الإعلام الحــديث في ظل العولـــمةأولا : مفهوم العولمة وتعريفها
ظهر مصطلح العولمة أولا بالغة الإنجليزية وترجم إلى اللغات الأخرى ومنها العربية وقد جرى تناول كلمات أخرى في اللغة العربية ترجمة للفظ الإنجليزي “Globalization” منها الكوكبة ، والكونية والكنوننة ولكن يبدو الآن غلبة لفظ عولمة على غيره من الألفاظ للدلالة على هذه الظاهرة ” ” .
والعولمة في اللغة اسم مصدر على وزن ” فوعلة ” مشتقة من كلمة ” العالم ” نحو القولبة وهى جعل الشئ في شكل القالب الذي يحتويه ، والعولمة تعنى جميع النشاطات الإنسانية في نطاق عالمي ، بمعنى جعل العالم كله مجالا للنشاطات الإنسانية المتعددة .
و صياغة تعريف دقيق للعولمة، تبدو مسألة شاقة نظراً لتعدد وجهات النظر، حول نشأتها ومصادرها وأصولها ومبادئها، والتي تتأثر أساساً وضرورة حتمية، بانحيازات الباحثين الأيديولوجية واتجاهاتهم إزاء هذه العولمة رفضاً أو قبولاً، فالخلاف في وجهات النظر في العولمة بين اليسار واليمين، بين الاشتراكية والرأسمالية، بين النظم الوطنية والتابعة، بين الخصوصية والعولمة، وأيضاً وهو مهم للغاية، بين وجهة نظر إسلامية ووجهة نظر غير إسلامية .
على رغم من ذلك اختار الباحث مجموعة من التعريفات للعولمة وهى كما يلى :
حيث يعرفها عبد الرشيد عبد الحافظ بأنها : الدوران في فلك الأقوى فالعالم الآن لابقاء فيه إلا للأقوياء ولاكلام إلا لمن يمتلك القوة ، أما الضعفاء فهم مقهورون مغلبون وعليهم أن يكونوا دائما تبعا لمن هو أقوى منهم يدورون في فلكه ويأتمرون بأمره. ” “
ويعرفها كمال الدين مرسى بأنها ” وصول الرأسمالية التاريخية عند منعطف القرن العشرين تقريبا إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتجارة والسوق والاستخراج إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة إنتاجها اى حقبة ثالثة متميزة تنضاف إلى مرحلة الاستعمار التجارى الأول ومرحلة الإمبريالية الكلاسيكية اللاحقة ” ” .
ويعرفها الدكتور بركات مراد (مركزة العالم في حضارة واحدة) أي إعادة إنتاج العالم وفقاً لثقافة واحدة هي ثقافة الجهة صاحبة المشروع وهي تعرف (بأنها تشكيل وبلورة العالم بوصفه موقفاً واحداً، وظهور لحالة إنسانية عالمية واحدة) ” ويشير الباحث المصري محمد مبروك العولمة هي تحقيق مصالح النخب الرأسمالية والنخب الحليفة، على حساب شعوب العالم، فالعالم يتم تقسيمه إلى مراكز وهوامش، وكلما ازداد ثراء المركز، ازداد فقر الهوامش، فإذا كان الميكانيزم الأساسي للعولمة هو تعاظم أسعار المواد الأولية، وكانت الأخيرة هي المقوم الأساسي لثروة الدول الفقيرة، فإن تنامي العولمة، يعني سحق الدولة الفقيرة لحساب الدول الغنية ” “
ويعرفها حاكمي بوحفص ” بأنها السيطرة المطلقة على العالم وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مقدرته ، خاصة أن الإستراتيجية تسعى للسيطرة على العالم ومقدراته بدون خسائر أو حروب وكأن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في كتابه انتصار بدون حرب إلى نشر القيم الأمريكية إذا ما أرادت أمريكا أن تصبح زعيمة العالم ” “.
ثانيا : عوامل ظهور العولمة
هناك عدة عوامل ساعدت على انتشار ظاهرة العولمة وتأصيلها كظاهرة كونية أهمها:
1. التقدم الكبير في المجال التكنولوجي و المعلوماتي من خلال تطور الاتصالات و ظهور الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة. .
2. زيادة التحالفات والتكتلات الدولية والإقليمية،الآسيان،الإتحاد الأوربي،النافتا….
3. ظهور منظمات دولية مثل المنظمة العالمية التجارية
4. التحالفات الإستراتيجية لشركات عملاقة عالمية خاصة في المجالات المصرفية والصناعية والنفط
5. ظهور معايير الجودة العالمية.
6. تزايد حركة التجارة و الإسثثمارات الأجنبية.
7. وجود مشاكل جديدة علمية مثل التلوث البيئي،غسيل الأموال و البطالة و الهجرة غير الشرعية
8. المخدرات و التي تتطلب تعاون دولي ومزيد من التنسيق و إيجاد مفاهيم جديدة يتعلق بالتنمية المستدامة .
9. تركز الثروة في أيدي عدد قليل من الدول
10. تزايد هيمنة الاحتكارات الكبرى و الشركات العابرة للقارات توفر بيئة ملائمة تساعد الولايات المتحدة الأمريكية لتلعب دور الدركي العالمي دون أي مواجهة بالإضافة إلى عوامل أخرى يمكن تسميتها بالعوامل الشرطية ،كلها عوامل أدت إلى انتشار ظاهرة العولمة كظاهرة كونية فيها التراجع الذي حدث في دور الدولة خاصة في المجالات الإنتاجية في العقود الأخيرة الماضية.
11. محاولات الولايات المتحدة لتفكيك ما يسمى بالدول الكبرى مثل الإتحاد السوفيتي
و يمكننا القول أن بعد الانهيار السوفيتي وتربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرش العالم حرص الليبرالية الجديدة تحت مسمى العولمة لتغزو كل الدول داعية إلى حرية انتقال رأس المال وإلغاء الحدود و الحواجز الجمركية لتعزز حرية المبادلات التجارية مما أدى إلى تباعد النشاط المالي عن النشاط الاقتصادي حيث نجد أن من أصل 1500مليار دولار تدخل العمليات اليومية على المستوى العالمي نجد1% فقط يوظف لاكتشاف ثروات جديدة أما الباقي فيدور في إطار المضاربات ويمكن تسـمية هـذا النظام الاقـتصادي الـمعاصر باعـتباره اقـتصاديا دولـيا أكثر تكاملا و اندماجا بالعولمة .
ثالثا : أهداف العولمة
أ. أهداف العولمة من وجهة نظر مؤيديها:” “
وأهم هذه الأهداف هي:
– توحيد الاتجاهات العالمية وتقريبها بهدف الوصول إلى تحرير التجارة العالمية(السلع ورؤوس الأموال)
– محاولة إيجاد فرض للنمو الاقتصادي العالمي.
– زيادة الإنتاج العالمي و توسيع فرص التجارة العالمية.
– تسريع دوران رأس المال على المستوى العالمي من خلال ما يسمى Back Office
– التعاون في حل المسائل ذات الطابع العالمي (الأسلحة المدمرة،مشاكل البيئة،المخدرات،الإرهاب….).
– فتح الباب على مسرعيه في مجال التنافس الحر.
– تدفق المزيد من الإسثثمارات الأجنبية.
ب. أهداف العولمة من وجهة نظر المعارضين:
– فرض السيطرة الاقتصادية و السياسية و العسكرية على شعوب العالم.
– هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على اقتصاديات العالم من خلال سيطرة الشركات الأمريكية الكبرى على اقتصاديات الدول.
– تدمير الهويات و الثقافة القومية وتغليب الثقافة الغربية.
– صناعة القرار السياسي و التحكم في خدمة لمصالح أمريكا.
– إلغاء النسيج الحضاري و الاجتماعي للأمم الأخرى.
– تفتيت الدول و الكيانات القومية.
إن للعولمة أهدافا أبعد من الربح والتجارة الحرة و الحدود المفتوحة ،و الأسواق الحرة، ولكنني أعتقد بأن الخطر في العولمة يكمن فيما يسمى بثقافة العولمة،على اعتقاد أن هذه الظاهرة تروج لأربع ثوراث يتوقع أن يكون لها تأثير كبير على حياة المجتمع الدولي بكامله وهي :
1- الثورة الديمقراطية.
2- الثورة التكنولوجية الثالثة أو ما بعد الثالثة.
3- ثورة التكتلات الاقتصادية العملاقة.
4-ثورة الإصلاح واقتصاد السوق.
وفي هذه الثورات وما ينتج عنها من آثار وانعكاسات سيتم تشكيل النظام العالمي الجديد المتسم بالعولمة،حيث يعتمد الاقتصاد في إطار هذا النظام على إسثثمار الوقت بأقل تكلفة عن طريق استخدام المعرفة الجديدة وتحويلها إلى سلع أو خدمات جديدة وتغيير مفهوم البحث من نقل الاقتصاد من وضع سيئ إلى وضع أفضل وأصبح المهم هو الوقت الذي يستغرقه هذا التغيير.
رابعا : وسائل الإعلام والعولمة
تعريف إعلام العولمة
إعلام العولمة :
سلطة تكنولوجية ذات منظومات معقدة لا تلتزم بالحدود الوطنية للدول وإنما تطرح حدودا فضائية غير مرئية ترسمها شبكات اتصالية معلوماتية على أسس سياسة واقتصادية وثقافية وفكرية لتقييم عالما من دون دولة ومن دون أمة ومن دون وطن وهو عالم المؤسسات والشبكات التي تتمركز وتعمل تحت إمارة منظومات ذات طبيعة خاصة وشركات متعددة الجنسيات يتسم مضمونها بالعالمية والتوحد على رغم تنوع رسائلها التي تبث عبر وسائل تتخطى حواجز الزمن والمكان واللغة لتخاطب مستهلكين متعددي المشارب والعقائد والرغبات والأهواء .
وهناك من عرفها بأنها “عملية تهدف إلى التعظيم المتسارع والمذهل في قدرات وسائل الإعلام والمعلومات على تجاوز الحدود السياسية والثقافية بين المجتمعات بفضل ما تقدمه تكنولوجيا الحديثة والتكامل والاندماج بين هذه الوسائل بهدف دعم وتوحيد ودمج أسواق العالم وتحقيق مكاسب لشركات الإعلام والاتصال والمعلومات العملاقة وهذا على حساب دور الدولة في المجالات المختلفة .
التصنيفات