من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث ، من إذا حدثهم صدقهم ، وإذا ائتمنوه لم يخنهم ، وإذا وعدهم وفى لهم ، وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم ، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم ، وتظهر له معونتهم ".
أنشد محمود الوراق:
اصدق حديثك إن في الصـ د ـق الخلاص من الدنس
ودع الكــذوب لشــأنه خير مـن الكـذب الخرس
وقيل للقمان الحكيم: ألست عبد بني فلان؟ قال بلى. قيل: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: تقوى الله عز وجل ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك مالا يعنيني.
وقال بعضهم :من لم يؤد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض المؤقت.قيل: وما الفرض الدائم؟ قال: الصدق.
فنسأل الله الكريم أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين.
الصدق بمعناه الضيق مطابقة منطوق اللسان للحقيقة ، وبمعناه الأعم مطابقة الظاهر للباطن ، فالصادق مع الله ومع الناس ظاهره كباطنه ، ولذلك ذُكر المنافق في الصورة المقابلة للصادق ، قال تعالى : (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِين..َ)الآية (الأحزاب/24) .
[/IMG]
والصدق التزام بالعهد ، كقوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)(الأحزاب/23) ، والصدق نفسه بجميع معانيه يحتاج إلى إخلاص لله عز وجل ، وعمل بميثاق الله في عنق كل مسلم ، قال تعالى : (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ )(الأحزاب/7 ، 8) ، فإذا كان أهل الصدق سيُسألون ، فيكف يكون السؤال والحساب لأهل الكذب والنفاق ؟
والصدق من الأخلاق الأساسية التي يتفرع عنها غيرها ، يقول الحارث المحاسبي : " واعلم – رحمك الله – أن الصدق والإخلاص : أصل كل حال ، فمن الصدق يتشعب الصبر ، والقناعة ، والزهد ، والرضا ، والأنس ، وعن الإخلاص يتشعب اليقين ، والخوف ، والمحبة ، والإجلال والحياء ، والتعظيم ، فالصدق في ثلاثة أشياء لا تتم إلا به : صدق القلب بالإيمان تحقيقـًا ، وصدق النية في الأعمال ، وصدق اللفظ في الكلام " .
[/IMG]
ولما للصدق من رابطة قوية بالإيمان ، فقد جوّز رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يقع من المؤمن ما لا يُحمد من الصفات ، غير أنه نفى أن يكون المؤمن مظنه الوقوع في الكذب ؛ لاستبعاد ذلك منه ، وقد سأل الصحابة فقالوا: (يا رسول الله أيكون المؤمن جبانـًا ؟ قال : " نعم " ، فقيل له : أيكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : نعم ، قيل له : أيكون المؤمن كذَّابـًا ؟ قال : " لا " ))(رواه الإمام مالك) .
[/IMG]
والأصل في اللسان الحفظ والصون ؛ لأن زلاته كثيرة ، وشرّه وبيل ، فالحذر منه والاحتياط في استعماله أتقى وأورع ، فإذا وجدت الرجل لا يبالي ، ويكثر الكلام ، فاعلم أنه على خطر عظيم ، فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ((كفى بالمرء كذبـًا أن يحدث بكل ما سمع))(رواه مسلم) ؛ لأن كثرة الكلام مظنة الوقوع في الكذب ، باختراع ما لم يحدث ، حين لا يجد كلامـًا ، أو ينقل خبر كاذب – وهو يعلم – فيكون أحد الكذَّابين .
[/IMG]
وكل خلق جميل يمكن اكتسابه بالاعتياد عليه ، والحرص على التزامه ، وتحري العمل به ، حتى يصل صاحبه إلى المراتب العالية ، يرتقي من واحدة إلى الأعلى منها بحسن خلقه ، ولذلك يقول – صلى الله عليه وسلم – : ((عليكم بالصدق ؛ فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ، ويتحرى الصدق ، حتى يُكتب عند الله صدِّيقا)) ، وكذلك شأن الكاذب في السقوط إلى أن يختم له بالكذب : ((وإياكم والكذب ؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ، ويتحرى الكذب ، حتى يُكتب عند الله كذَّابا))(رواه البخاري ومسلم) .
[/IMG]
ومن آثار الصدق ثبات القدم ، وقوة القلب ، ووضوح البيان ، مما يوحي إلى السامع بالاطمئنان ، ومن علامات الكذب الذبذبة ، واللجلجة ، والارتباك ، والتناقض ، مما يوقع السامع بالشك وعدم الارتياح ، ولذلك : ((… فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة))(رواه الترمذي) كما جاء في الحديث .
[/IMG]
وعاقبة الصدق خير – وإن توقع المتكلم شرًا – قال تعالى : (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ)(محمد/21) ، وفي قصة توبة كعب بن مالك يقول كعب بعد أن نزلت توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا : " يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق ، وإن من توبتي أن لا أحدّث إلا صدقـًا ما بقيت " ، ويقول كذلك : " فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط ، بعد أن هداني للإسلام ، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا … "(رواه البخاري) .
وروى ابن الجوزي في مناقب أحمد أنه قيل له : " كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق ؟ فقال : لو وُضِع الصدق على جرح لبرأ " .
ويوم القيامة يقال للناس : ( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم)(المائدة/119) .
[/IMG]
والصدق يدعو صاحبه للجرأة والشجاعة ؛ لأنه ثابت لا يتلون ، ولأنه واثق لا يتردد ، ولذلك جاء في أحد تعريفات الصدق : القول بالحق في مواطن الهلكة ، وعبر عن ذلك الجنيد بقوله : حقيقة الصدق : أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب .
[/IMG]
لا تكثر من المعاريض :
ولكي تكون حياتك كلها صدقـًا ، ولتحشر مع الصديقين فاجعل مدخلك صدقـًا ، ومخرجك صدقـًا ، وليكن لسانك لسان صدق ، لعل الله يرزقك قدم صدق ، ومقعد صدق ، ولا تترك فرصة للشيطان ليستدرجك بالاستكثار من المعاريض ، فالصدق صراحة ووضوح ، والميل عنه التواء وزيغ ، وحال المؤمن الصدق ، و(إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون)(النحل/105) .
وهب بن منبه .
يؤتى بالمساجد يوم القيامة كأمثال السفن مكللة بالدر والياقوت تشع لأهلها.
عبدالله بن مسعود .
إذا أردتم العلم فانثروا القرآن ، فإن فيه علم الأولين والآخرين .
أنس بن مالك .
رب تال للقرآن والقرآن يلعنه .
عمرو بن العاص .
كل آية في القرآن درجة في الجنة ، ومصبا ح في بيوتكم .
عمر بن الخطاب .
خالطوا الناس بالأخلاق، وزايلوهم بالأعمال
أبوبكر الشبلي .
أهل المحبة شربوا بكاس الوداد فضاقت عليهم الأرض والبلاد وعرفوه حق معرفته،
وتاهوا في عظمته وتحيروا في قدرته، وشربوا بكاس حبه وغرقوا في بحر أنسه
وتلذذوا بمناجاته، وانشد :
ذكر المحبة يا مولاي أسكرني
وهل رأيت محباً غير سكراني
الفضيل بن عياض .
لأن يصحبني فاجر حُسن الخلق ، أحبُ إليّ من أن يصحبني عابد سيء الخلق.
يحي بن معاذ .
حُسن الخُلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات ، وسوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات.
أنس بن مالك .
إن العبد ليبلغ بحسن خلقه أعلى درجة في الجنة وهو غير عابد، ويبلغ بسوء خلقه أسفل درك في جهنم وهو عابد.
الحسن البصري .
من ساء خلقه عذبّ نفسه .
عمر بن الخطاب .
الذكر منشور الولاية .
الحسن البصري .
الذكر ذكران : ذكر الله تعالى بين نفسك وبين الله ما أحسنه وما أعظم أجره، وأفضل من ذلك ذكر الله سبحانه عندما حرم الله عزّ وجل .
الفضيل بن عياض .
بلغنا أن الله عزّ وجل قال : اذكرني عند الصباح ساعة ، وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما
الفضيل بن عياض .
لوعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.
علي بن أبي طالب .
للمرائي ثلاث علامات :
الكسل إذا أكل وحده ، وينشط إذا هو مع الناس ويزيد في العبادة إذا أُثُني عليه .
قتادة .
إذا راءى العبد يقول الله : انظروا إلى عـبدي كيف يستهزئ بي .
الفضيل بن عياض .
ترك العمل لأجل الناس رياء ، والعمل لأجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما .
عكرمة .
إن الله يعطي العبد على نيته ما لا يعطيه على عمله لأن النية لا رياء فيها .
الحسن البصري .
لا يزال العبد بخير ما علم الذي يفسد عمله.
عبدالله بن مسعود .
من أعان ظالما على ظلمه ، ولقنه بها حجة يدحض بها حق امرئ مسلم ، فقد باء بغضب من الله تعالى وعليه وزرها .
ابن الجوزي .
الظلم يشمل على معصيتين : أخذ حق الغير بدون حق، ومبارزة الرب سبحانه وتعالى بالمخالفة له والمعصية .
علي بن أبي طالب .
من ظلم عباد الله ، كان الله خصمه دون عباده .
علي بن أبي طالب .
يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم .
عمر بن عبد العزيز.
إذا دعتك قدرتك على ظلم العباد فاذكر قدرة الله عليك .
أنس بن مالك .
إعلم أن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد مسلما كان أو كافراً .
حديث شريف .
اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً ، فإنه ليس دونها حجاب .
شاعر .
لا تظلمن إذا مـا كنـت مقتدراً
فالظـلم آخره يأتيك بالـنـــدم
نامت عيونـك والمظلـوم منتبها
يدعو عليك وعين الله لـم تنم
علي بن أبي طالب .
إن النعمة موصولة بالشكر والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد .
عمر بن عبد العزيز .
قيدوا نعم الله بالشكر.
الحسن البصري .
إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء ، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذاباً .
الحسن البصري .
من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والمطر.
ابو حسن الأشعري .
من رغب في الدنيا فقد أحب ما أبغضه الله تعالى وأنبياؤه وخالف الأنبياء والصالحين .
سفيان الثوري .
وجدت الراحة والأنس في الخلوة ، والزهد في الدنيا ، ووجدت الغموم والأحزان في مخالطة الناس، والرغبة في الدنيا .