التصنيفات
البحوث التجارية

بحث حول ميزان المدفوعات

مقدمة

من المعلوم أن لكل دولة معاملاتها الخارجية التي ينتج عنها استحقاقات يتعين تسويتها عاجلا أم آجلا و التزامات يجب الوفاء بها اتجاه الغير و في تاريخ معين ، و من هنا عليها إعداد بيانا كافيا و شاملا تسجل فيه مالها على الخارج من حقوق و ما عليها من التزامات و هذا البيان هو ما يسمى ميزان المدفوعات ، هذا الأخير الذي يعطي صورة واضحة عن نقاط القوة و الضعف في الموقف الخارجي للاقتصاد الوطني ، و كذلك تأثير المعاملات الخارجية على الاقتصاد القومي ، حيث نتناول في هذا الفصل ماهية ميزان المدفوعات و مكوناته مع الإشارة إلى كيفية تقييد المعاملات ، ثم نتطرق إلى فكرة العجز و الفائض لما في ذلك من أهمية خاصة عند تحليــل ميزان المدفوعات و في الأخير نسلط الضوء على حالة ميزان المدفوعات الجزائري .

المبحث الأول : إطار المفاهيم المتعلقة بميزان المدفوعات

المطلب الأول : تقديم ميزان المدفوعات
هناك عدة تعاريف لميزان المدفوعات

-التعريف الأول : يعرف ميزان المدفوعات أنه سجل لمسجل المعاملات الاقتصادية بين المقيمين في الدولة معينة و غير المقيمين فيها ، و ذلك لمدة معينة غالبا ما تكون سنة
التعريف الثاني : ميزان المدفوعات هو سجل منظم لجميع العمليات التجارية و المالية و النقدية بين المقيمين و غير المقيمين في دولة معينة لفترة زمنية عادة ما تكون سنة .
-تعريف صندوق النقد الدولي fmi : ميزان المدفوعات هو سجل يعتمد على القيد المزدوج و يتناول أخصائيات فترة زمنية معينة بالنسبة لتغيرات في مكونات أو قيمة أصول اقتصاديات دولة ما بسبب تعاملها مع بقية الدول الأخرى أو بسبب هجرة الأفراد و كذا التغيرات في قيمة و مكونات ما تحتفظ به من ذهب نقدي و حقوق سحب خاصة من الصندوق و حقوقها و التزاماتها تجاه بقية دول العالم ، حيث أن صندوق النقد الدولي استعمل أسلوبا وظيفيا ، بمعنى عدد الوظائف التي يتعين على الميزان توضيحها و بالتالي هو أكثر عمقا .
و نخرج بتعريف أنه يعرف ميزان المدفوعات لدولة ما بأنه سجل منظم أو بيان حسابي شامل لكل المعاملات الاقتصادية التي تتم بين المقيمين في الدولة و المقيمين في الدول الأخرى خلال فترة زمنية معينة عادة ما تكون سنة
و ينبغي أن يكون واضحا من هذا التعريف ما يلي:
• ينصب اهتمام ميزان المدفوعات فقط على المعاملات الاقتصادية سواء تولد عنها حقوقا للمقيمين لدى غير المقيمين أو نتج عنها حقوق لغير المقيمين يتعين على المقيمين أدائها ، أما المعاملات الاقتصادية الداخلية بين المقيمين على إقليم نفس الدولة فلا شأن لميزان المدفوعات بها
• يعتبر الوطنيون هم المقيمين على إقليم الدولة و ذلك يعني أن الأشخاص الذين يقيمون عرضا على أرض الدولة لا يعــتبرون الوطنيين مثل السـواح الأجانب ، و أعضاء البعثات الدرامية و الديبلوماسية رغم تواجدهم بالخارج
• يشمل مفهوم المقيمين كل الأشخاص الطبيعيين و الاعتباريين مثل : شركات بنوك الذين يزالون نشاطهم داخل إقليم الدولة
• الإقامة و ليست الجنسية التي يعول عليها للتفرقة بين ما يعتبر دوليا فيدرج في ميزان المدفوعات و مالا يعتبر كذلك فلا يدج فيه ، فالمعاملات تكون دولية إذا ما تمت بين أشخاص يقيمون في دول مختلفة حتى و لو كانت جنسيتهم واحدة .
• لا توجد قاعدة محددة في بداية الفترة الزمنية التي يغطيها الميزان ، غعلى حين تبدأ بعض الدول الفترة السنوية في أول جانفي و تنهيها في ديسمبر و ذلك لمساعدة السلطات المختصة على معرفة الوضع الاقتصادي الخارجي ، و من ثم العمل على اتخاذ القرارات المناسبة لتدارك الوضع بدلا من الانتظار في نهاية العام .
المطلب الثاني : مكونات ميزان المدفوعات :
ينقسم ميزان المدفوعات أفقيا إلى قسمين هما :
-1الجانب الدائن : و تسجل فيه كل عملية يترتب عنها دخول للعملة الأجنبية ، أي أن الصادرات و كل ما من شأنه خلق حقوق للدولة فبل المستوردين الأجانب أو دخول لرأس المال يقيد في الجانب الدائن .
-2الجانب المدين : و تسجل كل عملية يترتب عنها عملية دفع أو التزام بالدفع للدول الأخرى ، أي أن الواردات و كل ما من شأنه خروج للعملة الأجنبية من الدولة إلى الدول الأخرى يقيد في الجانب المدين .
أما عموديا ففلا توجد تقسيمات موحدة لميزان المدفوعات تتبعها جميع الدول ، لذا حاول صندوق النقد الدولي توحيد طريقة إعداد ميزان المدفوعات فقسمه إلي ما يلي :
-1الحساب الجاري ( حساب العمليات الجارية ) :
يعتبر الحساب الجاري أهم مكونات ميزان المدفوعات ، و يضم الميزان التجاري ، ميزان الخدمات و ميزان التحويلات من جانب واحد .
أ-الميزان التجاري :
و يسمى أيضا ميزان التجارة الخارجية و يشمل صادرات وواردات الدولة من السلع فقط ، أي ما يدخل ضمن التجارة المنظورة فقط .

ب-ميزان الخدمات :
و يضم عمليات التجارة غير المنظورة من نقل ، تأمين ، خدمات البنوك و السياحة ، نفقات أعضاء البعثات الدبلوماسية ، نفقات البعثات التعليمية ، و عوائد الاستثمارات …..الخ التي نقوم بها الدولة مع دول أخرى .
ج-حساب التحويلات من جانب واحد :
تشمل هذه التحويلات الهبات ، التبرعات ، الإعانات ، التعويضات و تحويلات المهاجرين و العاملين في الخارج إلى ذويهم ، و سميت بالتحويلات من جانب واحد لأنه لا يترتب عنها على الدولة المستفيدة أي التزام بالسداد ، و قد تكون هذه التحويلات خاصة أو حكومية فالتحويلات الخاصة مقدمة أو مستلمة من الأفراد و المؤســسات و الهيئات الخاصة مثل تحويلات المهاجرين و هبات المؤسسات الخيرية …..الخ
و التحويلات الحكومية هي المقدمة أو المستلمة من طرف الحكومات مثل : المنح التي تقدم لتدعيم برامج التنمية الاقتصادية أو للاعانته من الكوارث الطبيعية أو لتحويل شراء معدات حربية ….الخ
أما عن كيفية تسجيل هذه العمليات فهي كالتالي :
تفيد في الجانب الدائن من حساب التحويلات من جانب واحد ، و في الجانب المدين لحساب السلع أو الخدمات المقدمة ، هذا بالنسبة للدولة المستفيدة
أما بالنسبة للدولة المانحة فالعكس أي تسجل في الجانب المدين لحساب التحويلات من جانب واحد ، و في الجانب الدائن لحساب السلع أو الخدمات الممنوحة .

-2حساب رأس المال :
يضم هذا الحساب جميع المعاملات الدولية التي يترتب عنها انتقال رأس المال سواء كانت أصولا حقيقية أو مالية من دولة لأخرى و عادة ما يتقسم الى قسمين
أ-حساب رأس المال طويل الأجل :
يشمل هذا الحساب العمليات الرأسمالية التي تفوق مدتها سنة ، و نجد فيه :
• عملية الاستثمار المباشر في الخارج ، و تتقيد هذه الاستثمارات باعتبارها تصديرا لرأس المال ، في الجانب المدين من حساب رأس المال طويل الأجل ، و يقابله قيد في الجانب الدائن من حساب رأس المال قصير الأجل
• عملية الاستثمار الأجنبي في الداخل ، و تقيد هذه الاستثمارات في الجانب الدائن من حساب رأس المال طويل الأجل و الجانب المدين من حساب رأس المال قصير الأجل و ذلك باعتبار هذه العمليات استراد لرأس المال
• عمليات الاقتراض طويل الأجل ، و تقيد في الجانب الدائن ، باعتبارها استيرادا لرأس المال ، و يقابلها قيد في الجانب المدين لحساب رأس المال قصير الأجل .
• عمليات الإقراض طويل الأجل ، و تقيد في الجانب المدين ، باعتبارها عملية تصدير لرأس المال ، و يقابلها قيد في الجانب الدائن لحساب رأس المال قصير الأجل .
• حصة الدولة في المنظمات الدولية و في ملكية العلاقات التجارية و براءات الاختراع ، و تقيد قيمة ما يحققه المقيمون من أنصبة في الاستثمارات المذكورة في الخارج في الجانب المدين من حساب رأس المال طويل الأجل ، لأنها تصدير رأس المال ، و يقابله قيد في الجانب الدائن لحساب رأس المال قصير الأجل . و تقيد قيمه ما يحققه غير المقيمين من أنصبة من الاستثمارات المذكورة في الجانب الدائن ، باعتبارها استيراد لرأس المال ، و يقابلها قيد في الجانب المدين من حساب رأس المال قصير الأجل .

ب -حساب رأس المال قصير الأجل :
يشمل العمليات الرأسمالية التي تقل مدتها عن سنة ، كالاصول النقدية و الكمــبيالات و أرصدة السماسرة و القروض تحت الطلب و سندات الحكومة قصيرة الأجل ، كمال يتضمن أيضا كل زيادة في ألاصدة البنوك المحلية المودعة في الخارج أو نقص في أرصدة الأجانب المودعة في البنوك المحلية ، حيث ينشأ عن هذه العمليات قيد في الجانب المدين ، و يترتب عن كل زيادة في أرصدة الأجانب المودعة في البنوك المحلية أو نقص في أرصدة البنوك المحلية المودعة في الخارج تسجيل في الجانب الدائن من هذا الحساب
و يشمل هذا الحساب أيضا حركات الذهب و يعامل استيراد و تصدير الذهب في ميزان المدفوعات تماما مثل معاملة استيراد و تصدير السلع ، و ينطبق هذا الكلام على الدول المنتجة للذهب كجنوب إفريقيا إلا أن الأمر بالنسبة لمعظم الدول الأخرى ، حيث يعتبر الذهب أصلا من الأصول النقدية التي تستخدم لتسوية المعاملات الدولية ، فالذهب وسيلة معترف بها دوليا للدفع
-3حساب التسويات الرسمية :
يضم الحساب صافي التغيرات الدولية الرسمية ، و التغيرات في الأصول و الخصوم الدولية للسلطات النقدية الرسمية للدولة خلال السنة . و الغرض من هذا الحساب هو التسوية الحسابية لميزان المدفوعات ، وذلك عن طــريق تحركات الاحتياطات الدولية ( الذهب ، العملات القابلة للتحويل ، حقوق السحب الخاصة ، و حصة البلد في المؤسسات الدولية ) و تتم هذه التسوية بالكيفية التالية :
أ-في حالة العجز :
– إما تسديد قيمة العجز ذهبا أو عملات قابلة للتحويل و بالتالي تخفيض مستوى احتياطاتها من الصرف
– أو بطلب قرض قصير الأجل من بلد دائن ، و بالتالي ارتفاع مديوينة البلد صاحب العجز
– أو بتخفيض دائنية البلد اتجاه العالم الخارجي
– أو بالاقتراض ، إما من بلد آخر أو من السوق المالية الدولية أو من مؤسسة مالية دولية كصندوق النقد الدولي

ب- في حالة الفائض :
– اما بزيادة احتياطاتها من الذهب و العملات الصعبة
– أو بتقديم قروض قصيرة الأجل للدول المدينة ، و بالتالي زيادة دائنيتها اتجاه العالم الخارجي
– أو بتسديد ديونها السابقة
و نظرا لعدم قدرة الجهاز الإحصائي للبلد على حصر جميع المعاملات الاقتصادية التي تتم مع العلم الخارجي يتم ادرج حساب السهو و الخطأ ليتطابق مجموع الحسابات الدائنة مع مجموع الحسابات المدينة
أما عن مصادر الحصول على البيانات اللازمة لاعداد ميزان مدفوعات فهي عديدة ، حيث نحصل على قيمة السلع المصدرة و المستوردة من مصلحة الجمارك ، كما تتضمن حسابات الحكومة الإنفاق الرسمي في الخارج ( إنفاق البــعثات الديبلوماسية و العلمية ، فوائد القروض الخارجية ، الدخل من الاستثمارات ، فوائد السندات ، أرباح الأسهم ) . تظهر أيضا البنوك تفاصل المعاملات في الأوراق المالية الأجنبية ، و معظم عمليات الائتمان و القروض الخاصة ، كما تظهر ميزانية البنك المركزي التي تحصل على مستوى الاحتياطات الدولية من عملات أجنبية ، ذهب ، و حقوق السحب الخاصة …الخ .
المطلب الثالث : التفسير الاقتصادي لأرصدة ميزان المدفوعات
هناك ثلاثة أرصدة أساسية لميزان المدفوعات و لكل منها دلالته الاقتصادية ، و تتمثل هذه الأرصدة فيما يلي :

1 -الرصيد التجاري :
و هو الفرق بين صادرات الدولة ووارداتها . و يعبر هذا الرصيد عن مكانة الدولة في التقسيم الدولي للعمل ، و يبين درجة ارتباطها أو تبعيتها للخارج ، وكذا درجة تنافسية صادراتها .
كما يعبر هذا الرصيد أيضا عن القدرة الإنتاجية للاقتصاد الوطني للصادرات و مدى قدرة القاعدة الإنتاجية على الاستجابة لحاجات السكان و مدى الحاجة إلى تغطيتها بالواردات .
-2 رصيد العمليات الجارية :
في حالة تحقيق رصيد موجب ، هذا يعني أن البلد له القدرة على التمويل باعتباره استطاع تكوين ادخار صافي من خلال تعامله مع الخارج ، أما في حالة تحقيق رصيد سالب فهذا يدل على احتياج للتمويل .
و مما سبق يمكننا القول أن رصيد العمليات الجارية مؤثر على قدرات أو احتياجات التمويل لاقتصادها .
-3الرصيد الإجمالي :
هو مجموع رصيد ميزان العمليات الجارية و تدفقات رؤوس الأموال ، و يعبر عن التأثيرات المطبقة على أسعار الصرف ، باعتبار أن العمليات المسجلة في الجانب الدائن تمثل طلبا على العملة المحلية و بالتالي التحسين في قيمتها ، و العمليات المسجلة في الجانب المدين تمثل طلبا على العملات الأجنبية و عرضا للعملة المحلية ، و بالتالي تدهورا في قيمة هذه الأخيرة .
في التحليل الاقتصادي يمكن استخدام عدة مؤثرات يمكن استخراجها من ميزان المدفوعات نذكر منها :
-أ-معدل خدمة الدين :
القسط السنوي المدفوع + الفوائد
معدل خدمة الدين =
إجمالي حصيلة الصادرات السنوية
تعبر هذه النسب عن عبء المديونية الخارجية على الاقتصاد من حيث امتصاصها للعوائد من العملات الأجنبية الناتجة عن التصدير فادا كانت هذه النسبة ضعيفة هذا يعني أن الدولة قادرة على تسديد الالتزامات الخارجية و الاستيراد و دعم احتياطي الصرف و ما يعاب على هذا المؤشر هو أنه يربط بين متغيرين من طبيعة مختلفة ، فمبلغ خدمة الدين بالنسبة للمستقبل معلوم، في حين أن حجم الصادرات هو قيمة تقديرية ، لهذا نقول أن هذا المؤشر أكثر دلالة عن الماضي منه بالنسبة للمستقبل
ب-نسبة خدمات الدين الى الناتج الوطني الخام :
و هي نسبة بين خدمات الدين و الناتج الوطني الخام مقوما بسعر السوق . و تعبر عن نصيب الأجانب من الناتج الوطني الخام . فكلما كانت هذه النسبة مرتفعة كلما كانت القدرات الإنتاجية الوطنية موجهة بصفة أساسية لخدمة الخارج .
و المشكل الذي يطرحه هذا المؤشر هو تباين الأنظمة المحاسبية الوطنية في تقدير الناتج الوطني الخام ، لذا يعد غير صالح للمقارنة بين الدول التي تختلف أنظمتها المحاسبية .
ج-نسبة الدين الخارجي إلى إجمالي الصادرات :
تعتبر الصادرات المصدر الرئيسي لدفع هذه الديون على المدى الطويل و المتوسط فبقدر ما تكون هذه النسبة مرتفعة وقريبة من الواحد بقدر ما يواجه الاقتصاد خطر التوقف عن سداد الديون ، لذلك تحرص الكثير من الدول لا تتجاوز هذه النسبة 50 .
د-نسبة الاحتياط الأجنبي الى الديون :
تعبر هذه النسبة عن قدرة الاقتصاد على مواجهة أعباء المديونية في الأوقات الحرجة لهذا فارتفاع هذه النسبة يدل على وفرة السيولة الخارجية ، ذلك لأن احتياط الأجنبي بمثابة هامش الأمان الذي تلجأا ليه السلطات الأجنبية للحفاظ على استقرار سعر الصرف ، فهو يستخدم لمواجهة الاختلالات الظرفية لميزان المدفوعات
كما أن الارتفاع المفرط لهذه النسبة يعبر عن تجميد للأموال ، و بالتالي فرصة ضائعة لاستثمار هذا الاحتياطي ، و هكذا تتحمل الدولة تكلفة اقتصادية إضافية

ه-الطاقة الاسترادية للاقتصاد :
يعبر عن الطاقة الاسترادية بالعلاقة : Cm = (X+F) – ( D+P)/B
Cm : الطاقة الكلية على الاستيراد
:Xحصيلة الصادرات
:F حجم الأموال الأجنبية المحصل ( قروض و تحويلات )
خدمات الدين كمدفوعات
😛 تحويلات نحو الخارج ( أرباح ، مدا خيل الاستثمار )
:B متوسط سعر الوحدة من الواردات
و يمكن كتابة العلاقة السابقة على النحو التالي :

Cm= X-D /B + F-P/B

حيث يعبر الطرف الأول من العلاقة من الطاقة الاسترادية الذاتية الناتجة عن الفائض من حصيلة الصادرات ، بينما الطرف الثاني من العلاقة الاسترادية المقترضة يعني أي حجم تموله القروض و التحويلات الخارجة عن الواردات .
و-تحليل البنية الاقتصادية :
يمكن تحليل البنية الاقتصادية لبلدها على ميزان السلع و الخـدمات الذي يوضح السلع و الخدمات الفائضة عن حاجة الاقتصاد و تلك التي هو بحاجة اليها ، كما يمكن أن يوضح هذا الميزان أيضا أهمية الصادرات ضمن الناتج المحلي الخام . و يعبر عن هذا الأخير

بالعلاقة التالية :

PIB = CF+Abff+ DS +X-M
حيث أن :
PIB : الناتج المحلي الخام
CF :الاستهلاك النهائي
ABFF :التراكم الخام للأصول الثابتة
DS تغير: المخزون
X :الصادرات
M :الواردات
و ما تجدر بنا الإشارة إليه هو أن التحليل الديناميكي لهيكل التجارة الخارجية من شأنه أن يعكس تطور البنية الاقتصادية عبر الزمن ، و ذلك بالاعتماد على موازين المدفوعات لعدة سنوات .

المبحث الثاني : توازن اختلال ميزان المدفوعات

لميزان المدفوعات مفهومين مختلفين يستخدمان في تحديد العلاقات الاقتصادية الدولية يجب التمييز بينهما و هما :
-الأول: هو ميزان المدفوعات المحاسبي : حيث تسجل فيه المعاملات بين المقيمين بدولة ما و غير المقيمين فيها خلال فترة زمنية عادة ما تكون سنة ، و بهذا فانه سجل تاريخي للمعاملات الدولية ، و بالتالي يفيد التنبؤ بالتغيرات المستقبلية في ميزان المدفوعات .
-الثاني : هو ميزان المدفوعات السوقي الذي يركز على ميزان المدفوعات عند نقطة زمنية معينة ، و ليس خلال فترة و يفيد هذا المفهوم في تحليل أوضاع التوازن أو عدم التوازن في ميزان المدفوعات .
المطلب الأول : مفهوم توازن ميزان المدفوعات و أنواعه :
هناك نوعان من توازن ميزان المدفوعات ، توازن محاسبي و توازن اقتصادي
-1التوازن المحاسبي :
يقوم ميزان المدفوعات على أساس محاسبي بسيط هو مبدأ ضرورة التوازن بين جانبيه إلا أن هذا لا يعني ضرورة توازن بنوده ( حساباته ) المختلفة ، فقد يكون حساب العمليات الجارية أو حساب رأس المال غير متوازن ، و هكذا إذا حدث عجز أو فائض في إحدى حسابات ميزان المدفوعات ، فلابد أن ينعكس ذلك على حساب أخر من حساباته .
فعلى سبيل المثال إذا زادت واردات بلد ما عن صادراته أو أدى هذا إلى عجز الحساب التجاري فانه لابد من سداد هذا العجز بالحصول على قروض أجنبية فائضا في حساب العمليات الرأسمالية .
و اذا حدث و كان مجموع حسابات الجانب الدائن يختلف عن مجموع حسابات الجانب المدين فان هذا يعني أن الدولة استلمت شيئا دون أن تحدث تسوية له أو أن تكون هناك عملية حدثت فعلا و لم تدرج في الحسابات ، و هكذا عمليا يحدث هذا الاختلاف عادة و يوضع الفرق تحت حساب السهو و الخطأ و ينشأ هذا الأخير من عدم قدرة المسؤولين على تتبع جميع العمليات التي تحدث في التجارة الخارجية .
و من هنا نرى حتمية توازن ميزان المدفوعات و ذلك لأن الدولة لا تستطيع أن تدفع للخارج أكثر مما تتلقاه أو تحصل عليه حاليا باستثناء قيامها بالسحب من احتياطاتها النقدية ، عن طريق بيع بعض أصولها الى الخارج ، الاقتراض من الخارج أو تلقي الهبات و الهدايا ، كما أنها لا تستطيع الحصول على أكثر مما تدفعه للخارج بدون قيامها بزيادة احتياطاتها النقدية أو الأصول الأخرى أو تقليل التزاماتها قيل الأجانب أو تقديم الهدايا و المنح .
-2التوازن الاقتصادي :
إذا كان التوازن المحاسبي هو تساوي مجموع الحسابات الدائنة مع مجموع الحسابات المستقلة فان التوازن الاقتصادي يركز على حسابات معينة دون أخرى . كما يعني هذا التوازن الحالة التي يتساوى فيها الجانب الدائن بالجانب المدين في العمليات المستقلة . و يقصد بالعمليات المستقلة كل المعاملات الاقتصادية التي تتم مع الخارج دون النظر إلى حالة ميزان المدفوعات أو توجهيه في اتجاه ، كالسـعي وراء تحقيق التوازن فيه ، و تشمل هذه العمليات :
• جميع أنواع الصادرات و الواردات المنظورة و غير المنظورة ، قصد تحقيق رغبات المستهلكين
• التحويلات من جانب واحد للتقليل من التفاوت في مستويات الدخول
• حركات رؤوس الأموال طويلة الأجل التي تهدف إلى التمــلك و تحقـيق الأرباح و نسب الفائدة المرتفعة .
• بعض رؤوس الأموال قصيرة الأجل التي تبحث عن المضاربة أو تهريبها بدافع الحيطة و الحذر .
أما باقي العمليات فهي عمليات تسوية ( موازنة ) مشتقة من العمليات المستقلة الهدف منها هو توازن الجانب الدائن مع الجانب المدين و نذكر منها :
حركات الذهب لتسوية الميزان التجاري ، وزيادة الاحتياطي من العملات الأجنبية أو استعمالها حركة رأس المال قصير الأجل في شكل قروض أو تغير في طبيعة الأرصدة الأجنبية و في حركة للأغراض النقدية .
ملاحظة : أن تقسيم عمليات ميزان المدفوعات ألي عمليات مستقلة و عمليات مشتقة يختلف من دولة لأخرى ، و أحيانا تغير نفس الدولة تقسيمها لهذه العمليات من فترة إلى أخرى .

المطلب الثاني : مفهوم اختلال ميزان المدفوعات و أنواعه
بعد تعرضنا إلى التوازن الاقتصادي لميزان المدفوعات ، نلاحظ أن هذا التوازن قلما يحدث ، بحيث هو أحد الحالات الثـلاث لميزان المدفوعات التالية : الفائض ، العجز ، و التوازن . فكل من الفائض و العجز يعد اختلالا لميزان المدفوعات .
-1مفهوم اختلال ميزان المدفوعات :
من النادر أن يتوازن جانبا الإيرادات و المدفوعات ، فقد يكون هناك فائض في حالة زيادة الإيرادات عن المدفوعات ، و يترتب على ذلك أن تكون الدولة في موقف الدائن لبعض الدول الأجنبية ، و هذا يعني وجود فائض لديها من عملات تلك الدول و تستطيع تلك الدولة ذات الفائض في ميزان المدفوعات إما أن تزيد من اقتنائها للسلع و الخدمات الأجنبية و إما أن تقرض هذا الفائض إلى دول أخرى مزاولة نشاط استثماري في الخارج . كما يعني هذا الفائض أيضا أن الدولة المعنية به تعيش في مستوى معيشي أقل من ذلك الذي يمكنها أن تعيش فيه ، أي لم تتمتع بكل ثروتها ، و زيادة الطلب على صادراتها قد يؤدي إلى رفع أسعار منتجاتها مما يؤدي إلى التضخم ما لم تقم الدولة بإجراء مناسبة في هذا المجال ، حيث يدخل النشاط الاقتصادي حلقة توسعية تتضمن اختلالا بين الأسعار و الأجور فتضطرب العلاقات بين فئات المجتمع . كما أن الفائض يمكن الأعوان الاقتصاديين من اللجوء إلى الاستيراد لارتفاع دخولهم ، و لا يمكن للأجانب من استغلال موارد الدولة و مجهودات عمالها فحسب ، بل من عملية استنزاف طاقاتها و خيرتها الإنتاجية كذلك :
و قد تعاني الدولة من عجز في ميزان مدفوعاتها ، و يترتب عن ذلك زيادة في مديونيتها للعالم الخارجي ، فتعيش في مستوى أكبر من إمكاناتها الحقيقية . كما يترتب عن هذا العجز أيضا الإقبال على عملات الدول الدائنة و انخفاض الطلب على العملة المحلية ، و استمرار هذا الوضع يجعل مركز هذه الدولة ضعيفا في الاقتصاد الدولي فتنهار سمعتها الاقتصادية بين المؤسسات المالية الدولية و الإقليمية .
نشير الى أنه ليس كل عجز مشكلة يجب تفاديها ، لأن تحقيق العجز في ميزان مدفوعات الدول النامية يمكنها من تطوير اقتصادياتها في المراحل الأولى من التنمية ، حيث تستورد السلع الاستثمارية لبناء جهازها الإنتاجي .

-2أنواع الاختلال في ميزان المدفوعات
هناك العديد من أنواع الاختلال ، حيث أنها لا تقتصر على العجز فقط ، و إنما تشمل الفائض أيضا ، و تنقسم إلى قسمين :
أ-الاختلال المؤقت : ينقسم بدوره إلى :
• الاختلال العارض : هو الذي ينجم عن حدوث عارض لا يتفق و طبيعة الأمور و لا يعتبر عن أقوى الاقتصادية للدولة كإصابة محصول زراعي بأنه زراعية أو انخفاض أسعار البترول مما يؤدي إلى اختلال سالبا في الميزان التجاري أو قد يكون الاختلال إيجابي مثل الحروب إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية و بالتالي تحقيق فائض في الميزان التجاري و منه قد يؤدي إلى اختلال إيجابي في مجموعه ، حيث أنه يتلاشى عاجلا أو أجلا دون الحاجة إلى تغيير أساسي في الهيكل الاقتصادي للدولة أو سياستها حيث بطبيعته مؤقت يزول السبب الذي أوجده
• الاختلال الموسمي : يتوقف على المدة التي حدث فيها الاختلال و يمس خاصة الدول التي لهذه المحاصيل الموسمية أو منتوجات موسمية فمثلا في فصل الشتاء يزيد الطلب على البترول و الغاز و بعد هذه الفترة يتلاشى هذا الفائض و يتحول إلي عجز حيث لا يتطلب سياسة لمواجهته اذ من المحتمل أن تتعادل الاختلالات الموسمية على مدار السنة .
• الاختلال الدوري : يمس هذا النوع من الاختلال الأنظمة الرأسمالية في فترات الرواج و الكساد تنعكس أثارها على ميزان المدفوعات فهو يحقق عجزا و تارة يحقق فائضا و هذا الفائض أو العجز يطلق عليه الاختلال الدوري نسبة إلى الدورة الاقتصادية ، مثل هذه التقلبات الدورية تنتقل من دورة إلى أخرى من خلال التجارة الخارجية .
و مثل هذا النوع من الاختلال يمكن علاجه عن طريق اتباع السياسات النقدية و المالية
• الاختلال الاتجاهي : هو الاختلال الذي يظهر في الميزان التجاري بصفة خاصة خلال انتقال الاقتصاد القومي من مرحلة التخلف إلى مرحلة النمو ، ذلك أنه في الفترات الأولى للتنمية تزداد الواردات زيادة كبيرة ، في حين تنعدم
القدرة على زيادة الصادرات بنفس الدرجة ، و ذلك بسبب الطلب المستمر على السلع الرأسمالية الوسيطية التي تحتاجها للنمو الاقتصادي ، و هذا الاختلال يعالج عن طريق رؤوس الأموال الدولية طويلة الأجل ، على أنه لما كانت هذه الحركات مرتبطة بدرجة النمو الاقتصادي فقد ميز الاقتصاديون بين مجموعة مختلفة من المراحل التي يتم بها الدول المقترضة لرؤوس الأموال منذ أن تشرع في تمويل عمليات التنمية ، و هذه المراحل هي :
 مرحلة الدول الحديثة و العهد بالاقتراض ، مرحلة الدول المقترضة المتقدمة
 مرحلة الدولة الحديثة العهد بالاقتراض ، مرحلة الدول المقرضة المتقدمة.
• الاختلال النقدي : يعتبر التضخم أحد مصادر اختلال ميزان المدفوعات ، فمن المعروف أن زيادة الدخول النقدية في دولة ما تولد طلبا متزايدا على الواردات كذلك ارتفاع مستوى الأسعار داخليا يشجع على التحول إلى الواردات البديلة بسبب انخفاض أسعارها إذا ما قورنت بالمنتجات المحلية و الطلب الأجنبي بسبب ارتفاع الأسعار ينخفض على صادراتها أو قد يتحول إلى المنافسة و كل من شأنه أن يؤدي إلى عجز ميزان المدفوعات ، هذا العجز لا سبيل لعلاجه إلا بتخفيض القيمة الخارجية للعملة أو اتباع سياسة انكماشية مناسبة .
2 – الاختلال الدائم ( الهيكلي ) : مصدره تغير أساسي في ظروف الطلب أو العرض مما يؤثر على هيكل الاقتصاد القومي و في توزيع الموارد بين قــطاعاته المـختلفة و يرجع إلى العوامل التالية :
– تحول الطلب الخارجي إلى بعض السلع على حساب البعض الأخر مثل التحول من الفحم إلى البترول
– تغير عرض عناصر الإنتاج ، فقد يتغير عرض العمل بسبب النمو أو عرض الموارد الطبيعية بسبب الاستكشاف و التنقيب .
– تغير فنون الإنتاج ، كإحلال عنصر إنتاجي متوفر نسبيا على عنصر أخر نادر نسبيا مما يؤدي إلى انخفاض تكلفة الإنتاج و من زيادة إمكانيات التصدير .
– التغير في الأصول المملوكة للدولة بالخارج ، بسبب الاستثمارات الخارجية مما يؤدي إلى تغير العائد الأتي من الاستثمارات .
– تحسن مستوى المعيشة الداخلية دون أن ترتفع قوتها الإنتاجية بنفس هذا يؤدي إلى زيادة الواردات بدرجة تفوق قوة الدولة على التصدير .
هذا النوع من الاختلال لا يصلح لعلاجه تغير سعر الصرف و لا تغيير سياسة الإنفاق أو سياسة الأسعار ، و إنما يلزمه الارتقاء بالفن الإنتاجي و التنظيمي حتى تنخفض تكاليف الإنتاج في الداخل و الاتجاه نحو فروع إنتاج جديدة ، و تحديد شامل للطاقات الإنتاجية تدعيما للقدرة التنافسية و بالتالي علاجه يتطلب معرفة الأسباب الحقيقية التي أوجدته .

المطلب الثالث : أسباب و مقاييس اختلال ميزان المدفوعات :
هناك عدة أسباب تؤدي ألي اختلال ميزان المدفوعات أهمها :

-1سعر الصرف المعتمد للعملة الوطنية :
إذا كان سعر الصرف أعلى من المستوى الذي يتناسب مع الأسعار السائدة في السوق المحلية ، يؤدي إلى جعل السلع المحلية مرتفعة السعر مقارنة بالدول الأخرى الذي يؤدي إلى انخفاض الطلب الأجنبي عليها و بالتالي ظهور عجز في ميزان المدفوعات .و العكس في حالة تحديد القيمة الخارجية للعملة المحلية عند مستوى أقل مـما يتناسب و الأسعار السائدة في السوق المحلية مما ينتج عنه فائض في ميزان المدفوعات .
-2تغير بنية العلاقات الاقتصادية الدولية :
إن تغير الطلب العالمي على بعض المنتجات نتيجة الإبداع التكنولوجي يؤدي إلى اختلال في موازين مدفوعات الدول المصدرة لهذه المنتجات كما يؤدي تحكم بعض الدول في الفن الإنتاجي و بالتالي زيادة صادراتها في الوقت الذي تنخفض فيه صادرات الدول الأخرى التي لا تزال تكاليف إنتاجها كما هي .
-3التدخل الحكومي :هناك فاصل زمني بين ظهور الرواج و الكساد في الدول المختلفة ، و بالتالي استخدام أدوات السياسة الاقتصادية يمكن أن يحدث خللا في ميزان المدفوعات لأن الرخاء لا يبدأ في جميع الدول في وقت واحد و تختلف حدته من دولة لأخرى .
-4الظروف الطبيعية : تتسبب الظواهر الطبيعية و الحروب في اختلال موازين المدفوعات الدولية و ذلك لما تستدعيه من زيادة الطلب على بعض المنتوجات و عدم القدرة على التصدير بسبب مخاطر الطريق مما يؤدي استفادات الدول الأخرى التي تصدر نفس المنتجات .
• مقاييس الاختلال :
يمكن التمييز بين مقاييس الاختلال ميزان المدفوعات هما ميزان المستويات الرسمية ، و ميزان الأساسي .

-1ميزان المستويات الرسمية :
إذا كان ميزان المستويات الرسمية مدنيا فانه يشير الى زيادة الحسابات الدائنة عن الحسابات المدينة و هذا يعني أن ميزان المدفوعات في حالة فائض ، أما اذا كان ميزان المستويات الرسمية دائنا فذلك يدل على عجز ميزان المدفوعات .
هناك مجموعة من المعاملات التي لها طابع المستوية ، مثل مشتريات و مبيعات العملات الأجنبية بواسطة البنك المركزي أو الهيئة المسؤولة ، بغرض الحفاظ على أسعار الصرف الثابتة . و كون مبيعات الصرف الأجنبي بواسطة الجهات الرسمية يقلل من الاحتياطات الرسمية في الدولة . و المشتريات تزيد من هذه الاحتياطات معناه أن الاحتياطات الرسمية لم تتأثر بأي معاملات أخرى خلال فترة زمنية معينة و بالتالي يمكن اعتبارها مؤشرا لوضع ميزان المدفوعات و رصيد معاملات التسوية الرسمية كمقياس للاختلال يواجه العديد من الصعوبات أدت إلى التخلي عن استخدامه ، نذكر منها :
– تقويم أسعار الصرف و حرية تقبلها جعل استعاب معظم الاختلالات في موازين المدفوعات من خلال تقلبات أسعار الصرف .
– غالبا ما تتأثر الاحتياطات الرسمية بمعاملات أخرى من غير التدخل في سوق الصرف الأجنبي مثل ما حدث في الو.م.أ حيث ارتفعت لاحتياطات الرسمية ارتفاعا مذهلا نتيجة تدفقات الدخل بالدولار للدول المصدرة للبترول حيث استخدمت هذه الاحتياطات في تسوية ميزان المدفوعات الأمريكي في حين أن نسبة كبيرة من هذه التدفقات يمكن نسبها إلى قرار
– صعوبة التمييز بين المعاملات المستقلة و معاملات التسوية فبإمكان دولة ما أن تقترض لسد العجز في الميزانية ، فهذا القرض يعتبر معاملة مستقلة ، و كذلك بإمكانها الاقتراض لزيادة احتياطاتها من الصرف الأجنبي فهذا القرض يعتبر بمثابة معاملة تسوية و يمكن أن يحقق الهدفين معا .

-2 الميزان الأساسي :
الميزان الأساسي هو المجموع الجبري لصافى أرصدة الحساب الجاري و حساب راس المال طويل الأجل و يفترض أن تكون المعاملات في الحسابات المـعينة مستقلة ( مستقلة عن ميزان المدفوعات ) .
تتميز هذه الحسابات بالاستقرار نسبيا في المدى القصير لذلك توضع فوق الخط أما باقي الحسابات التي تتأثر بعوامل مؤقتة توضع تحت الخط .
يقيس التوازن عندما يتساوى الفائض في الحساب الجاري مع تدفقات رأس المال الطويل الأجل إلى الخارج أو عندما العجز في الحساب الجاري مع تدفقات رأس المال الطويل الأجل إلي الداخل .
و لكن العيب في هذا المقياس هو صعوبة التفرقة بين تحركات رأس المال الطويل أو القصير الأجل ، و كون أن بعض التحركات قصيرة الأجل يكون لها أثر في الأجل الطويل ، كما أن التجارة و الخدمات قد تمول برؤوس أموال قصيرة الأجل .
و لهذا تلجأ الدول و خاصة منها المتقدمة إلى أتباع أكثر من أسلوب لتقدير الاختلال في ميزان مدفوعاتها . و كبديل لتعدد المعايير التي تقيس الفائض أو العجز في ميزان المدفوعات نجد فارق الطلب على العملات الأجنبية و العرض منها ن حيث يتحقق التوازن في ميزان المدفوعات لدولة ما إذا تساوي الطلب على العملات الأجنبية و العرض منها خلال فترة زمنية .

المبحث الثالث : تطور ميزان المدفوعات الجزائري و أرصدته
لعبت التطورات الخارجية دورا رئيسيا في الاقتصاد الجزائري بسبب الدور المسيطر لقطاع المحروقات الذي ساهم بنسب كبيرة في إيرادات الميزانية .
المطلب الأول : عرض و تحليل ميزان المدفوعات الجزائري و أرصدته :
-بالرجوع إلى أواخر الستينات حتى غاية 1978 ( رسم بياني رقم 09 ) نلاحظ أن الميزان التجاري المتمثل في الفرق بين الصادرات و الواردات قد سجل عجزا متواصلا ماعدا سنتي 1974 و 1976 حيث كان الرصيد إيجابي يرجع السبب في ذلك طلب الجزائر على المنتجات و المعدات الأجنبية لتلبية احتياطات التصنيع التي انطلقت كما هو معلوم في بداية السبـعينات . نتج عن تحسن المــيزان التجاري خلال سنتي 74 و 1976 عن عاملين على الأقل هما : ارتفاع قيمة الصادرات من جراء ارتفاع أسعار النفط من جهة و انخفاض نسبي لمستوى الواردات
-أما تغطية الواردات بالصادرات خلال الفترة المذكورة كانت ضعيفة نسبيا رسم بياني رقم 09 و هذا ناتج كما أسلفنا عن سياسة التصنيع المنتهجة و قلة الصادرات خارج المحروقات .
-بدأ الميزان التجاري يعرف تحسنا متواصلا انطلاقا من سنة 1979 اثر الصدمة النفطية الثانية التي عادت بربح على الدول المصدرة للبترول منها الجزائر التي استفادت بزيادة في قيمة صادراتها بحوالي 50 % مقارنة بسنة 1978 و تواصل تحسن الميزان التجاري من سنة لأخرى إلى غاية سنة 1986 رسم بياني رقم 10 .
-حتى منتصف الثمانينات تمكنت الجزائر بفضل ارتفاع أسعار النفط من تمويل الاستيعاب المحلي المرتفع إلا أن الهبوط الكبير المفاجئ لأسعار النفط في عام 1986 أبرز الاختلالات الاقتصادية الكلية الناشئة و كذلك جوانب الضعف في اقتصـاد البلاد و لقد انخفضت صادرات النفط الخام الجزائري بمقدار النصف بين عامي 1986-1985 و انخفضت إيرادات الصادرات الكلية بنسبة ; 38 % ( أنظر الشكل رقم 10 ) و استجابة لهذا الوضع و بالرغم من قيام السلطات برفع معدلات الاقتراض فقد كان عليها أن تلجأ إلى فرض قيود على الاستيراد و هكذا انخفضت الواردات بين عامي 1985 و 1987 بنسبة 43 % من حيث القيمة الحقيقية ، و تعرضت المؤسسات العمومية التي تعذر عليها شراء التقديرات اللازمة للصعوبات .
الرسم البياني رقم 09 تطور الميزان التجاري 79-68
الرسم البياني رقم 10 تطور الميزان التجاري 90-80
و ظهرت حوافز قوية لظهور موازية للفقد الأجنبي و على الرغم من انتعاش أسعار النفط تدريجيا بحلول عام 1990 و ارتفاعها بشكل حاد خلال أزمة الخليج في عام 1991 قامت الجزائر ببذل جهود للانتقال إلى اقتصاد أكثر انفتاحا و أكثر اعتمادا على قوى السوق و أبرم اتفاقين تمويلين مع صندوق النقد الدولي في عامي 1989 و 1991 و قد صاحب ذلك عمليات شراء بموجب تسهل التمويل التعويضي الطارئ لصندوق النقد الدولي بسبب تقلب الصادرات و لمواجهة نفقات الواردات من الحبوب ( شكل رقم 10 و 11 ) و في عام 1991 تعرضت الجزائر لأثار الجفاف الذي استمر فترة طويلة و أسعار النفط الدولية التي بدأت في الانخفاض مرة أخرى و أتسم ميزان المدفوعات الجزائري خلال تلك الفترة بخسائر في الاحــتياطات و زيادة الاقتراض و ارتفع رصيد الدين الخارجي من 18,4 مليون دولار ( حوالي 30 % من إجمالي الناتج المحلي عام 1985 ) إلى 26,5 مليون دولار ( 63 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 1993 ) و لم تكن هذه الزيادة ضخمة فحسب بل بدأ نمط أجال الاستحقاق يتجه نحو القصر و أصبح توزيعه غير متكافئ بحلول عام 1994 فقد كانت القروض الجديدة – معظمها من وكالات ائتمان الصادرات قصيرة الأجل ( من سنتين إلى 03 سنوات ) و أسهمت بذلك برفع نسبة خدمة الديون من 35 % من صادرات السلع و الخدمات من غير عوامل الإنتاج في عام 1985 إلى مستوى غير قابل للاستمرار و هو 82 % في عام 1993
و في حين أحرزت السياسات الرامية إلى تحسين الانفتاح الاقتصادي بعض التقدم فانه لم يتم استكمال برنامج الإصلاح و أعاق عبء خدمة الدين الثقيل الجهود المبذولة لتوسيع الطاقة الإنتاجية من خلال الاستثمارات الجديدة و حال دون حدوث انتعاش ملموس للنمو . و مهدت هذه الظروف السبيل أمام التراجع عن الاتجاه نحو اعتماد نظام تجاري أكثر انفتاحا . ففي عام 1992 عادت السياسة التجارية إلى الأساليب الإدارية الماضية عندما فرضت قيودا صريحة على النقد و حظرا على مجموعة واسعة من الواردات . غير أن هذا النهج لم ينجح في احتواء الاختلالات المتزايدة و ظهرت أزمة في النقد الأجنبي في نهاية عام 1993 ، عندما انخفضت الاحتياطات الى أقل من 1,5 مليار دولار ( أي حوالي شهر من الواردات ) في مواجهة هذه الأزمة اتخذت السلطات مبادرة كبر للإصلاح في أوائل عام 1994 ، بمساندة ترتيب توصلت إليه مع صندوق النقد الدولي بالإضافة إلى برنامج شامل لاعادة جدولة الديون . ففي افريل 1994 عقد اتفاق للاستعداد الائتماني مدته سنة ثم اتفاق لمدة ثلاثة سنوات في إطار تسهيل الصندوق المعزز في عام 1995 و صاحب الاتفاقين الحصول على قرض في إطار تسهيل التمويل التعويضي و الطارئ و اتفاقات لاعادة جدولة الديون في نادي باريس . و تم التوصل إلى اتفاق لاعادة جدولة الديون التجارية مع نادي لندن تم إبرامه في جويلية 1996 .
استهدف برنامج السلطات فيما يتعلق بالقطاع الخارجي خفض خدمة الدين إلى مستوى قابل للاستمرار و تحسين أوضاع ميزان المدفوعات بحلول منتــصف عام 1998 . و كان العنصر الرئيسي في هذا الجهد هو خفض قيمة الدينار الجزائري و التحول من ربط الدينار بسلة من العملات إلى نظام التعويم الموجه الذي يستجيب لاشارات السوق على خلاف الفترات السابقة صاحب خفض العملة الحـصول على مـساعدة خارجية و اتباع سياسات اقتصادية ملائمة ساهمت في تعزيز عملية ضبط الأوضـاع المـالية و الإنعاش الاقتصادي . و تضمنت هذه السياسات ما يلي :
-تحرير الأسعار و نظامي الصرف و التجارة بشكل رئيسي لتقريب الأسعار المحلية إلى الأسعار العالمية و تقديم الحوافز الملائمة للسوق .
-اتباع سياسات مالية متشددة
-القيام بإصلاحات هيكلية لإنشاء آليات السوق و تحقيق استجابات العرض
و استهدفت استراتيجية الإصلاح الحد من نقص الواردات الذي نشأ نتيجة الضوابط الإدارية ، و كان الحساب الجاري الخارجي قد تحول من فائض بنسبة 1,6 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 1993 إلى عجز قدره 5,3 % من هذا الإجمالي في عام 1995

الرسم البياني في رقم 11 : تطور الميزان التجاري 98-91
تأثرت الأوضاع الخارجية بشكل سلبي نتيجة لهبوط معدات التبادل التجاري عام 1994 بسبب انخفاض أسعار النفط ، و في عام 1995 بسبب ارتفاع تكاليف استراد الحبوب بينما انخفضت التدفقات المالية الخارجية بشكل ملموس .
ففي عام 1994 كانت التدفقات الرأسمالية الوافدة مازالت مرتفعة إلى حد كبير حيث بلغت 4,6 مليون دولار ، و قد سمحت هذه التدفقات بالإضافة إلى الدعم المقدم لميزان المدفوعات يتراكم الاحتياطات الرسمية إلى ما يعــادل ثلاثة أشهر مـن الواردات ، و انخفاض عبء خدمة الديون من 82 % من الصــادرات إلى 49 % ( شكل 13 ) و على العكس من ذلك في عام 1995 حدثت زيادة في الواردات خارج قطاع المحروقات عقب تطبيق التدابير الخاصة بتحرير الواردات ، و تعويض البلاد لموجة جفاف شديدة بالإضافة تحركات أسعار الصرف التي رفعت تكاليف خدمة الدين من حيث قيمتها بالدولار الأمريكي و أسهمت كل هذه التطورات في تدهور عجز الحساب الجاري إلى أكثر من 5 % من إجمالي الناتج المحلي و مع الإقلال من القروض الجديدة و بالرغم من دعم ميزان المدفوعات بمبلغ 06 ملايين دولار فقد هبطت الاحتياطات الرسمية بمقدار 530 مليون دولار و لكن هذه الاتجاهات طرأ عليها تغيير جذري في عامي 1996 و 1997 فبينما ارتفعت حصيلة صادرات المحروقات بقوة بعد أن قفزت أسعار النفط بمقدار 04 دولارات لتصبح 21,7 دولار في المتوسط للبرميل الواحد ، حدث انكماش في الواردات بعد إشباع الطلب المكبوت عليها و لانتهاء من إعادة تجديد المخزون و انتقل وضع الحساب الجاري إلى فائض بنسبة 2,7 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 1996 و 7,3 % في عام 1997 و على الرقم من حدوث انخفاض أخر التدفقات الرأسمالية الوافدة إلى 1,8 مليون دولار ارتفعت في نهاية 1996 ، و 08 ملايين في نهاية عام 1997 .
و في سنة 1998 و بظهور الأزمة الأسيوية تراجع سعر البرميل من النفط الى مستوى 14,1 دولار في السداسي الأول من سنة 1998 مقابل 19,8 لنفس السداسي من السنة السابقة الأمر الذي انعكس على الايرادات من الصادرات النفطية يتراجعها بقيمة 3,5 مليار دولار . هذا الانخفاض في أسعار النفط أثر
شكل رقم 12 : التدفقات الجارية
شكل رقم13 الدين و خدمة الدين
بشكل كبير على التوازنات الكبرى لاقتصاد الجزائري ، و لقد استمر هذا الانخفاض في نهاية سنة 1998 و طوال سنة 1999 ، أن هذا الوضع ينعكس بدوره على القدرة التسديدية للاقتصاد الجزائري سواء تعلق الأمر بخدمات الدين الخارجي كونها مرتبطة بعوائد الصادرات أو بتسديد الواردات بل يمتد الأمر إلى استخدام الاحتياطي من العملات الأجنبية فالبرغم من انخفاض حجم المديونية الخارجية سنة 1998 إلى 30,5 مليار دولار بعدما كانت 32,2 مليار دولار سنة 1997 فان معدل خدمة الدين انتقل من 30,3 % سنة 1997 إلى 47,50 سنة 1998 ، و إذا كان هذا هو حال انخفاض أسعار النفط فان ارتفاعها بالمقابل يترك أثاره الإيجابية على التوازنات الخارجية للاقتصاد الجزائري كما هو الحال سنة 2000 التي عرفت ارتفاعا مفاجئا لأسعار البرميل من النفط أفرز حصيلة للصادرات في السداسي الأول من هذه السنة ما يقارب 20 مليار دولار و هي حصيلة كان بعيد تخفيضها خلال العام في السنوات السابقة ، حيث بلغ سعر البرميل سنة 2000 ، 28,50 دولار و هي نسبة مرتفعة مقارنة بالسنوات السابقة التي أدت إلى قفزة معتبرة لمخزون احتياطي الصرف الذي بلغ مستوى 11,9 مليار دولار مقارنة بسنة 1999 أين بلغ 4,58 مليار دولار بارتفاع حوالي 3 أضعاف في الوقت الذي سجل رصيد موجب للميزان الجاري ب 8,93 مليار دولار بارتفاع بنسبة 446,5 % مقارنة بسنة 1999 الذي قدر ب 0,02 مليار دولار ، و رصيد مرتفع كذلك للميزان التجاري ب 12,30 مليار دولار بزيادة تقدر ب 366,07 % أي بحوالي 4 أضعاف بنسبة لسنة 99 ، و نفس الشيء للرصيد الإجمالي حيث حقق فائض معتبر مقارنة بسنة 99 أين كان عاجزا ، و استمرت الوضعية الحسنة لميزان المدفوعات خلال سنة 2001 أين سجل رصيد موجب للميزان التجاري لكن بتدهور بنـسبة 21,86 % مقارنة بسنة 2000 و نفس الشيء بالنسبة للرصيد الإجمالي الذي حقق بدوره فائضا لكن بانخفاض بنسبة 18,22 % بالمقارنة مع سنة 2000 ، و هذا راجع لتراجع عائدات النفط أين بلغ سعر البرميل الواحد لــسنة 2001 ب 24,85 دولار ، و هذا كله لم يمنع من تعزيز احتياطات الصرف التي بلغت نهاية سنة 2001 ، 17,96 مليار دولار و 23,10 مليار دولار في نهاية ديسمبر2002 ، هذا ما يؤدي إلى تحسين الوضعية المالية الخارجية و تجنب إعادة جدولة للديون ، حيث أن الجزائر لم تعرف جدولة جديدة لديونها منذ سنة 1998 إلى حد الآن ، حيث قدرت إعادة الجدولة لسنة 1998 ب 0,52 مليار دولار بانخفاض يقدر بنسبة 76,57 % مقارنة بسنة 1997 ، هذا ما بين تحقيق توازنات مالية كبرى ( داخلية و خارجية ) ، و لأول مرة في تاريخ الجزائر تفوق احتياطات الصرف قيمة المديونية الخارجية حيث قدرت نهاية 2022 ب 20,50 مليار دولار أمريكي ، أي أن الجزائر تمتلك تغطية لوارداتها تفوق 24 شهر ، و لقد تعدت احتياطات الصرف سقف 23,00 مليار دولار .
و قد سجل تراجع مليار دولار في الرصيد الإجمالي لميزان المدفوعات أي 5,19 مليار دولار و الاحتفاظ بمستوى الفائض الجاري ب 5,4 مليار دولار سنة 2022 التراجع بنسبة 23,51 % عن سنة 2001 ، و يتراجع بنسبة 16,15 % في الميزان الإجمالي ، أين بلفت صادرات الجزائر في نهاية السداسي الثاني لسنة 2022 ب 18,7 مليار دولار ، و بلغت الواردات 11 مليار دولار ، أي فائض في الميزان التجاري ب 7,8 مليار دولار ، بتراجع عن مستوى سنة 2001 بنسبة 18,83 ، و يرجع هذا الانخفاض إلى تراجع مداخيل الصادرات المحروقات التي بلغت 18,1 مليار دولار مقابل 19,09 سنة 2022 ، و يرجع الارتفاع في مستوى الواردات إلى ارتفاع الواردات التجهيزية التي ارتفعت بنسبة 16,03 % عن سنة 2001 .
هذا التحسن في احتياطي الصرف من شأنه أن يجعل الجزائر في وضعية مربحة ، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع مؤسسات النقد الدولية و القدرة على نتفيذ لمشاريع التنمية مضيفا أن المؤسسات المالية الدولية ترى أن الجزائر خرجت من الوضع المزري الذي كانت عليه و تتعامل معها لأنه من المؤيدين لاصلاحات الاقتصادية .

المطلب الثاني : مشاكل التنبؤ بميزان المدفوعات الجزائري
الجزائر كغيرها من دول العالم الثالث تعرف تخلفا في انتاج المــعلومات الاقتصادية و ضعفا في المنظومة الاعلامية يتمثل في بطىء ترفق المعلومات من مؤسسة لأخرى ، فضلا عن عدم التحكم في أساليب معالجة المعلومات مما ينعكس على مصداقيتها الشيء الذي يجعل الأرقام المقدمة بعيدة عن الواقع ، و ذلك راجع لسببين هما :

-1هشاشة نظام المعلومات الاقتصادية الجزائرية و طبيعة نظام الحسابات القومية :
تتميز المعلومات في الجزائر بالكثير من النسبية و عدم الدفة مما يجعل السياسات المبنية تطرح الكثير من الاعتبارات المصداقية لأن هذه الأخيرة لا يمكن تحقيقها إلا إذا تأكد الأعوان الاقتـصاديون من أن السـلطات الاقتصادية لن تقوم بمراجعة تصرفاتها و تدابيرها في المدى المنطور حيث أن المعلومات في الجزائر تعاني من جوانب قصور عديدة أهمها :
-عدم القدرة على رصد التغيرات و التقلبات العشوائية التي تتعرض لها المقادير الاقتصادية بالنظر إلى المدة الزمنية الكبيرة التي يتم فيها إعادة البيانات .
إن نظام المحاسبة الوطنية الجزائرية الحالي غير قادر على إعداد الجداول الكلية في مدة تتجاوز أحيانا عشر سنوات ، فمنذ الاستقلال إلى اليوم لم يتم إلا اعادا ثلاثة جداول للمخرجات و المدخلات على سبيل المثال إعداد و لا جدول مالي واحد .
-عدم موافقة نظام الحسابات القومية الجزائري للأنظمة المحاسبية الدولية إذ أن الجزائر منذ عام 1975 تعتمد نظاما للحسابات القومية ذو طابع هجين يستدفي الكثير من مفاهيمه و مبادئه نظام المحاسبة للناتج المادي المرتكز على مفاهيم ماركسية تدعمها المنطلقات التنموية السائدة آنذاك التي تستخدم التخطيط المركزي إلا أن الجزائر شأنها في ذلك شأن الدول الانتقالية شرعت في التحول نحو اقتصاد السوق الحر . و هذا التحول يتطلب تغيير الأساليب الإدارية المــستخدمة في الإدارة المـركزية للاقتصاد و تكوين مؤسسات و آليات ذات طابع سوقي إلا أن الأمور قد لا تسير بسرعة مما يخلق بطء في التحول تظهر بعض معالمه فيما يلي :
– بقاء سيطرة القطاع العام على الإنتاج
– تخلف النظام المالي المصرفي و عمله بعيدا عن المعايير الدولية
– ضعف اندماج الاقتصاد الجزائري في الاقتصاد العالمي
و ربما لهذه الأسباب ظل مستمرا استخدام نظام الحسابات الاقتصادية القومية في بلورة الأحصائات رغم كونه لا يستجيب للمرحلة و لا لمتطلبات الهيئة الدولية التي تحتاج الى معلومات ترتكز على تدفقات الدخل و التدفقات المالية و تكون منسجمة مع المعايير الدولية المؤسسة في نظام المحاسبة القومية للأمم المتحدة الذي تمت مراجعته عام 1993 في إطار رؤية شاملة و متكاملة و متناسقة و على هذا أصدر صندوق النقد الدولي مجموعة من الأدلة أهمها :
– دليل ميزان المدفوعات 1993
– إحصاءات مالية لحكومة 1998
– دليل المحاسبة في ظل التضخم 1996
– الإحصاءات النقدية و المالية 1996
حيث أن بقاء نظام المحاسبة الوطنية الجزائري قائما لا يساعد على إعداد موازين المدفوعات وقف المفاهيم الدولية المعتمدة –
-2صعوبة إدراك المتغيرات المؤثرة في سلوك المؤسسات و حجم التأثير الخارجي على الاقتصاد الجزائري :
إن صياغة معادلات سلوكية ليست عملية سهلت ، فالأمر يتطلب القيم بدراسة شاملة لمختلف جوانب الاقتصاد الوطني على مدار عدد كبير من السنوات بالإضافة إلى أن اختيار النماذج الملائمة لطبـيعة الاقتصاد الجزائري و اختبارها يتــطلب عملا ذهنيا و تقنيا ليس دائما متاح و باعتبار ميزان المدفوعات مسجلا سجلا شاملا لمختلف التعاملات مع الخارج فانه يمكننا الإشارة إلى المشكلات التالية :
– مدى القدرة على إدخال قيود كمية التي كانت تفرض على الواردات التي تم التخلي عنها لصالح القيود التعريفية تماشيا مع الجات و المنظمة العالمية للتجارة
– صعوبة إدراك المتغير الأساسي الذي يتحكم في الحصيلة من النقد الأجنبي
– صعوبة تحديد القدرة التنافسية للاقتصاد الجزائري أخذا بعين الاعتبار الأسعار الداخلية مقارنة بالأسعار الخارجية لما لذلك من ارتباط بالدورات الاقتصادية في البلدان من جهة و بتحركات و تقلبات أسعار الصرف المعلومة من جهة أخرى
– صعوبة إدراك نصيب تأثير كل من سياسات العرض و سياسات الطلب على ميزان المدفوعات لما لهما من تداخل في النهاية مما يجعل سياسة التركيز على نوع من السياسات ، لما تظهر صعوبة في ادارة السياستين مع في آن واحد
– عدم اتساق البيانات بالنظر الى اختلاف مصادرها ليتعدى ذلك الى الحديث عن مصداقيتها و تحديد أي البييانات أولى لبالاعتبار بالاضافة الى وجود بيانات تحتاج الى تعديل قبل استخدامها في المعملات و الانماذج و هذا ما طرح مشكلات عند تقديم البيانات الرسمية أمام بعض الجهات كالبرلمان حيث كانت البيانات في كل مرة عرضة للطعن و التشكيك سواء بمناسبة عرض قانون المالية السنوي في ظل ات أخرى ، فوصل الأمر أحيانا إلى اختلاف بيانات نفس الدائرة المركزية الحكومية بمجرد تغيير المسؤول عنها . و إذا كان من البديهي أن الاقتصاديات اليوم مرتبطة فيما بينها لا بنظر إلى :
– التعاون الموجود بين الاقتصاديات في مجال تبادل المعلومات
– التقاطع الموجود بين الكثير من المتغيرات الاقتصادية التي تنمو بالتوازي في مختلف الاقتصادات في نفس الوقت
– التجانس في السـياسات الاقتصادية الذي أصبحت تفرضه الهيئات الدولية حتى و إن كان ذلك لا يعني أن الدول تتبع نفس السياسة في القدرة على تحديد حجم التأثير الذي تمارسه الظروف الدولية على المؤسسات الدولية أمر بالغ الصعوبة و التعقيد و هذا ما يترك ظلالة على التنبؤ بميزان المدفوعات .
إن الوضع الدولي بما يطرحه من مشكلات تجعل الدول دائما في وضعية مراجعة في توقعات النمو العالمي ، نتيجة الأزمات العشوائية غير المتوقعة ، ففي سنة تمت مراجعة توقعات النموذجي :
 الدول السبع الصناعية من 2,5 % إلى 2 %
 دول جنوب شرق أسيا من 6,2 % إلى 3,2 %
 اليابان من 2,3 % إلى 1 %
و مثل هذه الأوضاع لها انعكاساتها على الاقتصاد الجزائري ، الا أن حجم هذه الانعكاسات يبقى صعب التقدير بالنظر الى ضعف اندماج الاقتصاد الجزائري في الاقتصاد العالمي ، و ضعف عوامل الجذب للمناخ الاستثماري الجزائري نتيجة انغلاق الجهاز المصرفي ، ضعف المواصلات و تأرجح الاصلاحات الاقتصادية .

المطلب الثالث : آفاق ميزان المدفوعات الجزائري في ظل المعطيات الاقتصادية الجديدة
ليس من المهم فقط أن نقف على وضعية ميزان المدفوعات ، و انما أيضا معرفة الأفاق المستقبلية له ، هذه الأخيرة تبقى مستحيلة ما لم يتم اعتبار بعض المتغيرات الأساسية في الاقتصاد المرتبطة أكثر بالاقتصاد العالمي ، و باتالي نحاول تحليل عنصرين هامين اللذين يمكن أن يؤثر على الوضع المستقبلي لميزان المدفوعات الجزائري .
_________________
1اليورو و التكامل الاقتصادي الأوروبي :
يعتبر إدخال اليورو متغيرا جديدا من متغيرات الاقتصاد العالمي بالنظر إلى مكانة الاتحاد الأوروبي في العلاقات الاقتصادية الدولية حيث أدى اعتماد اليورو كعملة دفع دولية جديدة منافسة للدولار الأمريكي . فضلا عن إمكانية استخدامه كاحتياطي لدى البنوك المركزية للدول النامية ، و يمكن له أن يؤثر على بعض الاقتصاديات الأخرى من بينها الجزائر ، و ذلك من خلال ارتباط الجزائر مع الاتحاد الأوروبي في تعاملاتها المتميزة ب :
– 66,8 % من الواردات الجزائرية مصدرها الاتحاد الأوروبي
– 62,8 % من الصادرات الجزائرية مالها الاتحاد الأوروبي
– 24,8 % من الديون الجزائرية الخارجية المقومة باليورو
و بهذا يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شريك اقتصادي للجزائر و يتوقع أن يتم تعزيز هذا الوضع بتنفيذ مبادرة أوربا دول المتوسط و أن يساهم في استقرار أسعار الصرف لكونه حل محل معظم عملات دول الاتحاد الأوروبي مما يؤدي إلى زيادة التقلبات القائمة بين أسعار صرف عملات دول الاتحاد ، إلا أن هذا الوضع لا يمنع من تقلب الأورو مقابل الين و الدولار الأمريكي . و سوف يحقق هذا الاستقرار المنافع للدول المثقلة بالديون و العاجزة عن زيادة تنويع التزاماته الخارجية كالجزائر نتيجة محدودية فرص دخولها إلى أسواق الاقتراض العالمي .
و يعمل إدخال اليورو في التعامل على تعديل موقع الدولار الأمريكي في زيادة النظام النقدي الدولي ، مما يؤدي بالولايات المتحدة الأمريكية إلى فقدان جزء من نفــوذها ، و يمكن أن يؤدي ذلك إلى خسارة بالنسبة للشركات للإنعاش الاقتصادي لأن اليورو يستمد قوته من اندماج المجال المالي للاقتصاد الأوروبي و ارتكازه على اقتصاديات ذات حجم قوي نوعا ما كما ستكون السوق المالية الأوروبية بعيدة عن التقلبات النقدية الداخلية و هذا من شأنه تعزيز فرص النمو الأوروبي مما يدعم طلبها على المحروقات و على بعض المواد الأولية من الجزائر ، بالإضافة إلى أن الزيادة في القوة الدورية لمنطقة اليورو و سوف تؤدي إلى زيادة مباشرة في الصادرات الجــزائرية إلى أوربا و يمكن أن يؤدي اعتماد العمل باليورو إلى إصلاح سوق العمل و معالجة المشاكل الاقتصادي الهيكلية الأخرى .
إن من الإشكاليات القائمة اليوم تتعلق بمدى ضرورة تكييف الاقتصاد الجزائري مع اليورو باعتبار الاتحاد الأوروبي أهم شريك للجزائر ، و هل يمتد ذلك إلى الدينار الجزائري باعتماد اليورو مرجعا في تسعيره ؟ و هل يسمح ذلك بتقليص مخاطر الصرف بالنسبة للديون الجزائرية ؟ و يمكن النظر إلى ذلك من زاوية تصحيح سعر الصرف حتى يتلائم مع منطق الروابط التجارية للجزائر .
فإدخال اليورو و تعميمه سيحدث الكثير من الآثار على مستوى العديد من المتغيرات التي لها علاقة مباشرة بميزان المدفوعات الجزائري و أهمها :
 اتجاه الصادرات الجغرافي
 المصدر الجغرافي للواردات
 هيكل الديون الجزائرية بالعملات
 هيكل الاحتياطي من العملة الصعبة
 طرق فوترة و تسديد المعاملات الخارجية
و هي قضايا تبقى متعلقة بالمقدار الذي يمكن أن يكرسه الاتحاد الأوروبي لنفسه في الاقتصاد العالمي أمام المنافسة الأمريكية و اليابانية و الجنوب شرق أسيوية .
-2آفاق النمو العالمي :
لقد أفرزت الأزمة المالية العالمية لسنوات التسعينات مجموعة من الانعكايات على الاقتصاد العالمي خارج التوقعات ، جعلت الاتجاهات العامة للمؤشرات الاقتصادية متوقفة على مستوى النمو أو حجم الركود الاقتصادي الذي يعرفه الاقتصاد العالمي .
و الاقتصاد الجزائري و منه ميزان المدفوعات ليس بعيدا عن هذه الحقيقة ، ذلك أنه بالقدر الذي تسهر فيه العولمة في تشجيع تحرير حركة رؤوس الأموال ، فانها لا تستطيع تحديد آثار المضاربات على هذه الأموال .
لقد أسفرت تلك الأزمة عن ركود اقتصادي رهيب نتج عنه توسع في حجم البطالة ، مما كان له الأثر المباشر على أسعار المواد الأولية و منه النفط ، إن التراجع في أسعار النفط سنة 1998 أدى إلى الحد من فرص النمو في المنـطقة العربية بكاملها ، و الاقتصاد الجزائري المعتمد على النفط لا يمكن تجاوز مشكلاته المرتبطة بتذبذب أسعار النفط الخارجة عن ارادتها بل عن سيطرة منظمة الأقطار المصدرة للنفط أصلا ، بما يجعل من المفيد تحليل دور و مكانة منظمة الأوبيك داخل الاقتصاد على ضوء هذا الواقع .
-غير أن وضع ميزان المدفوعات الجزائري مازال حساسا لعدد من العوامل الخارجية عن إرادتها خصوصا تقلبات أسعار النفط العالمية . و تنطوي التقلبات في أسعار النفط على آثار واضحة بالنسبة للميزان التجاري لأن صادرات المحروقات مازالت تمثل حوالي 95 % من إجمالي حصيلة الصادرات ، و على الرغم من الحاجة إلى تجنب تعرض البلاد للخطر عن طريق تنويع الصادرات فمن المرجح أن تواصل الصادرات النفطية سيطرتها على التدفقات التجارية الجزائرية على المدى الطويل ، بالنظر إلى الاحتياطات المحروقاتية المركبة و خصوصا الغاز الطبيــعي و علاوة عــلى ذلك و بجانب أثر قطاع المحروقات على الاقتصاد المحلي تتأثر عناصر أخرى من ميزان المدفوعات باحتمالات النمو ، في قطاع الصناعة ، مثل تجارة الخدمات ذات الصلة بالنفط و الاستثمارات الأجنبية و الواردات ذات الصلة بالنفط و بالإضافة إلى ذلك مازالت الجزائر معرضة لتغيرات أسعار الحبوب العالمية ، لأنها أكبر مستورد للقمح الخشن ، و تزيد وارداتها من المواد الغذائية على بليوني دولار ، و هناك مجال كبير للتغلب على هذا الوضع مثل تحرير الأسعار في الزراعة الذي أدى ألي زيادة الإنـتاج و من المتوقع أن يؤدي منح حقوق الملكية للمزارعين في عام 1998 إلى زيادة الاستثمارات و ثمة عامل أساسي آخر لتحقيق النمو القابل للاستمرار ، يقترن بقوة الوضع الخارجي ، يتمثل في قدرة الجزائر على اجتناب تدفقات رأس المال الخاص التي ينشأ عنها ديون و خاصة الاستثمار في القطاع الغير محروقاتي . و مع تطور الاقتصاد و تولي قوى السوق تخصيص الموارد لاستخداماته الإنتاجية ، ينبغي أن تتمكن الجزائر من اجتذاب التدفقات الرأسمالية و الاستثمار المباشر بما يتماشى مع الإمكانات الإنتاجية للاقتصاد . و من شأن ذلك أن يسمح بزيادة الواردات و التشجيع على نقل التكنولوجيا و الخبرة الأجنبية و سوف يلعب تحسن الثقة في الإمكانات الاقتصادية الجزائرية و استقرار الأوضاع الاقتصادية و السياسية دورا أساسيا في تعزيز قدرة الجزائر على جذب مستويات أعلى من الاستثمار الأجنبي .
ان حساسية الاقتصاد الجزائري لآفاق النمو العالمي تعود الى عدم مرونة سعر الصرف وهذا مايدفع الى زيادة الطلب على الدولار من قبل الأعوان كونه العملة الأقل خ
خاتمة
يعتبر ميزان المدفوعات أحد المعالم الاقتصادي لأي بلد وكأداة لتسوية المعاملات الخارجية ،حيث تدرج فيه مختلف عمليات التبادل الدولي ،وهو سجل ينقسم إلى جانبين ،جانب دائن تسجل فيه تلك المعلومات التي يترتب عنها دخول للعملة الأجنبية ،وجانب مدين تسجل فيه المعاملات التي تتيح وسائل لتغطية هذه الالتزامات ،كما يساعد السلطات العمومية على صياغة السياسات الاقتصادية المناسبة بالاظافة إلى أنه يسمح بالحكم على الوضعية الاقتصادية والمالية للدولة ،وكمرآة يوضح نقاط الضعف والقوة للبلد من حيث التركيبية السلعية للصادرات والواردات .


مشكور كل الشكر أخي على البحث الجد قيم

الاقتباس غير متاح حاليا
شكرااااااااااااااااااااااا

الاقتباس غير متاح حاليا

شكرا لك merci

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.