– قوله (أ مصر تريد ؟) استفهام غرضه التحسر.
– إن بثينة بدورها تكن لجميل حبا شديدا، و يظهر ذلك من خلال القصيدة بأنها قربت نضوها لسبب رحيل جميل إلى مصر بعد مطاردته من قبل أهلها.
– و لقد عبر الشاعر عن وجده لمحبوبته بدموعه التي لا يستطيع إخفاءها و عليه فإننا نجده صادقا في تعبيره هذا.
– إن البيت الذي يعبر عن حقيقة عاطفة الشاعر هو : و لا قولها لولا العيون التي ترى أتيتك فاعذرني فدتك جدود.
– إن الشاعر قد كرر اسم بثينة في قصيدته كثيرا، حيث كان لاسمها أثر في وجدانه و قلبه الذي كان يدق لأجلها تأكيدا منه على حبها لها و لها فقط دون سواها.
أناقش معطيات النص :
– المضمون العام للنص الغزل العذري العفيف الطاهر من جميل إلى بثينة و يعرف هذا النوع من الغزل بخصائص أهمها :
1) العفة : و هي الطهارة و البعد عن سوء الأخلاق، و ذلك يظهر في قوله :
و لا قولها لولا العيون التي ترى أتيتـك فاعذرني فدتـك جـدود
2) الاختصاص : و هو أن يختص الشاعر بحب امرأة واحدة لا يغيرها و ذلك يظهر في قوله :
ألا ليت ريعان الصفاء يعود و دهر تولى يا بثيـن يعـود
3) الديمومة : و هي أن يكون حب الشاعر لمحبوبته دائما و إلى الأبد و ذلك يظهر في قوله :
إذا قلت ما بي قاتلي يا بثينة قاتلي من الحب قالـت : ثابـت و يزيـد
– إن الوجه الذي يصوره الشاعر لنا لبثينة هو وجه الفتاة الطاهرة و النبيلة و العاقلة و المحبة له فهي تقاسمه الحب أيضا.
– و قد استعمل الشاعر لفظة (شهيد) مرتين، في المرة الأولى نجدها في البيت 5 حيث وظفها للدلالة على الشهادة و تدعيم قوله بالحجة : إن دمعه شهيد على حبها أي دليل قاطع عليه، و في المرة الثانية نجدها في البيت 10 : و كل من مات من أجل حب امرأة فهو شهيد الحب أي التضحية بالروح و النفس و النفيس من أجل الخليلة.
– تبدو شخصية جميل بن معمر من خلال هذا النص شخصية عاطفية محبة و هائمة في عالم آخر و ردي لا يستطيع دخوله إلا من خلال قصائده لأنه لا يستطيع اللقاء و العيش مع بثينة لسببين : معارضة أهلها له و بعدها عنه، كما تبدو شخصية الشاعر أكثر تعلقا ببثينة، من بثينة بالشاعر و أن الشاعر حساس للغاية و عاطفي و غير واقعي و الدليل على ذلك إنهاء حياته حسرة و بكاء و ولعا و حزنا على فراق محبوبته، و أما بثينة نجدها قد طوت صفحة الماضي و واصلت حياتها … !
أحدد بناء النص :
النمط الذي نستطيع إدارج النص ضمنه هو السردي الوصفي الحجاجي حيث نجـد جميل قد سرد لنا قصة حبـه مع بثينـة، و يظهر ذلك في قوله : ألا ليت ريعان الصفاء جديد و دهر تولى يا بثين يعود، كما نجده قد وصف لنا مشاعره اتجاهها أكثر من مرة، و يظهر ذلك في قوله : يموت الهوى مني إذا ما لقيتها و يحيا إذا فارقتها فيعود، كما نجده قد اعتمد على الحجة و الدليل ليبرهن و يقنع السامع بصدق شعوره، و يظهر ذلك في قوله : و دمعي بما أخفي الغداة شهيد، و كل قتيل بينهن شهيد.
أتفحص الاتساق و الإنسام في تركيب فقرات النص :
نجد في القصيدة كلها ضمير كل من المخاطب و المخاطب طاغيا فيها بل موجود في كل بيت منها، و الأول يعود على جميل و الثاني يعود على بثينة و هما متلازمان من البداية إلى النهاية و هذا يدل أن بثينة هي الافتتاح و هي الختام، هي الكل في الكل من قلب جميل، و هذا ما حقق انسجاما في الخطاب و ارتباطا محكما في تركيب فقرات النص، كما أحاطها بجو نفسي واحد محكم.
أجمل القول في تقدير النص :جميل بن معمر مخلص، وفي، صبور في الحب، عاش الحرمان، و ذاق مرارة الهجر بعد أن ذاق طعم الهوى، و هو ضحية مجتمع بدوي رفض تزويجه من أحب ليس سوى أنه تغزل بها، هي عادة رسخت في القبائل العربية منذ العصر الجاهلي.
و يبين النص أن الغزل لم يتوقف الشعراء عن النظم فيه رغم مجيء الإسلام، و السبب يعود إلى البيئة و حياة اللهو و العبث حتى في منطقة الحجاز.
تمهيد: حفل الأدب العربي القديم بنماذج لقصص الحب الطاهر العفيف، فهل لك أن تذكر بعض أصحاب هذه القصص؟
الـــــتعريف بصاحب النــــــــــــــــــــــــــص:
الشاعر هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري، وكنيته أبو عمرو. من بني عذرة ، إحدى قبائل قضاعة . اشتهر بحب ابنة عمه بثينة، فتبادلا حبا طاهرا عفيفا، وذكرها في شعره فمنع بسبب ذلك من الزواج منها، وزوجها أبوها لغيره، لكنه ظل متعلقا بها، يذكرها في شعره، حتى اشتهر أمره، فشكاه أهلها إلى الوالي، ففر إلى اليمن ثم إلى مصر وهناك مرض وتوفي سنة 82ه . ترك ديوان شعره أكثره في الغزل والهيام ببثينة .
والنص الذي بين أيدينا نموذج من هذا الغزل العفيف الذي عرف به. وفيه يعبر الشاعر عن أيام الأنس التي قضاها مع محبوبته وشدة تعلقه بها .
قراءة النص: قراءة نموذجية ثم قراءات فردية معبرة.
إثراء الرصيد اللغوي:
راعَ يَريعُ: نَما، وزادَ، وَرَجَعَ، والريعان من كُلِّ شيءٍ: أوَّلُهُ وأفْضَلُهُ.
النِّضْوُ، بالكسر: حديدةُ اللِّجامِ، والمَهْزُولُ من الإبِلِ وغيرِها، ويقال فلان نضو سفر: مجهد من السفر . البَرْقاءِ، ج: بَرْقاواتٌ، جَبَلٌ فيه لَوْنانِ، أَو كُلُّ شَيْءٍ اجْتَمَعَ فيه سَوادٌ وبَياضٌ.
اكتشاف معطيات النص: يذكر الشاعر في هذه الأبيات أيام الصفاء، ويتمنى عودتها ، فقد كان فيها على وصال مع بثينة، وقد كانت تبادله الهوى يحادثها وتحادثه ويلتقي بها فينسى وجده ويعود إليه الشوق كلما فارقها، وقد نصحه الناصحون بغزوة يجاهد فيها فينسى وجده، لكنه يعلن أن الجهاد كله في بثينة فهو مستعد للموت دونها . ومن كان يشك في ذلك فليسأل برقاء ذي ضال وهي موقعة شهدها من أجل نسيان بثينة كما يقول .
الفكرة العامة: تذكر أيام الوصال والشوق إليها.
مناقشة معطيات النص:
مضمون هذا النص هو التغزل ببثينة وذكر أيام الأنس والوصال وتمني عودتها، وقد عالج فيه الشاعر جملة من الأفكار نذكرها كما يلي على التوالي :
1_ (1 _4) تتذكر أيام الأنس.
2_ (5 _8) عجز الشاعر على تحمل البعد .
3_ (9 _11) الدليل على حب بثينة.
والشاعر في هذه المعاني يبدوا صادقا في مشاعره فهو لا يخفي حقيقة ما يشعر به من وجد وشوق. ويظهر ذلك من خلال استعمال الشاعر للكلمات التي تدل على ذلك من مثل لفظة الشهيد ) التي تكررت ثلاث مرات.
تحديد بناء النص:
يبدوا النص من خلال المعاينة الدقيقة متعدد الأنماط فيه من السرد مثل ما نجد في البيتين الأولين، وفيه من الحوار كما هو حاصل في الأبيات التي هي بين البيت الثالث والسابع أما الحجاج فنلمسه في بقية الأبيات عندما يحاول الشاعر تقديم الدليل على حبه لبثينة.
تفحص الاتساق والانسجام :
الملاحظ على أبيات القصيدة أنها متماسكة ببعضها فالبيت الأول والثاني مرتبطان ارتباطا معنويا فالثاني جواب للأول ، وكلاهما تمهيد لما يأتي من ذكر لأيام الوصال، التي عددها الشاعر في ما تبقى من الأبيات. محاولا الربط بينهما مرة عن طريق حرف العطف ( الواو ) كما هو بين البيت الثالث والرابع، ومرة عن طريق الصيغ الشرطية التي تذكر الشرط و تردفه بالجواب كما هو في البيت السادس والسابع ،وهكذا . وفي ذلك دليل على مدى تناسق العبارات وترابطها، وانسجام المعاني ببعضها.
مجمل القول:
في الخلاصة وجب ذكر الغرض الذي ينتمي إليه النص وهو الغزل العذري الذي شاع في البوادي أيام الحكم الأموي وعرف عند الكثير من الشعراء، أمثال جميل وكثير وقيس.. ومن خصائصه صدق العاطفة، والتعبير عن شدة الشوق في عفة واحتشام، والبعد عن الوصف الحسي لمفاتن المرأة.
ومن أجل ذلك نجد الشاعر يكتفي بذكر ما يحسه من وجد ووله بالمحبوب ويؤيد ذلك وفاء الشاعر لمحبوبته .