التصنيفات
التاريخ والجغرافيا السنة اولى ثانوي

أصل دولة عثمانية

الدولة العثمانية
1)جذور الأتراك وأصولهم ومواطنهم ) :
في منطقة ما وراء النهر والتي نسميها اليوم ( تركستان ) والتي تمتد من هضبة منغوليا وشمال
الصين شرقاً إلى بحر الخزر ( بحر قزوين ) غرباً ، ومن السهول السيبرية شمالاً إلى شبه القارة
الهندية وفارس جنوباً ، استوطنت عشائر الغز وقبائلها الكبرى تلك المناطق وعرفوا بالترك أو
الأتراك .
ثم تحركت هذه القبائل في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي ، في الانتقال من
موطنها الأصلي نحو آسيا الصغرى في هجرات ضخمة ، وذكر المؤرخون مجموعة من
الأسباب التي ساهمت في هجرم ، فالبعض يرى أن ذلك بسبب عوامل اقتصادية ،
فالجدب الشديد وكثرة النسل جعلت هذه القبائل تضيق ذرعاً بمواطنها الأصلية فهاجرت بحثاً
عن الكلأ والمراعي والعيش الرغيد ، والبعض الآخر يعزو تلك الهجرات لأسباب سياسية
حيث تعرضت تلك القبائل لضغوط كبيرة من قبائل أخرى أكثر منها عدداً وعدة وقوة وهي
المغولية فأجبرا على الرحيل لتبحث عن موطن آخر وتترك أراضيها بحثاً عن نعمة الأمن
والاستقرار .
واضطرت تلك القبائل المهاجرة أن تتجه غرباً ، ونزلت بالقرب من شواطئ ر جيحون ، ثم
استقرت بعض الوقت في طبرستان وجرجان ، فأصبحوا بالقرب من الأراضي الإسلامية والتي
فتحها المسلمون بعد معركة اوند سنة 21 ه .
في عام 22 ه تحركت الجيوش الإسلامية إلى بلاد الباب لفتحها وكانت تلك الأراضي
يسكنها الأتراك ، وهناك التقى قائد الجيش الإسلامي عبد الرحمن بن ربيعة بملك الترك
شهربراز ، فطلب من عبد الرحمن الصلح وأظهر استعداده للمشاركة في الجيش الإسلامي
لمحاربة الأرمن ، فأرسله عبد الرحمن إلى القائد العام سراقة بن عمرو ، الذي قبل منه ذلك
وكتب يعلم عمر بن الخطاب بذلك فوافقه عليه ، وعقد الصلح ولم يقع بين المسلمين والترك
قتال ، بل ساروا جميعاً لفتح بلاد الأرمن . وزالت دولة الفرس وتم الاتصال بالشعوب
الإسلامية واعتنق الأتراك الإسلام وانضموا لصفوف ااهدين .
وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه تم فتح بلاد طبرستان ، ثم عبر المسلمون ر
جيحون سنة 31 ه ونزلوا بلاد ما وراء النهر ، فدخل كثير من الترك في دين الإسلام .
وواصلت الجيوش الإسلامية تقدمها في تلك الأقاليم ، فتم فتح بلاد بخارى في عهد معاوية
بن أبي سفيان رضي الله عنه وتوغلت تلك الجيوش حتى وصلت سمرقند ، حتى صارت جميع
تلك الأقاليم تحت الحكم الإسلامي .
وزاد عدد الترك في بلاط الخلفاء والأمراء العباسيين وشرعوا في تولي المناصب القيادية والإدارية
في الدولة ، فكان منهم الجند والقادة والكتاب ، وقد التزموا بالهدوء والطاعة حتى نالوا أعلى
المراتب .
ولما تولى المعتصم العباسي الخلافة فتح الأبواب أمام النفوذ التركي وأسند إليهم مناصب
الدولة القيادية وأصبحوا يشاركون في تصريف شؤون الدولة ، مما أدى إلى سخط شديد لدى
الناس والجند فخشي المعتصم من نقمة الناس فأسس مدينة جديدة هي سامراء وسكنها هو
وجنده وأنصاره .
وهكذا ظهر الأتراك وعلا شأم حتى أسسوا لهم دولة كبيرة كانت على صلة بخلفاء الدولة
العباسية عرفت بالدولة السلجوقية .
2)الأناضول قبل العثمانيين ) :
كانت بلاد الأناضول أو آسيا الصغرى من ضمن أملاك الإمبراطورية البيزنطية قبل الإسلام ،
ولما جاء الإسلام قضى على الإمبراطورية الفارسية ، وانتزعت الدولة الإسلامية من
الإمبراطورية البيزنطية بلاد الشام ومصر ثم سائر الشمال الإفريقي، وتمكن المسلمون من انتزاع
أجزائها الشرقية من أطراف أرمينيا .
ومن ناحية أخرى حاصر المسلمون القسطنطينية منذ عام 50 ه في أيام معاوية بن أبي
سفيان رضي الله عنهما غير أم عجزوا عن فتحها ، وتكرر الغزو مرات ولكنهم لم يوفقوا
فيه ، وبقيت قاعدة للإمبراطورية البيزنطية .
وبقيت ذرا جبال طوروس حداً فاصلاً بين المسلمين والبيزنطيين مدة أيام الدولة الأموية ، وقد
أقيمت الثغور على تلك الذرا ، وتتعاقب الصوائف والشواتي على تلك الثغور وعلى أعمال
الغزو والجهاد التي ما انقطعت ، واشتهر من القادة مسلمة بن عبد الملك ومروان بن محمد بن
عبد الملك الذي أصبح خليفة فيما بعد .
وجاء العباسيون وعملوا على توطين أقسام من جيش خراسان في الأجزاء الأناضولية الخاضعة
لهم ، وكان الخليفة المهدي يستقدم الأتراك من فرغانة وبلخ ويسكنهم الثغور وكلها في المنطقة
الجبلية الفاصلة بين المسلمين والروم .
وقد زاد عدد الترك في هذه المناطق في عهد المأمون والمعتصم ، وكانت أعمال الجهاد تتجاوز
الثغور أحياناً وتدخل إلى الجهات الغربية ، ودخل المعتصم عمورية وهي تبعد عن منطقة
الثغور أكثر من خمسمائة كيلومتر ، وخرب المعتصم المدينة ، وأحرقها .
وفي عهد المتوكل أصبح الأتراك هم عماد الجيش في الدولة ، وغدت الثغور الأناضولية تحت
إمرم ، وكانوا يخضعون للخليفة العباسي في بغداد ، أو للحمدانيين في حلب ، أو
للطولونيين في الفسطاط ، ورغم هذا الانقسام فإن القتال لم ينقطع بين المسلمين والروم ،
وكانت الحروب سجالاً ، بين مد وجزر .
وضعفت الدولة العباسية وفكر الإمبراطور البيزنطي بالقضاء على الدولة العباسية ، وفي هذا
الوقت كان السلاجقة الأتراك قد وصلوا إلى غربي الدولة ، ودخل زعيمهم طغرل بك بغداد
، وأصبح السيد المطاع فيها ، وبدأ صراعه مع الروم ، فاتجه إلى ديار بكر ، وقاتل البيزنطيين
وانتصر عليهم ، وعقد معهم هدنة ، واشترط فيها بناء مسجد القسطنطينية ، فأقيم المسجد
وأقيمت فيه الصلاة والجمعة ، وخطب لطغرل بك فيه .وتوفي طغرل بك فخلفه ابن أخيه
سليمان بن داود ، غير أن أخاه ألب أرسلان قد ثار عليه وتسلم الأمر ، ودخل مع الروم في
الحرب وانتصر عليهم انتصاراً حاسماً في معركة ملاذكرت عام 463 ( اقرأ تفاصيل المعركة في
قسم منعطفات ، إن شئت ) . وانساح السلاجقة بعد تلك المعركة في الأناضول حتى
الجهات الغربية فملؤوها ، وأسسوا أمارات فيها ، ثم قتل ألب أرسلان عام 465 على يد
كمين نصب له وهو في طريقه إلى الصين .
وتمكن هؤلاء السلاجقة الذين انتشروا في الأناضول أن يقدموا خدمات للمسلمين في أول
أمرهم إذا استردوا من الروم بعض الأجزاء التي سبق لهم أن أخذوها من المسلمين ومنها
أنطاكية ومنبج ، وتأسست أمارات سلجوقية في الأناضول وأرمينيا ومن أبرزها التي أسسها
سليمان بن قطلمش بن أرسلان بن سلجوق والتي كان مقرها قونية والتي أطلق عليها
سلاجقة الروم ، ثم أعقبها قيام إمارات أخرى .
وفي الوقت نفسه قامت دويلات أرمنية في أرمينيا ، وأسس الأرمن الذين فروا من وجه
السلاجقة واتجهوا إلى الغرب دويلة في كيليكيا مقرها أضنة ، وبقيت قائمة حتى اارت على
يد المغول ، وزاد توسع السلاجقة وانتشارهم في الأناضول في أيام ملكشاه بن ألب أرسلان .
وجاء الصليبيون عام 489 بدافع صليبي وحقد ، وإن كانوا قد احتجوا بأن السلاجقة
يسيئون معاملة النصارى وهم في طريقهم إلى القدس ، واستطاع هؤلاء الصليبيون أن يجتازوا
الأناضول التي يعمرها السلاجقة ، وأن يفصلوا المناطق الغربية عن المناطق الداخلية ، وفي
الوقت نفسه فقد أسسوا إمارة صليبية في الرها ، ودعمهم الأرمن الذين كانت لهم دويلة في
كيليكيا ، واضطر الأمير السلجوقي قليج أرسلان صاحب نيقية أن ينقل مقر أمارته من
نيقية إلى قونية ، ثم اختلف الإمبراطور البيزنطي مع الصليبيين فتركهم وشأم ، واتجه
لاسترداد بعض أملاك السلاجقة فدخل أزمير وأفسوس لانقطاع هذه المناطق عن بقية
السلاجقة في الداخل بالصليبيين .
وقامت الحروب الصليبية في بلاد الشام ووقف آل زنكي في وجههم ، وتوفي نور الدين محمود
، وقام صلاح الدين الأيوبي بالجهاد ، وانتصر على الصليبيين ودخل القدس ، وبموته انفرط
عقد الدولة الأيوبية وتفرقت كلمة أمرائها ، واستقل كل من أولاده في جزء منها ، ولم تكن
هناك دولة أيوبية واحدة ، ولم تجد تدخلات الخليفة العباسي للصلح بينهم .
وفي هذه الأثناء بدأ الهجوم المغولي من الشرق ، فخاف بعض الحكام فانضموا إليه ، وحدث
اجتماع لهؤلاء الذين تحالفوا مع المغول عام 634 ، وتقدم المغول نحو الغرب ، ووقعت بلاد
سلاجقة الروم عام 641 ه تحت سيطرة المغول ، واستسلم أمراؤها لهم ، وصاروا معهم حرباً
على المسلمين ، وفتحوا بلادهم لهم ، وهادن أمير الموصل هولاكو ، ويعد الأراتقة في ماردين
عمالاً للمغول ، وساهم ملك الأرمن في احتلال بغداد ، ومشى مع المغول نحو القدس
ليملكها ، ولم يتعرض المغول فعلاً للنصارى بل كانت بيوم آمنة في بغداد ودمشق .
ثم هزم المغول في عين جالوت عام 658 ، وخرجوا من بلاد الشام ، فسار الظاهر بيبرس
عام 675 إلى بلاد سلاجقة الروم لينتقم منهم ، والتقى م وبحلفائهم المغول والكرج في
معركة البستان شمال مرعش ، وانتصر عليهم انتصاراً مبيناً ، ثم سار حتى فتح عاصمتهم
قيصرية ، وقد أحسن إلى أهلها ، وأعطاهم الأمان ، وخطب له في مساجدها .
ومع ضعف المغول زالت دولة سلاجقة الروم ، وقامت عدة إمارات في الأناضول التي كانت
متنافسة مع بعضها البعض ، وتنتقل المدن من يد إمارة إلى أخرى أو المناطق ثم تعود للإمارة
الأولى عندما تتقوى أو تجد لها دعماً ، حتى قضت الدولة العثمانية عليها جميعاً في أوقات
متفاوتة .
3 )قيام الدولة العثمانية ) :
ينتسب العثمانيون إلى قبيلة قاتي التركمانية والتي كانت عند بداية القرن السابع الهجري
الموافق الثالث عشر الميلادي تعيش في كردستان ، وتزاول حرفة الرعي .
ونتيجة للغزو المغولي بقيادة جنكيزخان تحركت نحو الغرب قاصدة دولة خوارزم بالدرجة
الأولى .
ثم توجهت بعد ذلك نحو العراق ومناطق شرق آسيا الصغرى ، وكان يرأسهم ( سليمان شاه
بن قيا ألب ) جد عثمان ، الذي قرر الهجرة في عام 617 ه الموافق 1220 م مع قبيلته
وفيها ألف فارس من كردستان إلى بلاد الأناضول فاستقر في مدينة أخلاط – تقع في شرق
تركيا الحالية . –
ولما هدأت موجة المد المغولي رغب في الرجوع إلى موطنه الأول ، وتابع إلى ديار بكر ، واتجه
نحو الرقة ، وأراد عبور ر الفرات فهوى فيه وغرق عام 628 ه ، فدفن هناك قرب قلعة
جعبر .
واختلف أبناؤه الأربعة في الطريق التي يجب أن يسلكوها ، أما ابنه الأكبر (سنقورتكن ) فقد
حقق رغبة أبيه ورجع مع أخيه ) كون طغري ) إلى موطنهم الأول ، وكان ( سنقورتكن )
هو الذي تولى إمرة القبيلة وزعامتها بعد موت أبيه ، وأما أخواه الآخران وهما ( أرطغرل ) و (
دندان ) فقد عادا أدراجهما ، وكان ( أرطغرل ) الأوسط وزعيم اموعة المتبقية من القبيلة ،
والذي واصل تحركه نحو الشمال الغربي من الأناضول ، وكان معه حوالي مائة أسرة وأكثر من
أربعمائة فارس .
وأرسل أرطغرل ابنه ( ساوجي ) ليطلب من الأمير علاء الدين السلجوقي أمير إمارة قرمان
أرضاً تعيش فيها القبيلة كي لا تقع في نزاعات ، غير أن ساوجي لم يعد إلى أبيه إذ توفي
الطريق .
وفي هذه الأثناء إذ بأرطغرل يسمع عن بعد جلبة وضوضاء ، فلما دنا منها وجد قتالاً حامياً
بين مسلمين ونصارى ، وكانت كفة الغلبة للجيش البيزنطي ، فما كان من أرطغرل إلا أن
تقدم بكل حماس وثبات لنجدة إخوانه في الدين والعقيدة ، فكان ذلك التقدم سبباً في نصر
المسلمين على النصارى .
وبعد انتهاء المعركة قدر قائد الجيش الإسلامي السلجوقي الأمير علاء الدين السلجوقي هذا
الموقف لأرطغرل ومجموعته ، فأقطعهم أرضاً في الحدود الغربية للأناضول بجوار الثغور في الروم
، وأتاحوا لهم بذلك فرصة توسيعها على حساب الروم ، وكانت مساحة هذه الأرض
2000 كيلومتر مربع استطاع أرطغرل أثناء جهاده ضد البيزنطيين توسيعها إلى 4800 كيلو
متر مربع .
وحقق السلاجقة بذلك حليفاً قوياً ومشاركاً في الجهاد ضد الروم ، وقد قامت بين هذه
الدولة الناشئة وبين سلاجقة الروم علاقة حميمة نتيجة وجود عدو مشترك لهم في العقيدة
والدين ، وقد استمرت هذه العلاقة طيلة حياة أرطغرل ، حتى إذا توفي سنة 687 ه خلفه
من بعده في الحكم ابنه عثمان الذي سار على سياسة أبيه السابقة في أراضي الروم ، والذي
إليه تنسب الدولة العثمانية فهو مؤسسها وأول حكامها .
وليس صحيحاً ما يقال من أن عثمان هو أول من أسلم من تلك القبيلة ، فإن القبيلة كانت
مسلمة بالأصل قبل أن ترحل من مكاا الأول مع جده ، إذ معروف أن هذه القبيلة
تركمانية ، وكلمة تركمان تطلق على الترك الذين يعتنقون الإسلام ، واسم زعيمها سليمان
دليل على ذلك .
59 ، والدولة العثمانية لعلي الصلابي ، ص 51 ، وتاريخ / التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8
الدولة العثمانية ، ص 11
4)عثمان بن أرطغرل ) :
لقد تعاقب على إمارة السلطنة العثمانية قبل أن تعلن نفسها خلافة إسلامية سلاطين أقوياء
، ويعتبر عثمان بن أرطغرل هو مؤسس الدولة وبانيها ، فماذا صنع عثمان :
لقد بدأ عثمان يوسع إمارته فتمكن أن يضم إليه عام 688 قلعة قره حصا (القلعة السوداء)
أو أفيون قره حصار ، فسر الملك علاء الدين ذا كثيراً. فمنحه لقب (بيك). والأراضي
التي يضمها إليه كافة ، وسمح له بضرب العملة ، وأن يذكر اسمه في خطبة الجمعة .
وفي عام 699 أغارت المغول على إمارة علاء الدين ففر من وجههم ، والتجأ إلى إمبراطور
بيزنطية ، وتوفي هناك في العام نفسه ، وإن قيل أن المغول قد تمكنوا من قتله ، وتوليه ابنه
غياث الدين مكانه ، ثم إن المغول قد قتلوا غياث الدين ، ففسح اال لعثمان إذ لم تعد
هناك سلطة أعلى منه توجهه أو يرجع إليها في المهمات ، فبدأ يتوسع ، وإن عجز عن فتح
أزميد (أزميت) ، وأزنيق (نيقية) رغم محاصرما ، واتخذ مدينة (يني شهر) أي المدينة الجديدة
قاعدة له ، ولقب نفسه باديشاه آل عثمان .
واتخذ راية له ، وهي علم تركيا اليوم ، ودعا أمراء الروم في آسيا الصغرى إلى الإسلام ، فإن
أبوا فعليهم أن يدفعوا الجزية ، فإن رفضوا فالحرب هي التي تحكم بينه وبينهم ، فخشوا على
أملاكهم منه ، فاستعانوا بالمغول عليه ، وطلبوا منهم أن ينجدوهم ضده ، غير أن عثمان قد
جهز جيش بإمرة ابنه أورخان الذي قارب الثلاثين من العمر ، وسيره لقتال المغول فشتت
شملهم .
ثم عاد واتجه إلى بورصة (بروسة) فاستطاع أن يدخلها عام 717 وتعد من الحصون الرومية
المهمة في آسيا الصغرى ، وأمن أهلها وأحسن إليهم فدفعوا له ثلاثين ألفاً من عملتهم
الذهبية ، وأسلم حاكمها (أفرينوس) ، فمنحه عثمان لقب بيك ، وأصبح من القادة
العثمانيين البارزين. وتوفي عثمان عام 726 ، وقد عهد لابنه أورخان بالحكم بعده .
أهم الصفات القيادية في عثمان :
1- الشجاعة : عندما تنادى أمراء النصارى في بورصة ومادانوس وأدره نوس وكته وكستله
البيزنطيون في عام 700 ه لتشكيل حلف صليبي لمحاربة عثمان واستجابت النصارى لهذا
النداء وتحالفوا تقدم عثمان بجنوده وخاض الحروب بنفسه وشتت الجيوش الصليبية وظهرت
منه شجاعة أصبحت مضرب المثل .
2- الحكمة : لقد رأى من الحكمة أن يقف مع السلطان علاء الدين ضد النصارى ،
وساعده في افتتاح جملة من مدن منيعة ، وعدة قلاع حصينة ، ولذلك نال رتبة الإمارة من
السلطان السلجوقي علاء الدين. وسمح له سك العملة باسمه ، مع الدعاء له في خطبة
الجمعة في المناطق التي تحته .
3- الإخلاص : عندما لمس سكان الأرضي القريبة من إمارة عثمان إخلاصه للدين تحركوا
لمساندته والوقوف معه لتوطيد دعائم دولة إسلامية تقف سداً منيعاً أمام الدولة المعادية
للإسلام والمسلمين .
4- الصبر : وظهرت هذه الصفة في شخصيته عندما شرع في فتح الحصون والبلدان ، ففتح
في سنة 707 ه حصن كته ، وحصن لفكة ، وحصن آق حصار ، وحصن قوج حصار. وفي
سنة 712 ه فتح صحن كبوه وحصن يكيجه طرا قلوا ، وحصن تكرر بيكاري وغيرها ، وقد
توج فتوحاته هذه بفتح مدينة بروسة في عام 717 ه ، وذلك بعد حصار صعب و شديد
دام عدة سنوات ، كان من أصعب ما واجهه عثمان في فتوحاته .
5- الجاذبية الإيمانية : وتظهر هذه الصفة عندما احتك به اقرينوس قائد بروسه واعتنق
الإسلام أعطاه السلطان عثمان لقب (بك) وأصبح من قادة الدولة العثمانية البارزين فيما
بعد ، وقد تأثر كثير من القادة البيزنطيين بشخصية عثمان ومنهجه الذي سار عليه حتى
امتلأت صفوف العثمانيين منهم ، بل إن كثيراً من الجماعات الإسلامية انخرطت تحت لواء
الدولة العثمانية كجماعة (غزياروم) أي غزاة الروم ، وهي جماعة إسلامية كانت ترابط على
حدود الروم وتصد هجمام عن المسلمين منذ العصر العباسي ، وجماعة (الإخيان) (أي
الإخوان) وهم جماعة من أهل الخير يعينون المسلمين ويستضيفوم ويصاحبون جيوشهم
لخدمة الغزاة ويتولون إقامة المساجد والتكايا و الفنادق، وجماعة (حاجيات روم) أي حجاج
أرض الروم ، وكانت جماعة على فقه بالإسلام ومعرفة دقيقة لتشريعاته ، وكان هدفها معاونة
المسلمين عموماً وااهدين خصوصاً وغير ذلك من الجماعات .
6- عدله : تروى معظم المراجع التركية التي أرخت للعثمانيين أن أرطغرل عهد لابنه عثمان
مؤسس الدول العثمانية بولاية القضاء في مدينة قره جه حصار بعد الاستيلاء عليها من
البيزنطيين في عام 684 ه ، وأن عثمان حكم لبيزنطي نصراني ضد مسلم تركي ، فاستغرب
البيزنطي وسأل عثمان : كيف تحكم لصالحي وأنا على غير دينك ، فأجابه عثمان : بل
كيف لا أحكم لصالحك ، والله الذي نعبده ، يقول لنا : ((إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) فاهتدى الرجل وقومه إلى
الإسلام. لقد عثمان استخدم العدل مع رعيته وفي البلاد التي فتحها ، فلم يعامل القوم
المغلوبين بالظلم أو الجوار أو التعسف أو التجبر ، أو الطغيان ، أو البطش .
7- الوفاء : كان شديد الاهتمام بالوفاء بالعهود ، فعندما اشترط أمير قلعة اولوباد البيزنطية
حين استسلم للجيش العثماني ، أن لا يمر من فوق الجسر أي عثماني مسلم إلى داخل
القلعة التزم بذلك وكذلك من جاء بعده .
8- التجرد : فلم تكن أعماله وفتوحاته من أجل مصالح اقتصادية أو عسكرية أو غير ذلك
، بل كان فرصة تبليغ دعوة الله ونشر دينه ولذلك وصفه المؤرخ احمد رفيق بأنه (كان عثمان
متديناً للغاية ، وكان يعلم أن نشر الإسلام وتعميمه واجب مقدس وكان مالكاً لفكر سياسي
واسع متين ، ولم يؤسس عثمان دولته حباً في السلطة وإنما حباً في نشر الإسلام). ويقول
بأن وظيفته الوحيدة في الحياة ◌ً مصر أوغلو : ‘ لقد كان عثمان بن أرطغرل يؤمن إيماناً عميقاً
هي الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ، وقد كان مندفعاً بكل حواسه وقواه نحو تحقيق
هذا الهدف .
لقد كانت شخصية عثمان متزنة وخلابة بسبب إيمانه العظيم بالله تعالى واليوم الآخر ،
ولذلك لم تطغ قوته على عدالته ، ولا سلطانه على رحمته ، ولا غناه على تواضعه ، وأصبح
مستحقاً لتأييد الله وعونه ، ولذلك أكرمه الله تعالى بالأخذ بأسباب التمكين والغلبة ،
فجعل له مكنة وقدرة على التصرف في آسيا الصغرى من حيث التدبير والرأي وكثرة الجنود
والهيبة والوقار ، لقد كانت رعاية الله له عظيمة ولذلك فتح له باب التوفيق وحقق ما تطلع
إليه من أهداف وغاية سامية .
الدستور الذي سار عليه العثمانيون :
كانت حياة الأمير عثمان جهاداً ودعوة في سبيل الله ، وكان علماء الدين يحيطون بالأمير
ويشرفون على التخطيط الإداري والتنفيذ الشرعي في الإمارة، ولقد حفظ لنا التاريخ وصية
عثمان لابنه أورخان وهو على فراش الموت وكانت تلك الوصية فيها دلالة حضارية ومنهجية
شرعية سارت عليها الدولة العثمانية فيما بعد، يقول عثمان في وصيته : ( يا بني : إياك أن
تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين ، وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة
علماء الدين موئلاً.. يا بني : أحط من أطاعك بالإعزاز، وأنعم على الجنود ، ولا يغرك
الشيطان بجندك وبمالك ، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة.. يا بني : إنك تعلم أن غايتنا
هي إرضاء الله رب العالمين ، وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الآفاق ، فتحدث مرضات الله
جل جلاله .. يا بنى : لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة الحكم أو سيطرة أفراد ،
فنحن بالإسلام نحيا ونموت ، وهذا يا ولدي ما أنت له أهل . (
وفي كتاب (التاريخ السياسي للدولة العلية العثمانية) تجد رواية أخرى للوصية ( اعلم يا بني ،
أن نشر الإسلام ، وهداية الناس إليه ، وحماية أعراض المسلمين وأموالهم ، أمانة في عنقك
سيسألك الله عز وجل عنها . (
وفي كتاب ( مأساة بني عثمان ) نجد عبارات أخرى من وصية عثمان لابنه أورخان تقول : (
يا بني ، أنني انتقل إلى جوار ربي ، وأنا فخور بك بأنك ستكون عادلاً في الرعية ، مجاهداً في
سبيل الله ، لنشر دين الإسلام.. يا بني ، أوصيك بعلماء الأمة ، أدم رعايتهم ، وأكثر من
تبجيلهم ، وانزل على مشورم ، فام لا يأمرون إلا بخير ..يا بني ، إياك أن تفعل أمراً لا
يرضى الله عز وجل ، وإذا صعب عليك أمر فاسأل علماء الشريعة ، فام سيدلونك على
الخير.. واعلم يا بني أن طريقنا الوحيد في هذه الدنيا هو طريق الله ، وأن مقصدنا الوحيد هو
نشر دين الله ، وأننا لسنا طلاب جاه ولا دنيا .(
وفي (التاريخ العثماني المصور) عبارات أخرى من وصية عثمان تقول: ( وصيتي لأبنائي
وأصدقائي ، أديموا علو الدين الإسلامي الجليل بإدامة الجهاد في سبيل الله . أمسكوا راية
الإسلام الشريفة في الأعلى بأكمل جهاد. اخدموا الإسلام دائما ، لأن الله عز وجل قد
وظف عبداً ضعيفاً مثلي لفتح البلدان ، اذهبوا بكلمة التوحيد إلى أقصى البلدان بجهادكم في
سبيل الله ومن انحرف من سلالتي عن الحق والعدل حرم من شفاعة الرسول الأعظم يوم
المحشر. يا بني: ليس في الدنيا أحد لا يخضع رقبته للموت ، وقد اقترب أجلي بأمر الله جل
جلاله أسلمك هذه الدولة وأستودعك المولى عز وجل ، اعدل في جميع شؤونك .(…
لقد كانت هذه الوصية منهجاً سار عليه العثمانيون، فاهتموا بالعلم وبالمؤسسات العلمية،
وبالجيش والمؤسسات العسكرية، وبالعلماء واحترامهم ، وبالجهاد الذي أوصل فتوحاً إلى
أقصى مكان وصلت إليه راية جيش مسلم ، وبالإمارة وبالحضارة .
ونستطيع أن نستخرج الدعائم والقواعد والأسس التي قامت الدولةالعثمانية من خلال تلك
الوصية .
761 ه( – 5)السلطان أورخان بن عثمان ( 726 ) :
ولد عام 687 في السنة التي تولي أبوه فيها الحكم، وهو ثاني أبناء أبيه من حيث السن، لكن
يبدو أنه كان أكثرهم نباهة، وأشجعهم، فنال بذلك الملك ، ولم يخالفه أخوه الأكبر منه علاء
الدين ، ولكنه رضي بذلك .
فقدره أخوه أورخان ، وسلمه الوزارة ، فانصرف علاء الدين إلى الأمور الداخلية ، وتوجه
أورخان إلى الأعمال الخارجية .
نقل أورخان قاعدته إلى بورصة، وضرب العملة الفضية والذهبية، وأسس الجيش (يني تشري)
أي الجيش الجديد من أبناء الأسرى، والصغار الذين يقعون في الأسر ، فيربون في ثكنات
عسكرية تربية إسلامية ويدربون تدريباً عسكرياً ، ويتخرجون لا يعرفون إلا القتال والحياة
العسكرية والإسلام والجهاد في سبيل الله ، ليس روابط قبلية أو عشائرية إذ لا يعرفون إلا
السلطان سيداً لهم ، لذا كانوا قوة كبيرة ساعدت العثمانيين في ضرب خصومهم ، وامتداد
الفتوحات العثمانية ، وكان يمكن أن تبقى كذلك لو بقي السلاطين أقوياء لا يسمحون لهم
بالتدخل في غير ما اختصوا به ، ولا أن يعطوهم أكثر من قدراهم فتتغير طباعهم ، فما
تدخل العسكريون في شؤون الحكم إلا أفسدوه ، ولا تصرفوا في أمور البلاد إلا أضاعوها إلا
من عصم ربك ، وهكذا كان شأم في النهاية إذ غدوا طريق الهزيمة وسبب المفاسد حتى
قضي عليهم عام 1443 في أيام السلطان محمود الثاني .
فتح أزميت، ثم حاصر أزنيق وفتحها ، وعين ابنه الكبير سليمان حاكما عليها ، وأحسن إلى
أهلها ، فسمح بالهجرة إلى من يردها ، وسمح لمن بقي بإقامة شعائر دينه ، وبعد مدة توفي
أخوه علاء الدين فعين مكانه سلمان بن أورخان .
وفي عام 736 توفي حاكم إمارة (قره سي (الواقعة جنوب بحر مرمرة وإلى الشرق من بحرإيجه،
واختلف ولداه فيما بينهما على السلطة، فأسرع أورخان وضمها إلى إمارته كي لا تقع فريسة
بيد الروم .
وفي عام 756 طلب إمبراطور بيزنطة يوحنا الخامس (يوحنا باليوج) من أورخان مساعدته
ضد إمبراطور الصرب اصطفان دوشان الملقب بالقوي الذي تحالف مع البندقية، والإمارات
الصربية للهجوم على القسطنطينية، ووعد بأن يزوجه ابنة الوصي على العرش يوحنا كانتا
كوزين التي تزوج هو أختها الأخرى، أي يصبح عديلاً له، وأرسل له أورخان الجند ، غير أن
اصطفان دوشان قد أدركه الموت ، وتوقف الاستعداد ، وعاد الجنود العثمانيون إلى بلادهم
دون قتال ، وتزوج أورخان ابنة الوصي .
وشعر أورخان بضعف الإمبراطورية البيزنطية بعد أن طلب الإمبراطور منه المساعدة للوقوف
في وجه الصرب ، ورأى أن ينتقل إلى الضفة الغربية من مضيق الدردنيل ليتقدم بعدها في
أوربا ، ويتمكن من الإحاطة بالقسطنطينية ، والهجوم عليها من الغرب فقد عجز المسلمون
من قبل عن فتحها بالهجوم عليها من الشرق ، وإن لم يكن هو فمن يأتي بعده ، فقرر
الجهاد ، وأرسل ابنه الكبير سليمان ، ووزير الدولة الأول لدراسة الغزو والتخطيط له ، وفي
عام 758 اجتاز سليمان مضيق الدردنيل ليلاً مع أربعين رجلاً من أبطاله ، ولما وصلوا إلى
الضفة الغربية استولوا على الزوارق الرومية الراسية هناك ، وعادوا ا إلى الضفة الشرقية ، إذ
لم يكن للعثمانيين أسطول حيث لا تزال دولتهم في بداية تأسيسها ، وفي الضفة الشرقية أمر
سليمان جنوده أن يركبوا في الزوارق حيث نقلهم إلى الشاطئ الأوربي ، حيث احتلوا قلعة
)تزنب) ، وغاليبولي التي فيها قلعة (جنا قلعة) المشهورة ، وابسالا ، ورودستو ، وكلها تقع
على مضيق الدردنيل من الجنوب إلى الشمال حتى تصبح رودستو على بحر مرمرة .
وفي عام 760 توفي ولي العهد سليمان ، نتيجة سقوطه عن جواده ، وأصبح ولي العهد مراد
، وفي العام التالي توفي السلطان أورخان فخلفه ابنه مراد .
سياسة أورخان الداخلية والخارجية :
قد كان مما دف إليه الدولة العثمانية الناشئة أن ترث دولة سلاجقة الروم في آسيا الصغرى
وترث ما كانت تملكه ، واستمر الصراع لذلك بينها وبين الإمارات الأخرى حتى أيام الفاتح
حيث تم إخضاع آسيا الصغرى برمتها لسلطانه .
واهتم أورخان بتوطيد أركان دولته وإلى الأعمال الإصلاحية والعمرانية ، ونظم شؤون الإدارة
، وقوى الجيش ، وبنى المساجد، وانشأ المعاهد العلمية ، وأشرف عليها خيرة العلماء
والمعلمين ، وكانوا يحظون بقدر كبير من الاحترام في الدولة ، وكانت كل قرية ا مدارسها
وكل مدينة ا كليتها التي تعلم النحو والتراكيب اللغوية والمنطق وفقه اللغة وعلم الإبداع
اللغوي والبلاغة والهندسة والفلك وبالطبع تحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه والسنة والفقه
والعقائد .
وهكذا أمضى أورخان بعد استيلائه على إمارة قره سي سنة 627 عشرين سنة دون أن يقوم
بأي حروب ، بل قضاها في صقل النظم المدنية والعسكرية التي أوجدا الدولة ، وفي تعزيز
الأمن الداخلي ، وبناء المساجد ورصد الأوقاف عليها ، وإقامة المنشآت العامة الشاسعة ،
مما يشهد بعظمة أورخان وتقواه ، وحكمته وبعد نظره ، فإنه لم يشن الحرب تلو الحرب طمعاً
في التوسع وإنما حرص على تعزيز سلطانه في الأراضي التي يتاح له ضمها. وحرص على طبع
كل أرض جديدة بطابع الدولة المدني والعسكري والتربوي والثقافي وبذلك تصبح جزءاً لا
يتجزأ من أملاكهم، بحيث أصبحت أملاك الدولة في آسيا الصغرى متماثلة ومستقرة. وهذا
يدل على فهم واستيعاب أورخان لسنة التدرج في بناء الدول وإقامة الحضارة وإحياء
الشعوب .
العوامل التي ساعدت السلطان أورخان في تحقيق أهدافه :
1- المرحلية التي سار عليها أورخان ، واستفادته من جهود والده عثمان، ووجود
الإمكانيات المادية والمعنوية التي ساعدم على فتح الأراضي البيزنطية في الأناضول وتدعيم
سلتطهم فيها. ولقد تميزت جهودا أورخان بالخطى الوئيدة والحاسمة في توسيع دولته ومد
حدودها ، ولم ينتبه العالم المسيحي إلى خطورة الدولة العثمانية إلا بعد أن عبروا البحر
واستولوا على غاليبولي .
2- كان العثمانيون – يتميزون – في المواجهة الحربية التي تمت بينهم وبين الشعوب البلقانية
–بوحدة الصف و الهدف، ووحدة المذهب الديني وهو المذهب السني .
3- وصول الدولة البيزنطية إلى حالة من الإعياء الشديد ، وكان اتمع البيزنطي قد أصابه
تفكك سياسي وانحلال ديني واجتماعي ، فسهل على العثمانيين ضم أقاليم هذه الدولة .
4- ضعف الجبهة المسيحية نتيجة لعدم الثقة بين السلطات الحاكمة في الدولة البيزنطية
وبلغاريا وبلاد الصرب وار ، ولذلك تعذر في معظم الأحيان تنسيق الخطط السياسة
والعسكرية للوقوف في جبهة واحدة ضد العثمانيين .
5- الخلاف الديني بين روما والقسطنطينة أي بين الكاثوليك والأرثودكسية الذي
استحكمت حلقاته وترك آثاراً عميقة الجذور في نفوس الفريقين .
6- ظهور النظام العسكري الجديد على أسس عقدية ، ومنهجية تربوية وأهداف ربانية
وأشرف عليه خيرة قادة العثمانيين .
791 ه( – 6)السلطان مراد الأول ( 761 ) :
ولد مراد في عام 726 ، وهو العام الذي تولى فيه والده الحكم ، فكان عمره يوم أصبح
سلطاناً ستاً وثلاثين سنة .
وفي هذه الأثناء أثناء انتقال الحكم من سلطان إلى آخر أخذت الحماسة أمير دولة القرمان
في انقره فاستنهض همم الأمراء المستقلين في آسيا الصغرى لقتال العثمانيين ، وعمل على
تجميعهم ، غير أن هذا الأمير وهو علاء الدين لم ير إلا وجيش مراد الأول يحيط بمدينته أنقره
، ويدخلها فاتحاً ، فاضطر إلى عقد الصلح معه يتنازل فيه عن انقره ، ويعترف السلطان مراد
بالأمير علاء الدين أميراً على بقية أملاك دولة القرمان ، وتزوج مراد الأول ابنة علاء الدين .
وفي عام 762 فتح العثمانيون مدينة ( أدرنة ) ، وقد سلمها القائد الرومي بعد أن يئس من
المقاومة ، فنقل مراد الأول عاصمته إليها؛ ليكون على مقربة من الجهاد في أوروبا ، وليكون
الهجوم على القسطنطينية من جهة الغرب أكثر قوة ، ولاستغلال مناعة استحكاماا الحربية
. . وبقيت هذه المدينة عاصمة للعثمانيين حتى فتحوا القسطنطينية عام 857
كما فتحت مدينة ) فيلبه) قاعدة الرومللي الشرقي ( جنوبي بلغاريا اليوم). وأصبحت
القسطنطينية محاطة بالعثمانيين ، وتقدم إمبراطورها فدفع الجزية طواعية ، وقلبه مليء
بالأحقاد .
وخاف الأمراء الأوربيون الذين أصبح العثمانيون على حدودهم فكتبوا إلى ملوك أوربا الغربية
وإلى البابا يستنجدون م ضد المسلمين ، حتى إمبراطور القسطنطينية ذهب إلى البابا وركع
أمامه وقبل يديه ورجليه ورجاه الدعم رغم الخلاف المذهبي بينهما. فلبى الباب النداء ، وكتب
إلى ملوك أوروبا عامة يطلب منهم الاستعداد للقيام بحرب صليبية جديدة حفاظاً على
النصرانية من التقدم الإسلامي الجديد ، غير أن ملك الصرب (أوروك الخامس) الذي خلف
( اصطفان دوشان ) لم يتوقع هذا الدعم السريع من البابا وملوك أوربا ، لذا فقد استنهض
همة الأمراء ااورين له والذين أصبحوا على مقربة من الخطر على حد زعمهم ، فلبى دعوته
أمراء البوسنة (غربي يوغوسلافيا (والافلاق (جنوبي رومانيا) ، وأعداد من فرسان ار المرتزقة
، وسار الجميع نحو أدرنة حاضرة العثمانيين ، مستغلين انشغال مراد الأول ببعض حروبه في
آسيا الصغرى ، غير أن الجيش العثماني قد أسرع للقاء أعدائه فاصطدم م على ر (
مارتيزا (، فهزمهم هزيمة منكرة ، وولوا الأدبار .
واضطرت بعد ذلك إمارة نصرانية صغيرة على بحر الإدرياتيك على ساحل يوغسلافيا اليوم ،
وهي إمارة (راجوزه) أن ترسل وفداً إلى السلطان ، ويعقد معه صلحاً تدفع الإمارة بموجبه
للدولة العثمانية 500 دوكاً ذهباً لجزية سنوية .
وحاول ملك الصرب الجديد (لازار بلينا نوفتش) وأمير البلغار سيسمان الاتفاق على قتال
العثمانيين ، وقد وجدوا نفسيهما ضعيفين رغم أما لم يخوضا سوى المعارك الجانبية ،
. فاضطرا إلى دفع جزية سنوية ، وتزوج السلطان ابنة أمير البلغار عام 780
ونظمت فرق الخيالة في عهد السلطان مراد الأول ، وهي التي عرفت ب (سيباه) أو السباهية
ويقصد ا الفرسان ، وأصبح لها نظام خاص بحيث يعطى كل فارس جزءاً من الأرض إقطاعاً
له ، ويبقي بيد أصحابه سواء أكانوا من المسلمين أم من النصارى يعملون به ، ويدفعون
خراجاً معيناً لصاحب الإقطاع الذي يسكن وقت السلم في إقطاعه ، ويعدون وقت الحرب
ونفقته ، ويجهز معه جندياً آخر ، وهذا النظام وإن قدم خدمات في بداية الأمر إلا أن هؤلاء
السباهية قد أصبحوا في النهاية أصحاب نفوذ يصعب السيطرة عليهم ، ويختلفون مع
أصحاب الأرض الأصليين وبيدهم القوة فينفذون ما يريدون ، ويتضايق أصحاب الأرض
الأصليين وبيدهم القوة فينفذون ما يريدون ، ويتضايق أصحاب الأرض فينقمون على
السباهية وبالتالي على الحكم ، وتكون الفوضى والفجوة بين الحكم والرعية .
ولم ينس السلطان مراد الأول آسيا الصغرى بل بقي دائب التفكير فيها وفي التخلص من
تلك الإمارات الصغيرة التي تشكل رقعاً محدودة المساحة ، فهو لا يريد أن يأخذها بالقوة
ويشكل نقمة عليه ، ولا يريد أن يتركها تتصارع بينها ، وتجعل مجالاً للتدخل في شؤوا من
قبل الغرباء ، وفي الوقت نفسه لا تنفق وتتوحد لتقوم بغزو القسطنطينية يداً واحدة ، وتجاهد
كقوة واحدة ، ورأى أن يحل مشكلاا تدريجياً مع الزمن ، وقد بدأ بإمارة ( كرميان ) أقرب
الإمارات إلى أملاكه ، فزوج ابنه بايزيد من ابنة أمير كرميان فقدم الأب لابنته مدينة(
كوتاهية ) فضمت إلى الدولة العثمانية ، وفي عام 782 ألزم أمير دويلة الحميد الواقعة بين
إمارات ) قرمان ، وتكه ، ومنتشا) بالتنازل عن أملاكه للدولة العثمانية .
وتأخر الصرب والبلغار في دفع الجزية ويبدو أنه على اتفاق بينهما في هذا التأخير ، فتوجهت
الجيوش العثمانية إلى بلادهم ففتحت بعض البلاد الصربية التي تقع اليوم في جنوبي
يوغوسلافيا ، كما حاصرت عاصمة البلغار ( صوفيا ) وفتحتها عام 784 بعد حصار
استمر ثلاث سنوات ، كما فتحت مدينة( سلانيك ) ، المدينة اليونانية المشهورة والواقعة
على بحر ايجه .
تمرد ساوجي بن السلطان على أبيه بالاتفاق مع ابن إمبراطور القسطنطينية) اندرونيكوس بن
يوحنا باليوج) ، وكان يوحنا قد حرم ابنه هذا من ولاية العهد وأعطاها لابنه الآخر
(عمانويل) ، فأرسل السلطان لابنه جيشاً انتصر عليه وقتله ، كما أرسل إلى الإمبراطور
البيزنطي فقتل ابنه أيضاً .
وقام أمير دويلة القرمان علاء الدين ، وبعض الأمراء المستقلين بحرب الدولة العثمانية فأرسل
لهم جيشاً انتصر عليهم في سهل ( قونية ) ، وأخذ الأمير علاء الدين أسيراً ، غير أن ابنته
زوجة السلطان قد توسطت له فأطلق سراحه ، وأبقى له إمارته ، ولكنه فرض عليه دفع مبلغ
. من المال سنوياً وذلك عام 787
واستغل الصرب انشغال الجيوش العثمانية في الأناضول لقتال علاء الدين أمير القرمان ومن
، معه ، فهاجموا القوات العثمانية في جنوب الصرب وحصلوا على بعض النجاح عام 788
وتأهب أمير البلغار سيسمان للقيام بدوره أيضاً غير أن الجيوش العثمانية قد داهمته واحتلت
بعض أجزاء من بلاده ففر إلى الشمال ، واعتصم في مدينة( نيكوبلي ) القريبة من الحدود
الرومانية ، وجمع فلول جيشه وهاجم ا العثمانيين غير أنه هزم ، ووقع أسيراً ، لكن السلطان
أحسن إليه فأبقاه أميراً على نصف بلاده ، وضم الباقي إلى الدولة العثمانية كي لا يعاود
الهجوم .
ولما علم ملك الصرب لازار ما تم بأمير البلغار انسحب بجيوشه نحو الغرب للانضمام إلى
الألبانيين ومحاربة العثمانيين معه، غير أن الجيوش العثمانية أدركته قبل وصوله إلى مبتغاه ،
والتقت معه عام 791 في معركة وسط سهل (قوص اوه) أي ( إقليم كوسوفو) جنوبي
يوغسلافيا ، وكان القتال سجالاً بين الطرفين إلا أن صهر لازار قد انحاز إلى جانب
المسلمين بفرقته المؤلفة من عشرة آلاف مقاتل ، فازم الصربيون ، ووقع ملكهم لازار أسيراً
بأيدي العثمانيين ، وهو جريح فقتلوه لما فعل من أفاعيل خسيسة بأسراه من المسلمين .
وإذا كانت الصرب قد فقدت استقلالها غير أن السلطان مراد الأول ذهب في المعركة أيضاً ،
وبينما كان يتفقد نتائج المعركة ويتفحص الجثث إذ قام إليه جندي صربي من بين الجثث
وطعنه بخنجر فأرداه قتيلاً ، وقتل الجند العثمانيون القاتل الصربي مباشرة .
لقد ورث مراد الأول عن والده إمارة كبيرة بلغت 95000 كيلومتر مربع ، وعند استشهاده
تسلم ابنه بايزيد هذه الإمارة العثمانية بعد أن بلغت 500000 كيلو متر مربع بمعنى أا
زادت في مدى حوالي 29 سنة أكثر من خمسة أمثال ما تركها له والده أورخان .
للقراءة عن معركة( قوصوه ) أو ( قوص اوه : (
)805- 7)السلطان بايزيد الأول .. الصاعقة ( 791 ) :
ولد عام 687 في السنة التي تولي أبوه فيها الحكم، وهو ثاني أبناء أبيه من حيث السن،
لكن يبدو أنه كان أكثرهم نباهة، وأشجعهم، فنال بذلك الملك ، ولم يخالفه أخوه الأكبر منه
علاء الدين ، ولكنه رضي بذلك ، فقدره أخوه أورخان ، وسلمه الوزارة ، فانصرف علاء
الدين إلى الأمور الداخلية ، وتوجه أورخان إلى الأعمال الخارجية .
نقل أورخان قاعدته إلى بورصة، وضرب العملة الفضية والذهبية، وأسس الجيش (يني تشري)
أي الجيش الجديد من أبناء الأسرى، والصغار الذين يقعون في الأسر ، فيربون في ثكنات
عسكرية تربية إسلامية ويدربون تدريباً عسكرياً ، ويتخرجون لا يعرفون إلا القتال والحياة
العسكرية والإسلام والجهاد في سبيل الله ، ليس روابط قبلية أو عشائرية إذ لا يعرفون إلا
السلطان سيداً لهم ، لذا كانوا قوة كبيرة ساعدت العثمانيين في ضرب خصومهم ، وامتداد
الفتوحات العثمانية ، وكان يمكن أن تبقى كذلك لو بقي السلاطين أقوياء لا يسمحون لهم
بالتدخل في غير ما اختصوا به ، ولا أن يعطوهم أكثر من قدراهم فتتغير طباعهم ، فما
تدخل العسكريون في شؤون الحكم إلا أفسدوه ، ولا تصرفوا في أمور البلاد إلا أضاعوها إلا
من عصم ربك ، وهكذا كان شأم في النهاية إذ غدوا طريق الهزيمة وسبب المفاسد حتى
قضي عليهم عام 1443 في أيام السلطان محمود الثاني .
فتح أزميت، ثم حاصر أزنيق وفتحها ، وعين ابنه الكبير سليمان حاكما عليها ، وأحسن إلى
أهلها ، فسمح بالهجرة إلى من يردها ، وسمح لمن بقي بإقامة شعائر دينه ، وبعد مدة توفي
أخوه علاء الدين فعين مكانه سلمان بن أورخان .
وفي عام 736 توفي حاكم إمارة (قره سي) الواقعة جنوب بحر مرمرة وإلى الشرق من بحرإيجه،
واختلف ولداه فيما بينهما على السلطة، فأسرع أورخان وضمها إلى إمارته كي لا تقع فريسة
بيد الروم .
وفي عام 756 طلب إمبراطور بيزنطة يوحنا الخامس (يوحنا باليوج) من أورخان مساعدته
ضد إمبراطور الصرب اصطفان دوشان الملقب بالقوي الذي تحالف مع البندقية، والإمارات
الصربية للهجوم على القسطنطينية، ووعد بأن يزوجه ابنة الوصي على العرش يوحنا كانتا
كوزين التي تزوج هو أختها الأخرى، أي يصبح عديلاً له، وأرسل له أورخان الجند ، غير أن
اصطفان دوشان قد أدركه الموت ، وتوقف الاستعداد ، وعاد الجنود العثمانيون إلى بلادهم
دون قتال ، وتزوج أورخان ابنة الوصي .
وشعر أورخان بضعف الإمبراطورية البيزنطية بعد أن طلب الإمبراطور منه المساعدة للوقوف
في وجه الصرب ، ورأى أن ينتقل إلى الضفة الغربية من مضيق الدردنيل ليتقدم بعدها في
أوربا ، ويتمكن من الإحاطة بالقسطنطينية ، والهجوم عليها من الغرب فقد عجز المسلمون
من قبل عن فتحها بالهجوم عليها من الشرق ، وإن لم يكن هو فمن يأتي بعده ، فقرر
الجهاد ، وأرسل ابنه الكبير سليمان ، ووزير الدولة الأول لدراسة الغزو والتخطيط له ، وفي
عام 758 اجتاز سليمان مضيق الدردنيل ليلاً مع أربعين رجلاً من أبطاله ، ولما وصلوا إلى
الضفة الغربية استولوا على الزوارق الرومية الراسية هناك ، وعادوا ا إلى الضفة الشرقية ، إذ
لم يكن للعثمانيين أسطول حيث لا تزال دولتهم في بداية تأسيسها ، وفي الضفة الشرقية أمر
سليمان جنوده أن يركبوا في الزوارق حيث نقلهم إلى الشاطئ الأوربي ، حيث احتلوا قلعة
(تزنب) ، وغاليبولي التي فيها قلعة (جنا قلعة (المشهورة ، وابسالا ، ورودستو ، وكلها تقع
على مضيق الدردنيل من الجنوب إلى الشمال حتى تصبح رودستو على بحر مرمرة .
وفي عام 760 توفي ولي العهد سليمان ، نتيجة سقوطه عن جواده ، وأصبح ولي العهد مراد
، وفي العام التالي توفي السلطان أورخان فخلفه ابنه مراد .
سياسة أورخان الداخلية والخارجية :
قد كان مما دف إليه الدولة العثمانية الناشئة أن ترث دولة سلاجقة الروم في آسيا الصغرى
وترث ما كانت تملكه ، واستمر الصراع لذلك بينها وبين الإمارات الأخرى حتى أيام الفاتح
حيث تم إخضاع آسيا الصغرى برمتها لسلطانه .
واهتم أورخان بتوطيد أركان دولته وإلى الأعمال الإصلاحية والعمرانية ، ونظم شؤون الإدارة
، وقوى الجيش ، وبنى المساجد، وانشأ المعاهد العلمية ، وأشرف عليها خيرة العلماء
والمعلمين ، وكانوا يحظون بقدر كبير من الاحترام في الدولة ، وكانت كل قرية ا مدارسها
وكل مدينة ا كليتها التي تعلم النحو والتراكيب اللغوية والمنطق وفقه اللغة وعلم الإبداع
اللغوي والبلاغة والهندسة والفلك وبالطبع تحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه والسنة والفقه
والعقائد .
وهكذا أمضى أورخان بعد استيلائه على إمارة قره سي سنة 627 عشرين سنة دون أن يقوم
بأي حروب ، بل قضاها في صقل النظم المدنية والعسكرية التي أوجدا الدولة ، وفي تعزيز
الأمن الداخلي ، وبناء المساجد ورصد الأوقاف عليها ، وإقامة المنشآت العامة الشاسعة ،
مما يشهد بعظمة أورخان وتقواه ، وحكمته وبعد نظره ، فإنه لم يشن الحرب تلو الحرب طمعاً
في التوسع وإنما حرص على تعزيز سلطانه في الأراضي التي يتاح له ضمها. وحرص على طبع
كل أرض جديدة بطابع الدولة المدني والعسكري والتربوي والثقافي وبذلك تصبح جزءاً لا
يتجزأ من أملاكهم، بحيث أصبحت أملاك الدولة في آسيا الصغرى متماثلة ومستقرة. وهذا
يدل على فهم واستيعاب أورخان لسنة التدرج في بناء الدول وإقامة الحضارة وإحياء
الشعوب .
العوامل التي ساعدت السلطان أورخان في تحقيق أهدافه :
1- المرحلية التي سار عليها أورخان ، واستفادته من جهود والده عثمان، ووجود
الإمكانيات المادية والمعنوية التي ساعدم على فتح الأراضي البيزنطية في الأناضول وتدعيم
سلتطهم فيها. ولقد تميزت جهودا أورخان بالخطى الوئيدة والحاسمة في توسيع دولته ومد
حدودها ، ولم ينتبه العالم المسيحي إلى خطورة الدولة العثمانية إلا بعد أن عبروا البحر
واستولوا على غاليبولي .
2- كان العثمانيون – يتميزون – في المواجهة الحربية التي تمت بينهم وبين الشعوب البلقانية
–بوحدة الصف و الهدف، ووحدة المذهب الديني وهو المذهب السني .
3- وصول الدولة البيزنطية إلى حالة من الإعياء الشديد ، وكان اتمع البيزنطي قد أصابه
تفكك سياسي وانحلال ديني واجتماعي ، فسهل على العثمانيين ضم أقاليم هذه الدولة .
4- ضعف الجبهة المسيحية نتيجة لعدم الثقة بين السلطات الحاكمة في الدولة البيزنطية
وبلغاريا وبلاد الصرب وار ، ولذلك تعذر في معظم الأحيان تنسيق الخطط السياسة
والعسكرية للوقوف في جبهة واحدة ضد العثمانيين .
5- الخلاف الديني بين روما والقسطنطينة أي بين الكاثوليك والأرثودكسية الذي
استحكمت حلقاته وترك آثاراً عميقة الجذور في نفوس الفريقين .
6- ظهور النظام العسكري الجديد على أسس عقدية ، ومنهجية تربوية وأهداف ربانية
وأشرف عليه خيرة قادة العثمانيين .
1574 ه( – 8)مراد الثالث ( 982 ) :
السلطان مراد الثالث
تولى العرش بعد وفاة والده ، اهتم بفنون العلم والأدب والشعر ، وكان يتقن اللغات الثلاثة
التركية والعربية والفارسية ، وكان يميل إلى علم التصوف .
اشتهر بالتقوى واهتم بالعلماء ، وكان يميل لاقتناء الجواري ويشاوروهن وكانت من بينهن
جارية بندقية الأصل سباها فدائيو البحر وبيعت في السراي وسميت صفية تدخلت كثيراً في
السياسة الخارجية وساعدت أبناء أصلها .
وفي عهده بلغت مساحة الدولة العثمانية الأوج وهي 19.902.000 كم ، صرف للجنود
عطايا الجلوس ومقدارها ( 110.000 ) ليرة ذهبية، فمنع الاضطرابات التي كانت تحدث
عادة إذا تأخر صرف تلك الهبات .
أولاً : منعه للخمور
وكان من أول أعماله أن أصدر أمراً بمنع شرب الخمور بعد ما شاعت بين الناس وأفرط فيها
الجنود خصوصاً الانكشارية ، فثار الانكشاريون واضطروه لرفع أمره بالمنع ، وهذا يدل على
ظهور علامات ضعف الدولة بحيث السلطان لا يستطيع منع الخمور وإقامة أحكام الشرع
عليهم ، وكذلك يدل على انحراف الانكشارية عن خطها الإسلامي الأصيل من التربية
الرفيعة ، وحبها للجهاد وشوقها للشهادة .
ثانياً : وضع الحماية على بولونيا وتجديد الامتيازات :
عمل السلطان مراد الثالث على تنفيذ السياسة التي انتهجها والده من قبل ، ففي عهده قام
بعدة حروب في أماكن مختلفة ففي عام ( 982 ه / 1574 م) هرب ملك بولونيا هنري دي
فالوا وذهب إلى فرنسا ، فأوصى الخليفة العثماني أعيان بولونيا بانتخاب أمير ترانسلفانيا
ملكاً عليهم ، ففعلوا ، وصارت بولونيا (بولندا) فعلاً تحت حماية العثمانيين عام ( 983 ه /
1575 م) واعترفت النمسا بذلك في معاهدة الصلح التي أبرمتها مع الدولة العثمانية عام
984 )ه / 1576 م) فاستنجدت بالسلطان العثماني فأعلن حمايتها بمعاهدة رسمية ، وجدد
السلطان مراد الامتيازات مع فرنسا والبندقية وزاد بعض الامتيازات القنصلية والتجارية مع
زيادة بعض البنود في صالحهما أهمها أن يكون سفير فرنسا مقدماً على كافة سفراء الدول
الأخرى في الاحتفالات الرسمية والمقابلات الحكومية ، لقد كثر توارد السفراء على الباب
العالي للسعي في إبرام معاهدات تجارية أصبحت ذريعة فيما بعد للتدخل الفعلي في شئون
الدولة ، وفي زمن السلطان مراد تحصلت إيزابلا ملكة الانجليز على امتياز خصوصي لتجار
بلادها وأصبحت السفن الانجليزية تحمل العلم البريطاني وتدخل الشواطئ والموانئ العثمانية .
ثالثاً : القضاء على ثورة مراكش :
وفي عام 985 حدث في مراكش ثورة ، واستعان زعيمها بالبرتغاليين النصارى، واستنجد
السلطان بالخليفة فأنجده، وأرسلت قوة من طرابلس اشتبكت مع البرتغاليين في معركة القصر
الكبير جنوب طنجة انتصر فيها العثمانيون وحلفاؤهم على البرتغاليين وأنصارهم، وأعيد
السلطان الشرعي إلى حكمه .
رابعاً : الصراع مع الشيعة الصفوية :
وفي عام 985 ) ه / 1577 م) ونتيجة لحدوث اضطرابات في بلاد فارس بعد وفاة طهماسب
، أرسل العثمانيون حملة عسكرية ، تمكنت من قطع مفازات شاسعة في بلاد القوقاز وفتحت
مدينة تفليس وكرجستان (الكرج) ودخل العثمانيون بعدها تبريز عام ( 993 ه / 1585 م)
وتمكنت فيها جيوش مراد من السيطرة على أذربيجان والكرج (جورجيا) وشيروان ولوزستان ،
فلما تولى الشاه عباس الكبير حكم فارس سعى إلى إقامة صلح مع العثمانيين ، تنازل
بمقتضاه عن تلك الأماكن التي أصبحت بيد العثمانيين كما تعهد بعدم سب الخلفاء
الراشدين – أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم – في أرض مملكته وبعث بابن عم له
يدعى حيدر ميزرا رهينة إلى استنبول لضمان تنفيذ ما اتفقا عليه .
خامساً : تمرد وعصيان على أيدي الانكشارية :
قام الإنكشاريون بتمرد وعصيان في الولايات العثمانية بعد توقف الحروب ، في استانبول
والقاهرة وتبريز وبودا وقتلوا الولاة ، وكان السلطان قد كلفهم بحرب ار غير أم هزموا أمام
النمسا التي ساندت ار ، واحتلت عدة قلاع حصينة استردها سنان باشا بعد ذلك ، كما
أعلن أمراء الأفلاق والبغدان وترانسلفانيا التمرد وانضموا إلى النمسا في حرا مع العثمانيين ،
فسار إليهم سنان باشا عام 1003 ه / 1594 غير أنه لم يحرز النصر وخسر عدة مدن .
سادساً : مقتل الصدر الأعظم صوقللي محمد باشا :
قتل الصدر الأعظم نتيجة لدسائس حاشية السلطان المتأثرة بدسائس الأجانب الذين لا
يروق لهم وجود مثل هذا الوزير القدير ، الذي سار على منهج الاستقامة ، وطريق الحكمة ،
وبناء الدولة ، وحسن القيادة ودقة التخطيط ، وضبط الإدارة ، ومتابعة الولاة ، واستغلال
الفرص ، فكان موته ضربة شديدة ومحنة عظيمة وفتح باب للشر في تنصيب وعزل الصدور
العظام والتنافس عليه مما أضعف قوة السلطنة ، وارتبكت أحوال البلاد ، وتمردت بعض فرق
الجيش ، ولم تتمكن الحكومة من القضاء على هذا التمرد ، ونتيجة لهذه الاضطرابات
والثورات الداخلية خرجت بولونيا عن الدولة العثمانية واشتبكت في صراع معهما .
سابعاً : اليهود والسلطان مراد الثالث :
ظن اليهود أن الفرصة سانحة لهم لتحقيق حلم روادهم طويلاً ، فنزحوا في هجرات متقطعة
ومتقاربة إلى (سيناء) لاستيطاا ، وكانت خطتهم تقوم في المراحل الأولى على تركيز إقامتهم
في مدينة الطور ، وكان اختيارهم لهذه المدينة اختياراً هادفاً ، فهذه المدينة وهي تقع على
الشاطئ الشرقي لخليج السويس لها ميناء يصلح لرسو السفن التجارية ، وكان تأتيه سفن من
جدة ، وينبع وسواكن ، والعقبة ، والقلزم ، كما كانت المدينة تربط برأً بخط قوافل مع القاهرة
و الفرما .
وبذلك كان يسهل على اليهود إيجاد اتصالات خارجية فلا يصبحون في عزلة عن العالم بل
تستطيع السفن أن ترسو في ميناء الطور تحمل أفواجاً من اليهود الجدد .
وقد تزعم حركة التهجير رجل يهودي اسمه (إبراهام) استوطن) الطور) مع أولاده وسائر أفراد
أسرته ، ولما أقام اليهود بالطور تعرضوا بالأذى لرهبان (ديرسانت كاترين) مما دفعهم إلى
إرسال شكاوى مكتوبة إلى سلاطين الدولة العثمانية وولاا يشتكون من إيذاء اليهود لهم
مذكرين بعهد العثمانيين لحمايتهم ، ومنع اليهود استيطان (سيناء) ومحذرين من نزوح اليهود
إلى سيناء وخاصة مدينة الطور في جماعات كثيرة بقصد إيقاع الفتن .
ولما كانت الدولة الإسلامية مسئولة بحكم الشرع عن حماية أهل الذمة ، فقد سارع على
الفور المسؤولون العثمانيون إلى إصدار ثلاثة فرمانات ديوانية في عهد السلطان (مراد الثالث)
فأمروا بإخراج إبراهام اليهودي وزوجته وأولاده وسائر اليهود من سيناء ومنعهم في قابل الأيام
منعاً باتاً من العودة إليها بما فيها مدينة الطور والإقامة ا أو السكنى .
ثامناً : وفاة السلطان مراد الثالث :
توفى السلطان مراد الثالث في 1300 ه الموافق 16 كانون الثاني 1595 عن عمر يناهز 49
عاماً ، ودفن رحمه الله في فناء أيا صوفيا .
9)عصور الخلافة العثمانية ) :
مرت الخلافة العثمانية بأربعة أدوار هي على التوالي : عصر القوة ، وعصر الضعف ، وعصر
الانحطاط والتراجع ، وعصر حكم الاتحاديين .
أولاً : عصر القوة :
اختلف عهد الخلافة العثمانية عن عهد السلطنة إذ بدأ الاهتمام بالأمة المسلمة ، والعمل
على توحيدها ، ثم الوقوف أمام الصليبية صفاً واحداً ، وقد عمل الخلفاء على هذا حتى
ضعف أمرهم فأصبح تفكيرهم ينحصر بالمحافظة على ما تحت أيديهم ، حتى إذا زاد الضعف
بدأت الدول النصرانية تقتطع من الدولة جزءاً بعد آخر حتى أت عليها ، واصطنعت
لنفسها أعواناً بين المسلمين ، حتى قضت على الخلافة الإسلامية ائياً ، وتشتت أمر
المسلمين ، وانقسموا فرقاً وشيعاً وعصبية .
لذا فقد توالى على الخلافة العثمانية أربعة عصور كان أولها عصر القوة ، وتعاقب عليه
926 ) ، وابنه سليمان الأول ) القانوني ) ( – خليفتان فقط هما : سليم الأول ( 923
974 ) ، ولم يطل عصر القوة ؛ إذ لم يزد كثيراً عن النصف قرن . -926
ثانياً : عصر الضعف :
ثم جاء عصر الضعف بعدهما مباشرة ، وبدأ الخط البياني للخلافة العثمانية بالهبوط باستمرار
، وإن كان يتوقف عن الهبوط ، ويسير مستوياً في بعض المراح للقوة بعض الخلفاء النسبية أو
لهمة حاشيتهم وخاصة الصدر الأعظم ، وتولى في هذه المرحلة خمسة عشر خليفة ، ويعد
أكثرهم مغموراً ، إلا من حدثت في أيامه أحداث جسام فسلطت الأضواء عله وعرف
بسببها ، وأولهم هو سليم الثاني ، وتعود معرفته لتوليه الحكم بعد أبيه الذي طارت شهرته
،وبصفته أول الخلفاء الضعفاء ، وقد توقف الخط البياني عن الارتفاع ثم هبط فجأة وبدأت
الدولة تتراجع عن أجزاء من أملاكها تدريجياً حتى لم يبق لها إلا القليل ثم اارت .
( 1327 – وإذا كانت هذه المرحلة قد طالت إذ زادت على ثلاثة قرون ونصف ( 974
فذلك يعود لهيبة الدولة السابقة ،واتساع رقعتها ، والعاطفة الإسلامية الباقية نسبياً ،
واختلاف الدول الأوروبية فيما بينها على التقسيم ،وقيام بعض الخلفاء الأقوياء نسبيا ،
وخلفاء هذه المرحلة هم :
) . 982 – 1- سليم الثاني ( 974
( 982- 2- مراد الثالث . ( 1003
) . 1012 – 3- محمد الثالث ( 1003
– 1026 ) . 4- أحمد الأول ( 1012
) . 1032 – 1027 ) و ( 1031 – 5- مصطفى الأول ( 1026
) . 1031 – 6- عثمان الثاني ( 1027
) . 1049 – 7- مراد الرابع ( 1032
) . 1058 – 8- إبراهيم الأول ( 1049
) . 1099 – 9محمد الرابع ( 1058 –
) . 1102 – 10- سليمان الثاني ( 1099
) . 1106 – 11- أحمد الثاني ( 1102
) . 1115 – 12 مصطفى الثاني ( 1106 –
) . 1143 – 13- أحمد الثالث ( 1115
) . 1168 – 14- محمود الأول ( 1143
) . 1171 – 15- عثمان الثالث ( 1168
ثالثاً : عصر الانحطاط والتراجع :
وبدأ هذا العصر بعد الضعف الكبير الذي آلت إليه الدولة العثمانية ، وبعد النهضة التي تمت
في الدول الأوروبية ، وبعد اتفاق الدول النصرانية كلها مع خلافها بعضها مع بعض على
الدولة العثمانية والتفاهم على حرا وتقسيمها ، تحركها في ذلك الروح الصليبية ، وقد عرف
هذا الاتفاق ضد المسلمين في الكتب الأوروبية باسم المسألة الشرقية أي مشكلة الدول
الواقعة في الشرق من أوروبا .
وكانت مدة الخلفاء طويلة نسبياً ، وقد توالى من الخلفاء في هذا العصر الممتد من عام (
1327 ) أي أكثر من قرن ونصف تسعة خلفاء هم : – 1171
) . 1187 – 1- مصطفى الثالث ( 1171
) . 1203 – 2- عبد الحميد الأول ( 1187
) . 1222 – 3- سليم الثالث ( 1203
) . 1223 – 4- مصطفى الرابع ( 1222
) . 1255 – 5- محمود الثاني ( 1223
) . 1277 – 6- عبد ايد ( 1255
( 1277 – 7- عبد العزيز . ( 1293
) . 1293 – 8- مراد الخامس ( 1293
( 1293 – 9- عبد الحميد الثاني . ( 1328
رابعاً : عصر حكم الاتحاديين :
بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني أصبح كل شيء في الخلافة بيد الاتحاديين ، أما الخليفة
فكان صورة ، غير أن الأمر لم يطل إذ لم يتعاقب على الخلافة سوى ثلاثة خلفاء، وكانت
الدولة قد اشتركت في الحرب العالمية الأولى بجانب ألمانيا ، فهزمت وتجزأت ، وغادر البلاد
رجال الاتحاد البارزين أو الذين كانت بيدهم الأوامر والنواهي ، وجاء إلى الحكم من جديد
مصطفى كمال الذي كان منصرفاً إلى شهواته وبناء مجده فألغى الخلافة حسب دور مخطط له
، وزالت الخلافة الإسلامية التي دامت أكثر من أربعة قرون ،وبزوالها لم يعد للمسلمين
خلافة فانقسمت بلادهم ، وظهرت النعرات القومية ، وتصارع بعضها مع بعض حتى وهن
أمر المسلمين .
أما الخلفاء الذين تعاقبوا أيام حكم الاتحاديين فهم :
) . 1337 – 1- محمد رشاد ( محمد الخامس ) ( 1328
) . 1340 – 2- محمد السادس ) وحيد الدين ) ( 1337
) .1324 – 3- عبد ايد الثاني ( 1340

merciiiiiiiiiii

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.