التصنيفات
لغــة وأدب عربي

سؤال واجواب في اللسانيات

س – هل هناك بعض القضايا اللغوية التي لم تحسم بعد في علم اللغة واللسانيات؟.
أرجو توضيح معنى اللسانيات وهل هناك فرق بينه وبين علم اللغة؟
وهل نقول علم اللسانيات أم اللسانيات؟ ولماذا؟

ج – اللسانيات هي علم اللغة ولا نقول علم اللسانيات لِما في المصطلَح من تكرار
واللسانيات هي العلم الذي يدرس اللغات البشرية دراسة منهجيّة بأدوات وصفية تحليلية
وبطريقة موضوعية متجرّدة تخلو من الاعتبارات المذهبيّة والذّاتية …

أما القضايا التي لم تُحسم بعدُ في اللسانيات فَما أكثَرَها
منها على سبيل المثال دراسَة المعنى
هل المعنى معطى موضوعيّ يخضع للملاحظة والدّراسة العلمية الدّقيقة
أم تلتبس بِه الاعتبارات الذاتية والاجتماعية وغير ذلك من الجوانب التي يصعب الإمساك بِها وإخضاعها للملاحظة والتّجريب
وما يُقال في المعنى يُقال في الجوانب التّداوليّة والدّلاليّة وغير ذلك

—-


س – يكثُر الكلامُ عن لسانيات دوسوسير ورِيادتِه في البحث اللساني
ومنهجِه الجديد الذي خرقَ حجُبَ البحث اللغوي وكشف عن أسرارٍ
في الظّاهرة اللغويّة
فماذا عن هذا العالِم الكبير ؟

ج – دوسوسير يختلف عن اللغويين القدماء اختلافا كبيرا
فقد دعا إلى دراسة وصفية موضوعية للغة
مجرّدَةً عن الاعتباراتِ المعياريّة التي نجدُها عند القدماء
في تمييزهم بين الصحيح والخاطئ من التّراكيب

وميّزَ بين الدّراسة الآنية السّنكرونيّة للغة
والدّراسة التّطوّريّة الدّياكورنية
أي إنّ الدّارسَ اللسانيّ لكي يدرك التسلسلَ
أو التعاقُبَ الزّماني في اللغة عليه أن ينظرَ إلى الظّواهرَ اللغوية
من جهتينِ: جهة الثباتِ والسّكون أو السانكرونيّة
وجهة الحركة والتغيّر في الزّمان أو الدّياكرونيّة
وهذه ثنائيّة متمكّنة من الظّاهرة اللّغويّة
وعلى اللسانيات أن تتّخذَ منهجها بناءً على كثير من الثنائيات منها السكونية
والتّعاقُب ، ومنها علاقة الدّالّ بالمدلول …
فمقولَة الزّمان والتّعاقُب الزّماني والتسلسل الزّماني لا تنفكّ عن فعل اللّغة

وبناء عليه فقد جاء منهجه مخالفا لمنهجِ اللغويين السابقينَ له
ودَعا إلى أسس جديدة في تصوّر اللسانيات
تختلف عن أسس التفكير اللغوي عند النحاة الهنود
والإغريق والعرب والرومان

وأهمّ ما يميّز الظّاهرة اللغوية عند دوسوسير
أنّها ظاهرة مجتمعيّة أكثر منها ظاهرة نفسية
والمقصود بذلِكَ أنّها يُصيبُها التّغيّر والتّطوّر باستمرار
ومعنى ذلك أنّ اللغةَ تقعُ أحداثُها في التتابُع الزّماني
بينما أغفل كثير من الفلاسفة واللغويين قديما
البعدَ الزّماني المؤثّرَ في اللغة أي إنّ الصّوتَ يتحدّد في التّعاقُب الزّماني
ولا يُمكن أن نتصوّرَ علاقَة الدّالّ بالمدلولِ إلاّ إذا راعينا تتابُعَ الأصواتِ
فالصّوتُ يتحدّد بكونِه يَمتدّ زمانا ثمّ يختفي

هذا بالإضافَة إلى أنّ اللغة تندرِجُ في بنيةٍ أو نَسَق يرفعُها إلى مستوى من التّجريد
اعتماداُ على مبدإ التّقابُل بين وحداتٍ أو كياناتٍ أو عناصرَ لغويّةٍ ، وتضادِّها
فاللسانُ نسَق تقومُ العلاقاتُ فيه على تقابُل العناصرِ
وهذا المنهج البنيويّ أي البحث في علاقات النّظام أو النّسق، يختلف اختلافاً جذريا
عن منهج اللغويين القدماء ولغويي القرن التاسع عشرَ الذي كان يعتمدُ على
الاهتمام بخواصّ الأشياءِ وماهيتِها وجوهرِها

ـــــــــــــــــــــ
للاستفادة أكثر يرجى الاطلاع على أفكارِ رائد اللسانيات الحديثة “دوسوسير”
في كتابِه “مُحاضرات في علم اللسان العامّ”
ترجمة الدكتور عبد الرحمن حاج صالح


——

س – ما هي النظرية الدلالية ؟

ج – إنّ النّظريّةَ الدّلاليّةَ نظريّات :

فهناك نظرياتٌ دلاليّةٌ ظهرت قبل ظهورِ المدرسَة التّوليديّة : كالنّظريّة المرجعيّة

ونظريّة الأفكار والنّظريّة السّلوكيّة ونظريّة المَعْنى والاستعمال ونظريّة المعنى والأفعال اللغويّة

ثمّ هناك نظريات للدّلالة ظهرت مع المدرسة التّوليدية كالنّظرية النفسيّة أو الذّهنيّة التوليديّة
ونظريّة الدّلالة التّصوريّة و النّظريّة التّفاعليّة في تصوّر المعنى

ومن النماذج الدّلالية التوليدية : الدلالة التأويليّة التي ظهرت مع كاتز وبوسطل وفودور،
والدّلالة التّوليديّة من خلال نموذج غروبر

والحقيقة أنّ البنية الدّلالية في المقاربات اللسانية الحديثَة يغلبُ عليها الطّابع الذّهني التّصوّري،
وهذه البنية التّصوّريّة ذات حضورٍ كبيرٍ في تحليل البنى اللغوية
——

سأل سائلٌ في مجلس علميّ غيْرِ هذا عن الفُروقِ بين اللّسانيّاتِ البنيويّة واللسانيّاتِ الوظيفيّة

**************************************************

الجَوابُ :

يُمكنُ أن نُميّزَ بينَ بنيويّةٍ و وظيفيّةٍ ، أو بعبارةٍ أدقَّ بيَنَ تيّارٍ لسانيّ وظيفيّ، وتيارٍ لسانيّ صورِيّ أو بنيويّ:

أ- ويدخُلُ في التّيارِ الصّوريّ كلّ النّظرِيّاتِ اللّسانيّةِ التي تَسْعى
إلى تَفسيرِ الخَصائصِ الصّورِيّةِ للغاتِ الطّبيعيّةِ بِمعزِلٍ عن وظيفتِها التّواصليّةِ،

ب- و يَدخُلُ في التّيارِ الوظيفيّ كلُّ النّظرِيّاتِ اللّسانيّةِ التي تَجْعَلُ من مَبادئِها المَنْهجيّةِ العامّةِ
تَفْسيرَ الخَصائصِ الصّورِيّةِ للغاتِ الطّبيعيّةِ ، وذلِك بربْطِ هذه الخَصائصِ بِوظيفةِ اللّسانِ الطّبيعيّ التّواصليّةِ

أمّا وجوه الاختِلافِ الرّئيسَةُ فيُمكنُ اختصارُها في ما يلي :

1- تَـعُـدّ النّظريّاتُ الصّوريّةُ اللّغةَ نسَقاً مجرّداً يؤدّي وظيفةَ التّعبيرِ عن الفكرِ،
أمّا النّظريّاتُ الوظيفيّةُ فتعدّ اللّغةَ وسيلةً للتّواصُلِ أي نسقاً رمزياً يؤدّي مجموعةً من الوظائفِ،
أهمّها وظيفةُ التّواصُل

2- تعتمدُ النّظرِيّاتُ الوظيفيّةُ ِفرضيّةً مفادُها أنّ بنياتِ اللّغاتِ الطّبيعيّة
لا تُرْصَدُ خصائصُها إلاّ إذا رُبِطَتْ هذه البنيةُ بوظيفةِ التّواصُل .
أمّا النّظرِيّاتُ الصّورِيّةُ (ومنها البنيويّة) فتنطلقُ من مبدإ أنّ اللغةَ نسقٌ مجرّد
يُمكن وصفُ خصائصِه من دونِ اللّجوءِ إلى وظيفتِه الاستعماليّة

3- قدرةُ المتكلّم/السّامِع في رأي الصّوريّينَ هي معرفتُه بالقواعدِ اللّغويّة الخالصَة
(التّركيبيّة الدّلاليّة الصّوتيّة) أمّا القدرةُ عند الوظيفيّينَ فهي معرِفةُ المتكلّمِ بالقواعدِ
التي تمكّنُه من تحقيق الأغراض التّواصليّةبواسطِ اللّغة

4- يُعدّ “التّركيبُ /الصّرفُ” في النّظريّاتِ الصّورِيّة مستوى مركزياً في النّحو
أمّا الدّلالة والوظائفُ التّداوليّة فليست إلاّمستوياتٍ تقومُ بدورٍ تأويليّ ،أمّا في النّظرياتِ الوظيفيّة فالمستوى التّداوليّ-الدّلاليّ يحتلّ داخلَ النّحوِ مستوى مركزيّاً ويَتَولّى تحديدَ خصائصِ التّركيب.



—-
س – ما هو الحقل الدلالي للقرابة في اللغة العربية ؟

ج – يتألّفُ الحقل الدلالي من مجموعة من المعاني ِأو الكلمات المتقاربة التي تَدورُ في فلكِ مَعْنى عامّ ،
وهي كلماتٌ أومَعانٍ تشترِك فيما بينها في عناصر أو خصائصَ دلالية مشتركة،
وبذلك تكتسب الكلمة معناها من علاقاتها بالكلمات الأخرى
وتُعدّ مَعاجمُ الموضوعاتِ أوالرّسائلُ اللّغويّة التي ألَّفها اللغويّونَ العربُ مصنّفاتٍ في إطارِ “الحُقول الدّلاليّة”

نستطيع أن نتحدّث عن الحقل الدّلاليّ للإنسان ، والألوان ، والعِلْم …إلخ…

الحقل الدّلاليّ للقرابَة يضمّ الكلماتِ ذاتِ الصّلَة بالقَرابَة كالأسرة والعائلَة والأقارِب والإخوة والأعمام و الأخوال والجدود
والأولاد والأحفاد …

والحقلُ الدّلاليّ العامّ كالقرابَة أو الإنسان أو الألوان ، يتميّزُ باتّساعِ المساحَة والغِنى بالخصائصِ الدّلاليّة
وكلّما فرّعْنا الحقلَ الدّلاليّ العامّ إلى فروعٍ أو أقسامٍ تنحدر منه ، ضاقتْ مساحَةُ الحقل
فحقلُ الألوان أعمّ من حقلِ الألوان الدّاكنَة و حقل الألوان الدّاكنة أعمّ من حقل اللّونِ الأسود …
وحقل الأعمام أخصّ من القرابَة …

—-

س – إلى أي درجة يمكن للسانيات أن يفاد منها في دراسة قضايا بلاغية ونفسية في القرآن الكريم؟

ج – النّصّ القرآني مفتوح أمام المناهج الأدبية و اللّسانية و النّقدية الحديثة التي يمكن أن تكشف عن مراميه الدّقيقة وأهدافِه السّامية، و مفتوح أمام ما جدّ من نظريات علمية صحيحة و طرائق نقدية يمكن أن تؤسَّسَ لتفسيرٍ حضاري يكشف الروابط بين معاني الآيات و روح العصر و سنن الاجتماع
ونُظُم العمران .

و ليس التّجديد في خطّة التّفسير ابتداعا و أمرا مُحدَثا على غير قياس ، فقد سبق للمجتمع الإسلامي قديما أن وجد نفسَه في مواجهة ثقافة غريبة عنه هي ثقافة اليونان

إنّ الانتفاع بالمناهج الحديثة في معالجة معاني الآيات يحتاج إلى ضوابطَ َ تعصمُ التّفسيرَ الحديثَ من مزالق الإسقاط ِ و من تَحميل النّصّ ما لا يحتمل ، و تُمكِّنُ من الانتفاع من الجديد في حلّ مشكلات المجتمع الحديث ، دون التّحرُّج من مجاوزة حرفيّة النّصّ و الرّبط المُوفَّق الدّقيق بين مرمى النّصّ القرآني
و بين مشكلات المجتمع العاصر.

ألا يحقُّ أن نقولَ إنّ التفسير علم يُفهَم به كتاب الله المنزّلُ على نبيّه صلّى الله عليه وسلَّم
و تُبيَّنُ به معانيه و تُستخرَج أحكامُه ، و يُستَمَدّ هذا البيانُ ، و ذلك الفهمُ من علوم التّفسير المعروفة و علوم الآلة ، مُضافاً إليها ما جدّ من من مناهج العلوم الإنسانية
وخاصّةً علم الاجتماع و اللّسانيّات ، فيدخل في التّفسير كلُّ نشاط ثقافيّ يعتمد في تأسيس البيان والفهم و الاستنباط على ما جدّ من معارِف ممّا يتناسَبُ و روحَ النّصّ ولا يُعارِضه، و ممّا يكشفُ عن زوايا و جوانبَ في النّصّ المفسَّر
لم تُوفِّها الأدواتُ السّابقةُ حقَّها من البيان و الإيضاح .

و إنّ الاستفادةَ من مناهج العلوم الإنسانية لَمِمّا يوسّع دائرةَ التّفسير و يمدّد أفُقَه ليشملَ ألوانا من مناهج النّظر إلى النّصّ القرآني .



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.