قال الطبري
فإن قال لنا قائل: وما وجه دخول”أن” في قوله:”وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله”، وحذفه من قوله وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ )؟
قيل: هما لغتان فصيحتان للعرب: تحذف”أن” مرة مع قولها: “ما لك”، فتقول:”ما لك لا تفعل كذا”، بمعنى: ما لك غير فاعله، كما قال الشاعر:
* ما لك ترغين ولا ترغو الخلف * …
وذلك هو الكلام الذي لا حاجة بالمتكلم به إلى الاستشهاد على صحته، لفشو ذلك على ألسن العرب.
وتثبت”أن” فيه أخرى، توجيها لقولها:”ما لك” إلى معناه، إذ كان معناه: ما منعك؟ كما قال تعالى ذكره مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ) ، ثم قال في سورة أخرى في نظيره مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ )فوضع”ما منعك” موضع”ما لك”، و”ما لك” موضع”ما منعك”، لاتفاق معنييهما، وإن اختلفت ألفاظهما، كما تفعل العرب ذلك في نظائره مما تتفق معانيه وتختلف ألفاظه، كما قال الشاعر:
يقول إذا اقلولى عليها وأقردت:… ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم?
انتهى
وهذا يقرب من قول الفراء إن لم يكنه
قال الفراء
وقوله: {وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ…}
جاءت (أَن) فى موضع، وأُسقطت من آخر؛ فقال فى موضع آخر: {وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنونَ بالله والرَّسُولُ يَدْعُوكم} وقال فى موضع آخر: {وما لنا ألاَّ نتوكّل على الله} فمن ألقى (أن) فالكلمة على جهة العربيّة التى لا عِلة فيها، والفعل فى موضع نصب؛ كقول الله – عزَّ وجل -: {فما لِلَّذينَ كفروا قِبَلَكَ مُهْطعين} وكقوله: {فما لَكُمْ فى المنافِقِين فِئَتَيْنِ} فهذا وجه الكلام فى قولك: مالك؟ وما بالُك؟ وما شأنك: أن تنصب فعلها إذا كان اسما، وترفَعه إذا كان فعلا أوّله الياء أو التاء أو النون أو الألف؛ كقول الشاعر:
* مالك تَرْغِين ولا تَرْغُو الخَلِفْ *
الخَلِفَة: التى فى بطنها ولدها.
وأما إذا قال (أن) فإنه مِما ذهب إلى المعنى الذى يحتمل دخول (أن)؛ ألا ترى أن قولك للرجل: مالك لا تصلى فى الجماعة؟ بمعنى ما يمنعك أن تصلى، فأدخلت (أن) فى (مالك) إذ وافق معناها معنى المنع. والدليل على ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: {مَا مَنَعَكَ أن لا تسجد إذ أمرتك} وفى موضع آخر: {مالك ألاّ تكون مع الساجدين} وقصة إبليس واحدة، فقال فيه بلفظين ومعناهما واحد وإن اختلفا.
انتهى
القول الثاني
أنّ أن زائدة قاله الأخفش
قال الاخفش في معاني القرآن
قال {وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } فـ{أنْ} ها هنا زائدة كما زيدت بعد “فلما” و”لَما” و”لَوْ” فهي تزاد في هذا المعنى كثيرا. ومعناه “وَمالنَا لا نُقَاتِلُ” فأعملَ “أَنْ” وهي زائدة كما قال: “ما أَتاني منْ أحَدٍ” فأعمل “مِنْ” وهي زائدة قال الفرزدق: [من البسيط وهو الشاهد السابع والاربعون بعد المئة]:
لَوْ لَمْ تَكُن غَطَفانٌ لا ذُنُوب لَها * إليَّ لامَتْ ذَوو أَحْسابِها عُمَرَا
المعنى: لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفانٌ لَها ذُنُوب. و”لا” زائدة وأعملها.
انتهى
وقد رُد على هذا القول
قال الطبري
أنكر ما قال هذا القائل من قوله الذي حكينا عنه، آخرون. وقالوا: غير جائز أن تجعل” أن” زائدة في الكلام وهو صحيح في المعنى وبالكلام إليه الحاجة قالوا: والمعنى: ما يمنعنا ألا نقاتل- فلا وجه لدعوى مدع أن” أن” زائدة، معنى مفهوم صحيح. قالوا: وأما قوله:
* لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها * …
فإن” لا” غير زائدة في هذا الموضع، لأنه جحد، والجحد إذا جحد صار إثباتا. قالوا: فقوله:”لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها”، إثبات الذنوب لها، كما يقال:”ما أخوك ليس يقوم”، بمعنى: هو يقوم.
القول الثالث
الكسائي كما نقل عنه الفراء
قال الفراء
وقال الكسائى فى إدخالهم (أنْ) فى (مالَك): هو بمنزلة قوله: “مالكم فى ألا تقاتلوا” ولو كان ذلك على ما قال لجاز فى الكلام أن تقول: مالك أَنْ قمت، ومالك أنك قائم؛ لأنك تقول: فى قيامك، ماضيا ومستقبلا، وذلك غير جائز؛ لأن المنع إنما يأتى بالاستقبال؛ تقول: منعتك أن تقوم، ولا تقول: منعتك أن قمتَ. فلذلك جاءت فى (مالك) فى المستقبل ولم تأت فى دائم ولا ماض. فذلك شاهد على اتفاق معنى مالك وما منعك.
ونقل هذا الكلام الطبري في تفسيره وأخذه من الفراء
وكان بعض أهل العربية يقول: أدخلت” أن” في:”ألا تقاتلوا”، لأنه بمعنى قول القائل: ما لك في ألا تقاتل. ولو كان ذلك جائزا، لجاز أن يقال:”ما لك أن قمت= وما لك أنك قائم”، وذلك غير جائز. لأن المنع إنما يكون للمستقبل من الأفعال، كما يقال:”منعتك أن تقوم”، ولا يقال:”منعتك أن قمت”، فلذلك قيل في” مالك”:”مالك ألا تقوم” ولم يقل:”ما لك أن قمت”.
القول الرابع
أيضا ذكره الفراء ونقله منه الطبري( والطبري كثيرا ما ينقل اقوال الفراء في تفسيره )
وهذا كلام الفراء وهو مفيد
وقد قال بعض النحويين: هى مما أضمِرت فيه الواو، حذِفت من نحو قولك فى الكلام: مالك ولأن تذهب إلى فلان؟ فألقى الواو منها؛ لأن (أن) حرف ليس بمتمكن فى الأسماء.
فيقال: أتجيز أن أقول: مالك أن تقوم، ولا أجيز: مالك القيام [فقال]: لأن القيام اسم صحيح و(أن) اسم ليس بالصحيح. واحتجّ بقول العرب: إياك أن تتكلم، وزعم أن المعنى إياك وأن تتكلم. فردّ ذلك عليه أن العرب تقول: إياك بالباطل أن تنطق، فلو كانت الواو مضمرة فى (أن) لم يجز لما بعد الواو من الأفاعيل أن تقع على ما قبلها؛ ألا ترى أنه غير جائز أن تقول: ضربتك بالجارية وأنت كفيل, تريد: وأنت كفيل بالجارية, وأنك تقول: رأيتك وإيّانا تريد، ولا يجوز رأيتك إيَّانا وتريد؛ قال الشاعر:
فبُحْ بالسرائر فى أهلها * وإيّاك فى غيرهم أن تبوحا
فجاز أن يقع الفعل بعد (أن) على قوله (فى غيرهم)، فدلّ ذلك على أن إضمار الواو فى (أن) لا يجوز.
وأمّا قول الشاعر: * فإياك المَحَايِن أن تحينا *
فإنه حذّره فقال: إياك، ثم نوى الوقفة، ثم استأنف (المحاين) بأمر آخر، كأنه قال: احذر المحايِن، ولو أراد مثل قوله: (إيّاك والباطلَ) لم يجز إلقاء الواو؛ لأنه اسم أُتبع اسما فى نصبه، فكان بمنزلة قوله فى [غير] الأمر: أنت ورأيُكَ وكلُّ ثوب وثمنُه، فكما لم يجز أنت رأيك، أو كلُّ ثوب ثمنه فكذلك لا يجوز: (إيَّاك الباطل) وأنت تريد: إيّاك والباطل.
في الأوهام
وهم السمين الحلبي عند تفسير هذه الاية
ونسب قولا للطبري لم يقله
قال في الدر المصون
والثالث : – وهو أضعفها – مذهب الطبري أن ثم واوا محذوفة قبل قوله : » أن لا نقاتل « . قال : » تقديره : وما لنا ولأن لا نقاتل ، كقولك : إياك أن تتكلم ، أي : إياك وأن تتكلم ، فحذفت الواو ، وهذا كما ترى ضعيف جدا .
فنسب هذا القول للطبري والحقيقة ان هذا ليس قوله ولكن أورده في تفسيره ورد عليه كما سبق ذكره!!!!
الوهم الثاني
وهم الخطيب محقق كتاب مغني اللبيب
قال جاء في إعراب القران للنحاس أن الفراء قال ان معناها وأي شيء لنا في ألا نقاتل في سبيل الله
وهذا أجودها
بالرجوع لاعراب القران للنحاس وجدت الآتي
قال الأخفش أن زائدة وقال الفراء هو محمول على المعنى أي وما منعنا كما تقول ما لك ألا تصلي أي ما منعك وقيل المعنى وأي شيء لنا في ألا نقاتل في سبيل الله وهذا أجودها
أي ان قول الفراء خلاف ما توهمه الدكتور الخطيب
ما يتفرع من المسألة
على قول أن التقدير مالنا في ألا نقاتل
أي تقدير في فيكون ألا نقاتل مصدر مؤول لكن هل هو في محل نصب أم جر
وهذا الجار يتعلق بنفس الجار الذي هولنا أو بما يتعلق هو به
قال سيبويه والبصريون أنه في محل نصب على الحال من لنا العامل في الاستقرار (أي أن في المقدرة متعلقة بالاستقرار الذي تعلق به العمل الاول لنا
أما الخليل فقوله أنه في محل جر إذ أن في متعلق بنفس الجار لنا وليس الاستقرار
أخيرا أكثر أقوال النحاة على أن التقدير مالنا في ألا نقاتل
واختار الفراء والطبري القول المذكور أعلاه.