التصنيفات
لغــة وأدب عربي

بحث حول المدرسة البنوية لدوسوسير

مقدمة.

المدرسة اللسانية أو اللغوية هي مجموعة من المفاهيم يتبناها طائفة من اللغويين، وتجمعهم وجهة نظر واحدة ، ومنهج واحد في معالجة الظواهر اللغوية ، مهما اختلفت أوطانهم وجنسياتهم. فهم مجموعة من المهتمين تجمعهم وحدة فكرية ومنهجية في التعامل مع الظواهر اللغوية.

فأبناء المدرسة اللسانية الواحدة يلتفون ويتفقون حول أصول واحدة ، فيرسمون لأنفسهم منهجاً واحداً في دراسة أصول علم اللغة، و يطبقونه ويعملون على تطويره والدفاع عنه، مع بقاء هذه المدرسة مدة من الزمن. فهي نظرية أو إطار فكري عام معين يٌتخذ لمعالجة البحث اللغويّ. فلا تعد المدرسة مدرسة إلا إذا حددت رؤى و أهدافا ثابتة ، واتخذت لنفسها أصولا وأسسا مخصوصة ، ورسمت منهجا واضحا تسير عليه في معالجة المسائل والقضايا.

مفهوم البنيوية.

البنيوية اللغوية- في أساس مفهومها وأبسط صورة وأوجزها لهذا المفهوم – هي: منهج عام يأخذ اللغة على أنها (بناء) أو (هيكل)، أشبه شيء بالهيكل الهندسي المتشابكة وحداته ذات الاستقلال الداخلي، والتي تتحد قيمها بالعلاقات الداخلية بينها، وذلك بمعزل عن أية عناصر خارجية، كصاحب النص المنطوق أوالمكتوب، والسياق الخارجي أو غير اللغوي ؛ إذ إن هذين العنصرين ليسا من اختصاص علم اللغة في نظر البنيويين0

ومعنى ذلك أنّ تحليل أي نص لغوي يعتمد على نظرتين : هما استقلاليته عن أية ملابسات أو ظروف خارجية ، والثانية تشابك وحداته وترابطها فيما بينها داخليا. (1)

وهكذا ، فان البنيوية اللغوية: نظرية علمية تقوم على سيطرة النظام اللغوي على عناصره، وتحرص على الطابع العضوي لشتى التغيرات التي تخضع لها اللغة. (2)

ولادة البنيوية.

يعد القاضي ( جامبا نستافيكو) عام 1725م في كتابه (العلم الجديد) هو حامل فكرة البنيوية أو جرثومة البنيوية ؛ فهو يرى أنّ المجتمعات جلها هي التي تخلق نفسها أو ذاتها، بمعنى أنّ الشيء الواحد لا مكان له في الحياة إلا إذا وجد في مجموعة، وهذه المجموعات تشكل معا المجتمعات وليس المفردات. ثمّ نضجت فكرة البنيوية عند دي سوسير وتكاملت على يد براغ وبلومفيلد كما سيظهر لاحقا.

العوامل التي ساهمت في ظهور البنيوية :

لكل علم عوامله التي تساعد على ظهوره و نهوضه، ولظهور البنيوية العوامل الآتية::

العامل الأول: جاء كرد فعل على المنهج الذري الذي كان سائدا في بريطانيا بشكل خاصة وفي أوروبا بشكل عام. ( و المنهج الذري هو المنهج الذي ينظر إلى الأشياء كلها على أنها تراكمات أو تكتلات لعناصر مستقلة ). فاللغة على سبيل المثال هي ولادة تراكم وتجمع لعناصرها أو مستوياتها.

ومعنى ذلك أنّ البنيوية ترى أن معنى الجملة سابق لمعنى الكلمة، فليس للكلمة معنى أو قيمة وهي مستقلة إلا من خلال علاقاتها بغيرها أو وجودها في سياق. فمن خلال الجملة نفهم معنى الكلمة ويصبح لها قيمة و معنى.

أما العامل الثاني فجاء نتيجة التطور والتفكير والإدراك الذي حصل في العلوم الطبيعية ثم في العلوم الإنسانية. فلقد اقترن التيار البنيوي بأسلوب البحث في مختلف المعارف فلكل علم مادة، ولكل مادة بنية، ويكفي أن يحدد الباحث المتخصص هدفه في استكشاف خصائص بنية تلك المادة حتى يطلق على نفسه أو يطلق عليه الآخرون صفة الباحث البنيويّ، بل إنّ منهج البحث في حقل من المعارف إذا ارتسم لنفسه غاية الكشف عن العلاقات التي تنتظم بها الأجزاء ليتألف منها البناء الكلي ، تحتم إدراجه في فلك البنيوية0وهذا هو الذي سوّغ اكتساح موجة التيار البنيوي للعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية.(3) ، فكل علم من العلوم لا بد من أن يكون بنيويا .وعلم اللغة كأحد هذه العلوم يسعى إلى استخلاص طابعه النسقي من خلال العلاقات القائمة بين عناصره ووحداته ، بمقتضى رابطة تماسك وتوقف.

ومما هيأ للمهنج البنيوي هذه السلطة العامل الثالث وهو ما وُفِّر للبنيوية من وسائل عملية عند استنطاق الظاهرة يجمع بين البساطة الظاهرة و الدقة المستترة . ومدار ذلك هو العملية المزدوجة التي تتراوح بين التفكيك والتركيب : تفكيك الأجزاء المكونة لمادة البحث ثم إعادة تركيبها بشكل يختلف عن الصورة التي جاءت عليها . على أن عملية إعادة التركيب ليست واحدة بالضرورة وإنما يمكن إن تتعدد وتتنوع فتفضي إلى هندسات معمارية جديدة للواقع المدروس .

والعامل الرابع الذي هيأ للبنيوية هذه الريادة المنهجية الموضوعية في الدرس فهو يتجاوز السبل الذاتية ومسالك الارتسام الوجداني بل وتتخطى كل التباس انطباعي ، أو تقويم معياري.

لهذه الحيثيات جميعا غدت البنيوية كالناطق الفريد باسم المنهج العلمي بين أترابها من المناهج الأخرى.(4) ، ولعله ليس بعيدا عن الصواب القول: إنّ أول ما بوأ البنيوية هذه المنزلة أن مضمون أي علم من العلوم إن هو إلا نسيج من الدوال هي بمثابة العلامات أو الإشارات على مدلولات ومجموع القرائن الرابطة بين هذه وتلك يمثل بنية ذلك العلم . ولئن عولت البنيوية في كل ذلك على ما تم اشتقاقه من الظاهرة اللغوية في أول الأمر، فان الجدل الذي استمر حول علاقة اللسانيات بعلم العلامات أو الإشارات أيهما الأصل وأيهما الفرع قد جعلها تتسلل بين شقي الخلاف لتنفرد بطرافة هذا البديل العلامي الموحد بين مسالك الاستقراء العلمي .

وعليه، فقيمة الشيء _ من وجهة نظر البنيوية _ ليس بذاته بل بعلاقاته بغيره؛ فلو لم يكن الأمر كذلك لما اختلفت وجهات النظر في النص الواحد، وكانت النتيجة واحدة، في حين نجد للنص الواحد مجموعة نصوص تتشكل فيخرج لكل شخص نص مستقل مختلف عن غيره، وهذا دليل على أن الشيء ليس له قيمة بذاته بل قيمته بالعلاقات مع غيره: فالسمة الأساسية للبنيوية هو: الاهتمام بالعلاقات القائمة بين الأشياء والتي تبين من خلالها قيمة الشيء،، وعدم الاعتراف بالفردية والاستقلالية.

دور دي سوسير في ظهور المدرسة البنيوية.

لما كان فاردينان دي سوسير (1875-1913) يلقي محاضراته في العلوم اللغوية على منابر جامعة جنيف بين سنة 1906 وسنة 1913 ، ما كان يظن أنه كان يرسي قواعد منهج معرفي ستتجاوز آثاره سياج العلم اللغوي فيكتسح علوم الإنسان غازياً إياها غزو المنتصرين بلا عناء كبير (5). وعلى الرغم من أن أهم أعمال “أستاذ اللغويات الكبير بجامعة جنيف” لم تنشر إلا بعد وفاته ، إذ قام بنشر محاضراته في علم اللغة بعض تلامذته( تشارلز وألبرت) عام 1916 ، بل وعلى الرغم من أن دي سوسير نفسه لم يستخدم كلمة “بنية” ، وإنما استخدم كلمة “نسق” أو “نظام” ، إلا أن الفضل الأكبر في ظهور المنهج البنيوي في دراسة الظاهرة اللغوية يرجع إليه هو أولاً وبالذات (6).

ولقد سيطرت أفكار هذا الأستاذ الكبير ممثلة بالمدرسة البنيوية التي أنشأ صرحها ، على البحث اللغوي في الأربعينيات من هذا القرن سيطرة بالغة ، حتى إنها جمعت حولها نفراً غير قليل من الدارسين في جميع أنحاء العالم ، وزحزحت المناهج اللغوية من مواقعها، وحاولت أن تحتل مكانها جميعا، وانتقل تأثيرها من الدرس اللغوي الصرف إلى ميدان الأدب ونقده، لدرجة أنها صارت الشغل الشاغل للأدباء والنقاد حتى أوائل السبعينيات (7)0

بلغت الدراسات اللغوية الحديثة والمعاصرة درجة من الدقة والضبط والموضوعية والشمول ما أتاح لها أن تتبوأ مكانا مرموقا بين فروع المعرفة الانسانية0بل لقد أخذت هذه الدراسات زمام المبادرة في هدم الأسوار التي أقيمت بلا مبرر علمي واضح بين العلوم الإنسانية ،وهو ما عبر عنه بصدق “ليفي شتراوس” عالم الأنثروبولوجيا حين قال: إننا نجند أنفسنا إزاء علماء اللغة في وضع حرج 0فطوال سنوات متعددة كنا معهم جنبا إلى جنب وفجأة يبدو لنا أن اللغويين لم يعودوا معنا وإنما انتقلوا إلى الجانب الأخر من ذلك الحاجز الذي يفصل العلوم الطبيعية الدقيقة عن العلوم الإنسانية، والاجتماعية، والذي ظل الناس يعتقدون طويلا باستحالة عبوره.

وهكذا أحذ اللغويون يستغلون بتلك الطريقة المنضبطة التي تعودنا أن نعترف باستسلام أنها وقف على العلوم الطبيعية وحدها0(8)

لقد كان دي سوسير الرائد في كثير من الأفكار اللغوية ، ومن أهم أفكاره النظرة “البنيوية” إلى اللغة 0وهذه النظرة لم تكن مستقلة عن أفكاره الأخرى، وبالأخص منها فكرتان، هما: “السنكرونية” أو (الو صفية) في مقابل “الديكرونية” أو (التاريخية). وثنائيته المشهورة “اللغة و الكلام” وتفريقه الحاد بينهما0 فهذه الأفكار الثلاثة مترابطة متكاملة ، لا انفصام لها وليس من السهل أن يعزل واحد منها عن الآخر في نظر سوسير على الأقل.(9)

المدرسة البنيوية:

تعد أفكار دي سوسير منطلقا لكل المدارس اللسانية الحديثة ما بين مؤيد ومعارض وثورة على المنهج التاريخي المقارن ، فكانت أفكاره فاتحة عهد جديد في مضمار “العلوم اللسانية” بصفة خاصة _ لأنها المحاولة الأول التي تصاغ فيها المفاهيم اللسانية الحديثة صياغة منهجية _ و”العلوم الإنسانية “بصفة عامة ، لذلك فجل المدارس اللسانية الحديثة وصفية المنطلق ؛ لأنها قامت على أفكار سوسير ، ثمّ تلونت بوجهات نظر خاصة منحها صبغة معينة . ومن أهم أفكاره النظرة البنيوية للغة ، فاللسان _ أي اللغة _ يمثل النظام المجرد للعلاقات البنيوية الذاتية المتأصلة في اللغة ، وهي علاقات يشترك فيها كل أعضاء الجماعة اللغوية ،في حين يمثل الكلام فعل الكلام الفردي والذي لا يمكن أن يتكرر على نحو متماثل أبدا ،ولأن اللغة من وجهة نظر سوسير تؤلف نظاما بنيويا متماسكا ؛ فإنّ أي مقاربة للغة مكرسة لتفسير عمل هذا النظام الداخلي أصبحت تعرف بأنها “اللسانيات البنيوية” أو”المدرسة البنيوية”(10)

والمنهج البنيوي يقوم على مفهومين اثنين – هما أساس المنهج الوصفي – : الوصف والتصنيف. وهذا المنهج قد أبعد عن طريقه النظر في أوليات اللغة المدروسة وتأريخها وتطورها ، ونظر إليها على أنها شكل أو بناء ثابت آني غير متغير . فوصف لذلك بأنه صوري شكلي ؛ لأنه ينظر إلى الصور اللفظية المختلفة داخل أية لغة ثمّ يصف العلاقات القائمة بين كلماتها في تراكيبها وصفا موضعيا ، ثم يقوم بتصنيف النتائج تصنيفا دقيقا مميزا بين المؤلفات التي تتكون فيها التراكيب .

فالمنهج البنيوي يلتزم بمفهوم (التزامنية) وهي: دراسة لغة محددة في لحظة معينة دون النظر في المراحل التاريخية ، فيدرس اللغة كما هي ومحاكمتها بقوانينها –لا بقوانين غيرها – دون تقعيد لغرض الدراسة نفسها، بشكل موضوعي بغية الكشف عن حقيقتها.(11) فاللغة بالنسبة للسانيات البنيوية هي البداية والنهاية ، أو الوسيلة والغاية ، لذلك وصف علم اللغة بأنه علم انعكاسي أو انطوائي يدرس نفسه بنفسه.

البنيوية في أوروبا:

دي سوسير هو واضع حجر الأساس للسانيات البنيوية كما تبين مما سبق، وبوصفة ممثل الأوروبيين يعول عليه في دراسة البنيوية في أوروبا ، فما هي بنيويته ومن هم أتباعه؟(12)

فكرة البنيوية عند سوسير فكرة بسيطة تتلخص في نظرتة إلى اللغة بوصفها نظاما أو هيكلا

مستقلا عن صانعه أو الظروف الخارجية التي تحيط به. وينظر إلى هذا الهيكل من داخله من خلال مجموعة وحداته المكونة له بوصفها تمثل كلا قائما بذاته. فاللغة هي شبكة واسعة من التراكيب والنظم . وهي أشبة شيء برقعة الشطرنج التي لا تتحدد قيم قطعها بمادتها المصنوعة منها وإنما بمواقعها والعلاقات الداخلية بينها في هذة الرقعة . فكما إن كل قطعة منها تتحد قيمتها وترتبط بموقعها على هذه الرقعة، كذلك تتحد قيمة كل تركيب أو قيمة كل وحدة في التركيب بالنظر إلى هذة التراكيب، وتلك الوحدات.

إذن، فنظرة سوسير إلى اللغة نظرة تجريدية تعنى بنظام البنية العميقة لا بالبنية السطحية التي تتمثل في المادة الكلامية الواقعية . وأنّ دراسة العلاقات ذات القيم الفارقة بين التراكيب أو الوحدات تتم من جانبين :

1- الجانب الأفقي : ( السنتجماتيكي ) ويعنى بتعيين طرائق تكوين العناصر اللغوية – كلمات أو لواصق – إلى عناصر أكبر وأكثر تعقيدا أو جمل وعبارات وتراكيب ، وبيان العلاقات بين هذة العناصر. وهنا يكون التركيز على خواص التركيب من حيث موقعية عنا صره المكونة له ونوع الارتباط الواقع بينهما؛آخذين في الحسبان أن قيمة كل عنصر إنما يتضح بنوع علاقته بصاحبه من العناصر الأخرى في ذات التركيب.

2-الجانب الرأسي : ( البراديجماتيكي ) ويعنى بالعلاقات بين العناصر اللغوية في النظام اللغوي أو في الجدول الصرفي الذي يمد التراكيب بالوحدات المكونة له|، ، فهذا الجانب يركز على بمبدأ جدولت العلاقات واستبدالها. ولتوضيح ذلك نقف عند هذا المثال:

مثال : الجملة:محمد يدرس.

فالعلاقة بين (محمد) و (يدرس) علاقة سنتماتيكية وهي علاقة المبتدأ بالخبر وهي هنا علاقة وظيفية ، وهناك علاقة شكلية سنتماتيكية بين هذين العنصرين ، وهي التتابع الأفقي في التركيب ، وكل عنصر منهما في الوقت نفسه ذو علاقة براديجماتيكية بعناصر أخرى في النظام اللغوي أو الجدول الصرفي لم تقع في هذه الجملة ، وإن كانت صالحة في الوقوع مواقعها في تراكيب أخرى .فـ “محمد” ذو علاقة رأسية ، أي جزء من الجدول الصرفي الذي تنتمي إلية عناصر محددة مثل : هو، وصديقي ، والرجل، وهذا….. الخ . من كل تلك العناصر الاسمية التي تصلح مبتدأ في اللغة العربية ، و” يدرس ” جزء من الجدول الصرفي الذي تنتمي إليه عناصر صالحة للوقوع خيرا في اللغة العربية، نحو: يزرع ، يحصد ، قائم … إلخ.

فالقيمة اللغوية عند سوسير ، أي ( المعنى) إنما تحدده وتعينه مجموعة العلاقات بين الكلم ، ولا يمكن فهمه أو الوصول إليه إلا في ضوء هذه العلاقات ، فالعلاقة متبادلة بين الدال والمدلول ، تجعل كل واحد يستدعي الآخر.

وبهذا المنهج استطاع سوسير إن يستغني عن التقسيم التقليدي للنظام اللغوي، وهو : الدلالة والنحو والصرف الأصوات ، حيث يمكن وضع هذه المستويات أو الجوانب اللغوية في إطار الاتجاهين الآتيين: الاتجاه الرأسي والاتجاه الأفقي . فالنظام اللغوي إن هو إلا نظام للجداول الصرفية التي يقوم كل عنصر في داخلها بتحديد وتعيين العناصر الأخرى ، وفي الوقت نفسه يتوقف دخول أي عنصر من هذه العناصر في التتابع الأفقي على الجدول التصريفي المعين أو الجنس الصرفي للعنصر أهو: اسم أو فعل أو حرف ، و هل هو : معرفة أو نكرة ……الخ.

ومن الأعلام البارزة في أوروبا تلميذا دي سوسير النجيبان ( أنطوان ميية) و (تشار لزبيية) ،وقد حذا كل منهما حذو الأستاذ في جملة أفكاره و مبادئه الخاصة بالبنيوية، فهذا (مييية ) يقرر – بما يشبه مقولة الأستاذ – أنه من الخطأ النظر إلى الوحدات اللغوية كما لو كانت منعزلة ، وإنما ينبغي أن تؤخذ على أنها نظام مترابط متماسك. والأمر نفسه عند (لزبيية) ، وإن كان يهتم بوسائل التعبير الفردية ،التي تميز شخصا عن أخر ، والتي تبين الاختلافات التعبيرية عند الأفراد.

وفي سنة 1926 تشكلت مدرسة (براغ) ، والتي أخلصت لمبادئ دي سوسير في جملتها حتى إنّ أفكارها لتتطابق وتتماثل مع مبادئ الأستاذ في “البنيوية” وغيرها ، فاللغة في تصور رواد هذه المدرسة: ” إن هي إلا نظام من العلائق” . ولكن مع التركيز على الجانب الوظيفي (أي: القيم اللغوية للوحدات المكونة للتركيب )، وطبقوا هذا المبدأ خير تطبيق على “الفونولوجيا ” – علم وظيفة الأصوات- بوجة خاص.

ومن أعلام هذة المدرسة”جاكبسون” “وتروبتسكوي”،وهما من أصل روسي ، وهذا الأخير هو صاحب كتاب “مبادئ الفونولوجيا” المنشور في براغ سنة 1939 وترجمه إلى الفرنسية “كانتينو” سنة 1949 لأول مرة.

وقد اتبعت هذه المدرسة في عملها المنهج السنكروني ، تماما كما سلك دي سوسير في أعماله(13).

ولم تخرج مدرسة (كوبنهاجن) التي أسس لها العالم الدنمركي “هلمسليف” ( 1899 – 1965) – وهو رائدها في الاتجاه البنيوي – عن الخطوط العريضة لمبادئ دي سوسير . والواقع أن “هيلمسلف ” اهتم باللغة لا بالكلام ، ونظر إليها على أنها بنية أو هيكل أو نظام ، وأن اللغة هدف لذاتها وليست وسيلة ، وهي نظام مغلق منعزل عن العوامل الخارجية الاجتماعية والثقافية والأدبية، والتاريخية. وأنّ الوظيفة الأساسية للغويّ – عنده – هي أن يضع نظاما تجريديا لفهم اللغة ، وإنما يتم له ذلك بالنظر إلى اللغة على أنها”عملية رمزية” تدخل في إطار علم الرموز. وهو يأخذ الوظيفة في الحسبان ، ويعنى بها الدور الذي يلعبه العنصر اللغوي (وحدة صوتية – وحدة صرفية – كلمة – تركيب ) في البنية النحوية للتعبير ، فكل عضو أو عنصر في الجملة له قيمة في تشكيل المعنى العام للجملة .والفرق بينة وبين سوسير معني أولا و أخيرا باللغة المعينة ، فهذا “هيلمسلف” يحاول دراسة اللغة بالمعنى العام دون النظر إلى خصائص اللغة المعنية ؛ فاللغات عنده تشترك في بعض النقاط ، وعلى الدارسين والباحثين البحث عن هذة النقاط.(14)

وعلى الرغم من هذا الاستشراء البنيوي في عقول علماء أوروبا، إلا أنّ اللسانيات البنيوية قد أدينت من قبل: ألمانيا ،وإيطاليا ، كأمر متناقض مع أيديولوجية هذه الدول التي لا تؤمن بتساوي اللغات ،أما البنيوية فنظرتها متساوية إلى جميع اللغات ؛ فكل اللغات عندها واللهجات يمكن تحليلها بالطرق عينها ، وأنه ليس هناك لغة تفوق لغة أخرى.(15)

البنيوية في أمريكا.

بدأت البنيوية الوصفية في أمريكا بصورة مختلفة عن تلك التي بدأت بها في أوروبا ، ومن ثم تميزت بمبادئ وأفكار تختلف عن تلك التي عرفتها أوروبا ، ولكنها تلتقي معها في: أنّ اللغة بنية ، وأن هذه البنية لكي تدرس لا بد أن تحلل إلى مكوناتها .

والحقيقة أن البحث اللغوي في أمريكا لم يكن منبت الصلة تماما عن أوروبا . فالرواد الأوائل لعلم اللغة الأمريكي مثل: “فرانز بواز” و “إدوارد سابير” و “ليوناردومفيلد”؛ كانوا على صلة بصورة أو أخرى بالتراث الأوروبي في دراسة اللغة ، وخاصة المدرسة التاريخية في القرن التاسع عشر ، وذلك عن طريق العالم الأمريكي “وتني” الذي كان متأثرا بالاتجاه التاريخي في أوروبا ،وقد أشار إليه دي سوسير ، ثم إن “بواز” و “سابير” قد ولدا في أوروبا، أما بلومفيلد فقد درس قواعد علم اللغة التاريخي التي وضعتها مدرسة النجاة الجدد . وقد أشار إليه سوسير، وإلى المنهج الوصفي الذي أذاعه في المقدمة التاريخية لكتابه “اللغة”، الذي تتبع فيها تاريخ الفكر اللغوي عند الهنود والرومان والعرب والعصور الوسطى ، ثم العصر الحديث في أوروبا حتى دي سوسير.016)

غير أن الذي يعطي مميزا لعلم اللغة الأمريكي أنه بدأ وفق تقاليد وأصول علمية أملتها طبيعة اللغات التي وجدوها في القارة الجديدة ، وهي لغات لم تكن معروفة وليست مكتوبة، ومن ثم لم يكن النموذج التاريخي الذي طبق على اللغات الهندية الأوروبية كافيا لتفسيرها ، بل ربما أدى إلى نتائج غير صحيحة، وبالتالي لم يكن أمامهم إلا تطبيق المنهج الوصفي .

وكانت البداية الحقيقية لعلم اللغة الأمريكي على يد “فرانز بواز أو يواس” الذي أدرك أنه يتعامل مع لغات تختلف في تركيبها عن اللغة الهندية الأوروبية التي درس قواعدها وفق المنهج التاريخي . ومن ثم نحى المنهج جانبا ووضع لنفسه مبدأ جديدا ،وهو أن كل لغة لها منطقها التركيبي الخاص بها ، و أن منهج التحليل المناسب تفرضه طبيعة المادة اللغوية نفسها

وقد التزم بهذا المبدأ وقام بدراسة وصفية لعدد من اللغات الهندية الأمريكية وجمعها في كتاب أطلق عليه اسم “دليل اللغات الهندية الأمريكية “، ويعد هذا الكتاب دستور البحث اللغوي الأمريكي الذي ضم مبادئ الوصف اللغوي الدقيق لتسع عشرة لغة من اللغات الهندية الأمريكية وما زالت مقدمة هذا الكتاب تعد من المقدمات الممتازة في علم اللغة ، فضلا عن أشارات “بواز” إلى علم النفس والاجتماع ودورهما في معرفة وفهم الظواهر اللغوية . وقد كان هذا الكتاب مناط اهتمام علماء اللغة الأمريكيين. ولعل ذلك ما دعا بلومفيلد إلى وصف “بواز” بأنه المعلم الأول لعلماء اللغة الأمريكيين.

أما”سابير” فهو رائد البنيوية الأمريكية ومعلم الأجيال من علماء اللغة الأمريكيين وتلميذ من تلامذة “بواز”، وكان واسع الثقافة له اهتمامات علمية وكثيرة ومتنوعة . ويبدو أنه قد بدأ دراسته للغة بعيده عن أفكار “سوسير” ولكن فكرة النماذج اللغوية التي نادى بها لا تبعد كثيرا عن التفرقة التي وضعها “سوسير” بين اللغة والكلام .

وفكرة النماذج اللغوية هي أن كل إنسان يحمل في داخله الملامح الأساسية لنظام لغته.أي إن جميع النماذج الفعلية التي تقدمها اللغة لتأكيد عملية الاتصال ،هي نماذج ثابتة وهي الخليقة بالدراسة لأنها الأهم والأكثر حيوية في حياة اللغة. وذلك مقابل الاستخدام الفعلي للغة المتمثل في المادة اللغوية المنطوقة.(17)

أما “بلومفيلد 1949م” Bloomfield فيعد علما من أعلام الدراسات اللغوية أمريكا، وكتابه “اللغة” يحسبونه هناك “إنجيل علم اللغة ” ؛ إذ إن البحث اللغوي الأمريكي – مهما تعددت اتجاهاته ومناهجه- يدين بالفضل لهذا العالم ومبادئه ، سواء أكان ذلك بالاتفاق معه أو بمعارضته.

والحق أن “بلومفيلد” في أمريكا يقع موقع سوسير في أوروبا من حيث: الأهمية في التأثير وجدة الأفكار، وتنوعها ، وكثرة الأتباع والتلاميذ . وإن كان الثاني أسعد حظا من صاحبه في الشهرة واتساع دائرة الأتباع والمريدين لا في الحقل اللغوي وحده، وإنما في دوائر علمية أخرى كالنقد الأدبي وعلم الأسلوب . وذلك لأنه كان أسبق زمنا وريادة في الابتكار والتجديد في الفكر اللغوي ، ولما اتسمت به أفكاره من عمق ومذاق جديد غير معهود آنذاك. وقد أفاد “بلومفيلد” من المعين السويسري؛ إذ تأثر به و أخذ عنه فكرتين مهمتين:

الفكرة الأولى: النظرة السنكرونية في التعامل مع اللغة ، والأخرى: الفكرة البنيوية للغة في عموم معناها ، وهما نظرتان أو فكرتان متلازمتان في المنهج البنيوي في عمومه ، فاستطاع أن يكوّن مدرسة أو منهجا لغويا واضحا ومستقلا: هي منهج السلوكية أو مدرسة “بيل” ، وهو اسم الجامعة التي كان يعمل بها أستاذا.

والبنيوية عند “بلومفيد” وأتباعه بنيوية من نوع خاص ، وهي في الوقت نفسه مبدأ من منظومة من المبادئ التي تكون منهجا عاما لا يمكن فهمه أو التعرف عليه بوجه مقبول إلا بالنظر في جملة هذه المبادئ بصورة ما،(18) فلقد التزم “بلومفيلد” بالمنهج البنيوي الوصفي ولكن بطريقة خاصة أصبحت علما عليه وعلى مدرسته، ولعل اتصاله بعالم النفس السلوكي “واطسن ” – أبو المنهج السلوكي الذي فضل استحداث المنهج السلوكي كثورة على المنهج الذهني – كان له أكبر الأثر في توجيه نظريته اللغوية وفق تعاليم ومبادئ المذهب السلوكي ، وهو مذهب يرى أن اختلاف الناس يرجع إلى اختلاف البيئة التي يعيشون فيها وأن سلوكهم رهن هذه البيئة.

واللغة عند “بلومفيلد” وأتباعه من السلوكيين ليست إلا نوعا من الاستجابات الصوتية لحدث معين ؛ فالإنسان يسمع جملة معينة ، أو يرى شيئا ، أو يشعر بشعور فيتولد عن ذلك استجابة كلامية ، دون أن ترتبط هذة الاستجابة بأي صورة من صور التفكير العقلي ، والإنسان في هذا يشبه الآلة أو حيوان .

وبناء على هذا الفهم لطبيعة اللغة ووظيفتها عند “بلومفيلد” وأتباعه شاع في تاريخ الفكر اللغوي أن هذه المدرسة رفضت دراسة المعنى وركزت في دراستها اللغوية على الجانب المادي الطبيعي ، وهو الصوت والبنية التي يتحقق فيها توزيع الأصوات على شكل فونيمات ومورفيمات ؛ لأنه يمثل المادة المناسبة للبحث الموضوعي المضبوط ، دون المعنى الذي قد يفتح مجالات للأحكام الذاتية الانطباعية .

والواقع أن”بلومفيلد” لم يرفض دراسة المعنى ، بل لقد أشار إلى أهمية العلاقة بين الصوت والمعنى . وإنما كان اهتمامه موجها إلى الكشف عن القوانين العامة التي تحكم السلوك اللغوي والتي قد تؤدي إلى الكشف عن القوانين التي تحكم النفس البشرية .ولذلك رأى أنه لكي نعرف المعنى معرفة دقيقة لا بد أن نكون على علم دقيق بكل شيء في عالم المتكلم ، والمعرفة الإنسانية لم تصل بعد إلى هذه الدرجة .

وبذلك أصبح بلومفيلد من دعاة نبذ العقلانية في علم اللغة وإحلال المذهب الشكلي الآلي ، الذي به تتحقق الموضوعية. أي دراسة سلوك العناصر اللغوية داخل البنية اللغوية من خلال المواضع والمواقع التي تحتلها في الكلام، والاستعاضة عن التعريفات العقلية لها التي كان يدور حولها الفكر اللغوي التقليدي بهذه الدراسة. فهذه الوحدات هي وحدات محدودة ولكنها ذات قدرات توزيعية غير محدودة .ومن ثمّ أصبحت التوزيعية هي المنهج الذي اعتمد علية “بلومفيلد” في وصف ودراسة اللغة . فقامت مدرسته المشهورة “بيل”.

وتقوم التوزيعية على فكرة الإبدال والإحلال ،حيث تستبدل وحدة لغوية محل وحدة لغوية أخرى في بيئة لغوية أكبر ، مثل فونيم في كلمة أو كلمة في جملة. مثل ذلك استبدال الفونيم .

/ق/في كلمة (قام) بفونيم /ن/في كلمة (نام) ،وإحلال كلمة(رجل) محل كلمة (فرس) في

جملة مثل : رأيت فرسا . ومعنى هذا أن الفونيمين/ق/و/ن/ ينتميان إلى طبقة لغوية واحدة

وهي الفونيم . ومثل ذلك أيضا تنتمي كلمتا (رجل) و(فرس) إلى طبقة الأسماء.

وتحاول التوزيعية بهذا الأسلوب الخلاص من التعريفات التقليدية التي اعتمدت في تحديد أقسام الكلام على المعيار الدلالي أو الفلسفي أو العقلي . فالمورفيم عند “بلومفيلد “- إذا تجاهلنا المعنى – هو عبارة عن فونيم أو مجموعة من الفونيمات داخل بنية معينة . على أساس أن الفونيم الواحد في اللغة الإنجليزية قد يشكل وحدة مستقلة كما في جمع كلمة girls) ) حيث نجد أن فونيم /s/ هو مورفيم يدل على الجمع .

أما في اللغة العربية فلا يوجد مورفيم اقل من فونيمين وذلك إذا استثنينا حركات الإعراب .فحرف الجر (الباء) مثلا هو عبارة عن مورفيم يتألف من فونيمين هما الباء وحركتها أما إذا اعتبرنا المعنى فالمورفيم عند “بلومفيلد” هو عبارة: عن أصغر وحدة لغوية تحمل معنى أو وظيفة نحوية. وهو ينقسم إلى قسمين :حُر ومقيد.

وفكرة المورفيم هي فكرة توزيعية قائمة على تحديد العناصر اللغوية طبقا لوظائفها الصرفية والنحوية الدلالية.(19)

أما التغير الملحوظ في البنيوية الأمريكية فقد ظهر في عمل رجلين معروفين في الحقل اللغوي العام .وهما : “زليج هارس” الذي أخذ بمبدأ “المكونات المباشرة “، والنظر إلى “الشكل” أو “البنية السطحية”، كما فعل “بلومفيلد”، ولكنة نظر إلى الجملة نظرة أعمق ، حيث أخذها نواة يمكن تطويلها أو توسيعها إلى ما لا نهاية ، مع الاهتمام بالعلاقات بين المكونات في الجملة،على النقيض مما فعل “بلومفيلد” في هذا الشأن ، إذ اكتفى هذا الأخير بالعناصر الموجودة بالفعل، دون كبير التفات إلى هذة العلاقات . وأما الثاني :هو “بايك” ،الذي رأى التخلص إلى حد بعيد من نظرية “بلومفيلد” قي البنيوية التي تقوم أساسا على تصنيف وحدات الجملة وبيان إمكانية توزيعها على حساب الوظيفة أو المعنى .

لقد طور “بايك” لنفسه نظرية سماها ( القوالب ) . وفيها ركز على الجانب النحوي ، فنظر إلى الجملة على أنها “قالب” ينتظم مجموعة من الخانات أو المواقع ، ولكل خانة أو موقع فئة خاصة من الكلمات ، أو العبارات والجمل في النصوص الطويلة . إنه يسير بعكس “بلومفيلد” فلا يقف عند تعيين وحدات الجملة وبيان فئتها أو نوع الكلم الذي تنتمي إليه ، بل لا بد من تحليل الجملة بوصفها تتابعا من القوالب . كل قالب منها يشير إلى الوظيفة والى نوع الكلم الذي ينتمي إلى هذه الوظيفة ، والذي يصلح لهذه الوظيفة .ومثاله: خانة المبتدأ تملأ بالاسم المعرفة . وخانة الحال في الاسم المشتق ، وخانة التمييز بالاسم الجامد ، وهكذا على ما هو معروف . وعلى الرغم من تلك التجديدات التي أضافها ” بايك” فمازال الدارسون ينظرون إلى أفكار “بايك” على أنها امتداد للاتجاهات الرئيسية لتقاليد “البنيوية السلوكية”(20).

ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أنّ أهم ملامح البنيوية الأمريكية هي:

1- إهمال دراسة المعنى ؛ وذلك لأنه موضوع لعلم آخر كعلم النفس، فلكي نفهم المعنى علينا الوقوف على حالات الكلام والأحداث السابقة واللاحقة ، وهذا ليس من اختصاص اللغوي بل اختصاص علوم أخرى، لذلك يجب تنحية المعنى في الدرس اللغويّ.

2- قوام المعنى في هذه البنيوية : علاقة بين مثير واستجابة فقط، دون أبعاد أخرى ، فاللغة سطح لا عمق له.

3- المنادة بوجوب إتباع إجراءات الاستكشاف ، ووضع قواعد الإجراءات ، وهي إجراءات آلية تعتمد على اللغة في بدايتها وانتهائها فمن اللغة نبدأ وإلى اللغة ننتهي.

4- طرح الأشياء الذهنية التجريدية والتركيز على الأشياء المادية في الدراسات اللغوية ؛ وذلك لإفضاء العلمية و الموضوعية على الدراسات اللسانية ، لأنّ إقحام الذهن من شأنه أن يعوق الدراسة الوصفية الموضوعية ، لأنها لا تتعامل مع أشياء محسوسة يتحكم بها بشكل منضبط عند الجميع ، لذلك طرح كل ما يمت إلى الذهنية والدعوة لدراسة اللغة كدراسة الكيمياء والفيزياء .

ومن خلال استرجاع شريط المدرسة البنيوية يتبن لنا أنها – في عمومها – مرت بثلاث مراحل يمكن تمييز بعضها عن بعض على النحو الآتي:

المرحلة الأولى: مرحلة دي سوسير و الأوروبيين في عمومهم ، وكان جل اهتمامهم باللغة لا بالكلام ، وبيان العلاقات الداخلية بين وحدات الجملة ، تلك العلاقات التي تعد النواة للمعنى التام للجملة.

المرحلة الثانية: بنيوية”بلو مفيلد “وأتباعه الخلص ، وهي تهتم بالكلام لا باللغة، وتحصر عملها في البنيية السطحية على أساس من النظر الشكلي ، دون الاهتمام بالمعنى.

المرحلة الثالثة: “بنيوية ” أمريكية موزعة سارت على جملة من مبادئ “بلومفيلد” ، ولكنها أدخلت الوظيفة أو المعنى في الحسبان . وجاءت بعدُ أو مواكبا للمرحلة الثالثة نظرات “زليج هاريس” وهي ذات سمية “بنيوية” ونظرات “بايك”.

وبالمجمل فإنّ الدراسات اللغوية الأمريكية فرضت نفسها بنفسها ؛ فطبيعة اللغات التي تعرض لها لم يكن لها تاريخ مكتوب ، بل لغات منطوقة ، فجاءت الدراسة على هذا الجانب . الأمر الذي أعطاها العملية و الحركة والحيوية فنمت وتطورت بشكل سريع، مستفيدة من الأنثروبولوجيا *، وعلم الإنسان ، أو علم الاجتماع ، فغلب عليها الحركة والاتصال والقدرة على التطور والفتوة.

أما في أوروبا فتركزت الدراسات اللغوية على الجانب المكتوب ، فجاءت دراستهم بطيئة، مستفيدة من اللسانيات التاريخية المقارنة فغلب عليها الطابع الأكاديمي.

وبعدُ، فمن العدل أن نشير إلى أنّ المدرسة البنيوية على الرغم من المكانة الكبيرة التي حظيت بها إلاّ إنها قد هوجمت بـأنها:

– نظرت إلى المكونات المباشرة للغة وتغافلت عن البنية العميقة لها. وفي هذا عجز عن بيان حقيقة الشيء، فكيف بنا معرفة حقائق اللغة والوصول إلى البنية العميقة في الإنسان ، التي هي تمدّه بالزاد من الجمل والعبارات.

– اكتفت بوصف المكونات المباشرة ، وهذا لا يمكّنه من أن يقعد للغة أو العينة التي تحت الدراسة.

– عدم استطاعتها على تحليل كل أنواع الجمل ، فالجمل قد تطول وتتعقد العلاقات بين مكوناتها.




اشكركم على الموضوع القيم

نشكركم عاى هذا البحث القيم أرجوا منك أن تزيد التهميش لأنك لم تذكر المصادر و المراجع لمستعملة نرجوا منك الرد لأنني بحاجة ماسة الى هذا البحث و شكرا

شكرا على الموضوع

شكرا ولكن أريد التنزيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.