تـمـهيــد:
بعدما تعرّفنا على أهمية و دور المزيج التسويقي ننتقل الآن إلى متغيرة من متغيراته و التي تتمثل في السعر، بحيث يعتبر للأسعار أهمية خاصة في مجال التسويق نظرا لعلاقتها المباشرة مع المبيعات و التكاليف و الأرباح، وهذا ما جعل رجال التسويق يهتموّن أكثر بهذا العامل التسويقي الذي احتل مكانة مرموقة داخل المؤسسة، لذلك يتوجب عليها أن تكون على علم بكّل العوامل أوالمؤثرات التي يتأثر بها السعر و أن تركز على التخطيط و الاختيار المناسب لهذا العنصر .
لذا سنتطرق في هذا الفصل إلى مفهوم السعر و أهميته، و الأهداف المرجوة من تحديده، كذلك سنتناول العوامل المؤثرة في قرار التسعير و كلّ ما يتعلق به في النظرية الاقتصادية .
و سيعالج هذا ألفصل الإشكالية التالية :
– ما هي ماهية السعر؟
– ما هي العوامل المؤثرة في هذه المتغيرة التسويقية ؟
المبحث الأوّل : تعريف السعر:
يعتبر السعر، أحد عناصر المزيج التسويقي الهامّة، لماله من أثر على المبيعات و الأرباح في المؤسسات، خاصة إذا كانت هذه المؤسسات ذات طابع اقتصادي تسعى إلى تحقيق الربح .
و يوجد للسعر عدّة تعاريف منها:
أولا : ” السعر هو القيمة معبّراً عنها بوحدات نقدية، و يعبّر التسعير عن فن ترجمة قيمة المنتج للمستهلك إلى وحدات نقدية في لحظة زمنية معينة” . (1)
يشير هذا التعريف إلى أنّ السعر، مجرّد قيمة نقدية، يدفعها المستهلك مقابل سلعة أو خدمة يقتنيها، أي يعتبره عنصر أساسي للتبادل بين المؤسسة وزبائنها، تجاهلا بذلك الدور الهام الذي يلعبه هذا العنصر في القرارات الاستراتيجية التي تأخذها المؤسسة، و أيضا عدم إعطاء معنى للسعر من زاوية التسويق.
ثانيا: و نعرّف السعر أيضا بأنّه : ” متغيرة التسويق الوحيدة التي تولد مباشرة الإيرادات و الأرباح، و التي لا تحتاج إلى استثمار ونفقات إلاّ إلى تفكير ودراسة” .(2)
نستخلص من هذا التعريف ما يلي :
• يبيّن لنا، بأنّ السعر متغيرة من متغيرات التسويق الأكثر أهمية كونها تقوم بإدخال أرباح للمؤسسة؛
• يشير التعريف إلى أنّ هذه المتغيرة تتطلب من رجل التسويق إلى تخطيط و تركيز من أجل تحديد السعر المناسب للسلعة.
ثالثا: و يعتبر ” السعر عملية وضع قيمة نقدية أو عينية لسلعة أو خدمة يمكن استخدامها لتلبية حاجة معينة .
و تتضمن هذه القيمة، غالبا تكاليف تصنيع و بيع السلعة، مضافا إليها هامش محّدد من الربح، مع الإشارة إلى أنّ هناك عوامل متعددّة تؤثر على هذا السعر كالمنافسة و العرض و الطلب و قيمة الاستخدام … إلخ “.(1)
نستنتج من هذا التعريف، أنّ التسعير هو إعطاء لسلعة أو خدمة ما يقابلها من قيمة سواء كانت نقدية أو معنوية.
كما نلاحظ أيضا، بأنّ هذا التعريف يبّين لنا كيفية تحديد السعر بإضافة هامش ربح إلى التكلفة، و العوامل المؤثرة في متغيرة السعر.
كما يعرف بأنّه مركب أساسي لاستراتيجية التسويق، يأتي لتعزيز موقع المؤسسة على جزء من السوق، كما أنّه عنصر أساسي للتبادل بين المؤسسة وزبائنها.
نخلص إلى أنّ السعر يعدّ من العوامل الرئيسية في استراتيجية المؤسسة التنافسية، فهو يمثل دورا هاما للمؤسسة التي تسعى إلى تحقيق هدف الربح وزيادة نصيبها من السوق.
حيث أنّ الربح الحدّي هو الفرق بين التكلفة و السعر .
و الشيء الذي يمكن أن ننبه إليه في هذا الصدد هو أنّ المؤسسة ليست كاملة الحرّية في اختيار الأسعار المناسبة لها، بل هناك قوى مؤثرة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، و أنّ لكلّ منها دور فعّال في تحديد السعر .
المبحث الثاني : أهمية التسعير:
يعتبر السعر، من أهم عناصر المزيج التسويقي نظرا لعلاقته المباشرة مع المبيعات و التكاليف و الأرباح .
” و هذا ما جعل هذه الأهمية تزداد زيادة محسوسة عند رجال التجارة ومشرفي التسويق، إذ نجد أنّه في الأبحاث التي أجريت عام 1964 قد تم تصنيف تشكيل الأسعار في المرتبة السادسة من بين أثني عشر عاملا من عوامل تسويق السلع، كما و أن استجواب المشرفين على الأعمال التجارية و رجال البيع قد أظهر أن تكوين و إعداد الأسعار يعّد من أكثر المسائل أهمية ” (1).
ومنه نستخلص من هذا المبحث الإشكالية التالية:
ما هي أهمية السعر بالنسبة لكلّ من المؤسسة والمستهلك؟
المطلب الأول: أهمية السعر بالنسبة للمؤسسة:
– يعتبر السعر وسيلة لتحقيق أهداف المؤسسة العامّة، كما يعتبر العامل المهم و المؤثر مباشرة على ربحيتها، و لهذا فإنّ اتخاذ قرار التسعير، يتضمن اشتراك عدّة إدارات أخرى معنية مثل الإنتاج و التمويل والمشتريات… إلخ؛
– يمثل السعر، العنصر الوحيد من عناصر المزيج التسويقي الذي يؤدي إلى توليد إيرادات، بينما تمثل المجهودات الخاصة بالسلعة و ترويجها وتوزيعها مصروفات على المؤسسة، و عليه فإنّ تحديد السعر المناسب يمكن أن يؤثر على نمو المؤسسة على المدى الطويل؛
– ” يعّد السعر أكثر عناصر المزيج التسويقي مرونة، حيث يتيسر للمؤسسة تعديل أسعارها أكثر من قدرتها على تغيير سلعها أو تغيير حملاتها الترويجية، أو إعادة تصميم نظامها التوزيعي “. (2)
و نظرا لهذه الأهمية التي يتميز بها التسعير، فإنّ إدارة التسويق تعطي له مكانة خاصة، كون هذه الإدارة تستطيع، من خلال ذلك تحقيق أهدافها العامة، إضافة إلى ما يمكن لسياسة التسعير من أن تلعبه كأسلوب منافسة.
المطلب الثاني : أهمية السعر بالنسبة للمستهلك :
“يعتبر السعر بالنسبة للمستهلك محددا من محددات الحصول على السلع والخدمات التي يريدها”.(1)
و تظهر أهميته، بإختلاف و تنوع منفعة و قيمة السلع و الخدمات، ومتى كان متماشيا مع دخل المستهلك، فهو مستعد للدفع أكثر للسلع التي تلبي رغباته.
“للسعر أيضا تأثير نفسي على المستهلك، حيث يربط العديد من الناس بين السعر المرتفع للسلعة و جودتها، و عليه فإنّه يمكن للمؤسسة أن تؤكد على جودة السلعة عن طريق تحديد أسعار مرتفعة لها، و هو ما يلجأ إليه المستهلك”.(2)
مـن هذا المنطلق، كان التسعير محور إهتمام الكثير من الكتاب والباحثين.
“كما تظهر أهمية و صعوبة قرار التسعير عندما نعرف أن تحديد سعر بيع السلعة ليس في حد ذاته القرار الأخير أو الوحيد بشأن عملية التسعير بل هناك عدة قرارات أخرى مكمّلة منها : تحديد سعر لكلّ شكل من الأشكال أو الأحجام المختلفة، أو تحديد سعر لكل منطقة أحيانا، إذا كان هناك داع للإختلاف.(3)
المبحث الثالث : أهداف السعر :
“يجب على كلّ مؤسسة، تحديد الهدف الذي تريد الوصول إليه عن طريق التسعير”(1) لأن الأهداف التسعيرية، هي الغرض الرئيسي الذي تسعى سياسات التسعير إلى تحقيقها، ومنه تكون الإشكالية كما يلي :
– ما هي أهم الأهداف التي تسعى إليها المؤسسة عن طريق السعر ؟
المطلب الأول : هدف الربح :
يعتبر هدف الربح أكبر مؤثر في قرارات التسعير، حيث تسعى الكثير من المؤسسات إلى تعظيم أرباحها في فترة زمنية معنية.
“و تركز على الإبقاء و المحافظة على هوامش ربح، و العمل على تخفيض النفقات و إختيار السعر الذي يمكن من الربح و يمكنّ من الحصول على المبيعات الضخمة”.(2)
أ / تعظيم الربح :
“إن أهداف التسعير الأكثر شيوعا هو تعظيم الربح:
إذن سنقوم على فرضية دالة الطلب ـ الذي يرتبط مع السعر و الكمية المباعة ـ و دالة التكلفة (التكلفة الثابتة و التكلفة المتغيرة)” (3) .
تقوم بحساب السعر الذي يعظم الربح كما يلي.:
نلاحظ بأنّ هذه العبارة تتكوّن من دالتين : دالة الطلب التي تربط بين السعر و الكمية المباعة و دالة التكلفة التي تمثل التكاليف الثابتة و التكاليف المتغيرة.
إلا أن تعظيم الربح يعتبر نسبي لأنّه، لا يمكن تحديد رقم معين على أنّه أكبر ربح، بالرغم من أخذ عامل المنافسة و مرونة الطلب بعين الإعتبار.
ب/ تحقيق معّدل العائد على الإستثمار مقبول :
“كذلك فإنّ الأهداف المرتبطة بالأرباح، قد تأخذ شكل تعظيم العائد على الإستثمار”(1) حيث تسعى الكثير من المؤسسات للوصول إلى نسبة معينة من حجم إستثماراتها، بحيث ” يمكن أن يرشدنا هذا المعدل للحكم على نسبة التقدّم خاصة في حالة السلع الجديدة. و تحدد المؤسسات الكبيرة نسبة العائد الذي تعتقد أنّه العائد المناسب. ثم يحسب السعر على أساسه و الذي يضمن تحقيق المعدل السابق”.(2)
“على سبيل المثال، تحدد شركة جنرال موتورز نسبة 20 % كعائد مقبول و مربح لإستثماراتها” .(3)
معادلة العائد تكون كالآتي 4)
من هذه العبارة نستنتج بأنّ هذا المعدّل ما هو إلا حاصل قسمة الأرباح المحققة أي نسبة صافي الربح على صافي الأصول المستثمرة في المؤسسة أي رأس المال المستثمر.
و بمعنى آخر فهو الذي يقيس مقدار الربح الناتج عن كل دينار مستثمر، فإذا كان سعر الفائدة السائد في سوق المالية 8 %، فإنّ مبلغ الربح الذي يجعل المؤسسة تشتغل في شروط مقبولة من الربحية هو الذي يجعل معدل العائد على الإستثمار أكبر من 8 %.
لكن من الضروري التأكيد على أن هناك بعض رجال التسويق يعارضون في إستخدام معدل العائد على الإستثمار، كأساس لتحديد السعر و يقولون إنّه يكفي أن يستخدم فقط كمؤشر عند التسعير.
جـ/ تحقيق أرباح مرضية :
قد تكتفي بعض المؤسسات بنسبة معقولة من الأرباح، مع الأخذ بعين الإعتبار التكاليف – التي تسمح لها بالإستمرارية – لكن مع مرور الزمن قد تتغير هذه النسبة و ذلك لعدة أسباب منها الحاجة إلى زيادة الإنتاج أو غيرها.
المطلب الثاني : الأهداف المتعلقة بالمبيعات :
“في حالات كثيرة، فإنّ الحجم الكبير من المبيعات، قد يساعد على تدعيم فكرة قبول المستهلك لمنتجات المؤسسة، و إنتشارها في السوق، على الرغم من أن ذلك لا يضمن بالضرورة مستوى مرض من الأرباح”.(1)
و يتضمن هذا الهدف مجموعة من الأهداف الأخرى و هي :
أ/ زيادة كمية الوحدات المباعة :
نقصد بهذا الهدف تحقيق أقصى إيراد من المبيعات من خلال أكبر مبيعات ممكنة، لأنّ الزيادة فيها تؤدي إلى الزيادة في الأرباح.
و لهذه الطريقة مزايا و تتمثل في :
• إن زيادة عدد الوحدات المباعة، تؤدي إلى زيادة معدل دوران المخزون و منه زيادة الربح الإجمالي ؛
• زيادة الكميات المباعة سيؤدي إلى إنخفاض نصيب الوحدة الواحدة من التكاليف الثابتة، و بالتالي التكاليف الكلية أيضا ستقل ؛
• إن بيع كميات كبيرة من السلع يمكّن المؤسسة من الإستفادة من ميزة منحنى الخبرة و ذلك من مبدأ إنخفاض التكلفة كلّما زادت خبرة العامل.
“و لكن يؤدي الكساد و الأزمات الإقتصادية إلى إعادة النظر في هذه الطريقة، لأنّ المؤسسات، تحققت من أن الزيادة في المبيعات لن تؤدي بالضرورة إلى زيادة الأرباح”.(1)
ب/ زيادة القيمة النقدية للوحدات المباعة :
في هذا الهدف، يكون التركيز جلّيا على زيادة الإيرادات المحققة من المبيعات، و لكن التركيز يكون على زيادة القيمة النقدية المحققة من هذه المبيعات.
” قد يكون التركيز على زيادة السعر نتيجة لخلق ” إنطباع” مميز لسلعة المؤسسة و توجيهها نحو شريحة سوقية محددة تكون قادرة و راغبة في دفع أسعار أعلى مقابل حصولها على سلعة بمميزات فريدة”.(2)
جـ/ زيادة الحصة السوقية :
” إنّ المؤسسات التي تبحث أساسا عن حصة السوق، تقدّر بأنّ زيادة حجم المبيعات سوف ينجر عنه أرباح أكثر أهمية و ذلك بفضل إقتصاديات السلم”.(3)
فعلى فرض زيادة المبيعات، تزيد مبيعات المنافسين بمعدلات أكبر و لن تشعر هذه المؤسسة بالأمان.
و” للقضاء على هذه المشكلة، تحاول المؤسسة، أن تراقب عن قرب نصيبها من السوق، و لذلك تخفض الكثير من المؤسسات من أسعارها بغية الحصول على نصيب أكبر من سوق السلعة”.(4)
المطلب الثالث : هدف البقاء :
” يعتبر البقاء هدف أساسي و مشترك بين الأهداف التسعيرية لكافة المؤسسات(1)” و حتى تضمن المؤسسة بقائها في السوق سنجدها تضحي بأمور كثيرة في سبيل ذلك رغم تعرضها إلى مشاكل و ضغوطات من جهات أخرى، كالمنافسة الحادة مع المؤسسات، أو تغيير حاجات و رغبات الزبائن ” .(2)
في مثل هذه الظروف، لا تطمح المؤسسة بأكثر من الحق في البقاء والإستمرار، و لكي تتمكن المؤسسة من إختيار هذه الظروف، فقد تلجأ إلى سياسة السعر المنخفض لزيادة مبيعاتها، التي تضمن لها تغطية التكاليف المتغيرة و جزء من التكاليف الثابتة، و بمعنى آخر السماح لها بالبقاء في مجال الأعمال.
” على سبيل المثال، قد تلجأ مؤسسة ما تنتج سلعة إستهلاكية إلى تخفيض السعر إلى الحد الذي يمكن أن يتساوى مع التكاليف الكلية للوحدة الواحدة من أجل البقاء.
كما قد تلجأ إحدى المؤسسات للطيران إلى تخفيض أسعار تذاكرها إلى أقل من تكاليفها الفعلية لتحقيق هدف البقاء ” .(3)
المطلب الرابع : المحافظة على الوضع الراهن (الإستقرار):
عندما تكون المؤسسة مقتنعة بوضعها، و غير متوّرطة في سياسات تسعيرية، قد تلحق بها أضرار بالغة أو خسائر غير منظورة، فإنّ المحافظة على وضعها الحالية، قد يكون أفضل الخيارات المتاحة لها، و ذلك بالمحافظة على استقرار أسعارها في فترة زمنية معينة، لأنها ترغب في تجنب التغيرات التي يصعب التنبؤ بها مثل حرب الأسعار. و” قد تنظر المؤسسة إلى استقرار السعر على أنّه مسألة حيوية، و المؤسسة التي تحتل المركز القيادي غالبا ما تسعى جاهدة للمحافظة على استقرار الأسعار”.(4)
المطلب الخامس : زيادة التدفقات النقدية Casf Flow :
“نقصد بالتدفقات النقدية، المال الذي يدخل إلى المؤسسة من المبيعات وغيرها من الإيرادات و يخرج منه على شكل مدفوعات نقدية إلى الموردين والعاملين…إلخ(1) .
و تستطيع المؤسسة، زيادة المعدلات النقدية عن طريق تخفيض المبيعات النقدية و الحد من المبيعات الآجلة، أو منح خصومات نقدية للعملاء لتعجيل تسديد ذممهم خلال فترات قصيرة.
كما أنّ استخدام معدّل التدفق التقدي، كهدف للتسعير قد يكون مناسبا لبعض المواقف مثلاً : في تسعير السلع التي تتميزّ بدورة حياة قصيرة.
و قد يترتب عن هذه الطريقة التقليل من قيمة أو فاعلية السعر في تحقيق أرباح معقولة للمؤسسة .
المطلب السادس : البحث و المحافظة على مستوى عال من الجوّدة :
عندما ترغب المؤسسة أن تحافظ و تدافع على صورتها في السوق في مجال الجودة و الإتقان، فإنّها تلجأ إلى هذا الهدف التسعيري أي إلى سياسة السعر المرتفع، من أجل تغطية تكاليف البحث و التطوير، و أيضا لمواجهة تكاليف الإنتاج المرتفعة بحكم جودة السلعة و شدّة إتقانها و رقي المواد الداخلية في إنتاجه. و خلاصة القول، فإنه مهما كان الهدف المتبع، فإنّ المؤسسات تـستخدم السعر كأداة إستراتيجية، التي تأخذ بعين الإعتبار آثار الطلب والتكاليف “.(2)
المبحث الرابع : العوامل المؤثرة في تحديد السعر :
بما أن المؤسسة، تؤثر و تتأثر بمحيطها الخارجي، و بما أن تحديد السعر، في غاية الأهمية و الصعوبة في الوقت نفسه، فإنّه يتعيّن على المسوّق أخذ العديد من العوامل في الإعتبار عند إتخاذ قرار التسعير فمنها ما هو داخلي مرتبط بظروف و أحوال المؤسسة، و منها ما هو خارجي مرتبط بالبيئة التسويقية التي تعمل فيها.
و عليه يجب على المؤسسة تحليل هذه العوامل بعناية قبل تحديد أسعارها.
ومنه نستنتج الإشكالية التالية:
ـ ما هي العوامل الداخلية و الخارجية المؤثرة في تحديد السعر داخل المؤسسة؟
المطلب الأول : العوامل الداخلية :
” عند الحديث عن العوامل الداخلية نقصد بذلك العوامل التي بإمكان المؤسسة السيطرة عليها، و لديها القدرة على الحدّ من آثارها السلبية، و تشمل هذه العوامل ما يلي “(1) :
• أهداف المؤسسة : لابّد من الإشارة هنا أن هدف التسعير، يجب أن يخدم الهدف التنظيمي للمؤسسة و بأنّها تؤثر في تحديد الأسعار. فمنها من تسعى إلى الإهتمام بتحقيق الأرباح على مستوى كلّ سلعة، سواء في المدى القصير أو في المدى الطويل في حين تهتم أخرى بالربحية الإجمالية، و هناك المؤسسات التي تهدف إلى زيادة نصيبها من السوق قد تلجأ إلى سياسة هجومية (سعر منخفض، خصومات … إلخ).
• متغيرات المزيج التسويقي : يعتبر السعر أحد العناصر المهمة في المزيج التسويقي، و لهذا فإنّه يؤثر و يتأثر ببقية العناصر الأخرى، وعليه يجب إتخاذ قرار التسعير في ضوء علاقته بالقرارات الخاصة بالعناصر الأخرى من سلعة و ترويج و توزيع ” فالمنتج و ما يرتبط به من خدمات مكملة هو جوهر ما يتم تسعيره ” (2) و قد تقدمّ المؤسسة سلعة ما بسعر منخفض مع تخفيض جهود الخدمات المكمّلة للترويج، و قد تُقَدم نفس السلعة بسعر مرتفع مع تكثيف جهود الخدمات الأخرى.
و بالتالي نستنتج أن المؤسسة التي ترفع أسعارها لابد و أن تخلق ما يبرر ذلك، و إذا رفعت أسعارها دون أن تقوم بأيّ جهد تسويقي آخر، فالنتيجة هي خسارة فادحة للمؤسسة.
• التكاليف : “تعتبر التكاليف، أحد المحددات الأساسية عند تحديد المؤسسة لأسعارها”(1) لأن الأرباح لا تتحقق إلاّ بتغطية التكاليف و إذا كان سعر بيع الوحدة أقل من تكلفتها، فهذا يؤدي بها إلى الخسارة.
“و لذلك كان عامل التكلفة واضح الأهمية إلاّ أن ذلك لا يعني أنّ المنتج يستطيع ببساطة أن يصل إلى سعر البيع عن طريق تكلفة السلعة، تكاليف البيع والتكاليف الأخرى”.(2)
غير أن في بعض الأحيان تحدد فيها الأسعار بالتكاليف و ذلك عندما لا تكون للمؤسسة كامل الحرية في تحديد الأسعار.
مما سبق يمكن القول بأن المؤسسة تراقب حجم التكاليف بدّقة حتى تتمكن من وضع الأسعار المناسبة لمجاراة المنافسين، إذ أنها تسعى دائما إلى إمكانية تخفيض التكاليف لكن دون التأثير على مستويات الإنتاج و جودته و تلبية رغبات المستهلكين.
• الإعتبارات التنظيمية :
عادة ما تقرر الإدارة من هي الجهة المسؤولة عن وضع سياسات التسعير، و لذلك تقوم المؤسسات بوضع هذه السياسات بأساليب مختلفة، ففي بعض المؤسسات يكون لرأي مدير الإنتاج و مدير التسويق وقع ملموس عن التسعير، وفي مؤسسات أخرى تحدد الأسعار بطريقة مركزية.
و في مجال المؤسسات الصناعية الضخمة، نجد أن هذه المؤسسات تقوم بتأسيس إدارة مستقلة، مهمتها وضع و تحديد الأسعار المناسبة.
• التكنولوجيا و أساليب الإنتاج المستخدمة :
تؤثر كثيرا التكنولوجيا و أساليب الإنتاج المستخدمة في قرارات التسعير، وهذا لإعتماد المؤسسة على هذا العنصر، بإدخال أحدث التكنولوجيا مما يجعل المؤسسة في موقف تسعيري أفضل، بحيث أنّه كلمّا كانت سلع المؤسسة مميزة عن سلع المنافسين، كلّما كانت حرة أكثر في تحديد أسعارها.
” و لكن إذا كانت جميع]السلع[ متشابهة في خصائصها، يصبح من الصعب على أية مؤسسة أن تخرج عن الأسعار السائدة”.(1)
المطلب الثاني : العوامل الخارجية :
تؤثر العوامل البيئية التي تحيط بالمؤسسة في قرارات تحديد الأسعار.
يجب على مديري التسويق، قياس و تحليل تلك العوامل، و في حالات أخرى يحاولون تغيير البيئة التسويقية و خلق جو جديد يساعد على وضع إستراتيجية التسعير. و من بين أهم العوامل الخارجية :
• الطلــب : تتأثر قرارا ت التسعير بالحالة الإقتصادية السائدة، و لهذا فعلى المؤسسة وضع إستراتيجية محكمة تتماشى و تتناسب مع الظروف الإقتصادية، لذا “فإنّ المرحلة الأولى في عملية التسعير هي التنبؤ بحجم الطلب الكلّي على السلعة و قد يكون ذلك أمرًا سهلاً في حالة السلع التي يتم تقديمها بصفة فعليه إلى السوق مقارنة بالسلع الجديدة و التي لم يتم تقديمها بعد”.(2)
فمن خلال التنبؤ بمقدار الطلب على السلعة يمكن للمؤسسة أن تحدد منحنى الطلب على السلعة و كذلك مرونة الطلب السعرية. فإذا كان الطلب على السلعة في السوق طلب مرن، فقد يكون من الأفضل فرض سعر منخفض والعكس صحيح إذا كان الطلب على السلعة غير مرن.
ملاحظة : مرونة الطلب هي العلاقة بين التغير في السعر و التغيير في الكمية المباعة.
• حالة المنافسة : تعتبر المنافسة من أهم العوامل المؤثرة في تحديد وإعداد الأسعار بشكل صحيح و دقيق.
“المنافسة هي الوسط الذي تتم فيه مراقبة الأسعار عن طريق السوق التي تتصف بدرجة عالية من تشابه السلع و الخدمات” (1) لذلك، يجب على المؤسسة قبل أن تصل إلى قرار التسعير أن تلاحظ مختلف مستويات الأسعار و تتابعها وتتنبأ بسلوك المنافسن في الصناعة، كما تدرس سياسة المؤسسات التي دخلت حديثا أو ستدخل إلى الصناعة ” (2) و عليها أيضا أن تكّيف أو تعدّل أسعارها، طبقا لأسعار المنافسين إذا ما أرادت البقاء و الاستمرار.
و في هذا السياق فإن السوق لها أربعة أشكال :
أ/ سوق المنافسة الكاملة :
و خصائصها :
– يتحدد السعر في ضوء قوى السوق (العرض و الطلب)؛
– وجود عدد كبير من المشترين و البائعين؛
– المعرفة التامة بأنواع السلع و أسعارها في السوق؛
– طبيعة السلع متجانسة؛
– سهولة الدخول إلى السوق و الخروج منها.
ب/ سوق المنافسة الإحتكارية 3)
و تتميز :
– وجود عدد كبير من المشترين و البائعين ؛
– التعامل مع سلع متشابهة و لكنّها غير متجانسة ؛
– سهولة الدخول إلى السوق و الخروج منها ؛
– الإهتمام بالمنافسة غير السعرية ؛
– التحكم بالسعر عن طريق إضافة مزايا تنافسية للسلع.
جـ/ إحتكار القلة :
– يوجد عدد قليل من المنتجين ؛
– السلع متجانسة و غالبا ما تكون متميزة ؛
– الاهتمام بالمنافسة غير السعرية ؛
– وجود حواجز للدخول إلى السوق.
د/ الإحتكار الكامل :
– المنتج يكون حرا في تحديد كلٌ من السعر و الكمية المنتجة والمباعة في السوق فقط ؛
– وجود بائع واحد فقط في السوق؛
– وجود حواجز تمنع دخول مؤسسات جديدة إلى السوق (قانونية، إمتيازات حكومية …) ؛
– إمكانية التحكم بالسعر بشرط أن لا يتجاوز الحدّ المحدّد من قبل الحكومة.
• منفعة السلعة للمستهلك :
” يبحث المستهلك دائما عن السلع التي تشبّع حاجته و رغبته و تحقق المنفعة المطلوبة ” (1) لذا فإنّه من الضّروري أن يتم الأخذ بعين الإعتبار قناعات المستهلكين بالسلع و أسعارها عند وضع و تحديد الأسعار، ” إذ لا يمكن أن نعمل على إجبار الأفراد أو المؤسسات على الشراء، إن لم تتوفر لديهم القناعات بأنّ أسعار هذه ]السلع[ توازي المنفعة المتوقعة من جرّاء إستخدامها ” .(2)
و إذا لم يؤخذ هذا المؤثر عند قرارات التسعير، فإنّه سيجعل الكثير من المستهلكين يعجزون عن شراء الكثير من السلع التي هم بحاجة إليها.
• الإجراءات الحكومية :
و هي عامل هام أيضا، بحيث تتدخل الحكومات و خاصة في النظام الإقتصادي الموجه في تسعير المواد الضرورية لحماية المستهلك و الموزعين وتغالي المنتجين و دعم بعضها الآخر، في سبيل تثبيت أسعارها و جعلها في متناول المستهلكين المحدودي الدخل.
” و قد تتولى الدولة مهمة تحديد أسعار بعض السلع بشكل إجباري، أوتحدد هامش ربحي لا يجوز تجاوزه بالنسبة للسلع المستوردة ” .(1)
• الموردون :
يؤثر الموّردون على سعر السلعة، و ذلك عند رفع أسعار المواد الأولية والمواد الخام فتضطر المؤسسة أن ترفع هي بدورها من أسعار سلعها الجاهزة. وغالبا ما يتم رفع الموردون لسعارهم، عند إكتشافهم لضخامة الأرباح التي يحصل عليها المنتجون، و ذلك بهدف المشاركة في هذه الأرباح.
• الـوسطاء :
يجب الأخذ بعين الإعتبار ما يحصل عليه الوسطاء من الموزعين من الأرباح، فكلّما كان عدد الوسطاء كبيرا كلما كانت الإضافات كبيرة و بالتالي يرتفع السعر. ” و عندما تتدفق السلعة في طريقها إلى المستهلك خلال عدد قليل من التجار، فيمكن إختصار بعض الأرباح التي كانوا سيحصلون عليها لو كان توزيع السلعة خلال خط توزيع طويل ” .(2)
• الظروف الإقتصادية :
” في حالات الرواج تزيد قدرة المؤسسة على تحديد أسعارها على ضوء الظروف التنافسية الموجودة بعكس حالات الكساد التي تحاول المؤسسات أن تزيد من الطلب على السلعة و يكون ذلك سواء بتخفيض الأسعار أو زيادة الخدمات المصاحبة للسلعة و متابعة ذلك” .(3)
و بالإضافة إلى ذلك تتأثر إستراتيجيات التسعير بالتضخم، الندرة، الكساد…إلخ.
المبحث الخامس : التسعير في النظرية الإقتصادية :
لقد إهتّم الإقتصاديون بدراسة السوق عند بحثهم عن العوامل المحدّدة لقيم السلع المختلفة، فتجعل لكلّ سلعة سعرا، و تجعل بعض السلع أعلى سعرا من السلع الأخرى.
” و عندما توصلوا إلى نظرية تحديد السعر بالعرض و الطلب إعْتبٌرتْ السوق المكان أو الوسيلة التي يتقابل فيها العرض مع الطلب.
و عندما بدأ البحث في الظروف المحيطة بالعرض و الطلب قسمت الأسواق إلى أسواق تسود فيها المنافسة الكاملة و أسواق تسود فيها المنافسة غير الكاملة ” .(1)
ومنه سيعالج هذا المبحث الإشكالية التالية:
ما هي الأنواع المختلفة للمنافسة ؟
المطلب الأول : المنافسة الكاملة أو الحرة :
وهي الحالة التي يتوافر فيها عدد كبير من المنتجين أو البائعين والمشترين لسلعة معينة. و كذلك تكون السلع التي يعرضها هؤلاء المنتجون متماثلة تماما أي متجانسة، حيث لا يكون هناك ما يدفع المشتري إلى تفضيل سلعة على أخرى منافسة.
كما تتميز هذه المنافسة بعدم تمكن أي فرد أو أي مؤسسة أن يفرض السعر على السوق، هذا بالإضافة إلى حرّية الدخول و الخروج من الأسواق مع توافر المعلومات الكافية و الكاملة عنها.
” و من ثمَ تصبح مشكلة كلّ منتج أو هدفه أن يسعى إلى التوّسع في كمية الإنتاج، حتى يصل إلى الحدّ الذي تتعادل عنده النفقة الحدية و الإيراد الحدي”.(2)
المطلب الثاني : المنافسة الإحتكارية :
و في ظلّها نجد المنتجون أو البائعون و المشترين بعدد كبير و السلع الموجودة، تكون متباينة فيما بينها، و مميّزة من حيث خصائصها و مواصفاتها، “فهذا يعني عدم وجود سعر واحد يكون سائدا في السوق”.(3)
في هذه الحالة نجد بأنّ كلّ منتج يسعى إلى إبراز أشكال خاصة بسلعته أوإقناع الفرد المستهلك بذلك، و من ثمة يجد المشتري مجالاً لتفضيل سلعة ما على السلع الأخرى التي يعرضها المنافسون.
” هذا الإختلاف و التمييز بين السلع، و إن كان يمكن أن يخلق لكلّ منها صفة إحتكارية، إلا أنّها في مجموعها تعتبر بديلة عن بعضها البعض وبالتالي فإن المنتجين يتمتعون بإحتكار محدود” .(1)
إنّ درجة تفضيل المستهلك لسلعة دون أخرى، سوف تقلّ أهميتها مع مرور الزمن، و بالتالي يجد المنتج نفسه في حاجة إلى وضع سياسة لتسعير سلعة، بناءا على عدد من العوامل قبل عرضها في السوق، و بالتالي المشكلة تصبح في تحديد السعر المناسب للسلعة التي يمكن أن تباع به أكبر كمية ممكنة لتحقيق أكبر ربح ممكن
و عليه فإنّه على سياسة التسعير أن تتصف بالمرونة، و تحّدد بناءا على تقدير درجة التباين و التمايز في السلعة في الحاضر و المستقبل و المنافسة المحتملة من سلع أخرى.
المطلب الثالث : إحتكار القلة
يوجد عدد قليل من المنتجين للسلعة، بحيث أن قرارات كلّ منهم يؤثر على حجم التعامل في السوق، و أيّ تغيير، أو تبديل في السعر ينعكس على سلوك وتصرفات المنافسين الآخرين، فإنّ هذا يعني أنه إذا قام أحد المنافسين بتخفيض أسعاره فإنّ رد فعل الآخرين سيكون مماثلا، أمّا إذا قام برفع سعر سلعته، فإنّه من المحتمل عدم قيام المنافسين برفع أسعارهم، كما قد تخسر المؤسسة حصة كبيرة من السوق إذا قامت برفع أسعارها.
كما تتميز هذه الحالة (إحتكارالقلّة) بتواجد سلع غير متجانسة و لها بدائل مختلفة، بالإضافة إلى صعوبة تحديد الطلب على السلع من خلال المعلومات التي جمعتها المؤسسة من المستهلكين، بل يجب توفير معلومات كافية عن المنافسين الآخرين.
المطلب الرابع : الإحتكار الكامل :
” هي الحالة التي يكون فيها منتج واحد الذي ينتج سلعة ليس لها بدائل، بشكل يمكنه من الإحتكار الكامل للسوق.
و في أغلب الأحيان تكون المعلومات متوفرة في تلك السوق، مع عدم وجود أيّ نوع من المنافسة ” .(1)
” كما تتميز بكون المنتج حرّاُ في تحديد كلّ من السعر و الكمية المنتجة والمباعة، خاصة في حالة عدم تدخل الحكومة في الرقابة على الأسعار أوتحديد كمية أو حصة الإنتاج و عدم إكتراث البائع أو المنتج بالمسؤوليات الجديدة الإجتماعية ” .(2)
إلاّ أنّ في هذه الحالة أي حالة الإحتكار الكامل، هي أيضا تكاد تنعدم في الوقت الحالي، بحيث لا تسمح الدول بوجود الإحتكار، و قد تتدخل لتنظيم هذا الوضع الإحتكاري بصدر بعض القرارات التي تمنع ذلك أو وضع حدود وشروط له إن سمحت الحكومة بوجوده.
ممّا سبق نستطيع القول، بأنّه حسب النظرية الإقتصادية تتحدد الأسعار في السوق و في ظل المنافسة الكاملة بتفاعل العرض مع الطلب حتى تصل إلى سعر التعادل.
و في الحياة العملية يكون أمام المؤسسة مجال، تستطيع تحديد السعر، عند أيّة نقطة داخله.
” و يتسع هذا المدى أو يضيق حسب ظروف المنافسة السائدة، فيضيق إذا زادت المنافسة و يتسع إذا قلّت ” (3) بحيث أنّه كلمّا زادت المنافسة، قلّت حرّية المنتج في تحديد و إختيار السعر الذي يضعه على سلعته، و في غياب المنافسة أو قلّتها يكون المنتج حرّا في التسعير.
هذه الحرّية هي من المظاهر الموجودة في الحياة الإقتصادية، قد تستخدم للصالح العام، كما قد تستخدم ضد مصلحة الأفراد المستهلكين، إنّ المظهر السائد في الحياة العملية، هي حالة المنافسة الإحتكارية، بحيث نجد السلع المتماثلة أو البديلة و لكن، لكلﱢ منها علامتها المميزة، و أنّ منتج هذه السلع يقوم على إيجاد درجة من الإختلاف بينها و بين السلع المنافسة.
المبحث السادس : أشكال و مستويات التسعير :
تعتبر عملية إختيار سياسة لتسعير السلع من أهم المشاكل التي تواجه كلّ مؤسسة منتجة.
ترجع هذه الأهمية إلى ما لأشكال و مستويات الأسعار من أثر فعّال على أهداف المؤسسة و خاصة على الأرباح.
و بهذا الصدد رأينا من الضروري أن نقوم بعرض مختلف أشكال ومستويات هذا العنصر التسويقي الهام.
وفي هذا الصدد رأينا من الضروري أن تقوم بعرض الإشكالية التالية:
ـ ما هي مختلف أشكال و مستويات هذا العنصر التسويقي الهام ؟
المطلب الأول : أشكال التسعير :
تعتمد المؤسسات على العديد من السياسات السعرية التي من شأنها زيادة ترويج و تصريف السلع، و من بين هذه السياسات نذكر ما يلي : (1)
• الأسعار المنافسة و الأسعار غير المنافسة :
فالأسعار المنافسة هي التي تلجأ إليها المؤسسة كوسيلة لتمييز ] سلعها[ عن الآخرين في السوق، و للتأثير على الطلب بصورة رئيسية عن طريق التغيير فيها.
أمّا الأسعار غير المنافسة، فهي توضع كحد أدنى يمكن أن يقبله المستهلك من جهة، و يحقق ربحا معينا من جهة أخرى.
لأنّه في حالة تخفيضه أكثر من هذا الحد لا تستطيع المؤسسة تحقيق أيّ ربح.
لكن في الواقع أنّ الأسعار المنافسة توفر للمؤسسات التي تتبعها، المرونة، بحيث يستطيع الباعة بواسطتها التحرك أو التغيّير في الأسعار، و كذلك تمكّن المؤسسة من أن ترّد بسرعة عندما تحاول المؤسسات المنافسة زيادة حصتها السوقية عن طريق تخفيض أسعارها.
• الأسعار الكسرية أو العشرية :
و هي الأسعار التي تبدو أقل ممّا هي عليها في الحقيقة و تحتل مكانا بارزا في تجارة التجزئة. “و تعتمد هذه الأسعار على أساس إضافة الرقم الكسري إلى سعر السلعة كأن نقول 4,990 دينار بدلا من 5 دينار أو 99,950 دينار بدلا من 100 دينار أو 19 دينار بدلا من 20 دينار، و يدعى أيضا بالسعر البسيكولوجي، لما له من جاذبية عاطفية للمستهلك، ” فمن الناحية النفسية يبدو للمشتري أن الفرق بين 69 دينار و 70 دينار فرق كبير، و من هنا ينبع الإعتقاد بأنّ بيع السلعة بسعر 69 دينار مثلا يحقق مبيعات أكبر بكثير من تلك التي يحققها بسعر 70 دينار”.(1)
ثم إنّ السعر الكسري، قد يوحي إلى المستهلك بأنّ السعر قد خفض إلى أبعد حد ممكن، و” أنّ البائع قام بحساب السعر بشكل دقيق جدا، الأمر الذي أدّى به للإنتهاء بأرقام كسرية “.(2)
كما تستخدم الأسعار الكسرية في السلع المكمّلة و مستلزماتها.
• أسعار الإستدراج، الترويجية أو القيادية :
و هي أسعار قد تكون مساوية أو أقل من تكلفة السلعة، و ذلك في سبيل الترويج و جذب المستهلكين إلى المتجر.
غالبا ما توضع هذه الأسعار على سلع مختارة من التشكيلة السلعية الموجودة و ذلك من أجل دفع المستهلكين إلى زيارة المحل الذي يقدم هذه السلع، و في نفس الوقت ستجد العميل أو المستهلك يشتري سلع أخرى من نفس المحل التي تكون معروضة و موجودة أمامه.
الأمر الذي سيجعل المؤسسة أن تعوّض الخسارة الناشئة عن البيع بالتكلفة أو أقل منها.
و عند إختيار أسعار الإستدراج، يجب على المؤسسة مراعاة كلاًّ من العوامل التالية :
– أن تكون السلع المستدرجة جذّابة : فتسعير سلعة لا تشتريها إلاّ القلّة من المستهلكين لا يؤدي الغرض المقصود من هذه السياسة؛
– ” كما أنه يتجنب إختيار الأصناف التي يحدّد المنتج سعر بيعها للجمهور إلا إذا سمح المنتج للمحل بتخفيض السعر” .(3)
و رغم نجاعة هذه الطريقة في كسب عدد كبير من المستهلكين، إلا أنّها تشكل متاعب للمنتجين و المنافسين، فقد يحدث تضاربا بين المنافسين. فمثلا أن تكون السلع غير مستدرجة عند المنافس الأول هي السلع المستدرجة عند الثاني و بالتالي يحدث تنفير للمستهلكين لفقدهم الثقة في هذه السلعة كما أنّها تفتح باباً حاداً للمنافسة، ممّا يؤدي بهم إلى تخفيض الأسعار إلى أدنى ممّا يتسبب في إنسحاب الكثير من المتنافسين عن التعامل في سلع الإستدراج.
• أسعار التحميل :
عندما تلاقي بعض السلع الكساد و البوار، و لم يقبل المستهلك على شرائها تلجأ المؤسسة البائعة أو المنتج إلى إجبار المستهلك المشتري للسلع الرائجة على القيام بشراء كمية من السلع الكاسدة، أي تحمل هذه السلع جبريا على السلع ذات الطلب المرتفع، فلا يجد المستهلك بديلاًَ إلاّ أن يقبلها.
” مثل كأن تقوم مؤسسة بطرح جهاز الحاسوب بسعر معتدل، في حين نجدها تطرح مستلزمات الحاسوب و برامجه بسعر مرتفع” .(1)
” لهذا فإن هذه السياسة و التي يتبعها كثير من المنتجين و الموزعين في مجتمعنا حاليا بحجة الخوف من تحقيق الخسائر، لا تناسب المجتمع الذي يضع مصلحة المستهلكين في المقام الأول ” .(2)
• الأسعار المترابطة :
تستعمل هذه الطريقة في حالة السلع المتجانسة و من الطرازات المختلفة وذات منفعة مشتركة كبيع قميص و رباط عنق و جوارب بسعر واحد مع مراعاة تكلفة و جودة كلّ منها.
• الأسعار المعتادة أو المحددة بالعرف :
و هي الأسعار المعروفة لدى الجميع، محددة، و دامت لفترات طويلة على الثبات و الإستقرار، فإعتادها المستهلكون” ، فالمشروبات الغازية مثلا تباع للمستهلك بنفس السعر لفترة طويلة من الزمن بصرف النظر عن الحالة الإقتصادية و تقلب الأسعار المتعلقة بالخامات و الأجور و ظروف المنافسة”.(3)
و عندما يصبح سعر سلعة معينة معتادًا فإنّه يصعب على المنتج الزيادة، مما يؤدي بالمنتج إلى تغيير الكمية أو الجودة أو تغيير العبوة حرصا على بقاء السعر المعتاد على ما هو عليه و حفاظا على مكانة السلعة عند المستهلكين.
المطلب الثاني : مستويات السعر :
عند إختيار المنتج لإحدى سياسات التسعير التي سنتطرق إليها في الفصل الموالي، فإنّه يواجه مشكلة مستوى السعر الذي يريد أن يبيع به، والتأقلم في ظله مراعيا في ذلك طبعا، كلَ جوانب سلعته و أهدافها المسطرة.
” و على البائع أن يختار بين ثلاثة مستويات للسعر، فإمّا أن يبيع بسعر السوق السائد، و إما أن يبيع بسعر يقل عن سعر السوق بغية تصريف كمية أكبر من السلعة، و إما أن يبيع بسعر أعلى من سعر السوق، و في هذه الحالة لا بدّ أن تكون السلعة ذات جودة أعلى من السلع المنافسة، أو أنّ الموزع يؤدي إلى المشترين خدمات معيّنة، تجذب جمهور المشترين إلى المحل بالرغم من إرتفاع السعر” .(1)
أ- البيع بسعر السوق :
يتحدد هذا السعر بطريقة آلية بناءًا على تفاعل كلّ من عوامل العرض و الطلب ” ، و كثيرا ما يتبع المنتجون هذه السياسة عندما تتماثل السلع المنافسة و البديلة بشكل واضح و خاصة أمام المستهلك ” (2) أي في حالة المنافسة الكاملة.
و في هذه الحالة، يكون المنتج أو المؤسسة مقيد بسعر السوق، فلا يكون له أيّة سيطرة على السلع و بالتالي لا يحتاج إلى سياسة سعرية خاصة به، بل نجد ” العوامل غير الشخصية التي يحددها مجموع الطلب والعرض هي التي تحدد سعر السوق – كما ذكرنا سابقا – و الذي يجد كل منتج نفسه مضطرا إلى قبوله و التعامل على أساسه” (3) و تستخدم هذه الطريقة أيضا في حالة وجود ما يطلق عليه “بالأسعار السائدة أو المعتادة أو العرفية” أي أسعار مألوفة لدى المستهلكين و لم تتغير من مدة طويلة (سبق و أشرنا إليها) مثل المياه الغازية و الحلوى و اللبان، وإذا حدث إرتفاع في التكلفة، يحاول المنتج أن يختار بدائل أخرى غير رفع سعر السلعة، و من بين هذه البدائل مثلا تخفيض الكمية أو الجودة.
” و تنطبق هذه الطريقة أيضا في حالة منافسة القلّة حيث تتفادى المؤسسات الدخول في حرب الأسعار و بالتالي تكون أسعار سلعها متقاربة إلى حد كبير” .(1)
” و من أهم مزايا البيع بسعر السوق، عدم وجود تنافس بين البائعين لتخفيض الأسعار، و بذلك لن تتأثر الأرباح التي يحصلون عليها. كما يطمئن المستهلكين إلى عدم وجود إختلاف في سعر البيع من بائع إلى آخر” .(2)
ب- البيع بسعر أقل من سعر السوق :
تستخدم المؤسسة هذه الطريقة عادة في فترات الكساد، أي عندما تنقضي موضة السلعة أو موسمها، و أصبحت ذات جودة رديئة، فيستلزم على المؤسسة تصريف ما لديها من سلعة بأيّ سعر لتغطية النفقات الثابتة.
و غالبا ما تكون الفترات التي تباع خلالها السلع بأسعار أقل من سعر السوق قصيرة، و هي ما يسمى بفرص البيع الخاصة، فقد يصل تخفيض السعر في بعض هذه الفرص إلى سعر التكلفة و أحيانا إلى أقل منها، و ذلك في حالة ما إذا كانت المؤسسة، و المنتج في حاجة ماسة إلى سيولة، أو إذا كان من الضروري التخلص من السلعة.
و هذه الطريقة قد تتبع بالنسبة لجميع السلع أو إلاّ على أنواع معينة.
نتخذ هذه الطريقة كوسيلة من وسائل جذب المستهلكين، فقد تعمد المؤسسة إلى بيع بعض السلع ذات الجودة و أسعار مرتفعة، بأسعار تقل عن أسعار السوق و ذلك بغرض نشر الدعاية بين العملاء من أجل كسب عدد كبير من المشترين، وبذلك زيادة نطاق السوق و إرتفاع حجم المبيعات.
و أهم ما يميّز هذه الطريقة أنّها تزيد من مبيعات السلع التي خُفضَ سعرها بالإضافة إلى مبيعات السلع الأخرى التي تباع بسعرها الأصلي.
هذا و قد تجد بعض المؤسسات أنّه من الأفضل لها إتباع هذه الطريقة، وذلك بشكل غير مباشر بإستعمال طريقة تقديم خدمات إضافية مجانية، أو بسعر التكلفة أو بسعر رمزي، أو أكثر من ذلك، منح خصومات مختلفة و التي سنتطرق إليها لاحقا، و قد يكون لذلك أثر أفضل لدى المستهلك.
جـ – البيع بسعر أعلى من سعر السوق:
قد تفضل المؤسسة اللجوء إلى هذه الطريقة في حالة تمتع السلع و تميزّها ببعض الخصائص التي لا توجد في السلع الأخرى المعروضة في السوق، كأن تمتاز السلعة بجودة أعلى أو بتشكيلة أفخم و ألوان أروع، أو تقديم خدمات فريدة، مثل توصيل البضاعة إلى المنزل و قبول الطلبيات عبر الهاتف.
عندما يتم تحديد السعر بسعر أعلى من الأسعار الموجودة في السوق، بناءًا على العوامل المذكورة سابقا، فإنّ ذلك يجب أن يقوم على أساس من قيم معلومة ومدروسة لهذه العوامل، و مدى جودتها و أهميتها التسويقية و مدى أثرها على علاقة السعر بالمبيعات.
” و لذلك أيضا نجد أنّه ينذر أن يقدم المنتج على إتباع هذه الطريقة إذا ما كانت سلعته و السلع المنافسة على درجة كبيرة من التماثل “.(1) من مزايا هذه الطريقة، أنها تمنح للمؤسسة البائعة ربح أعلى مع القيام بخدمات ممتازة نحو جمهور المستهلكين.
” كما أنّها تشجّع المنتج على الإحتفاظ بجودة السلع و تحسينها كلّما أمكن ذلك حتى لا يفقد سمعته الطبية بين المستهلكين ” .(2)
غير أنّ هذه الطريقة لا تخلو من السلبيات، و من عيوبها: إرتفاع سعر السلعة يقلل من كمية المبيعات، و بالتالي يتحول بعض المستهلكين إلى شراء السلع المثيلة أو البديلة، كما يستدعي إرتفاع سعر البيع، عمال بيع إضافيين من أجل العمل على إلاعلان على السلع المعروضة، مما يزيد من تكاليف البيع.
خـلاصـة الفـصل :
يحتل السعر، مكانة و أهمية بالغة داخل المؤسسة، و ذلك نضرا لتأثيره المباشر على ربحيتها، بحيث يعتبر العنصر الوحيد الذي يولد إيرادات لها، والأكثر مرونة عند تعديلها أو تغييرها لسعر البيع.
كما تشمل الأهداف التسعيرية، الأهداف العامة و المسطرة للمؤسسة، من حيث تعظيم الربح و البقاء في السوق و إستمراريتها. و حتى يتسنى للمؤسسة تحقيق هذه الأهداف، يجب أن تأخذ بعين الإعتبار عند إتخاذها لقرار التسعير عدة عوامل، منها ما هو مرتبط بالمؤسسة نفسها، و منها ما هو مرتبط بالبيئة المحيطة بها – وبالخصوص عامل المنافسة – من جهة، و إختيار سياسة تسعيرية مناسبة التي من شأنها أن تزيد في تنشيط مبيعاتها و تصريف