الموضوع :
الكناية و بلاغته
1 – تعريف الكناية :
أ – لغة : كنّ الشيءَ : ستره و صانه ، و أكنّ الحُبّ و نحوه في نفسه : أخفاه و لم يذكره ، لا تصريحا ، و لا تلميحا ، و لا تعريضا ، و منه قوله تعالى : ( و لا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم ).
ب – اصطلاحا : هي التكلّم بما يُستدلّ به عليه ، أو التكلّم بشيء و إرادة غيره ، أو هي: لفظ أطلق و أريد به لازم معناه ، مع جـواز إرادة ذلك المعنى الظاهر الحقيقي . مثاله قول الخنساء في أخيها صخر :
طويل النجاد ، رفيع العماد : : كثير الرماد إذا ما شتا ..
2 – أقسام الكناية :/ تنقسم الكناية – باعتبارات مختلفة – إلى أقسام شتى ، هذا بيانها :
أ – باعتبار المكنّى عنه : الكناية باعتبار المكنّى عنه أقسام ثلاثة ، هي :
1 – كناية عن صفة : هي التي بها تطلب نفس الصفة ، مع الملاحظة أنّ الصفة هنا ليسـت النعت المعروف في النحـو
ب – و إمّا للرغبة عن اللفظ الخسيس المفحش إلى ما يدلّ على معناه من غيره : نحو : ( و إن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحـد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيّبا ) فالأولى :كناية عن قضاء الحاجة ، و الثانية : كناية عن الجماع ، و كلاهما مستهجن التصريح به . ومنه : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل و أمّه صدّيقة ، كانا يأكلان الطعام ) فهذا كناية عمّا لا بد لآكل الطعام منه ، و فيه وصف عيسى – عليه السلام – بصفات البشر ، إذ أكل الطعام يتبعه هضم ، و المهضوم يسري في الجسد منه شيء ، و المتبقي يخرج من سبيله المعلوم .
ج – و إمّا للتفخيم و التعظيم و التبجيل : نحو : ( القارعة ما القارعة و ما أدراك ما القارعة ) فهي كناية عن يوم القيامة و منه
( قال أبو القاسم – صلى الله عليه و سلّم – : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير " ) فأبو القاسم :كناية عـن النبي – صلى الله عليه و سلّم – و منه اشتقت الكنية .
خلاصة حول بلاغة الكناية :
الكناية مظهرٌ من مظاهر البلاغة، و أسلوب من أساليب البيان و غاية لا يقوى على الوصول إليها إلاَّ كلّ بليغ متمرِّس،لطف طبْعُهُ، وَ صَفت قريحتُهُ .
إنها تؤدي المعنى الكبير في قليل من اللَّفظ، فتضفي على الإبداع حُسنًا و بهاءً و تزيد الصورة وضوحًا و جما لا .
، بل المقصود بها الصفات المعنوية ، كالجود و الشجاعة و غيرهما ، نحو قول المتنبي :
فمسّاهم ، و بسطهم حرير : و صبّحهم ، و بسطهم تراب
بسطهم حرير : كناية عن العزّ ، و يجوز أن تكون حقيقة ، فتدلّ على الغنى . و بسطهم تراب : كناية عن الفقر والمذلّة ، و يـجوز أن تكون حقيقة ، فتدل على الموت . ..
2 – كناية عن موصوف : و هي التي يطلب بها نفس الموصوف ، و الشرط هنا : أن تكون الصفة مختصة بالمكنى عنه ، لا يتعـدّاه و ذلك ليحصل الانتقال منها إليه ، و فيها : يصرّح بالصفة و بالنسبة ، و لا يصرّح بالموصوف . مثاله : ( قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) أي : الموتى . و منه : ( من يضمن لي ما بين لحييه ، وما بين فخذيه أضمن له الجنة ) ما بين اللحيين : كناية عـن اللسان ، و ما بين الفخذين : كناية الفرج .
3 – كناية عن نسبة : وفيها يصرّح بالصفة و الموصوف و لا يصرّح بالنسبة الموجودة ،مع أنّها هي المرادة .و يراد بها إثبات أمر لأمر آخر أو نفيه . و بعبارة أخرى : يطلب بها تخصيص الصفة بالموصوف . مثاله :
المجد بين ثوبيك : : والكرم ملء برديك .
3 – بلاغة الكناية :/ للكناية أسباب ، فهي تأتي على ثلاثة أوجه ، فتكون :
أ – إمّا للتعمية و التغطية : نحو :
أكني باسمها و قد علم الله : : خفيات كلّ مكتتم .
تطبيقات
أ – بين الكنايات فيمايلي :
-1 قال أبو الطيب المتنبي :
تَضلُّ ملوكُ الأرضِ خاشعة لهُ تفارقُهُ هَلكى ، وتلْقاهُ سُجَّدا
-2 قال جرير :
ووجدٍ قد طويت يكادُ منهُ ضميرُ القلبِ يلتهِبُ التِهابَا
-3 قال أبو قاسم الشابي :
وَ مَنْ لا يُحِبُّ صُعُودَ الجبَال يَعِشْ أَبَدَ الدَّهرِ بين الحُفرْ
الأجوبة
1/ في قول المتنبي : كناية عن قوّة بطشهِ و هيبتِهِ
2./ في قول جرير : كناية على شدِّة العذاب
3/في قول الشابي صعود الجبال كناية عن العلى، و الحُفر كناية عن الّذل :
[ بين الاستعارة و الكناية ]
نسبة الكناية إلى الاستعارة : نسبة خاص إلى عام ، فيمكن القول بأنّ كلّ كناية استعارة ، وليست كلّ استعارة كناية ، و و تختلف الكناية عن الاستعارة بثلاث فروق : -/1 الكناية يصح فيها المعنيان الحقيقي والمجازي وهو المقصود دائما والاستعارة لا يصح فيها المعنى الحقيقي مطلقا . -2/ الاستعارة تقوم على التشبيه بينما الكناية لاتقوم على التشبيه إطلاقا . -3/ الاستعارة لفظها صريح أي يدل عليها ظاهر لفظها بينما الكناية ضد الصريح
فلو قرأت قوله تعالى :
" وَ لا تجْعَلْ يَدَكَ مَغْلوَلةً إِلى عُنقِكَ وَ لا تبْسُطهَا كلَّ الْبَسْطِ فَتقْعُدَ مَلومًا مَحْسُورًا " 2
ألا ترى أنَّ التعبير عن البخل باليد المغلولة إلى العنق، فيه تصوير لهذه الصِّفة المذمومة في صورة بغيضة؟
فهذه اليد المغلولة إلى العنق لا تستطيع أن تمتد، و هذا التعبير التصويري مثَّل لك صورة البخيل الذي لا تستطيع يَدُهُ أَن تمتد بإنفاق و لا عطية مجسَّمة مُحسَّة، كأنَّك تراها و تلمسها أرأيت إلى الكناية،
و روعة استعمالها؟ ألا تحس بجمال تصويرها و حسن أدائها؟ .
و انظر إلى قوله تعالى :
" مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخُذوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كمَثلِ اْلعَنكبُوتِ اتَّخَذتْ بَيْتا " 3
فالله تعالى ضربه مثالا لضعفِ الأمْرِ و هونِهِ في كلِّ شيء، فأنت لو فكَّرت في نفسك، و بالغت في نظرك لوصف الضّعف، لُقلْت : كأضعف ما يكون، أو تقول : هو كالهواء، أو غير ذلك من التقدير و التصوير، لكان دون ما ذكرَهُ الله
تعالى في هذا المثال .
و هكذا لوقلْت : فلانٌ يَكدُّ نفسَهُ في قراءة الكتب، و يتعب نفسه بجمعها، و يتحمَّلُ في التعّلم المتاعب
و الشدائد كلِّها، و لا يفهم شيئا فإنك تجد فرقا بين أن تذكر هذا، و بين أن تتلو الآية، و تقول : " كمَثلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أسفارًا " 4
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .
[img]يسرى[/img]
وفيك بارك الله