الحمد لله رب العالمين*والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين*وعلى آله وصحابته المهتدين* و من سار على نهجهم إلى يوم الدين*أما بعد:
فإن الإسم من حيث البحث*هو محل سجال بين الرجال*كم خاض اللغويون من أجله المعارك* و حرروا فيه المدارك*وكم جرى بين أهل السنة وأهل الباطل فيه ردود ومسالك*وقع بها لأهل التعطيل مهالك.
أما أهل اللغة*فيقولون:
–وهي المسألة الأولى:-هل الإسم مشتق من السمة التي هي العلامة*أو من السمو الذي هو الإرتفاع؟ على قولين مشهورين في ذلك.
1- فقال البصريون هو مشتق من السمو وهو العلو والرفعة*فقيل اسم لأن صاحبه بمنزلة مرتفع به.وقيل لأن الإسم يسمو بالمسمى فيرفعه عن غيره وقيل إن الإسم سمي اسما لأنه علا بقوته على قسمي الكلام*الحرف والفعل*والإسم أقوى منهما بالإجماع لأنه الأصل.
2-وقال الكوفيون إنه مشتق من السمة وهي العلامة*لأن الإسم علامة لمن وضع له*فأصل الإسم على هذا من{وسم}.
والتحقيق في ذلك:أن قول البصريين أصح*قال في المصباح [169] ط دار الغد الجديد:وهو من السمو وهو العلو*والدليل عليه أنه يرد إلى أصله في التصغير وجمع التكسير فيقال:سُمي و أسماء وعلى هذا الناقص منه اللام ووزنه افعٌ والهمزة عوض عنها وهو القياس.
وقال أيضا:وذهب بعض الكوفيين إلى أن أصله {وسم}لأنه من الوسم وهو العلامة فحذفت الواو وهي فاء الكلمة*وعوِّض عنها الهمزة وعلى هذا فوزنه اعْلٌ وهذا ضعيف*لأنه لو كان كذلك لقيل في التصغير{ وُسيم} وفي الجمع {أوسام}ولأنك تقول أسميته*ولو كان من السمة لقلت {وسمته}.
وصحَّح كون الإسم مشتقا من السمو القرطبي في التفسير[1/71]فقال:والأول أصح*لأنه يقال في التصغير:سمي*وفي الجمع أسماء*والجمع والتصغير يردَّان الأشياء إلى أصولها*فلا يقال وسيم ولا أوسام.
ثمرة الخلاف:من قال بأن الإسم مشتق من العلو قال:لم يزل الباري موصوفا قبل وجود الخلق*وبعد وجودهم*وهذا مذهب أهل السنة والجماعة نقله القرطبي في نفس المرجع السابق.
وقال الطحاوي في عقيدة أهل السنة:ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق*ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري ا.هـ متن العقيدة الطحاوية [ص 8 فقرة14]ط دار الصميعي ط1 ت 1419هـ
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية [124] ط المكتب الإسلامي:ولا يجوز أن يعتقد أن الله وصف بصفة بعد أن لم يكن متصفا بها*لأن صفاته صفات كمال*وفقدها صفة نقص.
ومن قال الإسم مشتق من السمة يقول كان الله في الأزل بلا اسم ولا صفة*فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات*وهذا قول المعتزلة*وهو خلاف ما أجمعت عليه الأمة.قاله القرطبي في
التفسير[1/72-73].
المسألة الثانية:في الإسم أربعة لغات:
1-اِسم بالكسر:كقول الأحوص:
وما أنا بالمخسوس في جذم مالك ***ولا من تسمَّى ثم يلتزم الإسما
2-اُسم بالضم:كما ينشد هنا:والله أسماك سُِما مباركا***آثرك الله به إيثاركا
وقال آخر:وعامنا أعجبنا مقدَّمه***يدعى أبا السمح وقرضاب سُمُه
3-بالضم والكسر جميعا: كقول القائل:باسم الذي في كل سورة سُِمه.
4-سِم وسُم بدون همز وصل ولا قطع.
المسألة الثالثة:سكنت السين من {بسم}اعتلالا على غير قياس*وألفه ألف وصل.وربما جعلها الشاعر ألف قطع للضرورة
.
المسألة الرابعة:تقول العرب في النسب إلى الإسم:سُِموي*وأسميٌّ*وجمعه
أسماء*وجمع الأسماء أسام*وحكى الفرَّاء أعيذك بأسماوات الله.القرطبي [1/71].
المسألة الخامسة:ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنَّى إلى أن{اسم}صلة زائدة*واستشهد بقول لبيد:
إلى الحول اسم السلام عليكما***ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
فذكر {اسم} زيادة*وإنما أراد:ثم السلام عليكما.
المسألة السادسة:إذا دخلت الباء على الإسم فهل دخلت على معنى الأمر؟ فيكون التقدير:أبدأ بسم الله*أو على معنى الخبر؟فيكون التقدير:ابتدأت بسم الله.
.
فقال الفرَّاء بالأول وقال الزجَّاج بالثاني*فـ{بسم} في موضع نصب على التأويلين*وقيل المعنى ابتدائي بسم الله*فـ{بسم }في موضع رفع خبر الإبتداء *وقيل الخبر محذوف*تقديره ابتدائي مستقر أو ثابت بسم الله.
المسألة السابعة:{بسم الله}تكتب بغير ألف*استغناء عنها بباء الإلصاق*في اللفظ والخط لكثرة الإستعمال.بخلاف قوله {اقرأ باسم ربك} فإنها لم تحذف لقلة استعمالها.القرطبي[1/70].
المسألة الثامنة:هل الإسم هو عين المسمَّى أم غيره؟في ذلك أربعة أقوال مشهورة:
القول الأول:أن الإسم هو عين المسمى*.وهو قول كثير من المنتسبين إلى أهل السنة*قال شيخ الإسلام ابن تيمية:{والذين قالوا:الإسم هو المسمى كثير من المنتسبين إلى السنة*مثل أبي بكر عبد العزيز*وأبي القاسم الطبري*و اللالكائي*وأبي محمد البغوي صاحب شرح السنة*وغيرهم* وهو أحد قولي أصحاب أبي الحسن الأشعري*اختاره أبوبكر بن فورك وغيره.}إلى أن قال –رحمه الله-{وهؤلاء الذين قالو إن الإسم هو المسمى*لم يريدوا بذلك أن اللفظ المؤلف من الحروف هو نفس الشخص المسمى به*فإن هذا لا يقوله عاقل*ولهذا يقال:لو كان الإسم هو المسمى لكان من قال [نار] احترق لسانه*ومن الناس من يظن أن هذا مرادهم*ويشنع عليهم* وهذا غلط عليهم*بل هؤلاء يقولون:إن اللفظ هو التسمية*و الإسم ليس هو اللفظ *بل هو المراد باللفظ*فإنك إذا قلت:يا زيد*يا عمرو*فليس مرادك دعاء اللفظ*بل مرادك دعاء المسمى باللفظ* وذكرت الإسم فصار المراد بالإسم هو المسمى.مجموع الفتاوى [6/111]ط دار ابن حزم في عشرين مجلدا
وهذا القول قال فيه شيخ الإسلام:ولم يعرف عن أحد من السلف أنه قال: الإسم هو المسمى*بل هذا قاله كثير من المنتسبين إلى السنة بعد الأئمة*وأنكره أكثر أهل السنة عليهم.}نفس المجلد والصفحة.
القول الثاني:أن الإسم هو غير المسمى وهم الجهمية*والمعتزلة*ومقصودهم أن أسماء الله غيره*وما كان غيره فهو مخلوق تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.عزاه إليهم شيخ الإسلام ابن تيمية[6/121].وهؤلاء ذمهم السلف*حتى قال الشافعي والأصمعي:إذا سمعت الرجل يقول: الإسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة.
وذلك لأنهم عطلوا صفات الله عز و جل ونفوها عنه سبحانه.
أما من قصد أن الأسماء التي هي الأقوال*ليست نفسها المسميات*فهذا لا ينازع فيه أحد من العقلاء.قاله شيخ الإسلام.المصدر السابق.
القول الثالث:التوقف في المسألة نفيا وإثباتا*إذ كل من الإطلاقين بدعة وهو قول ابراهيم الحربي وغيره
.
القول الرابع:أن الإسم للمسمى*قال شيخ الإسلام :وهذا الإطلاق اختيار أكثر المنتسبين إلى السنة من أصحاب الإمام أحمد وغيره.-إلى أن قال-وهؤلاء وافقوا الكتاب والسنة والمعقول قال تعالى:ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها*وقال:{ أيما تدعو فله الأسماء الحسنى}وقال النبي صلى الله عليه وسلم{إن لله تسعة وتسعين اسما}رواه البخاري في الدعوات[6410]ومسلم في الذكر والدعاء[2677]وقال:{ أن لي خمسة أسماء:أنا محمد وأحمد والماحي والحاشر و العاقب }*وإذا قيل لهم:أهو المسمى أو غيره فصلوا*وقالوا ليس هو نفس المسمى*ولكن يراد به المسمى وإذا قيل غيره بمعنى أنه يجب أن يكون مباينا له*فهذا باطل.}مجموع الفتاوى [6/123].
هذا وقد بقي بعض المباحث في الإسم*لعلنا نتفرغ لتحريرها.و الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
وتم الفراغ منه في:8/صفر/1433هـ