التصنيفات
محاسبة

لمحاسبة الوطنية

جامعة حلب
كلية الاقتصاد

السنة الثالثة
(خاص بقسمي ادارة الأعمال والعلوم المالية والمصرفية)

الفصل الدراسي الثاني العام الدراسي 2022/2007

الدكتور حسن أحمد حزوري

مقدمة:
تعد المحاسبة القومية أو الوطنية وما ينتج عنها من معلومات مؤطرة ضمن ما يسمى بـ “الحسابات الاقتصادية القومية”: من أهم أدوات البحث والتحليل الاقتصادي التي تساعد الباحث على تفهم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ودراسة تطورها. فهذه الحسابات تزود المهتم بشؤون التحليل الاقتصادي والاجتماعي بإطار عام شامل لمختلف المجاميع الاقتصادية والمؤشرات الرئيسية التي تصور الحياة الاقتصادية وتعكس تفاعلاتها المختلفة من إنتاج واستهلاك وادخار واستثمار واستيراد وتصدير .
في الواقع ، إن اقتصاد كل دولة يتألف من مجموعة من التنظيمات المتشابهة والمعقدة والتي لها أبعاد مختلفة من حيث تأثيرها على واقع الحياة الاقتصادية، وضمن هذا الإطار من التنظيمات تتم العمليات والصفقات في كل أوجه النشاط الاقتصادي وتتعلق هذه العمليات بالفعاليات الأساسية للحياة الاقتصادية ، ولما كانت الإحصاءات التي تصف هذه العمليات والصفقات تشكل مجموعات ضخمة العدد من عناصر النشاط الاقتصادي كان لابد من تبويب هذه الإحصاءات وتلخيصها بشكل متوازن منسجم يبرز خواص هذه الإحصاءات ويسهمل استعمالها ويساعد على تحليلها ومقارنتها للاستفادة منها في البحث العلمي ورسم السياسة الاقتصادية.
لهذا لجأ الاقتصاديون و الاحصائيون إلى إيجاد أنظمة أو إطارات محاسبية خاصة يرتبون بواسطتها هذه الإحصاءات على شكل حسابات على مستوى الاقتصاد الوطني (القومي) تظهر وفقا للأساليب المحاسبية جانبي المنشأ (الموارد) والاستعمال (الاستخدام) لكل عنصر من العناصر الرئيسية كما هي محددة بموجب تلك الأنظمة أو الإطارات و الأشكال.
إذن يقصد بالحسابات القومية ” البناء أو الهيكل أو الوعاء الذي تنصب فيه جميع الإحصاءات الاقتصادية لتنصهر فيه ويعاد عرضها بشكل مرتب منسجم متوازن يظهر جميع الفعاليات الاقتصادية ويوضح مختلف العلاقات فيما بينها”.

نشأة الحسابات القومية وتطورها:
إن ظهور المحاسبة في شكلها الحديث يرجع إلى عام 1494م حين ظهر كتاب العالم الايطالي لوكا باسيليو الذي أوجد طريقة القيد المزدوج (المدين والدائن). ولكن استعمال هذه الطريقة في التحليل الاقتصادي للوطن كله لم يظهر إلا منذ عهد قريب. ولم يكن التأخر ناجم عن خطأ الباحثين الاقتصاديين وإنما كان يرجع إلى صعوبة تطبيق مبادئ المحاسبة المالية (التجارية) على الاقتصاد كله.
وكما أن تأخر استعمال مبادئ المحاسبة المالية في التحليل الاقتصادي يرجع إلى: أولا عدم توفر المعلومات وثانيا إلى عدم توفر طلب قوي على هذه المعلومات لدى الباحثين الاقتصاديين.
إن مجموع الأنشطة الاقتصادية في بلد ما يمكن التعبير عنه في مجموعة من البيانات والقوائم المالية والإحصاءات الاقتصادية. كما أن تجميع وتسجيل وتصنيف وتلخيص ودراسة وتحليل هذه البيانات والقوائم المالية والإحصاءات وفقا لمبادئ ومفاهيم اقتصادية ومحاسبية للوصول إلى نتيجة معينة صارت تشكل مجموعة قواعد تسمى “نظام الحسابات القومية”.
تاريخيا بدأت محاولات إعداد الحسابات القومية من خلال محاولة تقدير الدخل القومي والثروة القومية، وأول ما بدأت في نهاية القرن السابع عشر على يد الكاتب الإنكليزي (غريغوري كينغ) في عام 1696 عندما قام بمحاولة بدائية لتقدير الدخل القومي الإنكليزي.
ثم استؤنفت هذه المحاولات بعد منتصف القرن الثامن عشر على يد الفيزيوقراطيين من خلال الطبيب الفرنسي الشهير (فرانسوا كينيه) في عام 1758 في مؤلفه الشهير “الجدول الاقتصادي”, حيث وصف تداول الناتج الصافي بين الطبقات الاجتماعية الثلاث التالية:1- الطبقة المنتجة أو طبقة الفلاحين والمزارعين.2- الطبقة الحاكمة أو طبقة الحكام والملاك والصناع والتجار والمستخدمين.3- الطبقة العقيمة وأصحاب المهن الحرة.وشبَّه سريان الناتج الصافي للهيئة الاجتماعية بالدورة الدموية في جسم الإنسان.
بعد الطبيعيين جاءت المدرسة الكلاسيكية لتضم أولا كلا من (سميث , ريكاردو ومالتوس) ولتضم ثانيا (ماركس). هذه المدرسة هي التي اهتمت بالناحية الاقتصادية الكلية . وعلى الرغم من اختلاف بعض التعابير المستعملة عن بعضها الآخر فان مؤسسيها اهتموا بشرح تشكيل الدخل القومي وكيفية توزيعه بين الفئات المختلفة التي تشكل عناصر الأمة أو الجماعة.
أما الكلاسيكيون المجددون New-Clasiques أمثال منجر و والراس فعلى الرغم من تقدمهم في التحليل الاقتصادي إلا أنهم لم يعملوا عملا جادا على إظهار المحاسبة القومية إلى حيز الوجود, فاهتمامهم كان ينصب على التحليل الاقتصادي الجزئي وعلى المؤسسات الفردية ومشاريعها, وتجاهلوا فكرة المحاسبة القومية التي تعد أداة فعالة لتدخل الدولة في مراقبة النشاط الاقتصادي.
ثم استؤنفت محاولات إعداد حسابات قومية من خلال تقدير الدخل القومي بعد الحرب العالمية الأولى, ولاسيما على يد كل من (كوزنتز) في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1920, و(بولاي وستامب) في بريطانيا في عام 1924.
ثم جاءت أزمة 1929 لتؤكد أهمية تدخل الدولة تدخلا واسعا في المجال الاقتصادي ولاسيما في مجال تحقيق التوازن الاقتصادي العام.
ويمكن القول أن أبرز حدث ساهم في إبراز الحسابات القومية وتطويرها هو النظرية الكينزية عام 1936 عندما نشر (جون مينارد كينز) “النظرية العامة في العمالة والفائدة والنقود”, فأوجد الإطار الاقتصادي الملائم لمثل هذه الأبحاث, ولاسيما بواسطة المفاهيم الاقتصادية الكلية التي دفعت دراسات الدخل القومي نحو النمو والتطور.
وقد بين كينز في نظريته العامة المشار إليها كيف انتقل الاقتصاد المعاصر من عهد الوحدات الجزئية إلى عهد الوحدات الكلية.
ومن النطاق الخاص الضيق إلى النطاق العام الواسع, ومن التوجيه الفردي أو ما يسمى بقرارات الفعاليات الاقتصادية الفردية إلى التوجيه العام أو مقررات الفعاليات الاقتصادية العامة التي تتولاها المجموعات والهيئات والمؤسسات والأجهزة المختلفة وعلى رأسها الدولة.
وكان لزاماً على السلطات الحكومية إرساء الأسس والقواعد اللازمة لمثل هذا الاتجاه الجديد, بواسطة جميع الإحصاءات الدقيقة الشاملة المتعلقة بالثروة القومية وبالدخل القومي, وبسائر النشاطات الاقتصادية, ووضع القاعدة الاقتصادية والنماذج الرياضية التي تتمشى مع التطورات الأخيرة.

ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية ظهرت الحاجة لحصر خسائر ما دمرته الحرب، وتقدير التعويضات لها من أجل إعادة تعمير اقتصاديات البلدان الأوربية، وفيما بعد للتعرف على حالة الاقتصاد وتطوره ، فكان هذا الأمر موضع اهتمام القسم الاقتصادي واللجنة الإحصائية لدى الأمم المتحدة (عصبة الأمم حينذاك) فانطلقت من الخبرات المتراكمة من السابق عن كيفية قياس الدخل القومي وإمكانية الاستفادة منها في بناء إطار للحسابات القومية.
في الحقيقة، تراكمت خبرة البلدان والمنظمات الدولية في مجال المحاسبة القومية بشكل سريع خلال فترة ما بعد الحرب الثانية، وبحلول عام 1950 تمكن المكتب الإحصائي للأمم المتحدة من إعداد تقديرات الدخل القومي لـ 41 بلدا للفترة ” 1938 – 1948″ أو لجزء منها. وبمؤزرة ذلك، نشرت منظمة التعاون الأوربي عام 1952 مجموعة حسابات أعدتها وحدة بحوث الحسابات القومية التابعة لها التي أنشئت لتشجيع إعداد إحصاءات حسابات قومية مقارنة بين عدد من البلدان.
في عام 1952 ، عين الأمين العام للأمم المتحدة فريق خبراء اجتمع في نيويورك لوضع نظام موحد، وكانت نتيجة الاجتماع تقرير عام 1953 بعنوان ” نظام حسابات قومية وجداول داعمة”. قدم تقرير عام 1953 مجموعة مؤلفة من ستة حسابات موحدة، تقوم على أساس حسابات هيكل إنتاج، وتخصيصـ ومطابقة رأسمالية، ومعاملات خارجية لثلاثة قطاعات رئيسية هي: قطاع المشايع، وقطاع الأسر المعيشية والمؤسسات الخاصة غير الهادفة للربح، وقطاع الحكومة العامة. وجاء في مقدمة تقرير 1953 أن الغرض منه ” هو وضع نظام محاسبة قومية موحد لإيجاد إطار لتقديم تقارير عن إحصاءات الدخل القومي والناتج القومي تطبق على نطاق عام”، كما أشارت إلى مسألة هامة جدا تخص المقارنات الدولية وهي حساب قيم المؤشرات الإجمالية بالأسعار الثابتة، وذلك لأغراض المقارنة والتحليل.
وفي عام 1964 عقدت الأمم المتحدة اجتماع فريق خبراء لتقديم اقتراحات لتوسيع وتنقيح نظام عام 1953، واستندت مناقشات فريق الخبراء في هذا الاجتماع إلى مشروع ورقة عمل أعدها الاقتصادي البريطاني ريتشارد ستون وورقات تكميلية أخرى أعدتها الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقدمت نتائج مناقشات فريق الخبراء إلى اللجنة الإحصائية عام 1967، وفي عام 1968 أقرت اللجنة الإحصائية في الأمم المتحدة نظام الحسابات القومية المنقح الذي أصبح يعرف بـ SNA-68.
جاء في مقدمة نظام 1968 أن تطورين اثنين حدثا منذ صدور نظام 1953 ساعدا على إصدار النظام الجديد لعام 1968 وجعلاه ضروريا إذا ما أريد للمعايير الدولية أن تواكب العمل الجاري في مختلف البلدان.
التطور الأول: هو صياغة وتطوير نظام المحاسبة القومية بإضافة مزيد من التفاصيل والتوضيحات إلى الحسابات لتلبية احتياجات التحليل الاقتصادي المتزايدة، وبذل جهود مكثفة للتوفيق بين نظام الحسابات القومية ونظام محاسبة الإنتاج المادي المطبق في الاتحاد السوفيتي السابق.
التطور الثاني: كان بناء نماذج اقتصادية مفصلة كوسيلة مساعدة للتحليل الاقتصادي ورسم السياسات الاقتصادية المختلفة.
نتيجة هذه التطورات التي تحققت في نظام 1968 أصبح نظام الحسابات القومية الجديد يشتمل على توسعات كبيرة في مجال هيكل الحسابات، إذ قسم حساب الإنتاج إلى حسابات مدخلات ومخرجات وقسم صافي الإقراض/الاقتراض إلى تدفقات مالية قطاعية، كما قسمت حسابات الدخل والإنفاق وحساب رأس المال للدولة كلها لتبين حسابات القطاعات. ووضع هيكل النظام في مصفوفة تمثل في كل حساب الأصول الافتتاحية والإنتاج والاستهلاك والتراكم والعالم الخارجي وإعادة التقييم والأصول الختامية، بصف وعمود.
ولكي يشمل نظام 1968 هذه التوسعات قدم مجموعة من 20 حسابا مقسمة في ثلاث فئات.:
تضم الفئة الأولى الحسابات الموحدة للدولة، وهي مجموعة مترابطة توجز حسابات الإنتاج، والنفقات الاستهلاكية، والدخل والإنفاق، وتكوين رأس المال، وتمويل رأس المال، وتقفل بحساب المعاملات الخارجية للدولة.
أما حسابات الفئة الثانية فتتعلق بحسابات الإنتاج، والنفقات الاستهلاكية، وتكوين رأس المال، وتبين عرض السلع والخدمات والتخلص منها.
وتتصل حسابات الفئة الثالثة بحسابات الدخل والإنفاق، وتمويل رأس المال، التي تنظم لكل من القطاعات المؤسسية التي ينقسم إليها المتعاملون المقيمون: الشركات غير المالية، المؤسسات المالية، الحكومة العامة، المؤسسات الخاصة غير الهادفة للربح وتخدم الأسر المعيشية، الأسر المعيشية.
وتوقع واضعو نظام 1968 أن ينطبق هذا النظام بنفس القدر على جميع البلدان مهما كانت مرحلة التطور الاقتصادي والاجتماعي التي تمر بها.
طلبت اللجنة الإحصائي في الأمم المتحدة إجراء مراجعة وتقديم تقرير عن التقدم الذي تحرزه البلدان في مجال تطبيق نظام الحسابات القومية لعام 1968، والصعوبات التي تواجهها عملية التطبيق. وأمرت هذه اللجنة في عام 1979 بعقد اجتماع لفريق من الخبراء حيث تم الاجتماع عام 1979 بعقد اجتماع لفريق من الخبراء، حيث تم الاجتماع عام 1980 لبحث التطبيق العملي لنظام 1968 واتجاهه المستقبلي في ضوء الخبرات المكتسبة لدى كل دولة من الدول وتغير الأولويات التحليلية والقدرات الإحصائية. وإثر تقرير آخر قدم إلى اللجنة الإحصائية يتضمن آراء فريق الخبراء طلبت اللجنة وضع مقترحات محددة بشأن تحديث نظام الحسابات القومية.
وفي دورة عام 1985 عهدت اللجنة الإحصائية إلى الفريق العامل المشترك بين الأمانات والمعني بالحسابات القومية، بوضع برنامج العمل والترتيب لمشاركة خبراء من المكاتب الإحصائية الوطنية والمنظمات الدولية المعنية مشاركة فعالة. وخلال الفترة ما بين عامي ” 1986- 1989″ اجتمعت فرق الخبراء لمناقشة سلسلة عريضة من المسائل المطروحة التي يمكن تلخيصها في ثمانية مواضيع، هي: هيكل نظام الحسابات القومية، ومقارنات الأسعار والكميات، والقطاع الخارجي، وقطاع الأسر المعيشية، والقطاع العام، وحسابات الإنتاج وجداول المدخلات والمخرجات، والتدفقات والموازين المالية، ومطابقة نظام الحسابات القومية ونظام الموازين الاقتصادية. أتيح مشروع مؤقت لنظام الحسابات القومية المنقح لاجتماع اللجنة الإحصائية عام 1991 ، كان أساسا للمناقشة في حلقة دراسية أقاليمية عقدت في تشرين الأول 1992. وقدم المشروع نفسه إلى اللجنة الإحصائية في دورة عام 1993 مع تقرير الحلقة الدراسية الذي جاء في خاتمته أن ” المشتركين يعتقدون بأن نظام الحسابات القومية المنقح يشكل تحسينا هائلا على سلفه الذي نشر عام 1968. وأوصت اللجنة الإحصائية بالإجماع في دورتها السابعة والعشرين المعقودة في نيويورك خلال الفترة “22 شباط – 3 آذار 1993” باعتماد نظام الحسابات القومية لعام 1993، وحث المجلس الاقتصادي والاجتماعي الدول الأعضاء والمنظمات الدولية على استعماله.
لقد جاء نظام الحسابات القومية لعام 1993 تلبية لمتطلبات التطورات الكبيرة التي حصلت في اقتصاديات مختلف بلدان العالم خلال الخمس والعشرين سنة التي انقضت منذ نشر نظام الحسابات القومية السابق عام 1968. فقد أصبح التضخم المالي محل اهتمام أساسي للسياسة العامة، وتغير الدور الذي تلعبه الحكومة في كثير من البلدان خاصة تلك البلدان التي هي في مرحلة الانتقال إلى اقتصاد السوق، واكتسبت أنشطة الخدمات ، خاصة الخدمات التجارية وخدمات الاتصالات، دورا هاما متزايدا، وأصبحت المؤسسات المالية وأسواق رأس المال أكثر تطورا وتنوعت أدواتها ونشاطاتها. وقد استجاب نظام 1993 إلى جميع هذه التطورات لحد كبير من خلال الحسابات الجديدة والتوضيحات والتصنيفات العديدة التي تضمنها.
ومن الخصائص المميزة أيضا لنظام 1993 هو توضيحه لعدد من القضايا المطروحة المحددة كمبادئ التقييم والقيد في الحسابات، ومعالجة النشاطات غير الشرعية في الاقتصاد، ومعاملة ضريبة القيمة المضافة (ضريبة المبيعات) التي أخذت بها بلدان كثيرة في السنوات الأخيرة، واستخدام الأرقام القياسية للوصول إلى المؤشرات الأساسية بالأسعار الثابتة وغيرها.
لقد كان اعتماد نظام الحسابات القومية لعام 1993 واحدا من أهم الأحداث التي حصلت في ميدان الإحصاءات الرسمية خلال الخمس والعشرين سنة التي انقضت منذ نشر نظام 1968. فهو يعطي صورة شاملة للاقتصاد الوطني والتدفقات التي تتم داخله وبينه وبين بقية العالم، ويتوقع منه أن يوفر إرشادات هامة تسهل عمل المحاسبين القوميين في مختلف البلدان المتقدمة والنامية، ويتميز بالمرونة الضرورية كوسيلة لتسهيل المقارنات الدولية، ويعزز الدور المركزي للحسابات القومية في الإحصاء.
بشكل عام، يمثل نظام 1993، كغيره من أنظمة الحسابات القومية التي سبقته، مرحلة من مراحل تطور المحاسبة القومية المستمر. ولمواصلة هذا التطور لابد من إجراء المزيد من الأبحاث والتحليل بغية التوصل إلى توافق في الآراء حول مواضيع محاسبية قومية معينة قبل أن يمكن إدماجها في المبادئ التوجيهية والمعايير الدولية المتعلقة بنظام الحسابات القومية في المستقبل.

تعريف المحاسبة القومية:
• هناك تعاريف عديد للمحاسبة القومية نذكر منها:
• 1-المحاسبة القومية: هي وسيلة للمراقبة, للتنبؤ والعمل، وتعد من الوسائل الهامة بالنسبة إلى المخطط والى رجل السياسة
• 2- المحاسبة القومية أداة فنية مستوحاة من المحاسبة التجارية وتعطي تمثيلا واضحا للفعالية الاقتصادية لدولة ما، وذلك على شكل نتائج من المعلومات المختارة المعبر عنها بأرقام.
• 3- المحاسبة القومية هي العرض، وفق كادر محاسبي مدروس لمجموع المعلومات الرقمية المتعلقة بالنشاط والفعالية الاقتصادية لأمة ما“.
• المحاسبة القومية هي مجموعة متماسكة ومتسقة ومتكاملة من حسابات الاقتصاد الكلي والميزانيات والجداول التي تستند إلى مجموعة من المفاهيم والتعاريف والتصنيفات والقواعد المحاسبية المتفق عليها دوليا.
• المحاسبة القومية توفر سجلا شاملا وتفصيليا للأنشطة الاقتصادية المعقدة التي يضطلع بها داخل اقتصاد ما وللتفاعل الذي يحدث في الأسواق، أو في مكان آخر، بين عوامل، ومجموعات عوامل، اقتصادية مختلفة.

• نستخلص مما سبق إن المحاسبة القومية:
• 1- ليست علما قائما بذاته وإنما هي فن تصوير النشاط الاقتصادي بأسلوب محاسبي معين.
• 2- ليست متفرعة عن المحاسبة التجارية (بشكل مباشر) على الرغم من انها تستعين ببعض مبادئها وطرقها.
• 3- تمثل نشاط أو حركة لا وضعا ثابتا من الأوضاع أو مركزا ماليا معينا.
• 4- تتناول نشاط دولة لا أمة.
• 5- تعود إلى فترة زمنية محددة هي السنة غالبا.
• 6- تتناول الكليات لا الجزئيات

أهداف الحسابات القومية:
للحسابات القومية أهداف وفوائد عديدة من حيث أنها تشكل إطارا متناسقا للإحصاءات الاقتصادية، وتضمن انسجاما في المفاهيم والمضامين ، وتشكل قاعدة للتصنيف، وتقدم نظاما لعرض المعلومات الاقتصادية الإحصائية، ومن ثم تشكل أداة هامة لرسم السياسات الاقتصادية وإعداد الخطط الإنمائية سواء للوطن كله أو لجزء منه.
أ‌- تشكل الحسابات القومية إطارا فكريا متناسقا يمكن بواسطته تنظيم الإحصاءات الاقتصادية المختلفة، ولما كانت الحسابات الاقتصادية تتألف من العديد من الإحصاءات لذلك فإن تعاريف ومفاهيم الحسابات القومية تشكل قوة دافعة من أجل إعداد الإحصاءات بشكل منسق ومنسجم مع أهداف الحسابات القومية.
ب‌- تعتبر الحسابات القومية أداة هامة للرقابة على جودة الإحصاءات فأية سلسلة لا تنسجم مع أهداف الحسابات سوف يعاد النظر فيها أو تعدل أو تراجع حتى تصبح ملائمة في جودتها وتركيبها لما تتطلبه الحسابات القومية.
ت‌- تؤلف الحسابات القومية قاعدة للتصنيف والتعريف والانسجام الواجب الواجب توفره في المفاهيم الإحصائية والتعاريف المستقلة يقتضي أن تكون هناك قدرة في النظام المحاسبي القومي على عرض القيم والمجاميع الاقتصادية وعلى عرض مكوناتها وعناصرها بنفس الدرجة من الوضوح والانسجام، وإظهار مختلف الصلات المتبادلة السائدة مابين مختلف الأجزاء ، وهذا يتطلب بدوره وضع قواعد محددة لإجراء وإعداد التصانيف اللازمة وتعريف كل منها بشكل منسجم مع أهداف الحسابات.
ث‌- إن الفائدة الأساسية للحسابات القومية والتي دفعت بالاقتصاديين لإعداد هذه الحسابات تطويرها، تتجلى في كون الحسابات القومية تشكل أداة هامة من أدوات التخطيط الاقتصادي ووسيلة من وسائل رسم السياسات الاقتصادية واعتماد الإجراءات التنفيذية لها. فالحسابات أداة تساعد على تحليل الأداء للاقتصاد كله ولقطاعاته المختلفة، وعن طريق هذا التحليل يمكن اقتراح السياسات والحلول والخطط لمعالجة المشاكل الاقتصادية أو تحسين الأداء وتنمية الاقتصاد.

إلا أنه يجب أن لا يستنتج مما تقدم أن الحسابات الاقتصادية القومية هي أكثر من إطار وصفي، فهي في الحقيقية ليست إلا محاولة لتصوير ما يتم في الاقتصاد وليست علاجا لمشاكله، وهي أداة مساعدة على التحليل وليست الحل المناسب، فالحسابات القومية هي تصوير رقمي للاقتصاد وعلى المحلل الاقتصادي إن يستفيد منها ليقترح الحلول التي يراها مناسبة وملائمة.
وعلى هذا فإن أهم ما تقوم به الحسابات القومية هو إن تؤمن تلقائية الانسجام في تصنيف المعلومات الاقتصادية وتلخيصها بشكل منسجم يبرز العلاقات الأساسية السائدة في تركيب الاقتصاد ويساعد بالتالي على التحليل وإجراء التنبؤات والمقارنات التحليلية والتركيبية زمنيا وجغرافيا.

العلاقة بين حسابات المشروع والحسابات القومية:
تتميز المعطيات والمعلومات المحاسبية في حسابات المشروع (حـ/تشغيل، حـ/متاجرة و حـ/أرباح وخسائر من ثم قائمة المركز المالي أو الميزانية العمومية) بثلاث خصائص رئيسية هي:
1- الدقة النسبية للحسابات
2- التلاحم العضوي بين هذه الحسابات وترابطها مع بعضها البعض
3- التجدد الدوري للمعلومات المحاسبية.

ولذلك فان الحسابات الختامية في المشروع تشكل مصدرا هاما من مصادر تكوين الحسابات القومية.
إن كلا من النموذجين المحاسبيين (الحسابات القومية وحسابات المشروع) يقدم صورة مبسطة عن الفعالية الاقتصادية بمعنى أنه يسجل ويصف رقميا وبطريقة منظمة ومبوبة وقائع النشاط الاقتصادي حسب حدود مجاله الخاص بهدف استخلاص نتائج ذات معنى.
إن تطبيق مبدأ القيد المزدوج في كلا النموذجين هو الذي يعطيهما نوعا من التشابه، فمبدأ القيد المزدوج هو أساس عرض حسابات متوازنة وإن كان تطبيقه هو أكثر وضوحا ودقة في المحاسبة المالية أو في محاسبة المشروع منه في المحاسبة القومية لأسباب تتعلق بتوافر إحصاءات تفصيلية وشاملة.
إلا أنه رغم التشابه الظاهري بين كلا النموذجين المحاسبيين من حيث اعتمادهما على مبدأ القيد المزدوج ، فإن لكل منهما أهدافه ومنهجيته الخاصة به، حيث أن المحاسبة السائدة في المشروع لم تواكب جميع مفاهيم ومنهجية الحسابات القومية ومازالت هناك أوجه اختلاف عديدة من أهمها:
1- عدم وجود مفهوم مقابل لمفهوم القيمة المضافة:
يشكل مفهوم القيمة المضافة حجر الزاوية في إنشاء الحسابات القومية المتكاملة. فهو يعبر في احد جوانبه عن الفعالية الإنتاجية لمؤسسة ما أو لفرع إنتاجي أو قطاع معين تلك الفعالية الناجمة عن التأليف والتركيب بين عوامل الإنتاج من اجل خلق السلع والخدمات.
إن القيمة المضافة هي عبارة عن الفرق بين قيمة الإنتاج الممثل بالسلع والخدمات محسوبة وفق الأسعار المحتسبة أو المقدرة وبين قيمة الاستهلاكات الوسيطة (المستلزمات السلعية والخدمية) الضرورية لإبراز هذا الإنتاج إلى حيز الوجود.
أو أن القيمة المضافة هي الفرق بين قيمة الإنتاج وقيمة الاستهلاكات الوسيطة (الاستهلاكات الوسيطة هي عبارة عن المواد الأولية والسلع والخدمات الأخرى التي يتم استهلاكها من قبل مشروع ما من اجل الحصول على المنتجات التي يصنعها أو يحولها أو يوزعها وأيضا الخدمات التي ينتجها).
أن هذا المفهوم (القيمة المضافة) المستخدم في الحسابات القومية لا يوجد له مقابل في حسابات المشروع إلا انه من الممكن حساب القيمة المضافة انطلاقا من حسابات المشروع عن طريق حساب العناصر المحاسبية التي تكون القيمة المضافة.

2- اختلاف تواريخ تسجيل العمليات في كلا النموذجين:
يسجل محاسب المشروع (المصروفات أو الإنفاق) في الحسابات منذ اللحظة التي يقرر فيها، وان لم تدفع النفقة لأصحابها، أي يجري إثبات الحقوق المستحقة للآخرين في حسابات الذمم وتجري عملية التسديد أي الدفع الفعلي فيما بعد. بمعنى أنه توجد في محاسبة المشروع أحيانا عملية فصل تقرير النفقة واستحقاقاتها من جهة وعملية التسديد الفعلي لهذه النفقة من جهة أخرى. وهكذا فإن الأعباء الاجتماعية يمكن إن تسجل في حساب مناسب منذ اللحظة التي يدفع فيها العمال حصتهم منها، وقبل دفعها نهائيا إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وينطبق الأمر نفسه على أرباب العمل. بينما يهتم المحاسبون القوميون بالدرجة الأولى بتسجيل العمليات النقدية الفعلية أي بإدراج بنود الإنفاق اعتبارا من التدفقات المالية والنقدية التي رافقته والتي اعتبرت بمثابة إتمام لصفقة أو لعملية معينة. وبصدد أقساط التأمينات الاجتماعية فان المحاسبين القوميين لا يسجلونها في الحسابات القومية إلا عندما تدفع فعلا إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية. إن هذه الصيغة تحقق تماسكا في حسابات مختلف القطاعات المؤسسية بما تتيحه من تقابل بين حساباتها، وتجنب بالتالي خلق بنود دائنة ومدينة للتسويات.

3- اختلاف مفهوم اهتلاك الموجودات الثابتة:
يوجد لاهتلاك الموجودات الثابتة مفهومان مختلفان جذريا: مفهوم محاسبي (يستخدم في حسابات المشروع) ومفهوم اقتصادي (يستخدم في الحسابات القومية).
إن المفهوم المحاسبي يفترض إن أسعار السلع الرأسمالية ستبقى ثابتة خلال الفترة المقدرة لاستخدامها، وبالتالي يجرى حساب أقساط الاهتلاك السنوي التي يقتطعها المحاسبون من دخل المؤسسة للتعويض عن الجزء المهتلك من السلع الرأسمالية خلال الدورة المحاسبية حسب قيمة أو تكلفة اقتناء هذه السلع.
أما المفهوم الاقتصادي فيأخذ بالقيمة الاستبدالية للسلع الرأسمالية التي تخضع للاهتلاك، وبالتالي يجري حساب أقساط الاهتلاك على أساس هذه القيمة، إذ ليس المهم احتساب أقساط الاهتلاك وتحميلها لحسابات النتائج بصورة دورية، وإنما الغاية الأساسية من هذه العملية هي إجراء تراكم نقدي عبر الزمن من أجل الحفاظ على القيمة الاقتصادية للموجودات الثابتة أي تهدف إلى إعادة تكوين رأس المال عن طريف استبدال عناصره في اللحظات المناسبة.
فالمفهوم الاقتصادي هو تناقص قيمة الموجود الرأسمالي بالأسعار الجارية وهو يمثل الفرق بين القيمة الحالية للموجود والقيمة الواجب دفعها لإحلال موجود مماثل آخر جديد بدلا من الأول.
إن محاسبة المشروع تطبق المفهوم المحاسبي في حساب قسط الاهتلاك الدوري بينما تلجأ المحاسبة القومية إلى إجراء تقديرات دورية للتجهيزات والآلات والتشييدات أي للعناصر المكونة لرأس المال القومي، وتحتسب انطلاقا من هذه التقديرات التي تأخذ بعين الاعتبار تغيرات أسعار السلع الرأسمالية.
يجب تسجيل أقساط اهتلاك رأس المال في الحسابات القومية بغية حساب صافي الناتج أو الدخل القومي.
إن حساب الاهتلاك وفق المفهوم المحاسبي يتميز بالدقة النسبية، بينما تتميز طريقة حساب الاهتلاك وفق المفهوم الاقتصادي بالتقدير الجزافي وعدم الدقة نظرا لصعوبة حساب معدلات ارتفاع أسعار السلع الرأسمالية، وتعقيد حساب تراكم المخزون الرأسمالي.

4- اختلاف في مضمون مفهوم تكوين رأس المال:
إن مفهوم الإنفاق الرأسمالي في محاسبة المشروع هو أكثر اتساعا من المفهوم الخاص بالحسابات القومية، إذ أن المحاسبة القومية تستبعد الإنفاق المتعلق بالحصول على السلع الرأسمالية المستعملة، والإنفاق على شراء الأراضي.
وتعتبر نفقات التأسيس من عناصر الاستهلاك الوسيط، على العكس من ذلك فإن محاسبة المشاريع تدخل هذه العناصر ضمن بنود الموجودات الثابتة (تكوين رأس المال).
فضلا عن ذلك ، تعتبر محاسبة لمشاريع بعض النفقات جزءا من الإنفاق الجاري مثل التصليحات الجارية على الآلات والتجهيزات أو التشييدات والأبنية الصناعية، وبالتالي تحملها لحساب الأرباح والخسائر . بينما تعتبر المحاسبة القومية هذا النوع من الإنفاق إنفاقا رأسماليا أي جزء من تكوين رأس المال الثابت الذي يتم تسجيله في حساب رأس المال في الحسابات القومية ولا يجب اعتباره عبئا على النتيجة المحاسبية للدورة المالية كما هو الحال في نموذج حسابات المشروع.

5- الاختلاف في تفسير تغير المخزون السلعي:
أن تغيرات المخزون السلعي يجب أخذها بعين الاعتبار في المحاسبة القومية من أجل حساب قيمة الإنتاج النهائي، تتطابق مع التغيرات المادية (العينية) لعناصر هذا المخزون، أي مع حجم المخزون السلعي في نهاية المدة عن المخزون السلعي في بداية المدة، مع افتراض أن كلا من الكميتين قد جرى تقييمهما بنفس نظام الأسعار، بينما الأمر على العكس من ذلك في حسابات المشروع، إذ أن المخزون السلعي يسجل بسعر الشراء أو بسعر التكلفة وحيث أنه يتجدد باستمرار خلال العام نتيجة الصفقات التجارية أو العمليات الصناعية، فإن السلعة (أي سلعة) لا تدرج في الحسابات بنفس السعر الواردة به في المخزون السلعي أول المدة أو آخر المدة. أن الاختلاف بين قيمة هاتين الكتلتين، يقيس ليس فقط الزيادة العينية (أو النقص) ولكن أيضا تغيرات الأسعار الحاصلة بين تاريخ اقتناء المخزون الأولى والمخزون النهائي. والآثار الناجمة عن انخفاض أو ارتفاع الأسعار للسلع والمواد ليس لها مكان في الحسابات القومية عند تقدير تغير المخزون السلعي، وإنما يتم تقدير جزافي لتغير المخزون السلعي كميا، ثم يجرى التقييم على أساس الأسعار الوسيطة السائدة خلال الدورة موضوع البحث.

6- الاختلاف في مفهوم النفقة الجارية وعلاقتها مع مختلف العمليات الاقتصادية:
يخص هذا الموضوع عناصر الاستهلاك الوسيط إذ إن هذه النفقات تعتبر من وجهة نظر حسابات المشروع عبئا إما على حساب التشغيل ، المتاجرة أو الأرباح والخسائر، بينما تعتبر في نموذج الحسابات القومية جزءا من الاستهلاك الوسيط الذي اقتضته العملية الإنتاجية للمشروع من اجل إنتاج السلع والخدمات وخلق القيمة المضافة.
والجدول التالي يبين بعض الاختلافات :
نوع المصروف حسابات المشروع الحسابات القومية
الكهرباء والمواصلات والنقل عبء على حساب التشغيل أو المتاجرة أو الإرباح والخسائر جزء من الاستهلاك الوسيط
الإيجارات عبء على حساب التشغيل أو المتاجرة أو الإرباح والخسائر جزء من عناصر توزيع الدخل
الرواتب والأجور عبء على حساب التشغيل أو المتاجرة أو الإرباح والخسائر جزء من عناصر توزيع الدخل

كيفية الانتقال من حسابات المؤسسة (االمشروع) إلى الحسابات القومية

1- البيانات الموحدة:
تعد البيانات الموحدة بشكل خاص لتلبية حاجات الاقتصاديين والمحللين للنشاط الاقتصادي القومي ، هذه البيانات يمكن أن تكون بيانات الدخل أو بيانات محاسبية أخرى فتدمج في هذه البيانات الحسابات الكثيرة بعد إزالة المتكرر منها وهكذا يمكننا الانتقال من الصعيد الخاص إلى الصعيد القومي.

2- الفرق بين حساب الإرباح والخسائر للمؤسسة والاقتصاد:
إن الفرق بين بيان الإرباح والخسائر وبين بيان الدخل والإنتاج للمؤسسة الواحدة يعود إلى الأهداف التي يحاول كل البيانين أن يحققها.
فذا أراد المحاسب من شركة إظهار الربح الصافي النهائي فان ترتيبه لبيان الأرباح والخسائر يجب أن يؤدي إلى إظهار صافي الربح في النهاية على انه البند النهائي الذي تقوم على أساسه كل العمليات.
كما إن المفاهيم المتعددة للربح (الربح الإجمالي، الصافي قبل الضرائب، الصافي القابل للتوزيع..الخ) ذات أهمية بالغة لتحليل الأرباح والخسائر لذا تظهر في تسلسل الحساب.
أما المحاسب القومي فهو يريد أن يظهر إنتاج المجتمع.
ومن هنا يظهر الفرق في المفهوم، فالعمليات التي يعتبرها محاسب الشركة نقصا في الربح (كالأجور والرواتب والضرائب) تعد لدى المحاسب القومي خلقا للقيم الإنتاجية.
إن بيان الأرباح والخسائر للمؤسسات يظهر حركة صافي التملك بواسطة الربح وهو يبدأ ببيان الواردات ثم يطرح منها النفقات مرورا بمفاهيم الربح المختلفة إلى إن ينتهي بالربح الصافي النهائي.

3- عناصر بيان الدخل والإنتاج ومقوماتهما:
ينقسم حساب الدخل والإنتاج القومي إلى:
الطرف الدائن: موارد المنتج تأتي من مبيعاته أو تتمثل في تغير مخزونه
الطرف المدين: يستعمل المنتج الموارد التي تأتي من بيع الإنتاج في تسديد الأنصبة المستحقة لعوامل الإنتاج نظير قيامها أو مشاركتها في الإنتاج.
حـ/ الدخل والإنتاج القومي
المدفوعات إلى الأفراد المبيعات الاستهلاكية
1- الأجور والرواتب ومتمماتها 1- الاستهلاك الخاص
2- الفوائد الناتجة من رأس المال 2- الاستهلاك العام
3- إيجارات الأراضي والعقارات
4- الأرباح المدفوعة المبيعات الرأسمالية
1- استثمار الخاص
المدفوعات إلى الحكومة 2- استثمار العام
1- ضرائب دخل الشركات المساهمة 3- التغير في المخزون
2- الضرائب على الأملاك
3- الضرائب الصافية غير المباشرة

المحتجز لدى المنتجين
1- اهتلاك رأس المال
2- الأرباح غير الموزعة
= مجموع الدخل القومي = مجمل الإنفاق على الدخل القومي

العناصر الاقتصادية في المحاسبة القومية
1- الاستهلاك والادخار والاستثمار.
2- رأس المال القومي والثروة القومية ميزانية الثروة القومية.
3- الناتج القومي.

أولاً- الاستهلاك والادخار والاستثمار:
تعريف الاستهلاك:
هو إنفاق جزء من الدخل في شراء السلع والخدمات في شكلها النهائي لإشباع الحاجات والرغبات المختلفة سواء أكانت مادية أم معنوية, عضوية أم فكرية أم ثقافية, ضرورية أم ترفيهية, وذلك لشراء المواد الغذائية والحاجات المنزلية أو الشخصية, وخدمات أصحاب المهن الحرة أو المؤسسات كخدمات الأطباء والمهندسين والمحاسبين وشركات النقل والسفر والتأمين والفنادق والمطاعم والمستشفيات والمدارس والملاهي وغيرها.
والاستثمار غير الإنفاق إذ أن الاصطلاح الأخير يشمل كلاً من الاستهلاك والاستثمار.
تعريف الادخار:
هو الامتناع عن استعمال جزء من الدخل في الاستهلاك مدة زمنية معينة كالسنة وذلك بقصد تثميره فوراً أو في وقت لاحق قصير نسبياً.
وهناك الادخار الاستهلاكي الذي يستعمل في عمليات استهلاكية لاحقة, والادخار المنتج الذي يستعمل فعلاً في عمليات استثمارية.
الاكتناز:
ولا بد من التميز بين الادخار والاكتناز, فالاكتناز هو ادخار عقيم طويل الأجل أو تجميد للمال النقدي, يخرج من حلقة التداول مدة زمنية طويلة عادة تزيد عن السنة.
تعريف الاستثمار:
هو استخدام المدخرات النقدية في شراء الأموال الإنتاجية أو الرأسمالية أي رؤوس الأموال المنتجة, لاستعمالها في مشروع معين, أو لتوسيع مشروع قائم حالياً, أو لتكوين المخزون السلع.
ويشمل هذا الاصطلاح الأرض والمباني والتشييدات المختلفة والتجهيزات والمعدات والآلات والمواد الأولية ومصادر الطاقة ووسائل النقل, وما شابه ذلك مما يمكن استخدامه في عمليات الإنتاج.
فالتوظيف المالي للمدخرات لتحقيق دخل فردي سريع لا يدخل في التعريف المتقدم لأنه لا يزيد شيئاً في مجموع الثروة القومية, بل ينتقل الأموال أو المنافع من يد إلى أخرى دون إدخال لأية زيادة حقيقية عليها.

العلاقة بين الاستهلاك والادخار بصورة عامة
إن الاستهلاك والادخار ظاهرتان متعاكستان متكاملتان, إنهما متعاكستان لأن المرء لا يستطيع أن يستهلك دخله وأن يدخر في الوقت نفسه, فلا بد له من توزيع هذا الدخل بين العمليتين, فإذا زاد الاستهلاك قلَّ الادخار, وإذا زاد الادخار قل الاستهلاك.
وهما متكاملتان لأن كل منهما عامل ضروري لتكوين الاستثمار وتحقيقه, فكلما اتسع نطاق الاستهلاك كان ذلك حافزاً على زيادة عمليات الاستثمار كي يرتفع الإنتاج لمجابهة الطلب المتزايد هذا أولاً.
كما أن هناك أيضا علاقة وثيقة بين الادخار و الاستثمار, فعندما يرتفع مستوى الاستهلاك ينخفض مستوى الادخار, مع العلم بأن الادخار هو الذي يمول المشروعات الاستثمارية, وكذلك فإنه عندما يقل الاستهلاك يزيد الادخار, مع العلم بأن الاستثمار لا يمكن أن يفوق حجم الطلب فلا فائدة إذاً من زيادة الادخار أكثر من اللزوم, فكيف يمكن التوفيق بين هذه العناصر المختلفة, لاسيما وأن مجموع المدخرات يجب أن يتعادل مع مجموع الاستثمارات في نهاية الدورة الاقتصادية وفقاً للنظرية الكينزية, مع افتراض انعدام الاكتناز حيث وضع كينز في كتابه النظرية العامة للاستخدام والفائدة والنقد, الذي أصًدر في عام 1936 ، صياغة عملية دقيقة لنظرية الدخل القومي منطلقاً من القول بأن مستوى الدخل القومي يتوقف على تيار الإنفاق: أي إنفاق الأفراد على الاستهلاك, أو إنفاق الأفراد والمشروعات على الاستثمار, أو إنفاق الدولة, وإنفاق الخارج على السلع الوطنية, ويمثل هذا الإنفاق ما يسمى بالطلب الكلي.

أما بالنسبة إلى الاستعمال فيمكن القول أن الدخل المُتحصِّل يمكن أن يستخدم للإنفاق الاستهلاكي في داخل البلاد أو خارجها أو للادخار, ويمثل هذا الجانب ما يسمى بالعرض الكلي.
فإذا كنا في اقتصاد مغلق ورمزنا:
إلى الدخل القومي بالرمز: د وإلى الاستهلاك بالرمز: ك
وإلى الاستثمار بالرمز: ث وإلى الادخار بالرمز: خ
كان لدينا:
دط = ك + ث …………… الطلب الكلي (1)
دع = ك + خ …………… العرض الكلي (2)
وبما أنه في حالة التوازن فإن الدخل من حيث الطلب الكلي يجب أن يعادل من حيث العرض الكلي وأن الاستهلاك هو نفسه في كل من المعادلتين فإننا نجد أن:
ث = خ أو الاستثمار = الادخار.
وتدل الإحصاءات على أن الإنفاق الاستهلاكي يشكل القسم الأكبر من القيمة المطلقة للإنتاج.
ولذلك كانت لدراسة العوامل المحددة للإنفاق الاستهلاكي أهمية كبرى في دراسة العوامل المحددة للدخل القومي دراسة عامة.
وبما أن الادخار- كما عرفناه سابقاً- هو الكمية غير المُنفقة على الاستهلاك, ويمكننا القول أن دراسة العوامل المحددة للإنفاق الاستهلاكي هي بعد ذلك دراسة للعوامل التي تحدد الادخار.
وليس من شك في أن هناك عوامل متعددة تؤثر في مستوى الإنفاق الاستهلاكي, إلا أن المحاكمة العقلانية والإحصاءات المتوفرة عن الأفراد والدول تدل على أن العامل المحدد للإنفاق الاستهلاكي هو الدخل, ولاسيما الدخل التصرفي, أي بعد استبعاد الضرائب.
وتبعاً لذلك فإن الدخل هو العامل المحدد للادخار, فالإنفاق الاستهلاكي يزداد مع ارتفاع مستوى الادخار ويتناقص مع انخفاضه.
وبصورة مبسطة يمكن كتابة العلاقة بين الاستهلاك و الدخل على النحو التالي:
ك = جـ + ب. د (3).
وهذه العلاقة تسمى بدالة الاستهلاك.
ومنطق هذه الدالة مشتق من الملاحظة العامة لسلوك الفرد, فكلما ازداد دخل الفرد بمقدار ما ينفق من هذه الزيادة على الإنفاق الاستهلاكي, ويدخر ما يتبقى ولذلك نجد أن النسبة بين زيادة الإنفاق الاستهلاكي وزيادة الدخل تتراوح بين الصفر والواحد.
ونحن هنا نبحث عن المجتمع كله, والمكون من مجموعة من الأفراد التي يطبق عليها كلها المبدأ المطبق على الفرد نفسه, كما نستطيع القول أن العلاقة نفسها تربط الإنفاق الاستهلاكي للمجتمع بدخله القومي.
ومن المُلاحظ هنا أننا استخدمنا معادلة الخط المستقيم للدلالة على هذا الارتباط, وذلك بالاعتماد على أساس بعض الافتراضات التي تهدف إلى تسهيل العرض فقط.
واعتماداً على ذلك فإن (جـ) تمثل قيمة الإنفاق الاستهلاكي عندما يكون الدخل مساوياً للصفر, إذ لا بد من بعض الإنفاق الاستهلاكي حتى لو كان الدخل صفراً, وهنا يأتي الإنفاق إما من ادخارات سابقة وإما من الاقتراض ويسمى Incompressable
أما (ب) فتمثل الجزء من الزيادة في الدخل التي تنفق على الاستهلاك وتسمى النزعة الهامشية للاستهلاك, وهي هنا ثابتة في مستويات الدخل كافةً, وتمثل ميل الخط المستقيم.
وإذا مثلنا الزيادة في الاستهلاك بالرمز ك, والزيادة بالدخل بالرمز د, وإذا افترضنا أن الدخل ازداد من (د) إلى د فالاستهلاك سيزداد من (ك) إلى ك, ويصبح لدينا:
ك + ك = جـ + ب (د + د) ……………..(4).
= جـ + ب د + ب د) ……………(5).
وإذا طرحنا المعادلة رقم (3) من المعادلة رقم (5) نحصل على ما يلي:
ك = ب . د……………..(6).
ومنه ينتج أن (ب) يساوي:

ب = ك
………………….(7)
د

ويمكن حساب المعدل الوسطي للإنفاق الاستهلاكي الذي يمثل نسبة الإنفاق الاستهلاكي إلى الدخل القومي, أي:
ك
………………….(8)
د

أما دالة الادخار فيمكن اشتقاقها اشتقاقاً سهلاً على النحو التالي:
د = ك+ خ ……………………..من المعادلة (2).
ومنه ينتج أن:
خ = د – ك ……………..(9).
ولدينا:
ك = جـ + ب × د ……………………….من المعادلة(3).
وبالتعويض نجد أن:
خ = د – (جـ + ب × د) ……………..(10).
= د -جـ – ب× د ……………..(11).
= – جـ + (د – ب × د) ……………..(12).
خ = -جـ +(1 – ب) × د ……………..(13).
أما الكمية (1- ب) فتمثل النزعة الحدية للادخار خ
وأما الكمية التي يزداد
د

الادخار فتزداد بازدياد الدخل.

العوامل الدافعة إلى الادخار:
مما سبق نستنتج أن من أهم عوامل الادخار ما يلي:
1- مستوى الدخل القومي.
2- كيفية توزيع الدخول المالية بين الفئات الاجتماعية المختلفة, فإذا قلَّ التفاوت في هذه الدخول زادت القدرات على الادخار العام, وهذا ليس رأي جميع الاقتصاديين.
2- طباع الأفراد والطبقات والفئات وعاداتهم, والضغوط الاجتماعية والمادية التي يخضعون لها, فهناك فرق واضح في الميل إلى الادخار بين الفلاحين والموظفين وذوي الربح المحدود أولاً وبين ميل التجار والصناع ورجال الأعمال ثانياً.
ما هي عوامل الاستثمار؟
لقد لخصها كينز بالمفاهيم التالية:
1- الميل الحدي إلى الاستهلاك.
2- الفعالية الحدية لرأس المال.
2- سعر الفائدة السائد.
ويمكن إضافة السيولة من حيث هي عامل رئيسي مرتبط ارتباطاً ما بسعر الفائدة.

التوازن العام بين الاستهلاك والادخار و الاستثمار بالاستناد إلى مستوى سابق:
إن كل زيادة تطرأ على نفقات الاستهلاك تميل إلى تشجيع الاستثمار لزيادة الإنتاج الكلي حيث يتكافأ مع الاستهلاك المتزايد أولاً.
وأن تزايد نفقات الاستهلاك يؤدي حتماً إلى تناقص حجم المدخرات, الأمر الذي يؤدي إلى التقليل من القدرات على تمويل المشاريع للاستثمارات الجديدة المطلوبة ثانياً.
وعلى العكس فإن زيادة حجم الادخار العام تزيد من القدرة على الاستثمارات أي من الإنتاج, ولكنها تنقص في الوقت نفسه من نفقات الاستهلاك, وهذا الأمر هو الذي يؤدي إلى الحد من الإنتاج نظراً إلى تناقص الطلب, وإلى الحد من الاستثمار.
والنتيجة المطلقة لما تقدم هي أنه بالنسبة إلى مقدار معين من الإنتاج النهائي ومن الدخل القومي لا بد من وجود مستوى التعادل بين هذه العناصر وجوداً تكون معه متلائمة فيما بينها.
ويتحدد هذا المستوى تحدداً يكون معه الاستهلاك عند الحد اللازم الذي يكون معه الاستثمار كافياً لتلبية الطلب الناتج عن الاستهلاك المذكور, مع الاهتمام بملاحظة مجموع عناصر الإنتاج المتوافرة, وعند الحد الذي يسمح بتكوين الادخار الكافي لتمويل عمليات الاستثمار الضرورية.
وعند المستوى المتقدم نجد أنه أي زيادة جديدة تطرأ على الاستهلاك أو على الادخار أو على الاستثمار تؤدي حتماً إلى اختلال التوازن السابق.
إذاً أن أية زيادة جديدة تطرأ على الادخار لا يمكن استخدامها في عمليات الاستثمار, في حال عدم كفاية الطلب العام, وكذلك فإن أية زيادة تطرأ على الاستثمار لا يمكن الإفادة منها دون الإخلال في التوازن المتقدم إلا عند تزايد الطلب بالنسبة ذاتها.
ومن المؤكد أن الاستثمار هو الذي يقوم بالمهمة الفعالة بين هذه العناصر الثلاثة, فهو الذي يؤثر في خط التوازن النهائي, ورفعه أو خفضه تبعاً لظروف السوق, وللجهاز الاقتصادي العام, وهو الذي يكون ذا أثر فعال في حجم الدخل القومي بواسطة الدخول الفردية المختلفة التي يقدمها أو التي يعِد بتقديمها مما يؤثر في حجم الادخار و الاستهلاك, ومن هنا قيل أن الاستثمار هو مفتاح النشاط الاقتصادي.

التعادل اللاحق في حجم كل من الادخار والاستثمار في نهاية الدورة المالية:
إن هذا التعادل بين الادخار و الاستثمار ينتج عن وضع التوازن العام في مدة زمنية محددة بين مختلف عناصر الدخل و الاستهلاك و الادخار و الاستثمار.
وفي هذا المجال هناك احتمالان يمكن عرضهما:
الأول: يتمثل في أن أصحاب الدخول قد يصممون على ادخار نسبة من مداخيلهم تفوق ما يقدر المستثمرون لتمويل مشاريعهم الإنتاجية.
أي أن المدخرين يودون ادخار نسبة تفوق حجم النسبة السابقة في العام المنقضي مثلاً بينما يقرر المستثمرون الجُدد استثمار النسبة السابقة ذاتها.
وكلما زاد الادخار نقص الاستهلاك بسبب ذلك, وهذا ينقص من الطلب الحاصل على المنتجات.
وهنا يضطر المنتجون إلى الحد من إنتاجيتهم تبعاً لذلك, فينتج عن انخفاض حجم الاستثمارات العامة نقص حجم الدخل القومي, ومن البديهي أنه كلما نقص الدخل القومي, ومن البديهي أنه كلما نقص الدخل نقصت القدرة على الادخار, وهنا يلتقي الادخار بمستوى الاستثمار ويتعادلان عند الخط التوازني.
الثاني: يتمثل في محاولة المستثمرين الجدد استثمار كمية من الأموال تفوق الكمية التي يتوقع ادخارها بواسطة المدخرين.
وهنا أيضاً لا بد من حصول التوازن بين عناصر الدخل الثلاثة بالطريقة ذاتها, أي عند مستوى ملائم لكل من الاستهلاك و الادخار و الاستثمار.
فكلما زاد حجم الاستثمارات الفعلية زادت بذلك قيمة الدخول بالنسبة إلى أصحاب الدخول المختلفة.
وهذا نفسه يؤدي إلى زيادة كل من الاستهلاك والادخار وهكذا يتمكن الأفراد من استهلاك كميات أكبر ما كانوا عليه يتنبؤون به في بداية الدورة, وبالنظر إلى ارتفاع مستوى مداخيلهم وعلى هذه الصورة يتم التعادل بين كل من الادخار و الاستثمار بعد ارتفاع مستوى الادخار إلى المستوى الملائم لعمليات الاستثمار.

ثانياً- رأس المال القومي والثروة القومية وميزانية الثروة القومية:
رأس المال القومي:
هو مجموع وسائل الإنتاج من مبانٍ وأجهزة ومعدات وآلات وأدوات متخصصة لإنتاج الأموال الاقتصادية من سلع وخدمات في بلد معين.
ويمكن وضع جدول أو بيان بعناصر رأس المال بهذا المفهوم في تاريخ معين, وفي نطاق الاقتصاد الساكن غير المتحرك وهذا ما يتطلب محاسبة الثروة القومية.
والثروة القومية:
دلالة ساكنة جامدة أي غير متحركة كالمفهوم السابق العائد إلى رأس المال القومي, ولكن الثروة القومية أوسع في محتواها من رأس المال القومي, إذ أنها تضم بالإضافة إلى جميع الموارد الطبيعية التي يمكن استخدامها فعلاً في عمليات الإنتاج المختلفة: كمنابع المياه والأحراج والمناجم وحقول البترول وما شابه ذلك, وكذلك يمكن إدخال العناصر البشرية وما يتصل بها من قيم ومؤسسات وقدرات علمية وفنية وثقافية وحضارية في هذا الاصطلاح (الثروة القومية).
وعلى الرغم من صعوبة هذا التقويم البشري يمكن التوصل إلى نتائج إيجابية في هذا المضمار بواسطة إحصاء عدد أفراد الفائت المنتجة أو القوى الإنتاجية لهذه القوى في نطاق الاقتصاد الوطني (وهذا ما يتيحه ميزان الموارد البشرية).
ويتبين مما سبق أن الثروة القومية تشمل رأس المال القومي وجميع الموارد الطبيعية والعناصر البشرية وذلك وفق المفهوم الساكن الذي تقدم ذكره في تاريخ محدد.
ويشبه الاقتصاديون هذا البيان أو هذا الجرد العام بالصورة الفوتوغرافية التي تؤخذ في لحظة معينة.
ميزانية الثروة القومية:
وتُعرف على أنها بيان محاسبي يظهر موجودات الوطن ومطالبه في مدة محددة من الزمن, فهي أشبه ما تكون بميزانية موحدة لجميع المؤسسات (بما في ذلك المؤسسات الحكومية المختلفة الأنواع) في قطاع الأعمال ولدى جميع الأسر (بما في ذلك تلك المنظمات التي لا تستهدف الربح) في القطاع العائلي.
وهي تختلف عن الحسابات القومية الأخرى بأنها ليست وصفاً لتدفق معين وإنما هي تصوير لحالة معينة أو تركيب معين في وقت محدد.
ولا يزال مفهوم ميزان الثروة القومية مفهوماً مدرسياً لم يتناوله التطبيق العملي الفعلي تناولاً ظاهراً وملموساً.
ولذلك فإن معالم هذا الحساب لا تزال مجالاً واسعاً للنقاش والبحث بين الاقتصاديين والإحصائيين من حيث تنظيم هذه الميزانية, ومن حيث البنود والمواد التي تدخل فيها أو تبعد عنها, ولا يوجد حتى الآن شكل محدد متفق عليه حول تنظيم ميزانية الثروة القومية, والخلاف الكبير حول مفهوم الثروة وما يدخل تحت هذا المفهوم.
إن كثيراً من الناس في أحاديثهم العادية, يقرنون الثروة برأس المال على أنهما شيئان متماثلان.
لكننا في عالم الاقتصاد نميز بين رأس المال والثروة, فرأس المال كما أشرنا إليه سابقاً ينطبق على الموجودات المادية الملموسة المعدة للاستعمال في سبيل الإنتاج سواء كانت ذات صفة دائمة, كالمساكن والمباني والطرق والجسور, والآلات والمعدات, أو كانت ذات صفة مؤقتة كموجودات المستودعات من المواد الجاهزة والمواد نصف المصنوعة والمواد الأولية (أو ما يسمى برأس المال المتغير).
أما الثروة القومية فهي أعم وأشمل من رأس المال, وتتألف من البنود التالية:
1- الموجودات المادية المعدة للاستعمال في سبيل الإنتاج (أي رأس المال القومي بالمفهوم الاقتصادي الوارد ذكره سابقاً).
2- الموجودات المادية التي لا تستعمل في أي إنتاج, كاللوحات الفنية وموجودات المتاحف.
3- الموارد الطبيعية على ظاهر الأرض وفي باطنها, كالأنهار والسدود والأراضي وآبار البترول ومناجم المعادن, ولو لم تكن مستغلة أبداً.
4- الموارد البشرية وتربيتها من حيث العمر والجنس والثقافة.
5- الخبرات والمهارات العلمية والعملية المتوفرة.
صعوبات إعداد الميزانية القومية:
من بين البنود الخمسة التي تتألف منها ميزانية الثروة القومية, يوجد بند واحد هو بند الموجودات المادية المعدة للاستعمال في سبيل الإنتاج, ويمكن القول أن هناك اتفاقاً بين الاقتصاديين على طرائق حسابه وتقديره, أما البنود الأخرى فلا تزال موضع أخذ ورد حول الكيفية التي يمكن أن تقدر بها.
لنأخذ مثلاً لوحة فنية تاريخية ولنتساءل كيف يمكننا أن نقدر قيمة هذه اللوحة؟
هل نستعمل أجور عدد الساعات اللازمة لرسم صورة مماثلة؟ أو نستعمل القيمة التي يمكن أن تباع بها في السوق؟ أو نستعمل القيمة التي يحددها خبراء الفن وهواته؟
ولنأخذ الآن مثالاً آخر هو نهر الفرات في القطر العربي السوري الذي يجعل من الأراضي التي يمر بها أراضي خصبة منتجة.
لو قُطع النهر, لأصبحت أغلب الأراضي التي يمر بها جرداء قاحلة, فكيف نُقوِّم هذا النهر ضمن الثروة القومية؟
ويزداد تساؤلنا عن طرائق التقويم شدة عندما ننتقل من الموجودات المادية إلى الثروات البشرية والمهارات والخبرات.
فمما لا شك فيه أن الشخص المتعلم أقدر على الإنتاج وأكفأ من الشخص الجاهل, كما إن إنتاجية الشخص الماهر أكثر كثيراً من إنتاجية العامل العادي أو البسيط.
فيكف نقدر هذه الخبرات والكفاءات؟ هل نقول أن قيمتها تعادل التكلفة اللازم إنفاقها لكي نجعل من العامل العادي عاملاً ماهراً, أو أن قيمتها تعادل تلك التكلفة مضافاً إليها قيمة الإنتاج الذي يمكن العامل الماهر أن يقوم به طوال المدة اللازمة لرفع قدرة العامل العادي إلى قدرة عامل ماهر؟
ولو افترضنا أننا استطعنا أن نحدد الوسيلة التي نُقوم بها كل بند من البنود التي تتألف منها الثروة القومية, فالسؤال هو كيف نجمع هذه العوامل مع بعضها, إذ أن نتائج هذه البنود من الثروة القومية تختلف باختلاف المجتمع وتركيبه.
فنحن نرى أن الثروة القومية المؤلفة من مجموعة معينة من الموارد الطبيعية تزداد إذا أضيفت إليها ثروة بشرية ماهرة متعلمة ليس فقط بمقدار الثروة البشرية المضافة وإنما أحياناً بأضعاف هذه الثروة البشرية, والعكس بالعكس, فإذا أضفنا إلى الثروة القومية نفسها ثروة بشرية جاهلة متخلفة, فإن المحصلة هي أقل من مجموع قيمة الثروتين الطبيعية والبشرية.

ولا يحتاج هذا الرأي إلى كثير من النقاش, ففي العالم في الوقت الحاضر أمثلة كثيرة على ذلك, حيث نجد بلاداً حباها الله السهول الواسعة والأنهار والقدرات الطبيعية الهائلة, إلا أن شعبها كسول, جاهل متخلف, تقليدي, فإذا بها لا تزال وستبقى إلى زمن ليس بالقصير, في زمرة الشعوب المتخلفة, بينما نجد بلاداً مماثلة أعطاها الله أناس يعملون عملاً جاداً وصبوراً فإذا بلادهم تغدو قبلة للأنظار ومثالاً للتقدم وقدرة على النمو (كاليابان مثلاً).
فإذا ما قارنا بين هذين النوعين من البلاد فإننا نرى أن الموارد الطبيعية تعد موجوداً إيجابياً في كل من البلدين, أما الثروة البشرية فهي موجود سالب في الدولة الأولى, وموجود إيجابي في الدولة الثانية, فكان للعنصر البشري أو الثروة البشرية أثراً مماثلاً للضارب الاستثماري أو مضاعف التثمير, الذي يمكن أن نسميه باسم الضارب أو المضاعف البشري.
وفي الحقيقة نجد أن إعداد ميزانية الثروة القومية يتطلب مسحاً كاملاً وشاملاً لمختلف طاقات البلاد ومواردها وتقويمها بشكل أو بآخر, وهذا في الواقع أمر شاق وطويل ويتطلب جهوداً جبارة وكفاءات علمي وإحصائية كثيرة مما يجعل إعداد هذه الميزانية كلها فوق قدرة أو إمكانية الكثير من الدول.

ونظراً إلى أنه لم يتحدد حتى الآن شكل معين لعرض ميزانية الثروة القومية فقد اقترح الدكتور محمد عادل عاقل (1) الشكل التالي لهذه الميزانية:
الهيكل العام لميزانية الثروة القومية لبلد ما
الموجودات المطاليب وصافي الثروة القومية
أ- القطاع الإنتاجي: أ- ممتلكات غير المقيمين:
1- الموارد المعدة للإنتاج: 1- في القطاع الإنتاجي.
– رأسمال ثابت. 2- في القطاع العائلي.
– رأسمال مؤقت. ب- صافي الثروة القومية:
2- الموارد الطبيعية: 1- في القطاع الإنتاجي.
– الظاهرة على سطح الأرض. 2- في القطاع العائلي.
– الموجودات في باطن الأرض.
ب- القطاع العائلي بما فيه المنظمات الخيرية:
1- الموارد المادية غير المعدة للإنتاج.
2- الموارد البشرية.
3- الخيرات والمهارات.
مجموع الموجودات تحت تصرف الوطن مجموع المطاليب والثروة القومية

ووفقاً للهيكل الموجود في الشكل السابق فقد قُسم الاقتصاد إلى القطاعين التاليين: الإنتاجي والقطاع العائلي.
وأدرج تحت كل قطاع الموجودات التي يمكن أن يحتويها من بنود الثروة القومية, فإذا أضيف إلى مجموع موجودات القطاعين ممتلكات المقيمين في العالم الخارجي فيكون الناتج مجموع الموجودات الكائنة تحت تصرف الوطن.
أما طرف المطاليب وصافي الثروة القومية فهو يتألف من قسمين هما ممتلكات غير المقيمين, وصافي الثروة القومية وكل من هذين القسمين موزع على القطاعين الإنتاجي والعائلي.
إن الهيكل المقترح الوارد سابقاً هو هيكل عام ومن الممكن أن تعد إلى جانبه جداول تفصيلية توضح التركيب المختلف لكل بند أو جزء البند مختلف حسب مختلف الصفات اللازمة للتحليل الاقتصادي.
ومن الممكن استعمال ميزانية الثروة القومية في أمور كثيرة, أهمها:
1- تصوير التركيب الهيكلي للقوى الإنتاجية الفعلية والمقبلة.
2- إظهار مواطن الضعف والقوة في استغلال القوى الاقتصادية والطاقات الاجتماعية في الوطن وتشغيلها.
3- توجيه التنمية الاقتصادية, وإعداد الخطط اللازمة للاستفادة من القدرات والطاقات كافةً التي تشير إليها ميزانية الثروة القومية.
4- دراسة إنتاجية الخطط الاقتصادية والاجتماعية من حيث المستوى الداخلي والمستوى الدولي اعتماداً على ضوء اتجاهات ميزانية الثروة القومية.

ثالثاً- الناتج القومي:
الناتج القومي: “هو مجموع الأموال الاقتصادية التي تنجم عن استعمال البلد أو الأمة لرأس المال القومية وللثروة القومية”.
ويتم تقدير الناتج القومي بالوحدات النقدية خلال مدة زمنية معينة هي السنة.
ويدخل في مفهوم الناتج جزء من رأس المال القومي, أي أن مجموع المنتجات في عام من الأعوام يتضمن حصة من رأس المال المستعمل في إنتاجها, كالبذار المستعمل في زراعة الحبوب, وقيمة تناقص جانب من رأس المال من جرَّاء استعماله خلال العام, فلا بد والحالة كذلك من استخراج قيمة البذار أو الجانب المستهلك من رأس المال, للحصول على الناتج الصافي, ويتم تقدير الناتج القومي بالوحدات النقدية خلال مدة زمنية معينة هي السنة.
فالناتج القومي غير الصافي أو الإجمالي هو قيمة المنتجات المقدرة بالأسعار السائدة في السوق, أي القيمة النقدية بما فيها الضرائب غير المباشرة وقيمة اهتلاك رأس المال, وذلك في جميع القطاعات كالزراعة والصناعة والتجارة والخدمات.
وللوصول إلى قيمة الناتج القومي الصافي وفق الأسعار السائدة في السوق يجب أن تطرح من مجمل قيمة الناتج القومي قيمة اهتلاك رأس المال المستعمل في عمليات الإنتاج المختلفة خلال العام المذكور.
والآن ما هو محتوى الناتج القومي وفق الأسعار السائدة في السوق أو ما هو مضمونه؟
إنه يشمل السلع والخدمات في شكلها النهائي التي بيعت به للمستهلكين أو للمشترين النهائيين, فلا يشمل هذا المفهوم المواد الأولية والسلع غير التامة الصنع, أو نصف المصنوعة التي لم تبلغ بعد طورها النهائي من حيث الصناعة.
وتتضمن هذه المنتجات النهائية:
1- أموال الاستهلاك.
2- وسائل الإنتاج أو رؤوس الأموال المنتجة خلال العام المدروس.
3- الزيادة القيمية الصافية للمخزون من مواد أولية وسلع غير تامة الصنع أو سلع نهائية غير مباعة.

أموال الاستهلاك:
وهي السلع والخدمات التي تم إنتاجها في العام سواء أكانت من أموال الاستهلاك المباشر كالمواد الغذائية والخدمات, أو من أموال الاستعمال كالملابس والسيارات والأدوات المنزلية من ساعات وبرادات وأثاث وما شابه ذلك.
وسائل الإنتاج أو رؤوس الأموال:
وهي التجهيزات ومعدات الإنتاج والأدوات المختلفة التي بيعت للمشاريع التي تستعملها, وقيمة الأبنية الجديدة ولاسيما المباني المشغولة فيها بالمشروعات المختلفة, من مبانٍ حكومية ومخازن وأبنية ومؤسسات مختلفة الأنواع, ومبانٍ السكن وكذلك قيمة الأشغال العامة المضافة خلال العام أو النصيب والتماثيل والمؤسسات العامة وقيمة صيانة المباني القديمة المشغولة وإصلاحها وترميمها….الخ.

الفائض القيمي: المخزون في نهاية العام:
ويضم الزيادة القيمية الصافية للمخزون من مواد أولية وسلع غير تامة الصنع وسلع تامة الصنع وغير مصروفة خلال العام.
وبحسب هذا الفائض في نهاية العام بالنسبة إلى قيمته السابقة في مطلع العام ذاته.
وهذا الفائض يضاف إلى قيمة الناتج القومي العام, وإذا كان سلبياً طرح من قيمة الناتج القومي.
ويُؤمِّن الناتج القومي الطلبات النهائية التي تتم خلال عام معين, هذه الطلبات هي:
1- طلبات المستهلكين.
2- طلبات الإدارات العامة والمؤسسات التابعة لها.
3- الطلبات الخارجية, وهي التي يُصار إلى تلبيتها بواسطة عمليات التصدير.
4- طلبات الاستثمار, ومنها الاستثمارات الخاصة والاستثمارات العامة.

بعض المفاهيم الاقتصادية الأساسية المستخدمة في الحسابات القومية:
هناك مجموعة من المفاهيم الاقتصادية المستخدمة بشكل متكرر في الحسابات القومية ومن هذه المفاهيم:
!- مفهوم الانتاج:
لكل فرد عامل في المجتمع نشاط اقتصادي يقوم به، وحصيلة هذا النشاط هو خلق سلعة او بضاعة او تأدية خدمة يحتاج اليها الآخرون، فمثلا الفلاح بنتج القمح، وعامل النسيج يصنع القماش، والمحامي يؤدي خدمة حقوقية، والطبيب يؤدي خدمة صحية …. الخ. ونطلق على هذه الحصيلة الممثلة بالسلع والخدمات اسم “الانتاج”.
وبما ان نشاط الفرد مستمر زمنيا، فكان لابد لقياس هذا النشاط من تحديد الفترة الزمنية المبذول فيها. وبالأخذ بعين الاعتبار العامل الزمني يمكن تحديد انتاج الفرد خلال فترة من الزمن على انه مجموع السلع والخدمات التي يتم الحصول عليها نتيجة لنشاطه الاقتصادي طيلة تلك الفترة. وبالقياس فان انتاج الأمة او الدولة هو مجموع السلع والخدمات التي يتم الحصول عليها نتيجة لنشاط أفرادها خلال فترة من الزمن.
والانتاج بهذا المفهوم يتألف من مجموع نوعين:
– انتاج مادي: هو انتاج السلع كالمنتجات الزراعية والصناعية.
– انتاج غير مادي: هو انتاج الخدمات كخدمات المحامي والطبيب….. الخ.
ويشترط في السلع والخدمات كي تعتبر انتاجا بالمعنى الاقتصادي (أي لها قيمة اقتصادية) ان تكون:
1- ذات منفعة اقتصادية
2- قابلة للتسويق
3- قابلة للتقويم النقدي
4- نادرة نسبيا.

لكن المشكلة التي لازالت تواجه المحاسبين القوميين عند تحديد مفهوم الانتاج تتمثل في وضع الحدود الواضحة بين الانتاج المادي والانتاج غير المادي (الخدمات)، هذه المشكلة المنبثقة أصلا من مشكلة التمييز بين العمل المنتج لسلعة مادية والعمل غير المنتج ماديا (الخدمات)، وكذلك التفريق بين الخدمات المرتبطة بالعملية الانتاجية والمكملة لها كخدمات النقل والتخزين والتوزيع من جهة وباقي الخدمات من جهة أخرى بما فيها الخدمات الحكومية .
ذلك ان المفهوم المادي للانتاج يعتبر ان العمل منتجا في قطاعات الانتاج المادي التي تساهم مباشرة في تكوين الانتاج، أما المفهوم الرأسمالي للانتاج فانه يعتبر جميع أنواع العمل (في القطاعات المادية وغير المادية) منتجة مادامت تعطي ربحا.
وباختصار تكمن المشكلة في اختلاف مفاهيم الانتاج في تحديدها للسلع والخدمات التي يتم احتسابها ضمن الانتاج وتلك السلع والخدمات التي يتم استبعادها عند احتساب الانتاج. فمثلا يوجد اختلاف في كيفية معاملة الانتاج المستهلك ذاتيا او الانتاج غير المتبادل في السوق، واختلاف في كيفية معاملة وتقييم الخدمات عند احتساب الدخل القومي.
لقد ساد في الماضي مفهومان أساسيان للانتاج:
أولا- المفهوم المادي للانتاج (المفهوم الاشتراكي):
وهو يشمل كل الانتاج المادي من البضائع، أي انتاج كل من قطاع الزراعة والصناعة بالاضافة انتاج الخدمات التي تتعلق بالانتاج المادي وتعتبر لاحقة له (كخدمات قطاع النقل والتجارة والتخزين) وبالتالي فان الاطار العام للحسابات القومية المستند على المفهوم المادي للانتاج يستبعد من الحساب الدخول المتولدة من الخدمات الحكومية والشخصية وكذلك خدمات دور السكن باعتبارها دخول مشتقة وناتجة عن اعادة التوزيع الأولية او الأصلية.
ثانيا- المفهوم الرأسمالي للانتاج:
وهو يشمل كل انتاج سواء أكان ماديا او خدميا يشبع رغبة او يحقق منفعة لدى المستهلك ، وهذا المفهوم يعتبر الأساس الفكري لنظام الحسابات القومية للأمم المتحدة.
ونظرا لأهمية مفهوم الانتاج للأمم المتحدة من حيث اتساع تطبيقه عالميا وكونه الأساس للكثير من أنظمة المحاسبة القومية المشتقة عن نظام الأمم المتحدة.

2- الناتج المحلي :
ان الدخل هو الناتج والناتج هو الدخل لأن كليهما وجهان لشيء واحد، فالناتج هو ما ينتجه المجتمع من سلع وخدمات، والدخل هو قيمة ما أنتجه المجتمع من سلع وخدمات.
والأصل في مفهوم الدخل والناتج أن يقاس الانتاج كميا، ولكن بما أن وحدات الانتاج تختلف نوعا وكما وقيمة من سلعة الى أخرى وكذلك فإن الخدمات لايمكن قياسها كميا لذلك كان لابد من ايجاد معادل عام مشترك، أي ايجاد وحدة عامة توحد الانتاج وتحل محل كمياته التي لايمكن جمعها، وهذه الوحدة هي (القيمة النقدية) لذلك فإن تقدير الانتاج يتم بمعرفة قيمته النقدية.
والدخل أو الناتج المحلي: هو مجموع قيم الانتاج من السلع والخدمات الاقتصادية النهائية المتحصلة في دولة (وطن) معينة خلال فترة زمنية غالبا ما تكون سنة.
أذا الناتج المحلي هو قيمة مابنتج من السلع والخدمات النهائية في الوطن بغض النظر عن جنسية المالك لهذا الناتج، فيما اذا كان من المواطنين أو المقيمين في ذلك الوطن ، أم أنه يعود الى أجانب وغير مقيمين، ولهذا يسمى بالناتج المحلي (أو الجغرافي).
ويعتبر الناتج المحلي الإجمالي من المؤشرات الهامة التي تستعمل لحساب معدل النمو الاقتصادي و مستوى التنمية الاقتصادية و الاستثمار و الأداء الحكومي و التجارة الخارجية . .

3- السلع والخدمات (الوسيطة والنهائية):
تميز الحسابات القومية عند احتساب الدخل أو الناتج بين نوعين من السلع والخدمات هما:
أ- السلع والخدمات الوسيطة : (الاستهلاك الوسيط): وهي السلع والخدمات التي تتم عليها وبواسطتها عمليات الانتاج من أجل الحصول على السلع النهائية، فمثلا القطن هو سلعة وسيطة للحصول على غزل القطن، وغزل القطن هو سلعة وسيطة لانتاج القماش، والقماش هو سلعة وسيطة لصناعة الملابس، ……… الخ.
ب- السلع والخدمات النهائية: (الاستهلاك النهائي): وهي السلع والخدمات التي تعرض للاستهلاك النهائي، فمثلا القطن الذي تشتريه الأسرة لاستعماله في حشو الفراش هو سلعة نهائية حيث لم يعد هناك عمل يتم عليه وانما تم استعماله النهائي ولكن نفس القطن لو بيع الى شركة للغزل لأصبح القطن مادة وسيطة.

4- المقيمون في الوطن:
الحسابات القومية تقسم الأشخاص الى نوعين: طبيعيين واعتباريين:
أ- الأشخاص الطبيعيون فيعتبرون (مقيمين) في الدولة التي يعيشون فيها عادة وهم في الغالب تربطهم جنسية واحدة، أي ابناء وطن واحد.
أما الأشخاص الذين تكون إقامتهم في البلد مؤقتة أو طارئة بسبب العمل أو السياحة أو العلاج أو الدراسة فلا يعتبرون مقيمين (وهم في الغالب الأجانب من غير ابناء الوطن)
أما الأشخاص الاعتبار يون (الشركات والمنظمات والمؤسسات والهيئات الوطنية … ) فيعتبرون مقيمين في الدولة التي يعملون بها، ويستثنى من ذلك وكالات (أوفروع) الشركات الأجنبية حيث تعتبر غير مقيمة وتتبع جنسية الشركة الأم في بلدها الأصلي. أما المنظمات والمؤسسات الدولية فإنها تعتبر (غير مقيمة أي غير وطنية) بغض النظر عن مكان عملها أو مركزها الرئيسي.

5- الناتج القومي:
عرفنا الناتج المحلي بأنه مجموع قيمة ماينتج من السلع والخدمات الاقتصادية النهائية داخل حدود الدولة المعينة بغض النظر عن جنسية المالكين لهذا المنتج.
أما اذا نظرنا للناتج من زاوية جنسية المالكين لهذا الناتج، أي من حيث مساهمة المقيمين في الوطن وغير المقيمين من الأجانب في الناتج، فإننا نتعامل مع مفهوم آخر هو الناتج القومي الذي هو “مجموع قيمة الناتج من السلع والخدمات النهائية المتحصلة للمقيمين في الوطن (أو لعوامل الانتاج المقيمة) خلال فترة زمنية معينة (سنة)”. لهذا فان دخل غير المقيمين الذي يتحقق ضمن حدود الوطن يستبعد من الناتج القومي في حين أن الدخل المتحصل للمقيمين من الخارج يدخل في تقدير الناتج القومي.
والناتج القومي يمكن أن يتساوى مع الناتج المحلي اذا كان الاقتصاد المعني مغلقا وكذلك في حالة الدخل المتحصل للمقيمين من العالم الخارجي يعادل الدخل المتحصل لغير المقيمين في الوطن، ولكن اذا زاد دخل المقيمين من الخارج عن دخل غير المقيمين في الوطن يكون الناتج القومي أكبر من الناتج المحلي والعكس بالعكس.

6- الناتج الاجمالي والناتج الصافي والدخل القومي:
لم نميز في شرحنا للناتج فيما اذا كان هذا الناتج اجماليا أو صافيا. لكن هناك مقاييس عديدة للناتج القومي تختلف عن بعضها ، يمكن ان نميز المقاييس التالية للناتج القومي:
أ- الناتج القومي الاجمالي:
وهو عبارة عن مجموع القيم الاجمالية بسعر السوق لناتج السلع والخدمات الاقتصادية النهائية المتحصلة للمقيمين (أو لعوامل الانتاج المقيمة) في وطن واحد خلال فترة زمنية معينة (سنة).
وبمقارنة تعريف الناتج القومي الاجمالي مع المفهوم العام للناتج القومي (الفقرة 5) نلاحظ الفرق بعبارة الاجمالي التي تعني شمول الناتج لذلك الجزء المهتلك من رأس المال الثابت خلال عملية الانتاج، والفرق الآخر هو بعبارة سعر السوق للدلالة على ان الانتاج مقيم بالسعر السائد في السوق وهذا السعر يتضمن الضرائب غير المباشرة وتطرح منه إعانات الانتاج.
ب- صافي الناتج القومي (أو الناتج القومي الصافي):
أثناء عملية الإنتاج يهتلك قسم من رأس المال المستخدم وللحفاظ على المستوى الأصلي لرأس المال لابد من أخذ قسم من الانتاج الجديد ليحل محل القسم المهتلك ، فاذا طرحنا من مجمل الناتج القومي قيمة اهتلاك رأس المال نحصل على صافي الناتج القومي الذي هو مجموع القيم الصافية بسعر السوق لانتاج السلع والخدمات الاقتصادية النهائية المتحصلة للمقيمين (أو لعوامل الإنتاج المقيمة) في وطن واحد خلال فترة زمنية معينة (سنة).
جـ- الدخل القومي:
رأينا أن المقياسين السابقين يمثلان مجموع القيم بسعر السوق التي يؤثر في مستواها وجود الضرائب غير المباشرة وإعانات الإنتاج، فلو أننا أبعدنا هذين العاملين لحصلنا على ما يسمى بسعر كلفة عوامل الإنتاج.
لنأخذ المثال التالي:
لنفترض لدينا سلعة معينة، ونفرض أن الكغ من هذه السلعة يباع بسعر السوق بمبلغ 50 ل.س. للمستهلك. فإذا حللنا هذا السعر لوجدنا أن فيه ضريبة غير مباشرة تبلغ افتراضيا 10 ل.س. ، ولنفترض أن هذه الضريبة ألغيت وأن مستوى الأرباح والأجور والطلب على هذه السلع بقي ثابتاـ فإن سعر السلعة في السوق يبلغ 40 ل.س. وهي تمثل السعر الذي يريده المنتج قيمة لعوامل الإنتاج كي يقدم على البيع، وهذا السعر يتضمن نصيب كل من عوامل الإنتاج المشتركة في إنتاج هذه السلعة.
مثال آخر: أن ليتر المازوت يباع مثلا بمبلغ 7 ل.س. هو السعر السائد في السوق ، ولكن هذا السعر ليس هو سعر كلفة عوامل الإنتاج، ولو أننا حللنا كلفة الليتر من المازوت لوجدنا انه يكلف 30 ل.س. والفرق بين السعرين تقوم الحكومه بدفعه الى المنتج كإعانة انتاج ليتمكن من بيع المازوت بأقل من كلفته الفعلية.(كلفة عوامل الانتاج).
وهكذا فسعر كلفة عامل الإنتاج ينقص عن سعر السوق في حال وجود ضرائب غير مباشرة ويزيد عنه في حالة وجود اعانات الانتاج.
فإذا ما حذفنا الضرائب غير المباشرة وأضفنا اعانات الانتاج على صافي الناتج القومي بسعر السوق حصلنا على مايسمى ب ” الدخل القومي” أو صافي صافي الناتج القومي بتلفة عوامل الانتاج وهو عبارة عن “مجموع القيم الصافية لانتاج السلع والخدمات الاقتصادية النهائية المتحصلة للمقيمين (أو لعوامل الانتاج المقيمة) في وطن واحد مقومة بسعر كلفة عوامل الانتاج خلال فترة زمنية معينة (سنة).
7- الضرائب:
في الحسابات القومية يجري اتمييز بين نوعين من الضرائب:
أ- الضرائب المباشرة: كالضريبة المباشرة على الأرباح أوعلى الدخل …. الخ.
ب- الضرائب غير المباشرة: مثل الضريبة على المبيعات (ضريبة القيمة المضافة)، الرسوم الجمركية …. الخ.
وللتمييز بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة تم اعتماد المبدأ التالي:
كل ضريبة تصيب عاملا محددا من عوامل الانتاج (الأرض والعقار، العمل ، رأس المال، الاستحداث) تعتبر ضريبة مباشرة.
واذا لم تصب عاملا محددا من عوامل الانتاج تعتبر ضريبة غير مباشرة.
فمثلا ضريبة الدخل التي يدفعها الموظف تصيب مباشرة عنصر العمل (ضريبة مباشرة)، بينما الضرائب على التبغ او الاسمنت او ضريبة السيارات … الخ تعتبر ضرائب غير مباشرة.
وهناك وجهات نظر متعددة حول المعالجة المحاسبية القومية للضرائب غير المباشرة:
حيث تستبعد من حساب الدخل القومي عندما يكون الهدف هو حساب الدخل القومي بسعر كلفة عوامل الانتاج باعتبارها لاتمثل عائدا لأي واحد منها، وتحسب عندما يكون الهدف هو حساب الدخل القومي بسعر السوق.
أما الضرائب المباشرة فتكون عادة مشتملة ضمن دخول عوامل الانتاج، وبالتالي هي متضمنة في حساب الدخل القومي.
8- الإعانات الإنتاجية:
يقصد بها المساعدات النقدية أو العينية التي تدفع من قبل الدولة الى المنتجين المحليين لغرض تخفيض (أو تثبيت) أسعار السلع والخدمات التي يقومون بإنتاجها إلى مستوى يقل عن سعر السوق الطبيعي، ويمكن اعتبار هذه الإعانات ضرائب غير مباشرة سالبة، ولهذا يجب طرحها من مجموع الضرائب المستحقة على المنتجين قبل إدخال الأخيرة ضمن حساب الدخل القومي.
وتأخذ الإعانات ثلاثة أشكال رئيسية هي:
أ- الإعانات النقدية: التي تدفعها الحكومة للمنتجين، وجميع هذه الإعانات تضاف إلى الدخل القومي المحتسب بتكلفة عوامل الإنتاج.
ب_ مشتريات الحكومة للسلع من القطاع الخاص إما بسعر السوق أو بسعر أعلى منه ثم إعادة بيعها إلى المستهلكين بسعر يقل عن سعر الشراء. ويعتبر الفرق بين سعر الشراء وسعر إعادة البيع إعانة مدفوعة للمنتجين يجب إدخالها في الدخل القومي بسعر تكلفة عوامل الإنتاج.
جـ – إعانات تصدير تدفع للمنتجين وتعامل هذه لمنح معاملة النوعين السابقين.

المجاميع الاقتصادية (الدخل القومي)

– معنى الدخل:
يمكن تعريف الدخل تعريفاً أولياً وعاماً بأنه:
” كل ثروة جديدة قابلة للتسويق يحصل عليها الشخص خلال مدة زمنية معينة, ويتم هذا مقابل إسهامه في العملية الإنتاجية وفقاً للنظام المُتبع في المجتمع “.
فهناك توافق بين تعريف الدخل وتعريف الناتج, ويتميز الدخل بالخصائص التالية:
1- يمثل الدخل ثروة جديدة:
أي أنه يقابل ناتجاً جديداً يضاف إلى مجموع ما كان يمتلكه الشخص من أموال, فالمبالغ التي يحصل عليها مقابل بيع شيء من ممتلكاته لا تعد دخلاً لأنها مجرد تحويل في شكل بعض أمواله وليست إضافة جديدة إليها, ولو فرضنا أن صاحب هذه المبالغ استطاع أن يبيع المال المذكور بثمن يزيد عن ثمن شرائه فإن هذا الفرق لا يعد دخلاً لأنه لا يشكل ناتجاً جديداً نتج عن عملية البيع, بل يمثل في الواقع قيمة إضافية طرأت على رأس المال الأصلي.
ولكن إذا كان الشخص يحترف التجارة والسمسرة وكانت عملية البيع متصلة بأعماله التجارية فإن الفرق بين ثمن البيع والشراء يعد في هذه الحالة دخلاً حقيقياً.
وينبغي أن يمثل الدخل ثروة جديدة ليس في نظر المستفيد وحده, بل في نظر المجتمع أيضاً.
فإذا زادت ثروة أحد الأشخاص نتيجة حصوله على هبة أو مساعدة من شخص آخر في المجتمع نفسه فإن هذا لا يعد دخلاً وإنما مجرد تحويل للدخل أو للثروة, ويجب أن تستبعد من دخل الأفراد جميع الإيرادات الناتجة من مدفوعات تحويلية كالمساعدات التي تدفعها الجمعيات الخيرية للفقراء والإعانات التي تدفعها مؤسسة التأمينات الاجتماعية للعمال العاطلين عن العمل, فهذه المبالغ لا تدفع للأفراد مقابل اشتراكهم في العمليات الإنتاجية في المدة المحاسبية نفسها, فلا يوجد مقابل في جانب الناتج القومي لهذه المدة, ولذلك لا يجوز حسابها ضمن الدخل القومي.
إذا افترضنا مثلاً أن دخل أحد الأشخاص يبلغ /3.000/ ل.س شهرياً, وأنه يدفع /200/ ل.س أجراً لسائقه الخاص, فإن هذا الأجر يضاف إلى صاحب السيارة عند تقدير الدخل القومي لأنه مقابل هذا الدخل الذي يحصل عليه السائق توجد قيمة جديدة تضاف إلى الناتج القومي في المدة المحاسبية نفسها, وهي قيمة الخدمات التي يؤديها السائق.
أما إذا دفع الشخص المذكور إعانة شهرية لبعض أقاربه مقدارها /200/ ل.س أيضاً فإن هذا المبلغ لا يُحسب ضمن الدخل القومي إذا لا يوجد له مقابل في الناتج القومي فهو يُعد من المدفوعات التحويلية.
2- لا يشمل الدخل القومي إلا للسلع والخدمات والقابلة للتسويق:
فهناك كما أسلفنا توافق بين تعريف الناتج وتعريف الدخل لغرض المحاسبة القومية, فيتكون الدخل كذلك من المبالغ التي يحصل عليها نقداً بالإضافة إلى الميزات العينية التي قد يحصل عليها من الإدارة الحكومية أو المنشأة الخاصة التي يعمل بها كالسكن مجاناً في أحد منازلها أو حق استخدام إحدى سياراتها أو حق الحصول على ملابس أو مأكولات بأثمان مخفضة… الخ.
ولكن لا يضاف إلى دخل الأسرة النقدي أي قيمة تقديرية مقابل الخدمات التي تحصل عليها من أجد أفرادها ما دامت هذه الخدمات غير قابلة للتسويق ولا تضاف إلى تقدير الناتج القومي.
وعلى العكس من ذلك فيمكن أن تحسب في تقدير دخل الفرد القيمة الإيجابية (إيجار المنزل) للمنزل الذي يمتلكه أو يشغله ويسمى بالدخل التقديري, ويضاف إلى دخله النقدي, ولكن لا تُحسب في هذا التقدير قيمة منفعته بسيارته الخاصة وانتفاعه بأجهزته المنزلية المختلفة كالبراد والغسالة الكهربائية والتلفزيون … الخ.
وهذه التفرقة في المعاملة بين الانتفاع بالعقارات والانتفاع بالمنقولات ليس لها سند منطقي مقبول, ويعترض عليها الاقتصادي الأمريكي (ارفنج فيشر) الذي يرى أنه ينبغي تعريف الدخل تعريفاً شاملاً يضم جميع المنافع التي تعود على الأفراد من السلع المعمرة المملوكة بوساطتهم سواء كانت من العقارات أو من المنقولات.
لكن هذا الرأي لم يلاقِ استحساناً لدى معظم الاقتصاديين ولاسيما المحاسبين القوميين لأنه يثير الكثير من المشاكل عند التطبيق.
ولو كان من الممكن تطبيق رأي فيشر تطبيقاً وإعطاء هذا التطبيق قيمة تقديرية للمنافع التي يحصل عليها الفرد من جميع ما يمتلكه من سلع معمرة وإضافة هذه القيمة إلى دخله لكان متوسط دخل الفرد في الدول المتقدمة يبدو أكثر ارتفاعاً مما هو عليه الآن بالنسبة إلى متوسط الدخل في الدول النامية.
3- يٌشترط أن يكون للمبالغ التي يحصل عليها الفرد مقابل يتمثل في إسهامه في العملية الإنتاجية:
وقد يكون الاشتراك في العملية الإنتاجية حاصلاً بواسطة تقديم خدمات عمل فقط, كما هو الحال في البلاد الاشتراكية الماركسية وتقديم العمل أو رأس المال أو التنظيم في الدول الرأسمالية.
ويشترط المحاسب القومي أن تتم هذه المشاركة في إطار النظام المتبع في المجتمع, أو بعبارة أخرى: في كون النشاط الذي يقوم به الفرد مقبولاً بحكم القانون.
فالدخل الذي يحصل عليه الفرد بواسطة إنتاج المخدرات وترويجها لا يدخل في تقدير الدخل القومي, كما تستبعد قيمة المخدرات من تقدير الناتج القومي ما دام هذا النشاط يحرمه القانون.

تعريف ومفهوم الدخل القومي:
لقد غدا الدخل القومي اصطلاحاً اقتصادياً شائعاً, كما لم يعد استعماله مقصوراً على النواحي الاقتصادية, بل أصبح يستعمل في مجالات التحليل الاقتصادي والاجتماعي.
ومن دراسة معنى الدخل القومي وتعدد استعماله نجد أن تعاريفه قد تعددت بتعدد الاقتصاديين, وفق النظرية الاقتصادية لهذا المصطلح لكل منهم واستعماله له, وسنورد فيما يلي بعض التعاريف وذلك على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر.
1- الدخل القومي هو مجموع الدخول المتحصلة بواسطة العناصر الاقتصادية المقيمة وذلك بسبب اشتراكهم في الإنتاج.
2- الدخل القومي هو المجموع الذي يقيس قياساً بشكل أفضل الدخل وهو الذي الناتج بواسطة العناصر الأولية للإنتاج لاقتصاد ما وخلال مدة زمنية معينة.
3- الدخل القومي هو المجموع الأكثر شمولاً والأكثر ثباتاً, وهو الذي يعطي النتيجة الصافية للفعالية الاقتصادية لمجموع عناصر لاقتصاد وطني.
4 الدخل القومي هو مجموع عائدات العناصر الأساسية للإنتاج معتمدين على كون رأس المال يعد ضمن هذه العناصر.
5- الدخل القومي هو مجموع صاف لقيم الإنتاج من السلع والخدمات الاقتصادية النهائية المتحصلين للمقيمين في الوطن خلال مدة زمنية معينة من الزمن (تبلغ عادة سنة).
6- الدخل القومي هو الدخول النقدية العائدة إلى عوامل الإنتاج البشرية في جميع القطاعات والفروع الاقتصادية, من مستحدثين وأرباب عمل ورجال أعمال ومستخدمين وخبراء وملاك وموظفين.
7- الدخل القومي هو مجموعة من السلع والخدمات, ردت إلى أساس عام فقيست بالنقود.
8- الدخل القومي يعني كمية الإنتاج السنوي من السلع المادية, وغير المادية بما فيها الخدمات التي يحققها العمل ورأس المال, في تفاعله مع مصادر الثروة الطبيعية, وهذا هو صافي الدخل القومي الحقيقي, أي عائدات البلاد أو المنفعة القومية.
9- الدخل القومي في أية مدة من الزمن يتألف من صافي كمية السلع والخدمات سواء أكانت ضرورية للحياة أم كانت تحقق الرفاه المطلوب في خلال تلك المدة.
10- يعرف الدخل القومي من ناحيتين: ناحية دخل الجمهور لأنه يكون دخول مكتسبة بواسطة أصحاب عوامل الإنتاج, ومن ناحية دخل المنشآت لأنها تكون مدفوعات لأًحاب عوامل الإنتاج, وهي التي تتضمن مقدار التكلفة كله, أو القيمة الصفية لكل السلع التي يشتريها المجتمع.
ومهما تعددت هذه التعاريف واختلفت من حيث الشكل إلا أنها تتفق من حيث المضمون, ولا بد لنا من التأكيد مرة أخرى على أن مفهوم الدخل القومي يتخلف بعض الاختلاف عن مفهوم الدخول الفردية في القطاع الخاص وعن مفهوم دخل القطاع العام, أي دخل الدولة والأجهزة العامة التابعة لها.
فكل ما يعد في الموازنة العامة بأنه من عمليات التحويل من قطاع إلى آخر أو من شخص إلى آخر لا يحسب في الدخل القومي.
فإذا منحت الحكومة تعويضات نقدية للعمال العاطلين عن العمل لا تدخل هذه المبالغ في حساب الدخل القومي.
وتفسير ذلك هو أن التعويضات في حد ذاتها لا تقابل أي عملية منتجة ضمن الدخول الفردية المستفيدة منها.
أما على الصعيد الفردي فتُحسب هذه المبالغ ضمن الدخول الفردية للعمال, فالعمل المنتج من جانب صاحب الدخل هو الذي يرافق إذاً مفهوم الدخل القومي.
والدخل الخاص من ثم مجموع المبالغ النقدية التي يحصل عليها في فترة من الزمن وذلك في حالة كون هذه المبالغ كلها أو بعضها ناتجة عن عمل منتج قام به صاحب الدخل أو دون أي عمل معين: كالمبالغ النقدية المرسلة من المهاجرين إلى ذويهم.
وكل ما جاء في هذه الفقرة يدخل في حساب الدخل الفردي دون أن يحسب في الدخل القومي. وهكذا يمكن القول قولاً عاماً أن الدخل الفردي يتكون من جانبين مختلفين:
أحدهما هو جزء من الدخل القومي والآخر لا علاقة له بالدخل القومي. وعلى العكس مما تقدم فإن الأرباح التي تحتفظ بها الشركات دون أن توزعها على المساهمين تدخل في حساب الدخل القومي ولكنها لا تدخل طبعاً في حساب الدخل الفردي لهؤلاء المساهمين الذين لم يحصلوا عليه.
وهكذا يضم الدخل القومي مجموع المداخيل الناجمة عن القطاعات الاقتصادية المختلفة: من زراعة وصناعة وطاقة وتجارة وخدمات على اختلاف أنواعها, كما يتكون من أجور العمال وريع الأرض وإيجارات المباني وأرباح المستحدثين وأصحاب المشروعات والمساهمين في الشركات …الخ.
وعند دراسة زيادة الدخل القومي من مدة زمنية معينة إلى أخرى لاحقة يجب ألا نغفل العاملين الهامين التاليين:
1- نسبة انخفاض قيمة النقد الوطني أو ارتفاعها.
2- معدل زيادة عدد السكان في البلد.
لأن إغفال هذين العاملين يجعل الزيادة في أرقام الدخل القومي زيادة اسمية ظاهرية وليس زيادة حقيقية. ولذلك يلجأ بعض الكتاب في حسابات تزايد الدخل القومي إلى مفهوم القيمة الثابتة للنقد الوطني.
ولابد من الإشارة هنا إلى اصطلاح الدخل القومي المتاح, ويقصد به الدخل المعد للإنفاق بعد استنزال الضرائب المباشرة المترتبة عليه وهذا ما سنراه في الفقرات القادمة بشكل مفصل.
كما أنه تجدر الإشارة هنا أيضاً إلى أن مفهوم الدخل القومي هو من المفاهيم المتحركة غير الساكنة. والمقصود من ذلك أن الدخل القومي يتكون بمرور الزمن. وهو يقدر, كما سنبين لاحقاً, في مدة زمنية أو دورة اقتصادية تمتد من أول عام معين إلى نهايته. وبذلك يدخل هذا المفهوم في نطاق الاقتصاد المتحرك.

دورة الدخل القومي
يمكن إعطاء فكرة مبسطة عن نشأة الدخل القومي وتداوله في المجتمع بواسطة ما يسمى بدورة الدخل القومي. فيكمن تصوير المعاملات الاقتصادية التي تتم في المجتمع على أنها تقوم بين قطاعين: قطاع الأعمال الذي يضم شتى المشروعات الإنتاجية سواءً كانت مشروعات خاصة أو عامة والقطاع العائلي الذي يشمل جميع الأفراد من حيث هم مستهلكون أولاً وأصحاب عناصر إنتاج ثانياً. ويمكن التغاضي عن المعاملات الداخلية لقطاع الأعمال أي العمليات التي تتم بين مشروع وآخر والتي تتعلق بالسلع الوسيطة فلا تتناول العمليات بين القطاعين سوى السلع والخدمات الاستهلاكية التي تستخدم لإشباع حاجات الأفراد مباشرة.
يقدم القطاع الثاني (العائلات) للقطاع الأول (قطاع المنتجين) خدمات إنتاجية وهي خدمات العمل ورأس المال والأرض والتنظيم (الاستحداث) ويتم هذا مقابل أجور وفوائد وإيجارات وأرباح, وتستعين المشروعات بهذه الخدمات لإنتاج سلع وخدمات استهلاكية تعرض في السوق ويستخدم الأفراد الدخل الذي يحصلون عليه لشرائها وإشباع حاجاتهم إليها فتعود الأموال إلى قطاع الأعمال بواسطة هذا الإنفاق وتبدأ دورة أخرى وهكذا.
وفي الواقع نجد أن هناك دورتين: دورة نقدية ودورية عينية, الدورة الأولى من المشروعات وتتجه إلى الأفراد على شكل عوائد لعناصر الإنتاج ثم تنتقل من قطاع العائلات إلى قطاع الأعمال بواسطة عمليات البيع والشراء التي تتم في السوق, أما الدورة الثانية فتبدأ بالخدمات التي يؤديها الأفراد إلى قطاع الأعمال فتحولها المشروعات إلى سلع وخدمات تعود إلى الأفراد لإشباع حاجاتهم إليها.
والملاحظ أنه في الشرح المتقدم لدورة الدخل القومي لم ندخل في نظرنا عدة أمور أهمها:
1- وجود الحكومة التي تقتطع جزءاً من دخول الأفراد على شكل ضرائب ثم تقوم بإنفاق المبالغ المحصلة لشراء السلع والخدمات اللازمة لتأدية خدماتها.
2- احتمال وجود ادخار لدى القطاع العائلي وزيادة التكوين الرأسمالي لدى قطاع الأعمال.
3- وجود تعامل مع العالم الخارجي, فالواقع يدل على أن جزءاً من السلع والخدمات المنتجة محلياً يصدر إلى الخارج ولا يستخدمه القطاع العائلي المحلي كما أن هناك جزءاً آخر من السلع والخدمات التي تستهلك لا تمثل جزءاً من الناتج المحلي بل تعد مستوردة من الخارج.
وسوف نعالج فيما بعد التغير الذي يطرأ على دورة الدخل القومي نتيجة وجود التدخل الحكومي والادخار والتكوين الرأسمالي والتعامل مع الخارج. أما الآن فإننا سنعتمد على هذه الصورة المبسطة لإظهار حقيقة الدخل القومي في جوهره.
فالدخل القومي الذي يحصل عليه الأفراد على شكل أجور وفوائد وإيجارات وأرباح خلال مدة زمنية معينة مقابل إسهامهم في العملية الإنتاجية يمثل الدخل القومي لهذه المدة.
وما يجد ملاحظته أن هذا الدخل قد يكون ناتجاً من مساهمة ما في إنتاج سلع وخدمات وسيطة استخدمت في صنع السلع الاستهلاكية.
ومن المعروف أن السلع والخدمات الاستهلاكية تنفرد دون غيرها بقيمة ذاتية ناشئة عن صلاحية هذه السلع والخدمات لإشباع حاجات الأفراد إليها. أما السلع والخدمات الوسيطة فلها قيمة مشتقة مستمدة من قابليتها لإنتاج سلع وخدمات استهلاكية,وتتحدد قيمة هذه السلع الأخيرة في المدة الطويلة بحيث تتضمن قيمة السلع والخدمات الوسيطة المستخدمة في صنعها بالإضافة إلى كلفة الإنتاج المشتركة مباشرة في هذا الإنتاج. ولذلك يمكن القول: أن قيمة الناتج القومي لمدة زمنية معينة تقتصر على قيمة السلع والخدمات الاستهلاكية التي تم استخدامها خلال هذه المدة ويتم هذا إذا توفر الشرطان التاليان:
1- بقاء التكوين الرأسمالي دون تغير أي إذا ظلت المباني والآلات والسلع المخزنة كما هي دون أي تغير حقيقي يطرأ عليها.
2- توازن الميزان التجاري أو بتعبير أصح توازن ميزان العمليات الجارية أي تعادل الصادرات مع الاستيراد المنظور وغير المنظور.
أما إذا زاد التكوين الرأسمالي أو زادت الصادرات على المستوردات فإن الناتج القومي لا يقتصر على السلع والخدمات الاستهلاكية المستخدمة وإنما يشمل إضافة إلى ذلك قيمة الزيادة في التكوين الرأسمالي أو فائض العمليات الجارية مع الخارج.
أو بعبارة أخرى نستطيع أن نرى في بداية مدة زمنية معينة أن المجتمع مزود بكمية من السلع المخزنة ومن الآلات والمعدات والمباني وخلال هذه المدة يكون من المحتمل حدوث التالي:
1- استيراد بعض السلع والخدمات.
2- استخدام القدرات المتاحة لإنتاج سلع وخدمات.
3- استهلاك جزء من السلع والخدمات المنتجة ومن السلع والخدمات المستوردة لإشباع حاجات الأفراد إليها.
4- تصدير بعض السلع والخدمات إلى الخارج.
وفي نهاية المدة سوف نجد كمية من السلع المخزونة ومن الآلات والمعدات المباني فكيف تقدر قيمة الناتج القومي الذي ينسب إلى هذه المدة؟
إذا فرضنا:
1- أن قيمة التكوين الرأسمالي (المخزون والآلات والمعدات والمباني) لا تقل ولا تزيد عن قيمته في بداية المدة (مقدرة بالأسعار الثابتة).
2- وأن قيمة الصادرات تتعادل تماماً مع قيمة المستوردات (المنظورة وغير المنظورة).
ففي هذه الحالة يمكن القول أن مقدار الناتج القومي يقتصر على قيمة السلع والخدمات التي تم استهلاكها خلال هذه المدة وأن السلع النهائية لا تتضمن إلا هذه السلع الاستهلاكية وتشمل قيمتها قيمة السلع الوسيطة المستخدمة في إنتاجها.
أما إذا زاد التكوين الرأسمالي (كأن يزيد مخزون نهاية المدة على مخزون بدايتها, أو تزيد قيمة المباني والآلات والمعدات) فإن هذه الزيادة تمثل جزءاً من الناتج القومي لهذه المدة ويجب إضافتها إلى قيمة السلع والخدمات المستهلكة. وهذا يعني أن السلع والخدمات النهائية لا تقتصر على سلع وخدمات استهلاكية فقط وإنما تشمل أيضاً سلعاً وخدمات إنتاجية.
وكذلك فإنه إذا زادت الصادرات على المستوردات فإن الفائض يمثل جزءاً من الناتج القومي يجب إضافته إلى قيمة السلع والخدمات المستهلكة وإلى قيمة الزيادة في التكوين الرأسمالي.
أما إذا قل التكوين الرأسمالي وإذا قلت الصادرات عن المستوردات فإنه ينبغي طرح قيمة هذا النقصان أو ذلك العجز من قيمة السلع والخدمات المستهلكة عند تقدير الناتج القومي للمدة المذكورة.
ويفهم مما تقدم أن عبارة السلع النهائية لا تطابق تماماً عبارة السلع الاستهلاكية, فالسلع النهائية تشمل جميع السلع التي تدخل في تقدير الناتج القومي سواءً كانت استهلاكية أو إنتاجية.
وتعادل قيمة الناتج القومي بالضرورة مجموع عوائد عناصر الإنتاج سواءً كانت هذه العناصر تعمل في الإنتاج الوسيط أو الإنتاج الاستهلاكي وذلك ما دامت قيمة السلع والخدمات الاستهلاكية تتضمن أيضاً قيمة السلع والخدمات الوسيطة المستخدمة في إنتاجها.
وتعد المعادلة بين الدخل القومي لمدة زمنية معينة والناتج القومي للمدة نفسها معادلة أساسية لفهم جميع الموضوعات المتصلة بالنشاط الاقتصادي على المستوى كله.

ولو أدخلنا العناصر الثلاثة سابقة الذكر (تدخل الدولة ووجود ادخار ووجود تعامل خارجي) لوجدنا التغيرات التالية:
1- تأثير تدخل الدولة في دورة الدخل القومي:
تؤثر الحكومة في دورة الدخل القومي من طريقتين: الضرائب والإنفاق. فالضرائب تقتطع جزءاً من دخول الأفراد إما مباشرة إذا كانت مفروضة على الدخل كضريبة الأجور والرواتب والضريبة على الأرباح التجارية والصناعية وإما بصفة غير مباشرة إذا كانت تفرض بمناسبة إنفاق الدخل كالضرائب الجمركية وضرائب الاستهلاك وفي جميع الأحوال تقلل من مقدرة الأفراد على الشراء فينشأ عن الضرائب عادة نقص في الطلب الإجمالي على السلع والخدمات. ولذلك فإنه إذا كانت كمية السلع والخدمات المعروضة هي كمية السلع والخدمات المنتجة فإن أسعارها سوف تميل إلى الانخفاض فيقال أن للضرائب أثراً انكماشياً.
غير أن الحكومة لا تكتفي بتحصيل الضرائب بل تقوم بإنفاق المبالغ المحصلة في دفع رواتب الموظفين وفي شراء السلع اللازمة لتأدية الخدمات العامة فيؤدي هذا الإنفاق إلى زيادة الطلب الإجمالي فيمكن القول عندئذ أن للإنفاق الحكومي في حد ذاته -أي في حالة وجود الضرائب- أثراً تضخمياً.
فهناك ثلاثة احتمالات:
أ- الاحتمال الأول:
أن تتعادل حصيلة الضرائب مع مقدار الإنفاق الحكومي وفي هذه الحالة يتلاشى الأثر الانكماشي للضرائب مع الأثر التضخمي للإنفاق الحكومي ولا يحدث أي تغيير في المستوى العام للأسعار.
ب- الاحتمال الثاني:
أن يزيد مقدار الإنفاق الحكومي على قيمة الضرائب المحصلة كأن تمول الحكومة جزءاً من إنفاقها بواسطة الاقتراض فينتج عن ذلك زيادة في الطلب الإجمالي. فإذا كانت هناك طاقة إنتاجية غير مستغلة ترتب على ذلك زيادة في حجم العمالة ومقدار الناتج القومي دون أي تغيير يذكر في الأسعار.
أما إذا زاد الإنفاق الحكومي في ظل العمالة الكاملة (الاستخدام الكامل) أي في حالة استغلال جميع الطاقات المتاحة فإن زيادة الطلب الإجمالي سوف تؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار أي أنها تحدث حالة تضخم فتزيد قيمة الناتج القومي ولكنها مجرد زيادة اسمية تتمثل في زيادة الأسعار مع بقاء الكمية المنتجة كما هي.
جـ- الاحتمال الثالث:
أن يقل الإنفاق الحكومي عن حصيلة الضرائب كأن تستخدم الحكومة جزءاً من إيراداتها في سداد ديونها السابقة وهذا يعني أن الطلب الإجمالي يقل عن المستوى المطلوب لشراء السلع والخدمات المعروضة بالأثمان السابقة. ولذلك سوف نجد أن الأسعار تميل إلى الانخفاض, وقد يترتب على ذلك نقص في النشاط الإنتاجي للمجتمع فيقل الدخل القومي.
2- تأثير الادخار:
إذا ما قام الأفراد بادخار جزء من دخولهم النقدية واكتنزوه يقل الإنفاق القومي عن المستوى المطلوب لإمكان بيع المنتجات المعروضة بالأسعار السائدة فيحدث انكماش (انخفاض في المستوى العام للأسعار) ويقل حجم النشاط الإنتاجي في المدة المقبلة ويقل مقدار الدخل القومي تبعاً لذلك.
أما إذا اقترن الادخار بالاستثمار أي استخدمت المبالغ المدخرة في شراء سلع رأسمالية وتوقع قطاع الأعمال وجود مثل هذا الطلب عمد إلى تحويل بعض الموارد من إنتاج سلع استهلاكية إلى إنتاج سلع رأسمالية بما يتفق مع الطلب الحاصل عليها الذي يقل أيضاً بسبب الادخار، وفي هذه الحالة لا يحدث أي تغير في المستوى العام للأسعار، وفي دورة الدخل القومي ولكن هذه الأسعار سوف تزيد في المراحل المقبلة من قدرة المجتمع على الإنتاج بفضل الزيادة في التكوين الرأسمالي.
وقد تمول بعض الاستثمارات ليس من الادخار الذي يتحقق في المدة نفسها بل بوساطة أموال مكتنزة من قبل أو بواسطة قروض تحصل عليها المشاريع من المصارف التي تستطيع أن تخلق وسائل دفع جديدة, ولذلك يمكن أن يزيد الإنفاق القومي بالنسبة إلى قيمة الناتج القومي مقدرة بالأسعار الثابتة, فإذا كانت هناك بطالة وكانت المصانع لا تعمل بكامل طاقتها كما يحدث في مراحل الكساد فإن زيادة الطلب الإجمالي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة النشاط الإنتاجي زمن ثم زيادة السلع والخدمات المنتجة فيرتفع مستوى الدخل.
أما في حالة الاستخدام الكامل فإن زيادة الطلب الإجمالي من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع في المستوى العام للأسعار.
3- تأثير التعامل مع الخارج:
تمثل الصادرات كمية من السلع والخدمات المنتجة محلياً لا تُستخدم في الداخل, لذلك يترتب عليها نقص في كمية السلع والخدمات المتاحة للاستخدام المحلي وهذا يكون في حالة كون دخل الأفراد الذين ساهموا في إنتاجها يظل كما هو ولذلك فقد ينتج عنتها حالة تضخم أي ميل المستوى العام للأسعار إلى الارتفاع.
أما المستوردات فهي سلع وخدمات لم تنتج محلياً ولا يقابلها دخل يحصل عليه المقيمون في الدولة ولكنها تُضاف إلى الناتج المحلي فتؤدي إلى زيادة كمية السلع والخدمات المعروضة بالنسبة للطلب الحاصل عليها، لذلك سيكون لها أثر انكماشي.
فإذا تعادلت الصادرات والمستوردات (المنظورة وغير المنظورة) وتوازن ميزان العمليات الجارية فإن التعامل الخارجي لا يؤثر في دورة الدخل القومي ولا يُحدث أي تغيُّر في المستوى العام للأسعار, أما إذا زادت الصادرات ظهر الأثر التضخمي وبالعكس فإذا زادت المستوردات عن الصادرات تغلَّب الأثر الانكماشي.

أهمية دراسة الدخل القومي
• تتجلى أهمية دراسة الدخل القومي:
• 1- تقدير مدى نجاح السياسة الاقتصادية
• 2- دراسة بعض المظاهر الهامة للبنيان الاقتصادي
• 3- تحديد قدرة الأفراد على تحمل الضرائب والقروض العامة
• 4- بحث توزيع الدخل بين عناصر الانتاج
• 5- قياس مستوى رفاهية الأفراد.

1- تقدير مدى نجاح السياسة الاقتصادية
• تتمثل السياسة الاقتصادية للحكومة في جميع الاجراءات التي تتخذها لتهيئة الظروف الملائمة للنشاط الانتاجي وتوجيهه توجيها سليما، ومنها الاجراءات القانونية والمالية والنقدية.
• تستخدم الحكومة تقديرات الدخل القومي للسنوات التي اعقبت تطبيق أسلوب التخطيط الاقتصادي مثلا ـ وتقارنها بنتائج السنوات السابقة، فإذا تبين ان الدخل القومي قد زاد زيادة تفوق متوسط الزيادة السنوية المعتادة فإنه يمكن تفسير ذلك بنجاح السياسة الاقتصادية المتبعة
• يشترط لإجراء المقارنة توفر بعض الشروط :
• 1- أن تكون السلسلة الزمنية متجانسة (أي ان تكون تقديرات الدخل القومي كلها تمت بالطريقة نفسها).
• 2- أن يكون تقدير الدخل القومي في السنوات المتتالية بالأسعار الثابتة (أي بوحدات نقدية ذات قوة شرائية واحدة).
• اذا كانت الاحصاءات المتوافرة تبين الدخل بالأسعار الجارية ففي هذه الحالة ينبغي استخدام الارقام القياسية لأسعار الجملة، أو الارقام القياسية لنفقات المعيشة لإعادة تقدير الدخل بالأسعار الثابتة.
2- دراسة بعض المظاهر الهامة للبنيان الاقتصادي
• ويسمى أيضا ” التركيب الهيكلي الاقتصادي“
• حيث يقسم النشاط الانتاجي الى 3 قطاعات:
• 1- القطاع الأولي: ويشمل اضافة الى الزراعة، الصيد والغابات والصناعة الاستخراجية.
• 2- القطاع الثانوي: ويشمل التشيدات المختلفة وجميع الصناعات الأخرى ماعدا الصناعات الاستخراجية.
• 3- قطاع الخدمات: وتشمل التجارة والنشاط المصرفي والسياحي والترفيهي والخدمات التعليمية والصحية … الخ.
3- تحديد قدرة الأفراد على تحمل الضرائب والقروض العامة
• تستخدم تقديرات الدخل القومي لأغراض أخرى كقياس مقدرة الأفراد على دفع الضرائب ومدى تحمل المجتمع للقروض العامة. ولاشك أن الحكومات لا تستطيع التمادي في فرض الضرائب والاقتراض من الأفراد دون أن تراعي مستوى الدخل.
• ولقياس مقدرة الأفراد على تحمل الضرائب يلجأ الاقتصاديون الى تقدير ما يسمى بالضغط الضريبي:
• الضغط الضريبي = مجموع الضرائب التي يتحملها الفرد / مجموع دخل الفرد
• ولقياس مقدرة المجتمع على تحمل أعباء القروض العامة يلجأ الاقتصاديون الى تقدير نسبة القروض العامة الى مقدار الدخل. وتستخدم هذه الطريقة في حالة استدانة الدولة من الخارج (ديون خارجية).
• أو يلجؤون أحيانا الى حساب نسبة فوائد الدين والأقساط الاستهلاكية في سنة معينة الى مجموع مصروفات الدولة في السنة نفسها. وتستخدم عندما تكون معظم الديون العامة من الديون الداخلية.
• عند مقارنة الضغط الضريبي لعدة دول مختلفة يجب أن نأخذ بعين الاعتبار مايلي:
• 1- الطريقة التي اتبعت في تقدير الضغط
• 2- متوسط دخل الفرد في الدول موضع المقارنة
• 3- طريقة توزيع الدخل
• مقدار الخدمات التي تؤديها الدولة دون مقابل.
4- بحث توزيع الدخل بين عناصر الانتاج
يهتم الباحثون اهتماما بالغا بإحصاءات توزيع الدخل على عناصر الانتاج المختلفة، ويتم تقدير نصيب كل عنصر ضمن الدخل القومي.
5– قياس مستوى رفاهية الأفراد
يعتمد الاقتصاديون على متوسط دخل الفرد السنوي في المجتمع لقياس مستوى رفاهية أفراد المجتمع.
• ولكن يؤخذ على هذا المقياس الملاحظات التالية:
• 1- ان ارتفاع متوسط دخل الفرد لا يكفي بنفسه لجعل الدولة متقدمة
• 2- متوسط دخل الفرد لا يمثل مستوى رفاهية المجتمع تمثيلا صحيحا

طرق حساب الدخل القومي
من تعاريف الدخل القومي المتعددة يتبين أنه مجموع عوائد عوامل الإنتاج وذلك دون الاهتمام بالضرائب غير المباشرة وإعانات الإنتاج. ولقد قسم الاقتصاديون في حساب الدخل القومي عوائد عوامل الإنتاج إلى قسمين:
الأول يتناول دخل أصحاب الرواتب, والثاني يتناول دخل الملاك وأصحاب المشاريع وهذا التقسيم يشابه التقسيم الماركسي للدخول, حيث يوجد دخل العمل (أو ما يسمى برأس المال المتغير) ودخل رأس المال وأصحاب العقارات (وما يسمى بفائض القيمة).
كما أنه يمكن تقسيم دخل فئة الملاك وأصحاب المشاريع إلى ثلاث فئات تقسيماً نهائياً يصبح التوزيع فيه على الشكل التالي:
* عوائد أصحاب الرواتب (وتشمل الرواتب الإجمالية وحصة أرباب العمل في التأمينات الاجتماعية والمساهمات الاجتماعية المدفوعة مباشرة لأصحاب الرواتب).
* المدفوع من الملاك وأصحاب المشاريع للقطاع الخاص (ويشمل القطاع العائلي والإدارات الخاصة).
* المدفوع من الملاك وأصحاب المشاريع للحكومة.
* المدفوع من الملاك وأصحاب المشاريع إلى الشركات (ويشمل المحتجز لقاء التمويل الذاتي).
وبالعودة إلى التعاريف السابقة الذكر لوجدنا أنه يمكن تعداد ثلاث طرق لحساب الدخل القومي:
1- طريقة عوائد عوامل الإنتاج (طريقة الدخل), وتستند إلى اعتماد الدخل القومي كمجموع الدخول المتحصلة لعوامل الإنتاج.
2- طريقة الإنفاق على الإنتاج القومي وتستند إلى اعتبار الدخل القومي من حيث هو ما ينفق على الإنتاج.
3- طريقة القيمة المضافة, وتستند إلى اعتبار الدخل القومي من حيث هو مجموع قيمة الناتج المتحصل في مختلف القطاعات.

الطريقة الأولى – طريقة الدخل:
وحسب هذه الطريقة يمكننا تقسيم الدخل القومي إلى ثلاث فئات:
1- ما يدفعه المنتجون للأفراد ويشمل:
* أجور العمل والاستخدام في القطاعين العام والخاص.
* عوائد الملكية الخاصة (كالإيجارات).
* دخل الاستحداث ( زراعي والمهن حرة والقطاع غير المنظم).
* عوائد رأس المال ( كالفوائد).
2- ما يدفعه المنتجون للحكومة والإدارات العامة ويشمل:
* ضرائب دخل الشركات المساهمة.
* الضرائب غير المباشرة.
* ضرائب الأملاك.
* دخل الدولة من أعمالها الإنتاجية.
* عوائد أملاك الدولة.
(-) ناقصاً منه:
* فوائد القروض العامة (فوائد الدين العام وفوائد دين المستهلكين).
* إعانات الإنتاج.
3- ما يحتجزه المنتجون لديهم ويشمل على:
* احتياطيات.
* أرباح غير موزعة.
* اهتلاكات رأس المال.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن السبب في طرح فوائد الدين العام وفوائد دين المستهلكين حين حساب الدخل القومي يعود إلى مفهوم الإنتاجية. حيث أن الدخل القومي يشتمل على عوائد عوامل الإنتاج التي اشتركت فعلاً في عملية الإنتاج, وبما أن هذه الفوائد دخلت في عوائد الملكية وادخار الشركات لذا وجب طرحها للتوصل إلى المعنى الاقتصادي الصحيح للدخل القومي. كما أن الفكرة نفسها تطبق على الإعانات الإنتاجية التي تدفعها الحكومة للمنتجين والتي يسميها بعض الاقتصاديين “الضرائب السلبية” وتطرح كذلك حين حساب الدخل القومي نظراً لعدم انتمائها إلى العناصر المكونة للإنتاج.
ويمكننا تلخيص ما سبق بالجدول التالي:
1- تعويضات العمل والاستخدام وتشمل:
1-1 الأجور والرواتب.
1-2 رواتب القوى المسلحة وتعويضاتها.
1-3 مساهمة أرباب العمل في التأمينات الاجتماعية.
2- دخل القطاع العائلي من الزراعة ودخل المهن الحرة والقطاع غير المنظم وتشمل:
2-1 الدخل الزراعي.
2-2 دخل المهن الحرة.
2-3 دخل القطاع غير المنظم والمشاريع الأخرى.
3- دخل القطاع غير المنظم العائد إلى القطاع العائلي والمؤسسات التي لا تسعى إلى الربح وتشمل:
3-1 الريع (إيجارات العقارات).
3-2 الفائدة.
3-3 الأرباح الموزعة.
3-4 مدفوعات القطاع المنظم للقطاع العائلي.
4- مدخرات الشركات المساهمة وتشمل:
4-1 مدخرات الشركات المساهمة الخاصة.
4-2 مدخرات الشركات المساهمة ذات النفع العام.
4-3 اهتلاكات رأس المال.
5- الضرائب المترتبة على الشركات المساهمة وتشمل:
5-1 الضرائب المباشرة المترتبة على الشركات المساهمة الخاصة.
5-2 الضرائب المباشرة المترتبة على الشركات المساهمة ذات النفع العام.
5-3 الضرائب غير المباشرة الصافية من إعانات الإنتاج.
6- موارد القطاع الحكومي من الاستحداث والملكية وتشمل:
6-1 أرباح المشاريع.
6-2 الريع والفائدة والأرباح.
7- ناقصاً منها فوائد الدين العام.
8- وناقصا فوائد الديون الاستهلاكية.
9- وناقصا إعانات الإنتاج.
المجموع = الدخل القومي الإجمالي

الطريقة الثانية – طريقة الإنفاق:
إن المحاسبة القومية تستند إلى مبدأ القيد المزدوج, وإلى تساوي طرفي الموارد والاستعمالات. ولقد شاهدنا في الطريقة الأولى كيفية تقدير الدخل القومي بواسطة استعمالات المنتجين, والآن سنرى من أين تأتي موارد هؤلاء المنتجين؟ في الواقع نجد أن موارد المنتجين ما هي إلا:
1- الإنفاق على البضائع والخدمات الاستهلاكية أو مبيعات المنتجين من البضائع والخدمات الاستهلاكية.
2- والإنفاق على البضائع والخدمات الإنتاجية أو مبيعات المنتجين من بضائع وخدمات إنتاجية.
3- وصافي الإنفاق على التعامل مع العالم الخارجي.

ويتألف الإنفاق على البضائع أو الخدمات الاستهلاكية (الاستهلاك النهائي) من:
* إنفاق على الاستهلاك النهائي الخاص.
* وإنفاق على الاستهلاك النهائي العام.
كما يتألف الإنفاق على البضائع والخدمات الإنتاجية ( التكوين الاجمالي لرأس المال الثابت بما فيه التغير في المخزون) من:
* الانفاق على الاستثمار للقطاع الخاص. ( أو التكوين الاجمالي لرأس المال الثابت في القطاع الخاص)
* الانفاق على الاستثمار للقطاع العام. أو( التكوين الاجمالي لرأس المال الثابت في القطاع العام)
* والتغيير في المخزون في القطاعين العام والخاص في بنوده كافة.
أما صافي الإنفاق على التعامل مع العالم الخارجي فيتألف من زمرتين الأولى موجبة والثانية سالبة, فالزمرة الموجبة تتكون عناصرها من:
* قيمة السلع المصدرة (كالصادرات المنظورة).
* قيمة الخدمات المصدرة (كالتأمين مثلاً).
* وعوائد المقيمين من أملاكهم في العالم الخارجي.
أما الزمرة الثانية ذات العناصر السالبة فتتكون من:
* قيمة السلع المستوردة (كالمستوردات المنظورة).
* قيمة الخدمات المستوردة (كالمستوردات غير المنظورة).
* عوائد غير المقيمين من أملاكهم في الوطن.
إن مجموع هذه البنود الثلاثة (الإنفاق على الاستهلاك + الإنفاق على الاستثمار + صافي التعامل مع العالم الخارجي) يشكل مجموع الإنفاق على مجمل الناتج القومي.

بالنتيجة إن العناصر المكونة للإنفاق على مجمل الناتج القومي هي:
1- الإنفاق على الاستهلاك الخاص.
2- الإنفاق على الاستهلاك العام.
3- الإنفاق على الاستثمار في القطاع الخاص.
4- الإنفاق على الاستثمار في الشركات ذات النفع العام.
5- الإنفاق على الاستثمار في المشاريع الحكومية.
6- الإنفاق على الاستثمار في القطاع الحكومي العام.
7- زيادة المخزون (أي مخزون آخر المدة ناقصاً منه مخزون أول المدة).
8- تصدير البضائع والخدمات.
9- ناقصاً منه الاستيراد من البضائع والخدمات.
10- صافي مدفوعات عوامل الدخل من العالم الخارجي.
المجموع = مجمل الإنفاق على الناتج القومي.

الطريقة الثالثة – طريقة القيمة المضافة أو المصدر الصناعي:
إن القيمة المضافة هي الزيادة القيمية الحاصلة في عمليات الإنتاج التي يقوم بها مشروع معين خلال سنة بالنسبة إلى جميع الأموال والخدمات التي استعملت في هذه العمليات.
في الواقع نجد أن جميع النشاطات الاقتصادية تهدف إلى الزيادة القيمية للأشياء, أي الأموال الاقتصادية, بقصد بيعها بأسعار أعلى, وبغية تحقيق الأرباح منها. وهذا ما يحدث بالنسبة إلى جميع النشاطات من إنتاج أو تحويل أو نقل.
وبعبارة أخرى نجد أن الصانع الذي يشتري مواد أولية أو سلعاً ثم يقوم بتصنيعها أو تحويلها إلى شكل معين كي يبيعها بسعر أعلى من سعر الشراء ومن أنواع الكلفة المختلفة, فيحقق إضافة قيمية على السلع المشتراة.
فالقيمة المضافة إلى صناعة ما إنما هي الفرق بين قيمة البضائع التي تنتجها وبين قيمة المواد الأولية والخدمات التي تستعملها في الإنتاج.

وتشمل القيمة المضافة إلى العناصر التالية:
1- أجور العمال والمستخدمين وتعويضاتهم.
2- إيجارات العقارات والأراضي.
3- فوائد رؤوس الأموال.
4- أرباح المنتجين أو المنظمين أو المستحدثين.
5- الضرائب غير المباشرة التي يدفعها المشروع.
6- اهتلاك رأس المال المستخدم في المشروع.
إن مجموع العناصر الستة يسمى بالقيمة المضافة الإجمالية بسعر السوق, فإذا طرحنا منها اهتلاك رأس المال والضرائب غير المباشرة حصلنا على القيمة المضافة الصافية بكلفة عوامل الإنتاج.
ويستنتج مما تقدم أن ثمن السلع والخدمات التي يستلزمها المشروع في عمليات الإنتاج لا تدخل في مفهوم القيمة المضافة بل في قيمة مبيعات المشروع من السلع والخدمات, بينما نرى أن كلفة عوامل الإنتاج من الطبيعة والعمل ورأس المال تدخل في المفهوم المتقدم.
فالقيمة المضافة, على هذا الأساس, هي الفرق القيمي بين قيمة السلع والخدمات النهائية التي ينتجها أو يقدمها المشروع والسلع والخدمات التي يشتريها والداخلة في صلب المنتجات النهائية له. ويمكن تمثيل ذلك بالمعادلة التالية:
قيمة الإنتاج النهائي – قيمة السلع والخدمات الوسيطة (الاستهلاك الوسيط) = القيمة المضافة الاجمالية
أو بمعادلة أخرى:
القيمة المضافة = قيمة المبيعات – تكلفة المشتريات = الأجور والفوائد والأرباح والريع وصافي الضرائب غير المباشرة والاهتلاك.
ويمكن تحديد قيمة الإنتاج النهائي عندما يبيع المنظم المنتجات, إلا أن قيمة مبيعات المشروع لا تمثل إسهامه الفعلي في عمليات الإنتاج. ففي الواقع يستخدم المنتج بالإضافة إلى عوامل الإنتاج بعض السلع والخدمات التي يقوم بإنتاجها مشروع آخر فتكون قيمتها داخلة في مبيعاته, ولحساب القيمة الحقيقية لمنتجات مشروع معين يلجأ عادة إلى مفهوم القيمة المضافة التي تعني قيمة السلع والخدمات التي قدمها المشروع ناقصاً منها قيمة السلع والخدمات المشتراة في مشروع آخر والتي تكون قد دخلت عملية الإنتاج. وهذه الطريقة تجنبنا, بالإضافة إلى ما تقدم, الازدواجية في الحسابات.
وبدلاً من اصطلاحي المبيعات والمشتريات يستعمل التعبيران: المدخل والمنتج. ويمثل المدخل, أو مجموع ما يجب طرحه من قيمة السلع والخدمات التي ينتجها مشروع معين, قيمة المشتريات التي قام بها المشروع خلال السنة, أي قيمة السلع والخدمات المشتراة في المشروعات الأخرى خلال السنة والتي تستعمل فعلاً في عمليات الإنتاج. فقيمة الأموال المشتراة التي لم تستعمل في الإنتاج لا تحتسب ضمن المدخل. كما أ، السلع الرأسمالية, (رؤوس الأموال الثابتة) المشتراة خلال العام والمعدة للاستعمال, لأكثر من عام لا تدخل في مفهوم الدخل.
أما المنتج فيمثل مبيعات المشروع في شكلها النهائي زائداً عليها تغيرات مخزون الأموال التي أنتجها المشروع. وتحسب قيمة المبيعات بالأسعار الجارية التي تم عندها المبيع كسعر المزرعة في الحقل, أو سعر المصنع, أو سعر السوق إذا بيعت السلع مباشرة, وتشمل الأسعار, كما سبقت الإشارة إلى ذلك, قيمة الضرائب غير المباشرة التي يتحملها المنتج, أما ما يتعلق بتغيرات المخزون فإنها تحتسب بمتوسط أسعار المبيع خلال السنة. وهكذا يتبين أن عملية إضافة قيمة ما إلى سلعة هي هدف النشاطات الاقتصادية بصورة عامة. إذ أن النشاط الاقتصادي للإنسان يرمي في الدرجة الأولى إلى إعطاء قيمة أكبر لمادة أو سلعة عما كانت عليه قبل استخراجها أو صنعها أو نقلها من مكان إلى آخر.
ومن النادر أن يكون لمال معين قيمة كبيرة في حالته الطبيعية. حتى أن الذهب والمعادن النفيسة الأخرى لا تكون ذات قيمة اقتصادية مرتفعة عندما تكون في مناجمها وقبل إدخال العمل الإنساني عليها. كما أن الأعمال الفنية اللاحقة التي تجرى عليها هي التي تعطيها قيمة إضافية تزيد من قيمتها الأصلية.
وهذا لا يعني أن ليس هناك أموال ذات قيمة ذاتية خارج العمل الإنساني, ولكنها نادرة. ولذلك يفرق الاقتصاديون بين القيمة المضافة والقيمة الأصلية للسلع.

بعض مفاهيم الدخل القومي
إن هذه الدخول تعد اشتقاقاً من مفهوم الدخل القومي, والواقع يدل على أن لهذه الدخول أهمية بالغة في التحليل الاقتصادي, على الرغم من ضآلة أهميتها في أنظمة المحاسبة القومية المختلفة, ويعود السبب في ذلك إلى صعوبة معرفة قيمها معرفة دقيقة, وإلى ما تتطلبه هذه المعرفة من معلومات قد يكون التوصل إليها صعباً.
إن معرفة هذه الدخول تساعد في دراسات السلوك الاستهلاكي أولاً, والسلوك الادخاري ثانياً, كما تساعد على رسم سياسة الدخول. ولكن للاستفادة من هذه المجاميع يجب أن يكون لها حسابات قومية خاصة ترتكز على أساس التقسيم الاجتماعي المهني للمجتمع, وعلى توفر المعلومات الإحصائية الكفؤة لوضع مثل هذه الحسابات.
أ- الدخل الشخصي والدخل التصرفي:
1- الدخل الشخصي:
من تعريف الدخل القومي علمنا أنه الدخل الذي يصيب العناصر الإنتاجية لقاء اشتراكهم في عملية الإنتاج, ولكن هذا الدخل لا يصل جميعه إلى أيدي الأفراد الذين ساهموا فيه وإنما تقتطع منه مبالغ لأسباب قانونية: كالتأمينات الاجتماعية, وأرباح الشركات غير الموزعة… الخ. وفي الوقت نفسه نجد أن ما يدخل إلى الأفراد ليس بالضرورة ناشئاً عن عملية الإنتاج نشوءاً آلياً وإنما قد يأتي على شكل إعانة حكومية أو إعانة خارجية, ونتيجة ذلك يتكون لدينا ما يدعى بالدخل الشخصي, وبالطبع يمكننا ملاحظة أن الدخل الشخصي قد يكون أكبر من الدخل القومي أو أصغر منه وذلك يتوقف على مقدار الاقتطاعات أولاً وعلى مقدار الإعانات الخارجية والإعانات الداخلية ثانياً.
2- الدخل التصرفي (ويسمى أيضا الدخل المتاح):
هو الدخل الشخصي بعد أن يذهب قسم منه إلى الدولة لقاء ضرائب مباشرة مترتبة على الدخل كما قد يذهب إلى الخارج لقاء تحويلات وإعانات والناتج الجبري لذلك يعطينا ما يسمى بالدخل التصرفي الذي يمثل الدخل الجاهز أو المتاح لأبناء الوطن ليتصرفوا به إما إنفاقاً وإما توفيراً متفرقين أو مجتمعين.
ومما سبق يتبين لنا أن مقاييس الدخل سواء أنظرنا إليها من الوجهة الوطنية القومية أم الوجهة الداخلية الجغرافية, تحاول تقدير الدخل تقديرات متفاوتة من الإجمال والصفاء. ويمكننا كذلك وزيادة للإيضاح تمثيل هذه المقاييس والعلاقات الموجودة بالمعادلات البسيطة التالية التي تسهل علينا الانتقال من مفهوم إلى آخر:

1- الدخل التصرفي = الاستهلاك الخاص + الادّخار الخاص.
2- الدخل الشخصي = الدخل التصرفي + الضرائب المباشرة + المدفوعات التحويليّة للخارج.
3- الدخل القومي = الدخل الشخصي+(أرباح الشركات + ضرائب دخل الشركات +مساهمة أرباب العمل في التأمينات الاجتماعيّة)- (إعانات الحكومة للأفراد + إعانات الخارج للأفراد).
4- صافي الناتج القومي بسعر كلفة عوامل الإنتاج = الدخل القومي.
5- صافي الناتج القومي(بسعر السوق) = صافي الناتج القومي(بسعر كلفة عوامل الإنتاج)+ الضرائب غير المباشرة – إعانات الإنتاج.
6- مجمل الناتج القومي(بسعر السوق) = صافي الناتج القومي(بسعر السوق) + اهتلاك رأس المال.

ب- الدخل النقدي (الدخل بالأسعار الجارية) والدخل الحقيقي (الدخل بالأسعار الثابة) ” ومفهوم القوة الشرائية”:
إن القوة الشرائية للوحدة النقدية, كما هو معلوم, تتغير من زمن إلى آخر, مما يؤدي في حالة هبوطها إلى تضخيم قيمة الإنتاج نتيجة لارتفاع الأسعار دون وجود زيادة حقيقية في الإنتاج, وبالعكس ففي حالة ازدياد القوة الشرائية النقدية بسبب هبوط الأسعار فإن قيمة الإنتاج ستدل على هبوط الإنتاج الذي لا وجود له. وعلاجاً لهذه المشكلة فإن الدول تلجأ بالإضافة إلى قياس الدخل القومي بالأسعار الجارية, إلى قياسه بأسعار ثابتة تسهيلاً لمقارنة نمو الإنتاج القومي من سنة إلى أخرى.
لكن التغير في القوة الشرائية للوحدة النقدية لا يتأثر فقط بالمستوى العام للأسعار, بل يتأثر بالضرائب المفروضة على السلع والخدمات, وبالإصدار النقدي الجديد, وبتوازن ميزان المدفوعات. كما يؤثر التغير في القوة الشرائية في سلوك أفراد القطاع العائلي فيما يتعلق بتخصيص دخلهم المتاح. والقوة الشرائية للنقود, وهذا عامل هام أيضاً في تحديد قرارات المشاريع الاقتصادية فيما يتعلق بالتمويل الذاتي, والاستدانة والاستثمار, ومعدلات الفائدة السائدة.
ومما سبق نستدل على أن هناك آثاراً انعكاسية بين الدخل والأسعار والنقود. وقد أخذت هذه الآثار تحتل مكانة بارزة في التحليل الاقتصادي المعاصر. والتأثير ليس وحيد الطرف. بل هو على العكس.
إن نمو تقلبات كل من هذه المفاهيم الاقتصادية يؤثر في التوازن الاقتصادي الجزئي أولاً (كتوازن المستهلك, وتوازن المشروع), وفي التوازن الاقتصادي الكلي (كتوازن الادخار والاستثمار وتوازن الإنتاج).
1- مفهوم القوة الشرائية للنقود والعوامل المؤثرة فيها:
إن الذي يهمنا بالدرجة الأولى عند دراسة توزيع الدخل القومي, ليست الدخول النقدية, بل الدخول الحقيقية. ويتوقف تحديد الدخل الحقيقي لفرد ما أو لقطاع مؤسسي معين على ثلاثة عناصر:
*أ- الدخل النقدي المتبقي للفرد بعد دفع الضرائب المفروضة على الدخول والثروات.
*ب- تقلبات المستوى العام للأسعار, أي القوة الشرائية للنقود.
* ج – عبء الإصدار النقدي الجديد, أي التضخم النقدي أو ما يسميه بعض الاقتصاديين “التمويل بالعجز”.

وفيما يتعلق بالفقرتين أ وب: أي الضرائب وتقلبات المستوى العام للأسعار نجد ما يلي:
سبق أن بينا سابقا أثر تدخل الدولة على دورة التدخل القومي (انظر ص 34). .
ولكن قد تلجأ الدولة لتغطية نفقاتها بواسطة إصدار نقدي جديد (التمويل بالعجز) ويتم ذلك بالاقتراض من المصرف المركزي.
إن اتباع هذه السياسة قد يقود إلى حالة تضخم تضر بالاقتصاد أو إلى رفاه يؤدي إلى زيادة قدرة الاقتصاد الإنتاجية وتحقيق زيادات في الناتج القومي.
فالإصدار النقدي في حال كون الجهاز الإنتاجي غير مرن يؤدي إلى التضخم النقدي أي إلى زيادة الطلب الحاصل على السلع الاستهلاكية بصورة تفوق عرضها, ولاسيما في الأجل القصير الذي يتصف بثبات كتلة رأس المال الإنتاجي, وبمستوى معين من التقدم التقني والمهارات الإنسانية. والنتيجة الحتمية لذلك هي ارتفاع الأسعار, أي انخفاض القوة الشرائية ويتجدد ارتفاع الأسعار بانخفاض الدخول النقدية.
أما إذا رافق الإصدار النقدي الجديد مرونة في الجهاز الإنتاجي واستعملت الكتلة النقدية المطروحة في الأسواق لأغراض إنتاجية فإن ذلك يؤدي إلى زيادة كتلة رأس المال والنتيجة هي زيادة الناتج القومي وارتفاع القوة الشرائية للنقود ولاسيما في المدة الطويلة حيث تظهر نتائج زيادة كتلة رأس المال الإنتاجي.

2- الانتقال من الدخل الحقيقي (الدخل بالأسعار الثابتة) إلى الدخل النقدي (الدخل بالأسعار الجارية):
تعبر أرقام الدخل القومي أو الناتج القومي حسب كلفة عوامل الإنتاج عن مدى المساهمة في العملية الإنتاجية, التي أدت إلى خلق مجموعة من السلع والخدمات وهي السلع الاستهلاكية والسلع الرأسمالية. ويجري تقويم هذه السلع والخدمات –كما رأينا سابقاً– وفق أسعار متعددة بعضها نتيجة التبادل في السوق, وبعضها الآخر محسوب أو عن طريق المماثلة لسلع مشابهة موجودة في السوق. ونحصل على قيمة الإنتاج (الدخل) بواسطة ضرب كميات الإنتاج السوقي بالأسعار السائدة ومن هنا نرى أن الدخل القومي أو الناتج القومي لسنة معينة, ليس في جوهره إلا نتيجة تجميع لهذه القيم التي تم تقديرها وفق منظومة الأسعار والقيم, والتي جرى الافتراض بأنها تمثل الصفقات المعقودة بين القطاعات المؤسسة خلال تلك السنة.
كما أن القيمة الاسمية لكل سلعة تتألف من ثلاثة عناصر: كمية السلعة, وسعرها النسبي, وقيمة الوحدة النقدية المستخدمة أساساً للتقييم.

وما دمنا قد أرجعنا كل قيم السلع والخدمات إلى معيار واحد هو المقياس النقدي فإن الدخول الموزعة كل عام تسمى الدخول النقدية ولكنها لن تكون دخولاً حقيقية إلا إذا كان المستوى العام للأسعار ثابتاً خلال السنة موضوع الدراسة. إن الدخل الحقيقي هو الذي يتيح لصاحبه الحصول على السلع والخدمات المتاحة, وهو المعيار الموضوعي للرفاهية الاجتماعية. ولذلك لابد عند إجراء المقارنة بين تقلبات الدخل والمعدلات السنوية لنموه, من الاهتمام بتقلبات الأسعار والأجور. أي تقلبات قيمة النقود وقوتها الشرائية التي تدلنا على ما يمكن الحصول عليه بالوحدة النقدية الواحدة. وقد درج التحليل الاقتصادي على افتراض أن قيمة النقود أي قوتها الشرائية تساوي مقلوب المستوى العام للأسعار.
قيمة النقود = 1
المستوى العام للأسعار
فإذا افترضنا أن الأسعار في سنة معينة ارتفعت أو انخفضت فإن هذه التقلبات تؤثر في قيمة النقود أي في قوتها الشرائية, مع الافتراض بأن باقي العوامل بقيت ثابتة. وتنعكس هذه التقلبات ليس على الدخول الفردية فحسب, ولكن على الأسعار النسبية أيضاً, أي على علاقة أسعار السلع والخدمات مع بعضها بعضاً, وكذلك على أسعار الصادرات والواردات.
وبعد هذا التحليل الموجز, نخلص إلى القول: أنه من أجل مقارنة أرقام الدخل القومي ومعدلات زيادته السنوية, لابد لنا من استبعاد أثر تغير الأسعار كي نستطيع تكوين فكرة صحيحة عن الدخل الحقيقي وتطوراته. وطريقة الأرقام القياسية, اتي هي الطريقة المستعملة لتصحيح السلاسل الزمنية لمقادير الدخل القومي بالأسعار الجارية.
وتستخدم طريقة الأرقام القياسية وفق الشكل التالي:
يتم اختيار سنة معينة تعد سنة أساس. ونرمز إلى الدخل الحقيقي (الدخل بالأسعار الثابتة) لهذه السنة بالقيمة 100, ثم نقارن هذا المقدار مع مقادير السنين المختلفة التي تشكل عناصر السلسلة الزمنية التي تقارن بعض أجزائها إلى الأخرى بعد تصحيحها بواسطة الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة, أي تقسيم الدخل النقدي لكل سنة على المستوى العام للأسعار الذي كان سائداً خلالها.
الدخل الحقيقي (الدخل بالأسعار الثابتة) = الدخل بالأسعار الجارية × 100
الرقم القياسي للأسعار
إذا افترضنا أن لدينا سلسلتين زمنيتين: الأولى تمثل الدخل القومي بالأسعار الجارية (الذي هو الدخل النقدي) والسلسلة الثانية تمثل الأرقام القياسية للأسعار:

الدخل القومي مقدرا بملايين الوحدات النقدية وبالأسعار الجارية مع الرقم القياسي للأسعار
السنة الدخل القومي( النقدي ) بالأسعار الجارية الرقم القياسي للأسعار
2000 1000 100 (سنة الأساس)
2001 1800 250
2022 2100 300
2022 3800 400
2022 5400 450
2022 8000 600

فإذا أردنا الانتقال من الدخول النقدية (الدخل بالأسعار الجارية) إلى الدخول الحقيقية (الدخل بالأسعار الثابتة) مع اتخاذ عام 2000 سنة أساس فإنه ينبغي علينا الاهتمام بتقلبات الرقم القياسي للأسعار بعد إجراء التصحيحات اللازمة، وباستخدام المعادلة أعلاه ، كما هو مبين في الجدول التالي:
الانتقال من الدخل النقدي (الدخل بالأسعار الجارية) إلى الدخل الحقيقي (الدخل بالأسعار الثابتة)
السنة الدخل النقدي كيفية حساب الانتقال الدخل الحقيقي بأسعار 2000
مليون وحدة نقدية
2000 1000 (1000÷ 100 )X 100 1000
2001 1800 (1800÷ 250) X100 720
2022 2100 (2100÷ 300) X100 700
2022 3800 (3800 ÷ 400) X100 950
2022 5400 (5400 ÷ 450) X100 1200
2022 8000 (8000 ÷ 600) X100 1333
بعد تصحيح مقادير سلسلة الدخول النقدية, نستطيع مقارنتها مع بعضها. إن أهم ما يمكن استخلاصه من هذا الجدول هو أن الدخل الحقيقي قد انخفض من 1000 مليون وحدة نقدية في عام 2000 إلى 720 مليون وحدة نقدية عام 2001, ثم انخفض أيضاً إلى 700 مليون وحدة نقدية عام 2022, ثم ارتفع إلى 950 مليون وحدة نقدية عام 2022 واستمر بالارتفاع إلى 1200 مليون وحدة نقدية عام 2022, وإلى 1333 مليون وحدة نقدية عام 2022.
وعلى الرغم مما يعطيه الجدول من توضيح للأهمية المطلقة لزيادة الدخل الحقيقي أو انخفاضه, إلا أنه لا يبين الأهمية النسبية لتقلبات الدخل الحقيقي وللوصول إلى تبيان هذه الأهمية النسبية, ينبغي علينا تحويل القيم المطلقة إلى قيم نسبية متخذين من الدخول النقدية لعام 2000 أساساً للحساب (أي 100%) والجدول التالي يوضح معدلات الزيادة والنقصان بالنسبة إلى سنة الأساس:
نسبة زيادة الدخول الحقيقية أو نقصانها مقارنة مع سنة الأساس
السنة الدخل الحقيقي
بالملايين نسبة الدخول المقارنة بالقياس إلى سنة الأساس نسبة الزيادة أو التناقص مقارنة مع سنة الأساس
2000 1000 1000 —
2001 720 (720 ÷ 1000) × 100 = 72% – 28%
2022 700 (720 ÷ 1000) × 100 = 72% -30%
2022 950 (720 ÷ 1000) × 100 = 72% -5%
2022 1200 (720 ÷ 1000) × 100 = 72% +20%
2022 1333 (720 ÷ 1000) × 100 = 72% +33.3%
وبصورة عامة
تقلب الدخل الحقيقي = الدخل الحقيقي للسنة المدروسة × 100
الدخل الحقيقي لسنة الأساس

تقويم الإنتاج ومشكلة الأسعار
إن الإنتاج لعنصر اقتصادي ما, أو لمجموعة من العناصر هو مجموعة كميات من البضائع والخدمات, لكل منها وحدة قياس خاصة بها. وللوصول إلى مقياس بسيط سهل, يجب إيجاد وحدة مشتركة بين جميع البضائع والخدمات. وحدة نستطيع بواسطتها التمييز بين الأهمية النسبية لوحدة القماش أو وحدة الصوف والقدرة على مقارنتها مع وحدة الفوسفات أو وحدة الملح.
والحل الأكثر ملاءمة هو مقارنة جميع وحدات البضائع والخدمات بواسطة قيمتها, المعبر عنا بواسطة الوحدات النقدية, ومحسوبة بمساعدة الأسعار السائدة خلال المدة التي ندرسها.
إن استخدام سعر السوق له عدة ميزات فهو يؤدي إلى الوصول إلى معرفة مجموع القيم, مما يسمح لنا بتقويم الإنتاج وإدراجه في إطار التبادل. كما يؤدي أيضاً إلى وصف العلاقات بين خلق البضائع والخدمات وإيضاحها أولاً وبين الظواهر الاقتصادية الأخرى ثانياً. وذلك استناداً إلى نظام محاسبي لمجموعة العمليات الاقتصادية الجارية في بلد ما.
ونحن نعلم من النظرية الاقتصادية أن أي سعر يجب أن يكون معادلاً في الوقت نفسه للمنفعة الحدية للسلعة بالنسبة للمستهلك كما يجب أن يعادل التكلفة الحدية بالنسبة للمنتج, أي أن السعر يجب أن يساوي منفعة الوحدة الإضافية المستهلكة بالنسبة إلى المستهلك وتكلفة إنتاج هذه الوحدة بالنسبة إلى المنتج وصناعتها.
واعتماداً على ذلك فإن المقياس النقدي أو القيمي للإنتاج تبرره خاصة الأسعار الاقتصادية التي تعتمد هي أيضاً على:
1- ذوق الأفراد.
2- ووضع المعرفة النقدية.
3- وتوزيع الثروة.
4- والتركيب الهيكلي والاجتماعي للبلد.
5- وعلى كل العوامل التي يتطلبها التوازن الاقتصادي.
ولكن نجد أن الإنتاج النهائي يتكون من مجموعة كبيرة من السلع والخدمات المختلفة. ومن أجل الوصول إلى مقياس بسيط وسهل, فقد تم إدخال وحدة مشتركة, وذلك بالرجوع إلى سعر السوق. وقد شاهدنا ميزات هذا المقياس. ولكن ما الملاحظات المترتبة على سعر السوق هذا.
إن أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن سعر أي سلعة لا يمكن تعريفه تعريفاً دقيقاً جداً. لأنه يتغير وفق نوعية السلعة مثلاً, أو مكان التسليم, أو طبيعة البضائع. كما أنه لا يمكننا أن نجد سعراً موحداً فقد يكون لدينا سلعتان متشابهتان تماماً أو تحل إحداهما محل الأخرى, ولكن سعرهما يختلف تماماً.
إن قاعدة سعر السوق تفترض أن تعكس أسعار السلع المختلفة والخدمات في الوقت نفسه المنافع الحدية للمشتريات والكلفة الحدية للبائعين, وتضعف هذه القاعدة عندما تمس الضرائب غير المباشرة سلعة دون أخرى. فالضرائب المترتبة على القيمة المضافة وضعت لتجنب ذلك. ولكن هناك بعض الاستثناءات سنعطي اثنين منها على سبيل المثال: فبعض السلع تتحمل ضرائب غير مباشرة تحملاً كبيراً (كالمنتجات البترولية, والتبغ والكحول والبضائع الكمالية) في حين أن بعضها الآخر يستفيد من الإعانات الحكومية (كصناعة الخبز في سورية) أولا وكما أن الضريبة نفسها تختلف باختلاف وجهة البضائع من حيث طرحها في الأسواق الداخلية أو في الأسواق الخارجية (ومثال ذلك المنتجات البترولية والتبغ والحبوب).
كما أنه في بعض الحالات يصعب قياس كلفة السلع ومنفعتها دوماً. والمثال الأكثر وضوحاً هو المنتجات الزراعية المنتجة والمستهلكة لدى المزارعين, حيث أن قيمة هذه المنتجات هي كلفة إنتاجها. كما أن حساب قيمتها مرتبط بكلفتها عند حساب الإنتاج القومي وله ما يبرره. أما منفعة هذه السلع فقد تكون أكثر من قيمتها هذه. حيث أن هذه المنفعة يجب أن تكون مساوية تقريباً لمنفعة ذات السلع والمستهلكة في المجتمع ولكن لدى غير المزارعين. لذلك يجب اللجوء إلى سعر التجزئة في الأماكن الأكثر قرباً إلى مكان الاستهلاك.
والواقع يدل على أن قاعدة سعر السوق تجد نفسها ضعيفة في حالة وضع تخطيط عقلي مدروس لسياسة الأسعار. حيث أن الكثير من البضائع والسلع حالياً لم يعد يعكس الفائدة المقدمة للمستهلك ولكل الجهود المبذولة بواسطة المنتج لإنتاج هذه السلع.
ومن مشكلات الأسعار في تقويم الإنتاج أيضاً نجد مشكلة الهامش التجاري. فبالتعريف نجد أن الهامش التجاري هو فرق الأسعار الذي يغطي عوائد النشاط التجاري. وبما أن النشاط التجاري هو ضرورة ملحة في عملية الإنتاج, فإن مبلغ الهامش أو وجوده يعتمد على الشروط التي يضعها المحاسبون القوميون لتقويم الإنتاج. فعندما يقوم الإنتاج على أساس سعر الاستعمال (أي السعر الذي يدفعه المستهلك) فعندئذ لا يوجد هناك هامش تجاري والمنتجات البترولية المسوقة تسويقاً مباشراً مثال على ذلك.
وعندما يقوم الإنتاج برقم أعمال المشاريع الإنتاجية, فإن هذا التقويم يشمل فعالية التوزيع.
وعندما يقوم الإنتاج على أساس سعر المصنع, فعندئذ لا يغطي الهامش التجاري فعالية التوزيع فقط, ولكن يغطي رسوم النقل وكلفته أيضاً.
أما الاستهلاك الذاتي للأفراد, ما دام قد حسب على أساس المنفعة للمستهلك فإنه يحتوي ضمناً على هامش تجاري تقديري.
واستناداً إلى ما سبق حول موضوع الهامش التجاري فجيب أن تعد عوائد التجار الذين يشترون من أجل إعادة البيع هوامش تجارية.

التقويم القطاعي للإنتاج
إن التحليل الذي سنقوم به يضم تقويم الإنتاج في فروع الاقتصاد المختلفة وسنتطرق تطرقاً بسيطاً لعلاقة هذه القطاعات بعضها مع الآخر.
1- الصناعات والمناجم والطاقة:
إن القطاعات الصناعية في غالب الدول التي تتبع نظام السوق تستقي إحصائياتها مع معطيات المؤسسة أو المنشأة الصناعية,
وإذا اتبعنا نظام الأمم المتحدة في تأسيس الحسابات, فإن على المحاسب القومي إضافة إلى استعانته بالإحصاءات الصناعية المقدمة أن يلجأ إلى البحث الميداني الصناعي. وهناك الكثير من الدول التي تقوم سنوياً بأبحاث ميدانية صناعية للحصول على إحصاءات دقيقة وجزئية شاملة.

2- الزراعة:
إن تقدير الناتج الزراعي يعد أكثر صعوبة من الصناعة. ففي كثير من الدول تنقص الإحصاءات الضرورية, ويلجأ المحاسب القومي غالباً إلى اعتماد الأرقام الخاصة بتقديرات المدخلات. اعتماداً على ذلك فلابد من الاهتمام بالاستهلاك الذاتي وإضافته حين تقدير الإنتاج, وهذا القسم هو الذي يأخذ أهمية كبرى في هذا القطاع. كما يجب أن نطرح من قيمة الإنتاج الإجمالي الزيادة الطبيعية للمحاصيل.
ففي الحقيقة يساهم الاستهلاك الذاتي مساهمة هامة في عمليات تقدير مجمل الناتج القومي ولاسيما في الدول النامية, حيث أن أغلبية اقتصاديات هذه الدول من الاقتصاديات الزراعية وأن مجمل الناتج القومي يرتكز ارتكازاً أساسياً على القطاع الزراعي واعتماداً على ذلك يجب عدم إهمال الاستهلاك الذاتي إذا أراد المحاسب القومي إعطاء صورة واضحة عن الحقيقة الاقتصادية للدولة.
3- الإنشاءات والتشييدات:
إن الإنشاءات والتشييدات هي أحد القطاعات التي يقاس فيها الإنتاج وفقاً لفعاليتها وذلك لسببين:
1- وجود الكثير من المشاريع التي لا تدخل ضمن عداد قطاع الإنشاءات والتشييدات والتي تقوم بعمل الشيء الكثير لحسابها الخاص في أعمال الصيانة والتشييدات داخل المنشآت.
2- كون نشاط هذا القطاع قائماً على أساس النتائج (أي عدد المباني والمنشآت المقامة) وليس على أساس معرفة الوحدات الإنتاجية الداخلة في هذا القطاع مثل المؤسسات والمشاريع.
إن القيمة الإجمالية للإنتاج يجب أن تستبعد قيمة الأعمال المنفذة بعقود غير مباشرة أو ضمنية, وذلك لتجنب الازدواج في الحساب. كما أنه يجب التفريق بين الإنشاءات والتشييدات الجديدة عن أعمال الصيانة والتصليح والترميم, حيث إن جميع الأعمال الجديدة تعد منتهية وتدخل ضمن تشكيل رأس المال الثابت بينما لا تدخل أعمال الصيانة ضمن التشكيل الرأسمالي.
وفي حال نقص الإحصاءات من أجل التوصل لمعرفة قيمة إنتاج هذا القطاع, يمكن اللجوء إلى معرفة عدد رخص البناء والإنشاء من الدوائر المختصة, أو بمحاولة معرفة مواد الإنشاء والتشييد المستعملة أو من حسابات الدولة العائدة للإنشاءات والتشييدات العامة أو من التعاونيات السكنية المحلية.
4- النقل والمواصلات والأعمال الملحقة:
تعريف القيمة الإجمالية لخدمات النقل بأنها مجموع المبالغ التي يدفعها المستفيدون من هذه الخدمات (أي التي يقبضها الناقلون على شكل دخل فعلي خاضع للضريبة). إن إحصائيات النقل تشير إلى دخول المستثمرين في قطاع النقل (كسكك الحديد, والنقل البري, والنقل الجوي والنقل البحري). وإن هذه الإحصاءات تزودنا بأرقام إجمالية أو برقم أعمال القطاع, إلا أنها لا تمكننا من معرفة توزيع هذه الخدمات بين بقية القطاعات الاقتصاد.
5- التجارة:
إن قيمة الخدمات التي يقدمها قطاع التوزيع تقاس دوماً بالفرق بين إجمالي قيمة السلع والخدمات عند البيع وقيمة هذه السلع والخدمات عند الشراء, وليس بالمبلغ الإجمالي للمبيعات. كما يقسم أحياناً هذا القطاع إلى قسمين: تجارة جملة وتجارة تجزئة. وتحسب الهوامش التجارية لكل صفقة. وفي كل قسم من هذه الأقسام.
وبتقديم خدمات التوزيع فإن القطاع يستخدم بعض المستلزمات (كالمحروقات والوقود, والقرطاسية, …الخ) وكذلك فإنه يستعين ببعض الخدمات. ولكن التطبيق العملي المحاسبي للمؤسسات والمشاريع, وكذلك الإحصاءات الرسمية المنشورة في أغلب الاقتصاديات الحرة, لا تسمح بمعرفة قيمة المستلزمات الفعلية (كالتكلفة المادية) وكذلك لا تسمح بمعرفة القيمة الفعلية للخدمات (الهوامش) التي يقدمها هذا القطاع.
ونستطيع في الاقتصاديات الاشتراكية فقط التوصل إلى معرفة الهوامش التجارية معرفة واضحة وصريحة وذلك من حسابات ودفاتر المؤسسات التجارية.
6- الخدمات:
يشتمل قطاع الخدمات على مجموعة متعددة من الخدمات منها: التعليم, والصحة والأبحاث والمكتبات والخدمات الترفيهية والخدمات الإدارية …الخ. وتقاس فعالية هذه الخدمات قياساً عاماً بواسطة الدخول الإجمالية التي تحققها, وذلك بالاستعانة بالإحصاءات العامة للاقتصاد وبجدول الرواتب,ولكن لا يمكننا معرفة توزيع هذه الخدمات بين مختلف القطاعات الأخرى بواسطة هذه الإحصاءات المتوفرة.
وبصورة عامة يمكننا توزيع هذه الخدمات بين القطاعات وفق نموذج الطلب النهائي ونوعيته من الخدمات التي تحتاج إليها هذه القطاعات, فكل قطاع يتميز بحاجته إلى نوع معين من الخدمات.
ولكن الأمر ليس سهلاً إذ يجب أن يكون هناك دراسة تفصيلية لمعرفة الخدمات المقدمة للقطاعات الإنتاجية الوسيطة. كما أنه يجب أن ندرس دراسة دقيقة مستلزمات قطاع الخدمات نفسه لمعرفة قيمة إنتاجه, حيث أنه من النادر جداً العثور على إحصائيات تتعلق بهذا الأمر.
وللوصول إلى معرفة الإنفاقات الإجمالية مثلاً في قطاع الصحة (والتي لا تسعى إلى الربح), نأخذ قيمة نشاطاتها المتضمنة لاهتلاك الأبنية والآلات ومستلزمات فعاليتها.

تقويم الإنتاج ومشكلة الاستهلاك الذاتي
حتى الآن لم تعر النظرية الاقتصادية اهتماماً لظاهرة الاستهلاك الذاتي. تلك الظاهرة التي تتركز في القطاع الزراعي من الاقتصاد. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية انتشرت أبحاث التنمية, ولكن لسوء الحظ كان نادراً أن نجد بحثاً حول الموضوع ضمن هذه الأبحاث. فتحليل التنمية يمكن أن يتم وفق هذا الجانب, وخلال اشتراك القطاعات الثلاث للاقتصاد الوطني: القطاع البدائي (الزراعي), والقطاع الثانوي (الصناعة) والقطاع الثالث (الخدمات).
وبما أن قطاع الزراعة هو القطاع المهيمن على القطاع البدائي, فإن اشتراكه في التنمية هو الذي يجب الاهتمام به. والاستهلاك الذاتي يشكل الإنتاج الزراعي الوطني الذي يفسر اشتراك القطاع الزراعي في عملية التنمية.
وإذا كان الاستهلاك الذاتي لم ينل اهتمام الباحثين حتى الآن فهذا يعود إلى أسباب عدة أهمها:
1- مشكلة صعوبة قياسه.
2- أهميته النسبية وفق مستوى التنمية الذي توصل إليه الاقتصاد الوطني.
أما صعوبة قياسه فتتجلى في أن الأرقام والإحصائيات المعطاة حول الموضوع غالباً ما تكون تقريبية, وبذلك تتوضح الصعوبات أمام الباحث والمحلل الاقتصادي للوصول إلى تحليل مفيد لظاهرة الاستهلاك الذاتي.
بيد أن هذا النوع من الأبحاث يجب أن يتم بطريقة أخرى, مع الاهتمام بتفاوت هذه الظاهرة في الاقتصاديات المختلفة وتطور هذه الظاهرة مع مستوى التنمية.
وهنا قد يتساءل القارئ: ما هو تعريف الاستهلاك الذاتي. إنه في الواقع مجموعة ظواهر الاكتفاء الذاتي. واستعمال منتجات المزرعة في مكان إنتاجها.
وتشمل هذه الظاهرة القطاع الزراعي وتمثل الإنتاج المستهلك مباشرة من قبل المزارعين, والذي لم يدخل السوق.
وعادة تعطى أرقام الاستهلاك الذاتي على شكل قيم مطلقة. ولكن الأهمية النسبية لهذه الظاهرة في اقتصاد ما يمكن أن ينظر إليها من عدة زوايا:
1- تقويم الاستهلاك الذاتي بالنسبة إلى الإنتاج الزراعي الإجمالي.
2- أو تقويمه بالنسبة إلى مجمل الإنتاج الداخلي أو الجغرافي.
3- أو تقويمه بالنسبة إلى مجمل الناتج القومي.
وتبين الإحصائيات أن القيم المطلقة لظاهرة الاستهلاك الذاتي مرتفعة في الدول النامية وذلك يفسر بارتفاع عدد السكان طبقاً للازدياد السكاني الذي تمتاز به غالبية تلك الدول. ولكن هذه الزيادة في الاستهلاك الذاتي يمكن أن تفسر أيضاً بتحسين الشروط الغذائية للسكان التي يرجع سببها إلى عنصرين:
1- استهلاك بعض المنتجات والسلع التي كانت تباع وتصدر إلى الخارج فقط (ونستطيع أن نعطي القهوة التي كانت تزرع غالباً من أجل التصدير والتي أصبح لها دعايات استهلاكية محلية مما دفع المزارعين والفلاحين الذين يعملون على زراعتها على استهلاك قسم منها).
2- إدخال بعض السلع لعادات الاستهلاك لدى الفلاحين والمزارعين لما لهذه السلع من قيم غذائية وذلك ضمن خطة إنعاش الريف, كذلك فإن المزارعين والفلاحين القائمين على زراعة هذه السلع يقومون باستهلاك جزء منها.
والسؤالان المطروحان الآن:
1- كيف نستطيع تحديد الكميات المستهلكة ذاتياً؟
2- وأي الأسعار نستعمل لتقويم هذه الكميات؟
سابقاً ذكر أن معرفة الكميات المستهلكة ذاتياً يعترضها الكثير من الصعوبات ولاسيما وأن هذه الكميات لا تنزل إلى الأسواق وإنما تستهلك استهلاكاً مباشراً في مكان إنتاجها. ويبقى المصدر الأساسي لمعرفة هذه الكميات هو تصريحات المزارعين أنفسهم, ولكن لا يمكن الاعتماد مطلقاً على هذه التصريحات, حيث أن المزارعين يعطون بشكل عام معلومات وأرقاماً أقل مما هي عليه في الواقع, ولا يتجاوبون تجاوباً كاملاً مع الأبحاث ولذلك يجب شن حملة إعلام جيدة موجهة للمزارعين والفلاحين مغزاها إقناع المزارع والفلاح بإعطاء مثل هذه المعلومات التي لا تضر بمصالحه المادية من قريب أو بعيد. وهنا تواجهنا مشكلة الأمية الريفية ووجوب العمل على إزالتها.
ولتجنب أخطاء التقدير لهذه الظاهرة, فإنه يمكن إرسال باحثين يعملون في المزارع نفسها ويتحرون الأرقام بأنفسهم. وقد تبدو هذه الطريقة مرتفعة الكلفة بالإضافة إلى ما تسببه من مشاكل وعدم القدرة على استعمالها استعمالاً منظماً (في كل سنة مثلاً), إلا أنها تضمن سلامة النتائج والمعلومات التي يمكن الحصول عليها.
ويجب اللجوء إلى جميع الوسائل الممكنة لمعرفة الكميات المستهلكة ذاتياً, كما يجب مراعاة العادات الاستهلاكية عند تقدير كميات هذه الظاهرة. إلا أن نسبة الخطأ في التقديرات تزداد عندما تكون عادات الاستهلاك قابلة للتغيير بسرعة ولاسيما في الدول النامية حيث نجد في الطبقات الشعبية تغير عادات الاستهلاك بشكل مستمر وذلك لغايات محلية مختلفة (كالأعراس والوفاة … وغيرها) على سبيل المثال وذلك على عكس الدول الصناعية التي تتصف عاداتها الاستهلاكية بالثبات لأنه في غالبية هذه الدول نجد أن الاستهلاك الغذائي وصل إلى مستوى من الإشباع.
وما أسلفناه في هذه الفقرة يعطي جواباً نسبياً على تساؤلنا الأول حول كيفية تحديد كميات الاستهلاك الذاتي. لنر الآن تقويم هذه الكميات وبأي الأسعار تقوم.
يمكن التفريق بين سلسلتين من الأسعار:
* السعر عند الإنتاج.
* أسعار الاستهلاك وأسعار التجزئة.
ولكن أي السعرين يجب استعماله لتقويم الاستهلاك الذاتي؟ إن اختيار أحد السعرين يتوقف على الهدف المرجو من الدراسة وعلى طبيعة المادة المستهلكة. فاستعمال السعر الأول أي السعر عند الإنتاج, يعتمد على الفائدة التي يقدمها استعمال هذا السعر بالدراسة. فعند استعمال السعر عند الإنتاج في عملية التقويم فإننا نخفض دخول المزارعين لأن هذا السعر يكون أقل من سعر التجزئة. وبذلك يظهر الدخل بمبلغ أقل من قيمته الفعلية, وتظهر النتيجة الإجمالية بكون دخول فئة المزارعين أقل من دخول باقي طبقات المجتمع. ولكن تطبيق الأسعار عند الاستهلاك أو ما يسمى أسعار التجزئة وهو السعر الأكثر استعمالاً وشيوعاً تعترضه أيضاً الكثير من العقبات.
إن استعمال سعر التجزئة يفيد الباحث الاقتصادي ولاسيما عندما يكون ساعياً إلى مقارنة مستوى الحياة في الريف بما يماثلها في المدينة. حيث يستعمل الباحث السعر نفسه وذلك للقدرة على مقارنة السلع المختلفة ذاتياً في الريف, والتي تباع في أواق المدينة:
لكن هذه الطريقة قابلة للانتقاد من النواحي التالية:
1- إن استعمال نفس السعر (سعر التجزئة) لتقويم الاستهلاك الذاتي لأبناء الريف واستهلاك أبناء المدينة, يدفعنا إلى معاملة الفئتين المعاملة نفسها. وكذلك فإن الباحث بذلك يستبق الأمور ويضع الريف في المكان الذي سيصل إليه لاحقاً وليس في الوقت الحاضر.
2- إن السلع المستهلكة مباشرة في المزرعة ليست بالضرورة من نفس نوع السلع المباعة في الأسواق وجودتها, وهنا تظهر مشكلة اعتماد أسعار واحدة (أي سعر التجزئة) لسلع ليس لها المواصفات نفسها وبالتالي تختلف في القيمة..
إن سعر التجزئة هذا يواجه مشكلات أخرى تتجلى بصورة خاصة في الدول النامية ففي هذه الدول حيث نجد ضعف التركيب الهيكلي الاقتصادي, وضعف شبكة المواصلات مما يجعل الاتصال ببعض المناطق النائية صعباً وهذا الأمر, الذي يشجع على وجود ظاهرة الاستهلاك الذاتي, وتطبيق سعر التجزئة يواجه أيضاً نوعين من الصعوبات الإضافية:
إن صعوبة المواصلات وتأمين الاتصال مع هذه المناطق النائية يجعل إيجاد سوق موحدة على مستوى وطني أمراً صعباً, وبالتالي صعوبة تطبيق سعر تجزئة موحد. فكل منطقة سيكون لها سعر تجزئة يختلف كثيراً أو قليلاً عن أسعار المناطق الأخرى. وفي هذه الحالة يلجأ الباحث الاقتصادي إلى تطبيق عدة أسعار تجزئة تكون أقرب إلى الواقع منها إلى التقدير.
ولكن مشكلة التقويم هذه والتي تبدو لأول وهلة قد وجدت منفذاً لها في الأسعار تواجه مشكلات أخرى, ففي الدول النامية, (حتى ضمن المنقطة الواحدة) لا يجد الباحث سعراً موحداً للتجزئة بل عدة أسعار. فالبائع في هذه الدول يحدد سعر بضاعته حسب وضع المشتري, فسعر البضاعة أو السلعة لا يحدد وفق تكلفتها لدى هذا البائع وإنما وفق حدسه في المشتري, وتقديراته لقوته الشرائية أولاً ولرغبته في الشراء ثانياً, وهذه الحالة أكثر ما تكون في السلع الغذائية.
وعلى الرغم من هذا التفاوت الواسع في سعر التجزئة, فإن الإدارات الإحصائية المسؤولة عن تقويم الاستهلاك الذاتي تجد نفسها مجبرة على استخدام هذا السعر أو متوسط السعر في عدة مناطق تعد شاملة للاقتصاد. ففي سورية مثلاً يستعمل المكتب المركزي للإحصاء في إحصاءات التجارة الداخلية متوسط أسعار التجزئة لمدينتي دمشق وحلب.
ومما سبق نستنتج أنه ليس من السهولة بمكان معرفة كمية وقيمة السلع المستهلكة ذاتياً والتوصل إلى أرقام ومعطيات صحيحة بشكل كامل. وهنا نعود إلى التأكيد على أن مستوى التنمية الذي توصل إليه الاقتصاد يقوم بمهمة كبيرة في تحديد هذه الظاهرة ومعرفتها.
وقبل الوصول إلى ختام فقرتنا المتعلقة بالاستهلاك الذاتي وتقوميه, نرى من المفيد أن نعطي لمحة عن عوامل هذه الظاهرة المشجعة أو المخفضة لها.
فالمشكلة هي معرفة سبب انخفاض هذه الظاهرة في الدول المتقدمة عنها في الدول النامية, وكيف أن هذه الظاهرة تنخفض تدريجياً كلما تقدم الاقتصاد في طريق النمو. ولمعرفة هذا السبب فإننا سنقوم بعرض العلاقة بين العوامل التي تشجع هذه الظاهرة والعوامل التي تحد منها.
إن العوامل المشجعة لزيادة ظاهرة الاستهلاك الذاتي في الدول النامية كثيرة. ويرد بعض الاقتصاديين ظاهرة التخلف هذه بشكل غير مباشر إلى بعض هذه العوامل, ومن بين هذه العوامل:
*1- ضعف التركيب الهيكلي الأساسي في هذه الاقتصاديات. (من حيث وسائل النقل والطرقات, والجسور, …الخ).
*2- ضعف القوة الشرائية.
* 3-عدم الاكتراث بالسلع غير الغذائية.
*4- هيمنة إشباع الحاجات الغذائية.
*5- تفكك الاقتصاد القومي.
أما فيما يتعلق بالعوامل التي تساعد على خفض ظاهرة الاستهلاك الذاتي في الدول المتقدمة فهي على سبيل المثال:
*1- التوسع في التركيب الهيكلي للاقتصاد القومي مما يقلل من وجود المناطق النائية ويزيد من اتصال المناطق مع بعضها البعض, وبالتالي يضعف من أشكال حياة الاكتفاء التي كانت تعتمد على ظاهرة الاستهلاك الذاتي.
*2- التقدم الاقتصادي, حيث نجد النمو والتطور الذي يرافقه تحسين وارتفاع في مستوى الحياة.
*3- ارتفاع القوة الشرائية الذي يسمح لطبقات الشعب بشراء الكثير من السلع التي لم يكن باستطاعتهم الحصول عليها بسهولة فيما سبق.
*3- هجرة الريف إلى المدينة تضعف أيضاً من ظاهرة الاستهلاك الذاتي.
إن هذه العوامل التي تقلل من ظاهرة الاستهلاك الذاتي لا يمكن النظر إليها منفصلة بل يجب اعتبارها متكاملة وتلاءم التطور الاجتماعي والتطور الاقتصادي للدولة.
وكما يمكننا أن نجمعها في عاملين أساسيين:
1- زيادة التقدم والحضارة الممتدة إلى الريف.
2- استعمال النقود المتزايد في الاقتصاد الوطني.


الاقتباس غير متاح حاليا
merci

شكرا ممكن موضوع حول تطور التجارة في الجزائر

شكرااااااااااااااااااااااااااااااا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.