الأسبوع الرابع(27–2/3/1428 )
د.أيمن محمد إبراهيم هندي
[ نظرية نسب عوامل الإنتاج
تعتبر نظرية نسب عوامل الإنتاج (وتعرف أيضا باسم نظرية هكشر –أولين، أو النظرية السويدية، أو النظرية الحديثة) امتدادا للنظرية التقليدية الحديثة في التجارة الدولية، فقد بدأت هذه النظرية مقدماتها من حيث انتهت النظرية الكلاسيكية الحديثة.
أرجعت النظرية التقليدية الحديثة اختلاف الأسعار النسبية للسلع إلي جانبي العرض والطلب، فاختلاف شكل منحنى حدود إمكانات الإنتاج (أي اختلاف ظروف العرض)، يؤثر على النفقات النسبية، ومن ثم يؤثر على الأسعار النسبية، وبالتالي تتحدد الميزة النسبية في كل سلعة. واختلاف شكل منحنيات الطلب المتبادل للدول المشاركة في التبادل الدولي يعكس اختلافات جانب الطلب. ويلاحظ ان ما سبق لا يقدم تفسير مقنعا لاختلاف النفقات والأسعار النسبية.
وفي ضوء ذلك اتجهت نظرية نسب عوامل الإنتاج، إلي البحث في اتجاهين رئيسيين هما:
1) شرح أساس الميزة النسبية، و وذلك بالبحث عن محدداتها، وقد وجدت نظرية هكشر –أولين ضالتها في “اختلاف نسب توافر عوامل الإنتاج بين الدول”.
2) تحليل اثر قيام التجارة الدولية على عوائد عناصر الإنتاج في الدول أطراف التبادل.
تقسيم السلع بحسب كثافة عوامل الإنتاج:
ومعنى ذلك إمكانية التمييز بين السلع المختلفة بحسب العامل الإنتاجي الكثيف (المستخدم بكمية اكبر) نسبيا في إنتاج السلعة, وحيث نطلق على القماش سلعة كثيفة العمل، والآلات سلعة كثيفة رأس المال فمعنى ذلك أن القماش يحتاج إلي عمل أكثر نسبيا لإنتاجه عن الآلات, ومفاد ذلك أن نسبة (العمل/رأس) المال تكون أعلى بالنسبة لإنتاج القماش عنها في انتاج الآلات، والعكس صحيح. والشكل التالي يوضح ذلك:
تقسيم السلع حسب كثافة عوامل الإنتاج
يوضح الشكل السابق أن القماش سلعة كثيفة العمل، فأي نقطة على منحنى الناتج المتساوي تشير إلي أن نسبة (العمل/رأس) المال كبيرة بالنسبة للقماش. أما منحنى الناتج المتساوي للآلات فيشير إلي أن نسبة (رأس المال/العمل) كبيرة عند النقاط المختلفة على المنحنى، ومفاد ذلك أن القماش سيظل سلعة الآلات كثيفة رأس المال عند كل مستويات الأسعار النسبية لعوامل الإنتاج.
ثبات العوائد بالنسبة للنطاق:
ويقصد بذلك ان دوال الإنتاج متجانسة خطيا أو بتعبير أخر دوال الإنتاج متجانسة من الدرجة الأولى. أي أن زيادة مدخلات العمل ورأس المال المستخدمة في إنتاج سلعة ما، تؤدى إلي زيادة الناتج من هذه السلعة بنفس النسبة. فإذا زادت مصر مقدار العمل ورأس المال في صناعة القماش بنسبة 10%، يزيد إنتاج القماش أيضا بنفس النسبة 10%. وإذا قامت فرنسا بمضاعفة مدخلات العمل ورأس المال في صناعة الآلات، تضاعف إنتاج الآلات لديها.
وطالما يتم المزج بين عاملي الإنتاج بنفس النسبة، نجد ان الإنتاجية الحدية لعوامل الإنتاج تبقى ثابتة دون تغير، ذلك ان الإنتاجية الحدية تعتمد على النسب التي من خلالها يتم المزج بين عاملي الإنتاج، والشكل التالي يوضح الفرق في مسارات التوسع لإنتاج القماش وإنتاج الآلات.
بيان ثبات العوائد بالنسبة للنطاق باستخدام منحنيات الناتج المتساوي
من الشكل السابق يلاحظ ان منحنيات الناتج المتساوي ن1،ن2،ن3 تعبر عن مستويات متصاعدة من الناتج، كما يلاحظ ان كل شعاع مثل (وع ، وع1 ، وع2) يكون المزج بين عاملي الإنتاج بنفس النسبة.
لذلك نجد أن الإنتاجية الحدية للعمل ورأس المال تكون ثابتة عبر الشعاع الواحد, ولكن تختلف الإنتاجية الحدية لعاملي الإنتاج بين شعاع وأخر, فمثلا تكون الإنتاجية الحدية للعمل على الشعاع (و ع) أعلى من إنتاجية العمل الحدية على الشعاع (وع2). وتكون هذه الإنتاجية على الشعاع (وع1) أعلى منها على الشعاع (وع).
سيادة المنافسة الكاملة:
ويقصد بذلك سريان المنافسة الكاملة في أسواق المنتجات وأسواق عوامل الإنتاج. ومعنى ذلك وجود عدد كبير جدا من البائعين والمشترين للمنتجات والعارضين لخدمات عوامل الإنتاج والمستخدمين لها، بحيث يصبح الوزن النسبي لكل منهم من الصغر بحيث لا يكون له تأثير في السعر. ويترتب على الافتراض السابق استبعاد كافة النماذج القائمة على الاحتكار والمنافسة الاحتكارية وتنافس القلة من نظرية هكشر-أولين، وما يترتب عليها من قيام بعض المنتجين بتمييز منتجاتهم من خلال العلامات التجارية أو الاسم التجاري.
عدم قدرة عوامل الإنتاج على التنقل دوليا:
ويقصد بذلك قدرة عوامل الإنتاج على التنقل داخليا بحرية تامة من منطقة لأخرى داخل نفس الدولة وبين الصناعات، بحيث تتحرك من المناطق والصناعات ذات العوائد المنخفضة إلي المناطق والصناعات ذات العوائد المرتفعة، حتى تصبح عوائد جميع وحدات العمل ورأس المال هي نفسها في كافة المناطق والاستخدامات, أما قدرة عوامل الإنتاج على التنقل دوليا فهي منعدمة، ومفاد ذلك بقاء الفروق الدولية في نسب توافر عناصر الإنتاج، ومن ثم بقاء الاختلافات في عوائد عوامل الإنتاج بين الدول المختلفة في غياب التجارة الدولية.
ويترتب على هذا الافتراض استبعاد دور الشركات عابرة الجنسية التي تقوم بنقل رؤوس الأموال من مكان لآخر (الاستثمار الأجنبي المباشر)، أو نقل بعض الخبرات البشرية من مكان لآخر، بالإضافة إلي استبعاد التجارة الدولية في السلع الرأسمالية.
نظرية نسب العوامل: بعض المفاهيم الأساسية:
o التعبير عن كثافة عوامل الإنتاج:
في عالم يتكون من سلعتين هما القماش والآلات، وسوف نرمز لها (ق ، ت) على التوالي، وعاملين من عوامل الإنتاج هما العمل ورأس المال، ونشير إليهما (ع , ر) على التوالي، ودولتين يتكون منهما العالم، وهما مصر وفرنسا، ونرمز لهما (ص , ف) على الترتيب.
أذا فرض ان القماش سلعة كثيفة العمل فإن نسبة العمل/رأس المال المستخدمة في إنتاجها أعلى من نظيرتها في الآلات، أي ان (عدد وحدات العمل: عدد وحدات رأس المال) المستخدمة في إنتاج القماش تكون اكبر منها في إنتاج الآلات، ويمكن التعبير عن ذلك بالمتباينة الآتية:
(ع ق / ر ق ) >( ع ت /دت)
وعلى ذلك تكون الآلات سلعة كثيفة رأس المال بالقياس إلي القماش، نحصل على ذلك بمقلوب المتباينة السابقة:
(ر ق / ع ق) < (ر ت / ع ت)
ولمزيد من الإيضاح نفترض المثال الرقمي التالي:
إذا كان إنتاج وحدة واحدة من السلعة ق (القماش) يحتاج إلي وحدة واحدة من رأس المال تمتزج مع أربع وحدات من العمل، وكان إنتاج وحدة واحدة من السلعة ت (الآلات) يتطلب المزج بين ثلاث وحدات من رأس المال مع وحدتين من العمل. عندئذ، تكون نسبة رأس المال/ العمل للسلعة ق هى 1/4، كما ان نسبة رأس المال / العمل للسلعة هى 3/2 وحيث ان 3/2 > 1/4
فأن ذلك يشير إلي ان السلعة ت كثيفة رأس المال، والسلعة ق كثيفة العمل. انظرالشكل التالي :
وخلاصة الأمر ان كثافة عوامل الإنتاج في سلعة ما إنما هى مسألة نسبية تتحدد بمقارنة المقدار المستخدم من عنصر إنتاجي معين بالمقدار المستخدم من عناصر الإنتاج الأخرى.
وبذلك نطلق على القماش انه سلعة كثيفة العمل، والآلات سلعة كثيفة رأس المال، والقمح سلعة كثيفة الأرض، والفوسفات سلعة كثيفة الموارد الطبيعية، الأقمار الصناعية سلعة كثيفة التكنولوجيا.. وهكذا.
تعريف وفرة العوامل بالمعايير السعرية:
يقال ان الدولة تكون وفيرة العمل بالنسبة لدولة أخرى، اذا كان العمل ارخص نسبيا في الدولة الأولى عن الدولة الثانية، قبل قيام التجارة (وضع الاكتفاء الذاتي).
وقد استخدم أولين مفهوم الوفرة الاقتصادية economic abundance والتى تعكسها الأسعار النسبية لعوامل الإنتاج. فإذا كان لدينا دولتين هما مصر وفرنسا، ورمزنا لهما بالرمزين (ص ، ف) على التوالي، وإذا رمزنا إلي ثمن خدمات عوامل الإنتاج بالرمز (ث) فان (ث ع) تشير إلي ثمن خدمات عنصر العمل (معدل الأجر)، وكذلك تعبر (ث ر) عن ثمن خدمات عنصر رأس المال (معدل الفائدة، أو السعر الايجارى لرأس المال).
في ضوء ماسبق تكون مصر دولة وفيرة العمل بالقياس إلي رأس المال اذا كان:
(ث ع ص / ث ر ص) < (ت ع ف / ث ر ف)
وتكون فرنسا دولة وفيرة رأس المال بالقياس إلي العمل اذا كان:
(ث ر ص / ث ع ص) > (ت ر ف / ث ع ف)
وخلاصة ما سبق، ان وفرة عنصر إنتاجي معين يجعل سعر خدمات هذا العنصر الإنتاجي منخفضا.
وفي ضوء ذلك، يكون معدل الأجر في مصر، بالنسبة لمعدل الفائدة على رأس المال، اقل من معدل الأجر في فرنسا بالنسبة لمعدل الفائدة لديها. أو بتعبير مكافئ يكون معدل الفائدة على رأس المال بالنسبة لمعدل الأجر في فرنسا اقل من نسبة معدل الفائدة إلي معدل الأجر في مصر.
تعريف وفرة العوامل بالمعايير المادية:
يقصد بالمعيار المادي physicalفي هذا الصدد، المقدار الإجمالي المتاح من العمل ورأس المال في كل دولة. وقد استخدم كل من سامويلون، وليونتيف هذا المعيار في إيضاح معنى العامل الإنتاجي الأوفر نسبيا.
وطبقا لهذا التعريف، تكون مصر دولة وفيرة في العمل، إذا كانت نسبة المقدار الكلى المتاح من العمل إلي المقدار الكلى المتاح من رأس المال لديها، اكبر من هذه النسبة في فرنسا، والعكس يشير إلي اعتبار فرنسا دولة وفيرة في رأس المال.
ومن الجدير بالذكر، ان المقدار المطلق من العمل ورأس المال غير مهم، ولكن نسبة إجمالي مقدار العمل إلي إجمالي مقدار رأس المال هي التي تحدد الوفرة النسبية أو الندرة النسبية للعنصر الإنتاجي. فعلى سبيل المثال، يزيد الرقم المطلق المتوافر من عنصر العمل في فرنسا عنه في مصر، ومع ذلك نقول بأن فرنسا دولة وفيرة رأس المال، ومصر دولة وفيرة العمل، لآن نسبة رأس المال/العمل في فرنسا أعلى منها في مصر. ويمكن التعبير عن ذلك بالمتباينات التالية:
(ع ص / ر ص) > (ع ف / ر ف) أو ان
(ر ص / ع ص) < (ر ف / ع ف)
حيث ان:
ع ص = إجمالي مقدار العمل المتاح في مصر
ر ص = إجمالي مقدار رأس المال المتوافر لمصر
ع ف = إجمالي مقدار العمل المتاح في فرنسا
د ف = إجمالي مقدار رأس المال المتوافر لفرنسا
وفي ضوء ما سبق، وباعتبار أن القماش سلعة كثيفة العمل، والآلات سلعة كثيفة رأس المال، ومصر دولة وفيرة العمل، وفرنسا دولة غنية في رأس المال. فأن مصر تستطيع إنتاج المزيد نسبيا من القماش عن فرنسا، وبالعكس تستطيع فرنسا إنتاج المزيد نسبيا من الآلات قياسا إلي مصر.
وإذا حاولنا إيجاد علاقة بين تعريف وفرة عوامل الإنتاج بمعيار الأسعار وبالمعيار المادي، فينبغي ان نوضح ان التعريف بالمفهوم المادي يأخذ في اعتباره عوامل العرض فقط. اما التعريف بمقياس الأسعار النسبية فيأخذ في اعتباره ظروف العرض والطلب معا. وغنى عن البيان ان الطلب على العنصر الإنتاجي هو طلب مشتق derived demand، بمعنى انه مشتق من الطلب على السلعة النهائية التي تتطلب هذا العنصر في إنتاجها, وحيث انه قد سبق لنا افتراض تشابه الأذواق وتفضيلات الطلب في البلدين، عندئذ نجد كلا التعريفيين يعطيان نفس النتيجة.
فإذا افترضنا ان أذواق المستهلك المصري تميل أكثر ناحية السلع كثيفة العمل (القماش مثلا)، بحيث يكون الطلب على عنصر العمل أعلى من الطلب على رأس المال، يترتب على ذلك ارتفاع معدل الأجر في مصر على الرغم من كبر المقدار المادي للعمل في مصر. وينخفض معدل الفائدة على رأس المال على الرغم من الندرة النسبية له بالمعيار المادي. ومؤدى ذلك، ان مصر دولة وفيرة العمل بالمعيار المادي (الكمى)، وتكون وفيرة في رأس المال بمعيار الأسعار النسبية للعوامل.
شرح نظرية هكشر – أولين:The H-O Theorem
تصدر الدولة السلعة التي يتطلب إنتاجها استخداما كثيفا لعامل الإنتاج الوفير والرخيص نسبيا لديها، وتستورد السلعة التي يحتاج إنتاجها استخداما مكثفا لعامل الإنتاج النادر نسبيا لديها.
ومفاد هذه النظرية، ان الدولة الغنية نسبيا في عنصر العمل (مصر) تقوم بالتخصص في إنتاج وتصدير السلعة كثيفة العمل نسبيا (القماش)، وتستورد السلعة كثيفة رأس المال نسبيا (الآلات) وتقوم الدولة ذات الوفرة النسبية في عنصر رأس المال، بتصدير الآلات واستيراد القماش. وبالتالي يتحدد نمط التخصص والتبادل الدوليين. وترجع هذه النظرية الفروق في الأسعار النسبية للسلعة ومن ثم الميزة النسبية بين الدول، إلي الفروق في هبات عوامل الإنتاج (بما يترتب عليها من وفرة نسبية في احد العوامل وندرة نسبية في العامل الإنتاجي الأخر). أي ان هذه الفروق هى التي تحدد الميزة النسبية ونمط التجارة الدولية.
2.4.5 نظرية تساوى أسعار العوامل:The Factor –Price Equalizing Theorem
أشار كل من ستولبر، وسامويلسون، إلي احتمال حدوث التعادل التام في الأسعار النسبية لعوامل الإنتاج. وتقوم نظرية تساوى أسعار عوامل الإنتاج على الفرضية الآتية:
“يترتب على قيام التجارة الدولية، تساوى في العوائد النسبية والمطلقة لعوامل الإنتاج المتجانسة factor homogenous بين الدول المشاركة في التجارة”.
على ذلك، فأنه حتى مع عدم قدرة عوامل الإنتاج على التحرك دوليا، تؤدى التجارة الحرة في السلع إلي المساواة في أسعار خدمات عوامل الإنتاج بين الدول. أي ان التجارة الدولية تكون بديلا لتنقل عناصر الإنتاج دوليا.
ومعنى ذلك ان الحركات الدولية لعوامل الإنتاج ليست ضرورية على أية حال. فالدول ذات الوفرة في العمل تستطيع التخصص في إنتاج وتصدير السلع كثيفة العمل إلي الدول التي تعانى من ندرة في الايدى العاملة.
وتنطبق نفس الفكرة على عوامل الإنتاج الأخرى مثل رأس المال، والتكنولوجيا. وعلى ذلك، نستطيع القول بأنه يمكن تحقيق الآثار الاقتصادية للحركات الدولية لعوامل الإنتاج، دون تحرك هذه العوامل بذاتها فعليا. و الشكل التالي يبين الكيفية التي يتحقق بها التعادل النسبي في أسعار خدمات عوامل الإنتاج:
تعادل الأسعار النسبية لعوامل الإنتاج
في الشكل السابق يقيس المحور الأفقي السعر النسبي لخدمات عوامل الإنتاج، وهى في حالتنا هذه نسبة الأجر/ الفائدة أو ثمن خدمات العمل/ ثمن خدمات رأس المال وذلك في مصر (ص)، وفرنسا (ف). ويقيس المحور الرأسي السعر النسبي للسلعة، وهو في هذا المثال السعر النسبي للقماش/ السعر النسبي للآلات. ويعبر عن الثمن النسبي للسلعتين في فرنسا بالرمز (ث ف)، وفي مصر بالرمز (ث ص)، وهى الأسعار التي تسود قبل قيام التجارة بين البلدين.
ولذلك يلاحظ ارتفاع نسبة الأجر في فرنسا عنها في مصر، ففرنسا دولة وفيرة رأس المال، ومصر دولة غنية بالعمل. وينعكس ذلك على الأسعار النسبية، حيث يرتفع السعر النسبي للقماش بالنسبة للآلات في فرنسا، ويكون منخفضا في مصر.
وعندما تتخصص الدولة وفيرة العمل (مصر) في إنتاج السلعة كثيفة العمل (القماش)، وتقلل من إنتاج السلعة كثيفة رأس المال (الآلات)، فأن الطلب على العمل يزداد بالنسبة للطلب على رأس المال وتميل نسبة الأجر/ الفائدة إلي الارتفاع في مصر. وعلى الجانب الأخر، عندما تتخصص فرنسا (دولة غنية في رأس المال) في إنتاج الآلات, (سلعة كثيفة رأس المال)، فان طلبها النسبي على رأس المال يزداد بالنسبة للطلب على العمل، وبالتالي ترتفع نسبة الفائدة /الأجر (أي تنخفض نسبة الأجر/الفائدة)، وسوف تستمر هذه العملية، حيث تتحرك النقطة التوازنية لمصر (ن)، والنقطة التوازنية لفرنسا (ن1) إلي نقطة توازنية مشتركة هي (ن*.) ويعنى ذلك تساوى السعر النسبى السلعة في البلدين من ناحية، وتعادل نسبة الأجر / الفائدة في البلدين من ناحية ثانية. توضح الأسهم الموجودة بالشكل اتجاهات التحرك نحو الوضع التوازني الجديد.
وتعادل الأسعار المطلقة لخدمات عوامل الإنتاج يعنى ان حرية التجارة الدولية تؤدى إلي حدوث تعادل في الأجور الحقيقية لنفس نوع العمل في البلدين (أي العمل المتجانس الذي يكون على نفس مستوى التدريب، المهارة، الإنتاجية)، وكذلك تساوى معدلات الفائدة الحقيقية لنفس نوع رأس المال في البلدين (أي رأس المال المتجانس الذي له نفس الإنتاجية والمخاطر).
فإذا كانت حركات السلع بديلا لحركات عوامل الإنتاج دوليا، فمع القدرة التامة لعوامل الإنتاج على التنقل (بمعنى عدم وجود قيود قانونية، أو نفقات للانتقال، وتوافر المعلومات الكاملة), فسوف يهاجر العمال من البلد صاحب الأجر المنخفض إلي البلد ذي الأجر المرتفع حتى تصبح الأجور في البلدين متعادلة. وبالمثل ينتقل رأس المال من الدولة المنخفضة الفائدة إلي الدولة ذات معدل الفائدة المرتفع، حتى يتعادل معدل الفائدة في البلدين. وعلى حين تؤثر التجارة في جانب الطلب على خدمات عوامل الإنتاج، فان القدرة على التنقل تؤثر على جانب عرض خدمات العوامل. ويترتب على ذلك، تعادل تام في العوائد (الأسعار) المطلقة لخدمات عوامل الإنتاج المتجانسة في البلدين. ومع وجود قدرة جزئية لعوامل الإنتاج على التنقل دوليا، يكون المطلوب حجما اصغر من التجارة الدولية للوصول إلي التعادل في عوائد عوامل الإنتاج بين البلدين.
تقييم نظرية نسب العوامل:
ان مهمة النظريات, بصفة عامة، هي التفسير والتنبؤ. أي شرح وتفسير الأحداث، ثم التنبؤ بما سوف تكون عليه الأحداث أو الظواهر في المستقبل. وفي ضوء ذلك، يمكن الحكم على مدى صلاحية نظرية من النظريات من خلال قدرتها على شرح وتفسير الواقع، ومن خلال دقة تنبؤاتها بمسار الأحداث في المستقبل. وعلى ذلك، فإذا أردنا الحكم على مدى صلاحية نظرية نسب عوامل الإنتاج، نبدأ بتناول مدى قدرة النظرية على التفسير في ضوء الفروض التي استندت إليها، ثم تنتقل إلي دراسة قدرة النظرية على التنبؤ من خلال الدراسات التطبيقية لهذه النظرية.