التصنيفات
علوم التسيير والتجارة

بحث حول omc

لقد حدثت تحولات مهمة في العلاقات الاقتصادية الدولية، هيئت الأوضاع ووفرت الشروط المناسبة التي ساعدت على إنشاء كيان جديد يشرف على تنظيم العلاقات التجارية الدولية وتوجيه السياسات التجارية القطرية، ومن أهم تلك التحولات نذكر:
1- انهيار المعسكر الاشتراكي وتدهور أوضاع الإتحاد السوفياتي السابق وتفككه، مما أفسح المجال لهيمنة المعسكر الرأسمالي، وانفراده بإدارة الاقتصاد العالمي وتوجيهه والتحكم من مسارات تطوره.
2- إخفاق مسيرة التنمية في البلدان النامية وتفاقم مشكلات المديونية، وما ترتب عن ذلك من قبول اضطراري بالسياسات الاقتصادية الليبرالية كمحاولة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية المتردية، ومن بينها سياسة تحرير التجارة وتسريع وتيرة الانفتاح الارتجالي في ظل مشروطية الأطراف القوية في العلاقات الاقتصادية الدولية.
3- تطور أزمات الدول الصناعية المتقدمة، ورغبتها في توسيع أسواقها الخارجية لبعث حركية النشاط الاقتصادي من جهة، وللتخلص من الأعباء المتزايدة لحماية اقتصادياتها المحلية من جهة أخرى،ولا غراب في ذلك ففي مجموعة الدول السبع الأكثر تصنيعاً في العالم فإن الصادرات السلعية تضمن لوحدها حوالي 23 مليون منصب شغل، وإن كل مليار دولار من الصادرات الإضافية يساهم في إنشاء حوالي 19000 وظيفة، فإذا علمنا بأن في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تضم الدول الصناعية الكبرى، يقدر عدد العاطلين عن العمل بـ 35 مليون عاطل، فإن من أفضل السياسات المساعدة على التخفيف من ارتفاع معدلات البطالة هو الاتجاه نحو المزيد من اكتساح الأسواق التجارية الخارجية، وزيادة صادراتها بصورة تؤدي إلى تحريك النمو بهذه البلدان، وهذا ما أكده السيد ميشال كمديسيس كمنجزات إيجابية للصندوق بقوله:" تمكنت البلدان النامية، بواسطة الارتفاع السريع في وارداتها من منع هبوط اقتصادي أشد في العالم الصناعي، والواقع أنها أصبحت في حد ذاتها عاملا محركا للنمو، أليس هذا إنجازا ضخما؟".
4- محدودية الاتفاقيات التجارية التي تمت في إطار الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات الأصلية)، من حيث المجالات التجارية، والصلاحية الإدارية، الأمر الذي استدعى ضرورة توسيعها لتشمل ميادين عديدة في التجارة الدولية تهم الدول المتقدمة بالدرجة الأولى مثل التجارة في الخدمات، والاستثمار الأجنبي المرتبط بالتجارة، وحقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة، فمجموعة الدول المتقدمة سيطرت على أكثر من 76% من التجارة العالمية في الخدمات في الوقت الحالي.
5- تجدد الفكر الليبرالي بمختلف تياراته وروافده، فبعد إخفاق الفكر الكينزي في إيجاد الحلول للمشكلات المستجدة للاقتصاديات المتقدمة، حدثت ثورة فكرية ضد المدرسة الكينزية وسياساتها، أدت إلى صعود التيارات الليبرالية الجديدة التي تسعى إلى العودة إلى رأسمالية القرن الثامن عشر، عن طريق الدعوة إلى المزيد من الحرية والانفتاح وإعادة الاعتبار لقوى السوق بشكل أساسي من خلال تحجيم دور الدولة ،وتصفية قطاعها العام،الخ… واعطاء الأولية للقطاع الخاص، وأولويات السياسات المرتكزة على تنمية قوى العرض الكلي في مقابل السياسات المرتكزة على الطلب الكلي الفعال، وأولوية التوازنات النقدية والمالية في مقابل التوازنات الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة في الاقتصادات النامية.
فأضحت المذهبيةالرأسمالية في صورتها الليبرالية الجديدة الإطار المذهبي الذي يحكم مبادئ وأحكام واتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة.
إن هذه الأوضاع قد ساعدت على إجراء الترتيبات اللازمة في الجولة الثامنة من جولات المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف التي تمت في إطار الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الغات)، والتي سميت بجولة أورغواي وكان من أهم نتائجها تحويل (الغات) إلى منظمة عالمية للتجارة كما أشرنا سابقا.
وكم كان وجود (GATT الغات) في سنة 1947 يعتبر جزءا من :" عملية قامت بها الدول الصناعية الكبرى أساسا لإعادة ترتيب الأوضاع التجارية العالمية..، فقد كانت للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة الدور الرائد في التخطيط (للغات) والتوصل إلى صياغة أسس النظام التجاري العالمي الذي تضمنته مواد هذه المعاهدة.."* والذي من خلاله حافظت على أسواقها ومنتجاتها طيلة نصف القرن، فإن المنظمة العالمية للتجارة كما سنرى ستكون في خدمة مصالح الدول المتقدمة التي ستحصل على% 84 من الزيادات المتوقعة في الدخل العالمي الناتج عن تطبيق اتفاقيات تحرير التجارة العالمية، بينما سوف لا يزيد نصيب البلدان النامية والاشتراكية سابقا عن 16% رغم أنها تشكل أكثر من 75% من سكان العالم، وستقوم وتكتلاتها ومؤسساتها في ظل المذهبية الرأسمالية المتجددة.
2- من الاتفاقية العامة" الغات" GATT إلى المنظمة العالمية للتجارة OMC :
لقد استمرت جهود الأطراف القوية في العلاقات التجارية الدولية، من أجل تحرير التجارة وإزالة كافة العوائق التي تؤثر على حركية انسياب السلع والخدمات، ورغم فشل محاولات تنظيم العلاقات التجارية الدولية بإنشاء منظمة عالمية للتجارة تكمل دور مؤسسات بريتون-وودز"Bretton woods" بالتخلي عن ميثاق بالتخلي عن ميثاق هافانا نهائيا في سنة 1950م، والاكتفاء بالاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة التي تمت المصادقة عليها في 30 أكتوبر 1947م، من قبل 23 دولة، وأصبحت تعرف باتفاقية "الجات"، وظلت هذه الاتفاقية التي تنظم بعض جوانب العلاقات التجارية الدولية إلى غاية إنشاء المنظمة العالمية للتجارة سنة 1995م، وكانت "الجات" عبارة عن اتفاقية في شكل مؤسسة غير دائمة تقوم بوظيفة الإشراف على تنفيذ القواعد والمبادئ الخاصة بتنظيم التجارة الخارجية للأطراف المتعاقدة وتنظيم جولات المفاوضات التجارية من أجل توسيع وتعميق مبادئ حرية التجارة الدولية، وقد أدارت ثماني جولات من المفاوضات خلال الفترة 1947م- 1993م، كما هي مبينة في الجدول التالي:

السنة
الجولات
الدول المشاركة
أهم النتائج المحققة
1947
جنيف
23
تخفيض التعريفات بـ 50% من التجارة الدولية.
1947
أنسي(فرنسا)
13
5000 تخفيض في التعريفات.
1951
توركاي (انجلترا)
38
تخفيض 25% لحوالى 55000 منتج.
1956
جنيف
26
تخفيض للتعريفات تقدر بـ 2.5 مليار دولار.
1960
1961
دايلون (جنيف)
26
– تخفيضات للتعريفات لحوالي 60000 منتج.
– تعريفة جمركية موحدة للإتحاد الأوروبي.
– بدء المفاوضات الزراعية منتج بعد منتج.
1964

1967

كيندي

48
– تخفيض الرسوم الجمركية بـ 35% على المنتجات الصناعية.
– اتفاقية حول التعاملات ضد سياسات الإغراق .

1973

1979

طوكيو

104

تسع اتفاقات خاصة بالقيود غير التعريفية.
1-اتفاقية الدعم.
2- اتفاقية إجراءات القيود الفنية على التجارة.
3- اتفاقية إجراءات تراخيص الاستيراد.
4- اتفاق المشتريات الحكومية.
5- اتفاقية احتساب قيمة الجمارك.
6- اتفاقية اللحوم والثروة الحيوانية.
7- اتفاقية الألبان.
8- اتفاقية التجارة في الطائرات المدنية.
9- اتفاقية مكافحة الإغراق.
– متوسط الحقوق الجمركية المطبقة بين البلدان الصناعية يصل إلى 6.3 % .
– أربع ترتيبات خاصة.
1986

1993

أوروجواي

123

– اتفاقية تأسيس المنظمة العالمية للتجارة.
– مجموعة من الاتفاقات المتعلقة بالزارعة والنسيج والاستثمارات المرتبطة بالتجارة، وحقوق الملكية الفكرية وتسوية المنازعات، وتخفيضات الحقوق الجمركية.

وقد استطاعت الدول القوية أن تجسد فلسفتها التي عجزت عن فرضها منذ تخليها عن ميثاق هافانا في نهاية الأربعينيات بسبب بداية الحرب الباردة بين المعسكرين، وعدم توافر الأجواء المناسبة سواء على المستوى التطبيقي أو النظري الفكري.
وكانت المحصلة النهائية لجولة أورجواي التي استمرت حوالي 08 سنوات مجموعة من الاتفاقات ومذكرات التفاهم والقرارات الهامة التي تحكم مسار العلاقات التجارية الدولية وتوزع مكاسب تحرير التجارة على المستوى العالمي خلال القرن الحادي والعشرين والتي صادق عليها المؤتمر الوزاري المنعقد في مراكش في أفريل 1994م.
ولعل أهم تلك الاتفاقات التي تم التأكيد عليها الاجتماع الوزاري الاستثنائي للغات الذي حضرته 125 دولة هو اتفاق تأسيس المنظمة العالمية للتجارة التي أضحت كيانا مستقلا ودائما اعتبارا من 01 جانفي 1995، يتولى تنفيذ سائر الاتفاقيات أسفرت عليها جولات المفاوضات وأهمها:
1- الاتفاق الختامي لنتائج جولة أورجواي للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف.
2- اتفاق الوصول الأسواق للتجارة في السلع.
3- اتفاقية التجارة في الخدمات.
4- اتفاقية الزراعة الإجراءات الصحية.
5- اتفاقية المنسوجات والملابس.
6- اتفاقية الجوانب التجارية المتعلقة بالاستثمار.
7- بروتوكول جولة أورجواي للاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة.
8- اتفاق قواعد المنشأة.
9- اتفاقية التفتيش ما قبل الشحن.
10- اتفاقية مكافحة الإغراق.
11- اتفاق العوائق الفنية للتجارة.
12- اتفاق إجراءات تراخيص الاستيراد.
13- اتفاقية الدعم والإجراءات التوازنية.
14- اتفاق احتساب قيمة الجمارك.
15- اتفاق المشتريات الحكومية .
16- اتفاقية إجراءات الوقاية .
17- مذكرة تفاهم حول إجراءات تسوية المنازعات .
18- عناصر النظام المتكامل لتسوية المنازعات .
19- اتفاقية قيود موازين المدفوعات .
20- المذكرة التفسيرية، للمادة الثالثة اتفاقية الغات المتعلقة بالتنازلات الإضافية .
21- المذكرة التفسيرية للمادة 17 من اتفاقية الغات، المتعلقة بالمعاملة الوطنية.
22- المذكرة التفسيرية للمادة 24 من اتفاقية الغات ، والخاصة بالترتيبات الإقليمية .
23- المذكرة التفسيرية للمادة 17 من اتفاقية الغات المتعلقة بتنظيم الإعفاءات.
24- المذكرة التفسيرية للمادة 27 لاتفاقية الغات، متعلقة بتعديد التنازلات .
25- المذكرة التفسيرية للمادة 35 من اتفاقية الغات، المتعلقة بالتحلل المؤقت من الالتزامات .
26- آلية مراجعة السياسة التجارية .
27- القرار الوزاري لتعويض الدول النامية المسنودة الصافية للغذاء والأقل نموا.
وبعد الموافقة الأولية لممثلي الدول المشاركة في جولة أورغواي بجينيف في 15 سبتمبر 1993، انعقد الاجتماع الوزاري بمراكش (12-16) أفريل 1994 وصادق على الوثائق النهائية للمفاوضات المتعددة الأطراف بجولة أورغواي عن طريق مجموعة من القرارات التالية :
1- قرار بقبول الانضمام إلى منظمة إلى منظمة التجارة العالمية .
2- قرار لإنشاء اللجنة التحضيرية المكلفة بإجراءات إنشاء المنظمة وتحديد مجال عملها .
3- قرار بدراسة الانعكاسات المالية والإدارية المترية على إنشاء المنظمة.
4- قرار بدراسة العلاقة بين التجارة والبيئة وإنشاء لجنة دائمة مكلفة بذلك.
5- الموافقة على إصدار إعلان مراكش الذي يمثل تلخيصا لنتائج جولة أورغواي.
6- قرار باعتماد الوثيقة لختامية لجولة أورغواي والمصادقة عليها من قبل الوزراء.
اعتماد اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية وملحقاتها من القرارات والاتفاقات والإعلانات .
وعموما يمكن القول بأن جولة طوكيو 73/1979 ، وجولة أوروغواي 86/1993 بما تتمخض عنهما من اتفاقيات لإعادة تنظيم العلاقات التجارية الدولية ترجمة فعلية للفكر الاقتصادي للمدارس والتيارات اللبيرالية الجديدة بعد عجز الفكر الكنزي والاشتراكي عن إبراز بدائل تخفف من حدة الأزمات في الاقتصاديات المتقدمة، وتحد من تفاقم مشكلات الاقتصادات النامية.
المبحث الأول: لهيكل التنظيمي والإطار المؤسسي للمنظمة العالمية للتجارة.
سوف نتعرض للجوانب المؤسسية والتنظيمية للمنظمة العالمية للتجارة ضمن النقاط التالية:
– التنظيمي للمنظمة العالمية للتجارة.
– سلوك اتخاذ القرارات وطريقة الإنظمام والانسحاب.
– سلوك تسوية المنازعات وفض الخلافات.
المطلب الأول: الهيكل التنظيمي للمنظمة العالمية للتجارة
يتكون الهيكل التنظيمي للمنظمة من مجموعة الهيئات التالية:
– المؤتمر الوزاري.
– المجلس العام.
– المجالس المتخصصة.
– الأجهزة واللجان الفرعية.
– المدير العام.
1- المؤتمر الوزاري وهو أعلى هيئة في المنظمة ألف من مثلي الدول الأعضاء وهو الذي يقوم بتأدية وظائف المنظمة، وله صلاحيات اتخاذ القرارات في جميع القضايا المتعلقة بتنظيم التجارة الدولية وفقا لما تنص عليه الاتفاقات التجارية، المتعددة الأطراف، بما في ذلك صلاحية تعديل مواد اتفاقية، ويعقد اجتماعاته كل سنتين.
2-المجلس العام ويتكون من ممثلين عن الدول الأعضاء، ويتولى مهام المجلس الوزاري بين الدورتين، من خلال الإشراف على التنفيذ المباشر لمهام لمنظمة، كما يتولى وضع القواعد التنظيمية والإشراف على جهاز تسوية المنازعات، وآلية مراجعة السياسات التجارية للدول الأعضاء، وعلى المجالس المتخصصة وهي مجلس التجارة في السلع ومجلس التجارة في الخدمات، ومجلس حقوق الملكية، كما يشرف على الأجهزة واللجان الفرعية،ويضع الترتيبات والأسس المتعلقة بالتعاون مع المنظمات الدولية والهيئات الأخرى.
3- المجالس المتخصصة وتشمل مجلس التجارة في السلع، ومجلس التجارة في الخدمات ومجلس حقوق الملكية، ويتولى كل مجلس الإشراف على تنفيذ الاتفاقيات التي تقع في دائرة اختصاصه، من خلال مجموعة من اللجان الفرعية ومجموعات التفاوض التابعة لها.
4- اللجان الفرعية وتشمل مجموعة اللجان الفرعية التابعة للمجلس الوزاري وهي لجنة الإدارة، إضافة إلى اللجان الفرعية المتخصصة لمجلس السلع، والخدمات، وحقوق الملكية.
5- المدير العام للمنظمة: ويعين من قبل المؤتمر الوزاري للمنظمة ويعاونه أربعة مدراء عامين مساعدين كنواب له، ونضع تحت تصرفه أمانة عامة تضم حاليا أكثر من 500 موظف دولي،ومقرها بجنيف(سويسرا) ويقوم المدير العام بتأدية واجباته وممارسة صلاحياته خلال المدة المحددة في إطار القرارات والأنظمة التي يعتمدها المجلس الوزاري وتحت تصرفه وتبلغ ميزانية المنظمة حاليا أكثر من 93 مليون دولار.
وسوف نوضح ذلك الهيكل التنظيمي من خلال الشكل رقم1 .

المدير العام للمنظمة

الأمانة العامة للمنظمة

الفرق الخاصة

المؤتمر الوزاري

لجنة التجارة والبيئة

لجنة التجارة والتنمية

لجنة ميزان المدفوعات

لجنة الميزانية والإدارة

المؤتمر الوزاري

المجلس العام

جهاز تسوية المنازعات التجارية

جهاز الاستئناف

مجلس التجارة في السلع

مجلس حقوق الملكية

مجلس التجارة في الخدمات

لجنة دخول الأسواق

لجنة الاستثمارات

لجنة الفلاحة

لجنة مكافحة الإغراق

فريق المفاوضات الخاص

فريق المفاوضات الخاص

فريق المفاوضات الخاص بالأشخاص

فريق المفاوضات المتعلقة بالخدمات المالية

لجنة المقاييس الصحفية

لجنة الإجراءات الوقائية

لجنة الدعم

لجنة النسيج

المطلب الثاني: أسلوب اتخاذ القرارات وطريقة الانضمام والانسحاب
1- أسلوب اتخاذ القرارات
تتمتع كل دولة عضو بالمنظمة العالمية للتجارة بصوت واحد بغض النظر عن حجم الدولة ونسبة مساهمتها في ميزانية المنظمة، وليس لأي دولة حق الاعتراض، وهذا خلاف ما هو جاري في المنظمات الأخرى، التي ترتبط فيها القوة التصويتية للدولة بحجم مساهمتها المالية كما هو الحال في صندوق النقد الدولي، وابنك الدولي…
وهذا الوضع يتيح للبلدان النامية أن ترفض مشاريع الاتفاقيات التي تتعارض مع مصالحها الوطنية، رغم أن الواقع بأن البلدان المتقدمة كما أنها تتحكم ف مسار المنظمات الأخرى بحكم حجم مساهماتها المالية، فإنها توجه مسار المفاوضات، وتفرض مشاريع الاتفاقات بسبب انعكاسات مشروطية وزنها الاقتصادي ونفوذها السياسي على البلدان النامية، التي طالما كانت من أكثر الحاضرين الذين لا يؤثرون ، ومع هذا فإن المزيد من التنسيق والتعاون بين الأطراف الضعيفة يمكن أن يعظم مصلحتها ويجعلها كتلة فاعلة وليست منفعلة.
وتتخذ القرارات بالتوافق والتراضي طالما لا توجد اعتراضات، وفي الحالات التي يصعب فيها التوصل إلى قرار بالتوافق، فإن الأغلبية تحسم موضوع الخلاف وقد تكون أغلبية الثلاث أرباع، أو أغلبية الثلثين حسبا لطبيعة الموضوع الذي يكون محلا للتفاوض والتصويت.
2- طريقة الانضمام والانسحاب:
يحق لأي دولة أو إقليم جمركي، الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة بعد تقدمه بطلب الانضمام، والتزامه بالتنا زلات والتعهدات المحددة في كافة الاتفاقيات من خلال المفاوضات مع الدول الأعضاء.
كما يحق لأي عضو الانسحاب من المنظمة بعد ستة أشهر من أخطار المدير العام للمنظمة، فيتحلل بعد ذلك من كافة الالتزامات والتعهدات ويفقد بالمقابل امتيازات الانضمام.

3- أسلوب تسوية المنازعات وفض الخلافات:
يمكن لأي طرف وقع عليه الضرر بسبب المخالفات للتعهدات أو الخرق للاتفاقيات التجارية أن يرفع شكوى إلى المنظمة بعد التأكد من عدم إمكانية حل النزاع عن طريق المشاورات ومساعي الوساطة، فيتم تعيين الفريق الخاص بموضوع الخلاف وتكليفه من قبل جهاز تسوية المنازعات بالاستماع إلى جميع الأطراف بما فيهم الخبراء المستقلين وينتهي إلى إعداد تقرير أولي يحال إلى جهاز تسوية المنازعات، الذي يعتمده ويتم وضع ذلك القرار موضع التنفيذ، وفي حالات رفض أحد الأطراف لتقرير الفريق الخاص، يحال على جهاز الطعن، الذي يعتمد تقريره ويتم اتخاذ القرار على ضوء ذلك ليوضع موضع التنفيذ.
وقد يقبل العضو بشكل طوعي تنفيذ القرار الصادر عن جهاز تسوية المنازعات، أو يرفض، ففي هذه الحالة تجرى معه مفاوضات متعلقة بتنفيذ الحكم، وإذا فشلت تنسحب منه جميع الامتيازات التعريفية التي استفاد منها ويلزم بتطبيق القرارات المتعلقة بموضوع النزاع .
فقد تستغرق عملية حسم الخلاف سنتين إذا لم تتم تسويتها بشكل ودي، عبر عدة مراحل بدءا من مرحلة المشاورات والمصالحة والتي قد تستغرق شهرين ومرحلة الترتيبات الإجرائية المتعلقة بموضوع الخلاف وقد تستغرق ثلاثة أشهر ومرحلة اتخاذ القرار وصدور الحكم وقد تدوم 90 يوما، ثم مرحلة وضع تلك القرارات موضوع التطبيق والتي لا يجب أن تتجاوز مدتها 15 شهرا.
ويلاحظ بأنه في حالة رفض الطرف المدان بمخالفة الاتفاقيات للحكم الصادر، فإن للدولة المتضررة حق الطلب عن تعويض الأضرار، أو توقيع عقوبات تجارية على العضو المخالف، مع العلم بأن المنظمة لا تتولى توقيع العقوبات، وإنما تفوض الأمر للطرف المتضرر بإيقاع العقوبة من خلال سحبه للامتيازات التعريفية أو تعليقه للالتزامات التجارية مع الدولة المدانة.
ونرى أن هناك نوع من عدم " التناسب بين الإخلال بالتزام معين والعقوبة الممكن توقيعها.. فطالما بأن توقيع العقوبة متروك للطرف المتضرر فإن قدرة الأقوياء على معاقبة الضعفاء ستكون أكبر من قدرة الضعفاء على فرض عقوبات مؤثرة أو رادعة على الأقوياء"
المبحث الثاني: مبادئ النظام التجاري المتعدد الأطراف:
إن معظم مبادئ النظام التجاري متعدد الأطراف الذي أصبحت تشرف عليه المنظمة العالمية للتجارة والمؤسسات المكلة لدورها، مفروض من قبل الدول المتقدم، ويجسد هيمنة الأطراف القوية ويكرس أولوية مصالحها القومية على حساب البلدان النامية باعتبارها أطراف ضعيفة، رغم أنها تشكل أغلبية سكان المعمورة، وهذا يعني بأن آليات النظام التجاري المتجدد ستؤدي إلى المزيد من التوزيع غير المتوازن للثروات ومكاسب النمو، وتكاليف التحولات الاقتصادية في القرن الواحد والعشرين. ولا غرابة إذا وجدنا بأن الكثير من الإشكاليات التجارية لم تتناولها مبادئ النظام التجاري الجديد، سواءا على مستوى تشكيلة السلع والخدمات، أو على مستوى النشاط المؤسسي الاحتكاري المتعدد الجنسيات الذي يؤثر في حجوم الإنتاج ويتحكم في مستويات الأسعار، ويحدد معدلات الأرباح ويقلل من درجة المنافسة مما يؤدي إلى الانتقال من أسواق شبه تنافسية إلى أسواق احتكارية في العديد من الأنشطة الاقتصادية الأمر الذي يحد من التأثيرات الايجابية لقوى السوق. هذا ناهيك عن عدم توسيع اهتمام آليات النظام التجاري لتشمل تجارة الأسلحة وبعض السلع والخدمات الاستراتيجية…الخ.
إن النظام التجاري متعدد الأطراف الحالي يرتكز على المذهبية الرأسمالية بموجتها الفكرية وتحولاتها الواقعية المتجددة، ومن ثم فهو يساهم عن طريق عولمة النشاط التجاري في فرض الخصوصية الحضارية الغربية.
ومن خلال القراءة السريعة للاتفاقيات ومذكرات التفاهم والقرارات الصادرة عن الغات 1994 ، والمنظمة العالمية للتجارة يمكن إبراز المبادئ الأساسية التي تحكم العلاقات التجارية بين مختلف الأطراف العضوة في المنظمة العالمية للتجارة ومنها:

المطلب الأول: مبدأ عدم التمييز في المعاملات التجارية :
ويعني مبدأ عدم التمييز أن أي عضو في المنظمة العالمية للتجارة يحضى بنفس المعاملة التجارية لسلعه وخدماته المتامثلة مع الأعضاء الآخرين دون التمييز وهذا يتطلب ضرورة الالتزام بالمبادئ التالية:
1-الالتزام بتعميم مبدأ المعاملة الممنوحة للدولة الأكثر رعاية:
هذا المبدأ المنصوص عليه في المادة الأولى للغات والذي يعتبره البعض القاعدة الذهبية للتجارة الدولية متعددة الأطراف يعني أن المزايا أو المعاملة التفضيلية التي يمنحها أحد الأطراف للمنتجات الناشئة في أية دولة، أو المتجهة إليها سوف تعمم فورا من دون قيود أو شروط على بقية أعضاء المنظمة العالمية للتجارة.
2- الالتزام بمبدأ المعاملة القومية المتساوية: يقصد بمبدأ المعاملة القومية بأن الدولة لا تتخذ أية قيود غير تعريفية أو إجراءات إدارية وتنظيمية من شأنها أن توفر حماية للمنتج المحلي وتحدث تمييزا ضد المنتجات المستورة فالدول العضوة مطالبة بتطبيق المعاملة المتساوية وغير التمييزية بين المنتجات المحلية والمنتجات المستوردة.
3- الالتزام بمبدأ الشفافية في تطبيق الاتفاقيات:
يقتضي مبدأ الشفافية انكشاف المنظومة الإجرائية والتنظيمية الوطنية المتعلقة بتنظيم التجارة الداخلية والخارجية للدولة العضو بما يتفق والاتفاقات ويأكد الالتزام بالتعهدات، ويسهل متابعة السياسات التجارية للبلدان الأعضاء عن طريق آلية مؤسسية للرقابة التي تمارسها مختلف اللجان المتخصصة للمنظمة العالمية للتجارة.
4- استثناءات من تطبيق مبدأ عدم التمييز في المعاملات:
هناك حالات يسمح فيها للدول الأعضاء في المنظمة العالمية للتجارة بعدم الالتزام بتطبيق بعض الاتفاقات المتعلقة بمبدأ عدم التمييز في المعاملات التجارية بين البلدان الأعضاء ومن أهمها:
ا-التكامل الجهوي سواء كان متعلقا بمناطق تجارة حرة ،أواتحادات جمركية حيث يستثني أعضاء هده الاتحادات من تعميم مبدأ الدولة الأولى بالرعاية وهدا يعني أن المزايا المتاحة للدول العضوة في هده الأشكال التكاملية لا يمكن تعميمها على بقية الأطراف الأخرى في المنظمة العالمية للتجارة .
ب-الإجراءات المتعلقة برعاية الآداب والأخلاق العامة ،وحفظ الأمن الوطني.
ج-الإجراءات الخاصة بحماية الصحة العامة وحفظ حياة الإنسان والحيوان والنبات .
د-الإجراءات اللازمة لحماية التراث الثقافي.
هـ- التدابير الضرورية للحفاظ على الموارد الطبيعية الناضبة وحماية البيئة …الخ.
المطلب الثاني: مبدأ حرية الدخول إلى الأسواق:
يهدف النظام التجاري المتعدد الأطراف إلى التجسيد الفعلي لمبدأ حرية الدخول إلى الأسواق الوطنية، بإتاحة الفرص المتكافئة للمؤسسات، وضمان المناخ التنافسي الملائم الذي يؤمن حرية تدفق السلع والخدمات إلى مختلف الأسواق، والمناطق التجارية، بشكل يساعد على الارتقاء بدرجات الكفاءة الاستخدامية، ويحقق أفضل المستويات التخصيصية للموارد عل المستوى العالمي، ويؤكد التوزيع الأمثل للثروات والدخول.
إن هذا التحليل النظري الهام يواجه صعوبات واقعية بضعها عالجته اتفاقيات الجات 1994م، وما ترافق معها من مذكرات تفاهم متعلقة بتجسيد مبدأ حرية الدخول إلى الأسواق مثل اتفاقية التجارة في السلع الزراعية، واتفاقية التجارة في السلع الصناعية ، اتفاقية الملابس والمنسوجات، وغيرها من القواعد والإجراءات الكثيرة المتعلقة بتنظيم التجارة العالمية والتي وردت ضمن العديد من الاتفاقات نذكر منها:
1- الاتفاق المتعلق بقواعد المنشأ:
يمكن تعريف قواعد المنشأ بأنها منظومة القوانين والتشريعات والأحكام والآليات التي تتبعها وتطبقها أية دولة من أجل تحديد منشأ السلعة، وكانت تستخدم كأداة من أدوات تحقيق أهداف السياسة التجارية الخارجية، فينص الاتفاق المتعلق بقواعد المنشأ بمنع استعمال قواعد المنشأ بطريقة مباشرة وغير مباشرة كأداة للممارسات التقييدية التي تؤثر سلبيًا على حرية التجارة الدولية وتخل بمبدأ الدخول إلى الأسواق بسبب ما يترتب عن ذلك من قيود على الواردات انطلاقا من المعاملة التمييزية المتعلقة بمنشأ السلعة.
ولهذا يلتزم الأعضاء وفقا لتطبيق مبدأ شفافة المعاملات بضرورة انكشاف منظومتهم القانونية المتعلقة بقواعد المنشأ عن طريق النشر الإعلامي.
وقد تضمن الاتفاق التأكيد على أنه لا يجب أن تكون قواعد المنشأ التي تطبقها الدول الأعضاء على الصادات والواردات أشد صرامة من تلك الخاصة بتحديد طبيعة السلعة محلية أم أجنبية، وبدون تمييز بين الدول الأعضاء مهما كان انتماء الأطراف المنتجة لتلك السلع، بحيث تطبيق تلك القواعد بشكل متوازن وعادل وموحد.
2- لاتفاق المتعلق بالرسوم الجمركية:
ويهدف هذا الاتفاق إلى المزيد من شفافية إجراءات التقييم الجمركي للحد من التهرب من أداء الرسوم الجمركية من جهة ولحماية المستوردين من تعسف السلطات الجمركية من جهة أخرى.
3- الاتفاق المتعلق بتراخيص الاستيراد:
والذي يهدف إلى تبسيط الإجراءات المتعلقة للحصول على تراخيص الاستيراد، إضفاء المزيد من الشفافية حول أحكامها وعدم استعمالها كإجراء تمييزي لتقييد الواردات وحماية المنتجين بالداخل من المنافسة الخارجية.
4- الاتفاق المتعلق بالتفتيش والفحص قبل الشحن:
وذلك للتأكد من نوعية السلع ودرجة جودتها، وطبيعة أسعارها وتصنيفها الجمركي من أجل تقليل المنازعات بين المتعاملين في مجال التجارة الخارجية والشركات المكلفة بالتفتيش والفحص، في حالة الشعور بالمعاملات المعيقة وغير العادلة أو تسريب المعلومات السرية المتعلقة بالمصدرين، أو الاختلاف المتعلق بأسعار السلع ونوعيتها…الخ، ويسعى هذا الاتفاق إلى تسهيل إجراءات الفحص والتفتيش بوضوح الخطوات والمراحل والوثائق المتعلقة بالمعاينة والتفتيش.
5- الاتفاق المتعلق بالعوائق الفنية للتجارة:
لقد أضحت المعايير الفنية للسلع والمواصفات القياسية للبضائع من بين أهم العوائق والقيود والضوابط التي توجه عمل الأجهزة الحكومية في البلدان الأعضاء فيما يتعلق بإعداد منظومة المعايير الفنية والنظم القياسية وكيفيات تطبيقها، إضافة إلى الالتزام بتجسيد مبدأ الدولة الأولى بالرعاية ومبدأ المعاملة الوطنية، ومبدأ تحويل القيود غير الجمركية إلى قيود جمركية ومبدأ الشفافية بوضوح إجراءات المطابقة والتوافق التي تمكن أي منتج أجنبي من الدخول إلى السوق في إطار نفس المعاملة والشروط الخاصة بالمنتج المحل.
ولا شك بأن البلدان المتقدمة ما زالت تستخدم المعايير الفنية والمواصفات السلعية كعوائق أمام صادرات البلدان النامية.
6- الاتفاق المتعلق بالمعايير الصحية:
يضمن هذا الاتفاق مجموعة من القواعد الخاصة بضبط المعايير الصحية حتى يقلل من الموارد من استخدامها كإجراء لتقييد الواردات من السلع والمنتجات الزراعية، وخاصة من قبل البلدان المتقدمة.
رغم تعدد الاتفاقات التي تؤدي إلى مزيد من الانفتاح التجاري الذي يعظم مصالح الأطراف القوية في العلاقات التجارية،فإن هناك العديد من القضايا التي مازالت عالقة وستكون من أهم حقول نشاط المنظمة العالمية للتجارة وأصعبها مثل توحيد الإجراءات التي تحكم الاستثمارات الأجنبية المرتبطة بالتجارة الدولية وآليات إدماج وضبط النشاط التجاري المتعدد الجنسيات ضمن وظائف المنظمة العالمية للتجارة وتمكينها من مراقبة الممارسة الاحتكارية للشركات الدولية النشاط في السوق الدولية والتي تأثر على حرية المنافسة وتؤدي إلى التحكم في الأسواق والأسعار ومعدلات الأرباح ، وتمارس أشكال نوعية من الإغراق الإصطفائية التحكمية في التجارة الدولية، إضافة إلى إيجاد أفضل الوسائل لعلاج مشكلات التطور المتفاوت بين أعضاء المنظمة وما يصاحبه من إمكانية تجديد استقوى الدول القوية بإجراءات وآليات المنظمة العالمية للتجارة واستئثارهم بمعظم المكاسب الناتجة عن تحرير الأسواق…الخ.
ولا شك فغي أن هذه المعضلات وغيرها ستتم معالجتها عن طريق مفاوضات متعددة الأطراف والاتفاقيات التجارية الثنائية والجماعية، في إطار الإجراءات التي تحكم في تسوية المنازعات من خلال الأطر المؤسسية للمنظمة العالمية للتجارة وستكون مصلحة الأطراف القوية هي الأولى في التجسيد والرعاية في ظل هذه الأوضاع المتأزمة التي تعيشها اقتصاديات الدول النامية.
المطلب الثالث: مبدأ الوقاية
يقوم النظام التجاري العالمي المتجدد على مبدأ الوقاية لأطرافه من الممارسات التجارية التي تؤثر بشكل سلبي على الأسواق الوطنية نتيجة لتجاوز قواعد التجارة والإخلال بقواعد المنافسة التجارية الدولية.
وبناءا على ذلك فقد أجيز للأطراف العضوة في المنظم العالمية التجارية أن تتدخل لحماية أسواقها الوطنية بصورة يساعدها على تلافي الأزمات التي تؤثر على سرعة اندماجها في منظومة العلاقات التجارية الدولية، ولكن مفهوم الحماية هذا فضلا عن ظرفيته ومحدوديته فإنه يختلف عن المفهوم السابق المرتبط بحماية الاقتصاد الوطني ككل في ظل سيادة كاملة للدولة، خاصة النامية، فنحن نشهد عصر السيادة الاقتصادية المحدودة بسياساتها التجارية المنفعلة بتوجيهات الأطراف الفاعلة القوى المهيمنة على العلاقات الاقتصادية الدولية.
في ظل هذه الأوضاع تلجأ الدولة لحماية أسواقها في حالات عديدة نذكر منها:
1- حالة مواجهة سياسات الإغراق:
تعتبر سياسة إغراق إذا قامت مؤسسة ببيع منتوجها الموجه للتصدير في دولة أخرى بسعر يقل عن قيمته الحقيقية، بغية الهيمنة على السوق وتحطيم المؤسسات المحلية والأجنبية…الخ.
وقد أتاحت المنظمة العالمية للتجارة إلى أطرافها إمكانية مواجهة هذه السياسة الإغراقية عن طريق فرض رسوم تعويضية مضادة للإغراق بعد حصول حالات الإغراق وتأكيد الدولة وقوعه واثبات تعرضه للضرر.
وقد أثبتت الوقائع التجارية بأن المستفيد الأول من إجراءات مكافحة الإغراق هو الدول القوية التي أضحت تستعمل وسائل مكافحة الإغراق كإجراءات لحماية اقتصادياتها، ولا غرابة إذا وجدناها بأن عمليات مواجهة الإغراقات قد تضاعفت ثلاثة مرات قبل الجات1994، والأطراف القوية في المنظمة العالمية للتجارة لها القدرة على الاستفادة من الوسائل الحمائية بفضل قوتها وحجم إمكانيتها وكفاءة دبلوماسيتها اقتصادية إضافة إلى أن المادة 17 في فقرتها السادسة:" تجعل إجراءات مكافحة الإغراق عرضة لقواعد مراجعة أو مراقبة من جانب منظمة التجارة العالمية… أقل تشدد مما هو معمول به من كثير من الاتفاقات الأخرى ومن ثم فتمت مجال رحب لحرية الحركة أمام السلطات المحلية المعنية المراقبة الإغراق وتنفيذ إجراءات مواجهته في تفسير نصوص الاتفاق على هواها، كذلك فإن الموارد المالية والإمكانيات الفنية المطلوب توافرها محليا لإجراء التحقيق في حالات الإغراق وإثبات وقوع الضرر والإغراق ومتابعة الإجراءات الأخرى المنصوص عليها في الاتفاق لا تقد عليها سوى الدول الصناعية ".
2-حالة وقاية بعض الفروع الإنتاجية من الأضرار الجسيمة لتدفق الواردات:
إجراءات الوقاية تهدف إلى حماية بعض فروع الإنتاج الوطني من التدفقات الكبيرة للواردات من بعض المنتجات التي تسبب في حدوث أضرار للمنتجين المحليين مما يؤدي إلى اضطراب سوق الدولة المتأثرة بتدفق الواردات.
ولتفادي هذه المخاطر يسمح للدولة باتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لمنع وقوع الأضرار والتخفيف من انعكاساتها المحتملة، مثل التقييد الكمي للواردات، أو استخدام رسوم جمركية مرتفعة بالمقارنة مع تلك المحددة من قبل المنظمة العالمية للتجارة، وقد حددت مراحل وشروط التخفيف من قبل السلطات المحلية ضمن الاتفاق المتعلق بالإجراءات الوقائية.
وتتميز الإجراءات الوقائية بخاصيتين أساسيتين هما:
– كونها إجراءات مؤقتة.
– كونها إجراءات انتقائية، تمييزية.
فهي إجراءات مؤقتة تسمح بإعادة هيكلة فروع الإنتاج المتضررة، وبالتالي فهي مؤقتة وليست موجهة للحماية من المنافسة الدولية بشكل دائم، وهي محددة المدة بأربع سنوات قابلة للتجديد، بعدها تأمر السلطات المحلية للدولة بوقف تلك الإجراءات الوقائية.
وهي كذلك إجراءات ليس انتقائية ضد دولة معينة أو منطقة جغرافية معينة، بل تطبق على المواد المحددة التي تؤثر على فروع الإنتاج المحلي مهما كان المنشأ الجغرافي لتلك المنتجات أو دولها، وبذلك فلا يجب تطبيقها بشكل انتقائي على دولة دون أخرى أو شركة دون غيرها.
ولا شك في أن الدولة المتقدمة هي المستفيدة من الإجراءات الوقائية لحماية الاقتصاد الوطني، إن على مستوى المرونة المحددة مع في اتخاذ الإجراءات، أو على مستوى بقاء بعض الصادرات الهامة للبلدان النامية (واردات البلدان الصناعية)، خارج الاتفاق المنظم للإجراءات الاتفاقية، مثل صادرات الملابس والمنسوجات، والصادرات الزراعية، الأمر الذي يمكن الدول المتقدمة من اللجوء إلى إجراءات تمييزية ضد الدول المنافسة الجديدة وخاصة في تجارة المنسوجات والملابس، أو التعمد إلى رفع الأسعار الجمركية بسبب تحويل القيود غير الجمركية إلى قيود جمركية فيما يتعلق بالتجارة بالمنتجات الزراعية …الخ.
ولا غرابة إذا وجدنا بعض التكتلات كالإتحاد الأوروبي قد أتحدت احتياطياتها منذ البداية عن طريق تحجم الواردات من بعض المنتجات، إذا كان دخولها يؤثر على صناعة أية دولة عضوة في الإتحاد الأوروبي كما جاء في المادة 113 من اتفاقية روما.
ومن هنا نرى بأن الأطراف الضعيفة في المنظمة العالمية للتجارة يصعب عليها استعمال الإجراءات الوقائية لحماية فروعها الإنتاجية في ظل الشروط المحددة وأوضاع سيادتها الاقتصادية المهددة المنقوصة.

3- ضوابط الدعم والإجراءات المضادة له:
الدعم وسيلة من وسائل التدخل المباشر للدولة في السوق، ويتجسد بالمساهمة المالية التي تقدمها الدولة أو إحدى تنظيماتها العامة، سواء كانت في شكل تحويلات مباشرة للأموال، أو تنازل عن إيرادات عامة كالإعفاءات الضريبية والجمركية، أو شكل دعم مباشر للدخول والأسعار وتقديم سلع وخدمات ومساعدات القاعدة الهيكلية، البينية الأساسية …الخ، والتي تقدم عادة للمؤسسات المحلية أو لبعض القطاعات والفروع الهامة بالاقتصاد الوطني لتمكينها من مواجهة المنافسة في السوق المحلية أو في السوق الدولية.
ولقد تضمن الاتفاق الذي تم التوصل غليه في إطار جولة أورجواي إلى تحديد ضوابط للدعم والإجراءات المضادة له، وتم في إطاره التمييز بين ثلاثة أنواع من الدعم حسبًا لمدى مشروعيتها:
3-1- الدعم المسموح به (القائمة الخضراء):
ويشمل الدعم والإعانات العمومية المتعلقة بأنشطة البحث والتطوير، والتنمية الجهوية للمناطق الأقل نموا، وحماية البيئة وحفظ المحيط مثل الإعانات التي تقدم لبعض المؤسسات من أجل تكييف أجهزتها ومعداتها بشكل يقلل من مخاطرها على البيئة والمحيط.
ويستدعي الأمر أن يتم هذا الدعم في إطار شروط دقيقة ومحددة، وهذا الدعم مسموح به في إطار المنظمة العالمية للتجارة، ولا يستدعي إجراءات مضادة له.
3-2- دعم محظور (القائمة الحمراء):
وهو ذلك الدعم غير المسموح به الذي يؤدي إلى تفضيل استعمال المنتجات المحلية (والخدمات المحلية) على المنتجات الأجنبية المستوردة وكذلك الدعم الخاص بالصادرات.
وقد وردت بعض الاستثناءات الخاصة التي تعفي البلدان الأقل نموا م حضر دعم الصادرات، وتعطي مهلة ثمانية سنوات للبلدان النامية الأخرى وهي قابلة للتمديد، على أن يتم إلغاء الدعم حيث تكون تلك الدول قد تمكنت من تنمية قدرتها التنافسية خاصة عندما تبلغ حصة الدول النامية 3.25% من التجارة العالمية لتلك السلع أو المنتجات المدعومة.
وكذلك تعفى البلدان النامية لمدة خمس سنوات، الأقل نموا منها لمدة ثماني سنوات من الالتزام بحضر دعم وإعانة المنتجات المحلية في مواجهة المنتجات الأجنبية المستوردة، بدءا من تاريخ قيام المنظمة العالمية للتجارة.
كما يجوز للبلدان التي تقوم بإصلاحات اقتصادية تقديم الدعم التأهيلي للمشروعات المدرجة ضمن برنامج الخوصصة، مثل قيام الدولة بتغطية جزء من تكاليفها الاجتماعية (كالتسريح والتقاعد والذهاب الإداري …الخ)، وإعفاءها من ديونها المستحقة …الخ، كل ذلك من أجل تسهيل عملية خوصصتها.
3-3-الدعم المباح في حدود عدم الإضرار(القائمة الصفراء):وهي بعض أشكال الدعم الداخلية ، والتي تدخل في بعض أصناف الدعم التي لا تحدث أضرار بالغة بالمصالح التجارية للدول الأعضاء مثل الدعم الذي يتعدى 5% من قيمة المنتج والإعانات الخاص لتغطية خسائر الاستغلال والتشغيل للمشاريع العامة في بعض الفروع، والدعم المتعلق بإلغاء بعض الديون المستحقة للمؤسسات، وحدوث الأضرار البالغة لا يمكن اعتبارها إذا أبتت الدولة التي تقدم الدعم بأن ذلك لا يحدث ضررا للدولة التي تقدمت بالشكوى.
أما الإجراءات المضادة التي تفرض على الدول التي تقدم دعما محضورًا (القائمة الحمراء)، أو يسبب ضررا جسيما يمس بالمصالح التجارية للدول الأعضاء في المنظمة العالمية للتجارة، وفي هذه الحالة تفرض رسوما تعويضية من أجل تعويض آثار انخفاض الأسعار الناتجة عن الدعم للمنتج المصنع والمصدر، وترتفع هذه الرسوم بعد خمس سنوات إذا ثبت بأن الأضرار لن تستمر بعد إلغاء الرسوم التعويضية، ولا
شك أن هذه الإمكانية قد تحولت إلى سلاح حمائي تستعمله بعض البلدان وخاصة المتقدمة منها.

المبحث الثالث: وظائف ومجالات عمل المنظمة العالمية للتجارة
المطلب الأول: وظائف المنظمة العالمية للتجارة
نصت اتفاقية التأسيس للمنظمة العالمية للتجارة المكونة من 16 على مختلف الجوانب والقضايا التي تحكم عمل المنظمة باعتبارها الإطار المتعدد الأطراف المشترك لتسيير العلاقات التجارية بين أعضائها وفقا لاتفاقات ومذكرات التفاهم التي تم إنجازها، وقد حددت المادة الثالثة م مواد هذه الاتفاقية مهمام المنظمة العالمية للتجارة:
1- تسهل تنفيذ وإدارة الاتفاقات متعددة الأطراف وكذا إضافة الاتفاقات الجماعية وهي تلك التي تلتزم الأطراف التي وافقت عليها فقط.
2- تنظيم وغدارة المفاوضات بين الدول الأعضاء المتعلقة بموضوع العلاقات التجارية المتعددة الأطراف في المسائل المتعلقة أو المتفق عليها، فضلا عن الشروع في جولات أخرى للمفاوضات لتحقيق المزيد من التحرير في التجارة الدولية.
3- الإشراف على جهاز فصل المنازعات وتسوية الخلافات التجارية والتي تنشأ بين الدول الأعضاء أثناء تنفيذ الاتفاقات التجارية ومذكرات التفاهم، وتجسيد القرارات المتخذة من قبل المنظمة.
4- مراقبة السياسات التجارية متابعتها وتوجيهها بما يتفق مع القواعد والضوابط المتفق عليها.
5- التعاون والتنسيق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المرتبطة بهما من اجل المزيد من التنسيق والتوجيه للسياسات الاقتصادية على المستوى الدولي.
بتبين لنا مما سبق بأن المنظمة ستكمل الدور الإيديولوجي الذي تقوم به حاليا المؤسسات المالية والنقدية الدولية في إدارة الاقتصاد العالمي، وتوجيهه السياسات الاقتصادية والتجارية للبلدان النامية بصورة تضمن عولمة المذهبية الرأسمالية بموجتها الليبرالية الجديدة، وهذا ما أكده المدير العام لصندوق النقد الدولي السيد ميشال كمديسيس بقوله:" ينبغي للصندوق أن يواصل قيامه بدور نشط في دعم تحرير التجارة على نطاق واسع وذلك بتعاون وثيق مع المنظمة العالمية للتجارة."
المطلب الثاني: مجالات عمل المنظمة العالمية للتجارة:
إن نهاية الجولة الثامنة من المفاوضات كانت بداية لمرحلة جديدة من العلاقات التجارية الدولية تميزت بإنشاء المنظمة العالمية للتجارة وتوسيع وتعميق مجالات عملها، لتشمل ميادين جديدة وحساسة وخطيرة تجاوزت التجارة في السلع وامتدت إلى التجارة في الخدمات، والأوجه التجارية المتعلقة بالملكية الفكرية والاستثمار الأجنبي المرتبط بالتجارة، وأضحى عمل المنظمة العالمية للتجارة يشمل المجالات التالية:
– التجارة في السلع.
– التجارة في الخدمات.
– التجارة المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية.
– الاستثمارات الأجنبية المرتبطة بالتجارة.
1- التجارة في السلع:
لقد توسعت العلاقات التجارية المتعددة الأطراف في مجال تجارة السلع لتشمل مجالات جديدة مثل التجارة في السلع الزراعية، و التجارة في المنسوجات و الملابس، إضافة إلى تعميق خطوات التحرير بموجب العديد من الضوابط والأحكام المتعلقة بحركة انسياب السلع على المستوى الدولي.
ولعل أهم مجالات التجارة في السلع التي أصبحت ضمن مجال المنظمة العالمية للتجارة و التي شملتها الإتفاقيات الجديدة و المحددة ما يلي:
1-1- التجارة في السلع الزراعية:
كان القطاع الزراعي من أهم القطاعات التي حظيت بالسياسات الحمائية المتعددة الأشكال في الدول المتقدمة بدءا من المرسوم والتعريفات الجمركية، إلى الدعم المتنوع الصور إلى القيود الكمية والنوعية، وهذا الوضع أدى إلى تحول بعض الدول المتقدمة إلى منافسين كبار في السوق الزراعية العالمية، الأمر الذي أثر على الاقتصاد الزراعي في البلدان النامية وأدى إلى تحجيم نموه وتطوره، وأضحت بعض البلدان مستوردة صافية للغداء بعد أن كانت مصدرة له.
ولما تزايد الصراع بين الأطراف القومية، وتزايدت الأعباء الناجمة عن دعم القطاع الزراعي وأصبحت تفوق 158 مليار دولار تتحملها الدول الصناعية للحفاظ على مواقعها التنافسية، بدأت مفاوضات عسيرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اليابان، وكندا… في إطار مفاوضات جولة اورغواي، التي كانت أساس اتفاقية رئيسية سميت باسم " اتفاقية بلير هوس"، تضمنت التزامات الأطراف بعناصر الإصلاحات التي تؤدي إلى التحرير التدرجي لسوق السلع الزراعية وأهمها :
Ý- تحويل القيود الكمية المفروضة على الواردات الزراعية إلى قيود تعريفية وبهذا يتم إلغاء الحصص الكمية، وقوائم حضر الاستيراد، وتحديد أسعار استيراد معين… وإحلالها برسوم جمركية تخضع للاتفاق.
ȝ- تخفيض الرسوم الجمركية الحالية أو تلك الناجمة عن إزالة القيود غير الجمركية خلال فترة زمنية محددة، وبمعدلات ونسب متفق عليها تتناسب مع طبيعة الظروف الاقتصادية للأطراف المتعاقدة، فتلتزم الدول المتقدمة بخفض تعريفاتها الجمركية بمعدل سنوي 6 % خلال ست سنوات أي بمتوسط خفض إجمالي يصل إلى 36%، تلتزم الدول النامية بخفض تعريفاتها بمعدل سنوي يساوي 2.4% خلال فترة عشرة سنوات، أي بتخفيض إجمالي يصل إلى 2.4%.
ج- تخفيض الدعم المحلي الممنوح للقطاع الزراعي بنسبة 20% خلال ست سنوات للدول المتقدمة، و 13.3% للدول النامية خلال عشرة سنوات، وإعفاء الدول الأقل نموا وهي التي يقل متوسط دخل الأفراد فيها عن 1000 دولار سنويا. وقد استثنت الاتفاقية بعض أنواع الدعم منها:
– الدعم المتعلق بتنمية البحوث والتطوير.
الدعم المختص بالإرشادات الزراعي ومحاربة الآفات والأمراض الزراعي، والكوارث والبيئة.
– الدعم الموجه للتنمية الجهوية والريفية والزراعية
– الدعم المتعلق بالإصلاحات الهيكلية
– الدعم المقدم بنسبة 5% من القيمة الكلية للإنتاج الزراعي للدول المتقدمة وبنسبة 10% للدول النامية.
– إضافة إلى أشكال أخرى عديدة منها : الدعم الغذائي المقدم إلى الفئات المحتاجة والدعم الخاص بخدمات التفتيش ومراقبة تطبيق المعايير الصحية وخدمات التسويق والترويج وخدمات البنية الأساسية وبرامج تخزين الغداء وصيانة الأمن الغذائي، ودعم الدخل غير المرتبط بالإنتاج والأسعار، ودعم التأمين الزراعي…
ولا شك أن الاستثناءات العديدة للدعم، والنسب الإجمالية المحددة تتيح للدول المتقدمة على الخصوص إمكانية استعمال وسيلة الدعم لحماية القطاع الزراعي عند مستويات مرتفعة، كما يمكن أن تخفض بعض أنواع الدعم على بعض الفروع الزراعية الثانوية وتخفض نسب "قليلة في بعض الزراعات الاستراتيجية.
1-2- التجارة في السلع الصناعية:
لقد أسفرت جولة أورغواي عن مجموعة متعددة التنازلات الجمركية بما تتضمنه من إعفاءات وتخفيضات من أجل التحرير الانتقائي للسلع الصناعية التي ترغب الدول المتقدمة في تحرير أسواقها، وأهمها:
Ý- إعفاء مجموعة من السلع الصناعية من الرسوم الجمركية في أسواق الدول الصناعية.
ب- خفض تعريفات السلع المصنعة من متوسط 6.3%إلى متوسط 3.8% أن بنسبة خفض تصل إلى 40% في الدول المتقدمة .
ج- حجم الواردات التي تدخل إلى أسواق البلدان الصناعية بتعريفة جمركية تساوي أو تزيد عن 15% من 7% إلى 5% مجمل الواردات، تكون تلك النسبة في البلدان النامية من 9% حتى 5%.
د- تعهد الدول الصناعية في تخفيض تعريفتها الجمركية بنسبة 40% على الأسماك والمنتوجات والملابس ومعدات النقل وغيرها وبنسبة 60% على الأخشاب والورق …ونلاحظ على الفروع الصناعية المعفاة من الرسوم أنها تساهم فيها الاقتصاديات النامية بنسبة ضعيفة ومحدودة، أما الفروع الهامة التي تتميز الاقتصاديات النامية فيها لمكانة استراتيجية فإنها لم تطرح ضمن مفوضة السلع الصناعية كالبترول…
1-3- التجارة في المنتوجات والملابس:
لم تكن التجارة العالمية في المنتوجات والملابس خاضعة لأحكام الجات الأصلية بل كانت تحكمها منذ 1962 أحكام الاتفاقية التي عرفت باسم "اتفاقية الألبان متعددة الأطراف" التي كان يتم على أساسها تحديد حصص تصدير الدول المصدرة وحصص استيراد الدول المستوردة.
وتشكل هذه التجارة حوالي 40% من مجموع صادرات البلدان النامية وهي تتناسب مع طبيعة هذه الاقتصادية من حيث خصائصها فهي صناعة تقوم على التكنولوجيا كثيفة العمالة، وبالتالي فهي بسيطة التكنولوجيا ومنخفضة التكاليف وغير ملوثة للبيئة ومعظم مدخلاتها محلية، إضافة إلى كونها مرتفعة العائد
وقد استطاعت البلدان النامية إدماج قطاع المنتوجات والملابس ضمن مفاوضة جولة أورغواي التي أسفرت عن اتفاقية عرفت باتفاقية المنسوجات والملابس التي تهدف إلى تحرير هذه التجارة.
2- التجارة والخدمات:
يعد مجال التجارة والخدمات من أهم المجالات التي تم إدراجها ضمن القواعد والأحكام المتعددة الأطراف المتعلقة بتحرير التجارة الدولية وتنظيمها والتي أسفرت عنها جولة لأورغواي التي أضحى الإشراف على التجارة في الخدمات من اختصاصات المنظمة العالمية للتجارة.
وقبل إبراز أهم عناصر الاتفاقية المتعلقة بالتجارة العالمية في الخدمات، لابد من تعريف بالفروع التي يشملها قطاع الخدمات من أجل التأكيد على أهمية هذا القطاع وحسب التصنيف الأول الذي أعدته مجموعة المفاوضات فإنها تشمل المجموعة الخدمية التالية:
Ý- خدمات الأعمال وتشمل الخدمات المتخصصة (القانونية، المحاسبية، والضريبية، والهندسية، والبيطرية)، وخدمات الحسابات الآلية وكذا خدمات البحوث والتطوير في العلوم الطبيعية والإنسانية وخدمات الأعمال المرتبطة بالإعلان والتسويق والاستشارة الإدارية والفنية وغيرها.
ȝ- خدمات الاتصالات وخدمات الوسائل السمعية البصرية.
ʝ- خدمات إنشائية وما يرتبط بها من خدمات هندسية وتشمل خدمات الأعمال الإنشائية عامة للمباني والهندسة المدنية.
ج- خدمات التوزيع .
د- الخدمات التعليمية مما تشمله من التعليم الابتدائي الثانوي والعالي وغيره.
ه- خدمات حماية البيئة.
و- الخدمات المالية وتشمل خدمات التكوين وإعادة التأهيل والخدمات المصرفية والمالية.
ي- الخدمات والاجتماعية، خدمات السياحة والأسفار، خدمات النقل بمختلف أنواعه .
ولقد نظمت الاتفاقية المتعلقة بالتجارة العالمية كالخدمات القضايا التالية:
2-1- تحديد طبيعة التجارة ولخدمات: نطلاقا من معيار تأدية الخدمة فتأخذ تبعا لذلك التجارة والخدمات بشكل انتقال خدمة للدولة المصدرة للدولة المستفيدة وتأخذ شكل انتقال مستهلك الخدمة من دولته إلى دولة تقديم الخدمة كالسياحة.
2-2- الالتزامات العامة المتعلقة بالتجارة والخدمات:
أهمها تؤكد على تجسيد قواعد النظام التجاري المتعدد الأطراف وزيادة مشاركة الدول النامية في التجارة الدولية للخدمات إضافة إلى تشجيع دول الأعضاء على إقامة التكتلات الإقليمية لتحرير التجارة والخدمات وخاصة بين البلدان النامية، والاعتراف بنتائج التعليم والخبرة والمؤهلات كأساس لمنح تراخيص توريد الخدمات.
2-3- الالتزامات المحددة المتعلقة بالتجارة والخدمات:
وهي عبارة عن مجموعة من الالتزامات والتعهدات المحددة قي القطاعات التي ترغب الدولة في تحريرها مرفقة بشروط الوصول إلى الأسواق والتأهيل للمعاملة الوطنية والجدول الزمني لتنفيذ التعهدات وتواريخ سريانها، وأن هذه الالتزامات للتحرير الجزئي حسبا للظروف القطرية يحددها كل عضو بكل حرية، ولكن بعد إقرار هذه التعهدات تصبح جزءا لا يتجزأ من اتفاقية التجارة في الخدمات ويلتزم العضو بتنفيذ تلك التعهدات، وليس له الحق في تعديلها إلا بعد ثلاث سنوات من تاريخ التنفيذ.
وتتعهد الدول الأعضاء بزيادة وثائر تحرير تجارة الخدمات من خلال المزيد من المفوضات في مختلف الفروع ضمن برنامج المنظمة العالمية للتجارة.
2-4- فروع تجارة الخدمات التي يشملها التحرير:
لقد تم الوصول إلى اتفاق بين الدول الأعضاء على الفروع الأساسية لتجارة الخدمات التي يجب أن يشملها التحرير خلال هذه المرحلة وهي:
الخدمات المالية، خدمات النقل الجوي والبحري، خدمات الاتصالات الأساسية والاتصالات عن بعد، خدمات السياحة، خدمات التشييد والمقاولات، الخدمات الاستشارية، خدمات ريفية، خدمات التعليم، نشاط الأعمال، انتقال الأشخاص الطبيعيين.
ويتم تعميق إجراءات التحرير بموجب دفع المفاوضات بشكل أكبر في هذه المجالات، بالإضافة إلى توسيع فروع الخدمات في المرحلة اللاحقة.
3- حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة:
3-1- إدراج حقوق الملكية الفكرية ضمن العلاقات التجارية وانعكاساته:
يعد مجال الحقوق الفكرية من بين المجالات الجديدة لنطاق عمل المنظمة العالمية للتجارة، ولقد شهد العديد من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية برن Berne لحقوق المؤلف، واتفاقية باريس الخاصة بالبراءة والعلامات، واتفاقية روما لحماية المؤدين ومنتجي التسجيلات، واتفاقية واشنطن لحقوق الملكية المتعلقة بالدوائر المتكاملة، إضافة إلى تأسيس المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية في سنة 1967 واعتبارها من بين الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة اعتبارا من سنة 1974 وهي تضم لأكثر من 150 دولة وتشرف على إدارة أكثر من 23 اتفاقية دولية تتعلق لحقوق الملكية الفكرية، ومع هذا فقد أصرت الدولة المتقدمة وعلى رأسها فالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تحت ضغط الشركات الدولية النشاط على تأمين المزيد من الحماية لحقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة، ورغم رفض البلدان النامية التي رأت بأن هذا المجال من اختصاص المنظمة العالمية للملكية الفكرية من جهة، فضلا عن ذلك فإن الهدف هو حرمان الدول النامية من التحكم في التكنولوجيا، وإضفاء المزيد من الاحتكار في المجال العلمي والمعرفي من قبل الدول المتقدمة التي طالما تذرعت بانتهاك شركات البلدان النامية لحقوق الملكية عن طريق الاقتباس من الاختراعات والمحاكاة للعلامات…الخ، رغم أن الكثير من التطورات التي حدثت في الدول المتقدمة ما كانت لتحقق لو فرض عليها حصار إجرائي دولي يتعلق بهذه الحقوق أثناء الفترات الحاسمة من تطورها.
وقد نجحت في النهاية الدول المتقدمة بتوصلها إلى حل توفيقي مع البلدان النامية على إدراج حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة ضمن المفاوضات المتعددة الأطراف التي تم التوصل فيها إلى اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية، وقد أكدت المادة السابعة بأن الهدف من هذه الاتفاقية هو بأن:" تسهم حماية وإنقاذ الملكية الفكرية في تشجيع روح الابتكار التكنولوجي ونقل وتعميم التكنولوجيا، بما يحقق المنفعة المشتركة والتوازن بين الحقوق والواجبات" ونحن نعتقد بأن هذه الاتفاقية لا تؤدي إلى تحقيق هذه الأهداف فعلا بل العكس هو وضع قيود على انتقال المعرفة وتطويع التقنيات الحديثة، وتحميل الاقتصاديات النامية تكاليف مرتفعة نتيجة لاستهلاك للتكنولوجيا وحرمانها من فرص مشاركتها في إنتاجها، هذا إلى جانب كون الاتفاقية تؤمن مستويات عالية من الحماية لحقوق الملكية تتناقض في معظم الأحيان مع مبادئ التحرير التي تقوم عليها المنظمة العالمية للتجارة ودعاوى التعاون والتنسيق الدولي، ولذلك فحين:"الجزء من الاتفاقية نكتشف أنه من الضخامة بالشكل الذي لا يمكن إغفاله، كما كتب بصيغ قانونية من الصعوبة والغموض، بحيث لا يمكن القول غير أنها تحقق أهداف الغرب وأساليبه الجديدة في السيطرة على العالم".
3-2- مجالات حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة ونطاقها:
لقد حددت الاتفاقية مجالات الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة والتي أصبحت تدخل ضمن نطاق عمل المنظمة العالمية للتجارة وهي تشمل الميادين التالية:
Ý- حقوق المؤلف والحقوق المتعلقة بها.
ب- العلامات التجارية المميزة للسلع والخدمات.
ج- المؤشرات الجغرافية وهي المؤشرات التي تحدد منشأ سلعة معينة في أراضي بلد عضو أو منطقة أو موقع في تلك الأراضي حين تكون النوعية والسمعة والسمات المميزة للسلعة راجعة بصورة أساسية إلى منشأها الجغرافي.
د- التصميمات الصناعية وهي تلك المتعلقة بتصميم السلع وتحديد شكلها النهائي أو غلافها…الخ
ه- براءات الاختراع سواء المتعلقة بالمنتجات أم بالعملية الصناعية في كافة ميادين االتكنولوجيا إدا كانت جديدة وتنطوي على خطوة إبداعية وقابلة للاستخدام الصناعي.
و- التصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة.
ز- حماية المعلومات السرية، والمتعلقة بالمعارف التقنية، والأسرار التجارية من "عمليات الإخلال بالثقة ومن الممارسات التجارية غير الشريفة، وألا يتم الإفصاح عنها إلا عند الضرورة، وبإذن من جهة التي وفرتها، كما يجب حماية بيانات الفحص أو الاختبار التي تقدم للحكومات للحصول على موافقتها لتسويق الأدوية أو المنتجات الكيماوية الزراعية التي تستخدم مواد كيماوية جديدة".
ي- مكافحة الممارسات غير التنافسية في التراخيص التعاقدية.
وتتعهد جميع الأطراف المتعاقدة بحماية حقوق الملكية الفكرية من الانتهاكات عن طريق تشريعاتها المحلية، ولقد حدد الاتفاق الحد الأدنى للحماية الذي يجب التقييد به.
4- إجراءات الاستثمار الأجنبي المرتبط بالتجارة:
لقد توسع نطاق عمل المنظمة العالمية للتجارة ليشمل مجال الاستثمارات الأجنبية المرتبطة بالتجارة، بعد الضغوط التي مارستها الدول المتقدمة من اجل تحرير حركة الاستثمارات الأجنبية وإزالة كافة القيود والعوائق المتعلقة بانسيابه، وهذا في إطار سعي الأطراف القومية إلى تحرير كل المجالات التي تمتلك فيها ميزة تنافسية كبيرة، رغم تحفظ البلدان النامية واعتبارها بأن تحرير الاستثمارات الأجنبية بدون ضوابط سيؤدي إلى تعظيم مصلحة الدول المتقدمة صاحبة الشركات الكبرى، على حساب الأطراف الضعيفة في سوق رؤوس الأموال.
ولقد توصلت أطراف المفاوضات في جولة أورجواي إلى اتفاق بشأن إجراءات الاستثمار الأجنبي المتعلقة بالتجارة سيساهم في إزالة كافة الضوابط والإجراءات السيادية للسياسة الاقتصادي المتعلقة بتنظيم الاقتصاد الوطني على المستوى المحلي، وذلك بتقليص سلطة الدولة ودورها، لصالح حرية المستثمر الأجنبي في التوطن الاستثماري على المستوى المكاني والزماني، وعلى مستوى الفروع والعلاقات الإنتاجية والتسويقية والتصرف في العوائد بالدول التي تنساب إليها الاستثمارات، ولقد ارتكز اتفاق إجراءات الاستثمار المرتبط بالتجارة على مبدأين أساسيين من مبادئ النظام الجار المتجدد الذي تشرف عليه المنظمة العالمية للتجارة، هما:
مبدأ المعاملة الوطنية، ومبدأ الشفافية.
4-1- المعاملة الوطنية للاستثمارات الأجنبية:
لقد نص الاتفاق على تساوي المعاملة الممنوحة للمستثمر الوطني والأجنبي من جهة وضرورة إزالة كافة القيود المعيقة للاستثمار الأجنبي في إطار تطبيق اتفاقية الجات 1994م، المتعلقة بالتجارة في السلع وهذا يعني ضرورة التزام الدول الأعضاء بضرورة التخلص من القيود والإجراءات التالية:
أ- قيد المكون المحلي ي المنتج النهائي: فالدول المستقبلة لاستثمارات الأجنبية أحيانا تفرض شروطا متعلقة باستخدام المستثمر المواد الأولية، أو المواد نصف مصنعة أو سلعا محلية بنسب وقيم معينة، ضمن قيمة الإنتاج المحق، فبموجب الاتفاق يتم إلغاء هذا القيد بضمان حرية المستثمر في عدم استخدام أي منتج محلي إذا أراد ذلك.
ب- قيد التصدير والاستيراد: تلتزم الدول الأعضاء بالتخلص من القيود المتعلقة بإلزام المستثمر الأجنبي بتصدير نسب معينة من الإنتاج أو تسويق نسبة معينة في السوق الداخلية أو تقييد استيراد بعض المدخلات …الخ، وكل ذلك من أجل تحقيق التوازن بن صادرات المستثمر الأجنبي ووارداته.
ج- قيد العملة الأجنبية: تلتزم الأطراف الضيفة للاستثمارات الأجنبية لتخلص م هذا القيد الذي يربط بين قيمة النقد الأجنبي المخصص للاستيراد وبين العوائد المحققة من التصدير من اجل إحداث التوازن يضمن مصلحة الاقتصاد الوطني، فالدولة بموجب الاتفاق ملزمة بالتخلص من هذه القيود النقدية والقيمية، وغيرها.
4-2- شفافية المنظمة الإجرائية والقانونية المتعلقة بالاستثمار الأجنبي:
إن إعمال مبدأ الشفافية يقتض التزام الدول الأعضاء بالإعلان عن منظومة إجراءات الاستثمار الأجنبي المرتبط بالتجارة بحيث تكون معلومة لجميع الأطراف عن طريق إبلاغ مجلس التجارة في السلع بكافة الإجراءات والتدابير بما فيها تلك المتعارضة مع الاتفاق والتي يستدعي الأمر ضرورة إلغائها خلال سنتين بالنسبة لدول المتقدمة وخمس سنوات بالنسبة للدول النامية وسبع سنوات بالنسبة للدول الأقل نموًا.
لا شك في أن هذا الاتفاق يجسد رغبة الأطراف القوية، ويعظم مصلحتها، وهو يتجاهل أشكال الإجراءات التي تتخذها الدول المتقدمة ولا تعرض للسياسات الاقتصادية للشركات الدولية النشاط،ولا يتناول ممارستها الانتقائية وتزايد تكتلاتها الاحتكارية بشكل أضحى مخلا بشروط التنافس في نعظم الأسواق وازداد خطره على الاقتصاديات النامية، ولعل ما حدث في شرق آسيا أكبر دليل على المخاطر التي يمكن أن تحدثها العولمة المالية في البلدان النامية.


[type=769465] شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . [/type]

الشكر الجزيل…

اكرر الشكر الجزيل…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.