06/01/2010
هذا مع إن هذه الفئات قد وجدت لها متسعاً في التاريخ الإسلامي ، ولكن على مستوى آخر غير التاريخ العام، وهو مستوى التراجم الشخصية ، والطبقات الفئوية، التي شملت كل أصناف المجتمع وطبقاته من القمة إلى السفح ، ومن السقف إلى القاع.
وقد عدد مؤرخ الإسلام الكبير الحافظ شمس الدين الذهبي أنواع التواريخ التي تناولت شتى طبقات المجتمع ، فبلغت (40) أربعين تاريخاً ، نقلها عنه الحافظ المؤرخ شمس الدين السخاوي في كتابه "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ" ، وهذه الطبقات أو هذه التواريخ التي ذكرها الذهبي ، هي :
1- سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم.
2- قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
3- تاريخ الصحابة رضي الله عنهم.
4- تاريخ الخلفاء من الصحابة ، ومن بني أمية ، وبني العباس ، ومعهم المروانية بالأندلس والعبيدية بالمغرب ومصر.
5- وتاريخ الملوك والدول ، والأكاسرة والقياصرة ، ومعم ملوك الإسلام ، كابن طولون ، والإخشيد ، وابن بويه ، وابن سلجوق ، ونحوهم ، وملوك خوارزم ، والشام ، وملوك التتار ، ومن لقب بالملك.
6- تاريخ الوزراء ، أولهم هارون عليه السلام ، وأبو بكر ، وعمر ، وبعضهم دخل في الأنبياء ، وفي الخلفاء ، وغير ذلك ، وفي الملوك.
7- تاريخ الأمراء ، والأكابر ، ونواب الممالك ، وكبار الكتاب ، ومنهم خلق من الموقعين ، وبعضهم أدباء ، وشعراء.
8- تاريخ الفقهاء وأصحاب المذاهب ، وأئمة الأزمنة ، والفرضيين ، قلت: ويدخل فيه أهل الاجتهاد ممن قُلّد ، وغيرهم.
9- تاريخ القراء بالسبع (أي بالقراءات السبع ، وينبغي أن نضم إليها الثلاث الأخرى من القراءات العشر).
10-تاريخ الحفاظ.
11-تاريخ مشيخة المحدثين وأئمتهم.
12-تاريخ المؤرخين.
13-تاريخ النحاة ، والأدباء ، واللغويين ، والشعراء ، والبلغاء ، والعروضيين، والحساب.
14-تاريخ العباد ، والزهاد ، والأولياء ، والصوفية ، والنساك.
15-تاريخ القضاة ، والولاة ، ومعهم تاريخ الشهود ، والأمناء.
16-تاريخ المعلمين ، والوراقين ، والقصاص ، والطرقيّة ، والغرباء.
17-تاريخ الوعاظ ، والخطباء ، وقراء الأنغام ، والندماء ، والمطربين.
18-تاريخ الأشراف ، والأجواد ، والعقلاء ، والأذكياء ، والحكماء.
19-تاريخ الأطباء ، والفلاسفة ، والزنادقة ، والمهندسين ، ونحو ذلك.
20-تاريخ المتكلمين ، والجهمية ، والمعتزلة ، والأشعرية ، والكرامية ، والمجسمة.
21-تاريخ أنواع الشيعة ، من الغلاة ، والرافضة ، وغير ذلك.
22-تاريخ فنون الخوارج ، والنواصب ، وأنواع المبتدعة ، وأهل الأهواء.
23-تاريخ أهل السنة من علماء الأمة ، وصوفيتها ، وفقهائها ، ومحدثيها.
24-تاريخ البخلاء والطفيلية ، والثقلاء ، والأكلة ، وذوي الحمق ، والخيلاء ، والسفهاء ، قلت (والقائل السخاوي) : ولم يتعرض لضدهم من الكرماء والأجواد ، كأنه للاكتفاء بالأجواد فيما تقدم ، وقد اجتمع لي منهم جملة.
25-تاريخ الأضراء (جمع ضرير وهو الكفيف) والزّمْنَى ، والصم ، والخرس ، والحدبان (ذوي الظهر الأحدب).
26-تاريخ المنجمين ، والسحرة ، والكيمائيين ، والمطالبين ، والمشعوذين. ( يقصد بالكيمائيين : الذين يزعمون أنهم يحولون الحديد إلى ذهب!! ولهذا وضعهم مع السحرة وأشباههم).
27-تاريخ النسابين ، والأخباريين ، والأعراب.
28-تاريخ الشجعان ، والفرسان ، والشطار ، والسعاة.
29-تاريخ التجار ، وعجائب الأسفار ، والبحار ، وغرباء البحرية ( كأنه يقصد : القراصنة).
30-تاريخ أولى الصنائع العجيبة ، والرشقين في أشغالهم ، واقتراحهم ، وتوليد فنون الأعمال.
31-تاريخ الرهبان ، وأولي الصوامع ، والخلوات ، والأحوال الفاسدة.
32-تاريخ الأئمة (أئمة المساجد) ، والمؤذنين ، والموقتين ، والمعبرين ، والعامة.
33-تاريخ قطاع الطرق ، والفداوية ، ولُعّاب الشطرنج والنرد والقمار ، قلت : وترك الرمي بالنشاب.
34-تاريخ الملاح ، والعشاق ، والمتيمين ، والرقاصين ، وشربة الخمور ، وأهل الخلاعة ، والقيادة ، والكذب ، والأبْنة.
35-تاريخ أولي الدهاء والحزم والتدبير والرأي والخداع والحيل.
36-تاريخ المنديين ، والمخايلين ، والصانعين ، والفرشيين ، والمخنثين ، وأهل المجون ، والمزاح ، والتجر ، والتلار ، والكذب. ( هذه مصطلحات لفئات كانت معروفة في زمن الذهبي ، وإن لم نعرف مضمونها بالضبط، ولكن يظهر أنها جميعاً مذمومة بدليل ما عطفت عليها).
37-تاريخ عقلاء المجانين ، والموسوسين ، والمتمرين ، والمدمغين ، والمطعومين.
38-تاريخ السائلة ، والشحاذين ، والمتنين ، والحرافشة ، والجمرية .
39-تاريخ قتلى القرآن والحب والسماع والفرع والحال.
40-تاريخ الكهان ، وأولي الخوارق والكشف ، الذي كأنه كرامات ، من الفسقة وغيرهم .
قال الذهبي : فهذه أربعون تاريخاً.
وأود أن أضيف هنا : ملاحظات خمساً :
الأولى : أنه أغفل ذكر تاريخ بعض الطبقات المهمة في المجتمع مثل أصحاب الحرف المختلفة ، مثل : النجارين والحدادين ، والبنائين ، والخياطين ، والصباغين ، والصيادين ، والجزارين ، والنحاسين ، والصاغة ، وغيرهم من ذوي الحرف.
ِالثانية : أنه لم يذكر : تاريخ المتنبئين ، ممن ادعى النبوة مثل مسيلمة وسجاح والأسود العنسي وطلحة الأسدي ومن بعدهم.
الثالثة : أنه لم يذكر : تاريخ البلدان ، مثل تاريخ مكة ، والمدينة ، وتاريخ دمشق ، وبغداد ، واليمن ، ومصر ، وجرجان ، وخراسان ، وغيرها ، بل تواريخ أقاليم ومدن في البلدان الكبيرة ، مثل الصعيد والإسكندرية في مصر.
الرابعة : أنه جمع أحياناً فئات متباينة في تاريخ واحد ، مثل : تاريخ النحاة ، والأدباء ، واللغويين والشعراء والبلغاء والعروضيين ، والحساب ، وهم في الحقيقة أكثر من فئة.
ومثل ذلك : تاريخ الوعاظ ، والخطباء ، وقراء الأنغام ، والندماء ، والمطربين ، والآخرون غير الأولين قطعاً.
الخامسة : أن هناك تواريخ اهتمت بأهل قرن معين ، مثل "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة "لابن حجر ، و "الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع" للسخاوي ، وغيرها.
ِعلى أن كتب التاريخ العام أو التاريخ السياسي لا تهتم من التواريخ الأربعين التي ذكرها الذهبي ، إلا بثلاثة أو أربعة منها ، وهو : تاريخ الملوك والأمراء والوزراء وأمثالهم ، دون بقية الأصناف والفئات.
وقد حاول الإمام الذهبي في تاريخه "تاريخ الإسلام" أن يترجم للأعلام من شتى الطبقات ، فكان أقرب إلى الاستيعاب والإنصاف.
قال العلامة السخاوي في كتابه "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ": وقرأت بخط الذهبي أيضاً في تاريخ الإسلام له : أنه " جمعه ، وتعب فيه ، واستخرجه من عدة تصانيف ، يعرف بها الإنسان ما مضى من التاريخ ، من أول تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا ، ومن وفيات الكبار من الخلفاء ، والقراء ، والزهاد ، والفقهاء ، والمحدثين ، والعلماء ، والسلاطين ، والوزراء ، والنحاة ، والشعراء ، ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم ، وشيوخهم وبعض أخبارهم ، بأخصر عبارة ، وألخص لفظ ، وما تم من الفتوحات المشهورة ، والملاحم المذكورة ، والعجائب المسطورة ، من غير تطويل ، ولا إكثار ، ولا استيعاب ، ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم ، وأترك المخمولين ومن يشبههم , وأشير إلى الوقائع الكبار ، إذ لو استوعبت التراجم والوقائع ، لبلغ الكتاب مائة مجلد ، بل أكثر ، لأن فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلداً).
وذكر الذهبي ما طالعه من الكتب لتصنيف (تاريخه) فكان عدداً كبيراً وبعضها ليس نصاً في التاريخ ، ولكنه استفاد منه مادة تاريخية.
المرجع : تاريخنا المفترى عليه!! للدكتور يوسف القرضاوي ، ص244