التصنيفات
تاريـخ,

سياسة الجنرال ديغول في مواجهة الثورة (1958 – 1960) / أ.العايب معمر

سياسة الجنرال ديغول في مواجهة الثورة*

(1958 – 1960)

أ.العايب معمر

قسم التاريخ- جامعة تلمسان – الجزائر

قبل الحديث عن المحاور الأساسية التي أرتكز عليها الجنرال شارل ديغول(1) في تنفيذ سياسته الرامية إلى خنق الثورة و القضاء عليها، فمن المفيد أن نقدم فكرة عن هذا الرجل و عن الأسباب التي دفعت بالضباط الفرنسيين و المعمرين في اللجوء إليه و عودته إلى الحكم عام 1958؟

فشارل ديغول هو من أبرز رجالات فرنسا في القرن العشرين استطاع أن يفرض نفسه كرئيس للجنة فرنسا الحرة التي لجأت إلى لندن بعد الاحتلال النازي لفرنسا 1940. و قد جمع ديغول حوله مجموعة من الضباط العسكريين و السياسيين و الجامعيين، و نتيجة لاتصالاته أنشء "المجلس الوطني للمقاومة" CNR، داخل فرنسا و الذي اعترف بديغول كرئيس لفرنسا.

و انضم ديغول إلى الحلفاء إلى أن تم القضاء على النازية فعاد إلى فرنسا بعد تحريرها عام 1945، بعدها ابتعد عن الحياة السياسية حتى سنة 1958، حيث استنجد به الفرنسيون لإنقاذ الوضع السياسي المتعفن داخل فرنسا، إذ وصل إلى الحكم بعد انقلاب 13 ماي 1958، في بداية شهر جوان تسلم ديغول بشكل رسمي الحكم في فرنسا و أعطى لفرنسا دستورا جديد أسس به الجمهورية الخامسة. فكيف سيعالج ديغول القضايا التي ورثها عن الجمهورية الرابعة.

لعل من أهم القضايا التي طرحت عليه خلال هذه الفترة هي القضية الجزائرية و تداعياتها على مختلف الأصعدة على السياسة الفرنسية فلابد من الإقرار منذ البداية أن الجنرال ديغول كان له تصور خاص في معالجة القضية الجزائرية(2)، يختلف هذا التصور على نظرة المجموعة التي جاءت به إلى السلطة أقصد (الضباط و غلاة المعمرين) المتمسكين بفكرة الجزائر فرنسية.

و من الدلائل التي تثبت أن الجنرال ديغول كان له تصور خاص في معالجة القضية الجزائرية من خلال اقتناعه بمجموعة من الحقائق المتعلقة بتطور القضية الجزائرية على المستوى الداخلي و الخارجي و يمكن رصد هذه الحقائق فيما يلي:

1. أن ديغول كان يعترف بحقيقة التأييد و الدعم الذي أصبحت تلقاه القضية الجزائرية في المحافل الدولية منذ مؤتمر باندونغ اندونيسيا عام 1955 و المؤتمرات الآفرو آسيوية و التفاعل الإيجابي من قبل الأمم المتحدة التي ناقشت القضية الجزائرية في العديد من جلساتها.

2. الحقيقة الثانية أن ديغول اقتنع بأن الجزائريين قد التفوا حول الثورة الجزائرية و حول قيادتها العسكرية و المدنية (جبهة التحرير و جيش التحرير) و اقتناعهم أيضا بضرورة الوصول إلى الاستقلال التام الغير المنقوص.

3. الحقيقة الثالثة أنه كان على دراية تامة بأن الثورة الجزائرية أصبحت محل تجاذب بين المعسكرين الشرقي و الغربي (الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة الأمريكية).

انطلاقا من هذه الحقائق التي كان يؤمن بها خلال هذه الفترة و لم يصرح بها إلا بعد استقلال الجزائر من خلال مذكراته، فإنه حاول أن يجد الحل المريح للقضية الجزائرية، فالحل الذي كان يراه مناسبا لحل القضية الجزائرية حسب تصوره، و قد عبر عنه منذ عام 1955 حيث أكد على "ضرورة استبدال السيادة في شمال إفريقيا بالشراكة"*(3) و هذا يعني منح الجزائر استقلال داخلي على شاكلة الاستقلال الذي منح لتونس و المغرب عام 1956.

غير أن الملفت للانتباه أن ديغول بالرغم من اقتناعه بتصوره الخاص في معالجة القضية الجزائرية إلى أنه لم يحاول منذ البداية تجسيد هذا التصور في الميدان و ما يفسر هذا هو أنه كان محاصرا من قبل غلاة العسكريين و المعمرين في آن واحد، و بالتالي سيرضخ في انتهاج سياسة كان هدفها القضاء على الثورة(4) و ارتكزت على ثلاثة محاور أساسية تمثلت في:

1- سياسة المرونة و التهدئة: من خلال إعلانه في 23 أكتوبر 1958 عن ما أسماه بسلم الشجعان: La paix des braves، حيث دعا الثوار إلى وضع السلاح دون شرط، و بهذه العملية أراد أن يحدث الشقاق بين الثوار و زرع الشك بينهم و عزل الداخل عن الخارج و إرغام الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (GPRA) على التفاوض مع فرنسا من موقع ضعيف (أي إيصالها إلى قبول الاستقلال الداخلي).

2- مشروع قسنطينة و قد جاء بناء على تصريح من ديغول في 03 أكتوبر 1958 – حاول ديغول من خلال هذا المشروع أن يبعد الجزائريين عن الثورة على أساس اعتقاده أن هذه المشاريع و الإصلاحات ستمكنه من دفع جيش و جبهة التحرير إلى الاستسلام(5).

3- مشروع شال العسكري: الذي بدأ تنفيذه منذ فيفري 1959 للقضاء على الثورة و من هذه العمليات العسكرية نذكر:

– عملية المجهر Jumelle ببلاد القبائل.

– عملية الشرارة ببلاد الحضنة نواحي ولاية المسيلة حاليا و تطهير الثوار منها.

– عملية الأحجار الكريمة بجبال في الشمال القسنطيني.

– عملية عسكرية بجبال الونشريس و الظهرة.

هذا بالإضافة إلى التفنن في وسائل التعذيب و التوسع في إقامة المحتشدات (6) و السجون زيادة على ذلك فإننا نسجل خلال عام 1960 أن فرنسا قامت بتجربتين نوويتين الأولى في الصحراء الجزائرية ي 13 فيفري 1960 بمنطقة رقان و الثانية في 30 أفريل 1960.(7)

في هذا الإطار يذكر أحد الباحثين الفرنسيين "برينو باريلو" أن السلطات الاستعمارية الفرنسية قد استخدمت 42 ألف جزائري "كفئران تجارب" و هم من السكان المحليين و أسرى جيش التحرير و هذا يمثل أقصى صور الإبادة الهمجية و لعل ما يفسر قيام فرنسا بهاتين التجربتين هو إصرار ديغول على أن تصبح فرنسا القوة النووية الرابعة في العالم خلال هده الفترة.

و عندما فشلت هذه المشاريع في القضاء على الثورة فإننا نجده ببحث عن الحلول لكسب الرأي العالمي المساند و المؤيد للثورة الجزائرية. فسارع إلى الإعلان عن منح حق الجزائريين في تقرير مصيرهم (8) و لكن حق تقرير المصير الذي تكلم عنه ديغول ضمنه شروط هي:

1- أن فرنسا هي التي تمنحه وفقا لمصالحها، و لن يفرض عليها من أحد على اعتبارها منهزمة (يقصد أمام الثورة) و لن تخضع لأي ضغط خارجي أو مساع حميدة أو غير ذلك و حتى من الأمم المتحدة.

2- إن على الفرنسيين الراغبين في البقاء بالجزائري أن يقرروا ذلك و أن الجيش الفرنسي هو الذي يتكفل بأمنهم و سلامتهم.

3- إنشاء معاهدات بين الطرفين تمنحها امتيازات متبادلة في مختلف الميادين الاستراتيجية.

4- بقاء الجزائر فرنسية من عدة أوجه بالحفاظ على الطابع الذي اكتسبه.

و من خلال هذه الأفكار التي وضعها ديغول و المحددة لمفهومه بحق تقرير مصير الجزائر، أعلن في 5 سبتمبر 1960 في ندوة عن أفكاره المتعلقة بمشروعه الذي حمل له شعار "الجزائر جزائرية".

و لتنفيذ هذا المشروع أعلن في 16 نوفمبر 1960 أمام مجلس الوزراء الفرنسي عن عزمه علي إجراء استفتاء تقرير المصير في الجزائر.

من دون شك أن هاته الأفكار و التصريحات التي أدلى بها ديغول بخصوص القضية الجزائرية لم تعجب الكثير من الفرنسيين خاصة من طرف غلاة "العسكريين و المعمرين" الرافضين لاستفتاء حول تقرير المصير و لفكرة "الجزائر جزائرية" حيث نجد أنه في الجزائر قد تجمع حوالي مائة ألف شخص من أنصار "جبهة الجزائر فرنسية" FAF و تجاوبت معها أيضا "الجبهة الوطنية الجزائرية الفرنسية" FNAF بباريس و أعربوا عن عدم موافقتهم و رفضهم لسياسة ديغول و من بن أبرز هؤلاء الجنرال جوان المولود بالجزائر و الجنرال سالان الذي لجأ إلى إسبانيا.

– موقف جبهة التحرير الوطني من مشروع ديغول حول تقرير المصير و حول "الجزائر جزائرية"

هذا الموقف يمكن رصده من خلال المظاهرات السلمية التي شهدتها الجزائر شهر ديسمبر1960والمعروفة عند عامة الشعب الجزائري بمظاهرات 11ديسمبر1960 حيث خرج الجزائريون لتأكيد حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره و مناهضا لسياسة ديغول الرامية إلى إبقاء الجزائر كجزء فرنسا في إطار فكرة "الجزائر جزائرية" من جهة و من جهة موقف المعمرين الفرنسي و العسكريين من جهة أخرى الذين كانوا يحلمون بفكرة بقاء الجزائر فرنسية.(9)

لقد عملت جبهة التحرير الوطني على التصدي لسياسة ديغول و المعمرين معا حيث ارتكز ديغول على الفرنسيين الجزائريين بمساندة سياسته و الخروج في مظاهرات و استقباله في عين تموشنت يوم 09 ديسمبر 1960، و عمل المعمرون على مناهضة ديغول و ذلك بالخروج في مظاهرات لرد على سياسة ديغول الداعية إلى اعتبار الجزائر للجميع في الإطار الفرنسي – و دخلت جبهة التحرير الوطني هي الأخرى في هذه المظاهرات بقوة شعبية كبيرة رفعت فيها شعار الجزائر مسلمة مستقلة ضد شعار ديغول "الجزائر جزائرية" و ضد شعار المعمرين "الجزائر فرنسية".

الهوامش

1. ولد شارل ماري جوزيف ديغول في 22 نوفمبر 1890، بمدينة ليل شمال فرنسا التحق عام 1908 بكلية سان سير العسكرية، شارك في الحرب العالمية الأولى، وصل إلى الحكم عن طريق قيام كبار الضباط في الجيش الفرنسي بعد حركة تمرد في 13 ماي 1958، وضع أسس الجمهورية الخامسة، توفي في شهر 1970 للمزيد من التفصيل أنظر: يحي بوعزيز، ثورات الجزائر في القرنين 19 و 20 ط 1، دار البعث الجزائر 1980.

2. الإطلاع أكثر على تصور ديغول لإيجاد مخرج للقضية الجزائرية راجع مذكرته: ديغول مذكرات "الأمل" – التجديد (1958 – 1963) (تر) سموحي فوق العادة – مراجعة أحمد عويدات، الطبعة الأولى، منشورات عويدات بيروت 1971.

3. سنلاحظ أن هذه الفكرة ستشكل جوهر الشعار الذي رفعه عام 1960 الداعي إلى "الجزائر جزائرية".

4. أكثر توضيح عن هذا الموضوع أنظر: حسن بومالي، استراتيجية الجنرال ديغول في خنق الثورة الجزائرية، مجلة أول نوفمبر، العدد 30، الجزائر 1988. ص 6

5. Charles robert agéron، histoire de l’Algérie contemporaine 1830 – 1976، 6ième édition. Presses universitaires de France 1977. p 105

6. Mohamed Teguia، l’Algérie en guerre، office des publications universitaires – Alger p 367.

7. عن التجارب النووية في الصحراء الجزائرية راجع: شيخي عبد المجيد، القنبلة الذرية الفرنسية الأولى جريمة ضد الإنسانية و الشعب الجزائري، العدد الأول، الجزائر 1996.

كان غرض فرنسا من تنفيذ هذه التجارب النووية هو تأكيدها على أنها أصبحت قوة نووية ثالثة بعد الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي، و في هذا الإطار يقول أحد الباحثين الفرنسيين في هذا المجال "برينو بار يلو" أن فرنسا أجرت حوالي 210 تجربة ما بين 1960 – 1996.

8. لأخذ فكرة عن تصور ديغول حول تقرير مصير الشعب الجزائري راجع: ديغول، مذكرات "الأمل"، المصدر السابق.

9. أنظر محمد قطاري: مظاهرات ديسمبر 1960 أسبابها، وقائعها و نتائجها، المصادر. العدد 3 الجزائر 2000 ص 30 – 32.

* – محاضرة ألقيت بقسم التاريخ بمناسبة الذكرى السادسة و الأربعين لمظاهرات ديسمبر 1960 بقسم التاريخ، جامعة تلمسان، ديسمبر2007.

* – سنلاحظ أن هذه الفكرة ستشكل جوهر الشعار الذي رفعه عام 1960 الداعي إلى "الجزائر جزائرية".


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

موفقة بإذن الله … لك مني أجمل تحية .

جـــــــــــازاك الله خيرا على المعلومة القيمة


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
تاريـخ,

في مفهوم الحضارة

في مفهوم الحضارة

كتب: د / بدران بن الحسن*

28/04/1431 الموافق
12/04/2010

يعتبر مفهوم الحضارة من أكثر المفاهيم صعوبة في التحديد، وذلك بفعل التطور الدلالي الذي حظي به عبر تاريخ الحضارة نفسها، ولعل من أهم أسباب الاختلاف في تعريفها أيضًا ما يرجع إلى الخلفية الفكرية لصاحب كل تعريف، والمنظور الذي يقدم من خلاله تعريفه، وكذلك تكوينه العلمي وزاده المعرفي؛ فالمؤرخ، والأنثربولوجي، وعالم الاجتماع، واللغوي، وعالم النفس،كلٌّ يعرفها انطلاقًا من أرضيته الفلسفية ومنظوره المعرفي الذي ينظم أفكاره ، ونتيجة لحيوية التنقيب والبحث في حقل الدراسات الحضارية، ظهرت تعريفات متعددة ومتنوعة لظاهرة الحضارة، كما أن هناك تعريفات ولدت ضمن إطار الوعي العقدي الغربي وأخرى صيغت استجابة للوعي العقدي التوحيدي.
ولذلك نحاول تناول مفهوم الحضارة من الوجهتين؛اللغوية، والاصطلاحية، للتمكن من تحديده بما يجعل منه واضحًا وقابلاً للتعامل معهضمن شبكة المفاهيم المتعلق بمنظور الدراسة الذي نحاول صياغته.
ففي العربية،الحضارة بكسر الحاء وفتحها تعني الإقامة في الحضر، وأن مظاهر الرقي العلمي والفني والأدبي في الحضر(1) ومعناها ضد غابَ والحاضرة والحِضارة [ ويفتح ] خلاف البادية (2) والحضور نقيض المغيب والغيبة: حَضَرَ يَحْضُرُ حُضوراً وحضارة … والحضر خلاف البدو، والحاضر خلاف البادي، وفي الحديث: "لا يبيع حاضر لبادٍ".
والحاضر: المقيم في المدن والقرى، والبادي: المقيم بالبادية، وفلان حضري وفلان بدوي، والحِضارة: الإقامة في الحضر. وكان الأصمعي يقول: الحَضارة، بالفتح. والحاضرة والحاضر: الحي العظيم أوالقوم (3) .
فالحضارة في عرف اللغة كما رأينا ترتبط بالحضر، والعمران، أي أن المصطلح من ناحية اللغة العربية ذاتها يحمل المعنى الاجتماعي، وذلك عند اعتبار الحضارة علامة على الحضور والإقامة والاستقرار، وهذه كلها تحمل معاني اجتماعية، فإذا سكن الناس واستقروا نشأت بينهم صلات اجتماعية أكثر،وارتبطت مصالحهم، ونشأت بينهم سبل التعاون، واتجهوا إلى بناء المدن والإبداع والانتظام والتنظيم.
فالحضارة في جذرها اللغوي تعنىَ وتُركز على الجانب الاجتماعي، وكأن اللغة تشير إلى أن الحضارة مفهوم اجتماعي منذ نشأته، كما أنها لا تكون إلا حيث توجد علاقات اجتماعية متبادلة بين الناس تظهر فيها معاني التعاون والتنظيم و الانتظام في إطار مكاني محدد هو المدينة، ولعل هذا فيه إشارة لاهتمام النبي -صلىالله عليه وسلم- بتسمية (يثرب) باسم (المدينة)، بما يتضمنه لفظ المدينة من قيم اجتماعية وحضارية بعيدة الأثر في النفس الإنسانية.
أما مصطلح "الحضارة" في اللغات الأوربية، واللغة الإنجليزية بخاصة، فمشتقة من اللاتينية، فلفظ "Civilization" لغويًّا يرجع إلى الجذر "civites" بمعنى مدينة، و"Civis" بمعنى ساكنالمدينة، أو "civilis" بمعنى مدني أو ما يتعلق بساكن المدينة(4) كما أنها تقرن أحيانا بمصطلح "Culture" التي فيمعناها اللاتيني تفيد الإنماء والحرث، واستمر مفهومها في حراثة الأرض وتنميتها، إلى نهاية القرن الثامن عشر، حيث كما يذكر معجم أكسفورد أنها اكتسبت معنى يشير إلى المكاسب العقلية والأدبية والذوقية، وتقابل في العربية مصطلح ثقافة(5)
فالمصطلح نفسه لم يأخذ معناه المعروف لدينا اليوم عن الحضارة في اللغات الأوربية، إلا مع القرن الثامن عشر(6) ، باعتبار ما اقترن به من مصطلحات دلالية أخرى، وأقربالمعاني اللغوية المستعملة اليوم أن الحضارة: "مرحلة متقدمة من النمو الفكريوالثقافي والمادي في المجتمع الإنساني"(7) ، أو هي: "مرحلة متقدمة من التقدم الاجتماعي الإنساني، أو هي ثقافة وطريقة حياة شعب أو أمةأو فترة من مراحل التطور في مجتمع منظم(8)
فمصطلح الحضارة في اللاتينية واللغات الأوربية أيضا يتضمن معنى المدينة،والاستقرار، والتنظيم الذي تقتضيه حياة المدينة، وكأن هناك تشابهًا في المعنيين اللغويين في كل من العربية واللاتينية، باعتبار أن الإنسان اجتماعي بطبعه حسب التعبير الخلدوني(9) أي أن النـزوع إلى التجمع والتنظيم والانتظام فطرة إنسانية تحكم السلوك الإنساني في إطاره الجماعي، وأن التحضر مطلب إنساني متصل بالسعي الإنساني في مختلف العصور.
أما من الناحية الاصطلاحية؛ فإن للحضارة تعاريف مختلفة – كما سبقت الإشارة- ففي الاصطلاح الخلدوني: "الحضارة هي نهاية العمران وخروجه إلى الفساد ونهاية الشر والبعد عن الخير " (10)وابن خلدون هنا يشير إلى المرحلة الأخيرة التي تمربها الدولة أو المجتمع عندما تتفكك العصبية ، وتضمحل قوة الرابطة التي تجمع الناس علىبناء المجتمع، فيصير المجتمع في حالة الترف التي أشار إليها ابن خلدون في مقدمته،وتقل أخلاق البناء، وتظهر أخلاق الفتور، فالحضارة بهذا التعبير الخلدون يدرجة من التقدم تبلغها المجتمعات.
ويزيد ابن خلدون تعريفاً آخر للحضارة يسميها "سر الله في ظهور العلم والصنائع" وذلك في الفصل الذي يفسر فيه لماذا أن "حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم" مما يجعل من العلم والصناعة منتوجات حضارية ، كما أن الحضارة تصطبغ بذلك الطابع الاجتماعي العمراني، وهو ما سنجده مع مالك بن نبي لاحقًا، يقولابن خلدون: "إن الصنائع من منتحل الحَضَرِ ، وإن العرب أبعد الناس عنها فصارت العلوملذلك حضرية.. والحضَرُ لذلك العهد هم العجم أو من في معناهم من الموالي وأهل الحواضر الذين هم يومئذ تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف"(11).
ويعلل ابن خلدون ذلك برسوخ الحضارة في العجم،ويعني أساسًا (الفرس) الذين تحولوا إلى الإسلام، فيقول: "لأنهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس.. وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وسوقها وخرجوا إليها عن البداوة فشغلتهم الرئاسة في الدولة وحاميتها وأولي سياستها(12)
فالعرب حسب ابن خلدون كانوا في بدايات اتصال هم بهذه المنجزات الحضارية من علوم وصنائع غير أنهم شغلوا عنها بمهمات بناء الدولة الجديدة، والتي كانت إحدى مراحل بناء الحضارة التي ابتدأها النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة بل من غار حراء عندما اتصلت الأرض بالسماء عن طريق الوحي، لكن ابن خلدون لا يقف عند هذه المرحلة من تطور الحضارة، بل يرصد حركتها، حيث يجعل استمرارالعلوم والصنائع والتطور العمراني نتيجة لاستمرار عمل قانون الحضارة في تلك الأمصار وليس سببًا في استمرارها، حيث يقول: "فلم يزل ذلك في الأمصار ما دامت الحضارة في العجم وبلادهم من العراق وخراسان وما وراء النهر، فلما خربت تلك الأمصار وذهبت منها الحضارة التي هي سر الله في حصول العلم والصنائع ذهب العلم من العجم(13)
فالحضارة سر الله في وجود العمران والعلم،وإذا فقدت شروطها فإنها تنتقل إلى مكان آخر تتوفر فيه شروطها الموضوعية، ولعل تعبيرابن خلدون عن الحضارة بالسر، نستشف منه معنى القانون الذي يتحكم في انتقالها(14)
وإذا انتقلنا إلى العالم الغربي نجد "ديورانت" يعرفها بأنها: "نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وإن الحضارة تتألف من عناصر أربعة :الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون،وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق(15)
ويعرفها تايلور بأنها: "درجة من التقدم الثقافي، تكون فيها الفنون والعلوموالحياة السياسية في درجة متقدمة(16)
والملاحظ على تعريف كل من ديورنت وتايلور أن الأول ينظر إلى الحضارة من جهتين؛ أنها نظام اجتماعي يقدم للإنسان القدرة على تحقيق إنجازات ثقافية، ومن جهة أخرى أنها مرحلة من مراحل التقدم البشري تكون فيها الحياة الإنسانية تتجه نحو التنظيم لما تتوفر لها مجموعة من العناصر، أما الثاني فإنه يعرف الحضارة على اعتبار أنها درجة من التقدم الثقافي لها نتائجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو في تعريفه هذا يتجه إلى تعريف الحضارة بالنظر إلى غايتها التي تحققها في المجتمع..
كما يعرفها مالك بننبي، وذلك من عدة جوانب؛ فهو تارة يعرفها من الجانب البنيوي (مركّزًا على بنيةالحضارة وعناصر تركيبها)، وتارة من الجانب الوظيفي (مركزا على وظيفة الحضارة) باعتبارها تؤدي دورًا في المجتمع، وتارة يعرفها من جانب غايتها من حيث إنها غاية الحركة الاجتماعية في التاريخ ، وبعبارة أخرى فهو يعطي التعريف التحليلي للحضارة الذي يبيّن كيفية تركيب الحضارة في عناصرها الأولية، ويعطي تعريفًا للحضارة من خلالدورها (وظيفتها) في التاريخ، كما يحدد حقيقتها الرسالية.
أما التعريف التحليلي؛ فإننا نجده يعرف الحضارة من الوجهة التحليلية (تحليل بنيتها) بالمعادلة الرياضية التالية: الحضارة= إنسان تراب وقت.
وفي ذلك يقول ابن نبي: "حضارة = إنسان تراب وقت، وتحت هذا الشكل تشير الصيغة إلى أن مشكلة الحضارة تنحل إلى ثلاث مشكلات أولية: مشكلة الإنسان، مشكلة التراب، مشكلة الوقت ، فلكي نقيم بناء حضارة لايكون ذلك بأن نكدس المنتجات وإنما بأن نحل المشكلات الثلاثة من أساسها(17)..
فابن نبي يجمل أي جهد أو منتج حضاري، في صورة هذا التفاعل الأولي بين عنصر الإنسان صاحب الجهد المنجز، وعنصر التراب بصنوفه التي هي مصدر الإنجاز المادي، وعنصر الزمن الذي هو شرط أساسي لأي عملية إنجازية يقوم بهاالإنسان،
وباعتبار أن الحضارة إنجاز موجه في التاريخ؛ فإنه لا شك إنتاج لفكرة تطبع صبغتها على جهد الإنسان فتميزها في التاريخ، ولهذا فابن نبي لا يكتفي بهذه العناصر التركيبية الأولية للحضارة فقط، بل يضيف إليها الفكرة المركِّبَة؛ التي هي الفكرة الدينية (الدين)، مركِّب القيم الاجتماعية، ويقوم الدين بهذا الدور في حالته الناشئة، حالة انتشاره وحركته، عندما يعبر عن فكرة جماعية(18) أي لا يكون فكرة مجردة بعيدة عن صياغة همٍّ جماعي وأداءٍ اجتماعي مشتركٍ
هذه العناصر الثلاثة – كما يرى ابن نبي – تتفاعل فيما بينها بفعل الشرارة التي تحدثها الفكرة الدينية، وتتحقق في واقع تاريخي يقتضي وجود مجموعة من العلائق تحقق وحدة العمل التاريخي، هذه العلائق هي ما يسميه ابن نبي)شبكة العلاقات الاجتماعية) (18) فشبكة العلاقات الاجتماعية هي العنصر التركيـبي الآخر الذي يتحقق بوجوده الجهد الإنساني في صورة إنجاز حضاري في التاريخ(19)
فالحضارة من هذه الوجهة التحليلية تقوم على عناصر الإنسان والتراب والزمن، في وجود شبكة من العلاقة الاجتماعية التي تشكل الميلاد الحقيقي للمجتمع في التاريخ وبداية إنجازه التاريخي على ضوء الفكرة الدينية
أما التعريف الوظيفي فإن ابن نبي يقول بشأنه: "إن الحضارة يجب أن تحدد من وجهة نظر وظيفية، فهي مجموع الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمع معين، أن يقدم لكل فرد من أفراده، في كل طور من أطوار وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة، المساعدة الضرورية له في هذا الطور، أو ذاك من أطوار نموه"(20) فهي ذلك العمل الاجتماعي الذي يقوم به المجتمع في سبيل توفير الضمانات التي تؤهل الفرد لممارسة دوره في التاريخ
فمن وجهة الوظيفة التي تؤديها الحضارة فإن ابن نبي ينظر إلى الحضارة بمقدار ما تقدمه من الضمانات للفرد، تلك الضمانات التي يقدمها المجتمع لأي فرد من أفراده في مرحلة تاريخية معينة من مولده إلى مماته ، أي إلى أن ينقضي وجوده الاجتماعي، هذه الضمانات هي بمثابة شروط ذات وجهتين مادية ومعنوية ، وبعبارة أخرى: إنها في الواقع جملةالعوامل المعنويّة والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر لكل عضو فيه جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة لتطوره ، فالفرد يحقق ذاته بفضل قدرة وإرادة تنبعان من المجتمع الذي هو جزء فيه(21) ، فالحضارة أداء اجتماعي لمجتمع ما في التاريخ.
فإذا كان مجتمع معين يستطيع في مرحلة تاريخية معينة تقديم وتوفير مثل هذه الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح للفرد أن يمارس دوره الطبيعي في المجتمع؛ فإن المجتمع يعيش حالة حضارة. وكأن ابن نبي من هذه الزاوية يركز على الحقيقة الموضوعية التي تلتمس الحضارة في أثرها في الواقع، وتهتم بالمنظورالاجتماعي (السوسيولوجي) للظاهرة الحضارية.
ومن هذه الجهة(الوظيفية)؛ فإن الحضارة هي:
أولاً:شروط أخلاقية ومادية ، وهذا يجعل الحضارة خاضعة للتوازن الذي يحفظها من الانحراف، فإذا اختل جانب انحرفت الحضارة من هذا الجانب المختل، والحضارة.
ثانياً: عمل اجتماعي، وهذا يشير إلى أهمية المجتمع وأسبقيته في عملية الإنجاز الحضاري، وذلك من خلال تركيز ابن نبي على أهمية وجود عالم شبكة العلاقات الاجتماعية باعتبار أن الحضارة إنجاز يقوم به المجتمع بمجموع أفراده، ويتم في إطاره وبإرادته وإمكانه، حتى إنه يمكن القول: إن الحضارة هي عمل شبكة العلاقات الاجتماعية ذاتها
وثالثاً: أن الإنسان (الفرد) يأخذ أهمية خاصة من خلال اعتبار الحضارة من الوجهة الوظيفية عملية تقديم للضمانات لهذا الفرد حتى يتمكن من ممارسة دوره المنوط به اجتماعيًّا.
ورابعاً:أن الحضارة عبارة عن ضمانات إذا نظرنا إليها من هذه الوجهة، وهي ضمانات تتيح للطاقات الفردية والاجتماعية أن تنطلق وتمكن الفرد من التطور ماديًّا ومعنويًّا.
كما أن الحضارة خامساً: عبارة عن أطوار اجتماعية يمر بها المجتمع، وفي هذا إشارة إلى الظاهرة الدورية التي تمر بها الحضارة.
ــــــــــــــــ
الهوامش :
* دكتوراه في دراسات الحضارةوالفلسفة، قسم دراسات الحضارة والفلسفة، جامعة بوترا، ماليزيا.
إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، (قطر: دار إحياء التراث الإسلامي)، ج1/ص180.
2 ـ الفيروزأبادي، القاموس المحيط، (بيروت: دار الفكر، 1983م)، ج2/ص10.
لسان العرب، حرف باب الراء، فصل الحاء المهملة، مج4، ص196-197.
3 ـ أحمد محمودصبحي، في فلسفة الحضارة، (الإسكندرية: مؤسسة الثقافة الجامعية)، ص3.
Philip Weiner, Dictionary of the History of Ideas, (New York:4 ـ Charles Scribner’s Sons, 1973), P613.
5 ـ قسطنطين زريق، في معركة الحضارة، الطبعة الرابعة، (بيروت: دارالعلم للملايين، 1981م)، ص32-33.
6 ـ نصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة- المدنية،سلسلة المفاهيم والمصطلحات (1)، (هيرندن، فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1414هـ/ 1994م)، ص33.
7 – The American Heritage Dictionary of the English Language,3ED, (New York: Houghton Mifflin Company,1992), PP 349-350.
8 -Oxford Advanced Learner’s Encyclopedic Dictionary, (Oxford University Press: 1994), P160.
9 ـ المقدمة، ص475.
10 ـ عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابنخلدون، ط5، (بيروت: دار القلم، 1984)، ص475.
11 ـ المقدمة، ص544.
12 ـ المقدمة، ص544.
13 ـ المقدمة، ص545.
14 ـ ول ديورنت، قصة الحضارة، (جامعةالدول العربية، 1957م)، ج1/ص4.
15 – E.B.Taylor, Dictionary of Anthropology, Special Indian Edition, (Delhi: Goyl Saab, 1988), P117.
16 ـ ابن نبي، شروطالنهضة ، ترجمة: عبد الصبور شاهين،(دمشق: دار الفكر،1996)، ص45.
17 ـ وجهةالعالم الإسلامي، ص32.
18 ـ ابن نبي، ميلاد مجتمع، ترجمة: عبد الصبور شاهين،الطبعة الثالثة، (دمشق: دار الفكر،1986)، ص27.
19 ـ ابن نبي، فكرة الإفريقيةالآسيوية في ضوء مؤتمر باندونغ،(دمشق: دار الفكر، 1981)، ص143.
20 ـ ابن نبي،آفاق جزائرية، (القاهرة: مكتبة عمار،1971)، ص38.
21 ـ ابن نبي، مشكلة الأفكار فيالعالم الإسلامي، (دمشق:دار الفكر،1988)،ص42


التصنيفات
تاريـخ,

دراسات فى تاريخ المغرب الإسلامى / عز الدين عمر أحمد موسى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

دراسات فى تاريخ المغرب الإسلامى / عز الدين عمر أحمد موسى

الحجم : 3.96 MB

http://www.mediafire.com/?xwvg5f0epr5m3z0#1


التصنيفات
تاريـخ,

فلسفة التاريخ عند فيكو / ابو السعود، عطيات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


فلسفة التاريخ عند فيكو / ابو السعود، عطيات

الحجم : 6.91 MB

http://www.megaupload.com/?d=2EDR4JH2


التصنيفات
تاريـخ,

الاسلام في الغرب.قرطبة عاصمة العالم والفكر / روجيه جارودى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الاسلام في الغرب.قرطبة عاصمة العالم والفكر / روجيه جارودى

الحجم : 8.5 MB

http://www.4shared.com/get/4qSt0o_R/______.html


التصنيفات
تاريـخ,

نظم الحكم والإدارة في الدولة العثمانية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نظم الحكم والإدارة في الدولة العثمانية / المؤلف : مرادجه دوسن – ترجمة : فيصل شيخ الأرض

الحجم : 28.1 MB

http://www.4shared.com/get/bRLXr-9I/_____.html


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
تاريـخ,

بعث الحضارة الإسلاميّة من جديد . دور النُّخبة

بعث الحضارة الإسلاميّة من جديد… دور النُّخبة


كتب: د/ بدران بن الحسن


13/04/1431 الموافق
28/03/2010

لقد قضى العالم الإسلامي وقتاً طويلاً من عمره الحضاري باحثاً عننقطة بداية لإعادة بناء حضارته من جديد، وإعطاء نفسه الحضاري دفعة تخرجه من حالةالتراوح والتبطل التي استنفدت قدراته في جهود مضنية.
وكان لمالك بن نبي –عليهرحمة الله- رأي في مسألة التخلف الحضاري الشامل التي يعانيها العالم الإسلامي، ورأىمنذ الأربعينيات من القرن الماضي أن العالم الإسلامي يهدر طاقته في حل مشكلات جزئيةمتغاضياً عن المشكلة الكلية التي تحتوي كل تلك المشكلات، ألا وهي مشكلة الحضارة، ورأى أيضاً أنه طالما أن العالم الإسلامي يفتقد إلى الرؤية الواضحة لما يريد أنيقوم به فإنه لن يتمكن من صياغة مشروع للنهضة أو الخروج من التخلف، ولن يتمكن منتحديد وجهته ولا بناء منهج لبناء الحضارة، وذلك في تصوره راجع إلى أن "الرؤية تحدّدالمنهج والوجهة".
وبعبارة أخرى، فإن تصورنا لمشكلة العالم الإسلامي تصوّر جزئيومفكّك، ولذلك فإن فهمنا للمشكلة فهم جزئي وعقيم؛ لأنه لا يحيط بكل أبعاد المشكلة،ولذلك فإن الحلول التي طُرحت كلها حلول جزئية؛ إن اهتمت بجانب أغفلت – عن قصد أو غيرقصد- جوانب أخرى لا تقل أهمية عن الجانب الذي أولته اهتمامها، فأنتجت هذه التصوراتالجزئية رؤى متناقضة ومشوهة وقاصرة في أغلب الأحوال، وغير قادرة على صياغة منهج لحلالمشكلة الأم، ولا لحل المشكلات الجزئية المتراكمة.
ولذلك فإن أسئلة كثيرة تطرحنفسها بقوة على كل متأمل في ما نحن فيه من تردٍّ وتهلهل وتخلف شامل في العالمالإسلامي؛ فلماذا لم نستطع امتلاك هذه الرؤية المتكاملة لمشكلتنا في العالمالإسلامي؟ ولماذا لم نستطع بناء منهج قادر على الخروج بنا من المحنة التي نحن فيها؟
لعل هذا النوع من الأسئلة تراود كل من اهتم بأمر المسلمين، وسعى إلى المساهمةفي فك خيوط الأزمة التي أُحكمت، ولا شك أن كثيراً من الإجابات راودت كل من طرح هذهالأسئلة على نفسه.
وفي تصوري فإن الإجابة عن الأسئلة السابقة يمر حتماًبالإجابة عن سؤال أو أسئلة أخرى تتعلق بمن يتولى صياغة الرؤى الحضارية، ومن يقومعلى بناء مناهج التغيير؟ هل هم عامّة الناس؟ أم هم النخبة من المجتمع؟
وإذااستقرينا التاريخ؛ تاريخ التغيرات الكبرى في تاريخ المجتمعات رأينا أن هناك دائماً "فرقة" تقوم بالمبادرة بحمل لواء التغيير، وتتبنى الأفكار والمشاريع والبرامجالجديدة التي تسوّغ على وفقها نمطاً جديداً للتفكير وصورة جديدة عن العالم،وبالتالي منهجاً جديداً لمعالجة الأمور.
ولنا في الأنبياء وأتباعهم أسوة حسنة،ولنا في تاريخ النبوات، وتاريخ الأفكار الكبرى، والأمم التي تعاقبت الريادةالحضارية في العالم، والمجتمعات التي سادت ثم بادت، لنا في كل هؤلاء خير دليل علىأن هناك "نفراً" من كل "فرقة" يقومون بتغيير "القوم" وبصياغة منهج جديد للحياة.
ولذلك فإن مسألة القيادة التي هي النخبة أو النفر أو الفرقة التي تتولى شؤونالقوم، وإنذارهم وإبلاغهم، وقيادتهم بالتعبير القرآني- هي المسألة المركزية فيصياغة الرؤية والتصور الكلي الشامل من أجل أن تتبنى منهجاً يخرج قومها من ظلماتالفوضى إلى نور المنهج الواضح الأسس، البيّن الخطوات من أجل تحقيق مبادئ النخبةوالمجتمع في أرض الواقع.
وفي هذا السياق فإن المشكلة في تصوري تتعلق بنمطالقيادة التي تقود عملية التغيير الحضاري، ومدى وعيها واستيعابها للمعطيات المختلفةللواقع المعاصر، ولما يتطلبه القيام بمشروع بناء الحضارة من جديد من وضوح للرؤيةوتوفر منهج شمولي متكامل للتغيير.
والحديث هنا يتجه أساساً إلى العلماءوالمجتهدين والمثقفين إلى النخبة التي تقود المجتمعات الإسلامية، ومدى قدرة هذهالقيادات على قيادة مشروع بناء الحضارة الإسلامية من جديد، إن نظرياً أو عملياً.
ذلك أن مستقبل العالم الإسلامي يُناط بالقيادة التي تمتلك القدرة على شق الطريقاليبس في بحر الأزمة الخانق، وأن تكون قادرة – في رأي الجماهير من الناس- على فعلالمعجزات التي تحوّل مسار التاريخ في لحظاته المدلهمة، وتنير الدرب بفعل تجاوزهاليوميات الأحداث، من خلال قدرتها على استشراف المستقبل، ورسم مسارات العملالمستقبلي، والحد من الخسائر، وتحفظ المحتوى العقائدي لما تحمله من أفكار، حتى لايفرغ من محتواه أو يحوّر أو يبدّل.
غير أن مؤسساتنا بكل تنوعها؛ الدعويةوالسياسية والثقافية والعلمية والاجتماعية وغيرها، غير قادرة اليوم على أن تواكبنمط التحولات السريعة والهائلة التي تحدث بفعل عصر العولمة الذي نعيشه، ولذلك فهيغير قادرة على صياغة المجتمع وفق التطلعات التي تؤمن بها.
كما أن النخبة بمختلفطبقاتها اليوم في عالمنا الإسلامي غير قادرة على أن تحمل في وعيها آمال الجماهيروغير قادرة على توجيه هذه الجماهير أيضاً، بل إن هذه النخبة التي من المفترض فيهاأن تكون هي المعبر عن آمال وتطلعات الناس من جهة، وأن تكون هي مجسّات الوعي من جهةأخرى قد انغلقت على نفسها، ولم تعد قادرة على متابعة التغيرات والأحداث الكبرى التيتجري في عالم اليوم.
ولذلك فإن النخبة في العالم الإسلامي اليوم مدعوة إلىمراجعات جوهرية لكل الأطروحات التي تتداولها منذ أمد، وعلى مختلف الأصعدة، ومن كلالأطراف، وعلى النخبة أيضاً أن تعيد ترتيب أولوياتها، ووضع خط فاصل وواضح بين القيمالمبدئية التي لا يمكن أن تتغير وبين المواقف والخطوات الإجرائية التي يمكن التراجععنها أو تغييرها أو تطويرها أو تجاوزها إلى ما هو أكثر نضجاً ونجاحاً وقابليةلتحقيق مقاصد القيم الأصلية المبدئية وتحقيق مصالح الأمة.
وعليه فإن النخبةمطلوب منها اليوم أن تعيد تشكيل مواقفها وفق المبادئ الكبرى للأمة بشكل واضح وصريحومؤسس ومنهجي، وألاّ تلجأ إلى التلفيق بين المفاهيم، ولا التركيب المشوه بين مختلفالمقولات والتصورات، كما أن على النخبة أن تعيد النظر في مفاهيمها التقليديةالموروثة سواء من تراثنا الإسلامي أو من التراث الحضاري للأمم الأخرى، ويكون ذلكوفق رؤية علمية مبنية على الحجة البينة والبرهان العلمي والحوار المنفتح على الآخر،القابل للحقيقة مهما كان مصدرها، خاصة إذا علمنا أن الإسلام لا يُخشى عليه من أيفكرة أخرى، بل إن الإسلام ذاته ما هو إلا رسالة لإتمام المكارم التي بين الناس.
ومن هذا المنطلق، فإن النخبة يكون أمامها مجال فسيح للاجتهاد المحتكم إلى القيمالثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، تسترشد بعد ذلك بما استقر منصالح الكسب البشري من فكر وثقافة وحضارة شحذتها وهذبتها الخبرة الإنسانية الطويلةالأمد.
وعليه، لا نكون في اجتهادنا أمام خطر الانحراف عن القيم الكلية الثابتة؛لأن القرآن مصدِّق ومهيمن على كل تجربة أو فكرة، ولا نكون أيضاً أمام خطر التخلف عنمواكبة الأحداث؛ لأن الانفتاح على مختلف التجارب يذكي الخبرة وحس الخطأ والصواب لدىالأمة، ويقوّي مجسّات التحقق من صلاح التجارب على اختلاف مصادرها ومدى مواءمتهالمختلف المشكلات التي تهدف النخبة لحلها.
ونختم حديثنا هذا بالتأكيد على أنسلوك نهج الحضارة، والعمل على بعث الحضارة الإسلامية من جديد، والتمكين للإسلاموالمسلمين لن يتحقق طالما بقيت النخبة في العالم الإسلامي غير قادرة على بناء رؤيةواضحة، من خلالها تستطيع تحديد القيم والمبادئ الكلية، وتحديد المنهج ذي الإجراءاتالعملية لتحقيق مقاصد هذه القيم في دنيا الناس.



التصنيفات
تاريـخ,

إشكالية القراءة التاريخية: بحث في المفاهيم و الأصول و المنهج / أحمد بابانا العلوي

إشكالية القراءة التاريخية: بحث في المفاهيم و الأصول و المنهج

أحمد بابانا العلوي

– 1 –

كيف نقرأ التاريخ ؟ سؤال في الصميم لأنه يطرح مسألة في غاية الأهمية ، تتعلق بالمعرفة التاريخية و الثقافة التاريخية ، تأسيسا على أن معنى كلمة تاريخ أو ايسطوريا (Historia ) اليونانية، هو الاستقصاء والبحث عن حقائق الأشياء والأحداث والوقائع الإجتماعية.
فالسؤال المطروح يشير من خلال الاستفهام، طلب الفهم لاستكشاف ومعرفة الماضي والحاضر والمستقبل..
من منطلق أن النظر إلى أحوال الماضي، يندرج ضمن الرؤية الواعية لفهم حقائق الحاضر، ووقائعه، و التطلع إلى معرفة ملا مح المستقبل …
إلا أن الإشكال الذي نواجهه يتمثل في الفهم أي في قدرتنا على فهم الحقيقة عندما يتعذر علينا إدراك المقاصد الكامنة وراء الوقائع أو العوامل المؤثرة في مسار الأحداث و اتجاهاتها …
إن الفكر الرومانسي يعتمد في مقاربته للوقائع التاريخية على ربط الفهم بمفهوم الخيال ) الذوق أو الحرس ( مما يعطيه القدرة على تمثل الحدث في الذهن..
و يرى رينان " بهذا الصدد ، و هو يكتب عن المسيح (la vie de jésus ) ، بأن تشخيص عمالقة الماضي يتطلب قدرا من التكهن و التخمين (1) .
ويقول ابن خلدون في مقدمة كتاب العبر بأن التاريخ فن من الفنون تتداوله الأمم و الأجيال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام ، والدول، و السوابق من القرون الأول .. فالتاريخ إذن عبارة عن خبر عن أحداث الماضي و بحث في أحوال البشر و وقائعهم، و بالتالي فهو علم يهتم بالصيرورة التاريخية أي أنه يشمل الماضي و الحاضر والمستقبل.
و لنتوقف قليلا عند كلمة " أرخ " في اللغة العربية يقال أرخ و ورخ توريخا و تأريخا بمعنى الإعلام بالوقت ، و من ثمة فإن تاريخ كل شيء آخره و وقته الذي ينتهي إليه زمنه ، و منه قيل فلان تاريخ قومه، و ذلك بالنظر لإضافة الأمور الجليلة إليه ..
و نستنتج من هذا أن التاريخ و التأريخ تعريف بالوقت بمعنى وضع الحدث التاريخي في سياقه الزمني والمكاني.
وقد قامت طائفة من مبرزي المؤرخين مثل " روبرت فلنت " في كتابه ) فلسفة التاريخ ( و المؤرخ بارنز في كتابه عن تأريخ الكتابة و غيرهم من الباحثين ، بالبحث في جوانب التاريخ المختلفة، إلا أنه كلما اتسعت دائرة الكشوفات الأثرية ، و كلما كثر البحث في نطاق المخطوطات و الوثائـق،
و الآثار و النقوش ، كشفت مصادر كانت مجهولة ، و تجلت حقائق لم تكن معروفة … (2) ، و قد لاحظ " ماكس نوردو " أن هناك خلط بين التاريخ في ذاته و كتابة التاريخ و تسجيل أحداثه، و أخذ على الباحثين أن جهودهم اتجهت إلى جعل الوصف و الموصوف شيئا واحدا …
فالتاريخ له وجوده القائم بذاته، و هو بطبيعة الحال أوسع نطاقا و أبعد مدى من التاريخ المكتوب …
فتأثير الأحداث الطبيعية الكبرى على البشرية ، قد يكون أشد و أخطر من تأثير النظم الاجتماعية ، و السياسية و المعتقدات الدينية … (3)
فالتاريخ إذن بمعناه الضيق يتناول حدثا في الزمان و المكان ، أما التاريخ بمعناه العام فيتناول الحضارات البشرية من جميع زواياها و أبعادها ، و أحوالها سواء كانت كبيرة الشأن أو ضئيلة الشأن ، لا فرق بين الإنسان المغمور و الفاتح الذي ملأت شهرته الآفاق …
ظهر تعبير " إسطوريا " أي التاريخ عند الإغريق في القرنين السادس و الخامس قبل الميلاد، و كان يقصد به البحث عن الأشياء الجديرة بالمعرفة : معرفة البلاد و العادات و المؤسسات السياسية ..
ثم أصبحت الكلمة مقتصرة على معرفة الأحداث التي رافقت نمو الظواهر ، وبذلك ولد تعبير التاريخ بمعناه الشائع ..
إن كلمة التاريخ في الاستعمال المألوف مصطلح يشمل معنيين مختلفين في معظم الأحيان يقصد به الأعمال و المنجزات التي قام بها الإنسان فيما مضى من الزمان . و كثيرا ما يدل على رواية الأعمال والمنجزات و تسجيلها … (4)، و في بادئ الأمر كانت للأساطير و الأوهام أثر ظاهرة في تكوين التاريخ و نرجع نشأة التاريخ بهذا المعنى إلى قدرة الإنسان على تخيل الماضي و الإحساس الفني الذي يلم به حينما يروي الأحداث الماضية و يستحضرها …
وكان الأدب في أول ظهوره مقصور على الشعوب التي تمجد العبقرية في الملاحم، وذلك بإبراز سير الأبطال وتخليد بطولاتهم. (5)
فكانت المنظومات الشعرية الملحمية مشوبة بالأساطير والخرافات بعيدة عن وصف الواقع الحقيقي ..
وقد ظهر أدب الملاحم الأسطوري قبل ظهور الأدب التاريخي..
عند اليونان ظهر<< هوميروس >> قبل << هيرودوت>> بزمن طويل، وفي إيطاليا ظهر << دانتي>> قبل << ميكيا فيلي>> .. ألخ.
ولم يستطع العقل الإقبال على الكتابة التاريخية إلا بعد أن تخلص من قيود التقاليد وأغلال الأساطير والأوهام والخرافات ..
ونتيجة تقدم الثقافة ونشاط الحركة الفكرية والسياسية في الدويلات الإغريقية التي أنضجت العقليات..
إن أقدم الوثائق التاريخية كانت كتابات ورسوما ونقوشا على المعابد والقصور والمقابر التي أقامها الملوك والغزاة الفاتحون، لتسجيل انتصاراهم والإشادة بأخبار المعارك التي خاضوا غمارها، والبلاد التي استولوا عليها، كما سجلوا حلقات أنسابهم وما جمعوا من ثروات وصنعوا من منجزات ..

-2-
بعض الحضارات رغم ما وصلت إليه من تقدم حضاري، لم تظهر عندها قدرات فنية في الكتابة التاريخية المنظمة ..
فالحضارة الفرعونية وضعت قوائم تضم أسماء الملوك بغية تعظيم شأنهم ..
أما في بابل، فقد أخذت الكتابة التاريخية صورة النقوش المرسومة على المباني، و ظهرت عند الأشوريين وثائق و حوليات ملكية تضم مغامرات الحكام في الحرب و الصيد، و القيام ببناء بعض القصور طبعا غابت الحاسة النقدية في هذا التسجيل البدائي للتاريخ و كان الهدف من النقوش تمجيد الملك الحاكم ، و أعلاء شأنه في نظر الأجيال التالية ، و قد تغلب على تلك الوثائق المبالغة و التهويل و الروح الدينية، و نسبة المباني المشيدة للآلهة، و من الحق القول أن مصر تعتبر متحفا تاريخيا ضخما يحفظ مصادر وافية و قيمة للمعلومات التاريخية، في مقابر الملوك و القصور و المعابد و الآثار)6).
و حينما تأثرت الثقافة المصرية القديمة بالثقافة الهيلينية ظهر كاتب مصري هيليني الثقافة اسمه مانتو Manatho)) قام بجمع حوليات عن تاريخ مصر و كتب سردا تاريخيا ، و قد عرف هذا الكاتب بإجادة البحث و تحري الموضوعية في جمع المادة التاريخية ، و تفسيرها إلا أنه لم يبق من كتبه سوى مقتبسات ، و قد شابتها الشوائب نقلها المؤرخ اليهودي يوسفوس (7) .
البابليون و الآشوريون كانوا أكثر تقدما في جمع الوثائق التاريخية ، و لكن لم يظهر بينهم مؤرخ من طراز " مانتو " ، و أقدم الكتابات التاريخية الآشورية هي الوثائق التي كتبها الكتاب السوماريون ، إلا أنه لم يعثر على سرد تاريخي منظم يمكن أن يعزى إليهم .
إن ازدهار الكتابة التاريخية كان يستلزم جوا من الحرية ، تنمو فيه الملكات ، و تتفتح المواهب، و غياب الحرية هو الذي حصر الكتابة التاريخية في تسجيل أخبار قلة من الملوك و أعيان الدولة …
يقول " روبرت فلنت " بأن الصينيين تفوقوا في الأدب التاريخي نتيجة إحساسهم بحقائق الحياة ، وفرط احترامهم لأسلافهم و شدة تعلقهم بالماضي ، و حسن إدراكهم السياسي، و اعتدالهم في إصدار الأحكام، و تقديرهم العالي للمعرفة والثقافة و ميلهم إلى الجد في طلب العلم . و عند الصينيين عدد كبير من المؤرخين منذ ألفين و ستمائة سنة …
و الأدب التاريخي الصيني حافل و ضخم ، و يشمل على تاريخ أسر، وملخصات حولية، ومذكرات مختلفة الأنواع، و سير لا يكاد يحصيها العد، و مدونات تاريخية زاخرة بالمعلومات، تتناول شتى العصور و مختلف جوانب الحياة ..
إلا أن الكتابة التاريخية رغم ذلك لم ترتفع عن مستوى الطريقة الحولية ، فالمؤرخون الصينيون قد بذلوا جهدا في جمع المعلومات واستقصاء الوقائع و تنسيقها . إلا أنهم لم يضعوها في موازين النقد، و لم يسبروا أغوارها، فالتاريخ عندهم تعوزه دقة العالم، و شمول الفلسفة وإحاطتها، ولم يستطع الصعود إلى وجهة نظر عامة . وهم يتناولون التاريخ باعتباره فنا قوميا نافعا لا باعتباره مرآة تنعكس فيها الطبيعة البشرية .
وأشهر المؤرخين الصينيين شهرة هما : " سيزماتيان " المولود حوالي ) 145 ق – م ( و " سرجها كوانج " الملقب بأمير المؤرخين و قد ذاعت شهرته في القرن الحادي عشر ..
كتب الأول وثائق تاريخية تشمل كل ما له أهمية في الحوليات الصينية منذ عهد ) هونج تي ( : ) 2697 ق – م ( إلى العصر الذي عاش فيه، واستقصى الثاني تاريخ الصين خلال ألف و ثلاثمائة و اثنين و ستين سنة (8).
اهتم اليابانيون بالتاريخ مثل الصينيين، و يرى المتخصصون الأربيون في الدراسات اليابانية أن الكتابة التاريخية اليابانية ، ترجع إلى القرن السادس قبل الميلاد . و قد ترجمت إلى الانجليزية الحوليات اليابانية التي تمت سنة 720 ميلادية ، تبدو فيها طابع التأثير الصيني، إلا أنه حدث تطور ملحوظ في الكتابة التاريخية اليابانية ما بين القرنين الميلاديين ) 10 – 13 ( حيث اتسمت بأحكام السرد و إجادة التفكير التاريخي . أما في عهد الإقطاع ظهرت حوليات كثيرة و لكن قل ظهور المؤرخين الممتازين …
و أول مؤرخ ياباني صعد بالتاريخ إلى المرتبة العالمية هو " هاليسكي " ) 1657 – 1725 ( و يعتبره اليابانيون أعظم مؤرخيهم أصالة و أوسعهم إحاطة ، ومن كبار مؤرخي اليابان ) ربي سانجو ( ) 1780 – 1833 ( و في العصر الحديث ظهر في اليابان مؤرخون لهم وزنهم مثل ) موتوري نوريناجا ( ) 1730 – 1801 ( و هرانا استاني ) 1776- 1843 ( و ميزات الأدب الياباني كثرة الروايات اليابانية التاريخية التي ترجع إلى القرن العاشر و القرن الحادي عشر .
أما في الهند فإن التنافر في العادات و التقاليد و اللغة لم يساعد على ظهور الكتابة التاريخية ، لذلك ليس للهندوس تاريخ قومي مكتوب و قد استطاع الهنود أن يعبروا عن أفكارهم و خوالجهم في الكتب المسماة " فيدا " و هي تضم وصفات الحياة الاجتماعية لطائفة الهنود الآرين وآرائهم في الله و الكون و الإنسان و كذلك في الملاحم العظيمة مثل المهاراتا و االرامايانا، و مجموعة الحكم و الأمثال المسماة سوترا، و لكنهم لم يعنوا بتدوين أخبار الحياة الإجتماعية والأحداث الخارجية العادية .
وأقدم المؤلفات التاريخية الهندية لا ترجع إلى أبعد من القرن الحادي عشر الميلادي و أشهرها كتاب ) ملوك كاسميرا ( و تغلب عليه الروح الشعرية والنزعة الأسطورية (9) .
أما فيما يخص بني إسرائيل يرى " بارنز barnes " في كتابه ) أصول الكتابة التاريخية ( بأن الرخاء العظيم الذي استمتع به اليهود و المكانة التي ظفروا بها في ظل المملكة المتحدة في عهد " (شاول و داوود و سليمان( من البواعث الحافزة على كتابة التاريخ، وأقدم محاولتهم للكتابة التاريخية عهدا تتمثل في الأسفار الخمسة ، و سفر يشوع و سفر صمويل و سفر الملوك ..
ويرى الأستاذ برستيد brasted بأن هذه الأسفار هي أقدم ما نملك من الكتابة التاريخية عند قوم من الأقوام ومؤلفها المجهول هو أقدم مؤرخ في العالم القديم (10).
فكيف إذن ظهر هذا الأدب التاريخي عند بني إسرائيل؟ و بالرجوع إلى المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس ) 37 – 105 م ( الذي يعتبر مؤرخ اليهود القومي فقد كتب بعد أن فقد اليهود وحدتهم و سقوط دولتهم و حاول إعادة ذكرى أمجادهم السالفة ليهون عليهم، لذلك عمد إلى المبالغة و الإشادة بالماضي .
يرى " فلنت " أن اليهود كانوا يعتقدون أن الله هو المحرك الأسمى للتاريخ ، و أن مملكته هي الغاية التي يتجه إليها التطور التاريخي .
و قد عرف اليهود بشدة اعتزازهم بماضيهم وإكبارهم لتاريخهم … (11)
و يعتبر التلمود أهم الكتب اليهودية، و هو مستودع للتراث اليهودي كله سواء التاريخي أو الجغرافي أو السياسي أو الأدبي و يقول عالم النفس الأمريكي " اريك فروم " في كتابه ) الدين و التحليل النفسي) بأن العهد القديم من الكتاب المقدس ) أي الكتابات اليهودية ( قد كتبت بروح الدين التسلطي و صورة الإله فيها صورة الحاكم المطلوب لقبيلة أبوية (12) Patriacal
و بخصوص الكتابات اليهودية يقول " اسبينوزا " : " لا ندري في أية مناسبة و في أي زمن كتبت هذه الأسفار التي نجهل مؤلفيها الحقيقيين، و لا نعلم ممن جاءت المخطوطات الأصلية التي وجد لها عدد من النسخ المتباينة، و لا نعلم أخيرا إن كانت هناك نسخ كثيرة أخرى في مخطوطات من مصدر آخر … ( (13)و يضيف نقلا عن ابن عزرا : " إن موسى ليس هو مؤلف الأسفار الخمسة بل إن مؤلفها شخص آخر عاش بعده بزمن طويل " (14) أي بقرون عديدة و يقول أيضا بأن أسفار الأنبياء ) أي أنبياء بني إسرائيل ( قد أخذت من كتب أخرى ورتبت ترتيبا معينا ، لم يكن دائما هو الترتيب الذي سار عليه الأنبياء في أقوالهم أو في كتاباتهم ، كما أن هذه الأسفار لا تتضمن جميع النبوات ، بل بعض النبوات فقط التي أمكن العثور عليها هنا و هناك، وبالتالي فليست الأسفار إلا مجرد شذرات صيغت على شكل رواية هي مجموعة من الفقرات المأخوذة من كتب الأخبار المختلفة ، بالإضافة إلى إنها تكون خليطا دون ترتيب و دون مراعاة للتواريخ ..(15)
إن الفريسين هم وحدهم الذين اختاروا أسفار العهد القديم ) من بين الكثير غيرها ( ووضعوها في المجموعة المقننة.
إن المجامع (synodes ) هي من قرر أي الأسفار يجب وضعها بين الكتب المقدسة و أيها يجب إبعادها، و بالتالي فإن سلطة جميع هذه الأسفار مستمدة من سلطة المجامع الدينية و سدنة الهيكل، إلا أن هذا لا يكفي لإثبات المصدر الإلهي لهذه الأسفار، فضلا عما تتضمنه الروايات و القصص الواردة في هذه الأسفار من أساطير و أوهام و خرافات، تجعلها أقرب إلى الآداب التاريخية البدائية …
إن الكتبة التاريخية اليونانية لم يتيسر ظهورها قبل القرن السادس قبل الميلاد ، ) و قد أشرنا إلى ذلك من قبل (، و لا شك أنه توجد في أسفار هوميروس معلومات وافرة عن المجتمع اليوناني و الثقافة اليونانية تقدم صورة واضحة لحضارة عصره …
إلا أن شيوع الكتابة النثرية، و كذلك النظرة النافذة إلى الأساطير الشائعة، وبواعث البحث عن أصول المجتمع و نشأة النظم و القوانين والعادات والتقاليد في منتصف القرن السادس قبل الميلاد ساهمت في توفير الشروط، والمستلزمات للسرد التاريخي..
ففي مطلع القرن السادس بدأ ) كادموس الميليتي ( ممارسة الكتابة النثرية بدلا من الكتابة الشعرية ، و يعد في طليعة الكتاب الناثرين في الأدب اليوناني ، و في نفس الوقت بدأ ظهور الفلسفة التي وضعت أصول التفكير الحر و شجعت على النقد (16)
ثم إن إنشاء المستعمرات و التبادل التجاري، أثر في تقدم الحضارة اليونانية ) في إيونيا وبحر إيجي( كما أن بروز الروح الناقدة ساعدت على تقدم الفلسفة و الأدب و الكتابة التاريخية.
و كذلك فإن احتكاك الثقافات يثير حب الاستطلاع و يحفز إلى التفكير و ينمي العقل.
إن نشوء الكتابة التاريخية كان جزءا من الحركة الفلسفية التي بدأت في ذلك العصر …
و قد ظهرت الرغبة لدى بعض البارزين لإبراز أدوارهم و مكانتهم الاجتماعية و عراقة أنسابهم ، فظهر كتاب يقومون بمهمة تمجيد الأسر الحريصة على إثبات عراقة الشرف و النسب …
و أدى هذا الاهتمام إلى تحري النساب الميل إلى العناية بالجغرافيا و دراسة أخلاق الشعوب المختلفة و عاداتها ، و تقاليدها و وسائل أحوالها الإجتماعية و الثقافية و التاريخية …
لذلك يغلب في الكتابة التاريخية عند اليونان الوصف الجغرافي و الإسهاب في الحديث في مختلف جوانب الحياة الإجتماعية للأمم التي يرد ذكرها ، و تسرد أخبارها " (17)
و قد بدأ المؤرخ ) هيكاشيوس ولد 550 ق- م( الكتابة العلمية للتاريخ بتحريه الحقيقة في المعلومات التي أوردها، كما كان له موقف ناقد من الأساطير المتداولة، و يقول بهذا الصدد " ما أكتبه هنا ) كتاب الأنساب ( تقرير و بيان لما أعده حقا، و ذلك لأن الأقاصيص اليونانية كثيرة و في رأيي أنها تدعوا إلى السخرية (18) .
و هناك كتاب التاريخ الذي ألفه ) هيرودوت 425 – 484 ق – م ( و هو مؤلف تاريخي شامل . و يعتبر " هردوت " بمثابة الأب لعلم التاريخ.
كان رحالة مطبوعا على حب الاستطلاع ، و الحرص على التزود من المعرفة ، و كان يسأل و يستفسر ، و يجمع المعلومات و الأخبار بمختلف الوسائل و السبل ، و يحاول أن يتعرف على العادات ، و التقاليد ، و العقائد و الأديان و القوانين و النظم ، لا يكاد يفلت من اهتمامه الفاحص و نظرته الشاملة شيء، و بقوة عبقريته استطاع أن يضمن كتابه كل ما رآه بعينيه و سمعه بأذنيه في أسلوب جذاب وعرض شائق مما جعل كتابه من طرائف كتب التاريخ الخالدة (19) .
و الموضوع الرئيسي في كتاب ) هرودوت (هو الحرب الفارسية و بخاصة القضاء على حملة ) اكسيركسيس ( و المعلومات التي جمعها حول هذا الموضوع رجحت أهميتها و فائدتها ..
و قد أخذ عليه تقصيره في وصف المعارك الحربية التي دارت بين الفرس و اليونان ..، و لكن مزاياه البارزة، أن عاطفته القومية لم تتغلب على أحكامه ، و بهذا نجده ينصف الفرس ، و يقر لهم بالشجاعة والإقدام ، الأمر الذي عرضه لنقد اليونانيين الشديدي التعصب لقوميتهم(20).

كانت الحرب الفارسية اليونانية في رأي هيرودوت تمثل تصادم طرازين من طراز الحضارة و هما الحضارة الهيلينية و الحضارة الشرقية و لذلك عمد إلى وصف سكان الضفة الغربية للبحر الأبيض المتوسط و العالم الآسيوي ، في القرنين السادس و الخامس قبل الميلاد و صفا تناول فيه الأحوال الإجتماعية و الثقافية ..
و يمتاز وصفه بالنزاهة التامة و التخلص من التعصب الجنسي أو الإقليمي، و قد أكدت البحوث الأثرية الحديثة صدق الكثير من أقاصيصه و أوصافه الإخبارية، و كان يفرق بين ما رآه بنفسه و بين ما يعتقده ، و بين ما يرويه من الأخبار السائدة و الأخبار المتداولة ..
و قد أظهر إيثاره لانتصار أثينا على اوتوقراطية الإمبريالية الفارسية ..
و في كتابه الذي يعتبر ملحمة إنسانية ضخمة ، يبدو تأثره بفكرة تدخل الآلهة في الشؤون الإنسانية …
إن مكانته بوصفه مؤرخا فنانا ، قدم أروع النماذج في السرد التاريخي الرفيع الحي النابض ، فوق متناول الشكوك(21) .
ومن معاصريه المؤرخ ) توقديد thucydide ( ) 396 – 456 ق – م ( الذي تناول الكتابة التاريخية بطريقة مخالفة لطريقة " هيرودوت " فقد أثر الجدية في البحث وتشدد في أبعاد الأساطير و الخرافات التي كان " هبرودوت " يميل إليها و يجد متعة في روايتها.
و قد وضع حدا فاصلا بين المنهج الملحمي ، و التأثر بالاعتقاد بما فوق الطبيعة ، و بين الكتابة التاريخية التي تقوم على تمحيص الحقائق، و استقصاء الأسباب المعقولة للأحداث و العلل الدنيوية ، و أعرض عن الاستطرادات ، واختار موضوعا محدد المعالم هو ) الحرب البليونسية 431 – 404 ق–م) و مجالها أقل اتساعا من المجال الذي اختاره " هيرودوت " ، و قد أعد كتابه في عهد نشوب الحرب و وقوع الصدام ، و يقول " برنز " بأن الصورة الموجزة التي قدمها في كتابه حول ارتقاء بلاد اليونان من حكومات المدن إلى الإمبراطورية الأثينية تبين أن (توقديد) كانت له قدرة عظيمة على بلورة رؤية تاريخية مؤسسة على قراءة دقيقة للأحداث و صيرورتها ..
و قد أظهر بأن أهمية الكتابة التاريخية متوقفة على دقة المعلومات، و صحتها، أكثر مما هي متوقفة على العرض الجذاب .
و هو في تماسك أسلوبه، و اكتفائه بالتفاصيل الوثيقة الصلة بموضوعه ، يعد في طليعة أوائل الداعين إلى التزام المنهج العلمي في كتابة التاريخ …
و قوام هذا المذهب الدقة في تمحيص المادة التاريخية التي يجمعها المؤرخ وهو القائل بأن المعرفة الوافية الدقيقة لما حدث مفيدة و نافعة، لأنه من المرجح احتمال وقوع أحداث شبيهة لما سبق أن حدث(22).
كان بالإضافة على نقد المراجع شديد الحرص على فحص الوثائق والأصول، وكان بارعا في تنسيق المواد التي يجمعها وكذالك في تفسيرها و بالفعل فقد كان ينظر إلى التاريخ من الناحية السياسية، و لكن من منظور السياسي الفيلسوف في ربطه بين المشكلات التاريخية و الأسباب السياسية ، و إلمامه بالأسباب المباشرة و الأسباب البعيدة و لم يكن يسمح لأي معتقد ديني أن يلون رؤيته التاريخية و يؤثر في أحكامه التاريخية ، لأنه كان يريد أن يكتب تاريخا صحيحا ..
و قد أخذ عليه أنه أعطى أهمية للعوامل الجغرافية في المواقف التاريخية، و أنه أغفل تأثير العوامل الثقافية و الاجتماعية والاقتصادية في سير التاريـخ (23).
أما المؤرخ اليوناني " بوليبوس " ) 198 – 117 ق – م ( فقد تناول صعود الإمبراطورية الرومانية و تطور نظامها السياسي حتى سنة ) 146 ق – م ( ، كما أبرز المثل العليا السياسية الرومانية ، و أساليب الرومان في الحرب، و رأي بأن العبقرية السياسية للرومان تجلت باتخاذ نظام للحكم يجمع بين النظام الملكي و النظام أرستقراطي و النظام الديمقراطي و بهذا المزج بين نظم الحكم الثلاثة استطاعوا أن يتجنبوا الخضوع في الحركة الدائرة ) الانتقال من نظام إلى آخر ( .
كان نافذ الرأي في الحكم على السياسات ، و دارسا متعمقا للأحداث والشخصيات، و تصويره لبعض الشخصيات التاريخية المشهورة مثل " هنبال " يعد من طرائف فن التصوير التاريخي كما أنه كان يؤكد على قيمة المعرفة الجغرافية في استجلاء حقائق التاريخ وتقلباته …
وكان يرى بأن معرفة الحقائق التاريخية المؤكدة، قد تعين في تنظيم إدارة الحكم ، و توجيه الأحوال العامة ، و حل المشكلات العارضة و تفريج الأزمات المفاجئة، و قد عني بمسألة السببية في الأحداث التاريخية و كان أكثر تعمقا من " توقديدس " في تحليل الأسباب غير الشخصية المؤثرة في حركة التاريخ ، و لو أن تفسيره كان يغلب عليه الجانب الأخلاقي أكثر من تغليب الناحية الاقتصادية و الاجتماعية (24) .
أما الرومان فإنهم لم يضيفوا للأدب التاريخي إضافات مبتكرة، و ذهبوا في العناية بالتاريخ مذهب اليونان ، و قد اتخذوا الكتابات اليونانية قدوة لهم في سائرنواحي الثقافة و مختلف فنون الأدب ..
إلا أن انتصار الديانة المسيحية على الوثنية كان له تأثير بعيد المدى في الكتابة التاريخية و في الأفكار التي كان يسترشد بها المؤرخون …
و أصبح الإيمان الديني المرجع الأعلى و الركن الأقوى و صار الاعتقاد بما فوق الطبيعة محك الفضائل …
لقد أسبغت الفلاطونية الجديدة على التفكير الديني هالة فلسفية و كان لها أثر واضح في تفكير القديس "أغسطين " و ذهب المؤرخون المسيحيون الأوائل إلى أن حركة التاريخ جزء من الحركة الكونية و قد تجلى هذا الاعتقاد في أوضح صورة في كتاب ) مدينة الله ( الذي كتبه القديس ) أغسطين ( حيث قسم التاريخ قسمين هما : تاريخ ديني مقدس ، و تاريخ دنيوي (25) .
بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية عمت الفوضى و خمدت الحركة الفكرية و ساد الجهل و التخلف و التعصب الديني، و لم تعد هناك عناية بكشف الحقائق، مما أدى إلى تفشي الأباطيل و الأخبار الزائفة خدمة لأغراض العصر، و مراعاة لمصالح الكنيسة، و المطامع الشخصية والولاءات لبعض الجماعات و المذاهب التي تقف حجر عثرة في سبيل تحرير التاريخ و تقدمه، و أصبح الحرص على الولاءات أهم و أوجب من الحرص على الحس التاريخي ..
ففي العصر الوسيط كانت معظم الكتابات التاريخية لنصرة الأمراء و الأعيان، و الأسر و الجماعات، و لتأييد مذهب من المذاهب الرائجة (26) .
بالنسبة لمؤرخي الإسلام ، كان التاريخ مصدرا للعبرة و الفطنة و المعرفة ، و اكتشاف السنن، و التعرف على قوانين الحركة التاريخية و الإفادة من التجارب من أجل الوقاية الحضارية .
و كانت للتاريخ أهميته في تشكيل الوعي التاريخي و الثقافي للأمة ، باعتباره وعاء الفعل الحضاري ، و ميدان تنزيل القيم على الواقع ، و ذاكرة الأمة (27) .
إن الكتابة التاريخية نشطت و ازدهرت و تنوعت خلال القرن الثاني الهجري ، و من أشهر مؤرخي هذه الفترة ) محمد بن اسحاق ( و الواقدي ، و الهيثم بن عدي ، و هشام بن محمد السائب ..
و قد مهد هؤلاء المؤرخون بما جمعوا من مادة السبيل لظهور المؤرخ المحدث الكبير ) محمد بن جرير الطبري – 310 هـ ( و اضرابه من كبار المؤرخين الذين عاصروه اوجاؤوا بعده(28)
كان الوافدي و ابن إسحاق من الذين انتقلوا من الحديث إلى الأخبار ، أما ) ابن جرير الطبري ( فقد كان محدثا كبير ، و إخباري من الطراز الأول ، و توفر هاتين الخصلتين ساعدت على رفع مستوى المؤرخين عند المسلمين ، و أعادت إلى التاريخ إعتباره ، و جعلت جهابذة العلماء و كبار الفقهاء يقبلون على دراسة التاريخ و التأليف فيه و الانقطاع له … (29)
و يأخذ على )الطبري ( أنه لم يتجاوز الوصف و السرد الحولي ، و لم يحاول سبر غور الأحداث و الكشف عن البواعث العميقة المستحقة التي تعمل وراء التغيرات الإجتماعية الظاهرة ، و كان يكتفي بذكر الأسباب المباشرة معتمدا في رواية الحوادث على الإسناد ، دون أن يخضع النص ببحثه و تحليله أو يزنه بميزانه …
و قد انتقد ابن خلدون هذه الطريقة في مقدمته ، و قال بأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل لم تحكم أصول العادة و قواعد السياسة و طبيعة العمران و الأحوال في الاجتماع الإنساني و لم يؤمن فيها من العثور و زلة القدم و الحيد عن جادة الصدق(30) .
ولعل الإنصاف يقتضي بان نسجل أن (الطبري) كان واسع المعرفة غزير العلم، مستقل التفكير ، والأرجح أنه كان يغربل الروايات والأقاويل ،فيثبت ما يطمئن إليه ويراه جديرا بالثقة ، وينفي ما يداخله فيه الشك ، مما يدل على دقة النظر وصدق الحكم، وقد مهد الطريق لمن جاء بعده من كبار مؤرخي الإسلام مثل المسعودي ، صاحب مروج الذهب ، وابن مسكويه مؤلف كتاب تجارب الأمم، وابن الأثير ( كتاب الكامل ) وابن الفداء صاحب كتاب المختصر في تاريخ البشر، وابن خلدون مؤلف كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر(31)
ولا شك بأن التاريخ الإسلامي نشأ على غير مثال سابق أي أنه ليس نقلا أو اقتباسا أو استعارة من الغير…
" إن تأليف التاريخ الإسلامي من إبداع العرب .لقد فشلت المحاولات للعثور على مؤثرات خارجية ،يونانية أو فارسية على غرار ما كشف المنقبون ،من مؤثرات أجنبية في الفلسفة وعلم الكلام.
ويحق لنا إذن أن نضع التاريخ في مقام النحو أي في ميدان أظهر فيه العرب الأوائل أصالة وقوة على الخلق والإبداع لاشك فيهما." (32)
فالظاهر أنه ولد نتيجة لتطور المجتمع الإسلامي ومع تغير المناخ الفكري ..
وأغلب المؤرخين كانوا متأثرين ببيئتهم ونزعتهم المذهبية، وعقيدتهم السياسية، ولكن حظهم من النزاهة كان موفورا إلى حد كبير.
وقد اشتهر مؤرخو الإسلام بمراعاة الدقة في تسجيل الحوادث وتأريخها – كما امتاز التاريخ الإسلامي بإسناد الرواية التاريخية إلى شاهد عيان، فنشأ نوع من التدقيق يقوم على فحص سلسلة الاستناد..
ولما استقل التاريخ عن علم الحديث، تميز الإخباري عن المحدث ونشطت حركة الكتابة التاريخية، كما أن علم التفسير ساعد على التوسع في معرفة التاريخ والاهتمام به من طرف العلماء والفقهاء ..
وعلم التاريخ الإسلامي هو علم شامل يضم علم البلدان. وعلم السير والتراجم، والحوليات، وعلم المعرفة التاريخية.
والخلاصة أن المعرفة التاريخية من المنظور إلاسلامي، معرفة بخبر عن الواقع وفي الوقت نفسه علم بالوقائع الاجتماعية وطبائع ا لعمران وأسبابه وعلله..
فالثقافة التاريخية إذن تنمي الحكمة التي يتولد عنها عمق الاختيار وسعته، والتي تلح على الإنسان في التساؤل حتى يصل الأعماق والجذور…
وقد بلغ المؤرخون المسلمون درجة رفيعة في مجال الكتابة التاريخية ،ومثلوا عصرهم وثقافتهم خير تمثيل وساهموا في تقديم النموذج المثالي للمؤرخ وأساليبه في أداء رسالته…
ومن نافلة القول أن ما عرضناه حول أطوار تاريخ الكتابة التاريخية ونشأتها إنما قصدنا منه أن نقف عند رسالة المؤرخ لنستخلص منها أن مهمة المؤرخ ترتكز أساسا على استقراء التاريخ وتأويله أو بعبارة أدق قراءته…

-3-
فالتاريخ ليس هو الحوادث إنما هو تفسير هذه الحوادث، واهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية، التي تجمع بين شتاتها وتجعل منها وحدة متماسكة الحلقات ،متفاعلة الجزيئات ممتدة مع الزمن والبيئة امتداد الكائن الحي في الزمان والمكان . ولكي يفهم الإنسان الحادثة، ويفسرها ويربطها بما قبلها وما تلاها، ينبغي أن يكون لديه الاستعداد لإدراك مقومات الحياة البشرية جميعها : معنوية ومادية (33)
فمهمة المؤرخ تكمن في إدراك الحادثة التاريخية وفهمهما على الوجه الأكمل إلا أن أي نقص في الإدراك أو قصور في القدرة على النظر إلى الحادثة من شتى جوانبها، يعد عيبا في منهج العمل التاريخي وليس مجرد خطأ جزئي في تفسير حادثة أو تصوير حالة. (34)
فلا بد إذن من رؤية تنفذ إلى جوهر الأشياء ولب الوقائع والأحداث التاريخية، بقصد معرفة علاقاتها الصحيحة، والقيم الإجتماعية الكامنة فيها وكذلك الوقوف على العوامل المؤثرة في حركة التاريخ وصيرورته.ولعل اتساع آفاق المعرفة ، وتواصل الثقافات أدى إلى طرح تساؤلات منهجية ومعرفية، وفلسفية حول حمولة ومعاني ومضامين الكتابة التاريخية .
ومن ثمة فإن التاريخ ليس مجرد صور ، وتسجيل لأحداث بل منهج للاستقراء . والنقد والتقويم ، يكشف عن الحقائق الاجتماعية التي تصنع الحدث ، وتحدد المصير والرؤية المستقبلية .
ونظرا إلى أن الثقافة التاريخية هي مصدر معرفتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية … فلابد من الوقوف عند جميع القضايا، والنماذج، سواء تعلق الأمر بالإستبداد السياسي أو الظلم الإجتماعي والصراع الطبقي أو الانحراف السلوكي أو الفكري والثقافي أو التقليد الإجتماعي أو الفساد الإقتصادي .
وضرورة استخلاص العبر من كل ما يمكن أن يترتب عن هذه القضايا جميعها.(35)
يرى " كولنجوود " بأن التاريخ كله من صنع المؤرخ . في حين يرى ( سينيوبوس) أن التاريخ هو ثمرة جمع الو تائق ونقدها وترتيبها وتحليلها ، واستنباط المعلومات الكامنة فيها واستخلاص أحكام ثابتة على قضايا متميزة.(36)
إلا أن منطق التاريخ يفترض وجود فكر تاريخي وراء أي كتابة تاريخية.
وإذا ما درسنا التاريخيات الإسلامية وحللنا المفاهيم الأصلية عند المؤرخين المسلمين ’ فسوف نصل إلى تصور متكامل للتاريخ كصناعة وكتخصص معرفي.(37)
ومن هذا المنطلق، فإن المؤرخ المتمكن يجمع بين دقة ملاحظة العالم ونزاهته ، وبداهة الفنان وألمعيته، وزكانة الفيلسوف وبعد وغوره ، ولذلك لم يظهر كبار المؤرخين في مختلف الحضارات إلا في أوقات النضج والاكتمال ، وليست القدرة على الكتابة التاريخية من الهبات التي تجود بها الطبيعة في يسر وإسماح وإنما هي ثمرة من ثمرات الثقافة المتمكنة الأصلية.
كما أن النظر إلى الحقيقة التاريخية يتطلب رؤية صادقة ، ومعرفة بقوانين الطبيعة ،وطبائع البشر ،وسعة في النظر وأناة في إصدار الأحكام.(38)
والتاريخ الطويل هو محل الرؤية والاستقراء، والاستنتاج لمثل هذه القوانين التي تحكم الحركة البشرية عموما .
فلا بد إذن من فهم هذه القوانين التاريخية فالتغيير رهين باستيعابها، واكتشاف عوامل وأدلة التحريك فيها لذلك ركز الاستعمار على دراسة التاريخ والعلوم الإجتماعية ليكون ذلك مدخله الصحيح إلى التحكم وبسط سيطرته فالثقافة التاريخية والاجتماعية هي مفاتيح الشعوب ،ودليل التعامل معها (39) والثقافة التاريخية أيضا مصدر للمعرفة التي تستوعب المعلومة ،وتوسع الخبرة، وتغنى التجربة، وتعرفنا على أسباب التداول الحضاري .
ومن هذا المنظور فإن التاريخ هو المفتاح الكبيرللمشكلات المعقدة .
والتاريخ هو الرحم الذي خرجت منه العلوم الاجتماعية واستقرئت قوانينها ،وفلسفتها ونظرتها الكلية التي تنظم جميع الجزئيات، وكان السبيل إلى إكتشاف الحركة الإجتماعية . لأنه المختبر الحقيقي للمبادىء والقيم والفلسفات .
والتاريخ ليس حركة عشوائية ،قائمة على المصادفة،وإنما ينتظمه قانون وتحكم حركته سنن، وهو أعمال وصناعة البشر أصحاب القدرات والإرادات، والمسؤوليات ..
ولو لم يكن للتاريخ هذا البعد لما استحق أن يكون علما ومصدرا للعبرة والتجربة للإنسان في كل زمان.
ولما جاز أن يترتب عن الفعل التاريخي أية مسؤولية وعبر تغذى عقولنا…
وبكلمة مختصرة لما كان لقصص التاريخ أي معنى في صناعة الحاضر ورؤية المستقبل..(40)
إن تشكل الوعي التاريخي هو الباعث لأية عملية للإصلاح والتغيير ،واستشراف لآفاق المستقبل ..
وتأسيسا على ذلك فإن الوعي التاريخي يتطلب معرفة عميقة بطبائع العمران البشري وأسبابه وعلله ،مع إدراك صحيح للوقائع أو الظواهر الإجتماعية والثقافية المؤثرة في الأحداث وصياغة ملامحها وتشكل أنماطها الإجتماعية والتاريخية بفعل التأثيرات المتبادلة للنشاطات الإنسانية المختلفة..
فالمعرفة التاريخية من منظور أو مرآة المؤرخ تتمثل في تحليل الحدث ومعرفة قوانين ، بهدف وضع تاريخ علمي يرتكز على قواعد النقد السليم وتحديد العوامل الكامنة وراء تطور الوقائع الأساسية المتعلقة بالجغرافيا البشرية والمظاهر الكبرى ذات الصبغة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية (41) فالكتابة التاريخية إذن تنكب على فهم الحدث وتأويله وتطبيقه بغرض تحديد أو استكشاف أبعاد الوظيفية التاريخية لعصر من العصور وما قد يترتب على ذلك من تأثير على الحقب أو الأجيال اللاحقة .
ومما تجدر ملاحظته في هذا السياق أن العلوم الاجتماعية الحديثة، ميزت بين الوظيفة التاريخية والدور التاريخي …، فالدور محدود في الزمان ،أما الوظيفة قد تتجدد وتؤثر في العصور اللاحقة .
ومن ثمة فإن الدور يرتبط بشبكة التفاعلات الإجتماعية أي بالواقع الظرفي أو العوامل الذاتية .
أما الوظيفية ،فترتبط بغاية بعيدة المدى بالبنيات والمؤسسات الاجتماعية أي بالعوامل الموضوعية وبالتالي تتجاوزالدور التاريخي او الأدوار التاريخية ..(42)
إن أهمية الثقافة التاريخية تتمثل بحق في نشأة الوعي التاريخي الذي يحرر العقول ويطلق الإرادات ويدفع بالقدرات الفاعلة للقيام بترجمة القيم والمبادئ إلى حقائق منزلة على الواقع الإجتماعي ..
فالغاية إذن من المعرفة التاريخية أو من التاريخ كعلم يهتم بالإنسان بكل مكوناته وتجلياته وتشكلاته، تتلخص في فهم قوانين الإجتماع البشري من أجل تأصيل الحاضر، وبما أن الوسيلة تؤدي إلى الغاية فإن معرفة القوانين الإجتماعية تساهم بالتاكيد في تطوير الواقع وحل مشكلاته، والقضاء على أسباب معوقاته..، وفتح مغالقة التي تمنع أي محاولة لتطويره ..(43).
فتفسير التاريخ أو قراءته من أجل فهم طواياه انما هو وسيلة تمهد الطريق، وتؤسس لفكر منهجي مستوعب لمجمل القوانين الحاكمة، لبناء الأمم وسقوطها ..، والهدف هو معالجة القضايا والأسئلة التي تدور حول كيفية التحرك والنهوض بالمجتمعات، واستخدام أدوات المعرفة التاريخية في فهم الماضي واستشراف المستقبل.

-4-
إن السؤال الذي عمدنا إلى طرحه في مستهل هذا البحث حول المضامين النسقية والأساليب المنهجية لمقاربة قراءة التاريخ إنما نروم من خلاله لفت النظر إلى أهمية الثقافة التاريخية في تكوين العقل المعرفي.(الأبستيمولوجي) الذي من نتائجه الهامة أنه جعل من الفكر والعلم والمعرفة المصدر الأول للتطور والأداة الفعالة في التغيير التاريخي المنشود من جيل إلى آخر.
لهذا انصب اهتمامنا على المقاربة المنهجية لما يتضمنه النص التاريخي من أحداث وصور ووقائع تحبل بالمعاني والعبر التي تلخص التجربة الإنسانية وتحيل على أسبابها وعللها.وبحق نستشف منها الحقائق والمثل التي تضيء السبل، وتفتح الآفاق وتشحذ الإرادات الخلاقة والمبدعة والمجددة للمجتمعات والمؤسسة للدول.
وما يجب استخلاصه من الدرس التاريخي هو أن الوعي التاريخي تنشأ عنه الوظيفة التاريخية التي تجعل جيلا معينا يقوم بدور تاريخي ويسهم في حركة التاريخ لعصره، في مختلف المجالات : السياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصاية ..
فلنقرأ التاريخ إذن باعتباره غاية الى تطور الدول ووسيلة لبناء المجتمعات المتحضرة.
وبحق فإن الفيلسوف هيجل فسر التاريخ كله بالصراع الدائم بين فكرتين أي أن الحركة التاريخية هي خلاصة جدل قائم بين الفكرة ونقيضها.
ومن ثمة لم يعد علم التاريخ محصورا في جمع المعلومات عن الماضي وتحقيقها، وسرد الأحداث أو رواية الأخبار، وتسجيلها، وتفسيرها..
فالتاريخ يدرس التطور البشري في جميع مناحيه وأطواره، بحثا عن الغاية من جدلية التاريخ، وحركته الدائبة وصراعه المحتدم، بين عالم الأفكار وعالم الأشخاص وعالم الأشياء.
الهـوامـــش:
1. عبد الله العروي- مفهوم التاريخ – ج II المركز الثقافي العربي ط I 1992 ص 309
2. علي أدهم – تأريخ التاريخ – كتابك رقم 6-دار المعارف- 1977 ص3
3. م –س- ص 5
4. م –س- ص 9
5. م –س- ص 10
6. م –س- ص 12
7. م –س- ص 13
8. م –س- ص 14-15
9. م –س- ص 18
10. م –س- ص 20
11. م –س- ص 21
12. د/ محمد الحسيني إسماعيل: بنو إسرائيل من التاريخ القديم .. وحتى الوقت الحاضر –مكتبة وهبة- ط I 2022 ص 19
13. اسبينوزا رسالة في اللاهوت والسياسة ترجمة د/ حسن حنفي دار الطليعة ط 4- 1997 ص 255
14. م-س- ص 266
15. م-س- ص 311
16. علي أدهم – م- س ص 22
17. م – س- ص 24
18. م – س- ص 25
19. م – س- ص 26
20. م – س- ص 27
21. م – س- ص 28
22. م – س- ص 30
23. م – س- ص 31
24. م – س- ص 33
25. م – س- ص 41
26. م – س- ص 44
27. د/ سالم أحمد محل –المنظور الحضاري في تدوين التاريخ عند العرب – كتاب الأمة رقم 60- ص 34
28. علي أدهم – بعض مؤرخي الإسلام- ص 28
29. م – س- ص 29
30. م – س- ص 33-34
31. م – س- ص 35
32. عبد الله العروي – العرب والفكر التاريخي ط 2- ص 79
33. سيد قطب في التاريخ فكرة ومنهاج دار الشروق ط 11 ص 37
34. سيد قطب – م- س ص 39
35. د/ سالم أحمد محل – المنظور الحضاري في تدوين التاريخ عند العرب ص 26
36. عبد الله العروي – مفهوم التاريخ – ج I ص 19
37. – م – س ص 20
38. علي أدهم – بعض مؤرخي الإسلام ص 1-2
39. د/ سالم أحمد محل – المنظور الحضاري في تدوين التاريخ عند العرب ص 22
40. م – س- ص 20
41. د/ نبيل خلدون فريسة – ابن خلدون مرآة الجو كندا ص 68
42. م – س- ص 18
43. د/ حسن حنفي –التراث والتجديد- ( المؤسسة الجامعية ط 5-2002 ) ص 13.


التصنيفات
تاريـخ,

صناعة المؤرخ / تويليه وتولار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صناعة المؤرخ / تويليه وتولار

الحجم : 3.22 MB

http://www.mediafire.com/?27vflf2q85wdu40#1


التصنيفات
تاريـخ,

حوار الحضارات / روجيه جارودى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حوار الحضارات / روجيه جارودى

الحجم : 8.7 MB

http://www.4shared.com/get/lCIlym9e/___online.html