التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

أزمة اللغة العربية اليوم الحلقة الأولى

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..
فإن مجال عملي يمكنني كثيرًا من الوقوف على بعض النقاط الهامة – سلبية كانت أو إيجابية – التي تتعلق بتعليم العربية للناطقين بغيرها، ولعلني أسجل بعض هذه النقاط، التي قد تفيد زملائي العاملين بمجال تدريس اللغات العامة، وتدريس العربية خاصة….
وكلامي اليوم عن أزمة لعلها الأخطر،والأشد تأثيرا على المتعلم ألا وهي :

قلة المشاركين اللغويين
ونعني بالمشارك اللغوي الشخص الذي يقوم بالحوار مع هذا الطالب؛ حتى تقوى مهارتا التحدث والاستماع عنده، أو بعبارة أخرى : الشخص الذي يساعد المتعلم على بلوغ نصف الطريق في تعلم اللغة؛إذ إن مهارات اللغة أربعة: اثنان تم ذكرها، وبقيت الكتابة والقراءة.
والمشارك اللغوي فكرة ضرورية جدًا في تعلم أي لغة،ومعروف من يذهب من العرب للإقامة بين الأسر الإنجليزية – مثلًا – لتعلم اللغة، ومعروف المواقع والبرامج الإلكترونية التي تهتم بالمشاركة اللغوية؛ لذلك فالفكرة محل إجماع بين ألسن الأرض قاطبة..
إذا رجعنا إلى اللغة العربية وجدنا، أن دارس اللغة العربية سيواجه صعوبات في هذا الأمر؛لقلة المتحدثين بالفصحى في هذا الزمان..
وبداءة أقول إن الفصل لا بد أن يحوي مشاركات لغوية، من قبل المدرس، لكن هذا وحده ليس كافيًا؛ للاعتبارات الآتية:
1 – من الممكن أن يتمكن الطالب من الحوار مع أستاذه جيدًا، لكنه يعجز عجزًا تامًا، أو قاصرًا في الحديث مع الآخرين، بسبب الخجل والارتباك وغير ذلك.
2 – مهما بلغ الشخص مبلغًا في التميز اللغوي، فإنه سيظل له قاموسه اللغوي، الذي يُقدره بعض اللغويين بأنه يمثل ثلث الحصيلة اللغوية لكل فرد، فمع كثرة المتحدثين يزداد القاموس اللغوي للطالب.
3 – لا شك أيضًا أن كثرة المتحدثين أبعد عن الملل والسآمة.
إذن أظنك الآن أخي الكريم تتفق معي في أهمية وجود المشارك اللغوي التي لا تقل أهمية – إن لم تزد – عن الفصل والدرس المعتاد.
طالب العربية اليوم كغيره من طلبة اللغات، يبحث جاهدًا عن مشارك لغوي، وكم نرى الفرحة علت وجوه الطلاب، حينما يتمكنون من الحديث مع غيرهم من العرب بعربية جيدة، وكم نسأل – نحن المدرسين – كثيرًا عن الجمل المناسبة للمواقف المتعددة التي تواجه الطالب في معاملاته مع العرب.
لكن للأسف الشديد يصاب الطلاب بصدمة كبيرة حينما يرى البون شاسعًا بين الفصل وبين الشارع، حتى إنه ليُخيل إليه أنه ما تعلم العربية، أو أن المتكلمين ليس بينهم وبين العربية نسب!
ففي أحايين كثيرة لا يُفهم، وفي الأغلب يُفهم لكن لا يَفهم الجواب؛ لعجز المتحدث ( العربي) عن الإتيان بمثل ما أتى به الطالب ( الأعجمي).
وتبلغ الأزمة ذروتها حينما يصل الأمر إلى السخرية والاستهزاء،فلا يكتفي المتحدث بجهله بلغته! بل يصل به النَّزق إلى الاستهزاء بطالب قطع الفيافي والقفار طلبًا لتعلم لغة القرآن الكريم!
وللأسف الشديد فإن الفصحى عند أكثر الأمم رمز الرقي والعلو، ولعلكم تعلمون أن الملكة البريطانية، وأهل العلو في بريطانيا (Posh) يتكلمون لهجة خاصة والتي تعرف ب
Received Pronunciation (RP)
أي النطق السلفي للغة – إن صح التعبير – والمتكلم بهذه اللهجة يشار إليه على أنه من أهل الطبقة العالية.
والله فإننا لنشعر بالعار أن يصبح التحدث بالفصحى عند بعد العرب مدعاة للسخرية والتندر، وإلى الله المشتكى.
وقد اشتكى إلينا طالب أنه ذهب إلى البقال وتكلم معه بالجمل التي درسها في درس عند البقال فإذا بالبائع يرد عليه استهزاءً قائلًا : يا أخي هل جئت لتشتري أو لتقرأ القرآن ؟
وهذا طالب يتكلم مع رجل عربي، واشتد الكلام بينهما، فغضب الرجل العربي عليه وقال :كلمني بالعربي ، ولكم الحرية في الاستلقاء من الضحك.
أما الأمر الذي يبدو عاديًا وهو أن الطالب يكون طرفًا واحدًا فقط في الحديث بمعنى أنه يفهم ما يقول، و لا يفهم ما يقال له نظرًا لأن المجيب يجيب بالعامية، وقد حدثني طالب بريطاني أنه بعد عودته إلى لندن في إجازة، قابل بعض أصدقائه العرب وأخبرهم أنه تعلم العربية، وطلب منهم مشاركته الحديث،لكن للأسف كالعادة لم يفهم ما يقال له؛نظرًا للعامية المفرِطة، فقال له العربي : ما زلت تحتاج إلى وقت لكي تفهم فيه اللغة ، مع العلم أن البريطاني هذا لعله أفضل من آلاف العرب.
يتبع


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.