الموصلات العجيبة عديمة المقاومة
بدأت الموصلات الفائقة العاملة عند درجات الحرارة العالية تجد لنفسها استخدامات في عالم الواقع
على مدى عدة أشهر في سنة 1987 ، بدا كما لو أن العالم على وشك أن يتغير .فالقطارات يمكن أن تطير على وسائد مغنطيسية ، و الحواسيب ستكون أسرع ، و الطاقة الكهربائية أرخص ، و الماسحات الطبية medical scanners ستنتشر في مكاتب الأطباء ، وغير ذلك كثير .
و السبب وراء هذه التفاؤلات كان اكتشاف نوع جديد من الموصلات الفائقة من قبل باحثين في الشركة IBM بزوريخ . و هذا النوع من الموصلات هو مادة تكاد تكون أعجوبة ، إذ توصل الكهرباء دون أي فقد في الطاقة .كانت الموصلات الفائقة موجودة منذ عام 1911 ، لكن جميع الأنواع المعروفة كانت تعمل عند درجة حرارة قريبة من الصفر المطلق ، مما جعلها عديمة الجدوى لجميع التطبيقات ما عدا تلك البالغة التخصص .
أدى هذا الاكتشاف إلى مجموعة من الموصلات الفائقة الأكسيدية تعمل عند درجة حرارة أعلى كثيراً من درجة حرارة النتروجين السائل . فالنتروجين السائل يغلي عند درجة الحرارة 77 كلفن ، مما يجعل إنتاجه أرخص كثيراً و التعامل معه أسهل كثيراً من الهليوم السائل الذي يبرّد الموصلات الفائقة المعتادة .و حاليّاً ، بعد أكثر من عقد من اكتشافهم ، هاهم يدخلون سوقين أكثر قرباً للمستهلكين ، هما خطوط نقل الطاقة و الاتصالات اللاسلكية .
تكمن العقبة الكبرى في تصنيع الكبلات التجارية الفائقة الموصلية التي تعمل عند درحات الحرارة العالية في أن المواد خزفية (سيراميكية ) ، و لذلك فهي هشة جداً .و في عام 1987 أدرك خبير المعادن [من معهد ماساتشوستس للتقانة ] أنه مثلما يمكن بسهولة سحب الزجاج القابل للكسر للحصول على خيوط رفيعة لصنع ألياف بصرية مرنة ، فإن الشيء نفسه يمكن عمله بالنسبة إلى الموصلات الفائقة .
إن فكرة يوريك الأساسية هي وضع حبيبات صغيرة من المادة الفائقة الموصلية قي أنبوبة فضية قطرها نحو قطر ربع الدولار تقريباً . ثم تسحب هذه إلى خيوط رفيعة تضم إلى بعضها و توضع في أنبوبة فضية أخرىو هذه تسطح لتصبح شريطاً فائق الموصلية يكون مرناً إلى حد معقول و لكنه لا يشبه مطلقاً السلك النحاسي في قابليته للثني .
يتكون الكبل من أنبوبة مجوفة يسري فيها مبرّد النتروجين السائل . و تحيط به طبقات من الأسلاك الفائقة الموصلية ، إضافة إلى عوازل ، و كلها محتواة ضمن زجاجة حافظة للحرارة ذات جدار مزدوج . يبلغ قطر المجموعة كلها خمس بوصات ، و لكنها ستكون أرفع في النماذج الإنتاجية .و مع ذلك فهو أرفع من سلك نحاسي يحمل التيار نفسه ، و هذا هو المهم . و لدى تساوي جميع الظروف فإن الوفر المتحقق باستخدام كبل فائق الموصلية ذي كفاءة أعلى ليس في العادة كبيراً لدرجة تجعله يستحق النفقات . و لكن المكسب الأساسي يكمن في إمكانية دفع كمية ضخمة من الطاقة خلال الموصل الفائق بسبب انعدام الناقلية فيه فهو إذاً يحل المشكلة العويصة التي تواجه مهندسي الطاقة في المدن ، و هي أين يمكن و ضع الأسلاك إن لم يكن في قنوات الكبلات المكتظة . من التطبيقات الأخرى المميزة في مجال الطاقة : المنظومة الفائقة الموصلية لتخزين الطاقة المغنطيسية التي يمكن أن تحد من الاضطرابات في شبكات الكهرباء ، و من ثم المحركات و المحولات الخفيفة الوزن .
بدأت الأدوات الفائقة الموصلية تجد طريقها كذلك كمرشحات في الاتصالات اللاسلكية . فالمرشح المثالي يمرر تردداً واحداً فقط ، و لكن في الواقع فإن المقاومة الكهربائية تجعل المرشحات تمرر مجالاً صغيراً من الترددات . أما المرشحات الفائقة الموصلية فهي أكثر انتقائية بكثير بسبب عدم وجود مقاومة كهربائية فيها . أضف إلى ذلك أن جزءاً أصغر من الإشارة يضيع بين الهوائي و المستقبل ، مما يجعل هذه المرشحات شديدة الحساسية . وهذان العاملان أكثر أهمية في الاتصالات الهاتفية الخلوية التي يجب أن تعمل في طيف راديوي مزدحم إلى أقصى حد ،و أن تلتقط الإشارات من أجهزة إرسال ذات قدرة ضعيفة .
حتى الآن لم تحقق أية شركة ربحاً من الموصلات الفائقة التي تعمل عند درجات الحرارة العالية ، و يظل السعر عقبة أمام القبول الواسع . و لكن مع التقدم المطرد في السوق يمكن أن تصل إلى 30 بليون دولار بحلول عام 2022 فإن تلك الموصلات الفائقة قد تبرر التفاؤل الشديد الذي شهده عام 1987 .
من مجلة العلوم
إعداد : عائشة تمور
المصدر
http://www.hazemsakeek.com/vb/showthread.php?t=324