التصنيفات
العلوم الميكانيكية

ميكانيكا الكم Quantum Mechanics

يمكن استخدام الميكانيكا الكلاسيكية لدراسة حركة الأنظمة العيانية التي نقابلها في حياتنا اليومية بدقة . وتستخدم هذه القوانين لحساب بعض خصائص النظام العياني مثل طاقته أو كمية حركته أو موضعه وغير ذلك . وكما بين أن هذه القوانين لا تتعرض للتفاصيل الدقيقة للنظام وإنما تبحث في حركته بصورة عامة فهذه القوانين لا تتعرض لحركة الالكترونات أو الذرات أو حتى الجزيئات المكونة للجسم وإنما تبحث متوسط حركة كل هذه المكونات كوحدة واحدة . وتعتبر بالتالي هذه القوانين قوانين تقريبية ومع ذلك فهي دقيقة بصورة كبيرة عند استخدامها في الحياة اليومية وكما نعلم أنه لا يمكن استخدام القوانين الكلاسيكية لدراسة الأنظمة المجهرية مثل الذرات والجزيئات لان استخدامها في هذه الحالة يؤدي للتناقض بينها وبين الدراسات التجريبية . ولقد بذلت محاولات كثيرة في بداية هذا القرن لوضع نظرية جديدة يمكن من خلالها تفسير الظواهر الذرية وعلى الخصوص الأطياف الذرية التي تمكن الباحثون من جمع معلومات وافرة ودقيقة عنها في مع بداية هذا القرن . ولقد عولجت الأفكار الجديدة التي كان ماكس بلانك أول من افترضها في بداية هذا القرن لتفسير طيف الجسم الأسود وتأكدت فيما بعد في أعمال آينشتاين وكمبتون ودي بروي وغيرهم من الرواد . ولقد قام نيلز بور بخطوة أساسية نحو فهم الظواهر الذرية بوضعه نموذجه الجديد الذي مزج فيه بين الفيزياء الكلاسيكية والفيزياء الكمية . ولقد فسر نموذج بور – ولو بصورة جزئية – طيف ذرة الهيدروجين والذرات الهيدروجينية . ثم طور سمرفيلد وولسون نموذج بور وأدخلا مبدأ التكميم الذي يمكن تطبيقه على الأنظمة الفيزيائية في الزمن . ويطلق الآن على هذه الأفكار اسم نظرية الكم القديمة . رغم نجاح هذه النظرية في حساب متسلسلات الخطوط الطيفية لذرة الهيدروجين والذرات الهيدروجينية إلا أنها لم تتعرض لاختلاف شدة الخطوط الطيفية . فمن الملاحظ أن شدة الخطوط ليست متساوية مما يدل على أن معدل الانتقالات بين الحالات المختلفة ليست متساوية . ولقد فشل نموذج بور كذلك في تفسير أطياف الذرات التي يحوي مدارها الأخير على أكثر من إلكترون . فالنموذج لا يستطيع مثلاً تفسير طيف ذرة الهيليوم رغم بساطتها النسبية لأن مدارها يحتوي على زوج من الالكترونات الذرية . ( لاحظ أننا استخدمنا نموذج بور لحساب طيف أيون الهيليوم وهو ذرة هيدروجينية يحتوي مدارها الأخير على إلكترون واحد ) .
ولقد بينت نظرية الكم القديمة بصورة جلية أنه لا يمكن فهم الظواهر الذرية من خلال تعديل القوانين الكلاسيكية وإنما تحتاج هذه الظواهر لمعالجة جديدة مختلفة . ولقد سارعت نظرية دي بروي غي الأمواج المادية في تطوير نظرية جديدة تعرف الآن بميكانيكا الكم ويمكن استخدامها لتفسير الظواهر الذرية . فلقد استطاع شرودينجر وضع نظرية جديدة عام 1925 تعرف الآن باسم الميكانيكا الموجية ( أو ميكانيكا الأمواج Wave Mechanics ) حيث عالج الظواهر الذرية معتمداً على الأمواج المادية .
ولقد طور هايزنبيرغ وفي نفس الوقت تقريباً نظرية مشابهة ( ولكنها أكثر صعوبة ) استخدم خلالها المصفوفات ويطلق عليها ميكانيكا المصفوفات Matrix mechanics ولقد برهن شرودينجر فيما بعد أن النظريتين متماثلتان رياضياً . ولقد نشر ديراك P.A.M.Dirac نظرية جديدة مجردة حوت كلا النظريتين ويطلق عادة على هذه النظريات وبصورة عامة اسم ميكانيكا الكم ( أو نظرية الكم ) .
ولقد ابتكر فاينمان طريقة جديدة لاستخدام نظرية الكم وبين أنه يمكن صياغة هذه النظرية من خلال ما يعرف بتكامل المسار فلا يمكن – حسب مبدأ اللايقين – تحديد مسار معين للجسم ولكن يوجد عدد كبير جداً من المسارات ولكن باحتمالات مختلفة يمكن حسابها . ونتيجة للسلوك الموجي للجسام فإن الاحتمالات المختلفة تتداخل مما يؤدي لتقوية بعض المسارات وتلاشي البعض الآخر . ولقد برهن فاينمان أن المساران التي تتبقى بعد التداخل هي تلك المسارات القريبة من المسار الكلاسيكي . وتعطي هذه الطريقة نفس النتائج التي يمكن الحصول عليها من الطريقة العادية ولكن طريقة فاينمان معقدة وقد طبقت على حالات بسيطة وخاصة فقط . وسوف نذكر لاحقاً أهم نتائج نظرية الكم التي سوف نحتاجها في دروس متقدمة مستخدمين ميكانيكا الأمواج لشرودينجر .
وتعتبر نظرية الكم من أهم الإنجازات العلمية في هذا القرن وهي نظرية عامة ويمكن استخدامها من ناحية المبدأ على الأقل – لدراسة الأنظمة العيانية أيضا . وتعتبر النظرية الكلاسيكية بالتالي حالة خاصة بالنسبة لنظرية الكم الشاملة . وتكمن المشكلة الأساسية في نظرية الكم في صعوبة المعالجة واستخدامها لطرق رياضية متقدمة وسوف نرى لاحقاً أن المعالجة – وحتى في ابسط الحالات وهي ذرة الهيدروجين – ليست سهلة . وتزداد المعالجة تعقيداً عند معالجة الذرات الأخرى والجزيئات .