نقطة ضعف كبيرة في بناء الدولة العسكري.
إن العدة والعتاد لا تكفي بحد ذاتها لضمان نصر عسكري للدولة في حروبها الدفاعية أو الهجومية. بل يتطلب الأمر اعتبار المبدأ الاستراتيجي للدولة. والمقصود بالمبدأ الاستراتيجي: الخطة العامة للقتال وأسلوب تنفيذها. فأحيانًا يتوفر لدى الدولة العدد الكافي من المقاتلين وتمتلك أسلحة كافية وحديثة إلا أن عدم سلامة مبدأها الاستراتيجي يترتب عليه هزيمة ساحقة لها، كما حصل للقوات العربية خلال الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967م، لذا أصبح تطوير مبدأ استراتيجي سليم للقوات العسكرية للدولة من الأهمية بمكان وأصبح الاهتمام ببناء فكر عسكري مطلبًا أساسًا لتحقيق الجدوى المتوقعة من تجنيد الشعب وامتلاك السلاح.
أخيرًا قد يتوفر عدد كبير من أفراد الجيش، وسلاح من نوعية جيدة، ومبدأ استراتيجي سليم. ومع ذلك فإن البناء العسكري للدولة خصوصًا في وقت الحرب يتسم بالضعف العام. في هذه الحالة يعزى الضعف إلى ضعف الروح المعنوية للمقاتلين. و . . . [يقصد] بالروح المعنوية استعداد المقاتلين للتضحية والعمل بروح عسكرية عالية.
لذا أصبح رفع الروح المعنوية للمقاتلين خصوصًا وقت الحروب من الأهمية بمكان لرفع كفاءة الجيش وأدائه ورفع الروح المعنوية يتم من خلال إيجاد الاستعداد التام لدى الجندي المقاتل للانضباط وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في ميدان القتال، وقناعته التامة بالهدف الذي يقاتل من أجله، وحماسه المطلق للتضحية من أجل تحقيق الهدف المنشود.
إن انخفاض الروح المعنوية قد يكون السبب الرئيسي وراء انهزام جيوش ذات أسلحة متقدمة ومبدأ استراتيجي سليم. ومثال ذلك انهزام القوات الأمريكية في الحرب الفيتنامية.