التصنيفات
الفيزياء الكهربية والمغناطيسية

مئة عام على الذواكر المغنطيسية

أعضاء المنتدي الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد فبراير 2000

مئة عام على الذواكر المغنطيسية(*)
كانت بداية تقانة التسجيل المغنطيسي متثاقلة على الرغم من وجودها
حاليا في كل مكان. فالعلوم التي تقوم عليها كانت غامضة، وبزوغ
تطبيقاتها كان بطيئا كما أن التجارة والسياسة أعاقتا تطوّرها.

تعليم_الجزائر

تخزِّن المغانط الكثير من المعلومات في العالم، فهي تخزِّن البيانات على أقراص الحاسوب، ومواد التسلية على أشرطة التسجيل السمعية والمرئية (الڤيديوية)، والرسائل على المجيبات الهاتفية، ومعلومات عن الحسابات على الشرائط المطلية لصرافات النقود الآلية ATM وبطاقات الائتمان. وجميع هذه الوسائل المختلفة تحتفظ بالكلمات والأرقام والصور والأصوات كنماذج غير مرئية لقطبين أحدهما شمالي والآخر جنوبي. وهذه التقانة هي التسجيل المغنطيسي الذي احتفل عام 1998 بعيده المئوي.

في العقود الأخيرة، كان للذواكر المغنطيسية تأثير عميق في المجتمع. فأشرطة تسجيل فضيحة ووترگيت من المكتب البيضاوي كانت بمثابة دليل إدانة قاطع أجبر الرئيس في السبعينات على الاستقالة. وفي عام 1998، أدت أشرطة التسجيل السمعية، التي كشفت عن علاقة غير لائقة بين الرئيس ومتدربة سابقة في البيت الأبيض، إلى فضيحة أخرى للسلطة التنفيذية.

1898
المهندس الدنماركي ڤالديمار پولسن يخترع التلگرافون (في الأعلى)، وهو جهاز يسجل صوت البشر مغنطيسيا على أسلاك فولاذية أو شرائط.

1900
الإمبراطور النمساوي فرانز جوزيف يسجّل صوته بوساطة تلگرافون في معرض باريس حيث شكل الجهاز حدثا مثيرا.

تعليم_الجزائر
1915
غواصة ألمانية تغرق الباخرة لوسيتانيا مما أثار الشكوك الأمريكية بأن الألمان يستخدمون أجهزة التلگرافون لتسجيل الرسائل من أجل بثها بالسرعات العالية.

1928
الكيميائي النمساوي فريتنر فلويمر يخترع جهازا يقوم بالتسجيل على شريط خفيف الوزن مطلي بحبيبات مغنطيسية.

إن الذواكر المغنطيسية للحواسيب لم تكن دائما سيئة السمعة، فقد ظلت سنوات عديدة تتابع بهدوء أخبار الناس والسلع والأموال. وفي عصر المعلومات، قامت هذه الذواكر بدور كمستودعات للمعرفة الإلكترونية تخزِّن البيانات العلمية والطبية والصناعية والمالية. وعلى الرغم من أن الوسائل الأخرى كالأفلام والأوراق والأقراص المدمجة (سي دي روم) تستخدم أيضا على نطاق واسع، فإن التسجيل المغنطيسي يتميز عن معظم التقانات المنافسة بسهولة إعادة تسجيل المعلومات ومحيها (كما بينتها السكرتيرة ظˆط§ظ„ظپط¬ظˆط© ط§ظ„ظ…ط±ظٹط¨ط© ظپظٹ ط£ط´ط±ط·ط© طھط³ط¬ظٹظ„ ظ†ظٹظƒط³ظˆظ†).

لكن اختراع التسجيل المغنطيسي، الذي ظهر قبل نحو مئة عام، بقي اختراعا ضعيفا على مدى عقود من الزمن. فقد كانت بعض العلوم الفيزيائية التي يقوم عليها غير معروفة، ولم تكن التطبيقات المناسبة له جاهزة تماما، كما تضافرت العوائق التجارية والسياسية لكي تحول دون تبنيه مبكرا. ومع ذلك، سرعان ما أصبحت هذه التقانة في النصف الثاني من القرن العشرين أداة لا تقدر بثمن للمجتمع الحديث.

أولى الذواكر المغنطيسية
عرف الناس لفترة من الزمن أن بعض المواد «تتذكر» الاتجاه الذي تمت مغنطتها به. فمنذ عام 200 قبل الميلاد، صنع السحرة الصينيون في بلاط الإمبراطور بوصلات من أحجار المغنطيس lodestones، وهي صخور غنية بالحديد شديدة المغنطة.

غير أن المغانط لم تأخذ دورا رئيسيا في الاختراعات المتميزة، كالتلگرافات (المبراقات) والهواتف والمولدات والمحولات والمحركات، إلا في القرن التاسع عشر، عندما بدأ العلماء بكشف العلاقة بين الكهرباء والمغنطيسية. وفي نهاية القرن التاسع عشر تقريبا، استخدمت مادة مغنطيسية لتسجيل صوت البشر وإعادة سماعه. أما الجهاز الذي سمّي «تلگرافون» telegraphone فقد منحت براءة اختراعه عام 1898 للمهندس الدنماركي .

فكّر پولسن [وهو موظف في شركة الهواتف بكوبنهاگن] أن الناس ربما يعوزهم جهاز لتسجيل المكالمات الهاتفية. وأوضح عمليا فكرة اختراعه إلى أصدقائه بمدّ سلك فولاذي من أسلاك البيانو في مختبره، وفي أثناء زلق مغنطيس كهربائي على طول السلك، بدأ پولسن يصرخ في صوان التكلم لجهاز هاتف موصول بالمغنطيس، فحوّل الجهاز (النبيطة) كلماته إلى إشارة كهربائية، تمت بعدئذ تغذية المغنطيس الكهربائي بها لتوليد حقل مغنطيسي يتغيّر مع جهارة صوته وطبقته وسائر خواصه. وكان الحقل المتغير يُطبع حينذاك على طول سلك الفولاذ.

بعد أن وصل پولسن إلى نهاية السلك، عاد إلى نقطة البداية واستبدل صِوان التكلم بمستقبِل. وعندما زلق أحد زملائه المغنطيس الكهربائي على طول السلك، عمل الجهاز بصورة معاكسة، كاشفا أولا الحقل المغنطيسي في السلك ومن ثم حوّل المعلومة المتغيرة مع الزمن إلى إشارة كهربائية (من خلال التحريض الكهرمغنطيسي) وأعاد تحويل التيار من جديد إلى صوت. وبذلك استطاع صديق پولسن سماع صوت المخترع بصورة خافتة في المستقبِل!

قام پولسن بتحسين اختراعه بسرعة. ففي إحدى النسخ، لفّ سلك الفولاذ حول أسطوانة ـ وطلب براءة اختراع لجهازه من بلدان عدة، غير أن الإجابات التي وردته في البدء كانت كلها سلبية. وقد كتب أحد مختبري براءة الاختراع في الولايات المتحدة منذرا بفشل التلگرافون بحجة أنه «يخالف جميع قوانين المغنطيسية المعروفة». وعلى ما يبدو، لم تكن «جميع» قوانين المغنطيسية معروفة في تلك الأيام؛ لأن اختراع پولسن قد نجح بالفعل.

تعليم_الجزائر
1930
هيئة الإذاعة البريطانية تستخدم نوعا من المسجلات المغنطيسية (يسمى البلاتْنَرفون)، كوسيلة لإعادة بث برامجها الإذاعية. إن إدخال بكرات شريط الفولاذ الثقيل يتطلب شخصين.

تعليم_الجزائر
1933
أدولف هتلر يصبح مستشارا لألمانيا. والگستاپو يبتاع كميات كبيرة من المسجلات المغنطيسية من أجل الاستجوابات.

تعليم_الجزائر
1936
يُجرى تسجيل حفلة موسيقية تقدمها أوركسترا فلهارمونيك اللندنية في لودڤيگن هافن بألمانيا بوساطة مگنيتوفون يستخدم شريطا بلاستيكيا مطليا بأكسيد الحديد. ومازال التسجيل موجودا حتى اليوم.

وسرعان ما أثبتت سلسلة من عروض عملية أجريت في أوروبا نجاح هذا الجهاز. ففي المعرض الذي أقيم في باريس عام 1900، لاقى التلگرافون نجاحا مذهلا وترك انطباعا لدى الكثير من الزائرين، من بينهم إمبراطور النمسا الذي سجّل رسالة تعدّ اليوم أقدم تسجيل مغنطيسي في الوجود.

بالطبع لم يكن پولسن أول من سجّل صوت البشر وأعاد سماعه، فقبل أكثر من عقدين من اختراع التلگرافون حصل على براءة اختراع للفونوگراف (الحاكي) الذي سجّل في البدء الأصوات بوساطة أخاديد محفورة في وريقة قصدير ملفوفة على أسطوانة، ثم استخدمت فيما بعد أسطوانات من الشمع ومن ثم أقراص بلاستيكية. وفي الوقت الذي استرعى فيه اختراع پولسن انتباه العالم، كان الفونوگراف قد تكرس وجوده كمنتج.

ومع ذلك بدا التلگرافون كأن له ميزة تقانية. فقد جاء في مقالة نشرتها مجلة ساينتفيك أمريكان عام 1900 أن الصوت الذي يحدثه التلگرافون «واضح جدا وخال تماما من ضجيج الخدش غير المرغوب فيه الذي يُسمع عادة في الفونوگراف». وعلى الرغم من ذلك فقد مضى نصف قرن آخر قبل أن يجد التسجيل المغنطيسي تطبيقا له واسع النطاق.

انطلاقة بطيئة
ما الذي أوقف تطور مثل هذا الاختراع الواعد؟ ينحي المؤرخون باللوم على عوامل تجارية وتقانية مجتمعة. في البدء، قاومت شركة البرق والهاتف الأمريكية AT&T التلگرافونات، لتقديرها بأن الشركة قد تخسر ما يصل إلى ثلث تجارتها إذا شعر مستخدمو الهاتف بأن مكالماتهم يمكن أن تُسجّل. وفي عام 1906، نشرت مجلة تكنيكال وورلد Technical World مقالة بعنوان «مِكبٌّ (بكرة) من الأسلاك يتكلم» بدأ بحوار بين اثنين من رجال الأعمال الوهميين، جونز وبراون، كانا يتجادلان بحدّة حول ما قاله براون ـ أو ما لم يقله ـ في مكالمة هاتفية سابقة. وعندما لم تظهر ملامح التوصل إلى اتفاق، مد جونز يده داخل مكتبه وأخرج منه مِكبا من الأسلاك الفولاذية وأدخله في تلگرافون. فأثبت التسجيل، أمام دهشة براون، أن جونز كان على حق.

بسبب مثل هذا القلق على خصوصية الأفراد، كان الاستخدام الأمريكي الأول للتسجيل المغنطيسي يتمثل في آلات إملاء dictating machines صنّعتها شركة التلگرافون الأمريكية التي تأسست عام 1903. لكن الأجهزة الفونوگرافية المنافسة، مثل الإديفون والديكتافون، كانت تتصدر الاستخدام قبل 20 عاما، وبالتالي كانت أرخص وأسهل استخداما وأكثر وثوقية.

للأسف، كان يحد من تحسين التلگرافون الفهم الهزيل للظاهرة الفيزيائية الأساسية التي يعتمد عليها الجهاز. فتحويل الصوت إلى كهرباء ومن ثم إلى حقل مغنطيسي كان معروفا بصورة جيدة استنادا إلى الخبرة السابقة في مجال الهاتف. لكن الآلية التي يمكن بها تخزين تاريخ هذه الحقول المغنطيسية في وسط تسجيل، كسلك من الفولاذ، كانت حينذاك شيئا غامضا إلى حد ما. كما كان هنالك قيد آخر يحد من تحسين التلگرافون، وهو انخفاض مستوى صوت إعادة الاستماع.

غير أن أكبر مشكلات شركة التلگرافونات الأمريكية ربما لم تكن فنية، فمن بين الأعداد القليلة من أجهزة التلگرافون التي بيعت، رُكِّب العديد في محطات لاسلكية عبر الأطلسي في تَكَرْتُون بنيوجرسي وسِيْڤيل بنيويورك. وقامت شركة تليفنكن الألمانية بتشغيل أجهزة محطة تكرتون، في حين قامت شركة أمريكية مرتبطة بمصالح ألمانية بتشغيل أجهزة محطة سِيْڤيل. وكان معروفا أيضا أن البحرية الألمانية ابتاعت أجهزة تلگرافون لاستخدامها في غواصاتها.

تعليم_الجزائر
1947
يصبح العرض الإذاعي لبينگ كروسبي أول برنامج أمريكي رئيسي يبث على الهواء من تسجيلات مغنطيسية.

تعليم_الجزائر
1950
طورت تقانة الأقراص الصلبة لتخزين البيانات الحاسوبية مغنطيسيا، وشحنت شركة IBM أول هذه الأجهزة عام 1957. كما تم تجهيز منتج لاحق (في الأعلى) بخمسين قرصا سعتها الكلية 56 ميگابايت.

تعليم_الجزائر
1952
ذاكرة مركزية لحاسوب تخزّن 256 بتة من البيانات.

مع نشوب الحرب العالمية الأولى، اشتُبه بأن محطتي الساحل الشرقي اللاسلكيتين تقومان بنقل معلومات عسكرية إلى الغواصات الألمانية في المحيط الأطلسي. ووفقا لأحد المزاعم فإن أجهزة التلگرافون كانت تُستخدم لتسجيل الرسائل السرية التي يمكن فيما بعد إرسالها كإشارات لاسلكية عالية السرعة. إذ يمكن تسجيل هذه الإشارات بتلگرافون موجود في غواصة ومن ثم إعادة الاستماع إليها بالسرعة العادية. وقد ازدادت الشكوك عندما اكتشف أحد هواة الراديو في نيوجرسي أن الأزيز الغامض الذي كان يلتقطه ليلا تطور إلى سلسلة من تكويد مورس morse-code متمثل بالنقاط والشُّرَط القصيرة عند إعادة الاستماع إليه بسرعة أبطأ.

في عام 1914، استولت الحكومة الأمريكية على محطة تكرتون، كما صودرت محطة سيڤيل بعد أن أغرقت غواصة ألمانية الباخرة البريطانية لوسيتانيا بعيدا عن الساحل الإيرلندي. كانت بحرية الولايات المتحدة ذاتها قد ابتاعت 14 جهاز تلگرافون، لكن هذه الأجهزة فشلت في أداء مهمتها بصورة سليمة. وفي وقت لاحق وُجِّهت أصابع الاتهام بالخيانة إلى موظفين من شركة التلگرافون الأمريكية التي كانت ترزح سلفا تحت عبء الإدارة السيئة ورداءة المبيعات (لم يبع من آلات الإملاء سوى 100 آلة أو أكثر بقليل). ولم يكن غريبا أن توضع هذه الشركة السيئة الطالع بعد فترة قصيرة تحت الحراسة القضائية، وبالتالي توارى بصورة أساسية التطوّر التجاري لصناعة التسجيل المغنطيسي في الولايات المتحدة لعقدين من الزمن.

تعليم_الجزائر
يمكن أن يخزّن التسجيل المغنطيسي بيانات سمعية أو مرئية أو حاسوبية. في البداية يتم تحويل المعلومات إلى إشارة كهربائية تنقل فيما بعد عبر السلك الملفوف لمغنطيس كهربائي، ثم يُطبع الحقل المغنطيسي الناتج والمتغير مع الزمن (اللون الأحمر) في وسط مغنطيسي يتحرك بالنسبة إلى المغنطيس الكهربائي. إذا كانت الإشارة الكهربائية موجة جيبية فإن النموذج الناتج في الوسط المغنطيسي سيكون نوعا ما ذا طبيعة جيبية.