التصنيفات
علم الاجتـماع

النظريات الحديثة في علم الاجتماع التربوي (التفاعلية الرمزية، والنظرية المعرفية(

النظريات الحديثة في علم الاجتماع التربوي (التفاعلية الرمزية، والنظرية المعرفية(

أولاً: التفاعلية الرمزية Symbolic Interactionalism :

تعتبرُ التفاعلية الرمزية واحدةٌ من المحاور الأساسيةِ التي تعتمدُ عليها النظرية الاجتماعية، في تحليل الأنساق الاجتماعية.
وهي تبدأ بمستوى الوحدات الصغرى (MICRO)، منطلقةً منها لفهم الوحدات الكبرى، بمعنى أنها تبدأُ بالأفراد وسلوكهم كمدخل لفهم النسق الاجتماعي(1). فأفعالُ الأفراد تصبح ثابتةً لتشكل بنية من الأدوار؛ ويمكن النظر إلى هذه الأدوار من حيث توقعات البشر بعضهم تجاه بعض من حيث المعاني والرموز(2). وهنا يصبح التركيز إما على بُنى الأدوار والأنساق الاجتماعية، أو على سلوك الدور والفعل الاجتماعي.
يواجهُها.

3) إرفنج جوفمان Erving Goffman (1922-1982):

وقد وجَّهَ اهتمامَهُ لتطوير مدخلِ التفاعلية الرمزية لتحليلِ الأنساق الاجتماعية، مؤكداً على أن التفاعلَ – وخاصةً النمطَ المعياريَّ والأخلاقيَّ- ما هو إلا الانطباع الذهنيُّ الإرادي الذي يتم في نطاق المواجهة، كما أن المعلوماتِ تسهم في تعريف الموقف، وتوضيحِ توقعات الدَور(8).

4) كما أن هناك عدداً كبيراً من العلماء الذين لم تُناقَش أعمالُهم بشكلٍ واسع، مع أنهم من أعلامِ ومؤسسي النظرية التفاعلية الرمزية. ومنهم:
• روبرت بارك Robert Park، (1864-1944). ووليم إسحاق توماس W. I. Thomas، (1863-1947). وهما من مؤسسي النظرية.
• مانفرد كون Manferd Kuhn، (1911-1963). وهو عالم اجتماع أمريكي، ومن رواد مدرسة (آيوا) للتفاعلية الرمزية.
• وكذلك كل من ميلتزر Meltzer، وهيرمان Herman، وجلاسر Glaser، وستراوس Sturauss، وغيرِهم.

مصطلحاتُ النظريّة:

1. التفاعل Interaction: وهو سلسةٌ متبادلةٌ ومستمرةٌ من الاتصالات بين فرد وفرد، أو فرد مع جماعة، أو جماعةٍ مع جماعة.
2. المرونة Flexibility: ويقصد بها استطاعةُ الإنسان أن يتصرفَ في مجموعةِ ظروفٍ بطريقة واحدة في وقت واحد، وبطريقةٍ مختلفة في وقتٍ آخرَ، وبطريقةٍ متباينة في فرصةٍ ثالثة.
3. الرموز Symbols: وهي مجموعةٌ من الإشارات المصطَنعة، يستخدمها الناسُ فيما بينهم لتسهيل عمليةِ التواصل، وهي سمة خاصة في الإنسان. وتشملُ عند جورج ميد اللغةَ، وعند بلومر المعاني، وعند جوفمان الانطباعاتِ والصور الذهنية(9).
4. الوعيُ الذاتي Self- Consciousness: وهو مقدرةُ الإنسان على تمثّل الدور، فالتوقعات التي تكُون لدى الآخرين عن سلوكنا في ظروف معينة، هي بمثابة نصوصٍ يجب أن نَعيها حتى نُمثلَها، على حدّ تعبير جوفمان(10).

ثانياً: النظرية المعرفية في علم الاجتماع التربوي:

يُعرّف جورج غورفيتش علمَ اجتماعِ المعرفةِ على أنه: دراسةُ الترابطات التي يمكن قيامُها بين الأنواع المختلفة للمعرفة من جهة، والأطُر الاجتماعية من جهة ثانية(11). فعلم اجتماع المعرفة يركز على الترابطات الوظيفية القائمة بين أنواع وأشكالِ المعرفة، بحدِّ ذاتها، ثم بينها وبين الأطُر الاجتماعية، مما يكشف عن أن عَصَب المعرفة يَكمنُ في وظائفها(12).

أما علمُ اجتماع المعرفة التربوي فيُعرفه يونج M. Young على أنه: المبادئُ التي تقف خلفَ كيفيةِ توزيع المعرفةِ التربوية وتنظيمِها، وكيفيةِ انتقائِها وإعطائِها قيمتَها، ومعرفةِ ثقافة الحسّ العام، وكيف يمكن ربطُها بالمعرفة المقدَّمةِ في المدارس، واعتبارها المدخلَ الحقيقيَّ للتعليم(13).
وبناء على ذلك يهتمُّ علمُ اجتماع التربيةِ المعرفي بالبحث في الثقافات الفرعيّةِ داخلَ المجتمع، وعمليةِ التنشئةِ الاجتماعية، وأثرُ ذلك على قِيَم الطفل واتجاهاتِه، ومستوى تحصيلِه الأكاديمي واللُغوي. ويَهتم أيضاً بالبحث في طبيعة العلاقة المتبادلة بين التعليم والتغيّر الاجتماعي، وتحليلِ المدرسةِ كمؤسسةٍ تربوية، معتمداً في ذلك على استخدام الأسلوبِ السوسيولوجي الدقيق Micro – Sociological Approach(14).

مصطلحاتُ النظريةِ المعرفية:

1. نُظُم المعرفة: ويُعنى بها أن المعرفة اجتماعية؛ لأن إنتاج المعرفة ليس عملاً فردياً، وإنما هو عمل جماعي.
2. توزيعُ المعرفة: تأخذ المعرفةُ أشكالاً هرميةً تبعاً لتدرجها في القيمة؛ لأن تميُّزَ بعض المعارف عن بعضها الآخر شرطٌ ضروريٌ لبعض الجماعات، وذلك لكي يكتسب المنتفعون منهم أهميةً وشرعيةً لمكانتهم الاجتماعية العالية.
3. الموضوعية والنسبية: إن المعيارَ الوحيدَ للمعرفة هو تحسينُ الأوضاع الإنسانية، فالمعرفةُ القائمةُ على السياقات الاجتماعية جاءت لحلِّ مشكلةِ الإنسان(15).
4. رأسُ المال الثقافي Cultural Capital: يعرِّفه بوردو على أنه: الدورُ الّذي تلعبه الثقافةُ المسيطرة أو السائدة في مجتمع ما، في إعادة إنتاجِ أو ترسيخ بُنيةِ التفاوت الطبقيّ السّائدِ في ذلك المجتمع.

ومن أشهرِ ممثلي النظريةِ المعرفية:
1. مايكل يونج M. Young:
الذي أَعلنَ مَولِدَ علمِ اجتماع المعرفة التربوية عامَ 1971، في كتابه: (علمُ اجتماعِ التربيةِ الجديد). وهو يَرى بأن علمَ اجتماع التربية التقليدي كلِّهِ باءَ بالفشل؛ لأن الباحثين أخَذوا المشكلات مأخَذَ التسليم على أنها مشكلاتُ التربية الجديرةِ بالدراسة، من غير أن يحاولوا فحصَ قيمةِ تلك المشكلات نفسِها، لتبيِّن أهميتَها بالنسبة للتربية. فالمدخلُ الحقيقي للإصلاح هو خلقُ المواقف المشكِلةِ، وأن تضَعَ المعرفةُ التربويةُ نفسَها موضع الشّك والتساؤل، فيتغيّر الجدلُ حولَ قضايا التربية، وتَتولّدُ نظرياتٌ خصبة، وبحوثٌ جديدةٌ في مجال البرامج الدراسية(16).

2. برونر J. Bruner:
الذي تزعّمَ حركةَ العودةِ إلى الأساسيات Back – to Basic – Movement. إثرَ محاولاتِ إصلاح التعليم، بعدَ أزمة سبوتنيك عام 1957م. وكان كتابُهُ الشهير (العملية التربوية) The Process of Education. بمثابة إنجيل إصلاح المنهج في التعليم الابتدائي والثانوي.
ولبُّ نظرية برونر هو الدعوةُ إلى تجديدِ البُنية الأساسيةِ للتعليم، مع المحافظة على الحواجز بينَ كلِ مادة وأخرى. وهو يعتمدُ على مُسلّمةٍ مُؤَدّاها: أن كلَ الأنشطة العقلية في أي موقع من ميادين المعرفة هي واحدة، مهما تضخّمت المعرفةُ أو تقلَّصت(17).

3. بيير بوردو:
إن المقولةَ الرئيسية التي بَنى عليها بوردو نظريتَه، هي أن الثقافة وسطٌ يتم به، ومن خلاله عملية إعادة إنتاج بُنية التفاوت الطبقي. ويستند بوردو في إثبات هذه المقولةِ وتحليلها إلى نظريتين، هما(18):
• مفهومُ رأس المال الثقافي The Cultural Capital.
• مفهوم الخصائص النفسية The Habitus.

فالثقافة عند بوردو تَفرضُ مبادئ بناءِ الواقع الاجتماعي الجديد، كما أنها –كأنساق رمزية- هي بمثابة رأسِِ مالٍ قابل للتحول إلى رأسِ مالٍ اقتصادي أو اجتماعي أو أيّ شكل آخرَ من رؤوس الأموال المختلفة(19).

4. ومن ممثلي النظرية المعرفية في علم الاجتماع التربوي كلٌّ من:
فلود Floud، وهالسي Halsey، ومارتن Martin.

تعقيب

إن النظريةَ التفاعليةَ الرمزيةَ، لا تقدّم مفهوماً شاملاً للشخصية، فأصحابُ النظرية وعلى رأسِهم بلومر يقرّون بأن هذه النظرية يجب ألا تُشغِل نفسَها بموضوع الشخصية كما ينشغل بها علم النفس. وهذا سبب واضحٌ، ومبررٌ جوهري على قِلة الاستفادة من هذه النظرية في الميدان التربوي، على الرغم من وجود بعض الأبحاث القليلة المنشورة هنا وهناك.
كما أن التفاعليةَ الرمزية أغفلت الجوانبَ الواسعةِ للبُنية الاجتماعية؛ لذلك نجدها لا تستطيع قولَ أي شئ عن ظواهرَ اجتماعية كالقوّة والصراع والتغيّر، وأن صياغتَها النظرية مُغرقةٌ في الغموض، وأنها تقدم صورة ناقصة عن الفرد.

أما فيما يتعلّق بالنظرية الاجتماعية في علم الاجتماع، فيمكن القول بأنها المجالُ السائدُ حالياً في علم الاجتماع التربوي، وقد انفردَت باسم: (علم الاجتماع التربوي الجديد)؛ لأنها جمعت بين أسلوب البحث الدقيق، باستخدام أسلوب الملاحظة، والملاحظة بالمشاركة داخل الغرفة الصفية، وبين أسلوب البحث الاجتماعي الواسع، الذي اشتمل على قضايا واسعةٍ كالقهر، والصراع، والتغيّر، والحَراكِ الاجتماعي، ودور التربية في ذلك.
ولعل الدراسةَ التي قامت بها نيلّ كيدّي Nell Keddie. في إحدى المدارس الإنجليزية، بعنوان: “معرفة الفصل المدرسي” من بين الدراسات القليلة التي أُجريَت في إطار هذا الاهتمام بالمعرفة التي توجَد لدى المعلمين حول تلاميذهم، وهي نموذج لاهتماماتِ علم اجتماع التربية الجديد.

الهوامش

(1) فادية عمر الجولاني.(1997)، علم الاجتماع التربوي، مركز الاسكندرية للكتاب. ص215
(2) إيان كريب. (1999)، النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة محمد حسين غلوم، عالم المعرفة، ع (244)، الكويت. ص130
(3) إيان كريب. (1999)، المرجع السابق. ص131
(4) حمدي علي أحمد. (1995)، مقدمة في علم اجتماع التربية، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية. ص180
(5) علي عبد الرزاق جلبي. (1993)، الاتجاهات الأساسية في نظرية علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية. ص237
(6) فادية الجولاني. (1997)، مرجع سابق. ص216
(7) إيان كريب. (1999)، مرجع سابق. ص132
(8) فادية الجولاني. (1997)، مرجع سابق. ص218
(9) علي عبد الرزاق جلبي. (1993)، مرجع سابق. ص238
(10) إيان كريب. (1999)، مرجع سابق. ص135
(11) جورج غورفيتش. (1981)، الأطر الاجتماعية للمعرفة، ترجمة خليل أحمد خليل، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت. ص23
(12) فاطمة بدوي. (1988)، علم اجتماع المعرفة، منشورات جروس برس. ص69
(13) عبد السميع سيد أحمد. (1993)، دراسات في علم الاجتماع التربوي، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية. ص43
(14) علي السيد الشخيبي. (2002)، علم اجتماع التربية المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة. ص67
(15) عبد السميع سيد أحمد. (1993)، مرجع سابق. ص44-47
(16) عبد السميع سيد أحمد. (1993)، المرجع السابق. ص43
(17) عبد السميع سيد أحمد. (1993)، المرجع السابق. ص56
(18) حسن البلاوي، التربية وبُنية التفاوت الاجتماعي الطبقي: دراسة في فكر بيير بوردو. 125
(19) حسن البلاوي، المرجع السابق. ص127




الف شكر ولك الف تحية

التصنيفات
علم المكتبات

الإدارة الحديثة للمكتبات ومراكز المعلومات /د عمر أحمد همشري

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الإدارة الحديثة للمكتبات ومراكز المعلومات /د عمر أحمد همشري

الحجم 13.31 MB

http://www.mediafire.com/?znn7e2s2bm7urvr


مشكككوور الله يعطيك العافيه

السلام عليكم
جزاك الله خيرا

راه يتول بزاف

أخي nour327 الكتاب مرفوع على المديافير وهو أسرع مركز تحميل وأسهله وقد حاولت تحميله وقد تم بسرعة كبيرة.

إحرص أخي على تنصيب برنامج IDM لتسريع التحميل


التصنيفات
علم المكتبات

الادارة المكتبية الحديثة و طرق اعداد التقارير و المكتبات/عليوه، السيد

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

الادارة المكتبية الحديثة و طرق اعداد التقارير و المكتبات/عليوه، السيد

الحجم 2.79 MB

http://www.mediafire.com/?6de8asaqepp63kw


اللهم صلى وسلم على نبينا محمد

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
علم المكتبات

المراجع : التطورات الحديثة في أساليب الخدمة المرجعية و اتجاهاتها/ مالكي، مجبل لازم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المراجع : التطورات الحديثة في أساليب الخدمة المرجعية و اتجاهاتها مالكي، مجبل لازم مسلم.

الحجم : 4.44 MB

http://www.mediafire.com/?pgqzvl3i0uhxa7g


التصنيفات
علم المكتبات

المكتبات العامة : تنظيمها خدماتها تقنياتها الحديثة فى ضوء الانترنت/عباس، طارق محمود

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المكتبات العامة : تنظيمها خدماتها تقنياتها الحديثة فى ضوء الانترنت عباس، طارق محمود.

الحجم : 4.31 MB

http://www.mediafire.com/?5e8puxso8v8eosz


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

الرواية العربية الحديثة


الرواية العربية الحديثة

جذورها – تطوراتها – اتجاهاتها

حميد أكبرى

– القصة في الأدب العربي القديم
قبل الخوض في موضوع الرواية و دراسة التحولات و التطورات التي طرأت عليها، يحسن بنا أن نصدّر كلامنا ببحث حول القصة عند العرب، و نطرح فيها أسئلة علي غرار كل من دخل غمار هذا الموضوع، هل عرف العرب القصة؟ و هل هي وجدت عندهم؟
وقبل الجواب عن هذين السؤالين يجدر بنا أولاَ أن نوضّح موقفنا من القصة؛ هل القصة بمعناها اليوم؟ أو القصة بمعناها الذي كان سائداً عند جميع الشعوب في شكلها الشعبي؟
إذا أردنا القصة بمعناها اليوم فإنها لم تكن موجودة قديماً، و أما إذا أردناها بالمعني الذي كان سائداً في الآداب العالمية في شكلها الشعبي و الفطري، فإنها قد كانت معروفة عند العرب منذ زمن قديم، و لها تاريخ عريق من هذه الناحية، و ذلك يتبين لنا بوضوح إذا ألقينا نظرة عابرة علي الأدب العربي، فالعرب منذ العصر الجاهلي كان لهم قصص و أخبار تدور حول الوقائع الحربية، و تروي الأساطير القديمة.
وعندما ظهر الإسلام و نزل القرآن جاءهم «أحسن القصص» ثم تكوّنت علي هامش القرآن و تفسيره قصص و حكايات استمدت موضوعاتها و عناصرها من تعليم الدين الجديد، فظهرت قصص الأنبياء و قصص المعراج و سير النبي و… .
وقد شهدت القصة نموّا بارزا بعد ظهور الإسلام، و ذلك لاهتمام القرآن بها في بثّ معاني الدعوة الاسلامية و نقل الأخبار و الأحداث التي وقعت في الأمم الماضية اعتباراً وعظةً للناس في عصر النبي من المسلمين و المشركين.
وعندما نصل إلي العصر الأموي نري القصة ظفرت بعناية كبيرة حيث صارت مهنة رسمية يشتغل بها رجال يسألون عليها الأجر، و هذا ما دفع الرواة علي الخروج إلي البادية لتأليف الروايات و جمع أخبار الأحباء والشعراء العاشقين كقصة عنترة و عبلة، ليلي و مجنون، جميل و بثينة، كثير و عزّة و غيرهما.
وقد تطورت القصة في العصر العباسي تطوراً ملحوظاً، إذ بدأت طائفة كبيرة من الكتاب ينقلون القصص الأعجمية إلي العربية حيث بلغت حوالي ستين ترجمة، و من أشهرها «كليلة و دمنة» لعبدالله بن المقفّع حيث فتح باباً جديداً في الأدب القصصي العربي، و صار نموذجاً مثالياً سار علي منواله كثير من الكتاب المتأخرين الذين صاغوا أفكارهم الفلسفية علي لسان الحيوانات؛ و من القصص الأخري الهامة «ألف ليلة و ليلة» من أصل هندي أو ايراني، و قد أثّر هذا الكتاب في الأدب القصصي الجديد تأثيراً كبيراً لِمَا فيها كثير من العناصر القصصية الجديدة.
ومن القصص المؤلّفة التي صاغها العرب أنفسهم هي «البخلاء» للجاحظ، و قد صوّر فيها أخلاق فئات من الناس، و هم البخلاء، متعرّضاً لهم آخذاً عليهم، ثم رسالة «التوابع و الزوابع» لابن شهيد الأندلسي و هي قصة خيالية موضوعها لقاءات مع شياطين الشعراء، ثم «رسالة الغفران» لأبي العلاء المعري، و هي قصة خيالية موضوعها سفر خيالي إلي الجنة و الجحيم، لقي فيه أبوالعلاء شعراء الجنة و الجحيم، وانتقد من خلاله الشعر في العصر الجاهلي و الاسلامي. و قد تميزت هذه الرسالة بخيال خصب كما قال طه حسين، حيث جعلها في عداد الآثار النادرة.
وأما المقامات فهي أقرب الأنواع القصصية في الأدب العربي إلي القصة الفنية الجديدة، و اعتبرها بعض المستشرقين أول مظهر للقصة العربية، و هي قصة قصيرة تدور حول مغامرات بطل موهوم يرويها راوٍ معين، غايتها تعلمية؛ و قد أجمع المؤرخون علي أن بديع الزمان هو مبدع المقامات، و من أعلامها بعده هو الحريري.
وإضافة إلي هذه الأعمال القصصية نري القصة واصلت سيرها في تضخم و كثرة، و دخلت فيها الرحلات (رحلة ابن جبير و ابن بطوطة) والخرافات و سير الأشخاص (سيرة عنترة و سيرة بني هلال ) و… .
والذي يمكن أن نقول بعد هذا الاستقراء العابر في الأدب العربي القديم حيث واجهتنا مجموعة هائلة من التراث القصصي إن العرب كانوا بفطرتهم ميالين إلي القصص و الأخبار، و أن القصة بمفهومها السائد و العادي قد وجدت عندهم منذ زمن قديم حتي قيل إن الغربيين كانوا في بدء نهضتهم مدينين للقصص العربية القديمة، و أنهم لم يعرفوا القصة قبل اطلاعهم علي أمثال «ألف ليلة و ليلة»، و «السند باد » و… .
ونخلص من هذا كله إلي القول بأن القصة العربية نشأت و تطورت، شأنها في ذلك شأن الآداب الأخري تحت ظروف و عوامل متشابهة حسب المعتقدات و الأساطير و…، و أن الأدب العربي القديم بما فيه تراث قصصي عظيم من القصص القرآنية، و قصص الأنبياء، و سير النبي، والمقامات، والرحلات، والقصص الخيالية، والتراجم الذاتية و… قد ترك تراثاً ضخماً في مجال الأدب القصصي، و هو الذي أثّر تأثيراً بارزاً – في رأي بعض المعاصرين – في نشأة الأدب القصصي الغربي و تطوره فيما بعد.
ومع هجمة التتار و سقوط الخلافة العباسية بدأت فترة الانحطاط الأدبي في الأدب العربي؛ الأمر الذي أدّي إلي خمود الحركة الأدبية من جهة، و التشاغل عن حفظ هذا التراث الضخم من جهة أخري، و لذلك قلما نشاهد في هذه الفترة التي امتدت ستة قرون إبداعاً بارزا في مجال القصة.
2- القصة في الأدب العربي الحديث
هنك اختلاف رأي بين العلماء المحدثين في نشأة القصة العربية الحديثة؛ فمن يتحمّس منهم لأصلها العربي و يري أنها وليدة التراث القديم و استمراراً له، و من ينفي أن تكون هنك أية صلة بين القصة الجديدة و بين تلك الأنماط القصصية القديمة، و يراها أنها وليدة الإحتكك بالغرب و التعرّف إلي نتاجه القصصي و نقله إلي العربية.
وإذا فحصنا في القصة العربية المعاصرة، و هي فن جديد يختلف شأنها عن شأنها القديم، اتضحت لنا أنها مرّت بثلاث مراحل أساسية ظهرت في كل منها مجموعة هائلة من أنواع القصة، و هي:
أ- مرحلة التقليد و التعريب (1850-1914).
ب- مرحلة التكوين و الإبداع (1914-1939).
جـ- مرحلة التأصيل و النضج (1939- حتي الآن).
أ: القصة العربية في مرحلة التقليد و التعريب
وعلي الرغم من أن غالبية الباحثين قد أنكرت الصلة بين القصة العربية الحديثة و بين التراث القصصي عند العرب، إلا أن هذا الارتباط موجود بشكل بارز في صياغة الشكل و المضمون، إذ بدت القصة الحديثة في بدء تطورها متأثرة بالأجناس القصصية المأثورة كالتراجم و المقامة و…، ومن أوضح أمثلتها للتأثر بفن المقامة هو «حديث عيسي بن هشام» للمويلحي (1900) حيث يبدو فيه التأثير العربي واضحاً في العناية بالأسلوب و الأحداث التي تحدث للبطل الذي يتصل بشخصيات متعددة، كما أن الأثر الغربي أيضاً يبدو فيه جلياً من حيث تنويع المناظر، و تسلسل الحكاية، و بعض ملامح التحليل النفسي.
ومن المؤلَّفات الأخري التي وضعت علي أسلوب المقامة قصة «علم الدين» لعلي مبارك، و يدور موضوعها حول عالم منوّرالفكر، اسمه «علم الدين»، يلتقي بسياح إنجليزي، و يذهب معه إلي أروبا، فيقيسان العادات و التقاليد الشرقية والغربية مرجِّحَينِ تارة هذا علي ذلك، و علي العكس؛ فالتأثر بأسلوب المقامة يبدو واضحاً في هذه القصة.
ومنها «السّاق علي السّاق» لأحمد فارس الشدياق، و هي شبيهة بالتراجم الذاتية تحدّث فيها الشدياق عن مراحل حياته و أسفاره علي أسلوب المقامات، و غايته إبراز مقدرته علي استعمال الكلمات الغربية، و ذكر محاسن النساء و مثالبهن.
والتأثر بأسلوب المقامة ساد فطرة طويلة كثر مؤلّفات عصر النهضة، و ذلك أن الكتّاب يحاولون بناء الأسس القصصية الجديدة علي أساليب القصة القديمة لحرصهم علي عدم ضياع تراثهم، و لذلك نراهم صنعوا مؤلّفات علي غرار المقامات متأثّرين بها في القالب كأحمد شوقي في «عذراء الهند» (1897)، موضوعه إشارات إلي تاريخ مصر القديم، و حافظ ابراهيم في «ليالي سطيح»، موضوعه انتقادات من أوضاع مصر، و محمد لطفي جمعة في «ليالي الروح الحائر» (1907)، و موضوعه نقد الظروف الاجتماعية في مصر.
وفي أواخر القرن التاسع عشر ظهرت موجة جديدة في الأدب القصصي الحديث، و ذلك إثر ترجمة القصص الغربية، و قد نمت هذه الموجة في مصر و لبنان، و كان أصحابها توّاقين إلي الأدب الغربي مشيدين به، فراحوا يترجمون القصص الغربية التي كانت موضوعاتها في الأغلب موضوعات رومانتكية حول الحبّ و الجنس دون أن ينتبهوا إلي الآثار السلبية التي تتركها هذه القصص في العقيدة و الثقافة العامة، و في نفس الوقت أن هؤلاء الكتاب أنتجوا مؤلّفات قصصية منقطعة عن الجذور العربية، مطبوعة بطابع التقليد للقصة الغربية تغلب عليها نزعة رومانتيكية، و الغاية منها التسلية.
وقد بدأت هذه الموجة علي يد اللبنانيين؛ منهم سليم البستاني الذي اعتبر الرائد الأول لهذا التيار، فقد ألّف في فترة قصيرة فيما بين 1848 إلي 1884 عدداً كبيراً من القصص تراوحت موضوعاتها بين التاريخ و الاجتماع، و نشرها في مجلة «الجنان»؛ و من قصصه «الهيام في جنان الشام (1870)»، موضوعها قصة بين رجل و فتاة يلتقيان تارة و يفترقان تارة أخري»؛ «زنوبيا (1871)»، موضوعها تذكار تاريخي لموجبات الصراع بين ملكة تدمر و بين الرومان؛ «بدور (1872)»، موضوعها حول أميرة أموية عشقت عبدالرحمن الداخل؛ «أسماء (1873)، موضوعها قصة رجال أحبّوا فتاة، و كلّ منهم يحاول أن يجبلها إليه؛ «فاتنه (1877)»؛ «سلمي (1878)»؛ و «ساميه (1882)».
وبما أن سليم البستاني كان صحفياً فقد اهتمّ بتناول مختلف الموضوعات في قصصه من تاريخ و جغرافيا و اجتماع و فلسفة و رحلات و…، شأنه فيها شأن مجلته من حيث تناول الموضوعات المختلفة، كما أنه بحكم عمله اتجه نحو تبسيط اللغة و الاقتراب من أسلوب اللغة الدارجة مما أوقعاه في الضعف و الرككة أحيانا.
والذي يجدر ذكره أن للصحف دوراً بارزاً في نشوء القصة العربية و اتساع دائرتها و التقدّم بها إلي الأمام، فقد ظهر في فترة غير طويلة عدد كبير من الصحف و المجلات كصحيفة «الأخبار»، «وادي النيل»، «البشير»، «الأهرام»، «المقتطف» ، «الهلال» و… وقد خصّص كل منها قسماً للقصص الموضوعة و المترجمة، أو مجلات نصف شهرية اقتصرت علي نشر القصة و الرواية، منها «سلسلة الفكاهات في أطايب الروايات»، «حديقة الأدب»، «مسامرات الشعب»، «الروايات الجديدة»، و… .
ومن أعلام القصة و الرواية في هذه المرحلة فرح أنطوان (المدن الثلات، الوحش الوحش الوحش، أورشليم الجديدة)، نقولا حداد (النص الشريف، كله نصيب، حواء الجديدة، آدم الجديد)، يعقوب صروف (فتاة مصر، أمير لبنان، فتاة الفيوم)، لبيه هاشم (قلب الرجل)، طاهر حقي (عذراء دنشواي)، منفلوطي (العبرات و النظرات) و… .
وصفوة القول في القصة و الرواية العربية في هذه المرحلة أن أعمال هؤلاء الكتاب كانت في أغلبها تقليد للقصة الغربية، يغلب عليها السرد التاريخي أو الاجتماعي دون ارتباط بمذهب فني واضح، و لم يكن أحد من هؤلاء الكتاب قاصاً متخصصاً، بل كانت القصة فنّا و عملاَ ثانوياً بالنسبة إليهم، و بالنسبة إلي المهنة التي يعملونها، و هو العمل الصحفي؛ فسليم البستاني و فرح أنطوان، و نقولا حداد، و يعقوب صروف، و جرحي زيدان و… كانوا يصدرون مجلات شهرية، و كانت القصة المتسلسلة تمثل جزءاً من هذه المجلات. و لهذا فإن العمل القصصي في هذه المرحلة ينقصه التخصص و فنية العمل، و هو عند هؤلاء تقليد للاتجاهات الغربية، و ليس منبعثاً انبعاثاً حقيقاً من البيئة العربية.
ولكن هنك ظاهرة فنية يجدر الوقوف عندها، و هي الجهود الروائية للذين مضوا إلي المهجر، فأتيح لهم الإطلاع علي النماذج القصصية الغربية بكمل وجه، فتأثروا بها فنضجت أعمالهم حيث تختلف عن النماذج القصصية في البلد العربي، فلا شك أن إنتاجات جبران من القصة و الرواية كـَ«عرائس المروج (1906) و.«الأرواح التمردة (1908)»، و «العواصف (1910)»، و «الأجنحة المتكسرة (1912)» و… كان لها طعم جديد، إذ يبدو فيها روح التمرد علي عوامل الجمود و موانع التطور، أو أن ما صدر عن أمين الريحاني كرواية «خارج الحريم» تختلف كثيراً من ناحية تعقّد الأحداث، أو رواية «زنبقة الغور» فإنها تمثل تطوراً ملحوظاً عن نماذجها السابقة.
ثم من الذين هاجروا إلي خارج الوطن العربي و كتبوا فيه، و خرج نتاجهم ثمرة لتزواج المجتمعين العربي و الأروبي، الدكتور محمد حسين هيكل الذي نشر رواية «زينب (1914)» حيث اعتبرت هذه القصة في رأي البعض بأنها بشّرت مرحلة جديدة في القصة العربية، ألا و هي مرحلة التكوين القصصي العربي.
ب- مرحلة تكوين القصة العربية الحديثة (1914-1939)
إن فترة ما بين الحربين العالميتن اعتبرت مرحلة تكوين الأدب القصصي و الروائي عند العرب، فالحرب العالمية الأولي و ما تبعها من أحداث و تحولات في تركيب المجتعمات العربية، و من تغيير في القيم و الموازين، و من تطور في الثقافة و السياسة و الوعي القومي و الانتفاضات الوطنية و…، كل هذه خلقت جوا جديداً و ذوقاً مختلفاً عن سابقه، و تطلّبت بناءً و أسلوبا جديداً للتعبير عن هذه التحولات الجديدة.
وكما أشرنا سابفاً أن اللبنانيين كانوا من رواد القصة في الفترة الأولي، لكن في هذه الفترة إثر هجرة اللبنانيين إلي مصر و… بسبب الحروب و الفتن الداخلية، انتقلت الريادة إلي أيدي المصريين، و بما أن الجيل الجديد منهم أقبلوا علي العلوم الجديدة و تعرّفوا إلي الثقافة الأروبية و اطلعوا علي إيدئولوجيات التحرر و الاستقلال، شكلوا أحزاب سياسية و منظّمات جديدة تهتف بالوعي السياسي و الاجتماعي و التحرر الوطني، كما أسسوا صحفاً تبثّ الاعتزاز بالشخصية المصرية و الروح الوطنية في الشعب حرصاً منهم علي إحياء التاريخ المصري القديم لبثّ روح الأمل في الشعب و الخروج من التخلّفات التي يحسّون بها عند قياس أنفسهم بالبلدان الأروبية، لذلك وسّعوا في نشر الصحف و المجلات، و غيروا المناهج و المنظّمات التعليمية و نسّقوها حسب المناهج و المنظّمات الغربية كما انتقدوا كثيراً من العادات و التقاليد الشعبية التي تمنعهم من الحركة السريعة نحو التقدّم و الرقي.
نعم، كل هذا كوّن مناخاً جديداً و جواً مختلفاً كان يتطلب جيلاً جديداً من الكتاب ليستوعبه و يهضمه و يخرج منه ثمرة جديدة لمجتمع جديد رنا إلي التقدّم و الرقي.
وهكذا أخذت القصة العربية بعد الحرب العالمية الأولي طابع المحلية و القومية، و بدأت تصوّر فئات من المجتمع المصري أو اللبناني أو السوري أو العراقي بغية تحسين فضاء المجتمع.
وفي هذا البحر المتلاطم في مصر ظهر كتاب صوّروا مجتمعهم خير تصوير؛ منهم طه حسين الذي له دور هام في إرساء قواعد الفن القصصي، و من أعماله: «الأيام (1929)»، «أديب (1935)» حيث انتقد فيهما القضايا الاجتماعية و التعليمية و التربوية في المجتمع المصري، و «دعا الكروان (1941)» و… .
ومنهم توفيق الحكيم الذي عني بتصوير الواقع و المشكلات الاجتماعية. و من آثاره: «عودة الروح (1931)»، «يوميات نائب في الأرياف (1937)»، «عصفور من الشرق (1938)».
ومنهم محمود تيمور الذي اهتمّ بقضايا ماوراء الطبيعة و الروحانية الشرقية في رواية «نداء المجهول (1939)»، كما عني بقضايا اجتماعية و نزعات إنسانية في رواية «سلوي في مهب الريح».
ومن أعلام آخرين عيسي عبيد «ثريا (1922)»، طاهر لاشين «حواء بلا آدم (1934)»، محمد تيمور و… .
من الظواهر اللافته للنظر في هذه المرحلة ظهور اتجاه التحليل النفسي و تبيين أثره علي الأدب، و قد حمل لواء هذا الاتجاه العقاد و المازني، و ذلك بتأثرهما بمدرسة التحليل النفسي الغربي، و أرسا أسساً و قواعد في تأليف و تحليل القصص و الروايات. فمن آثار المازني: «ابراهيم الكاتب (1931)»، «ابراهيم الثاني»، «عود علي بدء (1943)»، و…، و من آثار العقاد: رواية «سارة (1938)» التي هي صورة واضحه من منهج العقاد التحليلي.
وقد بدأ الوعي القومي و الإحساس بالشخصية في البلاد العربية بتأثير مصر حيث نري في لبنان ظهرت قصص و روايات علي غرار القصص و الروايات المصرية و عالجت القضايا القومية والمشكل الاجتماعية كرواية «العمال الصالحون (1927)» لإلياس أبوشبكه حيث تصور فيها انتحار طفل في السابعة من عمره ليتخلص من حياة الشقاء التي تسومه إياها امرأة أبيه.
ثم كرم ملحم كرم الذي أنقذ الرواية اللبنانية من هاوية السقوط و أحياها من جديد؛ ومن رواياته: «بونا أنطون (1937)»، «صرخة الألم (1939)»، «الشيخ قرير العين (1944)»، «دمعة يزيد»، «صقر قريش»، «قهقهة الجزائر» و… و قد جمع في رواياته الاتجاه التاريخي و الاجتماعي، إلا أنه يتفوق في الاجتماعية علي نفسه في التاريخية.
ومن أعلام آخرين للقصة و الرواية اللبنانية في هذه الفترة لطفي حيدر، و له رواية «عمر أفندي (1937)»، فقد تصور فيها كوارث اجتماعية للحرب العالمية الأولي.
ومنهم أحمد مكي، و من أعماله «النداء البعيد (1939)»، تتمحور الرواية حول اختلاف الأديان حيث يمنع من زواج متحابين.
ومنهم توفيق عواد الذي اعتبر قمة الروائيين اللبنانيين في هذه الفترة، و من أهم آثاره: «الرغيف (1939)»، و يدور موضوعها حول صراع العرب من أجل استقلالهم.
وأما البلدان العربية الأخري أيضاً فقد خطت خطوات هامة في مجال القصة و الرواية في هذه الفترة، ففي سوريا ظهرت جهود لافتة للنظر، و من أهمها أعمال معروف الأرناؤوط التاريخية كرواية «سيد قريش (1929)»، «عمر بن الخطاب (1936)»، إلا أنها من الناحية الفنية أقرب إلي جهود الفترة الأولي، و إن تمتّ زمنياً إلي هذه الرحلة. كما أن العراق و الأردن والسودان أيضاً لها قصص و روايات، لكنها تقلّ عن البلدان السابقة من ناحية الكمّ و الكيف.
وإذا وقفنا عند الخطوط العامة عند روايات و قصص هذه المرحلة يتبين أنها في مجموعها صورة صادقة عن أفكار الطبقة الوسطي تتمثل فيها الأحلام و الهموم و القيم و الموازين التي تتعلق بهذه الطبقة الجديدة المتوسطة، و من سمات أبناء هذه الطبقة حب الإستكشاف، و حب البحث عن الحقيقة، و الرغبة في المعرفة، و خوض المخاطر و التجارب الجديدة التي لا عهد لهم بها، ثم من سماتهم الأخري التأمل في ملكوت السماوات و الكون، و حب الطبيعة و الشغف بجمالها و… .
والطبقة الاجتماعية التي تناولتها قصص و روايات هذه الفترة بالتصوير و التمثيل هي الطبقة البرجوازية المتوسطة، و لذلك لا نجد فيها تعلقاً بالطبقات الأرستقراطية أو تمثيل عاداتهم و قيمهم، كما لا نجد فيها الصراع الطبقي و التنظيم الإقطاعي و ما يتفرع عليه من تكوين الطبقة الحكمة و الطبقة المستبدة، و طمس فردية الانسان و حريته، بل استبدل كلها إلي أهمية الفرد، و التكيد علي شخصيته و تجاربه و قدرته في التخلص من الكوارث و المصائب التي تعترض سبيله نحو التحرير و الانطلاق و البحث عن المجهول و… .
ومن الناحية الثقافية أيضاً أن أعمال هذه المرحلة ثمرة من ثمرات امتزاج الفكرين الشرقي العربي بالغربي الأروبي و تفاعلهما في شتي المجادلات، كما أنها تمتاز بالتخلص من ثنائية الثقافة و ثنائية الشخصية و ازدواجية المشاعر و انقسام الكاتب إلي شقين في لحظات كتابة القصة و الرواية؛ و ذلك أن الثفاقة الغربية تمثلت و دبّت في فكره و سلوكه، شأنها شأن ثقافته الأصيلة، فتفاعلت الثقافتان و أصبحتا شيئاً واحداً تنتجان ثمرة مشتركة.
والذي يجدر ذكره أن القضايا الاجتماعية التي طُرِحَت في أعمال هذه المرحلة طُرِحَت من أجل إيجاد الحلول لها و معالجتها و إصلاحها، كأن شأن الكتّاب شأن المصلحين نفسه.
والنقطة الأخيرة أن كتّاب هذه المرحلة لهم رسالة اجتماعية فنية؛ فمن الناحية الاجتماعية فإنهم أصبحوا كمصلحين يبدون مواقفهم من التقاليد و الصراعات الاجتماعية و…، و من الناحية الفنية لم تعد الأعمال القصصية و الروائية سبيلاً من سبل التفكه أو التسلية أو منبراً لإلقاء المواعظ و النصائح أو وسيلة لعرض المعلومات و المعارف و… بل أصبحت الغاية فنية، و أصبحت الكتابة في هذا الفن عملاً يعتز به صاحبه، و يتثقف من أجله و يبحث عن كل وسائل النجاح من أجل إخراج عمله عملاً فنياً رائعاً يجمع بين الرسالة الاجتماعية و الفنية.
جـ- مرحلة تأصيل القصة العربية
هذه المرحلة هي المرحلة الأخيرة في تطور القصة و الرواية العربية، والتي اعتبرت قمة المراحل و تسمّت بمرحلة التأصيل. و قد تداخلت هذه المرحلة بالمرحلة السابقة عقداً من الزمن حيث كانت الثلاثينيات خاتمة مرحلة التكوين و مدخلا إلي مرحلة التأصيل حيث اختارت الرواية والقصة العربية اتجاهاً جديداً نتيجةً لأسباب و عوامل مختلفة لم تكن ميسرة لهما في المرحلة السابقة.
وقد أتيحت الفرصة في هذه الفترة للكتّاب للاطلاع علي المناهج و طرق البحث العلمي و الكاديمي كما أتيحت الفرصة للاطلاع علي أنواع الدراسات النفيسة و التحليلة و الرمزية، و الأهم من هذه كلها أتيحت فرصة الإطلاع علي اللغات الأجنبية و الدراسات الواسعة في ميادين الأدب والقصص والفروع المختلفة للفكر الأروبي بلغاته الأصلية، و كان للجامعة المصرية فضل أساسي في تمهيد هذه كلها، إذ هيأت جيلاً حسب الأصول العلمية و المناهج الكاديمية الحديثة مهتمةً بأنواع العلوم كعلم النفس والفلسفة والاجتماع والتاريخ، وجَعلِها في متناول اليد؛ زد علي ذلك الدعوة إلي الحرية في التفكير والإشادة بالقيم الديمقراطية التي عني بطرحها الأساتذة الجامعيون علي هذا الجيل، كل هذه أخرج جيلاً جديداً من الكتّاب اتجه في كتاباته نحو الواقعية مستعيناً بقوي العقل و المنطق في مواجهة الأحداث والمشكل و التعبير عنها، و ابتعد عن تلك النزعة الرومانتيكية السابقة.
وقد أطلق علي هذا الجبل من الكتاب عنوان «جيل الجامعيين» و ذلك أنهم كانوا من خريجي الجامعة؛ منهم: علي أحمد بكثير خرّيج في قسم اللغة الإنكليزية؛ عبدالحميد جودة السحار خريج كلية التجارة والاقتصاد؛ يوسف السباعي خريج الكلية الحربية؛ إحسان عبدالقدوس خريج كلية الحقوق؛ يوسف إدريس خريج كلية الطب، و قمة روائي هذه المرحلة نجيب محفوظ خريج كلية الآداب، قسم الفلسفة؛ عبدالرحمن منيف الدكتوراه في العلوم الاقتصادية و… .
والنقطة الهامة في أعمال هؤلاء الروائيين أنهم تخلصوا إلي حد بعيد من العيوب التي كانت في أعمال المراحل السابقة من الناحية الفنية، كما حاولوا التخلص من عقدة الانبهار و الإعجاب بالثقافة الغربية، و من الخطف السريع لثمار الفكر الأروبي دون أن يكون علي وعي و منهجية، و رغم كل هذه التطورات الطارئة علي القصة و الرواية العربية من ناحية البناء الفني إلا أنها مازالت تحتاج إلي الكتمال في تشكيل بنائها الفني، إذ هي لم تخرج في معظمها عن قصص و رواياتِ شخصيات أو أحداث كما أنها لم تكتمل بعدُ من ناحية الأسلوب حيث ترواح أسلوبها بين التصوير، و هو طابع الأسلوب الروائي و بين التقرير، و هو طابع المقالة.
وبعد نجيب محفوظ الذي أسّس البناء الفني للقصة و الرواية العربيتين و بلغ بهما الذروة لحد بعيد، بدأت فترة نهضوية متميزة بفضل الأحداث الدامية التي حدثت في الخمسينات و الستينات، و من أهمها هزيمة 1967؛ ففي هذه المرحلة استطاعت القصة و الرواية أن تتطور و تتقدّّم كثيراً حيث ارتفعت منها تلك النقيصة التي أشرنا إليها من ناحية الأسلوب والتشكيل، إذ ظهرت تحريرات عديدة في مضامينها و أشكالها بالمقارنة مع الشكل الروائي السابق. فمن ناحية المضمون و المحتوي حاول الروائيون الجدد بعد نجيب محفوظ استيعاب كل التحولات التي وقعت في المجتمع العربي دون العناية بطابع المحلية و حصر أنفسهم فيها كالجيل الماضي، فظهرت أسماء كثيرة في عالم القصة و الرواية من الأقطار العربية المختلفة كجبرا ابراهيم جبرا، غسان كنفاني، حنّا مينة، عبدالرحمن منيف، جمال الغيطاني، الطيب صالح، غادة السّمان، حليم بركات و…، فأعمال هؤلاء وإن تفترق علي المستوي الجغرافي، لكنها تلتقي في قضايا و موضوعات مشتركة كالحرية و التحرر، السياسة، الانتماء الوطني و القومي، القضية الفلسطينية، الصراع الطبقي و… .
وأما علي المستوي الشكلي فظهرت تنويعات في أساليب السرد و تعدّد التقنيات في المزج بين الوصف و التذكر و المشاهد الحوارية و… ممّا جعلت القصة و الرواية العربيتين تنفصل كثر فكثر عن التقليد الأروبي، و جعلتها تعرفان التطور والتقدّم كمثيلتهما الأروبية.
3- الرواية العربية المعاصرة
عرف الأدب العربي الحديث أنواع قصصية متعددة، منها الأقصوصة، و قصة قصيرة، و قصة، و رواية، و سيرة ذاتية و…، والذي يهمنا هنا هي الرواية، و هي التي يعالج فيها المؤلف موضوعا كاملا أو كثر، زاخراً بحياة تامة واحدة أو كثر، فلا يفرغ القاريء منها إلا و قد ألمّ بحياة البطل أو الأبطال في مراحلهم المختلفة. و ميدان الرواية فسيح أمام القاص يستطيع فيه أن يكشف الستار عن حياة أبطاله و يجلو الحوادث مهما استغرقت من وقت.
ولقد كان نشوء الرواية في الأدب العربي موكبا لبداية عصر النهضة، و قد كثر الحديث عنها بين النقاد من المستشرقين و العرب حول بدايتها حيث وقفوا إزاءها مواقف متبانية، أهمها رأيان متباينان: أحدهما يري أن الجنس الروائي حاضر في التراث العربي، و الثاني ينفي أن تكون هنك أية صلة بين الرواية و تلك الأنماط القصصية القديمة.
وعلي الرغم من أن الكثير من الباحثين أنكروا الصلة بين نشأة الرواية العربية و بين التراث القصصي عند العرب، إلا أن هذا الارتباط حاضر، و قد ألقينا الضوء عليه خلال الرصد السابق للقصة بوصفها مشتملا علي الرواية أيضاً، إذ بدت الجهود الروائية الأولي متأثرة بالتراث العربي من ناحية المادة، و هذا ما ظهر بشكل جليّ في الرواية التاريخية التي اهتمّت بإحياء جوانب من التاريخ العربي والتركيز علي أحداثه البارزة، و في هذا الإطار تدخل أعمال الروائية التاريخية لجرجي زيدان، و علي الجارم (شاعر ملك، سيدة القصور…)، و محمد سعيد العريان (قطر الندي، بنت قسطنطين)، و محمد فريد أبو حديد (ابنة الملوك، المهلهل) و… ثم تلتها نتاجات أخري كتبت علي النمط القديم خاصة المقامة، نذكر منها مثلاً: «الساق علي الساق» لفارس شدياق، و «مجمع البحرين» لليازجي، و «حديث عيسي بن هشام» للمو يلحي، إلا أن هذه الأعمال تختلف عن الرواية الحديثة من ناحيتين؛ الأولي: من ناحية الأسلوب والبناء حيث تراوحت هذه الأعمال بين المقالة و المقامة، و اعتمدت علي السرد الحدثي دون تحليل الأحداث و الشخصيات ممّا جعلت الرواية في هذه الفترة غامضة الملامح و أفضت عليها طابع التقريرية؛ و الثانية: من ناحية الغاية و الهدف حيث الغاية من هذه الأعمال لم تكن فنياً بقدر ما كان تعليماً، و ذلك أن هؤلاء الرواد كانوا إما مصلحين، و إما علي صلة مع زعماء الإصلاح، و لذلك جاءت أعمالهم تعليمية مضمونية. و هكذا تستنج الصلة بين الرواية العربية الحديثة عند ظهورها، و بين الترات القصصي و الروائي عند العرب خاصة المقامة.
وقد اتخذ فريق آخر موقفا معارضاً للفريق الأول في نشوء الرواية العربية حيث يرجعه إلي تأثّر الأدب العربي بالأدب الغربي في عصر النهضة مستنداً في تعليل فقدانها إلي ضعف الخيال العربي و اختلاف لغة الأدب و لغة الكلام عند العرب، و انتشار الأمية إلي حد كبير في البلاد العربية، و قلة الأساطير، و سجال الحروب و اعتزال المرأة عن الحضور في الاجتماع و …، كل هذه ما أفقد الأدب العربي القديم من جنس الرواية.
والذي يمكننا أن نقول بعد اطلاعنا علي هذين الرأيين المختلفين أن الرواية العربية الحديثة ظهرت متأثّرة بالأدب الغربي، فإنها و إن كانت في بدايتها تأثرت بالتراث العربي القديم من ناحية المادة و المضمون، لكنها سرعان ما انقطعت صلتها بذلك التراث، و تأثرت إلي حد بعيد بالرواية الغربية ممّا أدّت إلي تراجع المحاولات الأولي التي ظهرت متأثرة بالتراث القصصي والروائي العربي، فالكثير من الكتاب في هذه الفترة شغفوا بترجمة الروايات الغربية الرومانسية، و تركوا الاهتمام بتطوير ثراثهم الشعبي ممّا أدّي إلي رفض التراث القديم و قطع الصلة بينه و بين الرواية الفنية، كما أدّي إلي تغيير الغاية التعليمية من الرواية في الطور الأول إلي التسلية و الترفيه.
وعلي الرغم من اتصال هؤلاء الكتاب بالروايات الرومانسية الغربية عن طريق ترجمة تلك الآثار أولاً ثم التأليف و الإبداع علي منوالها، إلا أن سمات الرواية التقليدية تظهر بوضوح في أعمالهم من ناحية الأسلوب و السرد التقريري، و هكذا ظهر الاتجاه الرومانسي في الرواية العربية، و تجلّي ذلك في أعمال مصطفي لطفي المنفلوطي، و هيكل (زينب)، و جبران، و الريحاني، و كرم ملحم كرم (لا تنتحي، فريد، حرفة الألم و…) و محمود السيد، و علي الشبيبي (رنّة الكأس)، و خليل عزمي (دلال) و رضاء الدين الحيدري (الخطيئة).
وقد استمرت هذه النزعة فترة من الزمن إلي أن ظهرت إثرها أعمال أخري اهتمت بالترجمة الذاتية، و ذلك أن الرواد الأوائل اصطدموا بعقبات كثيرة في محاولتهم لخلق نوع روائي؛ و من أعلام هذا الاتجاه طه حسين (الأيام)، و المازني (ابراهيم الكاتب)، و توفيق الحكيم (عودة الروح) و …، والغاية من هذه الروايات الذاتية إبراز الشخصية و الارتباط بالواقع.
وعندما وصلت الرواية العربية إلي فترة الثلاثينات اتجهت نحو الواقعية متأثرة بالثقافة و الفكر الأروبي، و من نماذج هذا الاتجاه أعمال طه حسين، محمود تيمور، توفيق الحكيم، عبدالرحمن الشرقاوي (الأرض)، نجيب محفوظ (خان الخليلي، زقاق المدق، بين القصرين)، محمود أحمد سيد و… والغاية عند أصحاب هذا الاتجاه الوعظ الاجتماعي أو السياسي، و التعريض بالعادات، و النقد الاجتماعي و… .
ومن الاتجاهات الأخري للرواية العربية الحديثة الاتجاه النفسي، و هو حديث التكوين بعكس النزعة الباطنية البعيدة الغور، و قد تسمّي في الرواية العربية بتيار الوعي أو قصة الحوار الفردي الصامت أو القصة التحليلة. و قد ساعدت الرومانتيكية بنزعتها الذاتية في ظهور هذا النوع من الرواية، و هو يتميز بتركيز الاهتمام علي بطل أساسي بدلاً من توزيعه علي عدة أشخاص.
والشخصية التي يرتكز عليها الكاتب ليست إلا ستارا يشرح الكاتب من خلاله أفكاره الخاصة و عواطفه، حتي البطل في هذه الرواية صورة عن المؤلف. و من أعلام هذا الاتجاه عيسي عبيد (ثريا) و محمود تيمور، و طاهر لاشين (حواء بلا آدم)، و العقاد (سارة)، و المازني و… .
وأما الاتجاه الرمزي في الرواية العربية ظهر متأخراً عن الاتجاه الرومانتيكي، و هو ظهر في بعض نتاجات الكتّاب العرب من أمثال نجيب محفوظ (اللص و الكلاب، الشحاذ، أولاد حارتنا، السمان والخريف، الطريق)، و يحيي حقي، والنقطة الهامة أن الرمزية المحضة علي طريقة الغربيين نادرة في الروايات العربية.
والإتجاه الاجتماعي في الرواية العربية اقترن باتجاهات أخري، و كان كتّاب المهجر من أبرز الذين ساهموا في تكوين هذا الاتجاه، إذ صوّروا الكثير من المشكل الاجتماعية والتقاليد الشعبية، و من أبرز أصحاب هذا الاتجاه ميخائيل نعيمة، و كرم ملحم كرم.
هذه كانت أهم المحاور التي تناولتها الرواية العربية قبل السبعينات، و قد وردت الرواية العربية في فترة السبعينات و ما بعدها إلي مرحلة جديدة تنوعت إلي حد كبير من ناحية الأساليب و السرد و التخلص من الأسس التقليدية للسرد، كالعرض، والعقدة، والحل، كما تقدمت كثيراً في التخييل والتصوير؛ و من ناحية المضمون أيضاً حاولت استيعاب جميع التحولات التي حدثت في المجتمع العربي مع الخروج عن طابع المحلية، و تناوُلَها بالتصوير والتمثيل أينما كانت و وقعت، لذلك اهتمت بالهمّ القومي، و الصراع الطبقي، و القضايا السياسية، قضية فلسطين، الحرية والتحرر و… و من أعلام الرواية العربية في السبعينات و ما بعدها جبرا ابراهيم جبرا، غسان كنفاني، حنا مينة، غادة السمان، عبدالرحمن منيف، الطيب صالح، سحر خليفة، سهيل إدريس و… .
اتجاهات الرواية العربية في السبعينات
لحد الآن ما ذكرنا حول نشأة الرواية و الاتجاهات التي ظهرت فيها كانت كلها مطبوعة بطابع الرواية التقليدية، لكن في أواخر الستينات و بداية السبعينات ظهرت ثوراث عنيفة علي الرواية التقليدية المستهلكة، أدت إلي ظهور اتجاهات جديدة، و إن كانت هي متأثّرة بالغرب لحد بعيد، إلا أن التأصيل والتكوين ظهرا فيها في أسرع وقت ممكن، و هذه الاتجاهات الجديدة هي:
أ: رواية تيار الوعي
كان هذا الاتجاه بمثابة ثورة عارمة علي الرواية التقليدية، و قد بدأ في الأدب الغربي في نهاية القرن التاسع عشر وامتدت إلي النصف الأول علي يد «ما رسل بروست (البحث عن الزمن الضائع)»، و « جيمس جويس (أوليس)». و بهذا التيار ظهرت بلبلة في عالم الرواية، إذ قبل ذلك كان الطابع الأساسي للرواية هو تسلسل الأحداث، و تفاعل البطل مع هذه الأحداث، لكن بظهور هذا التيار تغير الأسلوب، و أصبح كتشاف العقل والباطن الخفي مثار الاهتمام، لأنه المحرك الأساسي للفكر و السلوك.
و مقومات هذا الاتجاه أو التيار تتلخص فيما يلي:
الف) المونولوج الداخلي المباشر، و فيه يغيب المؤلف، و يتم الحديث فيه بضمير المفرد و الغائب.
ب) المونولوج الداخلي غير المباشر، و فيه يحضر المؤلف عبر الوصف و التعليق، و يقوم الحكي فيه بضمير المتكلم.
ج) وصف الوعي الذهي للشخصيات.
د) مناجاة النفس.
هـ) التداعي الحر من طريق الخيال و الحواس.
و) المونتاج السينمائي عن طريق تعدد الصور و تواليها.
وفي الأدب العربي تأثّر روائيون كثيرون في فترة الستينات والسبعينات بهذا التيار الذي أدي إلي تفاهم التعبيرات الرمزية في أعمالهم؛ منهم نجيب محفوظ (الشحاذ)، حيدر حيدر (الزمن الموحش)، هاني الراهب (ألف ليلة و ليلتان)، و غادة السمان و… .
والذي ساعد علي انتشار هذه المدرسة الروائية هي الروايات المترجمة المكتوبة بهذا الأسلوب ثم ترجمة مفاهيم علم النفس، و ترجمة آراء فرويد و … حيث أثّرت في انتشار ذلك.
ب: الرواية الطليعية
والاتجاه الثاني في الرواية العربية بعد السبعينات هو الاتجاه الطبيعي أو الرواية الطليعية، و هي تعني استخدم تقنيات فنية جديدة تتجاوز الأساليب و الجماليات السائدة و المعروفة، لكن بهدوء و بطء و تمهّل.
وقد تميزت الرواية الطليعية باستخدام تقنيات السينما، و التقطيع إلي صور و لوحات مستقلة تعطي مجتمعة انطباعاً و إحساسا واحداً، كما تميزت باستخدام المونولوج الداخلي، و الفلاش بك في تصوير ماضي الأبطال، كما أن من ميزاته الأخري أسلوبها الشعري، و النسبية أو النظر إلي الحادثة الواحدة من زوايا مختلفة و عديدة.
ومن الروائين العرب الذين تجلّت هذه العناصر في نتاجهم، جمال الغيطاني، صنع الله ابراهيم، اميل حبيبي، جبرا ابراهيم جبرا، الطاهر وطّار، عبدالرحمن منيف، الياس خوري و… .
جـ: الرواية التجريبية
هذا الاتجاه أحدثُ اتجاه ظهر في العالم الروائي، والذي اعتمد عليه المعاصرون بوصفه تقنية جديدة من أجل تجاوز واقعهم الفني المستهلك، فقامت الرواية التجريبية علي توظيف البناءات والأحلام اللغوية، و استقلال تقنيات الشعور و اللاشعور، و انثيال الوعي و اللاوعي والأحلام، و إلغاء عنصري الزمان والمكان و… .
وقد ظهر هذا الاتجاه بغية بناء أدب مضادّ للابداع المتعارف عليه مسبقا عن طريق تدمير البنيات الشكلية للرواية، والعناصر الفنية، و تفجير اللغة، والخروج علي الأنماط الروائية السائدة نحو الإبداع و الإبتكار، و الولوع إلي عالم مستقبلي مجهول منقطعاً عن الماضي و الحاضر، متفائلا إلي المستقبل. ومن أشهر الروائيين الجدد، أحمد المديني حيث يري أن الرواية هي فيض لغوي و ثراء لفظي يتجاوز العادي و المألوف خارجاً عن البناء الروائي السابق. و من أشهر رواياته (زمن بين الولادة و الحلم).
المصادر
1- الاتجاه القومي في الرواية، مصطفي عبدالغني، عالم المعرفة، الكويت، 1994م.
2- الأدب القصصي و المسرحي، احمد هيكل، الطبعة الرابعة، دار المعارف، 1983م.
3- تطور الأدب الحديث في مصر، احمد هيكل، الطبعة السادسة، دار المعارف، مصر، 1994م.
4- تطور الرواية العربية الحديثة، عبدالمحسن طه البدر، الطبعة الثالثة، دار المعارف، 1976م.
5- تطور الرواية العربية الحديثة في بلاد الشام، ابراهيم السعافين، دار المناهل، بيروت، 1987م.
6- تطور فن القصة اللبنانية، علي نجيب العطوي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1982م.
7- تكوين الرواية العربية (اللغة و رؤية العالم)، محمد كامل الخطيب، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1990م.
8- الرواية العربية: النشأة و التحول، محسن جاسم الموسوي، دار الآداب، بيروت، دون تاريخ.
9- الرواية العربية المعاصرة: بدايات و ملامح، محمد عزام، مجلة المعرفة، العدد 388، 1996م.
10- في الجهود الروائية (من سليم البستاني إلي نجيب محفوظ)، عبدالرحمن ياغي، دار الفارابي، بيروت، 1999م.


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

النهضه الادبيه العربية الحديثة

النهضه الادبيه العربية الحديثة
1/-المقـــدمـــــــــــــة:
منذ سقوط بغداد على يد التتار والادب العربي يشهد تراجعا حثيث الخطى على مدى الاحقاب المتتابعه حتى انطفئت شعلته وبهت بريقه الا من وميض باهت ينبعث من حين الى اخر من بين دجور الظلام الذي عم الحياه الادبيه بفنونها المختلفة.

واستنادا الى حركه التاريخ فقد تبدل هذا الحال فر اواخر العقد الاخير من القرن الثامن عشرإذ أفاق الادب العربي من سباته وتحرر من جموده وبفضل هذه النهضه استعاد الادب حيويته ونضارته واصبح عاملاً من عوامل تكوين الأمة ورافدا من روافد تقدمها وازدهارها
2/- عوامل النهضه الأدبية:
نواميس الكون وسننه إن لكل حدث ذي بال عوامل تسهم في ظهوره
وتساعد على تطوره واستنادا الى هذا المفهوم فان لهذه النهضه الادبيه عوامل عده
أسهمت في بزوغ فجرها
1/- اليقظة الوطنية:
إستيقضت مصر و الأمة العربية بعد الحملة الفرنسيه بقياده نابليون من سبات عميق
وفتحت عيونهم على حضارة جديدة لم يعهدوها من قبل وتبين لهم ان غازي اليوم اكثر خطرا على قيم الامة ومعتقداتها غير ان ما حدث نتيجة هذه الحملة هو كالاتي:
ـ ايقاظ الروح الوطنيه والقوميه والاعتزاز بها
ـ الاندفاع الى طلب المعرفه والاتفاده منها
ـ التمسك بهويه الامه والدفاع عنها
وهكذا بدات اولى الخطوات نحو نهضه شامله

2/- الاتصال بحضارة العصر:

وفر الاتصال بالحضاره العصريه التي كانت سائده دفعه قويه للاستمرار بالنهضه الحديثه ونموها وشمولها لعدد من جوانب الحياه وكان لجهود (محمد على باش)
الذي طرد الفرنسيين من مصر عام 1801م ثم اصبح حاكما عليها اثر كبير في الاتصال بهذه الحضاره والاستفاده من علومها ومعارفها وقد تحقق من هذا الاتصال الاتي
أ/- انتشار التعليم الحديث
عمل ( محمد على باشا ) على فتح العديد من المدارس العسكريه والمدنيه على
الطراز الاوروبي واستدعى البعثات العلميه من اروبا للتدريس فيها وايضا قام الاب بطرس في انشاء مدارس في الشام وقد اسهم خريجو هذه المدارس في حركه التحديث التي شهدتها المنطقه
ب/- البعثات العلمية
ارسل العديد من طلاب مصر والشام الى اوروبا للدراسه في شتى المجالات العليمه المدنيه والعسكريه وكان اكثرها عددا تلك التي ارسلها ( محمد على باشا ) الى ايطاليا عام 1813م والى انجلترا في عام 1831م وقد اسهم هؤلاء الطلاب بعد عودتهم في التحويلات الاجتماعيه والثقافيه
ج/- الترجمة
انشات دار الالسن في مصر برئاسه رفاعه الطهطاوي فعملت على تدريس اللغات الانجليزيه والفرنسيه والايطاليه والتركيه وكذالك فعلت مدارس ( عين طوره
في الشام فاتسعت دائره متعلمين تلك اللغات واسهموا في ترجمه بعض الكتب في القانون والادب والتاريخ والعلوم وغيرها فاستفادت اللغه العربيه من ذالك اذ تم رفدها ببعض الكلمات الجديده المعربه من المصطلحات العلميه في شتى شتى المجالات

د/- الطباعة والصحافة
عرفت مصر الطباعه منذ عهد نابليون ثم عهد محمد على باشا أين انشئت مطبعة بولاق الشهيره التي كان لها الاثر الكبير في نشر عيون التراث العربي الاسلامي
واحضر الامريكيون مطبعه الى بيروت في عام 1834م وكذالك فعل (اليسو عيون
في عام 1848م وكان من اثار تاسيس المطابع أين ظهرت الصحف والمجلات كصحيفة الوقائع في مصر عام 1822م التي عملت على نشر الوعي القومي

هـ/- الاستشراق
اسهم المستشرقون في خلق نهضة ادبية في الوطن العربي من خلال نشرهم عددا من المخطوطات والكتب القديمة بعد تحقيقها ومراجعة اصولها فقد تحققت عدد من المزايا التي اسهمت في النهضة المعاصرة منها:
1ـ انتشار التعليم وتحسين نوعيته وتعدد مشاربه
2ـ تعاظم الانفتاح على الثقافه العالميه
3ـ الاطلاع على كنوز المعرفه العلميه والرؤى الفكريه العالميه من خلال الترجمه
4ـ الاستفاده من وسائل المعرفه الحديثه كالطباعه
5ـ اسهام المستشرقين في التنبيه الى قيمه التراث وضروره حمايته
أما الادب بصوره خاصه فقد تحقق له الاتي:
1ـ اثراء اللغه بمصطلحات عليمه معربه
2ـ العنايه بالاسلوب ورقه اللفظ وسلاسته
3ـ ظهور الشعر الفصصي والتاريخي
4ـ ظهور الفن المسرحي بنوعيه الشعري والنثري
3/- احياء التراث
يعد هذا العامل اهم العوامل واشدها تاثيرا في التحولات التي واكبت
عصر النهضه

وبمراعاة هذه الإشكالية يمكن القول: إن ثمة يقظة عربية عامة قد ابتدأت، نشطة، في مصر في زمن حكم محمد علي باشا، فلقيت تجاوباً سريعاً نسبياً في بلاد الشام. وأخذت القوى الكامنة في الأمة تتيقظ بفعل مختلف البواعث التي سبق ذكرها. فتسارع إنشاء المدارس الوطنية، وتوالى صدور المجلات والصحف وتأسيس المطابع، وتزايدت ترجمات الكتب العلمية والأدبية الأجنبية إلى اللغة العربية، ونشر كثير من كتب التراث، وتألفت الجمعيات والنوادي الأدبية، وأنشئت المكتبات العامة والمسارح ومجامع اللغة العربية.. كما تزايد إنشاء الجامعات ومعاهد البحث ومؤسساته المختلفة إضافة إلى المراكز الثقافية وسائر مؤسسات «وسائل الاتصال الجماهيري» من إذاعات ومحطات بث تلفزيوني. ولا يكاد قطر عربي يخلو اليوم من وزارة للثقافة.. وكل ذلك يساعد بصورة مباشرة أو غير مباشرة في ارتقاء الإنتاج الأدبي العربي المعاصر وتعميم إيصاله إلى جماهير المثقفين والمتعلمين بمختلف السبل والوسائل المعتمدة في بقية أنحاء العالم.



التصنيفات
لغــة وأدب عربي

البلاغة القديمة والاسلوبية الحديثة


البلاغة القديمة والأسلوبية الحديثة

تداخل الحدود بين الأجناس الأدبية في النصف الثاني من القرن العشرين
عمان: «الشرق الأوسط»
عن اتحاد الكتاب العرب صدر اخيرا «قراءات في الادب والنقد» للدكتور شجاع مسلم العاني يتضمن دراسات نقدية في القصيدة المعاصرة وفي الرواية وفي التفكيكية والنص والاسلوبية وقضايا اخرى في النقد العربي المعاصر.

يشير المؤلف بداية الى نشوء قارئ جديد وقراءة جديدة بفعل التقدم العلمي والحضاري والثقافي الذي كان من نتائجه ازدياد القدرة التحليلية عند القراءة والتي كان من نتائجها عزوف القراء عن الشعر والعروض معا مما دفع بالشعراء بالمقابل الى ان يولجوا هذا القارئ المثقف الى «ساحة غير المعقول».

ويرى ان «التسلسل التاريخي» الذي كان فخر الانسان الحديث منذ فجر النهضة قد تحول لدى كتاب وشعراء القرن العشرين الى عالم لازمني من الاساطير والخيال الموضوعي التاريخي استحال الى خيال اسطوري خال من الزمان التاريخي وهذا العالم الاسطوري اللازمني هو بالذات ما يمثل المضمون العام للادب الحديث ويقترح لغته.

واذا كانت البلاغة القديمة ـ كما يشير المؤلف ـ قد توقفت في مناقشتها لهذه الظاهرة عند حدود الجملة فان الاسلوبية الحديثة اكدت دراستها في الخطاب الى جانب الجملة اذ صار هذا الخطاب لدى العديد من شعراء قصيدة الحداثة خاليا من التسلسل الفكري والعقلي وهو يرى ان الشعر العربي عرف ظاهرة الانقطاع واليه يعود اختراع الظاهرة قبل الشعر الغربي وفي هذا الصدد يشير الى ما نقله (جان كوهن) في كتابه (بنية اللغة الشعرية) من مقطوعة من الشعر العربي تعود الى القرن الثالث عشر الميلادي وهي مقطوعة تعبر عن فلسفة الزهد تقول ابياتها: ان الكائن لا يمكن تملكه، وكل ما يمكن تملكه هو مظهره وحسب، ولكن الشاعر يقطع حديثه عن الكائن البشري ليقحم الطبيعة اقحاما غير مسوغ في عالم الانسان بجملة يقولها الشاعر (والشفق هادئ والدنيا صامتة) ويقول المؤلف ان هذا النمط من الانقطاع اي اقحام الطبيعة في الدراما الانسانية او العكس يعد من ابرز اشكال الانقطاع في قصيدة الحداثة ويأخذ الانقطاع في قصيدة الحداثة شكلين ويتم باسلوبين يكمل احدهما الاخر فالشاعر قد يتحدث عن موضوع معين ولكنه يهمله ليتحدث عن موضوع اخر لا علاقة بينه وبين الموضوع الاول ولا يجمع بينهما اي جامع عقلي واضح وبهذا يقطع التسلسل الفكري في القصيدة حتى وان استخدم حروف العطف المقرونة كأدوات للربط بين الجمل الشعرية او ان يترك جمله الشعرية مستقلة عن بعضها. وفي الحالتين نكون ازاء بنية في لغة القصيدة التي اطلق عليها المؤلف (الانقطاع) ومثل لهذين الاسلوبين بنماذج من الشعر الحديث كما مثل بنماذج من هذا الشعر للانقطاع داخل الجملة نفسها فضلا على الخطاب.

وحين تناول سرد الشعر وشعرية السرد في القصيدة السردية اكد ان السردية تتحكم في كل خطاب مهما كان نوعه ولا يقتصر وجودها على الاجناس الادبية حسب بل يمتد ليشمل التاريخ والسينما التي تخضع في كل جنس ادبي وكل فن للقوانين البنيوية لذلك الجنس او الفن.

ويقول: اذا كان السرد الفني هو مجرد احتمال فان القصيدة الغنائية على مستوى الصيغة جنس غير نقي وكما ان وجود رواية او قصة قصيرة بلا حوار هو استثناء كذلك فان خلو قصيدة غنائية من السرد هو استثناء ايضا.

ويخلص عبر تطبيقاته الى ان الفروق بين الشعر الغنائي والاجناس الاخرى هي فروق او حدود لا تتسم بالصلابة ولا سيما في النصف الثاني من القرن العشرين الذي شهد تداخل الحدود بين الاجناس الادبية من جهة وتداخل الحدود بين هذه الاجناس والفنون عموما من جهة اخرى وقد ادى ذلك الى نشوء ما دعي بـ(النص) و (النص المفتوح) ولم يعد من قبيل المصادفة ان يستعمل الشعر والتخييل الحديثان صنعات متشابهة ويعرضان ما هو في جوهره نوع واحد من التنظيم.

وانتقل بعد ذلك الى ـ دراسة في بلاغة التناص الادبي ـ ليشير الى انه اذا كان التناص هو قانون النصوص جميعا وهو كالهواء والطعام والشراب بالنسبة للمنشئ والقارئ معا فان بعضهم يرى ضرورة الفصل بينه مصطلحا وبين مصطلحات اخرى كالسرقة والادب المقارن والمثاقفة ودراسة المصادر تجنبا للخلط وتوخيا للدقة العلمية.

وفي ما يخص القصة والرواية فان الحداثة اذا كانت تحاول عبثا الغاء الماضي واساليبه الادبية وابتكار اساليب ادبية مما لا يتقيد بأنماط سائدة ولا معايير مطردة فان ما بعد الحداثة تعود الى كل حقب التاريخ بروح متهكمة وساخرة والى الاساليب التي عرفها الادب في الماضي وبفعل هذه العودة اصبح تأمل النص لذاته اسلوبا شائعا في الرواية.


التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

آثار التكنولوجيا الحديثة على نظم الاعلام و الاتصال

المصدر : شبكة المعلومات الدولية
بلغ التقدم التكنولوجي وتزايد تكنولوجيا الاتصال والإعلام الآن درجة كبيرة من التطور تتيح التنبؤ بالاتجاهات وتحديد الآفاق، وتعيين المخاطر وعثرات الطريق التي يمكن ظهورها. ولا شك أن العلم والتكنولوجيا يحققان مثل هذا التقدم على نحو مستمر،مما قد يسهل تحطيم الحواجز بين الأفراد والأمم وأن هذا الاتجاه لا رجعة فيه، لكن النتائج التي يمكن التنبؤ بها حالياً ليست مؤاتية بالضرورة.
والمعلوم أن الاهتمام الآن مركز في كافة البلدان المصنعة، وفي عدد متزايد من البلدان النامية على الفرص الجديدة التي تعرضها الابتكارات التكنولوجية في هذا المجال، ومع ذلك فإن هذه الفرص ليست بعد في متناول أي فرد، ويرجع ذلك إلى عوامل سياسية واقتصادية، لأن كثيراً من الاكتشافات العلمية والابتكارات (الاختراعات) التكنولوجية قد توصل إليها عدد قليل من البلدان ومن الشركات غير الوطنية التي قد تستمر في السيطرة عليها لفترة طويلة قادمة. ومن ثم فمن الحيوي أن تحدد كيف يمكن أن يكون لهذه التطورات التكنولوجية أقصى فائدة لكل الأمم ولكل جماعة في داخل كل أمة، وفي نهاية المطاف لكل الرجال والنساء، وكيف تستطيع أن تساعد على التخفيف من ضروب التفاوت والظلم.
كما أن هناك إحساساً يتسع نطاقه باطراد بأن التقدم التكنولوجي يسبق قدرة الإنسان على تغير آثاره وتوجيهها إلى أفضل السبل، وهو الأمر الذي عبر عنه مفكرون كثيرون طوال قرن أو أكثر وهذه الفجوة تمثل علاقة مزعجة في مجالات معينة كعلم الحياة وعلم الوراثة والفيزياء النووية، وتتقدم التكنولوجيات الجديدة بقوة الدفع الذاتي الخاصة بها أو نتيجة للضغوط السياسية أو المتطلبات الاقتصادية وتفرض نفسها قبل إمكانية استيعابها وتفلت من جميع أشكال الرقابة الأخلاقية والاجتماعية.
وتتسم آثار التكنولوجيا الحديثة بالغموض، حيث أنها تحمل خطر جعل نظم الاتصال القائمة أقل مرونة وتضخم عيوبها واختلالها الوظيفي، فعلى الرغم من إقامة شبكات مركزية أكثر قوة وتجانساً على نحو مطرد، ينشأ خطر زيادة تركيز مصادر الإعلام العامة والمؤسسية وتفاقم ضروب التفاوت والاختلال، وزيادة عدم الإحساس بالمسؤولية والعجز لدى الأفراد والمجتمعات على حد سواء، فقد يؤدي تعدد قنوات الإرسال الذي أتاحته الأقمار الصناعية للبث المباشر إلى تنوع الأهداف والمشاهدين والمستمعين، بيد أنه من خلال اشتداد المنافسة قد يؤدي هذا التعدد إلى توحيد نمط المحتوى كما قد يؤدي على الصعيد الدولي إلى زيادة حدة التبعية الثقافية بزيادة البرامج المستوردة.
ومن المحتمل أن يؤدي إنشاء بنوك المعلومات (البيانات) المتصلة بالحاسبات الإلكترونية إلى فجوة متزايدة بين البلاد والمناطق، وذلك بتقليل الوسائل المتاحة لأفقر البلاد للانتفاع بالمعلومات. كما أن ظهور مجتمعات واسعة ترتبط فيما بينها بالمعالجة الآلية عن بعد يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التناقض الظاهر فعلاً بين تكامل البلدان وسيادتها. حيث إن الحاسب الآلي يمكن أن يصبح خادماً أو سيداً حسب الظروف وحسب طريقة استخدامه، ويمكن استخدام المعالجة الآلية عن بعد لجعل المجتمع أشد اتساماً بالطابعين الهرمي والبيروقراطي وتدعيم التكنوقراطية والمركزية وزيادة السيطرة الاجتماعية التي تمارسها السلطة (السياسية أو المالية)، ومن ناحية أخرى فقد يؤدي إلى جعل الحياة الاجتماعية أكثر تحرراً وتلقائية وانفتاحاً وديمقراطية وذلك بحماية تنوع مراكز اتخاذ القرارات والإعلام، وليس بمقدورنا أن نستبعد هذا الاحتمال.
ولا يقل عن ذلك أهمية حماية البعد الإنساني للاتصال وتقنياته، نظراً لأن المرافق التكنولوجية الجديدة والنفوذ المسيطر للبنى الكبيرة قد أديا على نحو ما إلى نزع الطابع الإنساني عن الاتصال، لذلك فإن بعض البلدان تفضل الوسائل السمعية البصرية الخفيفة التي صممت خصيصاً للمجموعات الصغيرة ذات المصالح المشتركة، وتلعب دوراً فعالاً في اتخاذ القرارات المشتركة، ومن ثم فهي في طريقها لأن تصبح جزءاً لا يتجزأ من العمل الاجتماعي (في مشروعات إعادة التوزيع الاقتصادي، وفي تنظيم دوائر مستقلة للمعلومات والمجتمعات المحلية والمهنية،والدراسات الثقافية والتغير الثقافي). ويبدو من المحتمل أن يؤدي تطوير الوسائل التقنية لأجهزة التسجيل المرئي (الفيديو) الخفيفة والسهلة الاستخدام والرخيصة نسبياً والتي يمكن تطويعها لتلائم مختلف أنواع الإنتاج، إلى وضع نهاية لذلك الانفصال بين صناعة ثقافة موجهة للإنتاج السلعي الكبير وبين الجزر المتناثرة من وسائل الاتصال الجماعي. ولهذه الغاية أيضاً، فإن بعض البلدان تشجع المشاركة النشطة من جانب المنتفعين بوسائل الاتصال في تبادل المعلومات والإسهام الديمقراطي للشعب والمشاركة في إدارة وسائل الاتصال وما شابه، وقد تمهد مثل هذه الإنجازات السبيل إلى لا مركزية بنى الإنتاج والتوزيع في مجال الاتصال الاجتماعي. ولإيجاد حلول لهذه الإشكالية، يتعين اتخاذ قرارات وإجراء اختيارات جزئية-اقتصادية وتكنولوجية، وسياسية في المقام الأول-إذ يتعين اتخاذ القرارات السياسية لتجنب بعض النتائج الاقتصادية والتكنولوجية غير المتوقعة، ولحماية احتياجات كافة الفئات الاجتماعية والكيانات القومية وللحفاظ على مصالح الأجيال المقبلة والعالم بأسره. والحقيقة يؤدي هذا المزج من المشكلات المقترنة بظهور التكنولوجيات الجديدة إلى بروز قضايا أساسية ستواجهها كافة المجتمعات، إلا أنه في حين تتيح التكنولوجيات الحديثة آفاق جديدة لتطوير وسائل الاتصال، فإنها تخلق أيضاً مشكلات وأخطاراً، ويجب علينا أن نحذر من إغراء اعتبار التكنولوجيا أداة صالحة لجميع الأغراض قادرة على الحلول محل العمل الاجتماعي، والتفوق على الجهود المبذولة من أجل إحداث تحولات بنيوية في البلدان المتطورة والبلدان النامية ويتوقف المستقبل إلى حد كبير على الاختيارات المتاحة وعلى توازن القوى الاجتماعية وعلى الجهد الواعي لتوفير أفضل الظروف لنظم الاتصال والإعلام داخل الأمم وفيما بينها.




التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الفكر السياسي في العصور الحديثة

الفكر السياسي في العصور الحديثة

أولاً : مكيافيللي

ولد مكيافيللي سنة 1469 م في مدينة فلورنسا الإيطالية بدأ مكيافيللي حياته العامة موظفاً عادياً في حكومة مدينة فلورنسا الملكية ولكن حين اجتاحت الجيوش الفرنسية هذه المدينة وأطاحت بحكومة لورينزو ميدتشي المطلقة لم يتردد مكيافيللي في تأييد النظام الجمهوري الجديد وتمكن مكيافيللي خلال هذه الفترة من التنقل في وظائف حكومية عليا كان آخرها السكرتير الأول لحكومة فلورنسا وفي سنة 1512م حين عادت حكومة الميدتشي للحكم بمساعدة البابا قبض على ميكافيللي وعذب وطرد ليعيش في عزلة في مزرعته قرب فلورنسا وفي هذه الأثناء ألف مكيافيللي :.

1- كتاب الأمير سنة 1513م شارحاً فيه مجموعة من النصائح للحاكم راجياً أن ينال رضا الحاكم الجديد لكنه فشل في ذلك .

2- في سنة 1521م ألف كتابه الثاني (( مقالات في الكتب العشرة الأولى ليتيوس ليفيوس)) والذي سمى فيما بعد بالمطارحات.

منهجه:.

من المتفق عليه لدى معظم الدارسين لكتابات مكيافيللي بأنه كان يحاول أن يخط لنفسه طريقة جديدة في البحث والتفكير.

ويمكن إيجاز أسلوب مكيافيللي في البحث في مجموعة من النقاط:.

3- أنه استعان بالتاريخ لاستقصاء الأحداث ومعرفة نتائجها وارتباطات وإمكانيات تكرارها .
2- محاولة وضع تعميمات في حالة تكرار الحوادث للوصول إلى قواعد عامة توضع أمام الحكام لتساعدهم على تبني مواقفهم .
3- البحث عن إمكانيات التدخل في الأحداث مستقبلاً بعد معرفة أسبابها ومحاولة تحديد السلوك الواجب إتباعه لمواجهة الأحداث .

مفهوم الفضيلة لدى مكيافيللي :.

يعرف مكيافيللي الفضيلة بأنها كل ما يوصل الإنسان لتحقيق أغراضه التي هي في الغالب تحقيق القوة والسلطة والنجاح وإن الرجل الفاضل في رأيه هو الذي يستطيع تحقيق أهدافه كما أنه أبدى كراهية للبابا والقيم الدينية السائدة وطالب الأمير التخلص من فضائل الأمير وأخلاقه كانسان أي أن مكيافيللي كان من أوائل المفكرين الذين نادوا بفصل السياسة عن الأخلاق والدين .

الغاية تبرر الوسيلة:.

كان يرى بأن الشهرة والنجاح هي الغاية التي على الأمير السعي لتحقيقها وهو لا يهتم بمدى أخلاقيات الوسيلة التي يتبعها الحاكم لتحقيق أهدافه .

نظرته للمجتمع والدولة :.

آمن مكيافيللي بأن الناس أشرار بطبيعتهم وأنهم لايفعلون الخير إلا للضرورة ويقر بأن الخطيئة أصيلة في الإنسان وسهولة أفساد الناس انطلاقا من نظرة مكيافللي المتشائمة للطبيعة البشرية اعتبر العامل الأمني هو العامل الأساس لتكوين الدول فهو يرى بأن الدافع الأساسي لنشوء الدول والمجتمعات البشرية هو رغبة الجماعات في التخلص من الأخطار وأهوال الحروب وقد نظر مكيافيللي للدولة كغاية في ذاتها.

نظام الحكم:.

رفض مكيافيللي التقسيمات السابقة المتعارف عليها لأنظمة الحكم وقال بأن أشكال الحكومات وفق تلك التقسيمات غير مستقرة وأنها تتغير وتتبدل ومن السهل أفسادها والتحول إلى معكوساتها وكان يرى بان
هناك نوعان من الحكم صالحان ويتمتعان بالاستقرار هما:.

1- النظام الملكي
2- النظام الجمهوري

وهو يرى بأن أي من النظامين – الملكي أو الجمهوري قد يصلح في حالة معينة ولا يكون صالحاً في حالة أخرى نظراً للظروف التي تمر بها الدولة وطبيعة الشعب المحكوم

( راجع نصائح مكيافيللي التي قدمها في كتاب الأمير)

ثانياً : مفكرو العقد الاجتماعي

مقارنة بين مفكري العقد الاجتماعي

حالة الطبيعة:

1/ هوبز: حالة صراع وحرب الكل ضد الكل وسيادة قانون الغاب، وذلك ناتج عن طبيعية الإنسان الميالة للشر وغلبة الأنانية على سلوك الأفراد في سعيهم الدائم للمحافظة على النفس.

2/لوك: تبادل منافع وتمتع بالحقوق والحريات في ظل سيادة القانون الطبيعي الذي يضمن حق الحياة والحرية والملكية.

3/روسو: حياة مثالية تسودها الفضيلة والسعادة لدى كافة الأفراد وأن المدينة أسدت هذه الحياة.

أطراف العقد:

1/هوبز: الأفراد وحدهم، والحاكم لم يكن طرفاً في العقد.

2/لوك: بين الأفراد والسلطة الحاكمة.

3/ روسو: بين الأفراد والإرادة العامة المعبرة عن المجموع.

جوهر العقد:

1/هوبز: تنازل الأفراد كلياً ونهائياً عن حقوقهم وحرياتهم للشخص الحاكم الذي يتولى المحافظة على المجتمع.

2/ لوك: تنازل الأفراد عن جزء من حقوقهم لحماية الجزء الأخر للسلطة الحاكمة دون أن يفقدوا حرياتهم.

3/ روسو: تنازل الأفراد عن حقوقهم وحرياتهم للجماعة لإنشاء الإرادة العامة ومن ثم تنشأ الدولة التي تعبر عن الإرادة العامة.

إلتزامات العقد:

1/هوبز: على الأفراد إطاعة الحاكم ما دام قادراً على توفير الأمن لهم والحاكم غير ملزم بنصوص العقد لأنه لم يكن طرفاً فيه.

2/ لوك: على الحاكم الالتزام بنصوص العقد واحترام حقوق وحريات الأفراد ويجوز الثورة عليه إذا خالفها.

3/ روسو: وجوب خضوع الأفراد والحاكم للإرادة العامة.

صاحب السيادة:

1/ هوبز: السيادة قد تكون لفرد أو مجموعة والشعب تنازل عنها ولا يمكن استرجاعها.

2/ لوك: الشعب أو الأغلبية هم أصحاب السيادة وهو يستطيعون استعمالها متى أرادوا وهي تتمثل في السلطة التشريعية.

3/ روسو: الإرادة العامة صاحبة السيادة وتمارسها بصورة مباشرة من خلال الاجتماعات العامة وسيادتها هذه دائمة ومستمرة.

طبيعة السلطة:

1/ هوبز: السلطة هي التي تخلق المجتمع وتوحد الحقوق

2/ لوك: للشعب حق اختيار السلطة التي تحكمه وله الحق في تغييرها.

3/ روسو: السلطة الحاكمة هي وكيل عن الشعب لتنفيذ رغبات الإرادة العامة.

نظام الحكم:

1/ هوبز: نظام الحكم استبدادي والسلطة فيه مطلقة للحاكم.

2/ لوك: نظام الحكم تمثيلي ديمقراطي والسلطة فيه مقيدة برأي الأغلبية.

3/روسو: نظام الحكم ديمقراطي مباشر والسلطة فيه مطلقة للإرادة العامة.

الفكر السياسي

يتناول الفكر السياسي تاريخ الأفكار التي قدمت لمعالجة الظواهر السياسية.

الفكر السياسي القديم لدى اليونانيين
تأثر الفكر اليوناني بالبيئة التي ظهر فيها سواء كانت اجتماعية أو جغرافية أو سياسية. و لم يقتصر الفكر اليوناني على الأفكار السياسية فقط بل قدم العديد من الإسهامات في الرياضيات والفلسفة وغيرها.

دولة المدينة :كانت المدن اليونانية تتناثر على الجبال مما أتاح لهذه المدن الفرصة في الاستقلال والسعي للاكتفاء الذاتي ، ومن أشهر هذه المدن أثينا واسبارطة.

الحياة الاجتماعية في دولة المدينة :

كانوا يعيشون حياة قبلية ممزقة ، وكان يرأس كل قبيلة زعيم ويطلق عليه لقب ملك لأن نظامه كان وراثياً . ومن هذه القبائل نشأت دولة المدينة وتعني مجموعة المباني العامة والمساكن الخاصة التي تكون المدينة ، وقد امتد هذا المفهوم ليصبح مفهوماً سياسياً يشمل أراضي واسعة خاضعة للمدينة. وأهم ما يميز حضارة هذه المدن تلك الثقافة المشتركة التي كانت تجمع بين اليونانيين ، وكذلك تماسكهم وشعورهم بالتفوق وتمايزهم عن غيرهم.

النظام الطبقي :

يقسم هذا النظام المجتمع إلى ثلاث طبقات رئيسية متميزة عن بعضها من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، و كانت في صورة هرم قاعدته طبقة الأرقاء وفي وسطه طبقة الأجانب وعلى رأسه طبقة المواطنين.

طبقة المواطنين:

هم أعضاء المدينة من اليونانيين ، ولهم حق المشاركة السياسية إلي جانب الحقوق الإنسانية .
طبقة الأجانب:

من لا ينتمي إلى أب أو أم يونانيين ، وهؤلاء يحرمون من ممارسة النشاط السياسي رغم كونهم أحراراً .
طبقة الأرقاء:

هذه الطبقة لها وزنها في دولة المدينة ، حيث تمثل الأغلبية في المجتمع وهي محرومة من ممارسة أي دور سياسي ، ومن الحقوق الإنسانية أيضاً.

النظام السياسي :

يتكون من ثلاث مؤسسات رئيسية :

1- الجمعية : تتكون من جميع المواطنين الذين تبلغ أعمارهم عشرين عاماً ، وقد اختصت بوظائف عديدة منها الوظيفة التشريعية والتصويت علي وظائف الحكم ومراقبة مجلس الخمسمائة.
2- مجلس الخمسمائة : يتكون من خمسمائة عضو ويجب أن يكون عمر العضو ثلاثين عاماً ، ويتولى هذا المجلس السلطة التشريعية والتنفيذية .
3- المحاكم : تمثل السلطة القضائية وعدد أعضائها حوالي 6000 عضو ينتخبون لمدة عام .

الفكر السياسي الروماني

لمحة تاريخيه:.

ظهرت روما في بداية عهدها كدولة مدينة مكونه من عدة قبائل تسكن التلال المحيطة بها ، وكانت لها حكومة ملكية ولها مجلس شيوخ استشاري وجمعية عامة مكلفة باختيار الملك. وهي بذلك كانت تشبه نظام دولة المدينة القائم في المدن اليونانية وأخذت روما في التوسع لتقيم إمبراطورية واسعة تعتمد على الحكم الديكتاتوري ، ومع تزايد الولايات والشعوب كان لابد من إرساء قواعد النظام القانوني الذي يساعد في إدارة هذه الإمبراطورية فظهر (( قانون الشعوب)) الذي استمد قواعده من المبادئ العامة والمثل القانونية السائدة ، و بموجب هذا القانون أعطي سكان الولايات التي تخضع للإمبراطورية صفة المواطنين ، وفي ظل هذه الأوضاع ظهرت الفلسفة الرواقية .

الفلسفة الرواقية:.

تـأسست المدرسة الرواقية سنة 300 قبل الميلاد ومؤسسها زينون من أهالي فينيقيا وقد عاش لفترة في أثينا ..
تنظر الفلسفة الرواقية إلى أن كل الأشياء هي في الأصل أجزاء من نسق واحد تطلق عليه ((الطبيعة)) ، وتهتم هذه الفلسفة بالقوة العقلية وتعتبرها أشرف صفات البشر ، وقد قدمت هذه الفلسفة فكرة الدولة العالمية باعتبارها الدولة المثالية التي يتساوى فيها جميع الناس ولهم حقوق المواطنة ، وأن التمييز فيها لن يكون إلا على أساس العمل الصالح ، ولهذا فهي تدعو إلى الشعور بالإنسانية وتطالب بإلغاء الرق كما تدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة وتدعو إلى طهارة الأسرة والإحسان للآخرين .

الفكر السياسي في العصور الوسطى

الفكر المسيحي في العصور الوسطى

لمحة تاريخية:.

بدأت الديانة المسيحية في الانتشار في وقت ازدهار الإمبراطورية الرومانية ، وقد كانت بداية انتشار المسيحية بين صفوف الطبقات الدنيا في المجتمع التي آمنت بها كنتيجة منطقية لمناداة هذه الديانة بمبدأ المساواة بين كل الناس ، ولكن مع مرور الوقت وحين بدأت الإمبراطورية في الضعف والانهيار تدريجيا أخذت المسيحية في الانتشار بين كافة الطبقات ولكن بعيدا عن الحياة السياسية نتيجة لإيمان آباء الكنيسة الأوائل بضرورة طاعة الحاكم تنفيذا لوصية السيد المسيح عليه السلام (( دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)) ، وبقي الوضع كذلك إلى أن اعترف الإمبراطور قسطنطين بالمسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية، وتزايد دور الكنيسة مع ضعف الإمبراطورية وتناقصت سلطة الأباطرة بحيث أصبحت سلطة الكنيسة موازية لسلطة الإمبراطورية .

أزدواج السلطة (( ونظرية السيفين)):.

ظهرت المسيحية كحركة دينيه لها نظامها المستقل عن الدولة وكانت هي المسئولة عن النواحي الروحية وتسعى لتخليص الإنسان من الخطيئة ، وكانت تنظر للدولة كمؤسسة مستقلة تستمد سلطتها من الله مما يستوجب خضوع الكنيسة لسلطتها . ولكن مع تعاظم دور الكنيسة وتمتعها بسلطة منافسة لسلطة الإمبراطور طرحت الكنيسة فكرة ((الولاء المزدوج)) والتي تدور حول وجوب خضوع المسيحي لنوع من الولاء المزدوج انطلاقا من ازدواج طبيعته فالإنسان يتكون من روح وجسد والروح تتوجه بالولاء نحو خالقها والذي تظهر سلطته في الأرض من خلال الكنيسة أما الجسد فيتوجه بولائه إلى السلطة الدنيوية ممثله في الحكومة الإمبراطورية ، وهكذا خرجت إلى الوجود((نظرية السيفين أو ازدواج السلطة )) على أساس وجود نوعين من الوظائف في المجتمع :.
1- وظائف خاصة بالقيم الروحية والأخلاقية وتتولاها الكنيسة وتراقبها .
2- وظائف تتعلق بالمحافظة على الأمن والنظام وتحقيق العدالة وتتولاها الحكومة.

الفكر السياسي الإسلامي

اتسم الإسلام بمسحة شمولية تغطي جوانب الحياة المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لا لمجتمع معين ولكن للمجتمعات الإنسانية كافة ، ومع هذا فان القرآن الكريم المصدر الأصلي والأساسي للإسلام والسنة النبوية الكريمة لم يتعرضا إلي تفاصيل الدولة الإسلامية وأساليب الحكم فيها ، وإنما اقتصرا علي تحديد الأسس الثابتة والمبادئ العامة في هذا المجال .
وبعد توسع الدولة الإسلامية وتعانقها مع الحضارات الأخرى وضحت الحاجة لوجود مفكرين وفقهاء مسلمين لمعالجة الأوضاع السياسية التي استجدت فظهرت فئة من الفقهاء وعلماء الدين الذين أولوا سياسة الحكم الإسلامي نصيباً من آرائهم واجتهاداتهم وفتاواهم مثل أبن حزم الأندلسي والماوردي في كتابه (( الأحكام السلطانية)) و أبو حنيفة (كأحد الفقهاء الذين تعرضوا لظاهرة السلطة بالتحليل والانتقاد) و الفارابي في كتاب (( آراء أهل المدينة الفاضلة)) وابن رشد وإخوان الصفا وابن خلدون في كتابه المقدمة ، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الأدباء والكتاب الذين تعرضوا لظاهرة السلطة في كتاباتهم الأدبية .

التراث السياسي الإسلامي:.

تشير كلمة السياسة في تقاليد الحضارة الإسلامية إلي عدة معاني ، ومن هذه المعاني التي تعارف عليها المفكرون المسلمون:.

1- السياسة بمعنى الرئاسة أو القيادة والتوجيه.
2- السياسة بمعنى التعاليم أو قواعد الحركة.
3- السياسة بمعنى أداة أو أسلوب معين من أساليب الحكم يقوم على قواعد معينة تميزه عن الأساليب الأخرى.

تطور النظام السياسي الإسلامي:.

مر النظام السياسي الإسلامي بمراحل متعددة منها:.

1- مرحلة المدينة الدولة وتمتد منذ سنة 622م حتى سنة 632 والتي كان الحكم فيها للرسول وكان المصدر الإلهي أساس القواعد السياسية .
2- مرحلة الدولة الإمبراطورية وتمتد حتى سنة 750 م .
3- مرحلة الدولة العالمية.

أمـا المراحل الأخرى اللاحقة فقد مثلت نوعاً من اللامركزية.

موضوعات الفكر السياسي الإسلامي

(1) نشأة الدولة ووظيفتها :.

هناك ثلاث نظريات لنشوء الدولة :.
1- النظرية العقدية ويقدمها الفارابي .
2- نظرية التطور القبلي ويقدمها الغزالي.
3- نظرية العصبية ويقدمها ابن خلدون.

(2) نظام الحكم :

لم تتعرض المصادر الأساسية في الإسلام كالقرآن والسنة النبوية لم تتعرض لتفاصيل نظام الحكم وسياسته ، وإنما اقتصر دورها على تحديد بعض المبادئ العامة والأسس الثابتة التي يجب أن يقوم عليها النظام السياسي الإسلامي ، ومن هذه الأسس :

1- السيادة أو الحاكمية لله :

تعنى صاحب السلطة العليا في المجتمع والدولة , وفي الدولة الإسلامية هناك إجماع على أن السيادة لله وحده . و يتبع عملية الاعتراف بالسيادة والحاكمية لله وحده ضرورة التقيد بشرعه وتعليماته التي يحددها الدستور الإسلامي في مصدرين أساسين وهما القرآن والسنة النبوية حيث يقول تعالى ” فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ” ، هذا بالإضافة إلى مجموعه من المصادر الثانوية أو الوضعية مثل الإجماع والاجتهاد والقياس ونهج الصحابة الأوائل .

2- العدالة :

تشكل العدالة بمعنى الحياد وعدم التحيز المبدأ الأصيل الذي يقوم عليه النظام السياسي. ويقوم هذا المبدأ على إعطاء كل ذي حق حقه ، وأخذ مفهوم العدالة من قوله تعالى ” وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ” ، وقد اعتبرت العدالة شرطاً ضرورياً من شروط الإمام .
3- الشورى :

وتعنى تقليب الآراء المختلفة ووجهات النظر المطروحة واختبارها من أصحاب العقول والأفهام حتى يتم التعرف والوصول إلى أصوبها وأحسنها للعمل به , والشورى واجبة على الحاكم وليست اختيارية .تطبيقاً لقوله ” وشاورهم في الأمر ” ولكن يجب أن يفهم بان وجوبيه الشورى تتعلق بالأمور التي لم يرد فيها نص .
4- المساواة:

ينظر الإسلام إلى البشرية على إنها شعب واحد . ويقرر الإسلام مبدأ المساواة بصوره مطلقه بغض النظر عن اللون أو الجنس أو اللغة أو الحالة الاجتماعية والاقتصادية , وتقوم المساواة في النظام السياسي الإسلامي على أساس أن الناس متساوون أمام القانون وأن المساواة تكون في الحقوق والواجبات .

(3) الخلافة :

كانت الخلافة الإسلامية من أهم القضايا التي شغل بها الفكر السياسي الإسلامي وثار حولها جدل طويل وصراعات مريرة ، و يدور هذا الصراع حول جملة من الموضوعات نذكر منها:
أ*- معنى الخلافة :

أخذ مصطلح الخلافة عده مفاهيم منها منها ما أورده المارودي في كتابة ” الأحكام السلطانية ” ، وعرفت الخلافة بأنها حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية .. فهي خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا .

ب*- وجوب الخلافة :

اتفق العلماء المسلمون على ضرورة السلطة ووجوبها سواء من اعتبر وجوبها شرعا أم وجوبها كحتمية اجتماعية ، ويدلل على ضرورة وجود السلطة في المجتمع قول الرسول (ص) ” إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا احدهم ” .
ج*- أسلوب تولى الخليفة وشروطه :

أن يكون مسلماً بالغاً يتمتع بالحرية وسلامه الحواس والأعضاء وهذا بالإضافة إلى بعض الشروط الخاصة منها :
1- العلم 2- العدل 3- الكفاية
واختلف الفقهاء المسلمون في تحديد شرط آخر وهو النسب القرشي .
سلطات الخليفة :يلاحظ المراقب لسلطات الخليفة في الدولة الإسلامية بأنها سلطات شمولية تمتد بنشاطها ونفوذها إلى جميع مجالات الحياة ذات الطابع العام المتصل بمجموع الأفراد وجماعتهم سواء كانت هذه المجالات فكرية أم اقتصادية أم اجتماعية .
(4) العلاقة بين الحاكم والمحكوم :

يقر الإسلام بواجب الطاعة والولاء من قبل المحكومين للحكام . وان طاعة الحاكم فرض من فروض الإسلام وهي طاعة مقيدة وليست مطلقة ، أي ما دام ملتزما بتطبيق الشريعة الإسلامية وقائما على العدل بين الناس , كما يطلب الإسلام أيضا من الحاكم أن يخضع لإرادة الشعب وأخذ رأيه في المشورة وأن هناك شبه إجماع على إمكانية مقاومة الحاكم المستبد الخارج عن شريعة الله إن لم تؤد هذه المقاومة إلى فتنة .

المفكر الإسلامي “ابن خلدون”

منهجه وطريقة بحثه :

كان جل اهتمامه بالتاريخ وفلسفته ويصنف ابن خلدون كأول مؤرخ حاول أن يضع أسس علمية للحوادث التاريخية واستخرج القوانين الطبيعية لقيام الدول وزاولها وكان يرى أن مهمة المؤرخ ليس سرد الوقائع فحسب بل عليه البحث عن الأسباب والعلل التي تنشئ هذه الأحداث .
ويمكن تحديد خصائص المنهج العلمي الذي اتبعه ابن خلدون :
1- اعتماد الملاحظة المستندة إلى الخبرة الشخصية .
2- هدف ابن خلدون في دراساته إلى الوصول لقوانين وقواعد عامه بمعنى علاقات ارتباطيه بين الظواهر ونتائجها .

نظرته للمجتمع ونشأة الدولة :

يتفق ابن خلدون مع النظرة اليونانية في أحد جوانبها في تبرير نشؤ الدولة . أي أن ابن خلدون يري بأن الإنسان اجتماعي بطبعه ولا يستطيع أن يعيش منفردا ولابد له من الاحتكاك بغيره من الناس سواء في شكل أفراد أسرته أو أفراد قبيلته , ولكن نتيجة طبيعية الإنسان الفردية والأنانية والميل للعدوان في نفسه احتاج الإنسان لوجود سلطه أو جهاز حاكم يقوم بتنظيم المجتمع الذي يطلق علية اسم الدولة .
ويخضع ابن خلدون الدولة في تطورها إلى خمس مراحل وهي :
1- طور النصر والاستيلاء .
2- طور الفراغ والدعة .
3- طور الاستبداد والانفراد بالسلطة والتنكر لأهل العصبية .
4- طور القناعة و المسالمة .
5- طور انقراض الدولة و زوالها نتيجة الإسراف والتبذير .

العصبية ونظام الحكم :

أهم ما يميز نظرة ابن خلدون لنظام الحكم وتطور شكل السلطة ذلك الربط أو العلاقة بين السلطة وفكرته عن العصبية , وتعني كلمة العصبية : ” تلك العلاقة التي تتحدد على أساس النسب والأصل بحيث تخلق نوعا معينا من التضامن العائلي الذي يوجد مجموعه من الحقوق ويفرض طائفة معينة من الالتزامات “.

أنواع الحكومات عند ابن خلدون :

1- الحكومة الطبيعية : ” حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة “
2- حكومة الملك : وهي التي تقوم ” حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع الضار “
3- الحكومة الدينية وهي ” حما الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية … وهي في الحقيقة “خلافة صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسية الدنيا “.




السلام عليكم
حاولت انسخ الكلام بس مو راضي ابيه محتاجته
وش المشكله!

تم نسخ الموضوع في ملف وورد

يمكنكم التحميل من المرفقات في اسفل هذا الرد