ظهور التصور الميكانيكي
الوثيقة ا
ان طريقة " الاستدلال المبنية على الحدس " كانت غير صائبة , ما جعلها تؤدي الى تصورات خاطئة عن مفهوم الحركة ; و مع ذلك , دامت عدة قرون. و لربما سمعة و مكانة ارسطو انذاك في كامل اوروبا كانت السبب الرئيسي في التمسك بالفكرة الحدسية في تفسير الظواهر الطبيعية. ففي قراءات "الميكانيك" المسندة لأرسطو نجد : "ان الجسم المتحرك يتوقف عندما تتوقف القوة المؤثرة عليه عن دفعه". ان اكتشاف و توظيف الاستدلال العلمي من طرف غاليلي في تفسير الحركات , يعد من اكبر المكتسبات في تاريخ الفكر الانساني و يمثل منطلقا حقيقيا للفيزياء. لقد بين لنا هذا الاكتشاف بأنه لا يمكن ان نثق في الاستنتاجات الحدسية المؤسسة على الملاحظة الانية لأنها تؤدي احيانا الى مسالك مضللة
و لكن كيف يكون الحدس مضللا ؟ هل من الخطأ القول بان عربة مجرورة بواسطة اربعة احصنة تسير بسرعة اكبر من سرعة عربة مجرورة بحصانين فقط؟ لنتفحص بدقة الوقائع الاساسية للحركة انطلاقا من تجارب يومية مألوفة للإنسانية منذ بداية الحضارة و مكتسبة خلال الكفاح الصعب من اجل الحياة
لنعتبر رجلا يدفع على طريق أملس عربة ثم يكف فجأة عن الدفع: ستواصل العربة حركتها على مسافة معينة قبل التوقف. نتساءل: كيف يمكن تمديد هذه المسافة؟ يمكن الحصول على ذلك بعدة طرق منها تشحيم العجلات مثلا, او جعل الطريق املسا اكثر. كلما دارت العجلات بسهولة و كلما كان الطريق املسا أكثر كلما واصلت العربة حركتها. ماذا انتجنا بالتشحيم و بالتلميس ؟ بكل بساطة: لقد نقصت التأثيرات الخارجية. لقد قلص من تأثير ما يسمى بالاحتكاكات على مستوى العجلات و الطريق ; و يعد هذا تفسيرا نظريا لفعل واقعي لكنه في الحقيقة ما هو إلا تفسير اعتباطي. تخيل الان طريقا املسا بصفة مثالية و عجلات بدون اي احتكاك, ففي هذه الحالة , لا يوجد اي عائق لحركة العربة التي لن تتوقف. لقد تحصلنا على هذه النتيجة فقط بتخيل تجربة في ظروف مثالية و التي في الواقع يستحيل تجسيدها لأنه من غير الممكن ازالة كل التأثيرات الخارجية . ان التجربة المثالية تبرز بوضوح نقائص الفكرة الاساسية التي كانت معتمدة في ميكانيك الحركة
عند مقارنة الطريقتين للإحاطة بالمشكل , يمكن القول : ان التصور الحدسي بعلمنا بان كلما كان الفعل (التأثير) كبيرا, كلما ازدادت السرعة. هكذا السرعة هي التي تعلم بان قوى خارجية تؤثر او لا على الجسم
ان المؤشر الجديد الذي اتى به غاليلي هو : اذا لم يكن جسم مدفوعا او مجرورا او خاضعا لأي تأثير , و باختصار , اذا لم تؤثر اي قوة خارجية على جسم , سيتحرك بصفة منتظمة , اي بالسرعة نفسها على طول خط مستقيم . يتضح اذن بان السرعة لا تبين ان كان هناك قوى خارجية ام لا تؤثر على الجسم. ان هذه النتيجة الصحيحة التي توصل اليها غاليلي , صيغت بعد فترة , من طرف العالم نيوتن على شكل " مبدأ العطالة " و يعد هذا اول قانون فيزيائي تعودنا على حفظه , و لا زال البعض منا يتذكره : يحافظ كل جسم على سكونه او حركته المستقيمة المنتظمة اذا لم تتدخل قوة لتغيير حالته الحركية