التصنيفات
تاريـخ,

تاريخنا الإسلامي لا يجب أن يكون سياسياً فقط !!

تاريخنا الإسلامي لا يجب أن يكون سياسياً فقط !!

21/01/1431 الموافق
06/01/2010

إن كتب التاريخ العام التي صنفها المؤرخون الكبار جعلت أكبر همها ومحور بحثها وعنايتها : الجانبَ السياسيّ والعسكريّ في التاريخ ، وكأنها قصرت التاريخ على الملوك والحكام ومن يدور في فلكهم من القواد والأعوان، ولم تعط مساحة كافية للشعوب والجماهير والفئات والطبقات المختلفة في قلب المجتمع.

هذا مع إن هذه الفئات قد وجدت لها متسعاً في التاريخ الإسلامي ، ولكن على مستوى آخر غير التاريخ العام، وهو مستوى التراجم الشخصية ، والطبقات الفئوية، التي شملت كل أصناف المجتمع وطبقاته من القمة إلى السفح ، ومن السقف إلى القاع.

وقد عدد مؤرخ الإسلام الكبير الحافظ شمس الدين الذهبي أنواع التواريخ التي تناولت شتى طبقات المجتمع ، فبلغت (40) أربعين تاريخاً ، نقلها عنه الحافظ المؤرخ شمس الدين السخاوي في كتابه "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ" ، وهذه الطبقات أو هذه التواريخ التي ذكرها الذهبي ، هي :

1- سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم.

2- قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

3- تاريخ الصحابة رضي الله عنهم.

4- تاريخ الخلفاء من الصحابة ، ومن بني أمية ، وبني العباس ، ومعهم المروانية بالأندلس والعبيدية بالمغرب ومصر.

5- وتاريخ الملوك والدول ، والأكاسرة والقياصرة ، ومعم ملوك الإسلام ، كابن طولون ، والإخشيد ، وابن بويه ، وابن سلجوق ، ونحوهم ، وملوك خوارزم ، والشام ، وملوك التتار ، ومن لقب بالملك.

6- تاريخ الوزراء ، أولهم هارون عليه السلام ، وأبو بكر ، وعمر ، وبعضهم دخل في الأنبياء ، وفي الخلفاء ، وغير ذلك ، وفي الملوك.

7- تاريخ الأمراء ، والأكابر ، ونواب الممالك ، وكبار الكتاب ، ومنهم خلق من الموقعين ، وبعضهم أدباء ، وشعراء.

8- تاريخ الفقهاء وأصحاب المذاهب ، وأئمة الأزمنة ، والفرضيين ، قلت: ويدخل فيه أهل الاجتهاد ممن قُلّد ، وغيرهم.

9- تاريخ القراء بالسبع (أي بالقراءات السبع ، وينبغي أن نضم إليها الثلاث الأخرى من القراءات العشر).

10-تاريخ الحفاظ.

11-تاريخ مشيخة المحدثين وأئمتهم.

12-تاريخ المؤرخين.

13-تاريخ النحاة ، والأدباء ، واللغويين ، والشعراء ، والبلغاء ، والعروضيين، والحساب.

14-تاريخ العباد ، والزهاد ، والأولياء ، والصوفية ، والنساك.

15-تاريخ القضاة ، والولاة ، ومعهم تاريخ الشهود ، والأمناء.

16-تاريخ المعلمين ، والوراقين ، والقصاص ، والطرقيّة ، والغرباء.

17-تاريخ الوعاظ ، والخطباء ، وقراء الأنغام ، والندماء ، والمطربين.

18-تاريخ الأشراف ، والأجواد ، والعقلاء ، والأذكياء ، والحكماء.

19-تاريخ الأطباء ، والفلاسفة ، والزنادقة ، والمهندسين ، ونحو ذلك.

20-تاريخ المتكلمين ، والجهمية ، والمعتزلة ، والأشعرية ، والكرامية ، والمجسمة.

21-تاريخ أنواع الشيعة ، من الغلاة ، والرافضة ، وغير ذلك.

22-تاريخ فنون الخوارج ، والنواصب ، وأنواع المبتدعة ، وأهل الأهواء.

23-تاريخ أهل السنة من علماء الأمة ، وصوفيتها ، وفقهائها ، ومحدثيها.

24-تاريخ البخلاء والطفيلية ، والثقلاء ، والأكلة ، وذوي الحمق ، والخيلاء ، والسفهاء ، قلت (والقائل السخاوي) : ولم يتعرض لضدهم من الكرماء والأجواد ، كأنه للاكتفاء بالأجواد فيما تقدم ، وقد اجتمع لي منهم جملة.

25-تاريخ الأضراء (جمع ضرير وهو الكفيف) والزّمْنَى ، والصم ، والخرس ، والحدبان (ذوي الظهر الأحدب).

26-تاريخ المنجمين ، والسحرة ، والكيمائيين ، والمطالبين ، والمشعوذين. ( يقصد بالكيمائيين : الذين يزعمون أنهم يحولون الحديد إلى ذهب!! ولهذا وضعهم مع السحرة وأشباههم).

27-تاريخ النسابين ، والأخباريين ، والأعراب.

28-تاريخ الشجعان ، والفرسان ، والشطار ، والسعاة.

29-تاريخ التجار ، وعجائب الأسفار ، والبحار ، وغرباء البحرية ( كأنه يقصد : القراصنة).

30-تاريخ أولى الصنائع العجيبة ، والرشقين في أشغالهم ، واقتراحهم ، وتوليد فنون الأعمال.

31-تاريخ الرهبان ، وأولي الصوامع ، والخلوات ، والأحوال الفاسدة.

32-تاريخ الأئمة (أئمة المساجد) ، والمؤذنين ، والموقتين ، والمعبرين ، والعامة.

33-تاريخ قطاع الطرق ، والفداوية ، ولُعّاب الشطرنج والنرد والقمار ، قلت : وترك الرمي بالنشاب.

34-تاريخ الملاح ، والعشاق ، والمتيمين ، والرقاصين ، وشربة الخمور ، وأهل الخلاعة ، والقيادة ، والكذب ، والأبْنة.

35-تاريخ أولي الدهاء والحزم والتدبير والرأي والخداع والحيل.

36-تاريخ المنديين ، والمخايلين ، والصانعين ، والفرشيين ، والمخنثين ، وأهل المجون ، والمزاح ، والتجر ، والتلار ، والكذب. ( هذه مصطلحات لفئات كانت معروفة في زمن الذهبي ، وإن لم نعرف مضمونها بالضبط، ولكن يظهر أنها جميعاً مذمومة بدليل ما عطفت عليها).

37-تاريخ عقلاء المجانين ، والموسوسين ، والمتمرين ، والمدمغين ، والمطعومين.

38-تاريخ السائلة ، والشحاذين ، والمتنين ، والحرافشة ، والجمرية .

39-تاريخ قتلى القرآن والحب والسماع والفرع والحال.

40-تاريخ الكهان ، وأولي الخوارق والكشف ، الذي كأنه كرامات ، من الفسقة وغيرهم .

قال الذهبي : فهذه أربعون تاريخاً.

وأود أن أضيف هنا : ملاحظات خمساً :

الأولى : أنه أغفل ذكر تاريخ بعض الطبقات المهمة في المجتمع مثل أصحاب الحرف المختلفة ، مثل : النجارين والحدادين ، والبنائين ، والخياطين ، والصباغين ، والصيادين ، والجزارين ، والنحاسين ، والصاغة ، وغيرهم من ذوي الحرف.

ِالثانية : أنه لم يذكر : تاريخ المتنبئين ، ممن ادعى النبوة مثل مسيلمة وسجاح والأسود العنسي وطلحة الأسدي ومن بعدهم.

الثالثة : أنه لم يذكر : تاريخ البلدان ، مثل تاريخ مكة ، والمدينة ، وتاريخ دمشق ، وبغداد ، واليمن ، ومصر ، وجرجان ، وخراسان ، وغيرها ، بل تواريخ أقاليم ومدن في البلدان الكبيرة ، مثل الصعيد والإسكندرية في مصر.

الرابعة : أنه جمع أحياناً فئات متباينة في تاريخ واحد ، مثل : تاريخ النحاة ، والأدباء ، واللغويين والشعراء والبلغاء والعروضيين ، والحساب ، وهم في الحقيقة أكثر من فئة.

ومثل ذلك : تاريخ الوعاظ ، والخطباء ، وقراء الأنغام ، والندماء ، والمطربين ، والآخرون غير الأولين قطعاً.

الخامسة : أن هناك تواريخ اهتمت بأهل قرن معين ، مثل "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة "لابن حجر ، و "الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع" للسخاوي ، وغيرها.

ِعلى أن كتب التاريخ العام أو التاريخ السياسي لا تهتم من التواريخ الأربعين التي ذكرها الذهبي ، إلا بثلاثة أو أربعة منها ، وهو : تاريخ الملوك والأمراء والوزراء وأمثالهم ، دون بقية الأصناف والفئات.

وقد حاول الإمام الذهبي في تاريخه "تاريخ الإسلام" أن يترجم للأعلام من شتى الطبقات ، فكان أقرب إلى الاستيعاب والإنصاف.

قال العلامة السخاوي في كتابه "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ": وقرأت بخط الذهبي أيضاً في تاريخ الإسلام له : أنه " جمعه ، وتعب فيه ، واستخرجه من عدة تصانيف ، يعرف بها الإنسان ما مضى من التاريخ ، من أول تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا ، ومن وفيات الكبار من الخلفاء ، والقراء ، والزهاد ، والفقهاء ، والمحدثين ، والعلماء ، والسلاطين ، والوزراء ، والنحاة ، والشعراء ، ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم ، وشيوخهم وبعض أخبارهم ، بأخصر عبارة ، وألخص لفظ ، وما تم من الفتوحات المشهورة ، والملاحم المذكورة ، والعجائب المسطورة ، من غير تطويل ، ولا إكثار ، ولا استيعاب ، ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم ، وأترك المخمولين ومن يشبههم , وأشير إلى الوقائع الكبار ، إذ لو استوعبت التراجم والوقائع ، لبلغ الكتاب مائة مجلد ، بل أكثر ، لأن فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلداً).

وذكر الذهبي ما طالعه من الكتب لتصنيف (تاريخه) فكان عدداً كبيراً وبعضها ليس نصاً في التاريخ ، ولكنه استفاد منه مادة تاريخية.

المرجع : تاريخنا المفترى عليه!! للدكتور يوسف القرضاوي ، ص244


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.